فقلتُ: هل رأيتَ أعجَب من هذه قال: لا والله ولا أحسَبني أراه. ثم قلتُ لها: يا هذه إني أراك حَزِينة وما عليك زِيّ الحُزْن: فانشأت تقول: فإن تَسْألاني فِيم حُزْني فإننّي رَهِينةُ هَذا القَبْر يا فَتَيانِ وإني لأسْتَحْييه والترْب بيننا كما كنْتُ أستَحْييه حين يَرَاني أهابُك إجلالاً وان كُنتَ في الثرى مَخافَة يومٍ أن يَسُوك لِسَاني ثم اندفعت في البُكاء وجعلت تقول: يا صاحبَ القَبْر يا مَنْ كان يَنْعَم بي بالاً ويُكثر في الدًنْيا مُوَاساتِي أردْتُ آتِيكَ فيما كنت أعرفُه انْ قد تُسَرُ به من بَعض هَيْئَاتي فمَن رَآني رأى عَبْرى مُوَلَهَةً عَجيبةَ الزِّيِّ تَبْكي بَينَ أمْوات وقال: رأيتُ بصحراء جاريةً قد ألْصقت خدَّهَا بقَبْر وهي تَبْكي وتقول: خدَي تَقيك خشُونةَ اللَّحْدِ وقَلِيلةٌ لك سَيِّدي خَدِّي يا ساكنَ القَبر الذي بوَفاته عَمِيتْ عَليَّ مسالِكُ الرُّشد اسْمَع أبثك علَتي فلعلَّني أطْفِي بذلك حُرْقَة الوَجْد من رثى جاريته كان لمُعلّى الطائِي جارية يُقال لها وَصْف وكانت أديبةً شاعرة فأخبرني محمد بن وَضّاح قال: أدركتُ معلَّى الطائي بمصر وأعْطِي بجاريته وَصْف أربعةَ الآف دينار فباعها. فلما دَخل عليها قالت له: بِعْتني يا مُعلى! قال نعم قالت: والله لو مَلَكْتً منك مثلَ ما تَمْلك مني ما بِعْتك بالدُّنيا وما فيها. فَردَ الدَّنانير واستقال صاحبَه فأصيب بها إلى ثمانية أيام فقال يَرْثيها: يا موتُ كيفَ سَلَبْتَنيِ وَصْفَا قَدَّمْتها وتَرَكْتَني خَلْفَا هَلا ذَهَبْتَ بنا معاً فَلَقد ظَفِرَتْ يَدَاك فسُمْتَني خَسْفا فَعَلَيك بالباقي بلا أجَل فالموتُ بعد وفاتها أعفي يا موتُ ما بَقّيت لي أحداً لما زَفَفْت إلى البِلَى وَصْفا هَلاّ رَحِمْت شَبَابَ غَانِيةٍ رَيَّا العِظام وشَعْرَها الوَحْفا ورَحِمْت عَيْني ظَبْية جَعَلت بين الرّياض تُناظِر الخِشْفا تُغْفي إذا انتصبت فرائصه ولَظَلُّ تَرْعاه إذا أغفى فإذا مَشىِ اختلفت قوائمهُ وَقْت الرَّضاع فَيَنْطَوِي ضعْفا متحيراً في المَشيْ مُرْتَعِشاً يَخْطو فَيَضْرِب ظِلْفُه الظّلْفا فكأَنها وَصْفٌ إذا جَعَلت نحوي تُدِير مَحَاجِراً وُطْفا يا مَوْتُ أنت كذا لكلِّ أخِي إلفٍ يَصُون ببرِّه الإلْفا خَلَّيتني فَرْداً وبِنْت بها ما كنتُ قَبْلَك حافلا وكفا فَتَرَكْتُها بالرَّغْم في جَدَث للرّيح يَنْسِف تُرْبَه نَسْفا دون المُقَطَّم لا ألبسها من زينةٍ قُرْطاً ولا شَنْفا فكأَنّها والنفسُ زاهِقةٌ غُصْن من الرَّيْحانِ قد جَفّا يا قبرُ أبْقِ على محاسنها فلقد حويت النور والظرْفا لما هُزِم مَرْوان بن محمد وخَرج نحو مِصرْ كتب إلى جارية له خَلَّفها بالرَّمْلة: وما زَال يَدْعُوِني إلى الصَّبر ما أَرى فآبى ويَثْنِيني الذي لكِ في صَدْري وكانَ عزيزاَ أنّ بَيْني وبينها حِجاباً فقد أَمسيتُ منك على عَشر وأنْكاهما لِلْقَلْب والله فاعلمي إذا ازددتُ مِثلَيها فَصِرْتُ على شَهْر وأعظمُ من هَذَينِ والله أنني أخاف بأن لا نَلْتَقي آخرَ الدَّهر سأَبْكِيك لا مُستَبْقِياَ فَيْض عَبْرة ولا طالباً بالصبر عاقبةَ الصَّبر وَجدوا على قبر جارية إلى جَنب قَبر أبي نُواس أبياتاً ذكروا أنَ أبا نُواس قالها وهى: أَقُولُ لقبْرٍ زُرْتُه مُتَلَثِّما سَقَي اللهّ بَرْدَ العَفْو صاحبَة القَبْر لقد غيَّبوا تَحت الثّرَى قَمر الدُّجَى وشَمْس الضًّحَى بين الصَّفائح والعَفر عَجِبتُ لِعَينْ بَعدها مَلَت البُكا وقلْب عَلْيها يَرْتَجي راحَة الصَّبر وقال حَبِيب الطائي يَرثِي جارِية أصِيب بها: وألبسنى ثوباً من الحُزْن والأسيَ هِلاَلٌ عليه نَسْجُ ثَوْب من التُّرب وكنتُ أرَجِّي القُرْبَ وهي بعيدة فقد ثقُلَت بَعْدي عن الًبُعدِ والقُرْب أقول وقد قالوا استراح بموتها من الكرب رَوْح المَوْت شَرٌّ من الكَرْب لها مَنزل تحت الثَّرَى وعَهدتُها لها منزلٌ بين الجَوانِح والقَلْب وقال يرْثيها: ألم تَرَني خَلَيتُ نَفْسي وشانَها ولم أحفِل الدُّنيا ولا حَدَثانَها لقد خوَفَتْني النائباتُ صُرُوفَها ولو أَمَّنَتْني ما قِبِلتُ أمانَها وكيف على نارِ اللًيالي مُعرَّسي إذا كان شَيْبُ العارِضَين دُخانَها أُصِبْتُ بِخَوْد سوف أَعْبُر بعدها حليفَ أسى أبكى زماناً زمانَها عِنَانٌ من اللَذَّات قد كان في يَدِي فلما قَضىَ الإلْفُ استردت عِنَانَهَا مَنَحْتُ المَهَاهَجْرِي فَلاَ مُحْسِناتها أَوَدُّ ولا يَهْوىَ فُؤَادِي حِسانَها يقولون هَلْ يبكي الفَتَىِ لِخَريدةٍ إذا ما أراد اعتاض عَشْراً مَكانَها أمُنْفَصِلٌ عن ثَدْي أم كريمةٍ أم العاشقُ النَّابي به كلُّ مَضْجَع وقال محمود الورّاق يَرْثي جاريتَه نَشْو: ومنتصح يُرَدِّد ذِكْر نَشْوٍ على عَمْدٍ لِيَبْعَثَ لي اْكتئاباً أقول - وَعَدَّ - ما كانت تُسَاوي سَيَحْسُبُ ذاك مَن خَلَقَ الْحِسابا عَطِيَّته إذا أعطَى سُرور وإن أخذ الذي أعطَى أَثَابَا فأيُ النِّعمتينْ أعمُّ نَفْعاً وأحسَنُ في عَواقِبها إيابا أنعِمْته التي أهْدت سروراً أم الأًخْرى التي أهدت ثَوَابا بل الأخرى وَإِنْ نَزَلَت بحُزْن أحَقُ بِشُكْرِ مَن صَبَرَ احتسابا أبو جَعفر البغداديّ قال: كان لنا جارٌ وكانت له جاريةٌ جَميلة وكان شَديد المحبَّة لها فماتت فَوَجد عليها وَجْداً شديداً فبينا هو ذاتَ لَيْلة نائمٌ إذ أتتْه الجاريةُ في نَوْمه فأنشدتْه هذه الأبيات: جاءت تَزور وسادِي بعدما دُفِنتْ في النَّوْم ألْثِمُ خَدًّا زَانَه الجيدُ فقلتُ قُرَّةَ عيني قد نُعيتِ لنا فكيفَ ذا وطَريقُ القبر مسدود فانتبه وقد حَفِظها وكان يحدّث الناس بذلك ويُنشدهم. فما بَقي بعدَها إلا أيَّاماً يَسيرة حتى لَحِق بها.
