المغبون في تجارته - منه قولهم: صَفْقة لم يَشْهدها حاطب. وأصله أنّ بعض أهل حاطب باع بَيْعَة غُبن فيها. ومنه قولهم: أعطاه الَّلفَاءَ غير الوفاء. سرعة الملامة - منه: ليس من العَدْل سرعة العَذْل. ومنه رُبَّ مَلُوم لا ذنبَ له. وقولهم: الشَعيرُ يُؤكل ويُذمّ. وقولُ العامة: أكلاً وذمًّا. وقولُ الحجاج: قُبِّح والله منا الحسن الكريم يهتضمه اللئيم - لو ذاتُ سِوَار لَطَمَتْني. ومنه: ذًلّ لو أَجِد ناصراً. الانتصار من الظالم - هذه بتلك والبادي أَظْلم. ومنه: مَنْ لم يَذُد عن حوضه يهدَّم. الظلم ترجع عاقبته على صاحبه - قالوا: مَن حفر مُغوّاة وَقع فيها. والمغوّاة: البئر تُحْفَر للذِّئاب ويُجعل فيها جَدْيٌ فيسقط الذئبُ فيها لِيَصِيدَه فَيُصاد. ومنه: يَعْدو على كل آمرىء ما يَأْتمر. ومنه: عاد الرَّمْي على النَزَعَة. وهم الرّماة يَرْجع عليهم رَمْيهُم. وتقول العامة: كالباحِث عن مُدْية. ومنه قولهم: رُمي بحَجَره وقُتِلَ بسلاحه. المضطر إلى القتال - مُكْرَه أخوك لا بطل. قد يَحْمِلُ العير من ذعر على الأسد المأخوذ بذنب غيره - جانِيكَ مَن يَجْني عليك. ومنه: ": كَذِي العُرّ يُكْوي غَيرُه وهو راتِع ومنه: كالثوْر يُضْرب لما عَافَت البَقَر يعني عافت الماء. وقال أنَس بن مُدْرك: يعني ثَور الماء وهو الطحلُبُ يقال: ثار الطّحلب ثَوْراً وثَوَرانا. ومنه قولهم: كلُّ شاةٍ بِرِجْلها تُناط. يُريد: لا يُؤْخذ رجلٌ بغير ذَنْبه. المتبرىء من الشيء - ما هو من ليلي ولا سَمَرِه. ما هو من بَزِّي ولا مِن عِطْري. مالي فيه ناقة ولا جَمَل. ومنه قولهمَ: بَرِئْت منه إلى الله. ومنة: لستُ منكَ ولستَ منّي. وما أنا من دَدٍ ولا دَدٌ مني. سوء معاشرة الناس - قالوا: الناس شَجرة بَغْى. لا سَبِيل إلى السّلامة من أَلْسنة العامة. وقولهم: رِضىَ الناس غايةٌ لا تدرك. ومنه الحديثُ المرفوع: النّاس كإِبلٍ مائةٍ لا تكاد تَجد فيها راحِلة " واحدة ". ومنه قولهم: الناس يُعيِّرون ولا يَغْفرون والله يغَفر ولا يُعيِّر. وقال مالكُ بن دينار: مَن عرف نفسَه لمِ يَضِرْه قولُ الناس فيه. وقول أبي الدَّرداء: إنْ قارضْتَ الناسَ قارضُوك إنْ تركتهم لم يَزكوك. الجبان وما يذم من أخلاقه - منه قولهم: إنّ الجبانَ حَتْفه من فَوْقه. وهو من قول عمرو بن أمامة: لقد وَجدتُ الموتَ قبلَ ذَوْقه إنّ الجَبان حَتْفه من فَوْقه قال أبو عُبيد: أحسبه أراد " أن " حَذَره وتَوقَيه ليس بدافع عنه المَنيّة. " قال أبو عمرِ ": وهذا غَلط من أبي عُبيد عندي والمَعنى فيه أنه وَصف نفسَه بالجُبن وأنه وَجد الموت قبل أن يَذُوقه وهذا من الْجُبن ثم قال: إنّ الجبان حتفُه من فوقه يريد أنه نظر إلى منيّته كأنما تحوم على رأسه كما قال الله تبارك وتعالى في المنافقين " إذ وصفهم بالجبن ": " يَحْسَبون كل صَيْحَةٍ عليهم همُ العَدُوّ ". وكما قال جرير للأخطل يُعيّره " إيقاعِ قَيْس بهم ": حَملتْ عليك رجالُ قَيْسٍ خَيْلَهَا شعْثاً عوابسَ تَحْمِلُ الأبطالا مازِلْتَ تَحْسِب كل شيء بعدَهم خيلاً تكر عليكمُ ورجالا ولو كان الأمر كما ذهب إليه أبو عُبيد ما كان معناه يَدخل في هذا الباب لأنه باب الجبان وما يُذَم من أخلاقه وليس أخذ الحَذَر من الجبن في شيء لأن أخْذ الحَذَر محمود