قال طاووس: ثم اختفى في الناس فألفيتُه بعَرفات قائماً على قَدَميه وهو يقول: اللهِم إن كنتَ لم تَقْبل حَجِّي ونَصَبي وتَعبي فلا تَحْرِمنيِ أجر المُصاب على مُصيبته فلا اعلم مصيبةً أَعْظَمَ ممّن وَرَد حَوْضك وانصرف مَحْروماً من سَعة رَحمتك الأصمعي قال: رأيتُ أعرابياً يَطُوف بالكَعبة وهو يقول: إلهي عَجّت إليك الأصواتُ بضروب من اللُّغات يَسْألونك الحاجات وحاجَتي إليك إلهي أنْ تَذْكرني على طُول البلاء إذ نَسِيَني أهلُ الدنيا. اللهم هَب لي حَقّك وأَرْض عنّي خَلْقك. للهم لا تُعْيني بطَلب ما لم تقُدّره لي وما قَدَرْته لي فَيَسِّرِه لي. قال: وَدَعَتْ أعرابية لابن وَجّهته إلى حاجة فقالت: كان الله صاحبَك في أمرك وخَلِيفَتك في أهلك ووليَّ نُجْح طَلِبتك امْض مُصاحَباً مَكْلًوءاً لا أشْمت اللهّ بك عَدوّا ولا أرى مُحبّيك فيك سُوءاً قال: ومات ابنٌ لأعرابي فقال: اللهم إني وهبتُ له ما قَصّر فيه مِن بِرّى فَهب له ما قَمرّ فيه من طاعتك فإنك أجْود وأكرم. قولهم في الرقائق العُتْبيّ قال: ذَكر أعرابيّ مُصيبةً فقال: مُصيبةٌ والله تركتْ سُود الرؤوس بيضاً بيضَ الوجوه سُوداً وهَوَّنت المصائبَ بعدها أخذ هذا المعنى بعضً الشعراء فقال يرْثي آلَ أبي سًفيان: رَمَى الحِدْثانُ نِسْوةَ آل حَرْب بِمقْدار سَمَدْنَ له سُمُودا فَرَدّ شُعورهن السُّود بيضاً ورَدَّ وُجوههن البيضَ سُودا بكيت بكاء مُوجَعة بحُزْن أصاب الدَّهْرُ واحدَها الفريدا قال: وقِيل لأعرابيّة أُصيبت بابنها: ما أحسن عَزاءَك قالت: إن فقدي إياه أمنني كل فقد سواه وإن مَصيبتي به هَونت علي المصائبَ بعده ثم أنشأت تَقول: مَن شاء بَعدك فَلْيمُت فَعَليك كنتُ أُحاذرُ أكُنْتَ السوادَ لمُقلتي فعليك يَبْكي الناظِر ليتَ المنازلَ والدِّيا رَ حَفائرٌ ومَقابر وقيل لأعرابيّ: كيف حُزنك على وَلدك قال: ما ترك هَمُّ الغَداة والعِشاء لي حُزْناً. وقيل لأعرابي: ما أذْهب شبابَك قال: مَن طال أمدًه وكثُر ولدُه وذَهب جَلَده ذَهَب شبابُه. وقيل لأعرابيّ: ما أنحل جِسْمَك قال: سُوء الغِذاء وجُدوبة المَرْعى واعتلاجُ الهُموم في صَدْري ثم أنشأ يقول: الهمُّ ما لم تُمْضه لسبيله داءٌ تَضَمَّنُه الضُّلوعُ عَظِيمُ ولربما استيأستُ ثم أقول لا إنّ الذي ضَمِن النجاحَ كريمُ وقيل لأعرابي قد أخذته السنُّ: كيف أصبحْتَ قال: أصبحتُ تُقيّدني الشِّعرة وأعثًر في البعرة قد أقام الدَّهرُ صَعَري بعد أن أقمتُ صَعَره. وقال أعرابيّ: لقد كنتُ أُنكر البَيضاء فصرتً أُنْكر السوداء فيا خيرَ مَبْدول ويا شَرَّ بَدل. وقال أعرابيّ: إذا الرجالُ ولدتْ أولادُها وَجعلت أسْقامُها تَعْتادَها واضطربت من كِبَرِ أعضادها فهي زُروع قد دَنا حَصادها وذَكر أعرابيّ قَطِيعة بعض إخوانه فقال: صَفِرت عِيَاب الوُدّ بعد امتلائها واكفهرّت وجوهٌ كانت بمائها فأدبر ما كان مُقْبلاً وأقْبل ما كان مُدْبراً. وذكرَ أعرابيّ منزلًا بادَ أهلَه فقال: منزل والله رَحلَتْ عنه رَبّات الخُدُور وأقامت فيه أثافيّ القُدر وقد اكْتَسى بالنَّبات كأنه أُلْبس الحُلَل. وكان أهْلُه يَعْفون فيه آثار الرِّياح فأصبحت الرِّيح تَعْفو أثارهم فالعَهد قريب والمُلتقى بَعِيد. وذَكر أعرابي قوماً تغيرت أحوالهم فقال أعينٌ والله كُحِلَت بالعَبْرَة بعد الحَبْرة وأنفُسٌ لَبِسَت الحُزْن بعد السرور. وذكر أعرابيّ قوماً تغيَّرت حالُهم فقال: كانوا والله في عَيْشِ رَقيق الحَوَاشي فطَوَاه الدَّهرُ بعد سَعَة حتى يَبِست أبدانُهم من القُرّ ولم أرَ صاحباً أغرَّ من الدنيا ولا ظالماً أغشمَ من المَوت ومَن عَصَف به الليلُ والنهارُ أرْدَياه ومن وُكِّل به الموتُ أفناه. وقَف إعرابيٌّ على دار قد بادَ أهلُها فقال: دارٌ والله مُعْتَصِرة للدّموع حَطَت بها السحابُ أثقالها وجرّت بها الرِّياح أذيالَها. وذكر أعرابيّ رجلاً تغيرت حالُه فقال: طُوِيت صحيفتُه وذهب رِزْقُه فالبَلاء مُسْرعٌ إليه والعَيش عنه قابضٌ كَفيه. وذكر أعرابيّ رجلاً ضاق عيشُه بعد سَعة فقال: كان والله في ظِلّ عيش مَمْدُود فَقَدحت عليه من الدَّهر يدٌ غير كابية الزَّند. الأصمعي قال: أَنشدَني العُقيْلي لأعرابيّة ترْثي ابنها: خَتلتْه المَنونُ بعد اختيال بين صَفّين مِن قناَ ونصَال في رداء من الصفيح صَقِيل وقميص من الحديد مُذَال كُنت أَخْبؤك لاعتداء يَد الدَّهر ولم تَخْطُر المَنون ببالي وقال أعرابيّ يَرِثي ابنه عند دَفْنه: دَفنت بكفِّي بعض نَفْسي فأَصْبحتْ وللنفس منها دَافِن وَدَفِينُ وقال أعرابيّ: إنّ الدُّنيا تَنطق بغير لسان فتُخبر عما يكون بما قد كان. خرج أعرابيّ هارباً من طافَ يَبْغِي نَجْوَةً من هلاكٍ فَهَلَكْ والمَنايا رَصَدٌ للفتى حيثُ سَلَك كُلّ شيء قاتلٌ حينَ تَلْقَى أجلَك وذَكَر أعرابي بلداً فقال: بلد كالتُّرس ما تمشي فيه الرِّياح إلّا عابراتِ سَبِيل ولا يمر فيها السَّفْر إلّا بأَدَلّ دليل. قولهم في الإستطعام قَدِمَ أعرابيّ من بني كِنانة على مَعْن بن زائدة وهو باليمن فقال: إني والله ما أعرف سبباً بعد الإسلام والرّحم أقْوى من رِحْلة مِثْلِى من أهل السِّنّ والحَسَب إليك مِن بلاده بلا سَبب ولا وَسِيلة إلّا دُعاءَك إِلى المكارم ورَغْبَتك في المَعْروف فإنْ رأَيْتَ أَنْ تَضَعَني مِن نَفْسِك بحيثُ وضعتُ نفْسي من رَجائك فافعل. فَوَصله وأَحْسن إليه. الرَّبيع بن سُليمان قال: سمعتُ الشافعيّ رَضيَ الله تعالى عنه يقول: وَقف أعرابيٌّ على قَوْم فقال: إنّا - رَحِمَكم الله - أبناءُ سَبِيل وأَنْضاء طَريق وفُلال سَنَة رَحِم الله امرأً أعْطَى عَن سَعة ووَاسى من كفاف. فأَعْطاه رَجًلٌ دِرْهماً فقاٍل: آجَرَك الله من غير أن يَبْتْلِيك. ووَقف أعرابيّ بقوم فقال: يا قوم تَتابعت علينا سِنون جِماد شِدَاد لم يَكُنْ للسماء فيها رَجْع ولا للأرض فيها صَدْع فَنَصَبَ العِدّ ونَشِفَ الوَشَل وأمْحَل الخِصْب وَكَلَح الجَدْب وشَفّ المال وكَسَف البال وشَظِف المَعاش وذَهبت الرِّياش وطرَحَتْني الأيام إليكم غريبَ الدَّار نائيَ المحلّ ليس لي ما لم أَرْجع إليه ولا عَشيرة ألْحَق بها فَرَحِم الله امرأً رَحِم اغترابي وجعل المعروف جَوابي. خَرج المهديّ يَطُوف بعد هَدْأَة من اللّيل فَسَمِعِ أعْرَابيّة من جانب المسجد وهي تقول: قوم مًعوزون نَبَت عنهم العُيُون وفدَحَتْهم الدُّيون وعَضَّتهم السِّنون باد رجالُهم وذهبت أموالهم أبناء سَبيل وأَنْضاء طريق وصيّةَ الله ووصية رسوله فَهل من أمر بخَيْر كَلأه الله في سفره وخَلفه في أهله. فأمر نُصَيراً الخادم فدفع إليها خَمْسمائة درهم. الأصمعي قال: أُغير على إبل خُزَيمة فَرَكب بَحيرةً فقِيل له: أَتَركب حراماً قال: يَرْكب الحرامَ من لا حَلال له. وقال أعرابي: يا ليتَ لي نَعْلين من جِلْد الضَّبُع كل الحِذَاء يَحْتذي الحافي الوَقِعْ أبو الحسن قال: اعترض أعرابيّ لِعُتبة بن أَبي