من رثى ابنه
قال البُحْتريّ في رثاء ابنة لأحد بَني حُمَيد: ظَلَم الدَّهْرُ فِيكم وأساءَ فَعَزاءَ بَني حُمَيْد عَزَاءَ أنفْسٌ ما تَزَالُ تَفْقِدُ فَقْداً وصُدُورٌ ما تَبْرَح البُرَحَاءَ أصْبَحَ السيفُ دَاءَكم وهو الدَّاء الّذِي ما يزال يُعْي الدَّوَاءَ وانتحى القَتْلَ فيكم فَبَكَيْنا بِدمَاء الدُّمُوع تلك الدِّماء يا أبَا القاسم المُقَسَّم في النَّج دِة والجُودِ والنًّدَى أجزاء والهزَبْر الذي إذا دارت الحَر بُ به صرًف الرَّدىَ كيف شَاء الأسىَ واجبٌ على الحُرّ إمّا نِيَّةً حُرَّةً وإما رِياء وسَفَاها أن يَجْزَع الحُرّ مما كان حَتماً على العِبَاد قَضَاء أتُبكّى من لا يُنازل بالسَّيْفِ مُشيحاً ولا يَهُزّ اللِّوَاء والفَتى مَن رأى القُبورَ لمن طاب به مِر بَناته أكفَاء لَسْنَ مِن زينة الْحَياة لعِدّ اللَّ ه منها الأموال والأبناء لم يَئِدِتِرْ بهَنّ قَيْسُ تَمِيم عَيْلةً بل حَمِيَّةً وإبَاء وتَغَشى مُهلهلَ الذلُّ فيه ن وقد أعْطَى الأديم حِبَاء وشقيق بنُ فاتكٍ حَذَرَ العار عليهنّ فارَقَ الدَّهْناء وعَلَى غَيْرهنّ أحْزِن يَعْقو بُ وقد جاءَه بَنوه عِشاء وشعَيْب من أجلهنّ رَأَي الوُح دة ضعْفاً فاستَأجر الأَنبياء وَتَلَفَّتْ إلى القبائِل فانظُرْ أمهات ينسبن أَمْ أباء واستْزَلَّ الشَّيطانُ آدَم في الجنَّ ة لما أَغْرَى به حَوَّاء ولعمْري ما العَجْز عِندِيَ إلا أن تَبيتَ الرجالُ تَبْكي النِّساء مراثي الأشراف قال حَسّان بنُ ثابت يَرْثي رسول الله ﷺ وأبا بَكر وعمر رضوانُ اللهّ عليهم: ثَلاثَةٌ بَرَزُوا بِسَبْقِهمُ نَضرَهم ربُّهم إذا نُشرُوا عاشُوا بلا فُرْقة حَياتَهم واجْتَمعوا في المَمات إذ قُبِروا فَلَيْس مِن مُسْلِمٍ له بَصرٌ يُنْكِرهم فَضْلَهم إذا ذُكِروا إذا تَذَكرتَ شَجْواً من أخي ثِقَةٍ فاذْكُر أخاكَ أبا بكْرٍ بما فَعَلا خَيْرَ البرّية أتقَاها وأعْدَلها بعد النبي وأوفاها بما حَمَلا الثّانيَ اثنينِ والمَحْمُودَ مَشْهَدُه وأوّل الناس طُرا صَدَّق الرُّسُلا وكان حب رسول الله قد عَلِموا مِن البرية لم يَعْدِلْ به رَجُلا وقال يَرْثِي عُمر بن الخطّاب رضي الله عنه: عليك سَلامٌ من أمير وبارَكَتْ يَدُ اللهّ في ذَاك الأدِيم المُمَزَّقِ فمَن يَجْرِ أو يَرْكَبْ جَناحَيْ نَعامةٍ لِيُدْرِكَ ما قَدَّمْتَ بالأمْس يُسْبَق قَضَيْتَ أُموراً ثم غادرتَ بعدها نَوَافِجَ في أكمامِها لم تُفَتَّق وما كنتُ أخْشى أن تكونَ وفاتُه بَكَفَّيْ سَبَنْتي أَزْرَقِ العَينْ مُطْرِق وقال يَرْثي عثمان بنِ عفّان رضي الله عنه: مَن سَرَّه الموتُ صِرْفاَ لا مِزَاج له فَلْيأْتِ ما سَرَّه في دار عُثْمانَا إنّي لمنهُمْ وإن غابوا وإن شَهِدُوا ما دمتُ حيًّا وما سُمِّيت حَسَّانَا يا ليت شِعْري وليت الطّيرِ تُخْبرني ما كان شَأْنُ علّيِ وابن عفّانَا وقال الفرزدق في قَتْل عثمان رضي الله تعالى عنه: إنَّ الخِلاَفَةَ لما أظْعِنت ظَعَنتْ مِن أهْل يَثْربَ إذ غَيرَ الهُدَى سَلَكوا صارتْ إلى أهْلها منهم ووارثِها لما رأى الله في عثمانَ ما انتَهكوا السافِكي دَمِه ظُلْماً ومَعْصيةً أيَّ دَم لا هُدُوا من غَيهِمْ سفَكوا وقال السيّد الْحِميريّ يَرْثي عليَّ بن أبي طالب كًرَّم الله وَجْهه ويَذكر يومَ صِفِّين: إنّي أدين بما دان الوَصي به وشاركتْ كفُه كَفِّي بصِفِّينا في سفْكِ ما سَفكَتْ فيها إذا احتُضِروا وأبرز الله للقِسطِ المَوازِينا تلك الدِّماء معاً يا ربّ في عُنقي ثم اسْقِني مثلَها آمينَ آمينا آمين من مِثْلهم في مِثْل حالِهمُ في فِتْيَة هاجَرُوا للهّ سارينا لَيْسُوا يريدون غيرَ اللهّ رَبِّهم نعم المُراد تَوَخَّاه المُرِيدونَا أنشد الرِّياشي لرجل مِن أهل الشام يرثي عمرَ بن عبد العزيز رضي اللهّ عنه: قد غَيّب الدَّافنون اللحدَ إذ دَفَنُوا بدَيْرِ سِمْعان قِسْطاس المَوازينِ من لم يَكُنْ همُّه عَيْنًا يُفجِّرها ولا النَخيلَ ولا رَكْضَ البَراذِين ظَلُّوا على قَبْره يَسْتغْفِرون له وقد يَقُولون ثاراتٍ لنا العبَرُ يُقَبِّلون تُرابا فوق أعْظُمه كما يُقَبًل في المَحجُوجة الحَجَر لله أرضٌ أجَنَّته ضَريحتُها وكيف يُدْفن في المَلْحُودة القَمَر إنّ المَنابر لا تَعْتاض عن مَلِك إليه يشخصُ فوق المِنْبر البَصر وقال جريرٌ يرثي عمرَ بنَ عبد العزيز: يَنْعَى النُّعاة أميرَ المُؤمنين لنَا يا خير منْ حَجّ بيتَ الله واعتمرا حُمِّلتَ أمراً عظيماً فاصْطَبرتَ له وقُمْتَ فيه بأمْرِ اللهّ يا عُمَرا فالشمسُ طالعةٌ ليستْ بكاسفةٍ تَبْكي عليك نُجوم الليل والقمرا وقال جرير يَرْثي الوليدَ بن عبد الملك: إنّ الخَلِيفة قد وَارَتْ شمائلَه غَبْراءُ مَلْحُودةٌ في جُولها زَوَرُ أمْسى بنو وقد جَلَّت مُصِيبتهم مثلَ النُجُوم هَوَى من بينها القَمَر كانوا جَميعاً فلم يَدْفَع مَنَّيتَه عبدُ العزيز ولا روْحٌ ولا عُمَر وقال غيره يرثي قَيْس بن عاصم المنقريّ: فما كان قيسٌ هُلْكُه هُلْكُ واحدٍ ولكنّه بُنْيان قَوْم تَهدَّما وقال أبو عَطَاء