وقد أمر الله تعالى به فقال: " خُذوا حِذْرَكم " والجبن مَذْموم من كل وجه. ومنه الشعر تمثل به سعد بن مُعاذ يوم الخنْدق: لَبِّث قليلا يُدْرِك الهيْجا حَمَل ما أحسنَ الموتَ إذا حان الأجَلْ ومنه قولُهم: كلّ أزَبّ نَفور وإنما يقال في الأزبّ من الإبل لكثرة شره ويكون ذلك في عَيْنيه فكلّما رآه ظن أنه شَخْص " يطلبه " فَيَنْفِر من أجله. ومنه قولُهم: بَصْبَصْنَ إذ حُدِين بالأذْناب. ومنه قولُهم: وقولُهم: حال الجَريض دونَ القَرِيض. وهذا المثل لعَبِيد بن الأبرص قاله للنعمان بن المنذر بن ماء السماء حين أراد قتْلَه فقال له: أنْشِدني شِعْرَك: أقفر من أهْله مَلْحُوب فقال عَبِيد: حال الْجَرِيضُ دون القَرِيض. ومنه: قَفّ شَعَره واقشعرت ذُؤابتُه. " معناه: قام شعره " من الفَزَع. إفلات الجبان بعد اشفائه - منه قولُهم: أفلت وانْحص الذَّنَب ومنه: أفْلَت وله حُصَاص. وُيروى في الحديث: إن الشّيطان إذا سَمع الأذَان أدْبر وله حُصَاص. ومنه: أفلتنى جُرَيعَة الذَّقن إذا كان منه قرِيباً كقُرب الجَرْعة من الذَقن ثم أفلته. ومنه قول العامة: إن يُفلت العَيْرُ فقد ذرَق. وقولُهم: أفلتني وقد بَلَ النيْفق الذي تُسَمِّيه العامة النِّيفَق الجبان يتهدد غيره - منه قولُهم: جاء فلان يَنفَض مِذرَوَيه أي يتوعّد ويتهدّد. والمِذْرَوَان: فَرْعا الأليَتين. ولا يكاد يُقال هذا إلا لمن يتهدّد بلا حقيقة. ومنه: أبْرق لمن لا يَعْرفك. واقْصِد بذَرْعك. ولا تبْق إلا على نفسك. تصرف الدهر - منه: مَن يَجْتمع تَتقَعْقَع عُمُدُه: أي إن الاجتماع داعية الافتراق. ومنه: كل ذات بَعْل ستَئِيم. ومنه البيت السائر: ومنه: لم يَفُتْ مَن لم يَمُت. الاستدلال بالنظر على الضمير - منه قولُهم: شاهد البُغْض اللَّحْظ. وجَلًى محبٌّ نَظَرَه. قال زُهَير: فإنْ تَكُ في صَديقٍ أو عدوّ تخبِّرْك العيونُ عن القًلوب وقال ابن أبي حازم: خذ من العَيش ما كَفي ومِنَ الدهرِ ما صَفَا عَين من لا يُحبّ وَصَ لَك تُبْدِي لك الجَفا نفي المال عن الرجل - منه قولهم: ما له سَعْنَة ولا مَعْنة. معناه: لا شيء له. ومنه: ما له هِلِّع ولا هِلَّعة وهما الجَدْي والعَنَاق. ومنه: ما له هارب ولا قارب. معناه: ليس أحد يَهرُب منه ولا أحدٌ يقرب إليه فليس له شيء. وقولهم: ما له عافِطة ولا نافِطة وهما الضَّائنة والمَاعِزة. وما به نَبَض ولا حَبَض. قال الأصمعيّ: النَبَض: التحرّك ولا أعرف الحَبَض. وقال غيرُه: النبَض والحَبَض في الوتر فالنَّبَض: تحرُّك الوَتر والحَبَض: صوته. وقال: والنيْلُ يَهْوِي نَبَضاً وحَبَضاً ومنه قولهم: ما له سَبَد ولا لَبَد هما الشعر والصوف. ولم يَعْرف الأصمعي السَّعْنة والمَعْنة. إذا لم يكن في الدار أحد - منه قولهم: ما بالدار شَفْر ولا بها دُعْوِيٌّ ولا بها دًبّي. معناه: ما بها من يدعو من يَدِب. وما بها من عَريب ولا بها دُورِيّ ولا طُوِريّ وما بها وابِر وما بها صافِر وما بها ديار وما بها نافخ ضَرَمة وما بها أرم. معنى هذا كله: ما بها أَحد. ولا يقال منها شيء في الإثبات والإيجاب وإنما يَقولونها في النَّفي والجَحْد. اللقاء وأوقاته - منه: لَقِيت فلاناً أولَ عَين يعني أولَ شيء. وقال أبو زيد: لقيتُه أولَ عائنة ولقيتُه أوّلَ وَهْلة ولقيته