الرئيسيةبحث

الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الصلاة/مواقيت الصلاة


مواقيت الصلاة


قال الله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين والأمر بمطلق الصلاة إنما يفيد الإتيان بها في زمان ومكان من دون تعيين ، لأن مطلق الزمان والمكان من ضروريات الفعل ، وأما الوقت الخاص الذي شرع الله فيه الصلاة وكذلك كونها على هيئة مخصومة مع شروط محصورة فهذا لا دلالة للآية عليه بمطابقة ولا تضمن ولا التزام ولم يدل على ذلك إلا السنة الثابتة عنه (ﷺ) قولاً وفعلاً وليس في القرآن من ذلك إلا النادر القليل كقوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم فإنه في هذه الآية ذكر الوضوء وهو شرط من شروط الصلاة وقيد الأمر به بالقيام إليها فكان ذلك مقيداً لوجوب الفعل . ولا بد للشرطية من دليل أخص من ذلك ، وقد ورد في السنة ما يفيد الشرطية وكذلك ورد في القرآن ذكر بعض هيآت الصلاة كالسجود والركوع ، ولكن بدون ذكر صفة ولا عدد ولا كون ذلك في الموضع الذي بينته السنة المطهرة .

اول وقت الظهر تعيين أول الأوقات وآخرها قد ثبت في الأحاديث الصحيحة من تعليم جبرائيل عليه السلام له (ﷺ) ومن تعليمه (ﷺ) لمن سأله وغير ذلك من أقواله وأفعاله .

الزوال أي زوال الشمس ويبين ذلك باخضرار الجدار إلى جهة الشرق يعرفه كل ذي عينين .

وآخره مصير ظل الشئ مثله سوى فيء الزوال فإن قلت : أخرج النسائي أبو داود من حديث ابن مسعود كان قدر صلاة رسول الله (ﷺ) في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام ، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام قلت : إنهم حملوه على الابراد كما قاله ابن العربي المالكي في القبس وتبعه الحافظ السيوطي وأنه حديث قد قدح فيه فإنه من رواية عبيدة بن حميد الطيبي الكوفي عن أبي مالك سعد بن طارق عن كثير بن مدرك عن الأسود وفي عبيدة وشيخه سعد خلاف ، ففي الميزان في ترجمة سعد وثقه أحمد وابن معين وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه في القبول ، وقد ضعف عبد الحق حديث تقدير صلاة رسول الله (ﷺ) بالأقدام في الشتاء والصيف ، والعجب من الحافظ ابن الحجر في التلخيص لم يتكلم على لفظ الحديث ولا سنده ، وذكر كلام ابن العربي وأبطله السيد محمد الأمير في اليواقيت ، نعم أيام الشتاء يحسن التأني بالظهر حتى يحصل ظن أن الشمس لو كانت في كبد السماء أن قد زالت لأنه يدرك بالحس والمشاهدة إذا كانت من جهة الجنوب لأن ظلها يزداد في جهة الشرق زيادة كثيرة لكن لا إلى الحد الذى يقدر بالاقدام وغايته أن ينظر في إمارات تحصل الظن بالزوال ، وأهل الأقدام ليس معهم إلا الظن لا غير وليس أحد مخاطباً بظن غيره بل بظن نفسه فتأمل .

وهو أول وقت العصر أي صيرورة ظله مثله ، قال ابن القيم : وأنهم كانوا يصلونها مع النبي (ﷺ) ثم يذهب أحدهم إلى العوالي قدر أربعة أميال والشمس مرتفعة وقال أنس صلى بنا رسول الله (ﷺ) العصر فأتاه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله : إنا نريد أن ننحر جزوراً وإنا نحب أن تحضرها . قال : نعم فانطلق وانطلقنا معه فوجد الجزور لم تنحر فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلنا منها قبل أن تغيب الشمس ومحال أن يكون هذا بعد المثلين وفي صحيح مسلم عنه وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر ولا معارض لهذه السنن في الصحة ولا في الصراحة والبيان فردت بالمجمل من قوله (ﷺ) : ومثل أهل الكتاب قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً فقال : من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيراط الخ ... ويالله العجب أي دلالة في هذا على أنه لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل مثلين بنوع من أنواع الدلالة ، وإنما يدل على أن من صلاة العصر إلى غروب الشمس أقصر من نصف النهار إلى وقت العصر وهذا لا ريب فيه انتهى .