السِّنْدي يَرْثي يزيد بن عمر بن هُبَيرة لما قُتل بوَاسط: ألا إنّ عيناً لم تجُد يومَ واسطٍ عليكَ بِجَارِي دمْعِها لَجَمُودُ عَشِيّةَ راحَ الدَّافِنُون وشُقِّقتْ جُيوب بأيدي مأتم وخُدود فإن تك مَهْجُورَ الفِناء فربما أقام به بعد الوُفود وُفود وإنك لم تَبْعد على متعهِّد بَلى إنّ مَن تحت التراب بَعيد وقال منصور النَّمري يَرْثي يزيد بن مَزْيد: مَتى يَبْرُد الحُزْن الذي في فُؤاديا أبا خالدٍ من بعد أن لا تَلاَقِيَا أبا خالدٍ ما كان أدهَى مُصِيبةً أصابت مَعدًا يومَ أصْبَحْت ثاويا لَعَمْرِي لئن سُرّ الأعادي وأظهَروا شَمَاتاً لقد سُّرُوا برَبْعِكَ خالِيا وأوْتار أقْوَام لَدَيْكَ لَوَيْتَها وزُرْتَ بها الأجْداثَ وهِي كما هيا نُعَزِّي أميرً المؤمنين ورَهْطَه بسَيْفٍ لهم ما كان في الحَرْب نابيا على مِثْل ما لاقَى يزيدُ بن مَزْيد عليه المَنايا فالْقَ إن كنْتَ لاقِيا سأبكيكَ ما فاضت دموعي فإن تَغِضْ فَحَسْبُكَ منّي ما تّجنّ الجَوانِحُ كأن لم يَمُتْ حَيٌّ سِواك ولم تَقُم على أحدٍ إلا عليكً النَّوائح لئن حَسُنت فيك المَرَاثي وذِكْرُها لقد حَسُنَت من قبلُ فيك المَدَائحُ فما أنا مِن رُزْءٍ وإنْ جلَّ جازعٌ ولا بسُرورٍ بعد مَوْتك فارِح وقال زِياد الأعجم يرثي المُغيرة بن المهلًب: إنَ الشَّجاعهَ والسَّماحةَ ضُمَنا قَبْرًا بِمَرْوَ على الطَّريق الواضِح فإذا مَرَرْتَ بقبره فاعقرْ به كُومَ الهِجَان وكل طِرْفٍ سابح " وانضح جوانبَ قَبْره بدمائها فلقد يكون أخا دَم وذَبائح " والآن لما كنْتَ أكملَ مَنْ مَشىَ وافتر نابُكَ عن شَبًاةِ القارِح وتَكامَلَت فيك المروءةُ كلُّها وَأعَنْتَ ذلك بالفَعَال الصَالح للمهلًبي من مَرْثيته للمتوكل: لا حُزْنَ إلا أراه دُونَ ما أَجدُ وهَلْ كمن فَقَدَتْ عَيْناي مَفتَقَدُ لا يَبْعدَنْ هالكٌ كانت مَنِيته كما هَوَى من غِطاء الزُّبْية الأسد هلاَّ أَتَتْهُ أعاديه مُجاهرةً والحَربُ تَسْعَر والأبطال تَجْتلد فخَر فوق سرَير المُلْكِ مُنْجدلاً لم يَحْمه مُلكُه لما آنقضىَ الأمد قد كان أنصارُه يَحْمُون حَوْزتَه وللردىَ دون أرْصاد الفَتَى رَصَد وأصْبَح الناس فَوْضىَ يَعْجَبون له لَيثاً صريعاً تَنَزَّى حوله النَّقَد علَتْكَ أسيافُ من لا دونه أحدٌ وليسَ فوقك إلا الواحد الصمد جاءُوا عظيماً لدُنيا يَسْعدون بها فقد شَقُوا بالذي جاءُوا وما سَعِدوا ضَجَّت نِساؤًك بعد العزَ حين رأتْ خدًّا كريماً عليه قارِت جَسِد أضحى شهيدُ بني العبّاس مَوْعِظةً لكلّ ذي عِزّة في رأسه صَيَد خَليفةٌ لم ينل ما ناله أحدٌ ولم يكن مثله رُوِح ولا جَسَد كم في أديمك من فَوْهاء هادرة من الجَوَائف يَغْلى فوقها الزَّبَد إذا بَكيتُ فإنّ الدمع مُنْهملٌ وإن رَثيتُ فإنَ القولَ مُطَرد قد كنتُ أسرف في مالي ويُخْلِف لي فعلَّمتْني الليالي كيف أقْتَصِد " إذا قُرَيْشَ أرادوا شَدِّ مُلكهمُ بغير قَحْطان لم يَبْرَح به أوَد " من الألى وَهَبوا للمَجد أنْفًسَم فما يبالون ما نَالوا إذا حُمدوا قد وتُر الناسُ طرًّا ثم صَمَتُوا حتى كأنَّ الذي يَبْلونه رَشَد وقال آخر: وِفتًى كأنّ جَبينَه بَدْرُ الدُّجا قامت عليه نَوَادِبٌ ورَوَامِس غرَسَ الفَسِيلَ مُؤَمّلاً لِبَقائه فنَما الفَسِيلُ ومات عنه الغارس وقال الأسود بن يَعْفُر. ماذا أؤَمِّلُ بعد آل مُحَرق تَرَكُوا منازلَهم وبَعد إيَادِ أهل الخَوَرْنَقِ والسَّدير وبارقٍ والقَصْر ذي الشّرفات مِن سِنْداد نَزَلوا بأَنقِرة يَسِيلُ عليهمُ ماءُ الفرات يَجىء مِن أطواد جَرَت الرِّياحُ على محلِّ دِيارهم فكأنما كانوا عَلَى مِيعاد ولقد غَنُوا فيها بأنعِم عِيشةٍ في ظِل مُلْكٍ ثابتِ الأوتاد وإذا النَّعيم وكلًّ ما يلْهَى به يوماَ يصِيرُ إلى بِلًى ونَفَاد يا حار ما طَلَعت شمسٌ ولا غَرَبتْ إلا تُقَرَبُ آجالا لميعاد هل نحن إلا كأرْواح يُمر بها تحت التراب وأجسادٌ كأجساد لما مات أسماء بن خارجة الفَزَاري قال الحجاج: ذلك رجل عاش ما شاء ومات حين شاء. وقال فيه الشاعر: إذا مات ابن خارجةَ بنِ زَيْدٍ فلا مَطَرَتْ على الأرض السماءُ ولا جاء البَريدُ بغُنْم جَيْشٍ ولا حُمِلت على الطهر النساء فَيَومٌ منْك خيرٌ من رِجالٍ كثيرٍ عندهم نَعَمٌ وَشَاء وقال مسلم بن الوليد الأنصاري: أمَسْعود هل غادَاكَ يومٌ بفَرْحَةٍ وأمْسَيْتَ لم تَعْرِضْ لها التَّرَحَاتُ وهل نحْنُ إلاّ أنفسٌ مُستعارةٌ تَمر بهما الرَّوَحات والغدوات بكيتَ وأَعْطَتْكَ البكاءَ مُصيبة مَضَتْ وَهْيَ فَرد ما لها أخَوَات كأنك فيها لم تَكن تَعْرِفُ العَزَا ولم تَتعمَّد غيْرَك النَّكَبات سَقَى الضاحكُ الوَسْميُ أعظُمَ حُفْرَةٍ طَواها الردَّى في اللّحْدِ وَهْي رُفات وقال أيضاً: أمَّا القُبورُ فإنَّهُنَّ أوانسٌ بِجِوار قَبْرِك والدِّيار قُبُورُ عًمَتْ فَوَاضِلُه وعَمَّ مُصابه فالناسُ فيه كُلّهم مَأجور رَدَّت صنائعه إليه حياتَه فَكانه من نَشْرِها منْشور وقال أشجع بن عمرو السُّلَمي يرثي منصور بن زِياد: يا حُفْرةَ الملك المُؤَمَّل رِفدُهُ ما في ثَرَاكِ مِن النَدَى والخِير لا زِلْتِ في ظِلَّين ظِلِّ سَحابةٍ وَطْفَاَءَ دانيةٍ وظِل حبُور وسَقَى الوليُّ على العِهاد عِراصَ ما وَالاكِ من قَبْرٍ ومن مَقْبور يا يومَ مَنصورٍ أبَحْتَ حِمَى النَدى وَفَجَعْته بِوليّه المَذكور يا يومَه