وقيل لأعرابي: من أحَقُّ الناس بالرحمة قال: الكريمُ يُسَلّط عليه اللئيم والعاقلُ يُسلط عليه الجاهل. وقيل له: أيّ الداعِين أحقّ بالإجابة قال: المَظلوم الذي لا ناصرَ له إلا الله قيل له: فأيّ الناس أَغْنَى عن الناس قال: مَن أفرد الله بحاجته. ونَظر عُثمان إلى أعرابي في شَمْلة غائر العَيْنين مُشْرف الحاجبين ناتيء الجَبْهة فقال له: يا أعرابي. أين ربُّك قال: بالمرصاد. الأصمعي قال: سمعتُ أعرابياً يقول: إذا أَشْكل عليك أمْران فانظر أيّهما أقربً مِن هواك فخالِفْه فإنَّ أَكثر ما يكونُ الخطأ عليك مع مُتابعة الهوى. قال: وِسمعتُ أعرابياً يقول: منِ نَتَجِ الخير أنْتَج له فِرَاخاً تَطِير بأجْنِحَة السُّرُور ومَن غرَس الشر أنْبت له نَبَاتاً مُرّاً مَذاقه قُضْبَانه الغَيْظ وثَمرته النَّدَم. وقال أعرابيّ: الهَوَى عاجلُه لذيذ وأجلُه وَخيم. وقيل لأعرابيّ: إنك لَحَسن الشَّارة قال: ذلك عُنوان نِعمة الله عندي. قال الأصمعي: ورأيتُ أعرابياً أمامه شاءٌ فقلت له لمن هذا الشاء قال: هي لله عندي. وقيل لأعْرابيّ: كيف أنت في دِينك قال: أخرقه بالمَعاصي وأرقَعه بالاستغفار. وقال أعرابيّ: مَن كَساه الحياءُ ثوبَه خَفِيَ على الناس عَيْبُه. وقال: بِئْس الزادُ التعدِّي على العِباد. وقال: التلطف بالحِيلة أنْفَع من الوَسيلة. وقال: مَنْ ثَقُل على صديقه خَفَّ على عَدوّه ومَن أسرع إلى الناس بما يَكْرهون قالوا فيه بما لا يَعْلَمون. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول لابنه وهو يُعاتبه: لا تَتَوهمنَّ على مَن يَستدلّى على غائب الأمور يشاهدها الغَفْلَة عن أمُور يُعاينها فَتكونَ بنفسك بدأت وحظًك أخطأتَ. ونَظر أعرابي إلى رجُلٍ حَسَن الوَجْه بَضّه فقال: إنّي أرَى وجهاً ما عَلقَه بَرْد وضُوء السحر ولا هو بالذي قال فيه الشاعر: مِنْ كلِّ مًجتهدٍ يَرَى أَوْصالَه صَوْمُ النَّهَارِ وسَجْدة الأسْحَارِ الأصمعي قال: سمعتً أعرابياً يُنْشد: وإذا أظْهَرْت أمراً حَسَناً فَليَكُنْ أَحْسَنَ منه ما تسِرّ فَمُسرُ الخَيْر مَوْسُوم به ومُسِرُّ الشَّرّ مَرسُوم بِشرّ وقَوْل الَأعرابيّ هذا علىِ ما جاء في حديث رسول الله ﷺ ما أسر امرؤ سريرةً إلا ألبسه اللهّ رداءَها إنْ خيراً فخير وإن شراً فشر قال: وأنشدني أعرابيِّ: فإنّكَ لا تَدْرِي بأيِّة بلدةٍ تَمُوتُ ولا ما يُحْدِثُ الله في غَد يقولون لا تَبْعَد ومَنْ يَكُ مُسْدَلاًَ على وَجْهه سِتْرٌ من الأرض يَبْعُد وقال أعرابي: أعجز الناس مَنْ قَصَرَ في طلب الإخوان وأعجز منه مَنْ ضَيع مَنْ ظفرِ به منهم. وقال أعرابي لإبنه: لا يَسُرّك أن تَغلب بالشرّ فإن الغالب بالشرّ هو المغلوب. وقال أعرابي لأخ له: لقد نَهيتُكَ أن تُرِيق ماءَ وجهك عند من لا ماء في وَجْهه فإنّ حَظَّكَ من عَطِيَّته السؤال. