→ كتاب الطلاق (مسألة 1971 - 1973) | ابن حزم - المحلى كتاب الطلاق (مسألة 1974 - 1979) ابن حزم |
كتاب الطلاق (مسألة 1980) ← |
كتاب الطلاق
1974 - مسألة: من قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو ذكر وقتا ما فلا تكون طالقا بذلك، لا الآن، ولا إذا جاء رأس الشهر.
برهان ذلك: أنه لم يأت قرآن، ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك، وقد علمنا الله الطلاق على المدخول بها، وفي غير المدخول بها، وليس هذا فيما علمنا ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه.
وأيضا فإن كان كل طلاق لا يقع حين إيقاعه فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه وقد اختلف الناس في هذا: فقالت طائفة: من طلق إلى أجل لم يقع [بذلك] الطلاق إلا إلى ذلك الأجل.
كما روينا من طريق أبي عبيد، حدثنا يزيد بن هارون عن الجراح بن المنهال نا الحكم، هو ابن عتيبة أن ابن عباس كان يقول: من قال لأمرأته: أنت طالق إلى رأس السنة: أنه يطؤها ما بينه وبين رأس السنة.
ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن عطاء من قال لأمرأته: أنت طالق إذا ولدت فله أن يصيبها ما لم تلد، ولا يطلق حتى يأتي الأجل.
وكذلك من قال: أنت طالق إلى سنة
ومن طريق أبي عبيد، حدثنا يزيد بن هارون عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد أبي الشعثاء قال: هي طالق إلى الأجل الذي سمي، وتحل له ما دون ذلك.
ومن طريق أبي عبيد، حدثنا هشيم أنا مغيرة عن إبراهيم النخعي فيمن وقت في الطلاق وقتا، قال: إذا جاء ذلك الوقت وقع. ورويناه أيضا عن الشعبي.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا أبو معاوية عن عبيدة عن الشعبي مثل قول إبراهيم وروي أيضا: عن عبد الله بن محمد بن الحنفية.
وروينا عن سفيان الثوري قال: من قال لأمرأته: إذا حضت فأنت طالق فإنها إذا دخلت في الدم طلقت عليه. قال: فإن قال لها: متى حضت حيضة فأنت طالق فلا تطلق حتى تغتسل من آخر حيضتها، لأنه يراجعها حتى تغتسل. وبأن: لا يقع الطلاق المؤجل إلا إلى أجله: يقول أبو عبيد، وإسحاق بن راهويه، والشافعي، وأحمد، وأبو سليمان، وأصحابهم. وقول آخر وهو أن الطلاق يقع في ذلك ساعة يلفظ به:
روينا ذلك من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب فيمن طلق امرأته إلى أجل قال: يقع الطلاق ساعتئذ، ولا يقربها.
ومن طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم نا منصور، ويونس عن الحسن: أنه كان لا يؤجل في الطلاق.
وروينا عن الزهري من طلق إلى سنة فهي طالق حينئذ.
ومن طريق أبي عبيد عن هشيم عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه كان لا يؤجل في الطلاق أجلا.
وروي عن ربيعة وهو قول الليث، وأحد قولي أبي حنيفة وهو قول زفر. وقول ثالث كما روينا من طريق عبد الرزاق، حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن، أنه قال: إذا قال: أنت طالق إذا كان كذا لأمر لا يدري أيكون أم لا فليس بطلاق حتى يكون ذلك ويطؤها، فإن ماتا قبل ذلك توارثا. فإن قال: أنت طالق إلى سنة فهي طالق حين يقول ذلك وهو قول مالك. وقول رابع روي، عن ابن أبي ليلى فيمن قال لأمرأته: أنت طالق إلى رأس الهلال قال: أتخوف أن يكون قد طلقها فوجدنا من حجة من قال: بأنه وقع عليه الطلاق الآن: أن قالوا: هذا الطلاق إلى أجل، فهو باطل كالنكاح إلى أجل .
فقلنا لهم: فلم قلتم: إنه إن قال: إن دخلت الدار فأنت طالق أنها لا تطلق إلا بدخول الدار، فإنه طلاق إلى أجل، فأوقعتموه حين لفظ به. وبهذا نعارضهم في قولهم: إن ظاهر أمره أنه ندم إذ قال: أنت طالق، فأتبع ذلك بالأجل فيلزمهم ذلك فيمن قال: أنت طالق إن دخلت الدار. وهو قول صح عن شريح ألزمه الطلاق دخلت الدار أو لم تدخله. وقالوا: إذا قال: أنت طالق، فالطلاق مباح، فإن أتبعه أجلا فهو شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل .
فقلنا: بل ما طلاقه إلا فاسد لا مباح إذ علقه بوقت، ولا يجوز إلزامه بعض ما التزم دون سائره فظهر فساد هذا القول، ويكفي من هذا أنه تحريم فرج بالظن على من أباحه الله تعالى له باليقين ونعوذ بالله من هذا. ولم نجد لمن فرق بين الأجل الآتي والآبد، وبين الأجل الذي لا يأتي حجة أصلا، غير دعواه لا سيما وهم يفسدون النكاح إذا أجل الصداق إلى أجل قد يكون وقد لا يكون، بعكس قولهم في الطلاق وكلا الأمرين أجل، ولا فرق.
