→ باب صلاة الخوف | الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الصلاة باب صلاة السفر صديق حسن خان القنوجي |
باب صلاة الكسوفين ← |
يجب القصر لحديث عائشة الثابت في الصحيح أن النبي (ﷺ) قال : فرضت الصلاة ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر فهذا يشعر بأن صلاة السفر باقية على الأصل ، فمن أتم فكأنه صلى في الحضر الثنائية أربعاً والرباعية ثمانياً عمداً . وثبت أيضاً في الصحيح أن النبي (ﷺ) قال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته وكان النبي (ﷺ) يقتصر في جميع أسفاره على القصر . قلت : اتفقت الأمة على جواز القصر في السفر ، واختلف المفسرون في قوله تعالى : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أنزلت في السفر وقيد الخوف اتفاقي ، أو في الخوف وقيد السفر اتفاقي ، والمراد من القصر الإيماء في الركوع والسجود . فذهب إلى الأول جماعات من المفسرين ، وإلى الثاني يشير قول ابن عمر ويدل عليه بناء قوله تعالى : وإذا كنت فيهم على آية القصر من غير ذكر الخوف ثانياً . ثم مذهب الأكثرين أن القصر واجب . وقال الشافعي : إن شاء أتم وإن شاء قصر والقصر أفضل كذا في المسوى .
أقول : الحق وجوب القصر والأحاديث مصرحة بما يقتضي ذلك ، وأما ما يروى عن عائشة أن النبي (ﷺ) كان يقصر في الصلاة ويتم ويفطر ويصوم فلم يثبت كما صرح به جماعة من الحفاظ ، وكذلك ماروي عنها أنها فعلت ذلك ولم ينكر عليها رسول الله (ﷺ) ، وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة بما تسقط به حجيته ، وكذلك ماروي عن أن عثمان أتم الصلاة بمنى فلا حجة في ذلك ، وقد صح إنكار بعض الصحابة عليه واعتذاره عن ذلك ، فلم يبق في المقام ما يوجب التردد . والظاهر من الأدلة في القصر والإفطار ، عدم الفرق بين من سفره في طاعة ، ومن سفره في معصية ، لا سيما القصر لأن صلاة المسافر شرعها الله كذلك ، فكما أن الله شرع للمقيم صلاة التمام من غير فرق بين من كان مطيعاً ومن كان عاصياً بلا خلاف ، كذلك شرع للمسافر ركعتين من غير فرق . وأدلة القصر متناولة للعاصي تناولاً زائداً على تناول أدلة الإفطار له ، لأن القصر عزيمة وهي لم تشرع للمطيع دون العاصي ، بل مشروعة لها جميعاً بخلاف الإفطار ، فإنه رخصة للمسافر ، والرخصة تكون لهذا دون هذا في الأصل وإن كانت هنا عامة ، وإنما المراد بطلان القياس ، والركعتان في السفر تمام غير قصر ، ومعناه عند الحنفية أنه لا يكون فرض المسافر غير ركعتين ، وأن صلى أربعاً ولم يقعد للتشهد بطلت صلاته ، وإن قعد أتمها أربعاً والأخريان نقل . وعند الشافعية أن المسافر إذا قصر في السفر فليس عليه ما تركه إذا صار مقيماً بخلاف الصوم ، فإنه يعيد ما أفطر إذا صار مقيماً . وإيجاب القصر على من خرج من بلده قاصداً للسفر وإن كان دون بريد وجهه أن الله تعالى قال : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة والضرب في الأرض يصدق على كل ضرب ، لكنه خرج الضرب أي المشي لغير السفر لما كان يقع منه (ﷺ) من الخروج إلى بقيع الغرقد ونحوه ولا يقصر ، ولم يأت في تعيين قدر السفر الذي يقصر فيه المسافر شئ ، فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفراً لغة وشرعاً . ومن خرج من بلده قاصداً إلى محل يعد في مسيره إليه مسافراً قصر الصلاة وإن كان ذلك المحل دون البريد ، ولم يأت من اعتبر البريد واليوم واليومين والثلاث وما زاد على ذلك بحجة نيرة . وغاية ماجاءوا به حديث لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذي محرم وفي رواية يوماً وليلة وفي رواية بريداً وليس في هذا الحديث ذكر القصر ولا هو في سياقه والإحتجاج به مجرد تخمين . وأحسن ما ورد في التقدير ما رواه شعبة عن يحيى بن زيد الهنائي قال : سألت أنساً عن قصر الصلاة فقال : كان رسول الله (ﷺ) إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين والشك في شعبة أخرجه مسلم وغيره . فإن قلت : محل الدليل في نهي المرأة عن السفر تلك المسافة بدون محرم هو كونه (ﷺ) سمى ذلك سفراً . قلت : تسميته سفراً لا تنافي تسمية ما دونه سفراً ، فقد سمى النبي (ﷺ) مسافة الثلاث سفراً ، كما سمى مسافة البريد سفراً في ذلك الحديث باعتبار إختلاف الرواية ، وتسمية البريد سفراً لا ينافي تسمية ما دونه سفراً . فإن قلت أخرج الدارقطني والبيهقي والطبراني من حديث ابن عباس أنه (ﷺ) قال : يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان قلت : هو ضعيف لا تقوم به الحجة ، فإن في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر وهو متروك . قال الماتن وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها لدي . وقال أبو حنيفة : مسيرة ثلاثة أيام ، وفي العالمكيرية الصحيح أنه لا يشترط سير كل اليوم إلى الليل ، فلو بكر في كل يوم ومشى إلى الزوال ثم نزل يصير مسافراً ، وقال الشافعي أربعة برد . وقال مالك . وذلك أحب ما سمعت يقصر فيه الصلاة إلي ، وتفسيرها ستة عشر فرسخاً ، ويتجه على هذا أن قولهما متقاربان . قال الأوزاعي : عامة الفقهاء يقولون مسيرة يوم تام ، وإنما يحل القصر إذا خرج من بيوت القرية . قال العلماء : إذا جاوز عمران المصر قصر . أقول مسألة أقل السفر قد إضطربت فيها الأقوال ، وطال فيها النزاع ، وتشعبت فيها المذاهب ، وليس في ذلك شئ يستند إليه ، إلا مجرد قول الرواة قصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كذا من دون بيان لمقدار يرجع إليه ، وأصرح ما في ذلك ما قاله بعض الرواة أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يقصر إذا سافر ثلاثة أميال ، أو ثلاثة فراسخ هكذا على الشك ، مع أنه لم يبين مقدار المسافة التي هي إنتهاء سفره . وغاية ما وقع التعويل عليه أحاديث لا يحل لامرأة كما تقدمت ، والمعمول عليه ههنا رواية البريد ، لأن ما فوقها يعتبر فيه ذلك بفحوى الخطاب . لكن لا ملازمة بين إعتبار المحرم للمرأة وبين وجوب القصر على غيرها من المسافرين ، لأن علة مشروعية المحرم غير علة مشروعية القصر ، فلم يبق في المسألة ما يصلح للإستناد إليه ، فوجب الرجوع إلى ما يصدق عليه مسمى الضرب في الأرض على وجه يخالف ما يفعله المقيم من ذلك ، وهو يصدق على من أراد سفراً زائداً على الميل لا ما كان ميلاً فما دون ، فقد يتردد المقيم في الجوانب المقاربة لبلد إقامته ، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يخرج إلى البقيع لزيارة الأموات ولا يقصر ، وإن كان هذا لا يتم الإحتجاج به إلا بعد تسلم أنه خرج إلى هنالك وحضر وقت الصلاة فصلى تماماً وهو ممنوع ، فالتعويل في إستثناء الميل هو ما قدمنا ، وفيه ما فيه لولا أنه أوجب الرجوع إليه البقاء على الأصل ، والفرار من التحكمات التي لا ترجع إلى شئ ، كما يقوله بعض أهل العلم ، إن مسافة القصر ما بين الشام والعراق ونحو ذلك .
فالحاصل : أن الواجب الرجوع إلى ما يصدق عليه إسم السفر شرعاً أو لغة أو عرفاً لأهل الشرع ، فما كان ضرباً في الأرض يصدق عليه أنه سفر وجب فيه القصر . وأما ما رواه سعيد بن منصور أنه كان يصلي الله تعالى عليه وآله وسلم إذا سافر فرسخاً يقصر الصلاة فهو أيضاً لا ينفي السفر فيما دون ذلك .
وإذا أقام ببلد متردداً قصر إلى عشرين يوماً ثم يتم . وجهه أن من حط رحله بدار إقامة ، فقد ذهب عنه حكم السفر وفارقته المشقة ، فلولا أن الشارع سمى من أقام كذلك مسافراً فقال : أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر لما كان حكم السفر ثابتاً له ، فالواجب الاقتصار في القصر مع الإقامة على المقدار الذي سوغه الشارع ، وما زاد عليه فللمسافر حكم المقيم يجب عليه أن يتم صلاته ، لأنه مقيم لا مسافر ، وقد أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة في غزوة الفتح قيل ثماني عشرة ليلة ، وقيل تسع عشرة ليلة ، وقيل أقل من ذلك . وفي صحيح البخاري وغيره تسع عشرة ليلة . وأخرج أحمد وأبو داود من حديث جابر قال : أقام النبي (ﷺ) بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة وأخرجه أيضاً ابن حبان والبيهقي وصححه ابن حزم والنووي ، فوجب علينا أن نقتصر علي هذا المقدار وتتم بعد ذلك ولله در الحبر ابن عباس ما أفقهه وما أفهمه للمقاصد الشرعية ، فإنه قال فيما رواه عنه البخاري وغيره : لما فتح النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مكة ، أقام فيها تسع عشرة يصلي ركعتين قال : فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا وإن زدنا أتممنا .