أعْرَيْتَ راحلةَ النَّدَى من رَبِّها وحَرَمْتَ كل فَقير يا يومه ماذا صنَعت بِمُرْمل يرْجُو الغِنى ومُكبّل مأسور يا يومَه لو كنت جِئتَ بِصيْحَةٍ فَجَمَعت بين الحيِّ والمقبور للهّ أوْصال تقسمها البِلى في اللحد بين صَفائحٍ وصخور ذَلَتْ بمصرعه المكارِمُ والندى وذُبابُ كلِّ مُهَنَّد مأثُور أَفَلتْ نجوم بَني زِيادٍ بَعدما طَلَعَت بنوِر أهلَّة وبُدُور لولا بقاءُ محمد لتصدَعت أكبادُنا أَسفاً على منصور أبقى مَكارِمَ لا تَبِيدُ صفَاتُها ومَضىَ لِوَقت حِمَامه المَقْدُور أصْبحتَ مَهْجوراً بحُفرتك التي بُدِّلْتها من قَصرْك المَعْمُور بَلَيت عِظَامُك والصفاحُ جَديدة ليس البلى لفَعَالك المَشْهور إِنْ كُنْت ساكِنَ حفْرةٍ فلقد تُرى سَكناً لعُودي مِنْبرٍ وسرَير وقال يرثي محمد بن مَنْصور: أنْعَى فَتِىَ الجُودِ إلى الجود ما مِثلُ مَن أنْعَى بِمَوْجُودِ أنْعَي فَتَى مَصَّ الثَّرى بعده بَقِية الماءِ مِنَ العُود فانْثَلم المَجْدُ به ثَلمَةً جانِبُها ليس بِمَسْدُود أنْعَي ابن مَنْصور إلى سَيِّدٍ وأيِّدٍ ليسَ برِعْدِيد أوْرَده يومٌ عَظِيمٌ ثَأى في المجد حوضاَ غير محمود كُلُّ آمرىءٍ يَجرى إلى مٌدَّة وأجَل قد خُطّ مَعْدُود سَيَنْطَق الشِّعُرُ بأيامه على لِسانٍ غَيْرِ مَعْقُود فكل مَفْقودٍ إلى جَنْبِه وإنْ تعالى غَير مَفْقُود يا وافِدَيْ قومهما إنّ مَن طَلَبتما تحت الْجَلاميد طَلَبتما الجودَ وقد ضَمَه محمدٌ في بطن مَلْحُود فاتَكما الموت بمعْرُوفِه وليس ما فات بِمَرْدُود يا عَضداً لِلْمَجْدَ مَفْتوتةً وساعِداً ليس بمَعْضود أوْهَن زَنْدَيْها وَأكْباهما قَرْعُ المنايا في اَلصنَّاديد وهدَّت الرُكْنَ الذي كان بالأمْس عِمَاداً غَيْرَ مَهْدُود وقال حبيبٌ الطائيًّ يَرثي خالدَ بن يَزيد بن مَزيد: أشَيْبان لا ذاك الهِلالُ بطالعٍ عَلَينا ولا ذاك الغَمَام بعائدِ وأنشد أبو محمد التّيْمي في يَزيد بن مَزْيد: أحقاً أنّه أودى يَزِيدُ تَبَينَّ أيها النَّاعي المُشِيدُ أتدْرِي من نَعَيت وكيف فاهتْ به شَفَتَاكَ واراك الصَّعِيد أحامي المُلْكِ والإسْلام أوْدى فَما للأرْض وَيْحَكَ لا تَمِيد تَأمَّلْ هل تَرَى الإسْلامَ مالتْ دَعائمُهُ وهل شَابَ الوَليد وهَلْ شِيمَتْ سُيوف بني نِزَارٍ وهَل وُضِعت عن الخَيْل اللُّبُود وهَلْ نَسْقِي البِلادَ عِشَارُ مُزْنٍ بدرَّتها وهَلْ يَخْضَرُ عُود أما هُدَّت لمَصرَعه نِزَار بَلَى وتقوّض المجد المَشِيد وحلَّ ضَرِيحَه إذ حَلَّ فيه طَرِيفُ المَجْدِ والحَسَبُ التَّلِيد وهُدَّ العِزُّ والإسْلامُ لما ثَوَى وخَلِيفة اللهّ الرَّشيد لقد أوْفي رَبِيعَةَ كُلُّ نحْسٍ لمهْلِكه وغُيِّبت السُّعُود وأنْصِلَت الأسِنّة مِن قَنَاهاً وأشْرعت الرِّمَاح لِمَن يَكِيد فمِن يَحْمي حِمَى الإسْلام أمْ مَن يَذُبّ عن المَكارم أو يذُود ومَن يَدْعُو الإمامُ لكلّ خَطْبِ يخاف وكُلِّ معضلة تَؤُود ومَن تُجْلَى به الغَمَراتُ أم مَنَ يَقُوم لها إذا اعوج العنيد ومن يحمي الخميس إِذا تعَايا بحيلة نَفْسه البَطَل النَّجِيد وأين يَؤُمِّ منْتَجع وَلاجٍ وأين تَحُطّ أرْحُلَها الوُفُود لقد رُزِئتْ نِزَارٌ يوْمَ أودْىَ عمدٌَ ما يقاسُ به عَمِيد فلو قُبِلَ الفِدَاءُ فَدَاهُ منّا بِمُهْجَته المُسَوَّدُ والمَسُود أبَعْدَ يَزيد تَختَزن البَوَاكِي دُمُوعاً أو تُصَان لها خُدُود أما والله لا تَنْفَكُّ عَيْنِي عليه بدَمْعِها أبداً تجود وإنْ تَجْمُد دُمُوعُ لَئيم قَوْم فليس لِدَمْع ذي حَسَب جُمود وإن يك غالَه حَينٌ فأَوْدَىً لقد أودىَ وليس لهًُ نَدِيد وإنْ يَعْثر بهِ دهرٌ فكم قَد تَفَادىَ من مخافته الأسُود ألم تَعْلَم أخِي أن المَنايا غَدَرْنَ به وهُنَّ له جُنود قَصَدْنَ له وكُنَّ يَحدْنَ عنه إذا ما الحَرْبُ شبّ لها الوَقُود فهلا يوْمَ يَقْدُمهَا يَزِيدُ إلى الأبطال والخُلان حِيد ولو لاقى الحُتُوف عَلى سِوَاه للاقاها به حتْفٌ عَنِيد أضَرَاب الفوارس كل يوْم ترَى فيه الحُتُوفُ لها وَعِيد فمن يُرْضى القَواطع والعَواليً إذا ما هَزّها قَرْعٌ شَديد لِتَبْكِكَ قبَّةُ الإسلام لمَّاَ وَهتْ أطنابُها وَوَهى العَمُود وًيبْكِك مُرْهَقٌ تتْلُوهُ خَيْلٌ إبَالَةُ وهو مَجْدُول وَحِيد وَيَبْكِكَ خاملٌ ناداك لمَّا تَوَا كَلَهُ الأقارِبُ والبعيد وَيَبْكِكَ شاعرٌ لم يُبْقِ دَهرٌ له نَشبَا وقد كَسَدَ القَصِيد تَرَكْتَ المَشرفيَّة والعَوَالي مُحَلاةً وقد حانَ الوُرُود وغادَرْتَ الجِيَاد بكُلِّ لُغْزٍ عَوَاطِلَ بَعْدَ زِينتها تَرُود لَقَد عَزَّى ربيعةَ أَنَّ يوماً عليها مثلُ يَوْمك لا يعود ومِثْلُك من قَصَدْن له المنايا بأسْهُمها وهُنَّ له جُنود فيا للدهر ما صَنَعَتْ يَدَاهُ كأنَّ الدهر منها مستقيد سَقَى جَدَثاً أقامَ به يزيدُ من الوَسْمِيِّ بَسَّام رَعُود فإن أَجْزَعْ لمَهْلِكة فإنّي على النَّكَبات إذ أوْدىَ جَلِيد لِيَذْهَبْ مَن أَراد فَلَسْت آسىَ على مَن مات بعدك يا يزيد وقال مَرْوان بن أبي حَفْصَة يَرْثي مَعْنَ بن زائدة: زار ابن زائدةَ المَقابِر بَعْدَ ما أَلْقَتْ إليه عُرَى الأمور نِزَارُ إنَّ القبائلَ مِنْ نزَارٍ أصْبَحَتْ وقلُوبُها أسفاً عليه حَرَارُ وَدَّتْ رَبِيعَةُ أنَّها قسمتْ لَهُ منها فعاشَ بِشَطْرِها الأعمار فَلأبْكِينًّ فَتَى رَبِيعَة ما