أولَ ذات يَدَيْنِ ولقيته أولَ صَوْك وأولَ بَوْك. فإن لقيته فجأة من غير أن تُريده قلتَ: لَقِيته نِقَاباَ ولَقِيتُه التقاطاً إذا لَقِيتَه من غير طَلَب. وقال الراجز: ومَنْهل وردته التقاطاً وإن لقيته مُواجهة قلت: لَقيتُه صِفاحاً ولقيتُه كِفاحاً ولقيتُه كَفَةَ كَفةَ. قال أبو زَيد: فإنْ عَرض لك من غير أن تذكُرَهُ قلت: رُفعِ لي رفعاً وأشِبّ لي إشباباً. فإن لقيتَه وليس بينك وبينه أحدٌ قلتَ: لقيتُه صَحْرة بَحْرَة وهي غيرُ مُجْراة. فإن لقيتَه في مكان قَفْر لا أنيسَ به قلتَ: لقيته بوحش إصْمتَ غير مُجْرى أيضاً ولقيته بين سَمع الأرْض وبصرَها. فإنْ لقيتَه قبل الفجر قلتَ: لقيتُه قبل " كل " صيْحٍ وَنَفْر. النفر: التفرق. وإن لقيتَه بالهاجرة قلت: لقيته صَكًةَ عُمَىّ " وصَكَة أعْمى ". قال: رؤبة يصف الفلاة إذ لمعت بالسراب في الهاجرة: فإن لقيتَه في اليومين والثلاثة قلت: لقيتُه في الفَرَط ولا يكون الفَرَط في أكثر من خمس عشرة ليلة. فإن لقيتَه بعد شهر ونحوه قلت: لقيته من عُفْر. فإن لقيتَه بعد الحول ونحوه قلت: لقيته عن هَجْر. فإن لقيتَه بعد أعوام قلت: لقيته ذات العُريم. فإن لقيته في الزمان قلت: لقيته ذات الزُمين. والغِبّ في الزيارة: هو الإبطاء فيها. والاعتمار في الزيارة: هو التردد فيها. في ترك الزيارة - منه قولُهم: لا آتيك ما حنَّت النِّيبُ وما أطَّت الإبل وما اختلفت الدّرَة والجِرّة وما اختلف المَلَوَان وما اختلف الجديدان. ولا آتيك الشمس والقمرَ وأبدَ الأبد ويقال: أبد الآبدين ودهْر الداهرين وحتى يرجع السهمُ إلى فُوقه وحتى يَرْجع اللبنُ في الضّرع. ولا آتيك سِنّ الحِسْل. تفسيره: النَيب. جمع ناب وهي المُسنّة من الإبل. والدَرة: الحَلْبة من اللبن. والجرّة: من اجترار البعير. والملوان والجديدان: الليل والنهار. والحِسْل: هو ولد الضبّ. يقول: حتى تَسْقط أسنانه ولا تسقط أبداً حتى يموت. استجهال الرجل ونفي العلمِ " عنه " - منه قولهم: ما يعرف الحوَّ من اللوِّ. وما يعرف الحيّ من الليّ ولا هَرِيراً من غرير ولا قَبيلاَ من دَبير. وما يعرف أيَّ طَرَفَيْه أطرل وأكبر. وما " يعرف هِرّاً من بِرّ. أي ما " يعرف من يَهِرُّه ممن يَبَرّه. والقَبيل: ما أقبلتَ به من فَتل الحَبْل. والدَّبير: ما أدبرت " به " منه. وأيّ طرفيه أطول: أنسَبُ أبيه أم نسب أمّه.
أمثال مستعملة في الشعر
- قال الأصمعي: لم أجد في شعر شاعر بيتاً أوّله مَثلٌ وآخرُه مَثل إلا ثلاثة أبيات منها بَيْتٌ للحطيئة: مَن يفعل الخيرَ لا يَعْدَم جَوَازِيَه لا يذهبُ العُرْف بين الله والناس وبيتان لأمرئ القيس: وأفلتهنَّ عَلبَاءٌ جَريضاً ولو أدْرَكْنَهُ صَفِرَ الوِطَابُ وقاهم جَدُّهم ببني أبيهم وبالأَشْقَين ما كان العِقَابُ ومثلُ هذا كثير في القديم والحديث ولا أدري كيف أغفل القديمَ منه الأصمعيُّ. فمنه قولُ طرفة: ستُبْدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلاً وَيأتيكَ بالأخبار من لم تُزَوِّدِ وفي هذا مثلان من أشرف الأمثال. ويقال إنَ رسول الله ﷺ سَمع هذا البيت فقال: إنَّ معناه من كلام النبوَة ومن ذلك قولُ الآخر: ما كلفَ الله نفساً فوق طاقتها ولا تجود يدٌ إلا بما تَجِدُ " ففي الصَّدْر مَثَل وفي العجز مَثَل ". ومن ذلك قولُ الحَسن بن هانئ: أيها المُنتاب عن عُقُره لستَ من لَيْلي ولا سَمَرِه إِنَّ العربَ تقول: انتاب فلان عن عقُره أي تباعد عن أصله. لستَ من ليلي ولا سمره مثلٌ ثانٍ. وليس في البيت الثاني إلا مثلٌ واحد. ومن قولنا في بيتٍ أوله مثلٌ وآخره مثل: وقد صَرَح الأعداء بالبَينْ وأشرَقَ الصُّبْحُ لذي العَيْن وبعده أبيات في كل بيتٍ منها مَثلَ وذلك: وعادَ مَنْ أهوَاه بعد القِلاَ شَقيقَ رُوحٍ بين جِسْمَيْن وأصبَحَ الدَّاخل في بَيْننا كساقِطٍ بين فِرَاشين قد ألبِسَ البِغْضَة ذا وذا لا يَصْلُحُ الغِمْدُ لسَيْفَينْ ما بالُ من ليست له حاجةٌ يكون أنفْاً بذهن عَينين ومن قولنا الذي هو أمثالٌ سائرة: قالوا شبابك قد ولٌى فقلتُ لهمٍ هل من جديدٍ على كر الجديديْنِ صِلْ من هوية وإن أبدى معاتبة فأطيب العيش وصلٌ بين إلفين واقطع حبائل خل لا تلائمه فربِّما ضاقت الدنيا على اثنينَ وقلت بعد هذا في المدح: فكّرْتُ فيك أَبَحْرٌ أنت أم قَمَرٌ فقد تَحَيَّر فِكْرِي بين هذَيْنِ أو قلتُ بدراً رأيتُ البدرَ مُنْتَقَصاً فقلت شتّان ما بين البُدَيْرَيْن ومن الأمثال التي لم تأت إلاّ في الشعر أو في قليل من الكلام: من ذلك قول الشاعر: تَرجو النجاةَ ولم تَسْلُك مَسالكهَا إنَّ السفينةَ لا تَجْري عَلَى اليَبَس " وقال آخر: متى تَنْقَضي حاجاتُ من ليس صابراً على حاجةٍ حتى تكون له أخرَى قيل ولما بلغَ حاتماً قول المُتَلَمِّس: وأَعلمُ عِلمَ صدقٍ غير َظنٍّ لَتَقْوَى الله مِنْ خيْر العَتَادِ وحِفْظ المال أَيْسرُ من بُغَاه وسَيْر في البلاد بغير زاد وإصلاح القَليل يَزيدُ فيه ولا يَبْقَى الكثير مع الفساد قال: قَطَعَ الله لسانَه! يحمِل الناس على البُخْل ألا قال: لا الجودُ يًفْني المالَ قبلَ فَنَائه ولا البًخْلُ في مال الشَحِيح يزيدُ فلا تَلْتَمِسْ مالاً بعيْش مُقَتِّرٍ لكلِّ غَدٍ رزقٌ يعود جديد وقال غيرُه: إذا كنتُ لا أعفُو عن الذَّنب من أخٍ وقلتُ: أُكافيه فأينَ التَّفاضُلُ ولكنني أغْضي الجُفون على القَذَى وأصفَحُ عما رابني وأجَامِل متى ما يَر ِبْني مِفْصَل فقَطَعْتُه بَقيتُ ومالي للنُهُوض مفاصِل ولكنْ أداويه فإن صَحَّ سرني وإنْ هو أعياَ كان فيه التًّحاملُ وقال: يُديفُون لي سًمّاً وأسْقِيهمُ الحَيَا ويَقْرُونَني شَرّاً وشَري مُؤَخَّرُ كأنِّي سَلبْتُ القومَ نُورَ عُيونهم فلا العُذرُ مقبول ولا الذَّنب يُغْفَر وقد كان إحساني لهم غيرَ مَرّة ولكنّ إحسان البَغِيض مُكَفَّر ولغيره: لم يبق من طلب الغنى إلا التعرض للحتوف فلاقبلن وإن رأي ت الموت يلمع في الصفوف إني امرؤٌ لم أوت من أدب ولا حظٍ سخيف لكنه قدرٌ يزو ل من القوي إلى الضعيف
كتاب الزمردة في المواعظ والزهد
قال أحمدُ بن محمّد بن عبد ربه: قد مضى قولُنا في الأمثال وما تَفَنَنَّوا فيه على كلِّ لسان ومع كلِّ زمان ونحن نبدأ بعوْن اللهّ وتوفيقه بالقَوْل في الزُهد ورجاله المشهورين به ونذكر المُنْتَحَلَ من كلامهم والمواعظَ التي وَعظت بها الأنبياء واْسْتَخْلصها الآباءُ للأبناء وجَرَت بين الحكماءِ والأدباء ومَقاماتِ العُبَّاد بين أيدي الخلفاء. فأبلغ المواعظ كلِّها كلام الله تعالى الأعزّ الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يدَيْه ولا من خَلْفه تنزيلٌ من حكيم حَميد. قال اللهّ تبارك وتعالى: " ادْعُ إلى سَبِيل رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَة الْحَسَنَة " إلى آخر السورة. وقال جلّ ثناؤه: " كيْفَ تَكْفُرًونَ بالله وَكُنْتُم أَمْواتَاَ فَأَحْيَاكُمْ ثَم يُميتُكُمْ ثَمَّ يُحْيِيكُمْ ثَمّ إلَيْه تُرْجَعُون " وقال " أَوَلَمْ يَرَ الِإنْسَان أَنّا خَلقْنَاهُ مِنْ نُطْفةٍ فَإذَا هُوَ خصِيمٌ مبِين " إلى قوله: " عَلِيم ". فهذه أبلغُ الحُجَج وَأَحْكم المواعظ. ثم مواعظُ الأنبياء صلواتُ الله عليهم ثم مواعظُ الآباء للأبناء ثمّ مواعظُ الحُكماء والأدباء ثم مَقامات العُبّاد بي أيدي الخُلفاء. ثم قولهم في الزُّهد ورجاله المعروفين ثم المَشْهورين من المنتَسِبين إليه. والموعظةُ ثقيلةٌ على السمع مُحَرِّجة على النفس بعيدة من القَبول لاعتراضها الشًهوة ومُضَادَّتها الهوى الذي هو ربيع القَلْب ومَرَاد الرُّوح ومَرْبَع اللًهو ومَسْرَح الأماني إلا لَنْ تَرْجِعَ الأنْفًسُ عن غَيها حتى يُرى منها لها واعظ وقالت الحكماء: السًعِيد مَن وعِظ بغيره لاَ يَعْنُون مَن وَعظه غيرُه ولكنْ مَن رأى العِبر في غيره فاتِّعظ بها في نفسه. ولذلك كان يقول الحَسَن: آقْدَعُوا هذه النفوس فإنها طُلَعة وحادثوها بالذِّكر فإنها سريعة الدُثور واعْصُوها فإنها إن أُطِيعت نَزَعَتْ إلى شَرَّ غاية. وكان يقول عند انقضاء مجلسه وختْم مَوْعظته: يا لها من موْعظة لو صادفت من القلوب حياةً. وكان ابن السماك يقول إذا فَرَغ من كلامه: أَلْسُنٌ تَصف وقلوب تعرف وأعمال تُخالَف. وقال يونُس بن عُبَيد: لو أُمِرْنا بالجزَع لَصَبرنا. يريد ثِقَل الموعظة على السْمع وجُنوحَ النفس إلى مُخالفتها. ومنه قولهم: أَحَبُّ شيء إلى الإنسان ما مُنِعَا وقولهم: والشيءُ يُرْغَبُ فيه حين يَمْتِنعُ والموعظةُ مانعةٌ لك مما تَشْتهي حاملٌة لك على ما تَكْرَه إلا أن تلْقَاها بِسَمْع قد فَتقَتْه العِبْرة وقلبٍ قدَحَتْ فيهِ الفِكْرَة ونفس لها من عِلْمها زاجر ومن عقلها رادع فيُفْتَح لك بابُ التوبة ويُوَضَحُ لك سبيلُ الإنابة: قال النبي ﷺ: حُفَّت الجنّة بالمكاره وخُفَت النار بالشَهوات. يريد أنَ الطريقَ إلى الجنة احتمالُ المكاره في الدنيا والطريقَ إلى النار ركوب وخيرُ الموعظة ما كانت من قائل مخلص إلى سامعِ مُنْصِف. وقال بعضهم: الكلِمة إذا خَرَجَتْ من القلب وقعَتْ في القلب وإذا خرَجَتْ من اللِّسَان لم تُجَاوز الآذان. وقالوا: ما أَحْسَن التاجَ! وهو على رأس المَلِك أَحْسَنُ وما أَحسن الدُّرَّ! وهو على نَحر الفتاة أحسن وما أحسنَ الموعظةَ! وهي من الفاضل التَّقِيّ أحسنُ وقال زياد: أيها الناسُ لا يَمْنَعكم سوء ما تعلمون منّا أن تَنتَفعوا بأحْسَن ما تسمعون منّا قال الشاعر: اعْمَل بقوْلي وَإنْ قَصَّرْتُ في عَمَلي يَنْفَعْكَ قَوْلِي ولا يضْرًرْكَ تَقْصِيري وقال عبدُ الله بن عبّاس. ما انتفعَتُ بكلام أحدٍ بعدَ رسول الله ﷺ ما انتفعتُ بكلامٍ كتبَه إليّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه. كَتب إليّ: أمّا بعد فإن المرءَ يَسره إدراكًُ ما لم يَكُن ليَفوتَه ويسوءُه فَوْتُ ما لم يكن لِيُدْرِكه فَلْيَكن سرورُك بما نِلْتَ من أمر آخرِتك ولْيَكن