الرئيسيةبحث

الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الصلاة/باب صلاة العيدين


باب صلاة العيدين


قد إختلف أهل العلم هل صلاة العيد واجبة أم لا ؟ والحق الوجوب لأنه (ﷺ) مع ملازمته لها قد أمرنا بالخروج إليها كما في حديث أمره (ﷺ) للناس أن يغدوا إلى مصلاهم بعد أن أخبره الركب برؤية الهلال وهو حديث صحيح . وثبت في الصحيح من حديث أم عطية قالت : أمرنا رسول الله (ﷺ) أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور ، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين فالأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها بفحوى الخطاب ، والرجال أولى من النساء بذلك لأن الخروج وسيلة إليها ، ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه ، بل ثبت الأمر القرآني بصلاة العيد كما ذكره أئمة التفسير في قوله تعالى : فصل لربك وانحر فإنهم قالوا : المراد صلاة العيد ، ومن الأدلة على وجوبها أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد ، وما ليس بواجب لا يسقط ما كان واجباً .

هي ركعتان يجهر فيهما بالقراءة يقرأ عند إرادة التخفيف سبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك وعند الإتمام ق و اقتربت الساعة وعند الشافعي تشرع صلاة العيد جماعة وللمنفرد والعبد والمرأة والمسافر ، و لا يخطب المنفرد ويخطب إمام المسافرين . وعند أبي حنيفة تجب صلاة العيد على كل من تجب عليه صلاة الجمعة ، ويشترط لصلاة العيد ما يشترط لصلاة الجمعة كذا في المسوى وغيره .

في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الثانية خمس كذلك لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي (ﷺ) كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية أخرجه أحمد وابن ماجه ، وقال أحمد أنا أذهب إلى هذه . قال العراقي إسناده صالح . ونقل الترمذي في العلل المفردة عن البخاري أنه قال : إنه حديث صحيح . وفي رواية لأبي داود والدارقطني التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الأخيرة والقراءة بعدهما كلتيهما وإسناد الحديث صالح ، وقد صححه البخاري . وأخرج الترمذي من حديث عمرو بن عوف المزني أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الثانية خمساً قبل القراءة وقد حسنه الترمذي وأنكر عليه تحسينه لأن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه عن جده وهو متروك . قال النووي : لعله اعتضد بشواهد وغيرها انتهى . قال العراقي : إن الترمذي إنما تبع في ذلك البخاري فقد قال في كتاب العلل المفردة : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : ليس في هذا الباب شئ أصح منه ، وبه أقول انتهى . وقد أخرجه ابن ماجه بدون ذكر القراءة وأخرجه الدارقطني وابن عدي والبيهقي وفي إسناده كثير بن عبد الله ابن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده . قال الشافعي وأبو داود : أنه ركن من أركان الكذب . وقال ابن حبان : له نسخة موضوعة عن أبيه عن جده . وأخرج ابن ماجة من حديث سعد القرظ المؤذن أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يكبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الآخرة خسماً قبل القراءة قال العراقي : وإسناده ضعيف . وفي الباب أحاديث تشهد لذلك والجميع يصلح للإحتجاج به . وفي المسألة عشرة مذاهب هذا أرجحها . قال في الحجة : يكبر في الأولى سبعاً قبل القراءة والثانية خمساً قبل القراءة . وعمل الكوفيين أن يكبر أربعاً كتكبير الجنائز في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها وهما سنتان وعمل الحرمين أرجح انتهى .

أقول : الذي دلت عليه الأدلة أن يكون التكبير مقدماً على القراءة في الركعتين كما ثبت ذلك من فعله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في حديث عمرو بن عوف المزني المتقدم ، ولم يأت من قال بمشروعية تقديم القراءة في الركعتين ، أو تأخيرها في الأولى وتقديهما في الثانية بحجة قط .

ثم اعلم أن الحافظ قال في التلخيص قوله : ويقف بين كل تكبيرتين بقدر آية لا طويلة ولا قصيرة . روي مثل ذلك عن ابن مسعود قولاً وفعلاً . قلت : رواه الطبراني والبيهقي موقوفاً وسنده قوي ، وفيه عن حذيفة وأبي موسى مثله ، وعن عمر أنه كان يرفع يديه في التكبيرات رواه البيهقي وفيه ابن لهيعة . واحتج ابن المنذر والبيهقي بحديث روياه من طريق بقية عن الزبيدي عن الزهري عن سالم عن أبيه في الرفع عند الإحرام والركوع والرفع منه وفي آخره يرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع انتهى . قال في شرح المنتقى : والظاهر عدم وجوب التكبير كما ذهب إليه الجمهور لعدم وجدان دليل يدل عليه انتهى .

