→ كتاب الطلاق (مسألة 1962) | ابن حزم - المحلى كتاب الطلاق (تتمة مسألة 1962 - 1963) ابن حزم |
كتاب الطلاق (مسألة 1964 - 1970) ← |
كتاب الطلاق
وأما اعتدي فإن بعض من لا يبالي بنصر ضلالة بأن يورد الكذب المفترى على رسول الله ﷺ قد ادعى أن رسول الله ﷺ قال لسودة أم المؤمنين: اعتدي، فكان طلاقا ثم راجعها.
قال أبو محمد: وهذا كذب موضوع ما صح قط أن رسول الله ﷺ طلق امرأة من نسائه إلا حفصة فقط ثم راجعها، وأما سودة فلا إنما جاء فيها: أنها وهبت يومها وليلتها لما أسنت لعائشة رضي الله عنها. وجاء أنه عليه الصلاة والسلام أراد فراقها فلما رغبت إليه عليه الصلاة والسلام في إمساكها وتجعل يومها وليلتها لعائشة لم يفارقها. فبقي من دونه عليه الصلاة والسلام: فذكر، عن ابن مسعود أنها طلقة. وصح هذا أيضا عن إبراهيم، ومكحول، والأوزاعي وصح عن عطاء: أنه طلاق. وصح عن قتادة أنها طلقة واحدة، فإن كررها ثلاث مرات فهي ثلاث تطليقات، إلا أن يقول: أردت إفهامها، فهو كما قال
وروي عن الشعبي: هي واحدة، نوى ثلاثا أو أقل وعن الحسن إن قال: أنت طالق اعتدي فهي اثنتان، إلا أن ينوي واحدة وكان قتادة يجعلها اثنتين.
وقال أبو حنيفة: إن نوى بقوله: اعتدي، طلاقا فهو طلاق، وإن قال: لم أنو طلاقا، فإن كان في غير غضب، وفي غير ذلك طلاق صدق، وإن كان في ذكر طلاق أو في غضب لم يصدق ولزمته طلقة واحدة رجعية، سواء قال: لم أنو طلاقا أو قال: نويت بلا عدد، أو قال: نويت طلقة رجعية، أو قال: نويت بائنة، أو قال: نويت طلقتين رجعيتين، أو قال: نويت طلقتين بائنتين، أو قال: نويت ثلاثا. قالوا: فإن قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي فإن قال: نويت طلقة واحدة، أو قال: لم أنو شيئا فهي ثلاث، ولا بد، وإن قال: نويت بالأولى طلاقا، ونويت بالأثنتين الحيض صدق قالوا فإن قال: اعتدي ثلاثا، سئل عن نيته، فإن قال: نويت واحدة تعتد لها ثلاث حيض صدق.
قال أبو محمد: هذه شرائع لا تقبل من أحد إلا من رسول الله ﷺ عن الله تعالى الذي لا يسأل عما يفعل، وأما من دونه فهي ضلالات ووساوس وتلاعب ونعوذ بالله من الخذلان مع أن هذه التقاسيم الفاسدة لم تحفظ عن أحد سلف قبل أبي حنيفة.
وقال مالك: إن قال لأمرأته: اعتدي فإنه ينوي فإن قال: لم أنو طلاقا لم يصدق ولزمته طلقة رجعية وكذلك إن نوى طلاقا بغير عدد، فإن قال: نويت اثنتين فهي اثنتان، وإن قال: نويت ثلاثا فهي ثلاث وهذا أيضا تقسيم لا يعرف عن أحد قبله، فإذ ليس في هذا أثر عن رسول الله ﷺ فلا يحل إبطال نكاح صحيح وتحريم فرج وإحلاله بآراء فاسدة بغير نص وبالله تعالى التوفيق.
وأما الألفاظ التي فيها آثار عن الصحابة، رضي الله عنهم، لا عن النبي ﷺ فهي: الخلية، وقد خلوت مني، والبرية وقد بارأتك، وأنت مبرأة، وحبلك على غاربك، والحرج، والتخير، والتمليك، وقد وهبتك:
فأما التحريم والتخيير والتمليك وقد وهبتك، فقد ذكرناها ونذكر البواقي هاهنا إن شاء الله تعالى: فمن ذلك: الخلية روينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن علي بن أبي طالب قال في الخلية: إنها ثلاث.
ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر قال في الخلية: إنها ثلاث وهذا قول ابن أبي ليلى، وأبي عبيد.
وقول ثان كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي: أن عمر بن الخطاب قال في الخلية: هي واحدة وهو أحق بها. وصح عن الزهري وقتادة أنهما قالا جميعا في الخلية، وخلوت عني: هي واحدة رجعية وصح عن الحسن أيضا، وعن عطاء وهو قول أبي ثور. وقول ثالث.
كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن مروان الأصفر قال: قال رجل لأمرأته: إن خرجت فأنت خلية، فخرجت: ففرق معاوية بن أبي سفيان بينهما فهذا تفريق فقط ولم يذكر أنه طلاق. وقول رابع كما روينا من طريق حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن قال في الخلية، قال: هي واحدة بائنة. وقول خامس صح عن إبراهيم النخعي، أنه قال: كان أصحابنا يقولون: الخلية إن نوى واحدة فهي واحدة بائنة وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث.
ومن طريق وكيع عن الحسن بن حي عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي قال في الخلية: إن نوى اثنتين فهي اثنتان. وصح عن شريح، أنه قال: يدين، فإن نوى واحدة فهي واحدة بائنة. وصح عن عطاء، أنه قال: أنت خلية، أو خلوت مني سواء، هي سنة، لا يدين، وهي طلاق وصح عن عمرو بن دينار: إنما هي واحدة ويدين نوى طلاقا أو لم ينو. وعن مروان، وعمر بن عبد العزيز: أنه ينوي ويلزمه ما نوى
وهو قول الشافعي، وإسحاق بن راهويه. وقول سادس روي عن ربيعة في الخلية أنها ثلاث في المدخول بها، وفي غير المدخول بها واحدة. وقول سابع قاله مالك، وهو أن الخلية في المدخول بها ثلاث، ولا بد، وفي غير المدخول بها إن نوى ثلاثا فثلاث، وإن نوى اثنتين فهي اثنتان، وإن نوى واحدة فواحدة، ولا يعرف هذا التقسيم عن أحد قبله. وقول ثامن قاله أبو حنيفة، وأصحابه، وسفيان الثوري: إن نوى بالخلية ثلاثا فهي ثلاث، وإن نوى واحدة أو اثنتين فهي واحدة بائنة فقط. قال أبو حنيفة وأصحابه: فإن قال: لم أنو طلاقا، فإن كان في ذكر طلاق لم يصدق ولزمته واحدة بائنة، وإن كان في غير ذكر طلاق صدق سواء كان في غير غضب أو في غضب.
قال أبو محمد: إن من الشنع تفريقه بين الغضب وغير الغضب، وتسويته مرة بينهما وهذا كله لا يعرف عن أحد قبله.
وقد قلنا: إن تحريم الفروج المحللة وتحليل الفروج المحرمة: لا يحل لأحد بغير نص قرآن أو سنة عن رسول الله ﷺ .
وأما البرية، وأنت مبرأة مني، وقد بارأتك، وقد برئت مني: فروينا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عن علي بن أبي طالب، أنه قال في البرية: هي ثلاث.
ومن طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر :، أنه قال في البرية: هي ثلاث.
ومن طريق قتادة عن الحسن عن زيد بن ثابت قال: البرية ثلاث. وصح عن قتادة، والزهري: أن البرية ثلاث. وصح عن الحسن أيضا ففرق الزهري، وقتادة بين الخلية وبين البرية كما ذكرنا.
