باب الإحصار بالعدو |
[قال الشافعي]: رحمه الله قال الله عز وجل: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله} الآية.
[قال الشافعي]: فلم أسمع ممن حفظت عنه من أهل العلم بالتفسير مخالفا في أن هذه الآية نزلت بالحديبية حين أحصر النبي ﷺ فحال المشركون بينه وبين البيت وأن رسول الله ﷺ نحر بالحديبية وحلق ورجع حلالا ولم يصل إلى البيت ولا أصحابه إلا عثمان بن عفان وحده وسنذكر قصته وظاهر الآية أن أمر الله عز وجل إياهم أن لا يحلقوا حتى يبلغ الهدي محله وأمره ومن كان به أذى من رأسه بفدية سماها وقال عز وجل: {فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي} الآية. وما بعدها يشبه والله أعلم أن لا يكون على المحصر بعدو قضاء لأن الله تعالى لم يذكر عليه قضاء وذكر فرائض في الإحرام بعد ذكر أمره.
قال: والذي أعقل في أخبار أهل المغازي شبيه بما ذكرت من ظاهر الآية وذلك أنا قد علمنا في متواطئ أحاديثهم أن قد كان مع رسول الله ﷺ عام الحديبية رجال يعرفون بأسمائهم ثم اعتمر رسول الله ﷺ عمرة القضية وتخلف بعضهم بالحديبية من غير ضرورة في نفس ولا مال علمته ولو لزمهم القضاء لامرهم رسول الله ﷺ إن شاء الله تعالى أن لا يتخلفوا عنه وما تخلفوا عن أمر رسول الله ﷺ وفي تواطؤ أخبر أهل المغازي وما وصفت من تخلف بعض من أحصر بالحديبية، والحديبية موضع من الأرض منه ما هو في الحل، ومنه ما هو في الحرم، فإنما نجر الهدي عندنا في الحل وفيه مسجد رسول الله ﷺ الذي بويع فيه تحت الشجرة فأنزل الله عز وجل: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} فبهذا كله نقول فنقول من أحصر بعدو حل حيث يحبس في حل كان أو حرم ونحر أو ذبح هديا.
وأقل ما يذبح شاة، فإن اشترك سبعة في بدنة أو بقرة أجزأتهم أخرجوا معا ثمنها أو أحدهم ووهب لهم حصصهم منها قبل ذبحها فذبحوها، فأما إن ذبحها ثم وهب لهم حصصهم منها فهي له ولا تجزيهم ولا قضاء على المحصر بعدو إذا خرج من إحرامه والحصر قائم عليه فإن خرج من إحرامه والعدو بحاله ثم زال العدو قبل أن ينصرف فكانوا على رجاء من الوصول إلى البيت بإذن العدو لهم أو زوالهم عن البيت أحببت أن لا يعجلوا بالإحلال ولو عجلوا به ولم ينتظروا جاز لهم إن شاء الله تعالى.
ولو أقام المحصر متأنيا لأي وجه ما كان أو متوانيا في الإحلال فاحتاج إلى شيء مما عليه فيه الفدية ففعله افتدى لأن فدية الأذى نزلت في كعب بن عجرة وهو محصر، فإن قال قائل ما قول الله عز وجل في الحديبية {حتى يبلغ الهدي محله}؟ قيل والله أعلم.