أسفُك على ما فاتَك منها. وما نِلْتَ من أمرِ دُنياك فلا تكن به فَرِحاً وما فاتك منها فلا تَأْسَ عليه جَزَعا وليكن هَمُّك ما بعد الموت. ووقَفَ حكيم بباب بعض المُلوك فَحُجب فتلطّف برُقْعة أَوْصَلَها إليه. وكتب فيها هذا البيت: أَلم تَرَ أَنَّ الفَقْرَ يُرجى له الغِنَى وأَنَ الغِني يُخشى عليه من الفقرِ فلمّا قرأ البيتَ لم يلبث أن انتعل وجَعل لاطئةً على رأسه وخرج في ثوْب فِضَال: فقال له: واللهّ ما اتّعظتُ بشيء بعد القرآن اتعاظي ببَيْتك هذا ثمّ قضى حوائجه.
مواعظ الأنبياء عليهم السلام
قال أبو بكر أبي شْبَة يرفعه إلى النبي ﷺ قال: يكفي أحدَكم من الدنيا قدرُ زادِ الرَّاكب. وقال ﷺ: ابن آدم اغْتنم خَمْساً قبل خمس: شبابَك قبل هَرمك وصِحَّتك قبل سَقَمك وغِناك قبل فَقْرك وفَراغك قبل شُغْلك وحياتَك قبل مَوْتك. عبد الله بن سلاًم قال: لما قَدِم علينا رسول الله ﷺ المدينة أتيتُه فلمّا رأيتُ وجهه عَلمْتُ أنّه ليس بوجِه كذّاب فسمعتُه يقول: أيها الناسُ أطعِموا الطعامَ وأَفْشوا السلامَ وصلُوا والناسُ نيام. وقال عيسى بنُ مرْيِمِ عليه السلام: أَلا أُخْبِركم بخيركم مُجالسةً قالوا: بلى يا رُوح الله قال: مَن تُذكركم باللهّ رؤيتُه ويَزيد في عَمَلكم مِنْطِقُه ويَشُوقكم إلى الجنة عملُه. وقال عيسى بن مريم عليهما السلام للحواريين: ويلكم يا عَبيد الدُّنيا! كيف تُخالف فروعُكم أصولَكم وأهواؤكم عقولَكم قولُكم شِفاءٌ يبرئ الداء وَفِعْلكُم داء لا يقبلُ الدواء لستُم كالكَرْمَة التي حَسُنَ وَرَقها وطابَ ثَمَرُها وَسَهُل مُرْتَقاها ولكنكم كالسَّمُرهَ التي قَلّ وَرَقُها وكثر شَوْكها وصَعُب مُرْتقاها. ويلكم يا عَبيدَ الدنيا! جعلتم العملَ تحت أقدامكم من شاءَ أخذَه وجعلتم الدنيا فوق رؤوسكم لا يمكن تناوًلها فلا أنتم عبيدٌ نُصحاء ولا أحرارٌ كِرام. ويلكم يا أُجَرَاءَ السَّوْء! الأجْر تأخذون والعملَ تفْسِدون سوف تَلْقَوْن ما تحذَرون إذا نظر ربُّ العمل في عَمَلِه الذيٍ أفسدتُم وأجرِه الذي أخذتُم. وقال عليه السلام للحواريين: اتخذوا المساجِدَ بُيُوتاً والبيوتَ منازلَ وكُلُوا بَقْل البرّيّة واشربوا الماءَ القَرَاح وانجُوا من الدنيا سالمين. وقال عليه السلام للحواريّيِن: لا تنظُروا في أعمال الناس كأنكم أَرْباب وَانظروا في أعمالكم كأنكم عَبيد فإنما الناسُ رجلان: مُبْتَلًى ومُعافي فارحموا أهلَ البلاء واحمدَوا الله عَلَى العافية. وقال عليه السلامُ لهم أيضاً: عجَباً لكم تَعْملُون لِلدُّنيا وأنتم تُرزقون فيها بلا عَمل ولا تَعملون للآخرة وأنتم لا تُرْزَقون فيها إلا بعمل. وقال يحيى بن زكريا عليه السلام للمُكَذِّبين من بني إسرائيل: يا نَسْلَ الأفاعي من دلَكم على الدخول في مَساخط الله المُوبقة لكم ويلكم! تَقرًبوا بِعَمَل صالح ولا تَغُرَّنَّكم قرابتكم من إبراهيم " عليه السلام " فإن الله قادر على أن يَسْتخرج من هذه الجنادِل نَسْلاً لإبراهيم. إن الفأس قد وُضِعَتْ في أصول الشجر فأَخْلِق بكلِّ شَجَرَة مُرَّة الطَّعم أن تًقْطع وتُلقى في النار. وقال شَعْيَاء لبنىِ إسرائيل إذ أنطق الله لسانه بالوَحي: إن الدابّة تَزْداد على كثرة الرِّياضة لِيناً وقُلوبَكم لا تَزداد على كثرة المَوْعظة إلاّ قَسْوة إنّ الجَسد إذا صلَح كفاه القليلُ من الطَّعام وإنِّ القَلْب إذا صَحَّ كَفاه القليلُ من الحِكْمة. كم من سِرَاج قد أَطْفَأَتْه الرِّيح وكم من عابدٍ قد أفسده العُجْب. يا بني إسرائيل اسمعوا قولي فإنّ قائلَ الحِكمة وسامعَها شريكان وأَوْلاهما بها مَن حقَّقها بعمله. وقال المسيحُ عليه السلام: إنَ أَوْليَاء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يَحْزنون الذين نَظَروا إلى باطن الدُّنيا إذ نَظر الناسُ إلى ظاهرها وإلى اجلها إذ نَظروا إلى عاجلها فأماتُوا منها ما خَشُوا أن يُمِيتهم وتركوا ما علموا أن سَيَترْكهم هم أعداء لما سالم الناسُ وسَلْم لما عادى الناسُ لهم خبرٌ وعندهم الخبر العجيب بهم نَطَق الكِتابُ وبه نَطقوا وبهم عُلِم الهُدى وبه عُلِمُوا لا يَرَوْنَ أماناً دون ما يَرْجون ولا خَوْفاً دون ما يَحْذَرُون. وَهْب بن مُنَبِّه: قال " قال " داودُ عليه السلام: يا رب ابن آدم ليس منه شَعَرة إلا وتحتها لك نِعْمة وفوقها لك نِعْمة فمَن أيْن يُكافئُك بما أعطيتَه فأوْحى الله إليه: يا داود إني أًعطي الكثير وأَرْضى من عبادي بالقليل وأَرْضى من شُكْر نِعْمتي بأن يعلم العبدُ أن ما به من نِعْمة فمن عندي لا من عِنْد نفسه. ولمّا أمر الله عزً وجلَّ إبراهيم عليه السلامُ أن يَذبح ولده ويجعلَه قُرْباناً أَسرَّ بذلك إلى خليل لهُ يقال له العازر وكان له صديقاً فقال له الصديق: إن الله لا يَبْتلى بمثل هذا مِثْلَك ولكنه يريد أن يختَبِرك أو يَخْتبر بك وقد علمتَ أنه لا يبتليك بمثل هذا لِيَفْتنك ولا ليُضلك ولا ليُعْنتك ولا ليَنْقُصَ به بصيرَتك وإيمانَك ويَقينك فلا يَرُوعَنّك هذا ولا يَسُوأَنَ بالله ظنك وإنما رَفع الله اسمك في البلاء عنده على جميع أهل البلايا حتى كنت أعظمَهم مِحْنة في نفسك ووَلدك لِيَرْفعك بقَدر ذلك في المنازل والدرجات والفَضَائل فليس لأهل الصبر في فضيلة الصَبر إلا فضلُ صبْرك وليس لأهل الثواب في فضيلة الثواب إلا فضلُ ثوابك وليس هذا من وُجوه البلاء الذي يَبْتلي الله به أولياءه لأنّ الله أكرمُ في نفسه وأعدل في حكمه وأَرْحم بعباده من أن يجعل ذبح الولد الطيب بيد الوالد النبي المُصْطفي وأنا أعوذ بالله أن يكون هذا منّي حتْماً على الله أو ردَّاً لأمره أو سُخطاً لِحُكمه ولكنْ هذا الرَّجاء فيه والظنُّ به فإن عَزَم ربُّك على ذلك فكُنْ عند أَحْسَن علمه بك فإني أعلمُ أٍنه لم يُعرِّضك لهذا البلاء الجَسيم والخَطْب العظيم إلا لحُسْن عِلْمه بك وصِدْقك وتَصَبرك ليجعلك إماماً ولا حَوْل ولا قوّة إلاّ باللهّ العليّ العظيم. من وحي الله تعالى إلى أنبيائه أَوْحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّ من أنبيائه: إنّي أنا اللهّ مالكُ المُلوك قلوبُ المُلوك بيديِ فمَن أطاعني جعلتُ الملوكَ عليهم رحمةً ومَن عَصاني جعلتُ الملوك عليهم نِقْمةَ. ومما أنزل اللَهُ على المسيح " عليه السلام " في الإنجيل: شَوَقناكم فلم تشتاقوا ونُحْنا لكم فلم تبكوا. يا صاحبَ الخمسين ما قدَمْتَ وما أَخّرْت ويا صاحبَ السِّتين قد دنا حَصادُك ويا صاحبَ السَبْعين هلمّ إلى الحِساب. وفي بعض الكُتب القديمة المنزّلة: يقول الله عزّ وجل يومَ القيامة: يا عِبادي طالما ظَمِئتم وتقلَّصت