وآخره أي آخر وقت العصر صيرورة ظله مثليه . قال الشافعي : آخر الوقت المختار للعصر أن يكون ظل كل شئ مثليه وقيل : إلى أن تصفر الشمس . وآخر وقت الضرورة مغيب الشمس كذا في المسوى ، وفي الحجة البالغة وكثير من الأحاديث يدل على أن آخر وقت العصر أن تتغير الشمس وهو الذي أطبق عليه الفقهاء فلعل المثلين بيان لآخر الوقت المختار والذي يستحب فيه ، أونقول لعل الشرع نظر أولاً إلى المقصود من اشتقاق العصر أن يكون الفصل بين كل صلاتين نحواً من ربع النهار ، فجعل الأمد الآخر بلوغ الظل إلى المثلين ثم ظهر من حوائجهم وأشغالهم ما يوجب الحكم بزيادة الأمد ، وأيضاً معرفة ذلك الحد تحتاج إلى ضرب من التأمل وحفظ الفيء الأصلي ورصد ، وإنما ينبغي أن يخاطب الناس في مثل ذلك بما هو محسوس ظاهر فنفث الله تعالى في روعه (ﷺ) أن يجعل الأمد تغيير قرص الشمس أو ضوئها والله تعالى أعلم .

مادامت الشمس بيضاء نقية فإذا اصفرت خرج وقت العصر لما ورد في ذلك من الأحاديث منها حديث ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى وسلم عليه : وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس أخرجه مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود ، ولا يخالف ما وقع في هذا الحديث في آخر وقت العصر والعشاء ما ورد في بعض الأحاديث أن آخر وقت العصر مصير ظل الشيء مثليه وآخر وقت العشاء ذهاب ثلث الليل فإن هذا الحديث قد تضمن زيادة غير منافية لللأصل لأن وقت اصفرار الشمس هو متأخر عن المثلين إذ هي تبقى بيضاء نقية بعد المثلين ، وكذلك نصف الليل هو متضمن لزيادة غير منافية لما وقع في رواية بلفظ ثلث الليل على أن الرواية المتضمنة للزيادتين هي أصح من الأخرى .

وأول وقت المغرب غروب الشمس أي سقوط القرص وهو وقت الاختيار الذي يجوز أن فيه من غير كراهية والعمدة فيه حديثان: حديث جبرائيل عليه السلام فإنه صلى بالنبي (ﷺ) يومين ، وحديث بريدة ففيه أنه (ﷺ) أجاب السائل عنها أي عن الأوقات بأن صلى يومين ، والمفسر منهما قاض على المبهم وما اختلف يتبع فيه حديث بريدة لأنه مدني متأخر والأول مكي متقدم ، وإنما يتبع الآخر كذا في الحجة .

وآخره ذهاب الشفق الأحمر جميع كتب اللغة مصرحة بهذا وجميع أشعار العرب ومن بعدهم ، زعم أن الشفق في لسان أهل اللغة ، أو لسان أهل الشرع يطلق على البياض فعليه الدليل ولا دليل ، ولو فرض وجود ما يدل على ذلك فلا ينكر ندوره ، كما لاينكر أن الشائع في لسان العرب وأهل الشرع واطلاقه على الحمرة والحمل على الأعم الأغلب هو الواجب ولا يحمل على النادر ، فليس ههنا ما يسوغ اختلاف المذاهب . قال ابن القيم رح تعالى : امتداد وقت المغرب إلى سقوط الشفق كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله ابن عمر وقد تقدم ، وفي صحيحه أيضاص عن أبي موسى أن سائلاً سأل رسول الله (ﷺ) عن المواقيت فذكر الحديث وفيه فأمره فأقام المغرب حين وجبت الشمس فلما كان اليوم الثاني قال : ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق ثم قال : الوقت ما بين هذين وهذا متأخر عن حديث جبرائيل عليه السلام لأنه كان بمكة وهذا قول وذلك فعل وهذا يدل على الجواز وذلك على الاستحباب ، وهذا في الصحيح وهذا في السنن وهذا يوافق قوله (ﷺ) : وقت كل صلاة ما لم يدخل وقت التي بعدها وإنما خص منه الفجر بالاجماع فما عداها من الصلوات داخل في عمومه والفعل إنما يدل على الاستحباب فلا يعارض العام ولا الخالص .