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول: إنّ حُبَّ الخيْر خير وإن عجزتْ عنه المَقْدِرة وبُغْضَ الشرِّ خير وإن فعلتَ أكثرَه. وشهد أعرابي عند سَوَّار القاضي بشهادة فقال له: يا أعرِابي: إِنّ ميْداننا لا يَجْري من العِتاق فيه إلا الجياد قال: لئن كشفتَ عني لتجدَني عَثوراً فسأل عنه سَوار فأخْبر بفضل وصَلاح فَقال له: يا أعرابي إنك ممنْ يَجري في ميْداننا قال: ذلك بستْر الله. وقال أعرابي: والله لولا أن المُرُوءَة ثَقِيل مَحْمَلها شديدة مؤونتها ما تَرك اللئام للكِرام شيئاً. احتُضر أعرابي فقال له بَنوه: عِظْنا يا أبانا فقال: عاشِرُوا الناس مُعاشرة إن غِبْتم حنُّوا إليك وِإن مُتُّم بَكَوْا عليكم. ودخل أعرابي على بعض الملوك في شَمْلة شَعَر فلما رآه أعرض عنه فقال له: إن الشَّملة لا تُكلِّمك هانما يُكلِّمك مَنْ هو فيها. ومرَّ أعرابي بقوم يَدْفِنون جاريةً فقال: نِعم الصِّهْرُ ما صاهرتم وأنشد: وقال أعرابي: رُبَّ رَجل سِرّه مَنْشور على لسانه وآخرً قد التَحَف عليه قَلبَه التحافَ الْجَنَاح على الخَوَافي. ومرَّ أعرابيان برجل صَلَبه بعضُ الخُلفاء فقال أحدُهما: أنْبَتته الطاعةُ وحَصَدتَه المَعْصِية. وقال الآخرً: من طلَّق الدُّنيا فالآخرًةُ صاحبته ومَن فارق الحقّ فالْجذْع راحلتُه. العُتْبيُّ عَن زَيد بن عُمارة قال: سمعت أعرابياً يقول لأخيه وهو يَبْتني منزلًا: يا أخي أنتَ في دار شَتَاتٍ فتأهَّبْ لِشَتاتِكْ واجعل الدُّنيا كَيَومْ صمته عن شَهَوَاتك واطْلُب الفَوزَ بِعَيْش الزُّ هْد من طُول حَياتك ثم أطرق حيناً ورَفع رأسَه وهو يقول: قائِدُ الغَفْلة الأمَلْ والهَوَى قائدُ الزَللْ قَتَلَ الجَهْل أهْلَه ونَجَا كل مَنْ عَقَل فاغْتنِم دَولة السَّلا مة واسْتَانِف العمَل أيُّها المُبْتَني القُصوِرَ وقد شابَ وَاكْتَهَلْ أخبر الشيب عَنْك أن ك في آخرً الأجَل فَعَلامَ الوُقُوفُ في عَرْصة العَجْز والكَسَل مَنزلٌ لم يزَلْ يَضِي قُ وَينْبو بِمَنْ نَزَل فتأهَّب لِرِحْلةٍ ليس يَسْعَى بها جمل رِحْلةٍ لم تَزل على الدّهْر مَكْرُوهةَ القَفَل وقيل لأعرابي: كيف كِتْمانك للسر قال: ما جَوْفي له إلا قَبْر. وقال أعرابيِّ: إذا أردتَ أنْ تَعْرف وَفاءَ الرَّجل ودَوَام عَهْدِه فانظُر إلى حَنِينه إلى أوْطانِه وشَوْقه إلى إخوانه وبُكائه على ما مضى من زَمانه. وقال أعرابيّ: إذا كان الرأي عند مَن لا يُقْبَل منه والسِّلاح عند من لا يَسْتعمله والمالُ عند مَن لا يُنفِقه ضاعت الأمور. وسُئل أعرابي عن القَدَر فقال: الناظرُ في قَدَر الله كالناظر في عَيْن الشّمس يَعْرِف ضَوْءها ولا يَقِف على حدُودها. وسُئل آخرً عن القَدر فقال: عِلْم اختصمت فيه العُقول وتَقاوَل فيه المُخْتلفون وحق علينا أن نَرُدما التَبس علينا من حُكْمِه إلى ما سَبَق من عِلمه. وقال أعرابيّ: تَكْوير اللَيل والنَّهار لا