في الدنيا شِفاهُكم وغارت أعينكم عطَشاً وجُوعاً فكُلُوا واشربوا هَنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية. وأوحْى الله تعالى إلى نبيّ من أنبيائه: هَبْ لي من قلْبك الخُشوع ومن نَفْسك الخضوع ومن عَينيْك الدموع وسَلْني فأنا القريب المجيب. وفي بعض الكتب: عَبْدي كم أتحبّب إليك بالنِّعم وتَتبغَّض إلي بالمَعاصي! خَيْري إليك نازل وشرُّك إليّ صاعد. وأوْحى الله إلى نَبيّ من أنبيائه: إن أردتَ أن تَسكن غداً حظيرةَ القُدْس فكُنْ في الدنيا فريداً وحيداً طريداً مهموماً حزيناً كالطير الوُحْدانيّ يَظَلّ بأرض الفَلاة ويَرِدُ ماء العيون ويأكل من أطراف الشجر فإذا جَنَّ عليه الليلُ أَوَى وحدَه استيحاشاَ من الطير واستئناساً بربه. ومما أوحى الله إلى موسى في التوراة: يا موسى بن عمران يا صاحبَ جبل لُبْنان أنت عَبْدي وأنا الملك الديّان لا تستذلَّ الفقيرَ ولا تَغْبِط الغَنيّ " بشيء يسير " وكُن عند ذكْرى خاشعاً وعند تلاوة وَحْيي طائعاً أسْمِعني لذاذةَ التوراة بصوت حزين. وقال وَهْبُ بن مُنَبِّه: أوحي اللهّ إلى موسى عند الشجرة: لا تُعْجبك زينةُ فِرْعون ولا ما مًتِّع به ولا تَمُدَّنْ إلى ذلك عينَك فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينةُ المترَفين ولو شئتُ أن أُوتيك زينة يَعْلِم فرْعون حين ينظر إليها أنّ مقْدِرَتَه تعجِزُ عنها فعلتُ ولكني أرغبتُك عن ذلك وأَزْوَيْته عنك فكذلك أفعل بأوليائي إني لأذودهم عن نعيمها ولذاذتها كما يذًود الراعي الشفيقُ غَنَمه عن مراتع الهَلَكة وإني لأحمِيهم عيشَها وسَلْوَتها كما يَحْمِي الراعي ذَوْده عن مَبَارك العُرّ. وذُكر عن وَهْب بن مُنَبّه: أنّ يوسف لما لَبِثَ في السجن بِضْع سنين أرسل اللهّ جبريلِ إليه بالبِشارة بخروجه فقال: أما تَعْرِفُني أيها الصدِّيق قال يوسف: أرى صورةَ طاهرة ورُوحاً طيِّباً لا يُشبِه أرواح الخاطئين قال جِبْريلُ: أنا الرُّوح الأمين رسولُ ربّ العالمين قال يوسف: فما أَدْخلك مَداخل المُذْنبين وأنت سيِّد المُرسلين ورأسُ المُقَرَّبين قال: ألم تَعلم أيها الصِّدَيق أن الله يُطَهَر البيوت بطُهْر النبيين وأن البُقعة التي تكون فيها هي أطهرُ الأرَضين وأَنّ الله قد طهَر بك السجن وما حوله يا بن الطّاهرين قال يوسف: كيف تُشَبهني بالصالحين وتسميني بأسماء الصادقين وتَعُدُني مع آبائي المُخلصين وأنا أسير بين هؤلاء المجرمين قال جبريل: لم يَكْلَم قلبك الجَزْع ولم يغير خلقك البَلاء ولم يَتعاظَمْكَ السجن ولم تَطَأْ فراشَ سيّدك ولم يُنْسك بلاء الدُّنيا الاخرة ولم يُنْسك بلاء نفسك أباك ولا أبوك ربك وهذا الزَّمان الذي يَفُك الله فيه عُنُقك وَبعتِق فيه رَقَبتك ويبين للناس فيه حِكْمَتَك ويُصَدِّق رؤياك ويُنْصفك ممن ظَلمك ويجمع لك أَحِبَّتك ويهَب لك مُلْك مصر تملك ملوكها وتُعَبِّد جبابرتها وتُصَغر عظماءها وُيذِلُّ لك أَعِزَتها ويُخْدِمُك سُوقَها ويُخَوَلك خَوَلَها ويرحم بك مساكينَها ويُلْقي لك المودّة والهيْبة في قلوبهم ويجعل لك اليد العُليا عليهِم والأثَر الصالح فيهم ويُرى فرعونَ حُلْماً يفزَعُ منه حتى يسهرَ ليلَه ويُذْهبَ نوْمَه ويُعَمَي عليه تفسيرَه وعلى السَّحَرة والكهنة ويُعَلِّمك تأويلَه.