وهو أي ذهاب الشفق غروبه . أول العشاء للاجماع على دخوله بالشفق ، والأحمر هو المتبادر منه ، لأن وقت الاستحباب الذي يستحب أن يصلي فيه هو أوائل الأوقات إلا العشاء .

وآخره نصف الليل فالمستحب الأصلي تأخيرها وهو قوله (ﷺ) لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء ولأنه أنفع في تصفية الباطن من الأشغال المنسية لذكر الله تعالى وأقطع لمادة السمر بعد العشاء ، لكن التأخير ربما يفضي إلى تقليل الجماعة وتنفير القوم وفيه قلب الموضوع ، فلهذا كان النبي (ﷺ) إذا كثر الناس عجل ، وإذا قلوا أخر كذا في الحجة فهذه علامات ، وكان المعلم لها جبرائيل عليه السلام ثم محمد رسول الله للأمة .

وأول وقت الفجر إذا انشق الفجر أي ظهور الضوء المنتشر ، وبينه (ﷺ) اشفى بيان فقال لهم : أنه يطلع معترضاً في الأفق و أنه ليس الذي يلوح بياضه كذنب السرحان وهذا شئ تدركه الأبصار وقال تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فجاء بلفظ التفعل لإفادة أنه لا يكفي إلا التبين الواضح أي يتبين لكم شيئاً فشيئاً حتى يتضح فإنه لا يتم تبينه وظهوره إلا بعد كمال ظهوره ، فإنه يطلع أولاً تباشير الوضوء ثم ذنب السرحان وهو الفجر الكذاب ثم يتضح نور الصباح الذي أبداه بقدرته فالق الإصباح ولذلك قال الشاعر .

وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه……… وأول الغيث قطر ثم ينسكب

قال ابن القيم : إن النبي (ﷺ) كان يقرأ بالستين آية إلى المائة ثم ينصرف منها والنساء لا يعرفن من الغلس ، وأن صلاته كانت في التغليس حتى توفاه الله تعالى ، وأنه إنما أسفر بها مرة واحدة وكان بين سحوره وصلاته قدر خمسين آية فرد ذلك بمجمل حديث رافع بن خديج أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر وهذا بعد ثبوته إنما المراد به الأسفار بها دواماً لا ابتداء فيدخل فيها مغلساً ويخرج منها مسفراً كما كان يفعله رسول الله (ﷺ) فقوله موافق لفعله لا مناقض له ، وكيف يظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه انتهى .

وآخره طلوع الشمس ومما ينبغي أن يعلم أن الله عز وجل لم يكلف عباده في تعريف أوقات الصلوات بما يشق عليهم ويتعسر، فالدين يسر والشريعة سمحة سهلة بل جعل صلى الله تعالى عليه وسلم للأوقات علامات حسية يعرفها كل أحد ، فقال في الفجر : طلوع النور الذي هو من أوائل أجزاء النهار يعرفه كل أحد ، وقال في الظهر اذا دحضت الشمس إذا زالت الشمس ، وقال في العصر والشمس بيضاء نقية وقال في المغرب : إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وقال في العشاء من قدر وقت صلاته بأنه كان يصليها وقت غروب الهلال ليلة ثالث الشهر ، وورد التقدير بالشفق ، وورد التقدير بثلث الليل وبنصفه فهذه العلامات لا تلتبس إلا على أكمه ، والنظر في النجوم وإن كنت لا أظن ثبوت ذلك هو النظر الذي يكون في الشمس والقمر والاظلة المقترنة بالنجوم ، والمراد أنه يستدل على دخول وقت كذا بكون النجم في مكان كذا كما يكون مثل ذلك في الشمس والقمر لا أنه النظر المفضي إلى الاشتغال بعلم النجوم المؤدي إلى الوقوع في مضايق عن الشريعة بمعزل ، فإن هذا علم نهى عنه الشارع وحذر عن اتيان صاحبه حتى جعل ذلك كفراً فكيف يجعل طريقاً إلى أمر من أمور الشريعة ومهم من مهماتها ، فمن ظن أن شيئاً من علم الشريعة محتاج إلى علم النجوم المصطلح عليه فهو إما جاهل لا يدري بالشريعة ، أو مغالط قد مالت نفسه إلى ما نهى عنه الشارع وأراد أن يدفع عن نفسه القائلة فاعتل بأنه لم يتعلق بمعرفة ذلك لكونه قد تعلقت به معرفة أوقات الصلوات ، وكثيراً من نسمعه من المشتغلين بذلك يدلي بهذه الحجة الباطلة فيصدقه من لم يثبت قدمه في علم الشريعة المطهرة ، ومن أعظم المروجات لهذه البلية ما وقع من جماعة من المشتغلين بعلم الفقه من تعداد النجوم وتقدير المنازل والاستكثار من ذلك بما لا طائل تحته إلا تأنيس المنجمين فإنا لله وإنا إليه راجعون .