تَبْقى عليه الأعمار ولا لأحَد فيه الخِيار. أبو حاتم عن الأصمعي قال: خَرج الَحَجّاج ذات يوم فأصحر وحَضَر غَداؤه فقال: اطلُبوا من يَتَغدَّى مَعَنا فَطلبوا فلم يَجدُوا إلا أعرابياً في شَمْلة فأتَوْه به فقال له: هَلُمّ قال له: قد دعاني من هو أكرمُ مَنك فأجَبتُه قال: ومَن هو قال: الله تبارك وتعالى دعاني إلى الصَّيام فأنا صائم قال: صَوْم في مثل هذا اليوم على حَرّ قال: صُمْت ليوم هو أحرُّ منه قال: فأفطر اليوم وصُم غداً قال: ويَضْمن لي الأميرُ أن أعيشَ إلى غد قال: ليس ذلك إلي قال: فكيف تَسألني عاجلًا بآجل ليس إليه سَبيل قال: طَعام طَيّب قال: والله ما طَيَّبَه خَبَّازك ولا طَبَّاخك ولكن طَيِّبَته العافية قال الحجاج: تالله ما رأيت كاليوم أخرجوه عنِّي. أبو الفَضل الرّياشي قال: أنشدنا أعرابي: أباكية رُزَينةٌ أن أتاها نَعِيٌ أم يكون لها اصطبارُ إذا ما أهْلُ وُدّي وَدَعُوني وراحوا والأكُف بها غُبار وغُودِر أَعْظُمي في لَحْدِ قَبْر تَعاورُه الجَنَائبُ والقِطَار تَظَل الريح عاصفةً عليه ويَرْعَىِ حوله اللهقُ النَّوَار فَذَاكَ النَّأي لا الهِجْران حَوْلاً وحَولاً ثم تَجْتمع الدِّيار وهذا نظير قول لَيْلَى الأخْيَلِية: لعَمْرُكَ ما الهِجْران أنْ تَشْحطَ النًوَى ولكِنَّما الهجْران ما غيب القَبْرُ ونظيرُ قول الخنساء: حسْبُ الخَلِيلَين كَوْنُ الأرض بينهما هذا عليها وهذا تَحْتها رِممَا وأنشد لآخرً: الرياشي قال: مرَ عمرُ بن الخطَّاب بالجَبّانة فإذا هو بأعرابي فقال له: ما تصْنع هُنا يا أعرابيّ في هذه الدِّيار المُوحشة قال: وَديعة لي هاهنا يا أمير المؤمنين قال: ما وَديعتك قال: بنُي لي دَفنتُه فأنا أخرجُ إليه كلّ يوم أنْدُبه قال: فانْدُبه حتى أسمَع فأنشأ يقول: يا غائباً ما يَؤوب مِن سَفَره عاجَلَهُ موتُه على صِغَرِهْ يا قُرة العَينْ كأسا كُنتَ لي سَكَناً في طول ليلي نعم وفي قصره شَرِبْتَ كأساً أبوك شاربُها لا بد يوماً له على كبره يَشْرَبها والأَنَامُ كُلُّهمُ من كان في بدوه وفي حضره فالحمدُ للهّ لا شريك له الموت في حكمه وفي قدره قد قُسِّم العُمر في العباد فما يقْدِر خَلْقٌ يَزِيد في عُمُره قولهم في المدح ذَكر أعرابيّ قوماً عُبِّادا فقال: تَركوا والله النعيم ليتنعَّموا لهم عَبرات مُتدافعة وزفرَات مُتتابعة لا تَراهم إلا في وَجْه وَجيه عند اللهّ. وذكر أعرابي قوماً فقال: أدبتهم الحِكْمَة وأحْكمتهم التجارب فلم تَغُرهم السلامة المنْطوية على الهلَكة ورَحل عنهم التسْويفُ الذي به قَطع الناسُ مسافة آجالهم فَذَلَت ألسنتُهم بالوَعد وانبسطت أيديهم بالوَجْد فأحْسنوا المقال وشَفعوه بالفَعال. وسُئل أعرابيّ عن قَومه فقالت: كانوا إِذا اصطفِّوا سَفرت بينهم السهام وإذا تصافَحُوا بالسُّيوف فغَرت المنايا أفواهَها فرُبّ يوْم عارم قد أحْسَنوا أدبه أو