أما السنة فتدل على أن محله في هذا الموضع نحره لأن (رسول الله ﷺ نحر في الحل) فإن قال فقد قال الله عز وجل في البدن {ثم محلها إلى البيت العتيق} قيل ذلك إذا قدر على أن ينحرها عند البيت العتيق فهو محلها فإن قال فهل خالفك أحد في هدي المحصر؟ قيل: نعم، عطاء بن أبي رباح كان يزعم أن (النبي ﷺ نحر في الحرم) فإن قال فبأي شيء رددت ذلك وخبر عطاء وإن كان منقطعا شبيه بخبرك عن أهل المغازي؟ قلت عطاء وغيره يذهبون إلى أن محل الهدي وغيره ممن خالفنا يقول لا يحل المحصر بعدو ولا مرض حتى يبلغ الهدي الحرم فينحر فيه لما وصفت من ذكرهم (أن النبي ﷺ لم ينحر إلا في الحرم)، فإن قال فهل من شيء يبين ما قلت؟ قلت: نعم إذا زعموا وزعمنا أن الحرم منتهى الهدي بكل حال وإن نحر فيه فقد أجزأ عنه والقرآن يدل على أن هدي النبي ﷺ لم يبلغ الحرم فإن قال: وأين ذلك؟ قلت قال الله عز وجل: {هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله} فإن قال قائل فإن الله عز وجل يقول {حتى يبلغ الهدي محله} قلت الله أعلم بمحله ها هنا يشبه أن يكون إذا أحصر نحره حيث أحصر كما وصفت ومحله في غير الإحصار الحرم وهو كلام عربي واسع، وخالفنا بعض الناس فقال: المحصر بالعدو والمرض سواء وعليهما القضاء ولهما الخروج من الإحرام. وقال: عمرة النبي ﷺ التي اعتمر بعد حصره قضاء عمرته التي أحصر بها، ألا ترى أنها تسمى عمرة القضية وعمرة القصاص؟ فقيل لبعض من قال هذا القول: إن لسان العرب واسع فهي تقول: اقتضيت ما صنع بي واقتصصت ما صنع بي فبلغت ما منعت مما يجب لي وما لا يجب علي أن أبلغه وإن وجب لي.
[قال الشافعي]: والذي نذهب إليه من هذا أنها إنما سميت عمرة القصاص وعمرة القضية أن الله عز وجل اقتص لرسوله ﷺ فدخل عليهم كما منعوه لا على أن ذلك وجب عليه قال: أفتذكر في ذلك شيئا؟ فقلت: نعم، أخبرنا سفيان عن مجاهد.
[قال الشافعي]: فقال فهذا قول رجل لا يلزمني قوله، قلت ما زعمنا أن قوله يلزمك لولا دلالة القرآن وأخبار أهل المغازي وما تدل عليه السنة فقال قد سمعت ما ذكرت من السنة ولم تسند فيه حديثا بينا، فقلت ولا أنت أسندت فيه حديثا في أن عمرة النبي ﷺ يقال لها عمرة القضية وإنما عندك فيها أخبارهم فكان لي دفع ما علمت ولم تقم فيه حديثا مسندا مما يثبت على الانفراد ولم يكن إذا كان معروفا متواطئا عند بعض أهل العلم بالمغازي، فإن لم يكن لي دفعك عنه بهذا، لم يكن لك دفعي عن أنه تخلف بعض من شهد الحديبية من أصحاب النبي ﷺ عن عمرة القضية فقال ما يقنعني هذا الجواب فادللني على الدلالة من القرآن قلت قال الله عز وجل: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} قال فمن حجتي أن الله عز وجل قال قصاص والقصاص إنما يكون بواجب.
[قال الشافعي]: فقلت له إن القصاص وإن كان يجب لمن له القصاص فليس القصاص واجبا عليه أن يقتص قال وما دل على ذلك؟ قلت قال الله عز وجل: {والجروح قصاص} أفواجب على من جرح أن يقتص ممن جرحه أو مباح له أن يقتص وخير له أن يعفو؟ قال: له أن يعفو ومباح له أن يقتص وقلت له قال الله عز وجل: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} فلو أن معتديا مشركا اعتدى علينا كان لنا أن نعتدي عليه بمثل ما اعتدى علينا ولم يكن واجبا علينا أن نفعل قال ذلك على ما وصفت فقلت فهذا يدلك على ما وصفت وما قال مجاهد من أن الله عز وجل أقصه منهم فدخل عليهم في مثل الشهر الذي ردوه فيه وليست فيه دلالة على أن دخوله كان واجبا عليه من جهة قضاء النسك والله أعلم وإنما يدرك الواجب فيه وغير الواجب خبرا والخبر يدل على مثل ما وصفنا من أنه ليس بواجب.