دَجَا ليلٌ بِظُلْمَته ولاح نَهَار لا زال قَبْرُ أبي الوَليد تَجُوده بِعِهادها وبوَبْلِهِا الأمْطَار لهفاً عليك إذا الطِّعَانُ بمأزِق تَرَكَ القَنَا وطِوالُهُنَ قِصَار خلَّى الأعنة يومَ مات مشَيعٌَ بَطَلُ اللِّقَاءِ مُجَربٌ مِغْوَار يُمْسي وَيُصْبِحُ مُعْلَماً تًذْكَى بِه نَارٌ بمُعْتَرَكٍ وَتُخْمَدُ نَار مهما يُمرَّ فليس يَرْجُو نقْضَهُ أحدٌ وليس لِنَقْضِهِ إمْرَارُ لو كان خَلْفَكَ أو أمامَكَ هائباً أحداً سِوَاك لَهَابَكَ المِقْدَار وقال يرثيه: بَكى الشامُ مَعْناً يومَ خَلَى مكانَه فكادت له أرض العِرَاقين تَرْجُفُ ثَوَى القائدُ المَيْمُون والذائد الذي به كان يُرْمَى الجانبُ المتَخَوَف أتى الموتُ مَعْناً وهو للعِرْض صائنٌ وللمجدِ مُبْتَاعٌ وللمالِ مُتلِف وما مات حَتَّى قّلدَتْهُ أمُورَها ربيعةُ والحيَّان قيْسٌ وخِنْدِف وحتىَ فَشَا في كلِّ شَرْقٍ ومَغْرِبِ أيادٍ له بالضرُِّ والنفْع تُعْرَف وكم مِن يدٍ عنْدِي لِمَعنٍ كَريمةٍ سأشْكُرُها ما دامت العين تَطْرِف جَرَت جَوَارٍ بالسَّعد والنَّحس فنحن في وحْشَةٍ وَفي أنْس العينُ تَبْكىِ والسنُّ ضاحكةٌ فنحن في مأتمٍ وفي عُرْس يُضْحِكُنا القائم الأمِينُ ويُب كِينا وفاة الإمام بالأمْس بدْرَانِ بَدْرٌ أَضْحَى ببَغْداد في ال خُلْدِ وبَحْرُ بطُوس في الرّمْس وأنشد العُتْبي: والمرءُ يجمع مآلَهُ مُسْتَهْتِراً فَرٍحاً وليس بآكِلِ ما يجمعُ وليأتينّ عليك يومٌ مرَّةً يُنكَى عليك مُقَنَّعاً لا تَسْمَع وقال حارثه بن بَدْر الغُدانيّ يرثي زياداً: صَلّى الإلهُ علي قبرٍ وطهَرَه عند الثَّويِّة يَسْفِي فوقه المُورُ زَفَّتْ إليه قُرَيْشٌ نعْشَ سيِّدها فثَمَّ كلّ التُّقَى والبر مقبور أبا المغيرَة والدُّنْيَا مُغَيِّرَةٌ وإنَ من غرّت الدُّنيا لمغرُور قد كان عندكِ للْمعْرُوف معرفةٌ وكان عندك للنَّكْراء تَنْكير لوْ خلَّدً الخيرُ والإسلامُ ذا قَدَم إذاً لخلَّدَك الإسْلاَمُ والخِير ألا ذَهَبَ الغَزْو المُقَرِّبُ لِلغِنَى ومات النَّدَى والحَزْم بعد المهلَّبِ أقاما بمَرْو الرّوذ رَهْن ضرَيحه وقد غيبَا من كلِّ شرق ومَغْرِب وقال المهلْهل بنُ رَبيعة يرْثي أخاه كًلَيْب وائل وكان كُلَيب إذا جَلس لم يِرْفَع أحد بحضْرتِه صوتَه: ذَهَبَ الخِيار من المَعاشر كلِّهم واستْبَّ بعدك يا كُلَيْبُ المَجْلِسُ وَتناولُوا من كُلِّ أمرِ عظيمةٍ لو كنتَ حاضرِ أمرِهم لم يَنْبسوا وقال عبد الصَّمد بن المُعذَّل يَرْثِي سَعيد بن سَلم: كم يتيم جَبَرْتَه بعد يُتْمٍ وعَدِيمٍ نعَشْتَه بعد عُدْم كلما عض بالحوادث نادى رَضيَ اللهّ عن سعيد بنِ سَلمَ وقال ابن أخت تأبطَ شرا يرْثي خاله تأبطَ شرّا الفَهْمي وكانت هُذَيل قتلته: إنْ بالشَعْب الذي دونَ سَلْع لقتيلاً دمه ما يُطَل قَذف العَبءَ عليَّ ووَلّى أنا بالعِبْء له مستَقِل وَوراء الثأرِ منيَ ابن أختٍ مَصعٌ عُقْدَتُهُ ما تُحَل بَزَّني الدَّهر وكان غَشوماً بأَبّي جارُهُ ما بُذَلُّ شامِسٌ في القُرِّ حتى إذا ما ذَكَتِ الشِّعري فَبَرْدٌ وَظِلُّ يابِسُ الجَنْبَينْ من غير بُؤسٍ وندِيُّ الكَفَّين شَهْمٌ مُدِلّ ظاعِن بالْحَزم حتًى إذا ماَ حَل حَلَّ الحزْمُ حيْثُ يَحلُّ وله طَعْمانِ أَرْيٌ وَشَرْيٌ وكلا الطعْمَينْ قد ذاقَ كل رائحٌ بالمَجْدِ غادٍ عليه من ثيابِ الحمْدَ ثَوْبٌ رِفَلّ أفْتَحُ الراحة بالجُودِ جَواداً عاش في جَدْوَى يدَيْه المُقِلُّ مُسْبِلٌ في الحَيّ أَحْوَى رِفَل وإذا يَغْزُو فسِمْع أزَلُّ يرْكَبُ الهوْلَ وَحيداً يَصحَبُه إلا اليماني اقَلّ ولا فاحتَسوا أنفاسَ يوم فلمّا هَوَّموا رُعْتَهُمْ فاشْمَعَلّوا كلُّ ماض قد تَردَّى بمًاض كسَنَا البَرْق إذا ما يُسَل فَلئِنْ فَلّت هُذَيْلٌ شَبَاه لَبِمَا كان هُذَيْلاً يَفُلّ تَضْحًكُ الضَّبْعُ لِقَتْلَى هُذيلِ وتَرَى الذِّئْبَ لها يَستهل وعِتَاقُ الطَّير تَغْدُو بِطاناًَ تَتَخَطَّاهمُ فما تستقلّ وفُتُوّ هَجَّروا ثم أسْرَوْا ليْلَهم حتَّى إذا آنجاب حَلُّوا فاسْقِنِيها يا سوادَ بن عَمْروٍ إِنّ جِسْمي بعدَ خالِي لَخَلُّ وقال أُمَية بن أبي الصلت يَرْثى قَتلَى بَدْر " من قُريش ". ألاّ بَكّيْتِ عَلَى الكِرام بَني الكِرام أولِى المَمَادحْ كَبُكا الحَمام على فُروع الأيْكَ في الغُصنُِ الجوانح " يبكين حَرَّى مُستكي ناتٍ يَرُحْن مع الروَائح " أَمْثالَهنَّ الباكِيا ت المُعْوِلات من النوائح مَنْ يَبكهِم يَبْكى على حُزْنٍ وَيَصدُق كُلَّ مادح من ذا بِبَدْر فالعقن قل من مَرازِبة جَحَاجِح شُمْطٍ وَشُبَّانٍ بَهَا ليل مَناوير وَحَاوح دُعْمُوص أبواب المُلو ك وجائِب لِلخَرْق فاتح ومن السرَّاطِمَة الحَلا جمةَ المَلاًزِبة المنَاجِح القائِلين الفاعلي ن الآمِرين بكُلِّ صالح المُطْعِمينَ الشَحْم فوقَ الخُبْزِ شَحْماً كالأنافح نُقُل الجفَانِ مع الجفَا ن إلى جِفَانَ كالمنَاضِح ليست باَّصْفارٍ لِمَنْ يَعْفُو ولا رَح رَحارِح " للضيْف ثُمَّ الضَيْف بعد الضَّيْفِ والبُسْط السَّلاطح " وُهُب المِئين من المِئين إلى المِئين من اللواقح سَوْقَ المُؤَبَّلِ للمؤبَّل صادِرَاتِ عن بَلاَدِح لِكِرامهم فوق الكرا م مزَيّة وَزْن الرَّواجح كتثاقل الأرطال بالقسطاس في الأيدي الموائح لله در بني عليّ أيّم منهم وناكح وُيلاقِ قِرْن قِرْنَهُ مَشي المُصَافح