سُفْيان وهو على مكَة فقال: أيها الخَلِيفة قال: لستُ به ولم تَبْعُد قال: فيا أخاه قال: أسْمعتَ فقُل قال: شك من بني عامر يَتقرّب إِليك بالعُمومة ويَخْتص بالخُئولة ويَشْكو إليك كَثْرة العِيال ووَطأة الزّمان وشِدّة فقْر وتَرادفَ ضُرّ وعندك ما يَسعه ويَصرف عنه بُؤسَه. فقال عُتبة أسْتغفر الله مِنك وأَسْتَعينه عليك قد أمرنا لك بِغناك فليتَ إسرْاعَنا إليكَ يَقُوم بإبطائنا عنك. وسأل أعرابيّ فقال: رَحم اللهّ مُسلماً لم تَمُجَّ أُذناه كلامي وقَدّم لِنَفسه مَعاذاً من سُوء مَقامي فإن البِلاد مُجْدبة والدَّارَ مُضَيّعة والحيَاءَ زاجر يمنع مِنِ كلامكم والعُدْمَ عاذِر يَدْعو إلى إخْباركم والدعاء إحدى الصَّدَقتين فرَحم الله آمِراً بمَيْر وداعياً بخير. فقال له بعضُ القوم: ممّن الرجل فقال: ممن لا تَنْفعكم مَغرفته ولَا تَضركم جهالَته ذل الاكتساب يَمْنع من عِزّ الانتساب. العُتبيّ قال: قَدِم علينا أعرابيّ في فِشّاشٍ قد أَطْردت اللِّصَاصُ إبلَه فَجَمعتُ له شيئاً من أهل المسجد فلمّا دفعتُ إليه الدراهم أنشأ يقول: لا والَّذي أنا عَبْد في عِبادته لولا شَماتُه أعداء ذَوِي إحَنِ ما سرًّني أنّ إبلي في مَبارِكها وأنّ أمراً قضاه اللهّ لم يَكُن أخذ هذا المعنى بعض المُحْدَثين فقال: لولا شَمَاتَةُ أعداء ذَوِي حَسَدٍ وأنْ أنال بنَفْعِىِ مَنْ يُرَجِّينِي لما خَطَبْتُ إلى الدُّنيا مَطالَبها ولا بذلتُ لها عِرْضي ولا دِيني لكنْ مُنافسة الأكفاء تَحْمِلني على أُمور أرَاها سَوْف تُرْدِيني العُتبى قال: دخل أعرابيّ على خالد بن عبد الله القَسْرى فلمّا مَثل بين يديه أنشأ يقول: أَصْلَحَك الله قَلّ ما بيَدي فما أُطِيق العِيَالَ إذ كَثُروا أناخ دَهْرٌ ألْقى بِكَلْكِلِه فأَرْسَلُوني إليكَ وانتظروا قال: أرسَلوك وانتظرِوا! والله لا تَجْلِس حتى تعودَ إليهم بما يَسُرهم فأَمر له بأربعة َأَبْعِرة مَوْقُورة بُرَّاً وتَمْراَ وخَلع عليه. الشّيْباني قال: أقبل أعرِابيٌّ إلى مالِك بن طَوْق فأقام بالرَّحْبة حيناً وكان الأعرابيّ من بني أسد صُعْلوكاً في عَبَاءة صُوف وشَمْلة شَعَر فكلّما أراد الدُّخول منعه الحُجَّاب وشَتَمه العَبيد وضربه الأشْرَاط فلمّا كان في بَعض الأيام خَرج مالكُ بن طَوْق يُريد التنزّه حول الرِّحْبة فعارَضه الأعرابي فضربوه ومَنعوه فلم يَثْنِه ذلك حتى أخذ بِعِنان فَرسه ثم قال: أيها الأمير إني عائذ بالله من أشراطك هؤلاء فقال مالك: دَعوا الأعرابي هل من حاجة يا أعرابيّ قال: نعم أصلح الله الأمير أنْ تَصْغِي إليَّ بَسَمْعك وَتَنظَر إليّ بطَرفك وتَقبَل إلي بوجهك قال: نعم فأنشأ الأعرابيّ يقول: ببابك دون الناس أنزلتُ حاجَتي وأقبلتُ أَسْعَى حولَه وأَطُوفُ وَيمْنعني الحُجِّابُ والسِّتر مُسْبَلٌ وأنتَ بَعِيد والشًّروط صُفوف يدُورون حَوْلي في الجُلوس كأنهم ذِئابٌ جيِاعٌ بَينهَنّ خَرُوف وما لي من الدنيا سِواك ولا لمن تركتُ ورائي مَرْبَعٌ ومَصِيف وقد عَلِم الحَيَّان قيسٌ وخِنْدِفٌ ومَنْ هو فيها نازل وحَلِيف تَخَطيَّ أَعْناقَ المُلوك ورٍحلتي إليك وقد أخنت عليَّ صرُوف فجِئْتُك أَبغي اليُسْرَ منك فمَر بي ببابك مَن ضَرْب العَبيد صُنوف فلا تجعَلنْ في نحو بابل عَوْدة فَقَلْبيِ مِن ضَرْب الشرًّوط مَحًوف فاستضحك مالك حتى كاد أن يَسْقَط عن فرَسه ثم قالت لمَن حوله: مَن يُعْطِيه دِرْهماً بِدِرْهَمين وثَوْباً بثَوْبين فوقعت