→ مواقيت الصلاة | الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الصلاة باب الأذان صديق حسن خان القنوجي |
باب ويجب على المصلي تطهير ثوبه ← |
أقول هذه العبادة من أعظم شعائر الإسلام وأشهر معالم الدين ، فإنها وقعت المواظبة عليها منذ شرعها الله سبحانه وتعالى إلى أن مات رسول الله (ﷺ) في ليل ونهار وحضر وسفر ولم يسمع بأنه وقع الاخلال بها أو الترخيص في تركها .
يشرع وقد اختلف في وجوبه والظاهر الوجوب ، لأمره (ﷺ) بذلك في غير حديث ، والحاصل : أنه ما ينبغي في مثل هذه العبادة العظيمة أن يتردد متردد في وجوبها فإنها أشهر من نار على علم وأدلتها هي الشمس المنيرة .
لأهل كل بلد أن يتخذوا مؤذناً وأما كون المؤذن مكلفاً ذكراً فهذا هو الظاهر ، لأن الأذان عبادة شرعية لا تجزيء إلا من مكلف بها ولم يسمع في أيام النبوة ولا في الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم أنه وقع التأذين المشروع الذي هو إعلام بدخول الوقت ودعاء إلى الصلاة من امرأة قط ، وأما أذان المرأة لنفسها أو لمن يحضر عندها من النساء مع عدم رفع الصوت رفعاً بالغاً فلا مانع من ذلك ، بل الظاهر أن النساء ممن يدخل في الخطاب بالأذان ، ولم يأت ما تقوم به الحجة لا في كون المؤذن طاهراً من الحدث الأكبر ولا من الحدث الأصغر لأن ما هو مرفوع في ذلك لم يصح ، وما هو موقوف على صحابي أو تابعي لا تقوم به الحجة ، وإن كان التطهر للمؤذن من الحدثين هو الأولى والأحسن فقد كره النبي (ﷺ) أن يرد السلام وهو محدث حدثاً أصغر حتى توضأ كما في رواية وتيمم كما في أخري ، والأذان أولى بذلك من مجرد السلام . قال الماتن في حاشية الشفاء وظاهر الأحاديث أنه لا يصح أذان غير المتوضيء وقد ورد حديث يدل على اشتراط كون المؤذن متوضئاً أخرجه الترمذي بلفظ لا يؤذن إلا متوضيء وقد أعل بالانقطاع والإرسال ويشهد له حديث أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان .
ينادي بألفاظ الأذان المشروعة لإعلامهم بمواقيت الصلاة وللتمسك بشعائر الإسلام ، فقد كان الغزاة في أيام النبوة وما بعدها إذا جهلوا حال أهل قرية تركوا حربهم حتى يحضر وقت الصلاة فإن سمعوا أذاناً كفوا عنهم وإن لم يسمعوا قاتلوهم مقاتلة المشركين ، وأما غير أهل البلد كالمسافر والمقيم بفلاة من الأرض فيؤذن لنفسه ويقيم ، فإن كانوا جماعة أذن لهم أحدهم وأقام . وألفاظ الأذان قد ثبتت في أحاديث كثيرة وفي بعضها اختلاف بزيادة ونقص وقد تقرر أن العمل على الزيادة التي لا تنافي المزيد، فما ثبت من وجه صحيح مما فيه زيادة تعين قبوله كتربيع الأذان وترجيع الشهادتين ، ولا تطرح الزيادة إذا كانت أدلة الأصل أقوى منها لأنه لا تعارض حتى يصار إلى الترجيح كما وقع لكثير من أهل العلم في هذا الباب وغيره من الأبواب ، بل الجمع ممكن بضم الزيادة إلى الأصل وهو مقدم على الترجيح ، وقد وقع الاجماع على قبول الزيادة التي لم تكن منافية كما تقرر في الأصول ، وأدلة أفراد الإقامة أقوى من أدلة تشفيعها ولكن التشفيع مشتمل على زيادة خارجة من مخرج صالح للاعتبار فكان العمل على أدلة التشفيع متعيناً .
عند دخول وقت الصلاة إلا الأذان للفجر قبل دخول وقتها لما في الصحيحين من حديث سالم بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم وفي صحيح مسلم عن سمرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر وهو في الصحيحين من حديث ابن مسعود ولفظه لا يمنع أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي ليرجع قائمكم وينبه نائمكم قال مالك : لم يزل الصبح ينادي لها قبل الفجر فردت هذه السنة لمخالفتها الأصول والقياس على سائر الصلوات ، وبحديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام فرجع فنادي ألا إن العبد نام ولا ترد السنة الصحيحة بمثل ذلك فإنها أصل بنفسها ، وقياس وقت الفجر على غيره من الأوقات لو لم يكن فيه إلا مصادمة للسنة لكفى في رده ، فكيف والفرق قد أشار إليه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو ما في النداء قبل الوقت من المصلحة والحكمة التي لا تكون في غير الفجر ، وإذا اختص وقتها بأمر لا يكون في سائر الصلوات امتنع الإلحاق ، وأما حديث حماد عن أيوب فحديث معلول عند أئمة الحديث لا تقوم به حجة كذا في أعلام الموقعين وقد أطال ابن القيم في تعليل هذا الحديث والجواب عنه وعن غيره فليرجع إليه .
ويشرع للسامع أن يتابع المؤذن لما قد ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن وفي الباب عن جماعة من الصحابة بنحو هذا ، وورد مفصلاً مبيناً من حديث عمر ابن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال : أشهد أن إله إلا الله . قال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمداً رسول الله قال : أشهد أن محمداً رسول الله ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلى بالله ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة أخرجه مسلم وغيره وأخرج نحوه البخاري وقد اختار بعض العلماء الجمع عند الحيعلتين بين المتابعة للمؤذن والحوقلة وهو جمع حسن وإن لم يكن متعيناً .
ثم تشرع الإقامة على الصفة الواردة أقول : قد ثبت تشفيع الأذان وايتاء الإقامة في الصحيحين وغيرهما ، وروي من وجه صحيح تشفيع جميع ألفاظ الإقامة . وورد في الإقامة من وجه صحيح ما يدل على ايتارها ، إلا التكبير في أولها وآخرها ، وقد قامت الصلاة ، فإن ذلك يكون مثنى مثنى ، وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الكل سنة وأيها فعلها المؤذن والمقيم فقد فعل ما هو حق وسنة . قال الماتن في شرح المنتقى بعد ما ذكر اختلاف الناس في ذلك وأطال في بيانه : إذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج بها ، وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين، لكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها انتهى . ثم اعلم أن هذا الشعار لا يختص بصلاة الجماعات ، بل كل مصل عليه أن يؤذن ويقيم ، لكن من كان في جماعة كفاه أذان المؤذن لها وإقامته ، ثم الظاهر أن النساء كالرجال لأنهن شقائقهم والأمر لهم أمر لهن ولم يرد ما ينتهض للحجة في عدم الوجوب عليهن فأن الوارد في ذلك في أسانيده متروكون لا يحل الاحتجاج بهم فإن ورد دليل يصلح لإخراجهن فذاك وإلا فهن كالرجال .