وحاصل الكلام : أن هذه تكاليف موجهة كلف الله تعالى بها عباده ، وعين أوقاتها تعييناً يعرفه العالم والجاهل ، والقروي والبدوي ، والحر والعبد ، والذكر والأنثى على حد سواء اشترك فيه كل هؤلاء لا يحتاج معه إلى شئ آخر .

أمع الصبح للنجوم تجل……….أم مع الشمس للظلام بقاء

قال صاحب سبل السلام : التوقيت في الأيام والشهور والسنوات بالحساب للمنازل القمرية بدعة باتفاق الأمة ، فلا يمكن عالم من علماء الدنيا أن يدعي أن ذلك كان في عصره صلى الله تعالى عليه وسلم أو عصر خلفائه الراشدين ، وإنما هو بدعة لعلها ظهرت في عصر المأمون حين أخرج كتب الفلاسفة وعربها ومنها المنطق والنجوم ، فإنه علم أولئك الذين قال الله تعالى فيهم : فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم فأقل أحوال المقرين على حساب المنازل القمرية أنهم مبتدعون وكل بدعة ضلالة ولقد عظمت هذه البدعة في الحرمين الشريفين ، فإنهم في مكة المكرمة لا يعتمدون إلا على ذلك ولهم فيه أنواع مؤلفات مثل الربع المجيب ونحوه يدرسونه ويقرءونه ويعتمدونه وهو من العلم الذي قال فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم علم لا ينفع وجهل لا يضر وهو من علم أهل الكتاب فإن أعيادهم ونحوها تدور على حساب سير الشمس ، ولعله دخل على المسلمين من علم اليونان وأهل الكتاب ومات رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعد أن أنزل الله تعالى عليه اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً وكان أهل بيته وأصحابه رض على ذلك لا يعرفون منازل الزيادة والنقصان ولا ما يجعله المتأخرون هو الميزان ولا شيئاً من هذه الأمور التي صار ذلك التكليف الموقت عليها يدور انتهى .

ومن نام عن صلاته أو سها عنها فوقتها حين يذكرها أي وقت القضاء إذا ذكر ، وقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة كحديث أنس عند البخاري ومسلم وغيرهما ، وحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره ، وقد ورد هذا المعنى من غير وجه وهو قوله (ﷺ) : من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز : أقم الصلاة لذكري قلت : وعلى هذا أهل العلم ، وقاسوا المفوت قصداً على النائم كذا في المسوى .

ومن كان معذوراً لأن الأوقات للصلوات قد عينها الشارع وحدد أوائلها وأواخرها بعلامات حسية ، وجعل ما بين الوقتين لكل صلاة هو الوقت لتلك الصلاة ، وجعل الصلاة المفعولة في غير هذه الأوقات المعينة صلاة المنافق وصلاة الأمراء الذين يميتون الصلاة ، كقوله في حديث أنس الثابت في الصحيح قال سمعت رسول الله (ﷺ) يقول : تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله إلا قليلاً . وكقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأبي ذر كيف أنت إذا كان عليك أمراء يميتون الصلاة ، أو يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت : فما تأمرني قال : صل الصلاة لوقتها الحديث . ونحو ذلك ، وهكذا أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر ، فكان ما ذكرناه دليلاً على أن ادراك الركعة في الوقت الخارج عن الأوقات المضروبة كوقت طلوع الشمس وغروبها وطلوع الفجر هو خاص بالمعذور ، كمن مرض مرضاً شديداً لا يستطع معه تأدية الصلاة ثم شفي وأمكنه ادراك ركعة ، وكالحائض إذا طهرت وأمكنها ادراك ركعة ونحو ذلك .

وأدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها أي الصلاة لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة ، كحديث أبي هريرة أن رسول الله (ﷺ) قال : من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وهو في الصحيحين وغيرهما ، ونحو ذلك حديث عائشة عند مسلم وغيره ، وقد ثبت من حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وهذا يشمل جميع الصلوات لا يخص شيئاً منها قلت : هذا الحديث يحتمل وجوهاً : أحدها من أدرك ركعة من الصلاة في الوقت فالجميع أداء وإلا فقضاء وهو الأصح عند الشافعية . وقال أبو حنيفة بذلك في العصر خاصة . وثانيها من أدرك من المعذورين من الوقت ما يسع ركعة من الصلاة فقد وجبت عليه تلك الصلاة وهو مذهب أبي حنيفة وقول للشافعي . وثالثها أن الجماعة تدرك بركعة وهو وجه للشافعية ، وقال أبو حنيفة : لو أدرك التشهد كان مدركاً للجماعة كذا في المسوى فمن صلى ركعة في الوقت والباقي خارج الوقت لا يكون عند الشافعي كمن صلى الكل خارج الوقت : وقال أبو حنيفة مثله إلا في صلاة العصر خاصة . وقد رد ابن القيم على من قال بكونها خلاف الأصول ورده بالمتشابه من نهيه (ﷺ) عن الصلاة وقت طلوع الشمس أتم رد في إعلام الموقعين فليرجع إليه .

والتوقيت واجب لما ورد في ذلك من الأوامر الصحيحة بتأدية الصلاة لوقتها والنهي عن فعلها في غير وقتها المضروب لها .

والجمع لعذر جائز أي بين الصلاتين إن كان صورياً وهو فعل الأولى في آخر وقتها والأخرى في أول وقتها ، فليس بجمع في الحقيقة لأن كل صلاة مفعولة في وقتها المضروب لها ، وإنما هو جمع الصورة ، ومنه جمعه (ﷺ) في المدينة المنورة من غير مطر ولا سفر كما في الصحيح من حديث ابن عباس وغيره ، فإنه قد وقع التصريح في بعض الروايات بما يفيد ذلك ، بل فسره من رواه بما يفيد أنه الجمع الصوري ، وقد أوضح الماتن ذلك في رسالة مستقلة ، فالمراد بالجمع الجائز للعذر هو جمع المسافر والمريض ، وفي المطر كما وردت بذلك الأدلة الصحيحة ، وقد اختلف في جواز الجمع بيه الصلاتين لغير هذه الأعذار أو مع عدم العذر ، والحق عدم جواز ذلك كما حققه المجتهد الرباني شيخنا العلامة محمد بن على الشوكاني في الفتح الرباني وغيره من مؤلفاته المباركة عليها ولها وفيها .

والمتيمم وناقص الصلاة كمن به مرض يمنعه عن استيفاء بعض أركانها .

أو الطهارة كمن في بعض أعضاء وضوئه ما يمنعه من غسله بالماء .

يصلون كغيرهم من غير تأخير وجهه أنهم داخلون في الخطاب المشتمل على تعيين الأوقات وبيان أولها وآخرها ، ولم يأت ما يدل على أنهم خارجون عنها وأن صلاتهم لا تجزيء إلا في آخر الوقت ، ولم يعول من أوجب التأخير على شئ تقوم به الحجة بل ليس بيده إلا مجرد الرأي البحت كقولهم إن صلاتهم بدلية ونحو ذلك ، وهذا لا يغني من الحق شيئاً .