[قال الشافعي]: ومن أحصر في موضع كان له أن يرجع عن موضعه الذي أحصر فيه ويحل فإذا أمن بعد انصرافه كان له أن يتم على الانصراف قريبا كان أو بعيدا إلا أني إذا أمرته بالخروج من إحرامه عاد كمن لم يحرم قط، غير أني أحب له إذا كان قريبا أو بعيدا أن يرجع حتى يصل إلى ما صد عنه من البيت واختياري له في ذلك بالقرب بأنه وإن كان الرجوع له مباحا فترك الرجوع كان فيه وحشة أكثر بهذا المعنى وإن كان الراجع من بعد أعظم أجرا. ولو أبحت له أن يذبح ويحلق ويحل وينصرف فذبح ولم يحلق حتى يزول العدو لم يكن له الحلاق وكان عليه الإتمام لأنه لم يحل حتى صار غير محصور وهو مأجور في الذبح إن شاء الله تعالى، وهذا قول من يقول لا يكمل إحلال المحرم إلا بالحلاق، ومن قال يكمل إحلاله قبل الحلاق والحلاق أول الإحلال قال إذا ذبح فقد حل وليس عليه إذا ذبح أن يمضي على وجهه ولو أحصر ومعه هدي قد ساقه متطوعا به أو واجبا عليه قبل الإحصار فله ذبحه في مكانه كما ذبح رسول الله ﷺ هديه بالحديبية وقد أوجبه قبل أن يحصر، وإذا كان عليه أن يحل بالبيت فمنعه فحل دونه بالعذر كان كذلك الهدي أولى أن يكون له نحره حيث حبس وعليه الهدي لإحصاره سوى ما وجب قبل أن يحصر من هدي وجب عليه بكل حال.
[قال الشافعي]: ولو وجب عليه هدي في فوره ذلك فلم يكن معه كان له أن يشتريه ويذبحه مكانه ولو كان وجب عليه قبل ذلك كان ذلك له ولو أخر هديه ليبعث به إذا ذهب الحصر كان أحب إلي، لأنه شيء لم يجب عليه في فوره. وتأخيره بعد فوره كتأخيره بعدما وجب عليه.
[قال]: ولو أحصر ولا هدي معه اشترى مكانه هديا وذبحه وحل، ولو وهب له أو ملكه بأي وجه ما كان فذبحه أجزأ عنه، فإن كان موسرا لان يشتري هديا ولم يجد هديا مكانه أو معسرا بهدي وقد أحصر ففيها قولان، أحدهما لا يحل إلا بهدي، والآخر أنه مأمور بأن يأتي بما يقدر عليه فإذا لم يقدر على شيء خرج مما عليه وكان عليه أن يأتي به إذا قدر عليه، ومن قال هذا قال يحل مكانه ويذبح إذا قدر، فإن قدر على أن يكون الذبح بمكة لم يجز أن يذبح إلا بها وإن لم يقدر ذبح حيث يقدر.
[قال]: ويقال لا يجزئه إلا هدي، ويقال يجزئه إذا لم يجد هديا إطعام أو صيام، فإن لم يجد الطعام كان كمن لم يجد الهدي، وإن لم يقدر على الصيام كان كمن لم يجد هديا ولا طعاما وإذا قدر أدى أي هذا كان عليه. وإن أحصر عبد قد أذن له سيده في الحج والعبد لا مال له وعليه الصوم تقوم له الشاة دراهم، ثم الدراهم طعاما، ثم يصوم عن كل مد يوما والقول في إحلاله قبل الصوم واحد من قولين، أحدهما أن يحل قبل الصوم، والآخر لا يحل حتى يصوم والأول أشبههما بالقياس لأنه إذا أمر بالخروج من الإحرام والرجوع للخوف أشبه أن لا يؤمر بالمقام على الخوف للصوم والصوم يجزيه في كل موضع.