حَرْب عَبُوس قد ضاحكَتْها أسنّتهم إِنما قوْميِ البَحر ما ألقمْته التَقَم. وذكر أعرابيّ قوماً فقال: ما رأيتُ أسرَع إلى داع بلَيْلٍ على فرس حسِيب وَجَمَل نَجَيب منهم ثم لا ينتظر الأولُ السابقُ الآخرً اللاحق. وذكر أعرابيّ قوماً فقال: جَعلوا أموالهم مناديل أعراضهم فالخيرُ بهم زائد والمعروف لهم شاهد فيُعطونها بطيبة أنفُسهم إذا طُلبت إليهم ويباشرون المَعروف بإشراق الوُجوه إذا بُغي لديهم. وذكر أعرابيّ قوماً فقال: واللهّ ما نالوا شيئَاً بأطراف أناملهم إلا وَطِئناه بأخماص أقدامنا وإن أقصى هِمهم لأدنى فَعالنا. وذَكرَ أعرابيّ أميراً فقال: إذا وَلى لم يُطابق بين جُفونه وأرسل العُيون على عيونه فهو غائب عنهم شاهد معهم فالمُحْسن راج والمُسيء خائف. ودَخل أعرابي على رجل من الوُلاة فقال: أصلح الله الأمير اجعلني زِماماً من أزمتّك لم التي تَجُر بها الأعداء فإن مِسْعر حَرب ورَكْاب نُجب شديد على الأعداء لَينٌّ على الأصدقاء مُنْطَوِي الحَصِيلة قليل الثَّمِيلة نوميِ غِرَار قد غَذَتني الحربُ بأفاويقها وحَلبتُ الدَّهر أشطُرَه ولا تَمْنعك عني الدَمامة فإنّ من تحتها شَهامة. وذكر أعرابي رجلاً ببراعة المنطق فقال: كان والله بارع المنطق جَزْل الألفاظ عربيّ اللّسان فَصِيح البَيان رَقيق حواشي الكلام بَلِيلِ الرِّيق قليل الحَرَكات ساكِنِ الإشارات وذكر أعرابي رجلاً فقال: رأيتُ رجلاً له حِلْم وأناة يُحَدَثك الحديث على مَقاطعه ويُنشدك الشعر على مَدَارجه فلا تسمع له لحناً ولا إحالة لعُتْبىٍ قال: ذَكر أعرابي قوماً فقال: آلتْ سُيوفهم ألاّ تَقْضي ديناً عليهم ولا تُضَيّع حقَا لهم فما اخِذ منم مَرْدود إليهم وما أخذوا مَتْرُوك لهم. ومَدَح أعرابيّ رجلاً فقال: ما رأيتُ عيناً قطّ أخرًق لظُلْمة الليل مِن عينه ولَحْظة أشْبَه بِلَهيب النار من لَحْظته له هِزَة كهِزَّة السِّيف إذا طرِب وجُرْأة كجرأة الليث إذا غَضِب. ومَدح أعرابي رجلاً فقال: كان الفَهْمُ منه ذا أذنينِ والجواب ذا لِسانين لم أر أحداً أرْثَق لخَلل الرأي منه بَعِيد مَسافة العقل ومَراد الطَّرف إنما يَرْمي بهمَّته حيث أشار إليه الكرم. ومدحِ أعرابي رجلاً فقال: ذاك والله فَسِيح النّسب مُسْتَحكم الأدب من أيّ أقطاره أتيته انتهى إليك بكرم فَعال وحُسْن مَقال. ومدحِ أعرابيّ رجلاً فقال: كانت ظُلْمة ليله كضَوْء نهاره آمراً بإرشاد وناهياً عن فساد لحديث السّوء غيرَ مُنْقاد وقال أعرابي: إنّ فلاناً خُلِقت نعم للسانه قَبل أن يًخْلق لسانُه لها فما تَراه الدهرَ إلاّ وكأنّه لا غِنى له عنك وإن كُنت إليه أحْوَج إذا أذنبت إليه غَفَر وكأنّه المُذنب وإذا أسأتَ إليه أحسن وكأنّه المُسيء. وذكر أعرابي رجلاً فقال: اشترى والله عِرْضه من الأذى فلو كانت الدنيا له فأنفقها لرَأى بعدها عليه حُقوقاً وكان مِنْهاجاً للأمور المُشْكلة