الرئيسيةبحث

العقد الفريد/الجزء الثاني/2


الأدب في المماشاة

وَجه هِشامُ بن عبد الملك ابنه على الصَّائفة ووجَّه معه ابن أخيه وأوصى كلَّ واحد منهما بصاحبه فلما قَدِما عليه قال لابن أخيه: كيف رأيتَ ابن عمّك فقال: إن شئت أجملت وإن شئت فسّرْتُ قال: بل أجمل قال: عرضتْ بيننا جادة فتركها كلُّ واحد منَّا لصاحبه فما رَكِبناها حتى رَجعنا إليك.

وقال يحيى بن أكثم: ما شيتُ المأمون يوماً من الأيام في بُستان مُؤْنسة بنت المَهديّ فكنت من الجانب الذي يَسترٌه من الشَمس فلما انتهى إلى آخره وأراد الرجوع وأردتُ أن أدور إلى الجانب الذي يَسْترٌه من الشمس فقال: لا تفعل ولكن كُن بحالك حتى أسترك كما سَتَرْتني فقلت: يا أمير المؤمنين لو قدرتُ أن أقيك حَرَّ النار لفعلتُ فكيف الشمسُ فقال: ليس هذا من كرم الصُحبة ومَشى ساتراً لي من الشّمس كما سترته.

وقيل لعُمَر بن ذرّ: كيف برُ ابنك بك قال: ما مشيتُ نهاراً قط إلا مَشى خَلفي ولا ليلاً إلا مشى أمامي ولا رَقِي سَطحاً وأنا تحته.

وقيل لزياد: إنك تَستخلص حارثة بن بَدْر وهو يُواقع الشراب فقال: وكيف لا أَسْتَخْلصه وما سألته عن شيء قط إلا وجدتُ عنده منه عِلْماً ولا استودعتُه سِرّاً قطْ فضيّعته ولا راكبني قطّ فمست رُكْبتي رُكْبته.

محمد بن يزيد بن عُمر بن عبد العزيز قال: خرجتُ مع موسى الهادي أمير المُؤمنين من جُرْجان فقال لي: إمّا أن تَحملين وإمّا أن أحْملك فعلمتُ ما أراد فأنْشدتُه أبياتَ ابن صِرْمة: أوصيكم بالله أولَ وَهْلةٍ وأَحْسابِكِم والبرُّ بالله أَوَّلُ وإنْ قومُكم سادوا فلا تَحْسُدوهم وإن كُنتم أهلَ السِّيادة فاعْدِلوا وإن أنتمُ أعْوَزْتُمُ فتَعفَفَّوا وإن كان فَضْلُ المال فيكم فأَفْضِلوا وإنْ نزلتْ إحدى الدَواهي بقَوْمكم فأنْفُسَكم دون العَشيرة فاجعلوا وإنّ طَلبوا عُرْفاً فلا تَحْرموهمُ وما حَمَّلوكم في المُلمّات فاحملوا قال: فأمر لي بعشرين ألف دِرْهم.

وقيل: إن سعيد بن سَلْم راكب موسى الهادي والحَربةُ بيد عبد الله بن مالك وكانت الريح تَسْفي التراب وعبد الله يَلْحظ موضع مَسير موسى فيتكلَّف أن يسير على مُحاذاته وإذا حاذاه ناله ذلك التراب فلما طال ذلك عليه أقبلَ على سَعيد بن سَلْم فقال: أما ترى ما نَلقى من هذا الخائن قال: والله يا أميرَ المؤمنين ما قَصَّر في الاجتهاد ولكن حُرِم التوفيق.

باب السلام والإذن

قال النبي ﷺ: أَطِيبوا الكلام وأفشوا السلام وأطعِموا الأيتام وَصَلُّوا بالليل والناسُ نِيام.

وقال ﷺ: إن أبخل الناس الذي يَبخل بالسلام.

وأتى رجلٌ النبي ﷺ فقال: عليك السلامُ يا رسول الله فقال: لا تقُل: عليك السلام فإِنها تحيِّة الموتى وقل: السلام عليك.