أقول : لم يأت ما يدل على وجوب التأخير على من كان ناقص صلاة أو طهارة من كتاب ولا سنة ، بل التيمم مشروع عند عدم الماء إذا حضر وقت الصلاة ، وكذلك من كانت به علة لا يتمكن معها من استيفاء الطهارة أو الصلاة جاز له أن يصلي إذا حضر وقت الصلاة كيف أمكن وذلك هو المطلوب منه والواجب عليه ، ولو كان التأخير واجباً على من كان كذلك لبينه الشارع ، لأنه من الأحكام التي تعم بها البلوى ، ولا فرق بين من كان راجياً لزوال العلة في آخر الوقت ومن كان آيساً من زوالها في الوقت ، ومن زعم أنه يجب تأخير صلاة من الصلوات على فرد من أفراد العباد لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ، وأما ما يقال من أن الصلاة الناقصة أو الطهارة الناقصة بدل عن الصلاة الكاملة أو الطهارة الكاملة ، فكلام لا يتفق في مواطن الخلاف ، ولا تقوم بمثله الحجة على أحد ، على أن البدلية غير مسلمة وعلى فرض تسليمها فلا نسلم أن البدل لا يجزيء إلا عند تعذر المبدل إلى آخر الوقت ، فإنهم يجعلون الظهر أصلاً والجمعة بدلاً والجمعة مجزئة في أول وقت الظهر بل لا يجزيء في ذلك الوقت غيرها لمن لم يكن معذوراً ، ثم لو سلمنا أن البدل لا يجزيء إلا عند تعذر المبدل فوقت التعذر هو وقت الصلاة مثلاً فإذا دخل أول جزء من أجزاء الوقت والمبدل متعذر كان البدل في ذلك الوقت مجزئا ومن زعم غير هذا جاءنا بحجة .

و أما كون أوقات الكراهة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس وعند الزوال وبعد العصر حتى تغرب فلما ثبت في الصحيح عن جماعة من الصحابة مرفوعاً من النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس وعند الزوال ، وورد في روايات أخر النهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات : وقت الطلوع ، ووقت الزوال ، ووقت الغروب ، قال في الحجة : الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر منها فليفعل ، غير أنه نهىعن خمسة أوقات : ثلاثة منها أو كد نهياً من الباقيين وهي الساعات الثلاث إذا طلعت الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل ، وحين تتضيف للغروب حتى تغرب لأنها أوقات صلاة المجوس ، وأما الآخران فقوله (ﷺ) لا صلاة بعد الصبح حتى تبزغ الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب ولذلك صلى فيهما النبي (ﷺ) تارة ، وروي استثناء نصف النهار يوم الجمعة ، واستنبط جوازها في الأوقات الثلاث في المسجد الحرام من حديث يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئاً فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار وعلى هذا فالسر في ذلك أنهما وقت ظهور شعائر الدين ومكانه فعارضا المانع من الصلاة انتهى .

وأقول : الأحاديث في النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر ، وبعد صلاة العصر ، قد صحت بلا ريب ، وهي عمومات قابلة للتخصيص بما هو أخص منها مطلقاً لا بما هو أعم منها من وجه وأخص منها من وجه ، كأحاديث الأمر بصلاة تحية المسجد ، فإنه من باب تعارض العمومين ، والواجب المصير إلى الترجيح ، فإن أمكن ترجيح أحدهما على الآخر وجب العمل به ، وإن لم يمكن وجب المصير إلى الترجيح بأمور خارجة ، فإن تعذر من جميع الوجوه فالتخيير أو الاطراح في مادة إذا تقرر هذا ، فما عورضت به أحاديث النهي عن الصلاة في الوقتين المذكورين لا يصلح للمعارضة ، أما حديث الرجلين اللذين أمرهما (ﷺ) بالإعادة فقد اختلفت الرواية ، ففي بعض الروايات أنه قال : هذه فريضة وتلك نافلة وفي بعضها عكس ذلك ، وعلى الرواية الأولى لا معارضة ، وعلى الثانية غاية ما هناك أن ذلك يكون مخصصاً لأحاديث النهي بمثل حال الرجلين ، وهو من دخل مسجد جماعة يصلون فيه فريضة في أحد الوقتين ، فإنه يتنفل معهم . وحديث أنه (ﷺ) كان يصلي ركعتين بعد العصر قد تبين في روايات الحديث الثابتة في الأمهات أنه وفد عليه وفد عبد القيس فشغلوه عن ركعتي الظهر فصلاهما بعد العصر وكان هديه (ﷺ) أنه إذا فعل شيئاً داوم عليه حتى سألته بعض نسائه وقالت : هل نقضيهما إذا فاتتانا ؟ فقال : لا وقد ذكر من روى ذلك وما عليه شيخنا العلامة الشوكاني في شرح المنتقي . وأما حديث لا تمنعوا طائفاً فهو مع كونه غير صلاة ، وإن كان مشبهاً بها فليس المشبه كالمشبه به ، هو أيضاً عام مخصص بأحاديث النهي ، أو خاص بنوع من أنواع الصلاة وهو الطواف فليعلم .