للمُصَافح بزُهاءِ ألْفٍ ثُمَ أل ف بين ذي بَدنٍ ورَامح الضَّارِبين التَقْدُمِيَّة بالمُهنَّدَة الصفائح روى الأخفش لسَهل بن هارون: ما للحوادث عنْكَ مُنصَرِف إلاّ بنَفْس ما لهَا خَلَفُ فَكأَنّها رَامٍ عَلَى حَنقٍ وَكأنَّنى لِسَهَامِها هَدَف دهرٌ سُرِرْت به فأَعْقَبَني جَرَيانه ما عِشْتُ ألْتَقف فابْكِ الّذي وَلِّى لمَهْلِكهَ عنك السُّرورُ خُلِّفَ الأسف إذ لا يَردّ عليك ما أخذَتْ منك الحوادثُ دَمْعةٌ تَكِف قَبْرٌ بمُخْتَلف الرِّياح به مَنْ لَسْتُ أبلغه بما أَصِف أنسَ الثرى بمحَلِّه وله قد أوحَشَ المُسْتَأْنَس الألِف فالصبر أحسن ما اعْتَصَمْتَ به إذ ليس منه لدَيّ منتصف تَجْري المَجَرّة والنِّسْرَان بَيْنهما والشمسُ والقمرُ الساري بمقدَار لقد علمتُ وخَيرُ العِلْم أنْفعه أن السَّيَدَ الذي ينْجُو منَ النار وقال يرْثى قَوْمَه: همُ نَصَبُوا الأجْسَاد للنَبْل والقَنَا فلم يَبْق منها اليومٍ إلا رَميمُها تَظلّ عِتاقُ الطير تحجلُ حَوْلهم يُعلِّلن أجساداً قليلا نَعيمها لِطَافاً بَرَاها الصَّوْمُ حتى كأنَها سيوفٌ إذا ما الخَيلُ تَدْمى كلومُها التعازي قال عبد الرحمن بن أبي بكر لسليمان بن عبد الملك يُعزِّيه في ابنه أيوب وكان وليّ عهده وأكبر ولده: يا أمير المؤمنين إنه من طال عمره فَقَدَ أحبَّتَهُ ومن قَصر عُمره كانت مُصيبته في نفسه. فلو لم يكن في مِيزانك لكُنْتَ في ميزانه. وكَتَب الحسنُ بن أبي الحسن إلى عُمَر بن عبد العزيز يُعزِّيه في ابنه عبد الملك: وعوِّضْتَ أَجْرًا مِنْ فَقِيدٍ فَلاَ يَكُنْ فَقِيدُكَ لا يَأتي وأَجْركَ يَذْهَبُ العُتْبىِ قال: قال عبدُ الله بن الأهْتَم: مات لي ابن وأنا بمكة فجزِعْتُ عليه جَزَعاً شديداَ فَدَخَل عليَّ ابن جُرَيجٍ يُعَزِّيني فقال لي: يا أبا محمد اسْلُ صَبراً واحْتِساباً قبْلَ أن تَسْلُو غفلة ونسْياناً كما تَسْلو البهائم. وهذا الكِلامُ لعليّ ابن أبي طالب كرّم الله وجهَه يُعزِّي به الأشْعَتَ بن قيْس في ابن له ومنه أخذه ابن جُرَيْج. وقد ذكَرَه حبيب في شعره فقال: وقال عليّ في التعازي لأشْعَثٍ وخاف عليه بعضَ تلك المآثِم أتَصْبِرُ لِلْبلْوَى عَزَاءً وحِسْبَةً فَتُؤْجَرَ أَمْ تَسْلُو سًلُوَّ البهائم أتى عليُّ أبي طالب كَرَّم الله وجهه لأشْعَث يُعَزِّيه عن ابنه فقال: إن تَحْزَنْ فقد آستحقًتْ ذلك مِنك الرّحم وإن تَصْبر فإن في الله خَلَفاً من كلِّ هالك مع أنّك إن صَبَرت جرَى عليك القَدَر وأنت مَأجُور وإن جَزِعْت جَرَى عليك القَدَر وأنت آثِم. وعزَّى ابن السمَّاك رجلاً فقال: عليك بالصَّبْر فبه يَعْمل من احتَسَب وإليه يَصير مَن جزع واعلم أنه ليست مُصيبة إلا ومعها أعظمُ منها من طاعة الله فيها أو مَعْصيته بها. الأصمعيّ قال: عزّى صالحٌ المُرِّي رجلاً بابنه فقال له: إنْ كانت مُصيبتك لم تُحْدِث لك مَوْعظةً فمُصِيبتك بنَفْسك أعظمُ من مُصيبتك بابنك واعلم أنّ التَّهْنِئَة على آجِل الثَّوَاب أولَى من التَّعزِية على عاجل المصيبة. العُتْبىّ قال: عزَى أبي رجلاً فقال: إنما يَسْتوجب على اللهّ وَعْده من صبر لحقه فلا تجْمَع إلى ما فُجِعت به الفَجيعةَ بالأجر فإنها أعظمُ المصيبتن عليك ولكلّ اجتماعٍ فُرْقة إلى دار الحُلولِ. عزّى عبدُ الله بن عبَّاس عمر بن الخطّاب رضى الله تعالى عنه في بُنى له صَغير فقال: عوَّضك الله منه ما عوّضه الله منك. وكان عليُّ بن أبي طالب رضى الله عنه إذا عزَّى قوماً قال: عليكم بالصَّبر فإنّ به يأخُذ الحازم وإليه يَرْجع الجازع. وكان الحسنُ يقول في المُصيبة: الحمدُ لله الذي آجَرَنا على ما لو كلَّفنا غيرَه لعَجَزْنا عنه. أما بعد فإنَ أحق مَن تعزَّى وأوْلى مَنْ تأسى وسلّم لأمر الله وقَبِلَ تأديبَه في الصَبر على نَكبَات الدنيا وتجرع غُصَص البَلْوى مَن تَنجَز من الله وعده وفَهِم عن كتابه أمرَه وأخْلص له نفسَه واعترف له بما هو أهلُه. وفي كتاب الله سَلوَة من فَقْدَ كل حَبيب وإن لم تَطب النفسُ عنه وأنْسٌ من كلِّ فقيد وإن عَظًمت اللوعةُ به إذ يقول عزَّ وجلّ: " كلُّ شيءَ هَالِكٌ إلاّ وَجْهَه لَهُ الحُكم وَإلَيْهِ تُرْجَعُون " وحيث يقول: " الذِين إذا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لله وَإنّا إلَيْهِ رَاجِعُون أولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهمْ وَرَحْمَةٌ وأولئِكَ هم المُهُتَدُون ". والموتُ سبيل الماضِين والغابرين ومورِد الخَلاَئق أجْمعين وفي أَنبياء الله وسالفِ أوليائه أفضلُ العِبْرة وأحْسن الأسوة فهل أحد منهم إلا وقد أخذ من فجائع الدُّنيا بأَجْزل العطاء ومن الصبر عليها باحتساب الأجْر فيها بأوْفر الأنصِبَاء فِجع نبيّنا عليه الصلاةُ والسلام بابنه إبراهيم وكان ذخْرَ الإيمان وقُرَّة عَين الإسلام وعَقِب الطٌهارة وسَلِيل الوحي ونَتِيج الرَّحمة وحَضِين الملائِكة وبِقيّة آل إبراهيم وإسماعيل صلوات اللهّ عليهم أجمعين وعلى عامة الأنبياء والمُرْسلين فعمَت الثقلَين مُصِيبتُه وخَصَّت الملائكةَ رَزِيتَّهً " ورضى ﷺ من فراقه بثواب الله بدلاً ومنِ " فِقْدَانه عِوَضاً فشكَرَ قَضَاه واتبع رِضَاه فقال: يَحْزَن القَلب وتَدْمَع العين ولا نقول ما يُسْخِط الربّ وإنّا بك يا إبراهيم لَمَحْزونون. وإذا تأمَّل ذو النّظَر ما هو مُشْفٍ عليه من غَير