وقال صاحبُ حَرس عمر بن عبد العزيز: خرج علينا عمرُ في يوم عِيد وعليه قميصُ كَتَّان وعِمامة على قلنسوة لاطئة فقُمْنا إليه وسَلّمنا عليه فقال: مَه أنا واحدٌ وأنتم جماعة السلامُ عليّ والردُّ عليكم.

ثم سلّم ورَددنا عليه ومشى فمشينا معه إلى المسجد.

قال النبي ﷺ: يُسَلِّم الماشي على القاعد والرَّاكب على الراجل والصًغير على الكبير.

ودخل رجل على النبي ﷺ فقال له: أبي يُقْرِئك السلام فقال: عليك وعلى أبيك السلام.

إبراهيم عن الأسود قال قال " لي " عبد الله بن مسعود: إذا لقيتَ عُمرَ فاقرأ علية السلام قال: فلقيتُه فأَقْرأْته السلام فقال: عليك وعليه السلام.

دخل مَيْمون بن مِهْران على سُليمان بن هِشام وهو والي الجزيرة فقال: السلام عليكم فقال له سُليمان: ما مَنعك أن تُسَّلِّم بالأمرة فقال: إنما يُسلَّم على الوالي بالإمرة إذا كان عنده الناس.

أبو بكر بن أبي شَيْبة قال: كان الحَسن وإبراهيم ومَيمون بن مِهران يَكْرهون أن يقول الرجلُ: حيَّاك الله حتى يقول السَّلام.

وسُئل عبد الله بن عُمر عن الرجل يَدْخل المَسجدَ أو البيتَ ليس فيه أحد قال يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ومر رجل بالنبي ﷺ وهو يبَول فسلّم عليه فلم يرد عليه السلام.

وقال رجلٌ لعائشة " رضي الله عنها ": كيف أصبحت " يا أم المؤمنين " قالت: بنِعْمة من الله.

وقال رجل لشُرَيح: كيف أصبحتَ " قال: بنعمة " ومدَ إصبعه السَّبابة إلى السماء.

وقيلِ لمحمد بن وكيع: كيف أصبحت " قال: أصبحتُ طويلاً أملى قصيراً أجلى سيئاً وقيل لسًفْيان الثَّوْري: كيف أصبحتَ قال: أصبحتُ في دار حارتْ فيها الأدِلاء.

واستأذن رجلٌ من بني عامر على النبي ﷺ وهو في بيت فقال: أَلِجُ فقال النبي ﷺ لخادمه: اخرُج إلى هذا فعَلِّمه الاستئذان وقُل له يقول: السَّلام عليكم أدْخُل جابر بن عبد الله قال: استأذنتُ على النبي ﷺ فقال: مَن أنت فقلت: أنا قال: أنا أنا.

وقال النبي ﷺ: الاستئذان ثلاثة فإن أُذن لك وإلاّ فارجع.

وقال عليُّ بن أبي طالب رضى الله عنه: الأولى إذْن والثانية مؤامرة والثالثة عزيمة إمّا أن يأذنوا وإمّا أن يردّوا.

باب في تأديب الصغير

قالت الحُكماء: مَن أَدَّب ولدَه صغيراً سُرّ به كبيراً.

وقالوا: اطْبَعِ الطِّن ما كان رَطْباً واغْمِز العُود ما كان لَدْناً.

وقالوا: مَن أدَّب ولدَه غَمّ حاسدَه.

وقال ابن عبّاس: مَن لم يَجْلِس في الصِّغر حيثُ يَكْره لم يَجْلِس في الكبر حيث يحب قال الشاعر: إذا المَرءُ أَعْيَتْه المُروءةُ ناشِئاً فَمَطْلَبها كَهْلاً عليه شديدُ وقالوا: ما أشدَّ فِطامَ الكبير وأعسرَ رياضةَ الهَرم.