إذا تَناجز الناسُ باللاّئمة. ومدح أعرابيّ رجلاً فقال: كان والله يَغْسِل من العار وُجوهاً مُسْوَدَّة ويفْتحِ من الرأي عُيوناً مُنْسَدًة. وذكر أعرابي رجلاً فقالت: ذاك والله يَنْفَع سِلْمه ولا يَسْتمِرّ ظُلْمه إن قالت فَعل وإن وَلي عَدَل. ومدح أعراب رجلاً فقال: ذاك والله يُعْنَى في طَلب المَكارم غيرَ ضالٍّ فيَ مَسالك طُرقها ولا مُشْتَغل عنها بِغَيْرها. وذكر أعرابي رجلاً فقال: يُسدِّد الكلمة إلى المعنى فَتَمْرُق مُروق السَّهم من الرميّة فما أصابَ قَتل وما أخْطأ أشْوَى وما عَظْعَظ له سَهْمٌ منذ تَحرّك لسانُه في فيه. وذكر أعرابي أخاه فقال: كان والله رَكوباً للأهْوال غيرَ ألوف لربات الحِجَال إِذا أرْعد القومُ منِ غير كرّ يُهين نفساً كريمة على قَوْمها غير َمُبْقِية لغدٍ ما في يَوْمها. ومدَح رجلٌ رجلاً فقال: كانّ الألْسُن رِيضت فما تَنْعقد إلاّ على وُدّه ولا تَنْطق إلا بثَنائه. ومدح أعرابي رجلاً فقال كان والله للإخاء وَصُولاً وللمال بَذولاً وكان الوَفاء بهما عليه كَفِيلا فَمَنْ فاضَله كان مَفْضولاً. وقيل لأعرابي: ما البلاغة قال: التباعُد من حَشْو الكلام والدَّلالة بالقليلِ على الكَثير. ومدح أعرابيّ رجلاً فقال: يُصم أذنيه عن استماع الخَنَا ويُخْرٍس لسانه عن التكلّم به فهو الماء الشرَّيب والمِصْقع الخَطيب. وذَكر أعرابيّ رجلاً فقال: ذاك رجال سَبق إليَّ مَعْروفُه قبل طَلَبي إليه فالعِرْض وَافِر والوَجْه بمائه وما استقل بنعمة إلا أثْقلني بأخرى. وذَكر أعرابيّ رجلاً فقال: ذاك رَضيع الجُود والمَفْطُوم به عَييّ عن الفَحْشاء مًعْتَصِم بالتَقوى إذا خَرِست الألسن عن الرأي حَذَفَ بالصَواب كما يَحْذف الأريب فإِن طالت الغايةُ ولم يكن مِن دُونها نِهاية تَمّهل أمام القوم سابقاً. وذكر أعرابيّ رجلاً فقال: إنّ جَليسه لِطيب عِشْرَته أطربُ من الإبل على الحُدَاء والثَّمِل على الغِنَاء. وذكر أعرابيّ رجلاً فقال: كان له عِلْم لا يُخالطه جَهْل وصِدْقٌ لا يَشُوبه كَذِب كأنه الوَبْل عند المَحْل. وذكر أعرابيّ رجلاً فقال: ذاك واللهّ من شجر لا يُخلف ثمره ومن بَحر لا يُخاف كدره. وذكر أعرابي رجلاً فقالت: ذاك والله فتى ربّاه الله بالخير ناشئاً فَأحْسن لِبْسَه وزين به نفسه. وذكر أعرابيّ رجلاً فقال: ما رأيتُ أعشق للمعروف منه وما رأيتُ النكر أبغضَ لأحَدٍ منه. وقَدِم أعرابيّ البادِية وقد نال من بني بَرْمك فَقِيل له: كيف رأيتَهم قال: رأيتُهم وقد أنِسَتْ بهم النّعمة كأنها من بناتهم. قال: وذكر أعرابيّ رجلاً فقال: المُلوك فقال: إنَّ جهلاَ أن يقول المادحُ بخلاف ما يَعْرِف من المَمْدُوح وإنّي والله ما رأيتُ أعشق للمكارم في زَمانِ اللؤم منك ثم أنشد: مالي أرى أبْوَابهم مَهجُورةً وكأنَ بابَك مَجْمَع الأسْوَاقِ حابَوك أم هابُوك أم شامُوا النَّدَى بيدَيْك