الدُّنيا وانْتَصح نفسه وفِكْرَه في غِيرَها بتنقُّل الأحوال وتقارُب الآجال وانقطاع يسير هذه المُدَّة ذَلَّت الدُّنيا عنده وهانت المصائبُ عليه وتَسهًّلت الفجائعُ لديه فأخَذ للأَمر أُهْبته وأعدَّ للموت عًدَّته. ومن صَحِب الدُّنيا بحُسْن رَويَّة ولاحَظَها بعين الحقيقة كان على بَصِيرة من وَشْكِ زوالها. قال النبي ﷺ: أذكُرُوا الموت فإنه هادم اللذات ومُنَغِّص الشَّهَوَات. وليس شيء مما اقتصصتُ إلا وقد جعلك اللهّ مُقَدَّماً في العِلْم به. ولَعْمري إن الخَطْبَ فيما أصِبْتَ به لَعَظيم غير أن تَعوّصه من الأجْر والمَثُوبة عليه بحُسْن الصَّبر يُهَوِّنان الرَّزِيِّة وإن ثَقُلَت ويُسَهِّلاَن الخَطْب وإن عَظُم. وهب الله لك من عِصْمة الصَّبر ما يُكمل لك به زُلْفي الفائزين ومزيد الشاكرين وجعلك من المُرتَضين قَوْلاً وفِعلا الذين أعطاهم " الحُسْنَى " ووفَّقهم للصَّبْر والتَّقْوَى. محمد بن الفَضل عن أبي حازم قال: مات عُقْبة بن عِيَاض بن غَنْم الفِهْريّ فعزَّى رجلٌ أباه فقال: لا تَجْزع عليه فقد قُتِل شهيداً فقال: وكيف أجزع على من كان في حَيَاته زينةَ الدُّنيا وهو اليومَ من الباقيَات الصَّالحات. ابن الغاز قال: حَدَّثنا عيسى بن إسماعيل قال: سمعتُ الأصمعيّ يقول: دخلتُ على جعفر بن سُليمان وقد ترك الطعامَ جَزَعاً على أخيه محمد بن سليمان فأنشدته بيتين فما برحتُ حتى دعا بالمائدة. فقلتُ للأصمعيّ: ما هما فسكت فسألتهُ فقال: أتدري قد زادهُ كلَفاً بالحُبِّ إذ مَنَعت أحبُ شيء إلى الإنسان ما مُنِعاَ قال أبو موسى: والأبيات لأراكة الثقفي يرْثى بها عمرو بن أراكَة ويُعزِّى نفسه حيث يقول: لَعَمْري لئن أَتْبَعْتَ عينك ما مضى به الدَّهْرُ أو ساق الحِمَامُ إلى القَبر لتستنفدن ماءَ الشُّئون بأَسْره وإنْ كُنْتَ تَمريهنَ من ثَبَج البَحْر تَبَيّنْ فإنْ كان البُكا ردّ هالِكاً على أَحَدٍ فاجْهَد بُكاك على عَمْرو فلا تَبْكِ مَيْتاً بعد مَيت أَجَنَّة عليُّ وعبَّاس وآل أبي بَكْر أبو عمر بن يزيد قال: لما مات أخو مالكَ بن دِينار بكى مالك وقال: يا أخي لا تَقَرُّ عيْني بعدك حتى أعْلم أفي الجنِّة أنت أم في النَّار ولا أعلم ذلك حتى ألحق بك. وقالت أعرابية ورأت ميتاً يُدْفَن: جافي الله عن جَنْبَيْه الثَّرَى وأعانه على طول البِلَى. وعَزَّى أعرابيَ رجلاً فقال: أوصيك بالرِّضا من الله بقَضائه والتنجًّز لما وعد به من ثوابه فإنَ الدُّنيا دار زوال ولا بد من لقاء اللهّ. وَعزَّى أيضاً رجلاً فقال: إنّ من كان لك في الآخرة أجراً خيرٌ لك ممن كان لك في الدُّنيا سرُوراً. وجَزع رجلٌ على ابن له فشكا ذلك إلى الحسن فقال له: هل كان ابنك يَغيب عنك قال: نَعم كان مَغيبُه عنِّي أكثر من حضوره قال: فاترًكه غائباً فإنه فإنه لم يَغِب عنك غيبةً الأجر لك فيها أعظمُ من هذه الغَيْبة. وعزّى رجلٌ نصرانيٌّ مسلماً فقال له: إنّ مِثْلي وكان عليُّ بن الحُسين رضى الله عنه في مجلسه وعنده جماعةٌ إذ سمع ناعيةً في بَيْته فنَهض إلى منزله فَسَكّنَهم ثم رجَعَ إلى مجلسه فقالوا له: أَمِنْ حَدَث كانت الناعية قال: نعم. فعَزَّوه وعَجِبوا من صَبْره فقال: إنا أهل بيت نُطيع الله فيما نُحب ونَحْمَدُه على ما نَكره. تعزية - التمس ما وَعد الله من ثَوَابه بالتّسليم لقضائِه والانتهاء إلى أمره فإن ما فات غير مُسْتَدْرَك. وعزى موسى المَهْدِيّ إبراهيمَ بن سَلْم على ابن له مات فَجَزع عليه جزعاً شديداً فقال له: أَيسرُّك وهو بلية وفِتْنَة ويَحْزُنك وهو صَلَوات ورحمة سُفيان الثّوْري عن سعيد بن جُبير قال: ما أعْطِيَتْ أمّة عند المُصِيبة ما أعْطِيَت هذه الأمة من قولها: " إنّا لله وإنّا إليه رَاجِعُون ". ولو أعْطِيها أحدٌ لأعْطيها يَعْقوب حيثُ يقول: " وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ". وعَزَى رجلٌ بابن له فقال له: ذَهب أبوك وهو أصلُك وذَهب ابنك وهو فَرْعك فما بَقَاء مَن ذهب أصلُه وفرعه تعازى الملوك العُتْبى قال: عَزّى أكثَم بن صَيْفيّ عمرو بنَ هِنْد ملكَ العرب على أخيه فقال له: أيها الملك إنّ أهلَ الدار سَفْرٌ لا يَحُلّون عُقَد الرحال إلا في غَيْرها وقد أتاك ما ليس بمردود عنك وارتحل عنك ما ليس براجع إليك وأقام معك مَن سَيَظْعَنِ عنك ويَدَعك. واعلم أنّ الدُنيا ثلاثة أيام: فأمس عِظَة وشاهدُ عَدْل فَجَعَك بِنفْسه وأبْقَى لك عليه حُكْمَك واليوم غَنيمة وصَدَيق أتاك ولم تَأته طالت عليك غَيْبَتُه وستُسْرع عنك رِحْلته وغَد لا تَدري من أهلُه وسيأتيك إنْ وَجَدك. فما أحسَن الشُّكر للمُنْعم والتسليمَ للقادر! وقد مَضت لنا أصولٌ نحن فُروِعها فما بَقَاء الفُروع بعد أصُولها! واعلم أنّ أعظم من المُصيبة سوءُ الخَلف منها وخيرٌ من الخير مُعْطيه وشرٌ من الشرّ فاعله. لما هَلك أميرُ المؤمنين المَنصور قَدِمَت وُفود الأنصار على أمير المؤمنين المهديّ وقَدِمَ فيهم أبو العَيْناء المُحَدَث فَتَقَدَّمَ إلى التّعْزية فقال: آجَر الله أميرَ المؤمنين على أمير المؤمنين قبلَه وبارك لأمير المُؤمنين فيما خَلِّفه له فلا مُصِيبةَ أعظمُ من مُصيبة إمام والد ولا عُقْبَى أفْضَلُ من خِلافة الله على أوليائه فاْقبل من الله أفضلَ العطية واصْبر له على الرزيّة. ولما مات معاويةُ بن أبي سفيان ويزيدُ غائب صلَّى عليه