وإذا أحصر رجل أو امرأة أو عدد كثير بعدو مشركين كالعدو الذي أحصر بهم رسول الله ﷺ عام الحديبية وأصحابه فكانت بهم قوة على قتالهم أو لم تكن كان لهم الانصراف لأن لهم ترك القتال إلا في النفير أو أن يبدءوا بالقتال وإن كان النظر للمسلمين الرجوع عنهم اخترت ذلك لهم وإن كان النظر للمسلمين قتلاهم اخترت قتالهم ولبس السلاح والفدية، وإذا أحصروا بغير مشركين اخترت الانصراف عنهم بكل حال بعد الإحلال من الإحصار فإن قال قائل فكيف زعمت أن الإحصار بالمسلمين إحصار يحل به المحرم إذ كان رسول الله ﷺ إنما أحصر بمشركين؟ قيل له إن شاء الله تعالى ذكر الله الإحصار بالعدو مطلقا لم يخصص فيه إحصارا بكافر دون مسلم وكان المعنى للذي في الشرك الحاضر الذي أحل به المحصر الخروج من الإحرام خوفا أن ينال العدو من المحرم ما ينال عدوه فكان معقولا في نص السنة أن من كان بهذه الحال كان للمحرم عذر بأن يخرج من إحرامه به، أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه خرج إلى مكة في الفتنة معتمرا فقال: إن صددت عن البيت صنعنا كما صنعنا مع رسول الله ﷺ.
[قال الشافعي]: يعني أحللنا كما أحللنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية. وقول ابن عمر هذا في مثل المعنى الذي وصفت لأنه إنما كان بمكة ابن الزبير وأهل الشام فرأى أنهم إن منعوه أو خافهم إن لم يمنعوه أن ينال في غمار الناس فهو في حال من أحصر فكان له أن يحل وإن أحصر بمشركين أو غيرهم فأعطوهم الأمان على أن يأذنوا لهم في أن يحلوا لم يكن لهم الرجوع وكانوا كغير محصرين إلا أن يكونوا ممن لا يوثق بأمانه ويعرف غدرهم فيكون لهم الانصراف إذا كانوا هكذا بعد الإحلال، ولو كانوا ممن يوثق بأمانه بعد فأعطوه أن يدخل فيحل على جعل قليل أو كثير، لم أر أن يعطوهم شيئا لأن لهم عذرا في الإحصار يحل لهم به الخروج من الإحرام وإني أكره أن ينال مشرك من مسلم أخذ شيء لأن المشركين المأخوذ منهم الصغار ولو فعلوا ما حرم ذلك عليهم وإن كرهته لهم كما لا يحرم عليهم ما وهبوا المشركين من أموالهم ومباح للمحصر قتال من منعه من البيت من المشركين ومباح له الانصراف عنهم لأن رسول الله ﷺ قد فعل الأمرين فقاتلهم وانصرف عنهم ولو قاتلهم المحصر فقتل وجرح وأصاب دواب إنسية فقتلها لم يكن عليه في ذلك غرم ولو قاتلهم فأصاب لهم صيدا يملكونه جزاه بمثله ولم يضمن لهم شيئا، ولو كان الصيد لمن هو بين ظهرانيهم من المسلمين ممن لا يقاتلهم فأصابه جزاه بمثله وضمنه للمسلمين لأن مكة ليست بدار حرب فيباح ما فيها. ولو كان الوحش لغير مالك جزاه المحرم بمثله إن شاء مكانه لأن الله جعل فدية الرأس في مكانه وأمر رسول الله ﷺ بها كعبا وجعل الهدي في مكانه ونحر رسول الله ﷺ ما ساق من الهدي تطوعا في مكانه فيكون حال الإحصار غير حال الوصول ولو كرهت أن يوصله إلى البيت لم أكره ذلك إلا لان يحدث عليه حدث فلا يقضى عنه.