وهو قول ابن وهب صاحب مالك. وقول ثان كما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي: أن عمر بن الخطاب قال في البرية: هي واحدة، وهو أحق بها وروينا، عن ابن عباس: أن البرية واحدة
وهو قول أبي ثور، وأبي سليمان، وأصحابنا، وبعض أصحاب مالك. وقول ثالث صح عن إبراهيم النخعي، أنه قال: كان أصحابنا يقولون في البرية: هي واحدة بائنة. وقول رابع كما روينا صحيحا عن إبراهيم النخعي قال: كان أصحابنا يقولون في البرية: إن نوى ثلاثا فثلاث، وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وصح عن إبراهيم أيضا وإن نوى اثنتين فاثنتان وهو قول الشعبي، وعطاء، وعمرو بن دينار، والشافعي. وقول خامس قاله ربيعة في المدخول بها ثلاث، ولا بد، وفي غير المدخول بها واحدة. وقول سادس قاله مالك في البرية: في المدخول بها ثلاث، ولا بد، وفي غير المدخول بها واحدة، إلا أن ينوي أكثر فيكون ما نوى. وقول سابع قاله أبو حنيفة، وأصحابه إلا زفر، وسفيان الثوري: إن نوى ثلاثا فهي ثلاث، وإن نوى واحدة رجعية، أو بائنة، أو اثنتين رجعيتين، أو بائنتين، فهي واحدة بائنة لا أكثر. قال أبو حنيفة: وأصحابه: إن قال: لم أنو طلاقا، فإن كان في ذكر طلاق لم يصدق، فإن كان في غير ذكر طلاق فهو مصدق سواء كان ذلك في ذكر غضب أو في غير ذكر غضب. وقال زفر كذلك، إلا، أنه قال: وإن نوى اثنتين فهي اثنتان بائنتان.
قال أبو محمد: لا نعلم قول مالك، وأبي حنيفة عن أحد قبلهما، ولا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ وسواء عندهم " البرية، وقد بارأتك، وأنت مبرأة " إلا رواية، عن ابن القاسم صاحب مالك، فإنه قال: من قال: قد بارأتك، فهي واحدة بائنة في المدخول بها.
قال أبو محمد: لا يحل تحريم فرج محلل بحكم الله عز وجل، وتحليل فرج محرم بحكمه تعالى بغير نص وبالله تعالى التوفيق.
وأما الحرج فصح عن علي، أنه قال: إذا قال: أنت طالق طلاق الحرج فهي ثلاث. وصح عن الحسن أيضا، وعن الزهري في أحد قوليه. وقول ثان عن عمر بن الخطاب: هي واحدة وهو أحد قولي الزهري. وقول ثالث قال سفيان الثوري: له نيته وهو قول إسحاق بن راهويه.
قال أبو محمد: قد قلنا: إنه لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ .
وأما حبلك على غاربك فروينا عن مالك: أن عمر كتب: أن يجلب إلى مكة رجل من العراق قال لأمرأته: حبلك على غاربك، فأحلفه عند الكعبة: ماذا أراد فقال: أردت الفراق، فقال له عمر: فهو ما أردت فجمع هذا الحكم ثلاثة أوجه: أحدها التحليف.
والثاني الأستجلاب فيه من العراق إلى مكة. والثالث أنه على ما نوى
وروينا عن علي أنه على ما نوى. وقول ثان قاله مالك: حبلك على غاربك، في المدخول بها ثلاث، وفي غير المدخول بها واحدة، ولا يعرف هذا عن أحد قبله.
وأما الألفاظ التي لم تأت منها لفظة عن صاحب من الصحابة، رضي الله عنهم، وإنما جاء فيها أقوال عن نفر من التابعين، فنذكر منها ما يسر الله تعالى لذكره إن شاء الله عز وجل: فمنها قد أعتقتك، فروينا عن عطاء: إن نوى الطلاق فهو طلاق، وإلا فليس شيئا. وصح عن الحسن فيمن قال لأمرأته: أنت عتيقة، قال: هي واحدة. وقال قتادة: من قال لها: أنت حرة فله ما نوى.
وأما قد أذنت لك فتزوجي فصح عن إبراهيم أنه ليس بشيء. وصح عنه أيضا: إن لم ينو طلاقا فليس بشيء. وعن الشعبي: أقل من هذا يكون طلاقا. وصح عن قتادة: أنها طلقة.
وروي عن الحسن: هي طلقة رجعية.
وأما اخرجي عن بيتي ما يجلسك، لست لي بامرأة فصح عن الحسن، أنه قال: من كررها ثلاثا فهي واحدة، وينوي.
وأما لا حاجة لي فيك فصح عن إبراهيم، أنه قال: له نيته. وعن الحسن: إن نوى الطلاق فهي طلقة، وعن مكحول: ليس بشيء.