والحاصل : أنه سنة لا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهواً . قال ابن قدامة : ولا أعلم فيه خلافاً . قالوا وإن تركه لا يسجد للسهو . وروي عن مالك وأبي حنيفة أنه يسجد للسهو والحق الأول .

ويخطب بعدها يأمر بتقوى الله تعالى ويذكر ويعظ لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد قال : كان النبي (ﷺ) يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شئ يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وإن كان يريد أن يقطع بعثاً أو يأمر بشئ أمر به ثم ينصرف وفي الباب من حديث جابر عند مسلم وغيره ، وأول من خطب قبل الصلاة في العيد مروان وأنكر عليه ذلك وأخرج النسائي وابن ماجة وأبو داود من حديث عبد الله بن السائب قال : شهدت مع النبي (ﷺ) العيد فلما قضى الصلاة قال : إنا نريد أن نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب .

ويستحب في العيد التجمل بالثياب ، فقد ثبت في الصحيحين أن عمر وجد حلة في السوق من استبرق تباع فأخذها فأتى بها النبي (ﷺ) فقال : يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفد . فقال : إنما هذه لباس من لا خلاق له وأخرج الشافعي عن شيخه إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن النبي (ﷺ) كان يلبس برد حبرة في كل عيد وشيخ الشافعي ضعيف ولكنه قد تابعه سعيد بن الصلت ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عن ابن عباس بمثله أخرجه الطبراني . وأخرج ابن خزيمة عن جابر أن النبي (ﷺ) كان يلبس البرد الأحمر في العيدين وفي الجمعة .

والخروج إلى خارج البلد لمواظبته (ﷺ) على ذلك ، وصلى بهم (ﷺ) صلاة العيد في المسجد لمطر وقع كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود وابن ماجة والحاكم وفي إسناده مجهول .

ومخالفة الطريق لحديث أبي هريرة عند البخاري وغيره قال : كان النبي (ﷺ) إذا كان يوم العيد خالف الطريق وأخرج أبو داود وابن ماجة نحوه من حديث ابن عمر وفي الباب أحاديث غير ما ذكر .

والأكل قبل الخروج في الفطر دون الأضحى لما ثبت في الصحيح من حديث أنس قال : كان النبي (ﷺ) لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث بريدة قال : كان رسول الله (ﷺ) لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل ، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع زاد أحمد فيأكل من أضحيته وفي الباب أحاديث .

ووقتها بعد ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال لما أخرجه أحمد بن الحسن البناء في كتاب الأضاحي من حديث جندب قال : كان النبي صلى الله تعالى عليه وأله وسلم يصلى بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين ، والأضحى على قيد رمح وأخرج أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه خرج مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال : إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح أي حين وقت صلاة العيد . وأخرج الشافعي مرسلاً أن النبي (ﷺ) كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر وفي إسناده إبراهيم بن محمد شيخ الشافعي وهو ضعيف ، وقد وقع الإجماع على ما أفادته الأحاديث وإن كانت لا تقوم بمثلها الحجة ، وأما آخر وقت صلاة العيدين فزوال الشمس . وإذا كان الغدو من بعد طلوع الشمس إلى الزوال كما قال بعض أهل العلم ، فحديث أمره (ﷺ) للركب أن يغدوا إلى مصلاهم يدل على ذلك . قال في البحر : وهي من بعد إنبساط الشمس إلى الزوال ولا أعرف فيه خلافاً .

ولا أذان فيها ولا إقامة لما ثبت في الصحيح من حديث جابر بن سمرة قال : صليت مع النبي (ﷺ) غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة وثبت في الصحيحين عن ابن عباس أنه قال : لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى وفي الباب أحاديث . وأما تكبير أيام التشريق فلا شك في مشروعية مطلق التكبير في الأيام المذكورة ، ولم يثبت تعيين لفظ مخصوص ولا وقت مخصوص ولا عدد مخصوص . بل المشروع الإستكثار منه دبر الصلوات وسائر الأوقات . فما جرت عليه عادة الناس اليوم إستناداً إلى بعض الكتب الفقهية من جملة عقب كل صلاة فريضة ثلاث مرات ، وعقب كل صلاة نافلة مرة واحدة . وقصر المشروعية على ذلك فحسب ، ليس عليه أثارة من علم فيما أعلم . وأصح ماورد فيه عن الصحابة أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى . وأما صفة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال كبروا : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً ، قال في شرح المنتقى نقلاً عن الفتح : وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها انتهى . قال الشوكاني : والظاهر أن تكبير التشريق لا يختص استحبابه بعقب الصلوات ، بل هو مستحب في كل وقت من تلك الأيام كما تدل على ذلك الآثار انتهى .