قال الشاعر: وتَرُوض عِرْسَك بعد ما هَرمت ومِن العَناء رياضةُ الهَرِم وكتب شُرَيح إلى معلِّم ولده: تَركَ الصلاةَ لأكْلُبٍ يَسعى بها يَبْغِي الهِرَاشَ مع الغُواة الرُّجَّس " فَليَأتيِنَّك غُدوًة بصحيفة كُتِبت له كصحيفة المُتَلمِّس " فإذا هَمَمْتَ بضربه فبدِرَّةٍ وإذا بلغتَ بها ثلاثاً فاحْبِس واعْلم بأنّك ما أتيتَ فنفْسُه مع ما تُجَرِّعني اعزُّ الأنْفس وقال صالح بن عبد القدّوس: وإنَّ مَن أدَّبته في الصبا كالعُود يُسقَى الماءَ في غَرْسِه حتى تَراه مُورِقاً ناضِراً بَعد الذي أبصرتَ من يُبْسِه والشيخُ لا يَتْرك أخلاقَه حتى يُوارَى في ثَرى رَمْسه إذا ارْعوى عادَ له جَهْلهُ كذي الضَّنَى عاد إلى نُكْسِه ما يَبْلغ الأعداءُ من جاهل ما يَبْلغ الجاهلُ من نَفْسهِ وقال عمرو بن عُتبة لمعلِّم ولده: ليكُن أوّلَ إصلاحك لولدي إصلاحُك لنفسك فإنّ عُيونهم مَعْقودة بعَيْنك فالحَسن عندهم ما صَنعتَ والقبيح عندهم ما تَركت.

علمَهم كتابَ اللهّ ولا تُكْرههم عليه فيَملّوه ولا تَتركهم منه فيهجروه رَوِّهم من الحديث أشرفَه ومن الشعر أعفّه ولا تَنْقُلهم من عِلم إلى علم حتى يُحْكِموه فإنّ ازدحام الكلام في القَلْب مَشغلة للفهم وعَلِّمهم سُنَن الحكماء وجَنِّبهم محادثة النِّساء ولا تَتّكَل على عُذْر منّي لك فقد اتكلتُ على كِفاية منك.

أرسل معاوية إلى الأحنف بن قيس فقال: يا أبا بحر ما تقول في الولد قال: " يا أمير المؤمنين " ثمار قُلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم أرضٌ ذَليلة وسماء ظَلِيلة فإن طلبوا فأعْطِهم وإن غَضبوا فأَرْضهم يمنحوك ودهم ويُحبوك جَهْدهم ولا تكن عليهم ثقيلاً فيملّوا حياتك ويُحبُّوا وفاتك.

فقال: لله أنت يا أحنف لقد دخلتَ عليّ وإني لمملوء غضباً على يزيدَ فسَلَلَته من قلبي.

فلمّا خرج الأحنفُ من عنده بعث مُعاوية إلى يزيد بمائتي ألف درهم ومائتي ثوب فبعث يزيدُ إلى الأحنف بمائة ألف دِرْهم ومائة ثوب شاطره إياها.

وكان عبد الله بن عُمر يذهب بولده سالم كلَّ مَذْهب حتى لامه الناسُ فيه فقال: يَلُومونني في سالمِ وأَلُومهم وجِلْدةُ بين العَينْ والأنف سالمً وقال: إن ابني سالماَ ليُحِبّ حُبَّاً لو لم يَخَفْه لم يَعْصه.

وكان يحيى بن اليمان يَذْهب بولده داود كل مَذْهب حتى قال يوماً: أئمة الحَدِيث أربعة كان عبد الله ثم كان عَلْقمة ثم كان إبراهيم ثم أنت يا داود.

وقال تزوّجْتُ أمَ داود فما كان عندنا شيءٌ أُلّفه فيه حتى اشتريتُ له كُسوة بدانِق.