ومن طريق وكيع عن شعبة: سألت الحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان عمن قال لأمرأته: اذهبي حيث شئت، لا حاجة لي فيك فقالا جميعا: إن نوى طلاقا فهي واحدة رجعية.
وأما استبرئي، واخرجي، واذهبي فصح عن الحسن في جميعها: إن نوى الطلاق فهي طلقة وصح أيضا عن الحسن فيمن قال لأمرأته: اذهبي، فلا حاجة لي فيك: أنها ثلاث.
وأما قد خليت سبيلك، لا سبيل عليك فروينا عن إبراهيم، والشعبي ولم يصح عنهما: هي طلقة بائنة وصح عن الحكم بن عتيبة: له نيته. وصح عن الحسن في لا سبيل لي عليك: إن نوى طلاقا فهي واحدة رجعية، وإلا فليس بشيء رويناه أيضا عن الشعبي.
وأما من قال: لست لي بامرأة فروينا عن إبراهيم، أنه قال: ما أراه إن كرر ذلك ثلاثا أراد إلا الطلاق وصح عن قتادة: إن أراد بذلك طلاقا فهو طلاق وتوقف فيها سعيد بن المسيب.
وأما أفلجي؛ فروينا عن طاووس: إن نوى طلاقا فهو طلاق.
وأما شأنكم بها فروينا عن القاسم بن محمد، أنه قال: رأى الناس أنها طلقة وعن مسروق، وطاووس، وإبراهيم: ما أريد به الطلاق فهو طلاق.
قال أبو محمد: لا حجة في أحد دون رسول الله ﷺ.
فإن قالوا: الورع له أن يفارقها.
قلنا: إنما أورع لكل مفت في الأرض أن لا يحتاط لغيره بما يهلك به نفسه، وأن لا يستحل تحريم فرج امرأة على زوجها وإباحته لغيره بغير حكم من الله تعالى ورسوله ﷺ وقد قال تعالى: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}.
وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن طاووس، عن ابن عباس: أنه كان لا يرى الفداء طلاقا حتى يطلق قال ابن عباس: ألا ترى أنه جل وعز ذكر الطلاق من قبله، ثم ذكر الفداء فلم يجعله طلاقا، ثم قال في الثالثة فإن طلقها فلا تحل له من بعد. فهذا ابن عباس بأصح إسناد عنه: لا يرى طلاقا إلا بلفظ الطلاق، أو ما سماه الله عز وجل طلاقا وهذا هو قولنا. قد ذكرنا خلاف أبي حنيفة، ومالك لكل من روي عنه في ذلك شيء من الصحابة، رضي الله عنهم، وما قالاه مما لم يقله أحد قبلهما بغير نص في ذلك أصلا.
1963 - مسألة: ولا تجوز الوكالة في الطلاق، لأن الله عز وجل يقول: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} فلا يجوز عمل أحد عن أحد إلا حيث أجازه القرآن، أو السنة الثابتة عن رسول الله ﷺ ولا يجوز كلام أحد عن كلام غيره من حيث أجازه القرآن أو سنة عن رسول الله ﷺ ولم يأت في طلاق أحد عن أحد بتوكيله إياه قرآن، ولا سنة؛ فهو باطل. والمخالفون لنا أصحاب قياس بزعمهم، وبالضرورة يدري كل أحد أن الطلاق كلام، والظهار كلام، واللعان كلام، والإيلاء كلام. ولا يختلفون في أنه لا يجوز أن يظاهر أحد عن أحد، ولا أن يلاعن أحد عن أحد، ولا أن يولي أحد عن أحد، لا بوكالة، ولا بغيرها، فهلا قاسوا الطلاق على ذلك ولكن لا النصوص يتبعون، ولا القياس يحسنون. وكل مكان ذكر الله تعالى فيه " الطلاق " فإنه خاطب به الأزواج لا غيرهم، فلا يجوز أن ينوب غيرهم عنهم لا بوكالة، ولا بغيرها لأنه كان تعديا لحدود الله عز وجل. وقد قال تعالى: {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون}.
وقال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} فلا خيار لأحد في خلاف ما جاء به النص وما نعلم إجازة التوكيل في " الطلاق " عن أحد من المتقدمين إلا عن إبراهيم، والحسن.