عليه الثِّياب والدَراهم من كل جانب حتى تَحَيَّر الأعرابيّ ثم قال له: هل بَقيتْ لك حاجة يا أعرابي قال: أمّا إليك فلا قال: فإلى مَن قال: إلى الله أن يُبْقِيَك للعرب فإنها لا تزال بخير ما بَقِيتَ لها. دخل أعرابي على هِشام بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين أَتَتْ علينا ثلاثةُ أعوام: فعام أذاب الشَّحْم وعامٌ أكل اللَّحْم وعام انْتَقى العَظْم وعندكم أموال فإنْ تَكُنْ لله فَبُثُّوها في عباد اللهّ وإن تكُن للناس فلِمَ تُحْجَب عنهم وإن تكن لكم فَتَصَدَّقُوا إن الله يَجْزِي المُتَصدقين. قال هشام: هل من حاجة غير هذه يا أعرابيّ قال: ما ضربتُ إليك أكبادَ الإبل أَدَّرع الهَجير وأخُوض الدُّجا لخاصٍّ دون عام ولا خَير في خير لا يَعُم فأمر له هِشام بأموال فُرِّقت في الناس وأمرَ للأعرابيّ بمال فَرقه في قومه. طلب أعرابيّ من رجل حاجةً فوَعده قضاءها فقال الأعرابي: إنّ مَن وَعد قَضى الحاجةَ وإن كَثًرت والمَطْل من غير عُسر آفةُ الجود. وقال: أتي أعرابيّ رجلاً لم تَكُن بينهما حُرْمة في حاجة له فقال: إني امتطيت إليك الرَّجاء وسِرْت على الأمل وَوَفْدت بالشُّكر وتوصَّلت بحُسْن الظنّ فَحَقِّق الأمل وأَحْسنْ المَنْزلة وأَكْرِم القَصْد وأتِمّ الوُدَّ وعَجِّل المُراد. وقف أعرابيّ على حَلْقَة يُونس النحويّ فقال: الحمد لله وأعوذ بالله أن أُذَكِّر به وأنساه إنّا أناس قَدِمْنا هذه المدينة ثلاثون رجلاً لا نَدْفن ميتاً ولا نتحوّل من مَنزل وإن كَرِهْنا فرحم اللهّ عبداً تصدَّق على ابن سبيل ونضْو طريق وفَلّ سنة فإنه لا قليل من الأجر ولا غِنىِ عن اللهّ ولا عَمل بعد الموت. يقول الله عزّ وجلّ: مَن ذَا الَّذي يُقْرِضُ الله قَرْضاَ حسَنًا. إن الله لا يَسْتقْرض مِن عَوَز وِلكن لِيَبلو خِيَار عباده. وقف أعرابيّ في شهر رمضان على قَوْم فقال: يا قوم لقد ختمتْ هذه الفريضةُ على أفواهنا من صُبح أمس ومَعي بِنْتان لي والله ما عَلِمْتهما تخلَّتا بِخلال فهل رجلٌ كريمٌ يَرْحَم اليوم ذلنا وَبرُد حُشاشتنا مَنعه اللهّ أن يقوم مَقامنا فإنه مَقام ذل وعار وصَغار. فافتَرق القومُ ولم يُعْطوه شيئاً فالتفت إليهم حتى تأمَّلهم جميعاً ثم قال: أَشدُّ والله عليَّ من سوء حالي وفاقتي توهُّمي فيكم المُواساة انتعلوا الطريقَ لا صَحِبكم الله. الأصمعي قال: وَقف أعرابيّ علينا فقال: يا قومُ تتابعت علينا سنون بتغيير وإنتقاص فما تركت لنا هُبَعاً ولا رُبَعاً ولا عافطة ولا نافطة ولا ثاغِيَة ولا راغية فأماتت الزَّرْع وقَتلت الضَّرْعَ وعندكم من مال الله فَضْلُ نِعْمة فأعينوني مِن عَطِية لله إياكم وأرحموا أبا أيتام ونضْوَ زمان فلقد خَلّفتُ أقواماً ما يمرضون مريضهم ولا يُكفِّنون مَيِّتهم ولا يَنْتقلون من منزل إلى منزل وإن كرهوه. ولقد مَشيت حتى انتعلتُ الدِّماء وجعْتُ حتى أكلتُ النَّوَى. الأصمعي قال: وقفتْ أعرابيّة من هَوَازن على عبد الرحمنِ بن أبي بَكر الصِّدِّيق رضي اللهّ تعالى عنهما فقالت: إني أتيتُ من أرض شاسعة تهبطني هابطة وتَرْفَعني رافعة في بواد بَرَيْنَ لَحْمي وهِضْن عَظمي وتْرَكْنَني والهة قد ضاق بي البَلد بعد الَأهْل والولد وكَثْرَة من العَدد لا قَرَابة تُؤْوِيني ولا عشيرةَ تَحْمين فسألتُ أحياء العرب: المُرْتَجى سَيْبه المأمون غَيْبه الكثير نائلُه المَكْفيّ سائلُه فَدُلِلْت عليك وأنا امرأة هَوَازن فَقَدْتُ الوَلد