وأيضا فقد يأتي الأجل الذي قالوا فيه: إنه يجيء وهو ميت أو وهي ميتة، أو كلاهما، أو قد طلقها ثلاثا: فظهر فساد هذا القول جملة وبالله تعالى التوفيق. وهم يشنعون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف وقد خالفوا هاهنا ابن عباس،
وأيضا فإنهم يوقعون عليه طلاقا لم يلتزمه قط وهذا باطل. ثم لو عكس عليهم قولهم، فقيل: بل تطلق عليه إذا أجل أجلا قد يكون وقد لا يكون ساعة لفظه بالطلاق، ولا تطلق عليه إذا أجل أجلا يأتي، ولا بد، لما كان بينهم فرق أصلا وبالله تعالى التوفيق. ثم نظرنا فيما يحتج به من أجاز ذلك وجعل الطلاق يقع إذا جاء الأجل لا قبل ذلك بأن قال: قال الله تعالى: {أوفوا بالعقود} .
فقلنا: إنما هذا في كل عقد أمر الله تعالى بالوفاء به، أو ندب إليه لا في كل عقد جملة، ولا في معصية، ومن المعاصي أن يطلق بخلاف ما أمر الله تعالى به، فلا يحل الوفاء به. وقالوا: " المسلمون عند شروطهم ". وهذا كالذي قبله، لأن رسول الله ﷺ قال: كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل. والطلاق إلى أجل مشترط بشرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل. وقالوا: نقيس ذلك على المداينة إلى أجل، والعتق إلى أجل .
فقلنا: القياس باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا، لأن المداينة والعتق قد جاء في جوازهما إلى أجل النص، ولم يأت ذلك في الطلاق. ثم لو كان القياس حقا لكان هذا منه باطلا، لأنكم مجمعون على أن النكاح إلى أجل لا يجوز، وأن ذلك النكاح باطل، فهلا قستم الطلاق إلى أجل على ذلك. وقالوا: قد أجمعوا على وقوع الطلاق عند الأجل، لأن من أوقعه حين نطق به فقد أجازه، فالواجب المصير إلى ما اتفقوا عليه .
فقلنا: هذا باطل، وما أجمعوا قط على ذلك، لأن من أوقع الطلاق حين لفظ به المطلق لم يجز قط أن يؤخر إيقاعه إلى أجل والذين أوقعوه عند الأجل لم يجيزوا إيقاعه حين نطق به. وقالوا: هذا قول صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف .
فقلنا: هذا من رواية أبي العطوف الجراح بن المنهال الجزري وهو كذاب مشهور بوضع الحديث فبطل هذا القول أيضا. والحمد لله رب العالمين.
1975 - مسألة: ومن جعل إلى امرأته أن تطلق نفسها: لم يلزمه ذلك، ولا تكون طالقا طلقت نفسها أو لم تطلق لما ذكرنا قبل من أن الطلاق إنما جعله الله تعالى للرجال لا للنساء.
1976 - مسألة: ولا يكون طلاقا بائنا أبدا إلا في موضعين لا ثالث لهما. أحدهما طلاق غير الموطوءة، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها}.
والثاني طلاق الثلاث مجموعة أو مفرقة، لقوله تعالى: {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره}.
وأما ما عدا هذين فلا أصلا، لقوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك}. ولقوله تعالى: {فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف}
وقال تعالى: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} فجعل إلى الزوج في العدة أن يراجعها أو يترك. وممن قال بذلك: الشافعي، وأبو سليمان، وأصحابهما، إلا أن الشافعي رأى الخلع طلاقا بائنا وليس عندنا كذلك، وسنتكلم فيه في بابه إن شاء الله تعالى. فمن قال لأمرأته: أنت طالق لا رجعة لي فيها عليك، بل تملكين بها نفسك، فإن الناس اختلفوا في ذلك: فقال أبو حنيفة، والشافعي، وأصحابهما، وابن وهب صاحب مالك: هي طلقة يملك فيها زوجها رجعتها، وقوله بخلاف ذلك لغو.
وقالت طائفة: هي ثلاثة،
وهو قول ابن الماجشون صاحب مالك.
وقالت طائفة: هي كما قال، وهو قول ابن القاسم صاحب مالك. والذي نقول به: إنه كلام فاسد لا يقع به طلاق أصلا، لأنه لم يطلق كما أمره الله عز وجل، ولا طلاق إلا كما أمر الله تعالى. قال رسول الله ﷺ: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. والطلاق الرجعي هو الذي يكون فيه الزوج مخيرا ما دامت في العدة بين تركها لا يراجعها حتى تنقضي عدتها، فتملك أمرها فلا يراجعها إلا بولي ورضاها، وصداق، وبين أن يشهد على ارتجاعها فقط فتكون زوجته أحبت أم كرهت بلا ولي، ولا صداق، لكن بإشهاد فقط. ولو مات أحدهما قبل تمام العدة وقبل المراجعة ورثه الباقي منهما وهذا لا خلاف فيه من أحد من الأئمة. والبائن هو الذي لا رجعة له عليها إلا أن تشاء هي في غير الثلاث بولي، وصداق، ورضاها، ونفقتها عليه في الطلاق الرجعي ما دامت في العدة، ويلحقها طلاقه.