ولو أحصر قوم بعدو فأرادوا الإحلال ثم قاتلوهم لم أر بذلك بأسا ولو أحصر قوم بعدو غير مقيمين بمكة أو في الموضع الذي أحصروا فيه فكان المحرم يؤمل انصرافهم ويأمنهم في مكانه لم أر أن ينصرف أياما ثلاثا ولو زاد كان أحب إلي، ولو انصرف بعد إحلاله ولم يتم ثلاثا جاز له ذلك لأن معنى انصراف العدو مغيب وقد يريدون الانصراف ثم لا ينصرفون ولا يريدونه ثم ينصرفون وإنما كان مقام النبي ﷺ بالحديبية مراسلة المشركين ومهادنتهم، ولو أحصر قوم بعدو دون مكة وكان للحاج طريق على غير العدو رأيت أن يسلكوا تلك الطريق إن كانوا يأمنون بها ولم يكن لهم رخصة في الإحلال وهم يأمنون فيها أن يصلوا إلى البيت ويقدروا فإن كانت طريقهم التي يأمنون فيها بحرا لا برا، لم يلزمهم ركوب البحر لأنه مخوف تلف ولو فعلوا كان أحب إلي وإن كان طريقهم برا وكانوا غير قادرين عليه في أموالهم وأبدانهم كان لهم أن يحلوا إذا كانوا غير قادرين على الوصول إلى البيت محصرين بعدو فإن كان طريقهم برا يبعد وكانوا قادرين على الوصول إلى البيت بالأموال والأبدان وكان الحج يفوتهم وهم محرمون لم يكن لهم أن يحلوا حتى يطوفوا بالبيت وبالصفا والمروة، لأن أول الإحلال من الحج الطواف، والقول في أن عليهم الإعادة وأنها ليست عليهم واحد من قولين، أحدهما أنه لا إعادة للحج عليهم لأنهم ممنوعون منه بعدو وقد جاءوا بما عليهم مما قدروا من الطواف، ومن قال هذا قال وعليهم هدي لفوت الحج وهو الصحيح في القياس، والقول الثاني أن عليهم حجا وهديا وهم كمن فاته الحج ممن أحصر بغير عدو إذا صاروا إلى الوصول إلى البيت ولهذا وجه ولو وصلوا إلى مكة وأحصروا فمنعوا عرفة حلوا بطواف وسعي وحلاق وذبح وكان القول في هذا كالقول في المسألة قبلها وسواء المكي المحصر، إن أقبل من أفق محرما وغير المكي يجب على كل ما يجب على كل.
وإن أحصر المكي بمكة عن عرفة فهو كالغريب يحصر بمكة عن عرفة يذبحان ويطوفان ويسعيان ويحلان، والقول في قضائهما كالقول في المسألتين قبل مسألتهما ولا يخرج واحد منهما من مكة إذا كان أهلا له بالحج ولو أهلا من مكة فلم يطوفا حتى أخرجا منها أو أحصرا في ناحيتهما ومنعا الطواف كانا كمن أحصر خارجا منها في القياس، ولو تربصا لعلهما يصلان إلى الطواف كان احتياطا حسنا ولو أحصر حاج بعد عرفة بمزدلفة أو بمنى أو بمكة فمنع عمل مزدلفة ومنى والطواف كان له أن يذبح ويحلق أو يقصر ويحل إذا كان له الخروج من الإحرام كله كان له الخروج من بعضه فإن كانت حجة الإسلام فحل إلا النساء قضى حجة الإسلام وإن كانت غير حجة الإسلام فلا قضاء عليه لأنه محصر بعدو ولو أراد أن يمسك عن الإحلال حتى يصل إلى البيت فيطوف به ويهريق دما لترك مزدلفة، ودما لترك الجمار ودما لترك البيتوتة بمنى ليالي منى أجزأ ذلك عنه من حجة الإسلام متى طاف بالبيت وإن بعد ذلك، لأنه لو فعل هذا كله بعد إحصار ثم أهراق له دما أجزأ عنه من حجة الإسلام وكذلك لو أصاب صيدا فداه، وإنما يفسد عليه أن يجزي عنه من حجة الإسلام النساء فقط، لأن الذي يفسد الحج دون غيره مما فعل فيه، والمحصر بعدو، والمحبوس أي حبس ما كان نأمره بالخروج منه، فإن كانوا مهلين بالحج فأصابوا النساء قبل يحلون فهم مفسدون للحج وعليهم معا بدنة وحج بعد الحج الذي أفسدوه، وإذا أصابوا ما فيه الفدية كانت عليهم الفدية ما لم يحلوا فإذا حلوا فهم كمن لم يحرم.