وأقول : هذا الفقه الدقيق والنظر المبني على أبلغ تحقيق . ولو قال له جابر أقمنا مع رسول الله (ﷺ) بتبوك عشرين ليلة نقصر الصلاة لقال بموجب ذلك . قال الماتن : وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها لدي انتهى .
أقول : الظاهر فيمن أقام ببلد وحط الرحل يوماً بعد يوم ، وليلة بعد ليلة ، أنه لا يقصر الصلاة ، لأنه غير مسافر ، فلو لم يرد الدليل الدال على أن من أقام عازماً على السفر ، كان له حكم المسافر لم يثبت القصر في حقه ، فينبغي أن يقتصر على ما ورد ولا يجاوز . أما مع التردد وعدم العزم على إقامة أيام معينة ، فلا يزال يقصر المسافر حتى يبلغ مدة إقامته مقدار المدة التي أقامها رسول الله (ﷺ) بمكة بعد الفتح ، وأكثر ما قيل عشرون ليلة . وقد روي أنه أقام في غزوة تبوك بمكان نحو ذلك وروي أكثر . فإن قيل أن الاقتصار على مقدار إقامته (ﷺ) وعدم تجويز القصر فيما زاد عليها لا يصلح للتمسك به ، لأنه مجرد فعل لا دلالة فيه على قصر الجواز على تلك المدة ، ومن أين لنا أنه لو عرض له ما يوجب إقامته فوق تلك المدة لما قصر الصلاة بل كان يتمها ، فيقال هذا صحيح ، ولم نقل إن هذا الفعل يدل بمجرده على ذلك ، بل قلنا إن من حط رحله بمحل ، فالظاهر أنه في ذلك الوقت غير مسافر فيما كان من الإقامة زائداً على ما يعتاده المسافرون من الإراحة لأنفسهم ودوابهم يوماً أو بعض يوم ، وليلة أبو بعض ليلة ، فإذا سمى بعد إقامته أياماً مسافراً ، فهذه التسمية غير مناسبة لما هو الظاهر ، فوجب الاقتصار على مقدار المدة التي أقامها الشارع وقصر الصلاة فيها وقال : إنا قوم سفر ومن زعم جواز القصر فيما زاد عليها فعليه الدليل ، وأما إذا نوى إقامة أيام معينة ، فقد وقع الاضطراب في ذلك فقيل أربعة أيام ، فإن نوى إقامة أكثر منها قصر ، واستدل هذا القائل بإقامته (ﷺ) في مكة في حجة الوداع أربعة أيام يقصر الصلاة . ووجه الإستدلال بهذا كالوجه الذي ذكرناه مع التردد سواء بسواء ، وهو أشف ما قيل . وغاية ما تمسك به أهل الأقوال الآخرة ما روي عن جماعة من الصحابة من الإجتهادات المختلفة ولا حجة في ذلك . وما يقال من أنها بمنزلة المرفوع لكونها ليست من مسارح الإجتهاد ، فمردود على أن التقدير بالأربع مع كونه أشف ما قيل كما ذكرنا . يمكن أن يقال عليه إنما يتم الإستدلال به بعد ثبوت أنه (ﷺ) عزم على إقامة الأربع ولم ينقل ذلك ، ويمكن أن يجاب بأن أعمال الحج لا يمكن الإتيان بها في دون تلك المدة ، فالعزم على الإقامة قدرها لا بد منه . وأما ما روي عن أنس أنه قال : أقمنا مع النبي (ﷺ) عشراً فهو محمول على جميع أيام الإقامة بمكة ونواحيها ، وأما نفس الإقامة بمكة فليست إلا أربعة أيام فليعلم .