1977 - مسألة: ومن قال: أنت طالق إن شاء الله، أو قال: إلا أن يشاء الله، أو قال: إلا أن لا يشاء الله: فكل ذلك سواء، ولا يقع بشيء من ذلك طلاق.
برهان ذلك: قول الله عز وجل: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله}.
وقال تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} ونحن نعلم أن الله تعالى لو أراد إمضاء هذا الطلاق ليسره لأخراجه بغير استثناء. فصح أنه تعالى لم يرد وقوعه إذ يسره لتعليقه بمشيئته عز وجل. وقد اختلف الناس في هذا: فقالت طائفة كما قلنا
كما روينا من طريق أبي عبيد، حدثنا معاذ بن معاذ عن ورقاء بن عمر، عن ابن طاووس عن أبيه فيمن قال لأمرأته: أنت طالق إن شاء الله قال: له ثنياه
ومن طريق وكيع عن الأعمش عن إبراهيم النخعي فيمن قال لأمرأته: أنت طالق إن شاء الله قال: لا يحنث.
ومن طريق وكيع عن أبيه عن الليث قال: اجتمع عطاء، ومجاهد وطاووس، والزهري: على أن الأستثناء في كل شيء جائز.
ومن طريق وكيع عن حكيم أبي داود عن الشعبي فيمن قال: أنت حر إن شاء الله تعالى قال: لا يحنث.
ومن طريق الحكم بن عتيبة فيمن قال: أنت طالق إن شاء الله له ثنياه. وعن أبي مجلز مثل ذلك وهو قول عطاء، وحماد بن أبي سليمان، وسعيد بن المسيب.
ومن طريق عبد الرزاق عن أبي حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال: إذا قال: إن لم أفعل كذا فامرأتي طالق إن شاء الله فحنث لم تطلق امرأته. وبه كان يأخذ أبو حنيفة، وعبد الرزاق قال: والناس عليه. وقال سفيان الثوري من قال: امرأتي طالق إن كلمت فلانا شهرا إلا أن يبدو لي أنه إن وصل الكلام فله استثناؤه، فإن قطعه وسكت ثم استثنى فلا استثناء له. وقال الأوزاعي في أحد قوليه: إن قال: إن فعلت كذا فأنت طالق إن شاء الله فالأستثناء جائز ;، ولا يقع الطلاق، وكذلك العتاق.
وبه يقول الشافعي؛ وأصحابه، وأبو ثور، وعثمان البتي، وإسحاق، وأبو سليمان وأصحابنا. وقال آخرون: لا يسقط الطلاق بالأستثناء:
كما روينا من طريق أبي عبيد، حدثنا سعيد بن عفير حدثني الفضل بن المختار عن أبي حمزة ` قال: سمعت ابن عباس يقول: إذا قال لأمرأته: أنت طالق إن شاء الله، فهي طالق. وقد صح هذا عن سعيد بن المسيب، والحسن، والشعبي، والزهري، وقتادة، ومكحول وهو أحد قولي الأوزاعي، ومالك، والليث، وأحد قولي ابن أبي ليلى.
وروي، عن ابن أبي ليلى: إن طلق واستثنى فالطلاق واقع، وإن أخرجه مخرج اليمين فله استثناؤه.
وقال مالك: فإن قال: أنت طالق إن شاء زيد أو قال: إلا أن لا يشاء زيد أو إلا أن يشاء زيد: فإنها لا تطلق إلا أن يشاء زيد واحتجوا في ذلك بأن مشيئة زيد تعرف، ومشيئة الله تعالى لا تعرف.
قال أبو محمد: وهذا باطل، بل مشيئة زيد لا يعرفها أبدا أحد غيره، وغير الله تعالى، لأنه قد يكذب،
وأما مشيئة الله تعالى فمعروفة بلا شك، لأن كل ما نفذ فقد شاء الله تعالى كونه، وما لم ينفذ فلا نشك أن الله تعالى لم يشأ كونه وهذا مما خالف فيه الحنفيون تشنيعهم بمخالفة صاحب لا يعرف له من الصحابة مخالف.
1978 - مسألة: ومن طلق امرأته ثم كرر طلاقها لكل من لقيه مشهدا أو مخبرا: فهو طلاق واحد، لا يلزمه أكثر من ذلك وهذا ما لا خلاف فيه، لأنه لم ينو بذلك طلاقا آخر.
1979 - مسألة: ومن أيقنت امرأته أنه طلقها ثلاثا، أو آخر ثلاث أو دون ثلاث، ولم يشهد على مراجعته إياها حتى تمت عدتها ثم أمسكها معتديا: ففرض عليها أن تهرب عنه إن لم تكن لها بينة فإن أكرهها فلها قتله دفاعا عن نفسها، وإلا فهو زنى منها إن أمكنته من نفسها وهو أجنبي كعابر السبيل فحكمه في كل شيء حكم الأجنبي.