فاجتمعوا مِن الآفاق إنّي رأيتُك للمكارم عاشقاً والمَكْرُمات قليلة العُشاق وأنشد أعرابي في مثل هذا المعنى: بَنت المكارمُ وَسْطَ كفّك بَيْتَها فَتِلادُها بك للصديق مباح وإذا المَكارمُ أغْلقت أبوابَها يوماً فأنت لقفها مفتاح وأنشد أعرابيٌّ في بني المُهلّب: قَدِمت على آل المهلب شاتِياً قَصياً بعيد الدار في زمن المحل فما زال بي إلْطافُهم وافتقادُهم وبِرُّهُم حتى حسبتهم أهْلِي وأنشد أعرابيّ: كأنك في الكتاب وَجَدْتَ لاءً مُحرمةً عليك فما تَحِل وما تَدْرِي إذا أعْطِيتَ مالاً أتكثِر مِن سَماحك أمْ تُقِلّ وقال أعرابي في مَدْح عُمر بن عبد العزيز: مُقَابَل الأعْراق في الطاب الطاب بين أبي العَاص وآل الخَطَابْ وأنشد أعرابي: لنَا جَواد أعار النَيْلَ نائلَه فالنيلُ يَشْكر منه كثرَْة النَّيْل إن بارز الشمسَ ألْفي الشمسَ مُظْلِمةً أو أزحم الصم ألجاها إلى الميل أهْدَى من النجْم إنْ نابته مُشْكلةٌ وعند إمضائه أمضي من السيل والموت يرهب أن يَلْقى مَنيّته في شَدّه عند لَفّ الخَيْل بالخَيْل قولهمَ في الذم الأصمعي: قال: ذكر أعرابي قوماً فقال: أولئك سُلِخت أَقْفاؤُهم بالهجاء ودُبغت وجُوههم باللُّؤم لباسُهُم في الدُّنيا الملامة وزادُهم إلى الآخرًة النَّدامة. قالَ: وذَكر أعرابي قوماً فقال: لهم بُيوت تدْخل حَبْواً إلى غير نمارق وَلا وَسائد فُصُح الأْسن برَدِّ السائِل جُعْد الأكُف عن النّائل. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول: لقد صَغر فلاناً في عيني عظمُ الدًّنيا في عَينه وكأنما يَرى السائلَ إذا أتاه مَلَكَ الموت إذا رآه وسئل أعرابي عن رجل فقال: ما ظَنُّكم بِسكِّير لا يًفيق يَتّهم الصَّديق ويعصي الشفيق في موضع إلا حرمت فيه الصلاة ولو أفلتَت كلمة سُوء لم تصر إلا إليه ولو نزلت لعنة من السماءِ لم تَقَع إلّا عليه. وذكر أعرابيّ قوماً فقال: أقلُّ الناس ذنوبا إلى أعدائهم وأكثرهم جُرما إلى أصدقائهم يَصُومون عن المعروف ويَفطِرون على الفحشاء. وذكر أعرابيّ رجلاً فقال: إِنَّ فلانا ليُعْدِي بإثمه من تَسمَّى باسمه ولئن خَيَّبني فلرُبّ قافية قد ضاعت في طَلب رجل كريم. وذَكر أعرابيّ رجلاً فقال: تَغْدو إليه مواكب الضَّلالة فَتَرْجع من عنده بِبُدُور الآثام مُعْدِم مما تُحِب مُثْرِ مما تَكْره وصاحبُ السُّوء قِطْعة من النار. وقال أعرابيّ لرجل: أنت والله ممن إذا سأل ألحف وإذا سُئِل سَوّف وإذا حدَث حَلف وإذا وَعَدَ أخْلف تَنْظُر نَظَر حَسُود وتُعْرِض إعْراض حَقُود. وسافر أعرابيّ إلى رجل فَحَرَمه فقال لما سُئل عن سَفره: ما رَبحْنا في سَفَرنا إلا ما قصَرنا من صَلاَتنا فأما الذي لَقِينا من الهواجر ولَقِيتْ منا الأباعر فَعُقوبة لنا فيما أفْسدنا من حُسنْ ظَنِّنا ثم أنشأ يقول: رَجَعنا ساِلمِينَ كما خَرَجنا وما خابت سريّة سالمينَا وقال