وقال زيدُ بن علي لْابنه: يا بُنيَّ إن الله لم يَرْضك لي فأوصاك بي ورَضيني لك فحذَرنيك واعلم أنَ الآباء للأبناء مَن لم تَدْعه المَودَّةُ إلى التَفريط وخَيْرَ الأبناء للآباء مَن لم يَدْعه التقصير إلى وفي الحديث المَرْفوع: ريح الوَلد من ريح الجنَّة.

وفيه أيضاً: الأولاد منِ رَيحان الله.

وقال النبي ﷺ لمَّا بُشر بفاطمة: رَيحانة أَشَمّها ورِزْقها على اللهّ.

ودخل عمرو بن العاص على مُعاوية وبين يديه بنته عائشة فقال: مَن هذه يا " أمير المؤمنين " فقال: هذه تًفَّاحة القَلْب فقال له: انبذُوها عنك " يا أمير المؤمنين " فوالله إنَهن لَيَلدْنَ الأعداء ويُقرِّبن البُعداء ويُورِّثن الضّغائن.

قال: لا تَقُل ذاك يا عمرو فواللهّ ما مَرّضِ المَرْضى ولا نَدَب الموْتى ولا أعان على الأحزان مِثْلهن ورُبَّ ابن أُخت قد نَفعَ خاله.

وقال المُعلّي الطائي: لولا بُنيّات كزغْب القطَا حُطِطْن من بعْض إلى بَعْض لكان لي مُضطَرَب واسعٌ في الأرض ذاتِ الطّول والعَرْض وإنما أولادُنا بيننا أكبادُنا تمشي على الأرض إن هَبَّت الريحُ على بَعْضهم لم تَشْبع العينُ من الغَمْض وقال عبد الله بن أبي بَكْرة: مَوْت الوَلد صَدْع في الكَبِد: لا يَنجبر آخرَ الأبد.

ونظر عمرُ بن الخطَّاب رضي الله عنه إلى رجل يحمل طِفْلاً على عُنقه فقال: ما هذا منك وكانت فاطمة بنت رسول الله ﷺ تُرَقص الحسين بن علي رضي اللهّ عنهما وتقول: إنّ بُني شِبْه النبي ليس شَبيهاً بعَلي وكان الزُّبير يُرَقص " ولده " عُرْوَة ويقول: أَبْيَضُ من آل أبي عَتِيق مُبارَك مِن وَلد الصِّدِّيقِ ألذَّه كما أَلذّ رِيقي وقال أعرابي وهو يُرَقّص ولده: أُحبُّه حُبَّ الشحيح مالَهْ قد كان ذاقَ الفقر تمَ نالَهْ إذا يُريد بذلَه بدالة وقال آخر وهو يُرْقص ولده: أعرِف منه قلَّة النُّعاس وخِفّةً في رَأسة من راسي وكان رجلٌ من طيء يَقطع الطّريق فمات وتَرك بُنياً رضيعاً فجعلت أُمه تُرقصه وتْقول: ياليتَه قد قطع الطّريقا ولم يًرِد في أمره رَفيقاً وقد أخاف الفَجّ والمضيقا فقَلّ أن كان به شفيقاً وقال هارون الرشيد لابنه المعتصم: ما فعل وصيفك " فلان " قال: مات فاستراح من الكُتَّاب قال أو بلغ منك الكتّاب هذا المبلغ! واللهّ لا حضرته أبداً ووجّهه إلى البادية فتعلّم الفصاحة وكان أُمِّيّاً وهو المعروف بابن مارِدة.

وفي بعضِ الحديث أنّ إبراهيم خليل الرَّحمن صلوات الله عليه كان من أغير النَّاس فلمّا حضرَتْه الوفاة دخل عليه ملك الموت في صُورة رجل أنكره فقال له مَن أدخلك داري قال الذي أسكنك فيها منذُ كذا وكذا سنة قال: ومَن أنت قال: أنا ملك الموت جئت لقَبض رُوحك قال: أتاركي أنت حتى أودِّع ابني إسحاق قال: نعم فأرسل إلى إسحاق فلمّا أتاه أخبره فتعلّق إسحاق بأبيه إبراهيم وجعل يتقطّع عليه بُكاءً فخرج عنهما ملك الموت وقال: يا ربَّ ذبيحُك إسحاق متعلِّق بخليلك فقال له الله: قل له إني قد أمهلتك ففعل.