والوالد فاصنَع في أمري واحدةً من ثلاث: إمّا أنْ تُحْسِن صفدي وإمّا أن تُقِيمَ أوَدي وإمّا أن تَرُدِّني إلى بلدي قال: بل أَجْمَعُهن لك. ففعل ذلك بها أجمع وقال أعرابيّ: يا عمر الخَيْر رُزِقت الجنّة اكْسُ بُنَيّاتي وأُمَّهنَّه وكُن لنا من الَرمان جُنّة وارْدُد عَلينا إنّ إنِّ إنّه أَقْسمتُ بالله لتَفْعلنّه الأصمعي قال: وقفتْ أعرابيّة بقوم فقالت: يا قوم سَنَة جَرَدت وأَيْدٍ جَمدت وحال جَهَدَت فهل من فاعل خَيْر وآمر بِمَيْر رَحِم الله من رَحِم وأَقْرَض مَنْ يُقْرض. الأصمعي قال: أصابت الأعرابَ أعوام جَدْبة وشِدّة وجهد فدخلت طائفةٌ منهم البَصرة وبين أيديهم أعرابيّ وهو يقول: أيها الناس إخوانُكم في الدّين وشرُكاؤكم في الإسلام عابرُو سَبيل وفُلاّل بُؤْس وصَرْعى جَدْب تَتابعت علينا سنون ثلاث غَيّرت النِّعم وأَهكت النَّعم فأَكلنا ما بَقي من جُلودها فَوق عِظَامها فلم نَزل نُعلِّل بذلك أَنْفسنا ونُمنّي بالغَيْث قُلُوبنا حتى عاد ُمخّنا عِظاماً وعاد إشراقنا ظَلاماً وِأَقبلنا إليكم يَصرعنا الوَعْر ويَنكُبنا السَّهل وهذه آثار مَصائبنا لائحة في سِمَاتنا فرَحم الله مُتصدِّقاً مِن كَثير ومُواسياً من قَلِيل فلقد عَظُمت الحاجة وكَسَف البال وبَلَغ المجهود واللهّ يَجْزي المًتصدِّقين. الأصمعي قال: كنتُ في حَلْقة بالبَصرة إذ وَقف علينا أعرابي سائلاً فقال: أيها الناس إنّ الفَقْر يَهْتِك الحِجاب ويُبْرز الكَعاب وقد حَمَلتنا سِنُو المَصائب ونَكَبات الدهور على مَرْكبها الوَعْر فَواسُوا أيا أيتام ونضْو زمان وطَريد فاقة وطَرِيح هَلكة رَحمكم الله. أتي أعرابيّ عُمَرَ بن عبد العزيز فقال: رجلٌ من أهل البادية سَاقَتْه إليك الحاجة وبَلغت به الغاية والله سائلك عن مَقامي هذا. فقال عمر: ما سمعتُ أبلغ مِن قائل ولا أَوْعظ لمُقول له من كلامك هذا. سَمِع عديّ بن حاتم رجلاً من الأعراب وهو يقول: يا قوم تَصدَقوا على شَيْخ مُعِيل وعابر سَبِيل شَهِد له ظاهرهُ وسَمِع شَكْواه خَالِقُه بَدنه مَطْلوب وثوْبُه مَسْلوب فقال له: مَن أنت قال: رجلٌ من بني سعد سْعَى في دِيَة لَزمَتْني قال: فَكم هي قال: مائةُ بَعير قال: دُونكها في بَطن الوادي. سأل أعرابيّ رجلاً فأعطاه فقال: جَعل الله للمَعْروف إليك سَبِيلاً وللخَيْر عليك دَليَلاً ولا جَعلِ حَظّ السائل منك عِذْرة صادقة. وقف أعرابي بقوم فقال: أَشْكو إليكم أيها الملأ زَماناً كَلَح لي وجهُه وأَناخ عليّ كَلْكلُه بعد نَعْمة من البال وثَرْوة من المال وغِبْطة من الحال اعْتَورتْني شدائدُه بِنَبْل مصائبه عن قسِيّ نَوائبه فما تَرَك لي ثاغية أَجْتدى ضَرْعَها ولا راغية أَرْتجى نَفْعها فهل فيكم من مُعين على صرَفة أو مُعْدٍ على حَيْفه فَرَدّه القومُ ولم يُنيلوه شيئاً. فأنشأ يقول: قد ضَاع مَن. يَأْمُل مِن أَمثالكم جُوداً وليس الجُود من فَعالكمْ لا بارك الله لكم في مالكم ولا أَزاح السُّوء عن عِيَالكم فالفقرُ خَيرٌ مِن صلاح حالكم الأصمعي قال: سأل أعرابي فلم يُعْطَ شَيئاً فرفع يديه إلى السماء وقال: يا ربّ أنتَ ثِقَتي وذخْري لصِبْيةٍ مثل صغار الذَرّ جاءهمُ البَرْدُ وهُمْ بِشرَ بغير لُحْفٍ وبغير أزْرِ وكلّهم مُلْتَصِق بصدْري فاسْمَع دُعائي وتَوَلّ أَجْري سأل أعرابيّ ومعه ابنتان له فلم يُعْطَ شيئاً فأنشأ يقول: أيَا ابنتيّ صابِرَا أباكما إنكما بِعين من يَراكما الله مَوْلاي وهُو مَوْلاكما فأَخْلِصا لله مِن نَجْواكما تَضرَّعَا لا تَذْخَرا بُكاكما لعلّه يرْحَم مَن أَوَاكما إِنْ تَبْكِيا فالدَّهرُ قد أبكاكما العُتبي قال: كانت الأعراب تنتجع هِشامَ بن عبد الملك بالخُطَب كلَّ عام فتقدَّم إليهم الحاجبُ يأمرهم بالإيجاز فقام أعرابيّ فَحَمِد الله وأثنى عليه ثم قال: ياِ أميرَ المؤمنين إنَّ الله تبارك وتعالى جعل العَطاء مَحبَّة والمَنْع مَبْغضة فَلأن نُحبك خيْر من أن نُبغضك. فأعطاه وأجزل له. الأصمعي قال: وَقف أعرابيّ غَنويّ على قوم فقال بعد التَّسليم: أيها الناس ذهب النَّيْل وعَجُف الحَيْل وبُخِس الكَيْل فمن يرحم نضْو سفر وفَلّ سَنَة ويُقْرض الله قَرْضاً حسَناً. لا يَسْتقرض الله من عُدْم ولكن ليبلوكم فيما آتاكم ثم أنشأ يقول: هَل من فَتًى مُقْتدر مُعِين على فَقير بائس مِسْكين أبي بناتٍ وأبي بَنينٍ جَزاه ربِّي بالذي يُعْطِينيَ الأصمعي قال: سمعتُ أعرابياً يقول لرجل: أطعمك الله الذي أطعمتَني له فقد أحييتني بقَتل جُوعي ودفعت عنّى سُوء ظَنّي بيومي فحفظك الله على كل جَنْب وفَرِّج عنك كل كَرْب وغَفَر لك كل ذَنب. وسأل أعرابيّ رجلاً فاعتلّ عليه فقال: إنْ كنتَ كاذباً فجعلك الله صادقاً. وقال أعرابيّ للمأمون: قلْ للِإمام الذي ترجَى فَضائُله رأس الأنام وما الأذْنابُ كالرّاس إنّي أعوذ بهارونٍ وخفْرِته وبابن عَمّ رَسول الله عبّاس مِن أن تُشد رِحالُ العِيس راجعةَ إلى اليمامة بالحِرْمان واليَاس الأصمعي قال: أصابت الأعرابَ مَجاعةٌ فمررتُ برجل منهم قاعدٍ مع زَوْجته بقارعة الطريق وهو يقول: يا ربّ إنّي قاعدٌ كما تَرَى وزَوْجتي قاعِدةٌ كما تَرَى والبَطن منّي جائع كما ترى فَمَا ترى يا ربَّنا فيما تَرَى الأصمعي قال: حَدّثني بعضُ الأعراب قال: أصابتنا سَنة وعِنْدنا رجلٌ من غَني وله كَلْب فَجَعل كلبُه يَعْوي جُوعاً فأنشأ يقول: تَشَكَّى إليّ الكْلبُ شِدَّةَ جُوعه وبي مِثلُ ما بالكلب أو بيَ أكثَرُ كأنّي أميرُ المُؤمنين من الغِنَىِ وأنتَ من النُّعْمى كأنّكَ جَعْفر الأصمعي قال: سأل أعرابيّ رجلاً يقال له عمرو فأعطاه دِرْهمين فردّهما عليه وقال: تَركتُ لعمرو درهميه ولم يكن لِيُغنِيَ عنّي فاقَتي دِرْهما عَمْرِو وقلتُ لعمرو خُذْهما فاصْطَرِفهما سرَيعين في نَقْص المروءة والأجْر أبو الحسنِ قال: وقف علينا أعرابي فقال: أخٌ في كِتاب الله وجارٌ في بلاد الله وطالبُ خيْر من رِزْق الله فهل فيكم من مُواسٍ في الله الأصمعي قال: ضَجِر أعرابيّ بكثرة العِيَال والوَلد وبَلغه أنّ الوَباء بِخَيْبر شَدِيد فَخَرج إليها يُعرِّضهم للموت وأنشأ يقول: قلتُ لحُمّى خَيْبرَ استعدي هاكِ عِيالي فاجْهَدِي وجِدِّي وباكِري بصالبٍ ووِردِ أعانك الله على ذِي الجُنْد فأخذته الحُمى فمات هو وبَقي عيالُه. سأل أعرابي شيخاً من بني مَرْوان وحوله قوم جُلوس فقال: أَصابتنا سَنة ولي بِضيم عَشرَة بِنْتاً فقال الشيخُ: أما السّنة فَوَدِدْت والله أنّ بينكم وبين السماء صَفائحَ مِن حديد ويكون مَسِيلها مما يلي البحر فلا تَقْطر عليكم قطرة وأمّا البنات فليت الله أَضْعفهنّ لك أضْعافاً كثيرة وجَعلك بينهن مَقْطوع اليدين والرّجلين ليس لهن كاسب غيرك قال: فنظر إليه الأعرابي ثم قال: والله ما أَدْري ما أَقول لك ولكن أَراك قبيحَ المنظر سيء الخُلق فأعَضك الله ببُظور أمهات هؤلاء الجلوس حولك. وقف أعرابيّ على رجل شيخ منِ أهل الطائف فذكرَ لهٍ سنة