أعرابيّ يهجو رجلاً: ولمّا رأيتُك لا فاجراً قَويًّا ولا أنت بالزَّاهدِ ولا أنت بالرَّجُل المُتَّقِي ولا أنتَ بالرَّجل العَابد عرضْتُك في السوقِ سوقِ الرَّقيقِ وناديتُ هل فيك مِنْ زائدِ على رَجُل خائن للصَّديق كَفُور بأنْعُمه جاحِد فما جاءني رجلٌ واحدٌ يَزيد على دِرْهم واحد سِوَى رَجُل زَادَني دَانَقاً ولم يك في ذَاك بالجًاهد فَبعْتك منه بلا شاهد مخافَة رَدّك بالشَّاهد وأبتُ إلى منزلي غانماً وحَلَّ البَلاَءُ على الناقد وذَكر أعرابي رجلاً فقَال: كان إذا رآني قَرَّب من حاجب حاجباً فأقول له لا تُقبِّحٍ وَجهك إلى قُبحه فوالله ما أتيتُك لِطَمع راغباً ولا لِخَوفً راهباً. وذَمّ أعرابيّ رجلاً فقال: عَبْد الفَعال حُرِّ المَقال عَظيم الزُّواق دنيء الأخلاق الدَّهر يَرفعه ونَفْسُه تَضَعه. وذَمَّ أعرابي رجلاً فقال: ضَيِّق الصَّدر صَغير القَدْر عَظِيم الكِبْر قَصِير الشِّبر لَئيم النَّجْر كَثِير الفَخْر. وقال أعرابيّ: دخلتُ البصرةَ فرأيت ثِياب أحْرار على أجساد عَبِيد إِقبالُ حظِّهم إِدْبار حَظّ الكِرام شَجَر أصوله عند فُروعه شَغَلهم عن المعروف رَغْبتهم في المنكر. وذَكر أعرابي رجلاً فقال: ذاك يَتيم المجالس أعْيا ما يكون عند جُلسائه أبلَغُ ما يكون عند نَفْسه. وذكر أعرابيّ رجلاً فقال: ذلك إِلى مَن يًداوي عقلَه من الجهل أحوجُ منه إلى من يداوي بدنه من المرض إنه لا مرضَ أوجع من قلة عَقْل. وذكر أعرابي رجلاً لم يُدْرك بثأره فقال: كيف يُدْرك بثأره مَن في صَدْره من اللُّؤْم حَشْوً مرْفقيه ولو دُقّت بوجهه الحِجارة لرَضّها ولو خَلا بالكَعبة لَسَرَقها. وذَكر أعرابي رجلاً فقال: تَسهر والله زوجتُه جُوعا إذا سَهِر الناسُ شِبَعا ثم لا يَخاف مع ذلك عاجل عار ولا آجل نار كالبهيمة أكلَت ما جَمَعت ونَكحت ما وجدت. وسمع أعرابي رجلاً يَدْعو فقال: وَيحك! إنما يُستجاب لمُؤمن أو مَظلوم ولستَ بواحدٍ منهما وأراك يَخفّ عليك ثِقل الذُّنوب فَتَحْسُنِ عنْدك مَقَابح العُيوب. وذكر أعرابي رجلاً بِضَعْفٍ فقال: سيء الرَّويّة قليل التَّقِيَّة كثير السِّعاية ضَعِيف النّكاية. وذكر أعرابي رجلاً فقال: عليه كلَّ يوم من فِعْله شاهد بفِسْقه وشهاداتُ الأفعال أعدل من شهادات الرّجال. وذَكَر أعرابي رجلاً بذِلّة فقال: عاش خاملاً ومات مَوْتوراً. وذَكَر قوماً ألْبِسُوا نِعمة ثم عُرًّوا منها فقال ما كانت النّعمة فيهم إلا طَيْفا لما انتبهوا لها ذهبت عنهم. وذَمَّ أعرابي رجلاً فقال: هو كالعَبْد القِنّ يَسُرُّك شاهداً ويسوءك غائباً. ودَعت أعرابية على رجل فقال: أمْكنِ الله منك عدوّا حُسودا وفَجعِ بك صَدِيقاً وَدُودا وسَلَّط عليك هَمًّا يُضنِيك وجَاراَ يُؤذِيك. وقال أعرابيّ لرجُل شريف البَيْت دنيء الهمّة: ما أحْوَجَكَ إلى أن يكون عِرْضُك لمن يَصُونه فتكونَ فوقَ مَن أنتَ دُونه.