وانحلّ إسحاق عن أبيه ودخل إبراهيم بيتاً ينام فيه فقبض ملك الموت روحَه وهو نائم.

باب الاعتضاد بالولد

قال الله تبارك وتعالى فيما حكاه عن عَبْدِه زكريَّا ودُعائه إليه في الولد: " وَزَكَرِيَّا إذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْني فَرداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثين ".

وقال: " وَإنِّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانت امرأتي عاقراَ فَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَليَّاَ.

يَرِثُني وَيَرِثُ مِن آل يعقُوبَ واجعلهُ رَبِّ رَضِيَّاً ".

والمَوَالِي ها هنا بنو العم.

وقال الشاعر: مَن كان ذا عَضُد يُدْرِكْ ظُلامته إنِّ الذّليل الذي لَيْستْ له عَضدُ تَنْبو يَدَاه إذا ما قَلَّ ناضرُه وَيَأنَفُ الضّيْم إنْ أثْرَى له عدد العُتبى قال: لمّا أسنَّ أبو بَراء عامرُ بن مالك وضَعَّفه بنو أخيه وخَرَّفوه ولم يكن له ولد يَحْميه أنشأ يقول: دَفعتُكم عنَي وما دَفْع راحةٍ بشيء إذا لم تَسْتَعِن بالأنامل يُضَعّفني حِلْمي وكثرةُ جَهلكم عليّ وأني لا أصُول بجاهل وقال آخر: تَعْدُو الذِّنائب عَلَى من لا كلابَ له وتَتَّقي سَوْرةَ المُستنفِر الحامِي

باب في التجارب والتأدب بالزمان

قالت الحُكماء: كَفي بالتّجارب تأديباً وبتقلّب الأيام عِظَة.

وقال حبيب: أحاولتَ إرشادي فعَقْليَ مُرْشِدي أم استَمْت تَأديبي فدَهري مُؤدبي وقال إبراهيم بن شَكلة: من لم يؤدَبه والده أدَّبه الليلُ والنَّهارُ كم قد أذلأَ كَريمَ قَوْم ليس له منهما انتصار مَن ذا يَدُ الدهرِ لم تَنَله أو اطمأَنّت به الدَيار كُلّ عن الحادِثات مُغْضٍ وعِنده للزّمان ثار وقال آخر: وما أبقت لك الأيامُ عُذْراً وبالأيَّام يَتَّعظ! اللًبِيب وقالوا: كفي بالدهر مُخبرا بما مَضى عمّا بَقيِ.

وقالوا: كَفي مخبراً لذَوي الألباب ما جَرَبوا.

وقالوا لعيسى بن مَرْيم عليهما السلام: مَن أدَّبك قال: ما أدَّبني أحد رأيتُ الجَهل قبيحاً فاجتنبتُه.

قالت الحُكَمَاء: اصحب الأيام بالمُوادعة ولا تُسابق الدهرَ فتَكْبُو.

وقال الشاعر: مَن سابَق الدهر كبا كَبْوةً لم يَسْتَقِلها من خطُا الدَّهرِ فاخطُ مع الدَّهر إذ ما خَطا واجرِ مع الدهر كما يَجْرِي وقال بشّار العُقَيلي: أعاذِل إنّ العُسْر سَوف يُفيق وإنّ يَساراً من غدٍ لخلِيقُ وما كنْتُ إلا كالزَّمان إذا صحا صحوتُ وإنْ ماقَ الزَّمان أَموق وقال آخر: تحامِق مَع الحَمْقىِ إذا ما لَقيتَهمِ ولاقِهمُ بالجهل فِعل ذوي الجَهْل وَخَلِّط إذا لاقيْت يوماً مخَلَطاَ يُخَلِّط في قول صحيح وفي هَزْل فإنّي رأيتُ المَرْءَ يَشْفي بعَقله كما كان قبلَ اليوم يَسْعد بالعقل وقال آخر: إن المَقَادِيرَ إذا ساعَدَتْ ألحقت العاجِزَ بالحازِم وقال الآخر: ومن أمثالهم في ذلك " قولُهم ": تطامن لها تَخْطُك.