وسأله فقال: وَدِدْتُ والله أن الأرض لا تُنبت شيئاً قال: ذلك أيْبَس لجَعْر أمك في آسْتها. قولهم في المواعظ والزهد أبو حاتم عن الأصمعي قال: دَخل أعرابيّ على هِشام بن عبد الملك فقال له: عِظْني يا أعرابيّ فقال: كَفى بالقرآن وَاعظاً أَعُوذ بالله السميع العَليم من الشيطان الرَّجيم بسم الله الرَّحمن الرَّحيم " وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين الذين إذا اكْتَالًوا على النَّاس يَسْتَوْفُون. وإذا كالًوهم أَوْ وَزَنُوهم يُخْسِرُون أَلَا يَظُنّ أولئك أنَّهُمْ مَبْعُوثون لِيَوْم عَظِيم. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَاَلمِين " ثم قال: يا أمير المؤمنين هذا جزاء من يُطّفف في الكَيْل والمِيزان فما ظَنُّك بمن أخذه كلّه. وقال أعرابيّ لأخيه: يا أخي أَنت طالب ومَطلوب يَطلبك مَن لا تَفُوته وتَطلب ما قد كُفِيته فكأن ما غاب عنك قد كُشف لك وما أنت فيه قد نُقلت عنه فأمْهَدْ لِنَفْسِك وأعِدّ زادك وخُذْ في جِهَازكَ. وَوَعظ أعرابي أخاً له أَفسد مالَه في الشّراب فقال: لا الدَّهر يَعظك ولا الأيام تُنْذِرك ولا الشّيب يَزْجُرُك والساعاتُ تُحصى عليك والأنْفاس تُعَدّ منك والمَنَايا تُقَادُ إليك وأحبّ الأمور إليك أعْوَدها بالمَضرَة عليك. وقيل لأعرابيّ: ما لك لا تَشْرب النَّبيذ قال: لثلاث خِلال فيه لأنه مُتْلف للمال مُذْهِبٌ للعقل مُسْقِط للمروءة. وقال أعرابي لرجل: أيّ أخي إنّ يَسَار النَّفس أفضل من يَسار المال فإن لم ترْزَق غِنىًِ فلا تُحْرَم تَقْوى فرُب شَبْعان من النِّعم غَرْثان من الكَرم واعلم أنَّ المؤمن على خيْر تُرَحِّب به الأرض وتَسْتبشر به السماء ولنِ يُسَاء إليه في بَطْنها وقد أحْسَن على ظَهْرها. وقال أعرابيّ: الدّرَاهم مَيَاسمِ تَسِم حَمْداً أو ذَمّاً فمن حَبَسها كان لها ومن أنفقها كانت له ما كان من أعطى مالاً أُعْطِي حَمْداً ولا كلُّ عَديم ذَميم. أخذ هذا المعنى الشاعر فقال: أنت للمال إذا أَمْسَكْتَه فإذا أنْفَقْتَهُ فالمالُ لَكْ وهذا نظير قول ابن عبّاس ونظر إلى دِرْهم في يد رجل فقال: إنّه ليس لك حتَّى يَخْرج من يدك. وقال أعرابي لأخٍ له: يا أخي إِنَّ مالَك إن لم يَكُن لك كنتَ له وإن لم تُفْنه أفناك فكُلْهُ قبل أن يَأْكُلك. وقال أعرابيّ: مَضى لنا سَلف أهْلُ تواصل اعتقدوا مِنَناً واتخذوا الأيادي ذَخيرة لمن بَعدهم يَرَوْن اصطناع المَعْرُوف عليهم فَرْضاً لازماً وإظهارَ البر واجباً ثم جاء الزَّمان ببنين اتخذُوا مِنَنَهم بضاعةً وبِرَّهم مُرَابحة وأياديهم تجارة واصطناع المعروف مُقارضة كنقد السوق خُذ منيِ وهات. وقال أعرابيّ لولده: يا بُنّي لا تكُن رأْساً ولا تكن ذَنَباً فإن كنت رأساً فتهيَّأْ للنطاح وإن كنت ذنَبا فتهيَّأ للنِّكاح. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول لابن عمّه: سأتخطَّى ذَنْبَك إلى عُذرك وإن كنتُ من أحدهما على شَكّ ومن الآخر على يَقين ولكن ليَتمّ المعروفُ منِّي إليك ولتقوم الحُجَّةُ لي عليك. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول: إنَّ المُوفَّق مَن تَرك أَرْفق الحالات به لأصلحها لدينه نظَراً لنفسه إذا لم تنظر نفسُه لها. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول: الله مُخْلف ما أتلف الناس والدهر مُتْلِف ما اخْلفوا وكم من مِيتة عِلَّتها طَلب الحياة وكم من حياة سَببها التعرُّض للموت. وقال أعرابيّ: إنّ الآمال قطعت أعناق الرِّجال كالسرَاب غَر من رآه وأخْلَف مَن رَجاه. وقال أعرابيّ: لا تَسْأَل مَن يِفِرّ من أن تسأله ولكن سَل مَن أمرك أن تَسأله وهو الله تعالى. وقيل لأعرابيّ في مَرضه: ما تشتكي قال: تَمام العدّة وانقضاء المُدَّة. ونظَر أعرابي إلى رجل يَشْكو ما هو فيه من الضِّيق والضر فقال: يا هذا أتشكو مَن يَرْحمك إلى مَن لا يَرْحمك. وقالت أعرابيّة لابنها: يا بُنَيَّ إن سُؤالك الناس ما في أيديهم مِن أشدِّ الإفتقار إليهم ومن افتقرتَ إليه هُنت عليه ولا تزال تُحْفظ وتُكرم حتى تَسْأل وتَرْغب فإذا ألحّت عليك الحاجةُ وَلَزِمك سُوء الحال فأجعل سُؤالك إلى من إليه حاجةُ السائل والمَسْئول فإنه يُغنيِ السائل ويَكفي العائل. وقالت أعرابيَّة تُوصي ابناً لها أراد سفراً: يا بُنيَّ عليك بتقْوى الله فإنها أجْدَى عليك من كثير عَقْلك وإياك والنَّمائم فإنها تُورث الضغائن وتُفَرِّق بين المُحبين ومَثَل لنفسِك مثالاً تَسْتَحْسِنه من غيرك فاحْذُ عليه واتخذه إماماً واعلم أنَّه مَن جَمَع بين السَّخاء والْحَياء فقد أجاد الحُلّة إزارها ورداءها. قال الأصمعي: لا تكون الْحلة إلا ثوبين: إزاراً ورِداء. أنشد الحسن لأعرابيّ كان يَطوف بأمه على عاتقه حول الكعبة: في بَطْنك المُطَهَرَ المُطَيَّب كم بين هذاك وهذا المَرْكَبَ وأنشد لآخر كان يَطوف بأمه: ما حجَّ عَبْد حَجَّةً بأمِّه فكان فيها منْفِقاً من كَدّه إلاّ استَتم الأجْرَ عند ربِّه وقال: وسمعتُ أعرابياً يقول: ما بَقاء عُمْر تَقْطعه الساعات وسلامة بَدَنٍ مُعَرَّض لِلآفات. ولقد عجِبتُ من المُؤمن كيف يكْره الموت وهو يَنقله إلى الثّواب الذي أحيا له لَيْلَهُ وأظمأ له نهارَه. وذُكر أهلُ السّلطان عند أعرابيّ فقال: أما والله لئن عَزُّوا في الدنيا بالجَوْر فقد ذَلّوا في الآخرًة بالعَدْل ولقد رَضُوا بقليل فإن عوضاً عن كثير باقٍ وإنما تَزلّ القدم حيثُ لا يَنْفع الندم. ووصف أعرابيّ الدنيا فقال: هي رَنقِة المشارب جمَّة المصائب لا تُمَتِّعك الدهرَ بصاحب. وقال أعرابيّ: مَن كانت مطيَّتاه الليلَ والنهار سارَا به وإن لم يَسِرْ وبَلَغا به وإن لم يَبْلُغ. قال: وسمعتُ أعرابياً يقول: الزِّهادة في الدنيا مِفتاح الرَّغبة في الآخرة والزَّهادة في الآخرة مِفْتاح الرغبة في الدُّنيا. وقيل لأعرابيّ وقد مَرِض: إنك تموت قال: وإذا مِتّ فإلى أين يُذهب بي قالوا: إلى الله قال: فَما كراهتي أن يُذهَب بي إلى مَن لم أرَ الخير إلّا منه. وقال أعرابِي: مَن خاف الموت بادر الفَوْت ومن لم يُنَحِّ النّفس عن الشهوات أسرعت به إلى الهَلَكات والجنَّة والنار أمامك. وقال أعرابي لصاحب له: والله لئِن هَمْلَجْتَ إلى الباطل إنك لَعطُوف عن الحق ولئن أبطأت ليُسر عنَّ إليك وقد خسِر أقوام وهم يَظنُّون أنهم رابحون فلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنيا فإن الآخرًة من ورائك. وقال أعرابيُّ: خَيْرٌ من الحياة ما إذا فقدتَه أبغَضْتَ له الحياة وشرُّ من الموت ما إذا نَزَلَ بك أحببتَ له الموت. وقال أعرابي: حَسْبك مِن فساد أنَّكَ تَرَى أسْنِمَة تُوضع وأخفافاً تُرْفع والخَيْرَ يُطْلَبُ عند غير أهله والفقيرَ قد حَلَّ غيرَ مَحلّه. وقُدَم أعرابي إلى السلطان فقال له: قُل الحق وإلا أوجعتُك ضربا قال له: وأنت فاعمل به فوالله لَمَا أوعدك الله على تَرْكه أعظم مما توعِدني به.