وإذا عزم على إقامة أربع أتم بعدها وجهه ما عرفناك من أن المقيم لا يعامل معاملة المسافر ، إلا على الحد الذي ثبت عن الشارع ، ويجب الإقتصار عليه ، وقد ثبت عنه مع التردد ما قدمنا ذكره ، وأما مع عدم التردد بل العزم على إقامة أيام معينة ، فالواجب الاقتصار على ما اقتصر عليه صلى الله تعالى وآله وسلم مع عزمه على الإقامة في أيام الحج ، فإنه ثبت في الصحيحين أنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة ، فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى ، فلما أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة ، مع كونه لا يفعل ذلك إلا عازماً على الإقامة إلى أن يعمل أعمال الحج ، كان ذلك دليلاً على أن العازم على إقامة مدة معينة يقصر إلى تمام أربعة أيام ثم يتم ، وليس ذلك لأجل كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو أقام زيادة على الأربع لأتم فإنا لا نعلم ذلك ، ولكن وجهه ما قدمنا من أن المقيم العازم على إقامة مدة معينة لا يقصر إلا بإذن ، كما أن المتردد كذلك ، ولم يأت االإذن بزيادة على ذلك ولا ثبت عن الشارع غيره . قال الشافعي : لو نوى إقامة أربعة أيام بموضع انقطع سفره بوصوله . قال في المنهاج : ولا يحسب منها يوماً دخوله وخروجه على الصحيح . وقال أبو حنيفة : لا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلدة أو قرية خمسة عشر يوماً . وقول أكثر أهل العلم : أنه يقصر أبداً ما لم يجمع إقامة . وختلف أصحاب الشافعي في حكاية مذهبه . وحكاية البغوي أنه إذا لم يجمع الإقامة فزاد مكثه على أربعة أيام وهو عازم على الخروج أتم ، إلا أن يكون في خوف أو حرب فيقصر . وقد قصر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عام الفتح بحرب هوازن تسعة عشر أو ثمانية عشر يوماً ، وله قول آخر موافق للجمهور . قال الماتن : واعلم أن هذه الثلاثة الأبحاث المذكورة في هذا الباب ، هي من المعارك التي تتبلد عندها الأذهان ، وقد اضطربت فيها المذاهب اضطراباً شديداً وتباينت فيها الأنظار تبايناً زائداً انتهى .
وله الجمع تقديماً وتأخيراً وجهه ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما ، فإن زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب وأخرج أحمد وأبو دواد والترمذي وابن حبان والحاكم والدارقطني ، وحسنه الترمذي من حديث معاذ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعاً ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار وأخرج أحمد من حديث ابن عباس نحوه وزاد المغرب والعشاء . وأخرجه أيضاً البيهقي والدارقطني ، وصحح إسناده ابن العربي وتعقب بأن في إسناده من لا يحتج بحديثه ، وللحديثين طرق يقوي بعضها بعضاً ، وليس فيها من المقال ما يبطل الاحتجاج بمجموعها ، ومن الجمع بين المغرب والعشاء حديث ابن عمر الثابت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان إذا جد به السير أخر المغرب حتى يغيب الشفق ثم يجمع بينها وبين العشاء قال ابن القيم : وكل هذه سنن في غاية الصحة والصراحة ولا معارض لها ، فردت بأنها أخبار آحاد وأوقات الصلوات ثابتة بالتواتر ، لحديث أمامة جبريل عليه السلام للنبي (ﷺ) وقوله للسائل عن المواقيت ، وهذه أحاديث محكمة صحيحة صريحة في تفصيل الأوقات مجمع عليها بين الأمة ، وأحاديث الجمع غير صريحة لجواز أن يكون المراد بها الجمع في الفعل وفي الوقت ، فكيف يترك المبين للمجمل . والجواب أن يقال : الجميع حق ، والذي وقت هذه المواقيت وبينها بفعله وقوله هو الذي شرع الجمع بقوله وفعله ، فلا يؤخذ ببعض السنة ويترك بعضها . فأحاديث الجمع مع أحاديث الأفراد بمنزلة أحاد الأعذار والضرورات مع أحاديث الشروط والواجبات ، فالسنة يبين بعضها بعضاً لا يرد بعضها ببعض . ومن تأمل أحاديث الجمع وجدها كلها صريحة في جمع الوقت لا في جمع الفعل وألفاظ السنة الصريحة ترده ، كذا في أعلام الموقعين . قال في المسوى : أكثر أهل العلم على جواز الجمع في السفر بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما . وقالت الحنفية : لا يجوز ، ومعنى الحديث عنهم أن يؤخر إحدى الصلاتين إلى آخر وقتها ويعمل الأخرى في أول وقتها فيحصل الجمع صورة ، رووا ذلك عن علي وسعد بن أبي وقاص ، وأما الجمع للحاج فمتفق عليه انتهى .
بأذان وإقامتين لثبوت ذلك في الصحيحين في جمع مزدلفة .