ومن قولنا في هذا المعنى: وتطَامنْ للزَّمان يَجْزُكَ عَفْواً وإن قالوا ذَليلٌ قُلْ ذليلُ وقال حَبيب: وكانت لَوْعَةً ثم اطمأنتْ كذاك لكلِّ سائلة قَرَارُ وقال آخر: ماذا يُريك الدَهْرُ من هَوانِهِ ازْفِن لِقرْد السَّوْء في زَمانِهِ ولآخر: الدهر لا يبقى على حالةٍ لا بُدَّ أن يُقبِلَ أو يدبرْ فإنْ تَلقاك بِمْرُوهه فاصبِر فإنَّ الدَّهرَ لا يَصْبر ولآخر: اصبرْ لِدَهْرٍ نال من ك فهكذا مضتْ الدُّهورُ فَرَحاً وحُزْناً مرّةً لا الحُزن دام ولا السُّرورُ ولآخر: تَرُوح لنا الدُّنيا بغير الذي غَدَت وتَحْدُث مِن بعد الأمور أمورُ وتجْرِي الليالي باجتماع وفُرْقة وتَطْلُع فيها أنجمٌ وتَغور وتَطْمع أن يَبقى السّرُور لأهله وهذا مُحال أن يَدُوم سُرُور ولآخر: سأنتظرُ الأيّامَ فيك لعلّها تَعود إلى الوَصل الذي هو أَجْمَلً باب التحفظ من المقالة القبيحة وإن كانت باطلاً قالت الحكماء: إياك وما يُعتذر منه.

وقالوا: مَن عَّرَض نَفْسه للتُّهم فلا يأمَن مِن إساءة الظنّ.

وقالوا: حَسْبك من شرِّ سماعه.

وقالوا: كفي بالقَوْل عاراً وإن كان باطلاَ.

وقال الشاعر: ومَن دعا الناسَ إلى ذَمِّه ذمُوه بالحقّ وبالباطل وقال آخر: قد قِيل ذلك إن حقَّاً وإن كَذِباً فما اعتذارُك من قَوْلٍ إذا قِيلاَ وقال أَرِسْططاليس للإسكندر: إنّ الناس إذا قَدروا أن يقولُوا قدروا أن يفعلوا فاحترس من أن يقولوا تَسْلم من أن يفعلوا.

وقال آمرؤُ القيس: وجُرْع اللّسان كجُرح اْلْيَد وقال الأخطل: والقول يَنْفذ ما لا تَنفذ الإبرُ وقال يَعقوب الحَمْدونيّ: وقد يُرْجَى لجُرح السًيف بُرءٌ ولا بُرْءٌ لما جرح اللّسانُ ولآخر: قالوا ولَوْ صحَّ ما قالُوا لفُزْت به مَن لي بتَصْدِيق ما قالوا وتَكْذِيبي

باب الأدب في تشميت العاطس

ومن حديث أبي بكر بن أبي شيبة قال: قال النبي ﷺ: لا تًشَمِّت العاطس حتى يَحمد الله فإن لم يَحمده فلا تُشَمَتوه.

وقال عليٌّ رضي اللهّ عنه: يُشَمَّت العاطس إلى ثلاث فإن زاد فهو داء يَخْرج من رأسه.

عَطَس ابن عمر فقالوا له: يرْحمك اللهّ فقال: يَهديكم الله ويُصلح بالكم.

وعَطَس عليُّ بن أبي طالب فحمِد الله فقيل له: يَرْحمك الله فقال: يَغفر الله لنا و لكم.

وقال عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه: إذا عَطَس أحدُكم فشَمِّتوه ثلاثاً فإن زاد فقولوا: إنك مَضنوك.