الضحّاك بن قيس الفِهْري ثم قَدِمَ يزيد من يومه ذلك فلم يَقْدَم أحدٌ على تَعْزيته حتى دخل عليه عبدُ الله بن همّام السلوليّ فقال: اصْبرْ يزيدُ فقد فارقتَ ذا مِقَةٍ واشكُر حِبَاءَ الذي بالمُلْك حاباكَا لا رُزْءَ أعظمُ في الأَقْوَام قد عَلِمُوا مما رُزِئْتَ ولا عُقْبَى كعُقْبَاكا أصبحتَ رَاعى أهل الأرض كلِّهمُ فأنت تَرعاهُم والله يَرْعاكا وفي مُعاويةَ الباقي لنا خلف إذا بقيتَ فلا نَسْمَع بِمَنْعاكا فافتتح الخُطباء الكلام. عَزى شَبيبُ بن شَيْبَة المنصورَ على أخيه أبي العبّاس فقال: جَعل الله ثوابَ ما رُزِئت به لك أَجراً وأعْقَبك عليه صبرا وخَتَم لك ذلك بعافية تامّة ونعْمة عامّة فثوابُ الله خير لك منه وما عند الله خير له منك وأحقُّ ما صُبر عليه ما ليس إلى تَغْييره سبيل. وكتب إبراهيم بن إسحاق إلى بعض الخُلَفاء يُعَزِّيه: إنّ أحَقَّ مَن عَرف حقَ اللهّ فيما أَخَذ منه مَن عَرف نِعْمَته فيما أبقَى عليه. يا أميرَ المؤمنين إِنّ الماضيَ قبلك هو الباقي لك والباقيَ بعدك هو المأجور فيك وإِنّ النِّعمة على الصابرين فيما ابتُلوا به أعظمُ منها عليهم فيما يُعَافَوْنَ منه. دخل عبدُ الملك بن صالح دار الرّشيد فقال له الحاجبُ: إن أمير المؤمنين قد أصِيب بابن له ووُلد له آخر. فلما دخل عليه قال: سرَّك الله يا أمير المؤمنين فيما ساءَك ولا ساءَك فيما سرّك وجَعل هذه بهذه مَثُوبةً على الصبر وجزاءً على الشكر. ودخل المأمونُ عَلَى أم الفَضْل بن سَهل يُعَزِّيها بابنها الفَضْل بن سهل فقال: يا أُمّه إنك لم تَفْقِدِي إلا رؤيته وأنا ولدُك مكانَه فقالت: يا أمير المؤمنين إنّ رجلا أفادني ولداً مثلك لَجَدير أن أَجْزع عليه. لما مات عبدُ الملك بن عمر بن عبد العزيز كتب عمر إلى عُمّاله: إِنَّ عبد الملك كان عبداً من عَبيد اللهّ أَحْسَنَ الله إليه وإليّ فيه أعاشه ما شاء وقَبَضَه حين شاء وكان - ما علمتُ من صالِحِي شباب أَهْل بَيْته قراءةً للقرآن وتَحَرِّياً للخير وأعوذ بالله أن تكون لي مَحَبّة أخالف فيها محبة الله فإن ذلك لا يَحْسُن في إحسانه إليّ وتتابُع نَعمه عليّ ولأعلمنّ ما بكت عليه باكية ولا ناحت عليه نائحة قد نَهينا أهلَه الذين هم أحقُّ بالبكاء عليه. دخل زيادُ بن عثمان بن زياد على سُليمان بن عبد الملك وقد تُوفي ابنه أيُّوب فقال: يا أميرَ المؤمنين إنّ عبدَ الرحمن ابن أبي بكر كان يقول: من أَحبّ البقاء - ولا بقاء - فَلْيُوَطِّن نفسه على المصائب. لما مات مُعاوية دخل عَطاء بن أبي صيْفِيّ على يزِيد فقال: يا أميرَ المؤمنين أصبحتَ رُزِئْت خليفةَ الله وأعطيت خلافةَ الله فاحْتسِب على الله أعظم الرزيّة واشكُره على أحسن العَطية. عزّى محمدُ بن الوليد بن عتبة عُمَر بن عبد العزيز على ابنه عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين أعِدّ لما تَرَى عُدَّةً تكنِ لك جُنّة من الحُزن وسِتْراً من النار. فقال عمر: هلِ رأيتَ حُزْناً يُحْتَجّ به أو غَفْلة يُنبّه عليها قال: يا أميرَ المؤمنين لو أن رجلاً ترَك تعْزية رجل لِعِلْمِه وانتباهه لكُنَته ولكن الله قضى أن الذِّكرى تنفع المؤمنين. وتُوُفِّيَت أخْتٌ لعمر بن عبد العزيز فلما فرغ من دَفْنها دَنا إليه رجل فعزَّاه فلم يَرُدّ عليه شيئاً ثم دنا إليه آخرُ فعزَّاه فلم يرُدَّ عليه شيئاً فلما رأى الناسُ ذلك أمسكوا عنه ومَشَوْا معه. فلما بلغ البابَ أقبل على الناس بوجهه وقال: أدركتُ الناس وهم لا يُعَزون بامرأة إلا أن تكون أًمًّا انقلبوا رحمكم اللهّ. وُجد في حائط من حيطان تُبَّع مكتوب: اصبِرْ لِدَهْرٍ نال من ك فهكذا مضت الدهور فرح وَحُزْنٌ مرةً لا الحزن دام ولا السرور وهذا نظيرُ قول العتَّابي: وقائلة لمَّا رَأَتْني مسهداً كَأَنّ الحَشَا مِنِّي تُلَذِّعُه الجَمُرْ أباطِنُ داءٍ أم جَوَى بك قاتلٌ فقلتُ الذي بي ما يَقوم له صبر تَفرّق ألافٍ وموتُ أَحِبّة وفَقْدُ ذَوى الإفْضَال قالت كذا الدهر كتب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى المُتوكل يُعزيه بابن له: ليس المُعزى ببعد ميته بباق بعد مَيِّته ولا المعزِّي وإن عاشا إلى حِين وقال أبو عُيَينة: فإنْ أَشكُ من لَيلى بجُرْجان طُولَه فقد كنت أشكو منه بالبَصرة القِصَرْ وقائلةٍ ماذا نأى بك عنهمُ فقلت لها لا عِلْم لي فَسَلِي القَدَر وقال بعض الحُكماء لسُليمان بن عبد الملك لما أصِيب بابنه أيّوب: يا أميرَ المؤمنين إنّ مثلَك لا يُوعَظ إلا بدون عِلْمه فإن رأَيتَ أن تًقَدِّم ما أخَّرَت العَجَزة من حُسن العَزاء والصَّبر على المُصيبة فتُرضي ربَّك وتُرِيح بدنك فافعل. وكتب الحسنُ إلى عمر بن عبد العزيزُ يعزِّيه في ابنه عبد الملك ببيت شعر وهو: وعُوِّضْتُ أَجْراً مِن فَقيد فلا يكُن فَقِيدُك لا يَأتي وأَجْرُك يَذْهَبُ ولما حَضرت الإسكندرَ الوفاةُ كَتب إلى أمِّه: أن اصنَعي طعاماً يحضُره الناسُ ثم تَقدّمي إليهم أن لا يَأكل منه مَحْزون ففَعلت. فلم يبْسُط إليه أحدٌ يده فقالت: ما لكم لا تَأكلون فقالوا: إنك تقَدّمت إلينا أن لا يأكلَ منه مَحْزون وليس منَّا إلا من قد أصيب بِحَميم أو قرِيب فقالت: مات والله ابني وما أَوْصى إِليّ بهذا إلا ليُعَزِّينَى به. وكان سهل بن هارون يقول في تَعْزِيته: إن التَهْنِئَة بآجل الثَوَاب أوجبُ من التَّعزية على عاجل