وقال بعضُهم: التَّشْميت مرة واحدة.

باب الإذن في القبلة

عبدُ الرحمن بن أبي لَيلى عن عبد الله بن عُمر قال: كنَّا نُقَبِّل يدَ النبي ﷺ.

وكيع عن سُفيان قال: قَبَّل أبو عُبيدة يدَ عمر بن الخطّاب.

ومن حديث الشعبيّ قال: لَقِيَ النبي ﷺ جعفرَ بن أبي طالب فالتزمه وقبل بين عينيه.

وقال إياسُ بن دَغْفل: رأيتُ أبا نَضْرة يُقَبِّل خدَّ الحسن.

الشَّيباني عن أبي الحسن عن مُصعب قال: رأيتُ رجلاً دخل عَلَى عليّ بن الحسين رضي الله العُتبي قال: دخل رجلٌ على هِشام بن عبد الملك فقبّل يدَه فقال: أُفٍّ! إنّ العرَب ما قبّلت الأيدي إلا هُلوعاً ولا قبّلتها العجم إلاّ خُضوعاً.

واستأذن رجلٌ المأمون في تَقْبيل يده فقال: إنّ القُبلة من المؤمن ذِلّة ومن الذِّمي خديعة ولا حاجةَ بك أن تَذِلّ ولا حاجةَ بنا أن نُخْدَع.

واستأذن أبو دُلامة المهديَّ في تَقْبيل يده فمنَعَه فقال: ما مَنَعْتَني شيئاً أيسر على عِيالي فَقْداً مِنْهُ.

الأصمعيُّ قال: دخل أبو بكر الهَجريّ على المنصور فقال: يا أميرَ المؤمنين نَغَض فمي وأنتم أهل بيت بركة فلو أَذِنت لي فقبلت رأْسَك لعلَّ اللهّ كان يُمسك عليَّ ما بقي من أسناني قال: اختَر بينها وبين الجائزة فقال: يا أمير المؤمنين إنّ أهوَن من ذهاب درهم من الجائزة أن لا يبقى في فمي حاكَّة.

فضحك المنصور وأمر له بجائزة.

وقالوا: قُبلة الإمام في اليَد وقُبلة الأب في الرأس وقُبلة الأخ في الخدِّ وقبلة الأخت في الصدر وقبلة الزَّوجة في الفَم.


العقد الفريد - الجزء الثاني لابن عبد ربه
العقد الفريد/الجزء الثاني/1 | العقد الفريد/الجزء الثاني/2 | العقد الفريد/الجزء الثاني/3 | العقد الفريد/الجزء الثاني/4 | العقد الفريد/الجزء الثاني/5 | العقد الفريد/الجزء الثاني/6 | العقد الفريد/الجزء الثاني/7 | العقد الفريد/الجزء الثاني/8 | العقد الفريد/الجزء الثاني/9 | العقد الفريد/الجزء الثاني/10 | العقد الفريد/الجزء الثاني/11 | العقد الفريد/الجزء الثاني/12 | العقد الفريد/الجزء الثاني/13 | العقد الفريد/الجزء الثاني/14 | العقد الفريد/الجزء الثاني/15 | العقد الفريد/الجزء الثاني/16 | العقد الفريد/الجزء الثاني/17 | العقد الفريد/الجزء الثاني/18 | العقد الفريد/الجزء الثاني/19 | العقد الفريد/الجزء الثاني/20 | العقد الفريد/الجزء الثاني/21 | العقد الفريد/الجزء الثاني/22 | العقد الفريد/الجزء الثاني/23 | العقد الفريد/الجزء الثاني/24 | العقد الفريد/الجزء الثاني/25 | العقد الفريد/الجزء الثاني/26 | العقد الفريد/الجزء الثاني/27 | العقد الفريد/الجزء الثاني/28 | العقد الفريد/الجزء الثاني/29 | العقد الفريد/الجزء الثاني/30 | العقد الفريد/الجزء الثاني/31