→ الطبقة الخامسة عشرة | تذكرة الحفاظ الطبقة السادسة عشرة الذهبي |
الطبقة السابعة عشرة ← |
الطبقة السادسة عشرة
من كبار الحفاظ، والجملة خمس عشرة نفسًا:
1079- 1/16
محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر
الحافظ الإمام محدث العراق أبو الفضل السلامي.
توفي أبوه شابا وهذا صغير فكفله جده لأمه الفقيه أبو حكيم الخبري وأسمعه الحديث وأحفظه الختمة، مولده في سنة سبع وستين وأربعمائة، وسمع من أبي القاسم علي بن البسري وأبي طاهر بن أبي الصقر وعاصم بن الحسن ومالك البانياسي وأبي الغنائم بن أبي عثمان ورزق الله التميمي وطراد الزينبي وأبي عبد الله النعالي وابن البطر فمن بعدهم إلى أن ينزل إلى أصحاب الجوهري وابن المهتدي بالله، وعني بهذا الفن وبالغ في الطلب بعد أن برع في اللغة وحصل الفقه والنحو.
قال بن الجوزي: كان ثقة حافظًا ضابطًا من أهل السنة لا مغمز فيه تولى تسميعي وسمعت بقراءته مسند أحمد والكتب الكبار، وعنه أخذت علم الحديث وكان كثير الذكر سريع الدمعة. قال السمعاني: كان يحب أن يقع في الناس فردّ بن الجوزي على السمعاني وقبح قوله وقال: صاحب الحديث يجرح ويعدل أفلا يفرق بين الجرح والغيبة؟ ثم هو قد احتج بكلامه في كثير من التراجم في التاريخ. ثم أخذ بن الجوزي يحط على أبي سعد وينسبه إلى التعصب البارد على الحنابلة، وليس الأمر كذلك، ولا ريب أن بن ناصر متعصب في الحط على بعض الشيوخ فدع الانتصار، فأبو سعد أعلم بالتاريخ وأحفظ منك ومن شيخك، وقد قال في بن ناصر: إنه ثقة حافظ دين متقن ثبت لغوى عارف بالمتون والأسانيد كثير الصلاة والتلاوة غير أنه يحب أن يقع في الناس وهو صحيح القراءة والنقل. وأول سماعه في سنة ثلاث وسبعين من أبي طاهر الأنباري. قال بن النجار: كانت له إجازات قديمة من جماعة كابن النقور وابن هزارمرد الصريفيني والحافظ بن ماكولا وغيرهم أخذها له بن ماكولا في رحلته.
قرأت بخط الحافظ الضياء: أجاز لابن ناصر، أبو القاسم علي بن عبد الرحمن بن عليك في سنة ثمان وستين وأربعمائة، وأبو صالح المؤذن وفاطمة بنت الدقاق والفضل بن المحب، وسرد جماعة. قال بن النجار: كان ثقة ثبتًا حسن الطريقة متدينًا فقيرًا متعففًا نظيفًا نزهًا، وقف كتبه وخلف ثيابًا خليعة وثلاثة دنانير، ولم يعقب، سمعت بن سكينة وابن الأخضر وغيرهما يكثرون الثناء عليه ويصفونه بالحفظ والإتقان والديانة والمحافظة على السنن والنوافل، وسمعت جماعة من شيوخي يذكرون أن بن ناصر وابن الجواليقي كانا يقرآن الأدب على أبي زكريا التبريزي ويطلبان الحديث فكان الناس يقولون: يخرج بن ناصر لغوي بغداد، وابن الجواليقي محدثها، فانعكس الأمر وانقلب. قلت: قد كان بن ناصر أيضًا رأسًا في اللغة. قال: وسمعت بن سكينة يقول: قلت لابن ناصر: أريد أن أقرأ عليك ديوان المتنبي وشرحه لأبي زكريا، فقال: إنك دائمًا تقرأ علي الحديث مجانًا وهذا شعر ونحن نحتاج إلى نفقة. فأعطاني أبي خمسة دنانير فدفعتها إليه وقرأت عليه الكتاب.
وقال السلفي: سمع بن ناصر معنا كثيرًا وهو شافعي أشعري، ثم انتقل إلى مذهب أحمد في الأصول والفروع ومات عليه، وله جودة حفظ وإتقان وحسن معرفة وهو ثبت إمام. وقال أبو موسى المديني: هو مقدم أصحاب الحديث في وقته ببغداد. بن النجار: قرأت بخط بن ناصر وأخبرنيه يحيى بن الحسين عنه سماعًا قال: بقيت سنين لا أدخل مسجد أبي منصور الخياط واشتغلت بالأدب على التبريزي فجئت يومًا لأقرأ الحديث فقال: يا بني تركت قراءة القرآن واشتغلت بغيره عُدْ واقرأ عليّ ليكون لك إسناد؛ فعدت عليه في سنة اثنتين وتسعين ولبثت أقول كثيرًا: اللهم بين لي أي المذاهب خير؛ وكنت مرارًا قد مضيت إلى القيرواني المتكلم في كتاب التمهيد للباقلاني وكأن من يردني عن ذلك فرأيت في المنام كأني قد دخلت المسجد إلى أبي منصور وبجنبه رجل عليه ثياب بيض ورداء على عمامته يشبه الثياب الريقية دُري اللون عليه نور وبهاء فسلمت عليه وجلست بين يديهما، ووقع في نفسي للرجل هيبة وإنه رسول الله ﷺ فلما جلست التفت إليَّ وقال لي: عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ، ثلاث مرات، فانتبهت مرعوبًا وجسمي يرجف فقصصت ذلك على والدتي وبكرت إلى الشيخ لأقرأ عليه فقصصت عليه الرؤيا فقال: يا ولدي ما مذهب الشافعي إلا حسن ولا أقول لك اتركه، ولكن لا تعتقد اعتقاد الأشعري؛ فقلت: ما أريد أن أكون نصفين، وأنا أشهدك وأشهد الجماعة أنني اليوم على مذهب أحمد بن حنبل في الأصول والفروع؛ فقال لي: وفقك الله؛ ثم أخذت في سماع كتب أحمد ومسائله والتفقه على مذهبه، وذلك في رمضان سنة ثلاث وتسعين.
قلت: روى عنه السلفي وابن عساكر وأبو موسى والسمعاني وابن الجوزي وابن سكينة وابن الأخضر وعبد الرزاق ويحيى بن الربيع الفقيه والكندي ومحمد بن البناء الصوفي ومحمد بن غنيمة الفقيه وداود بن ملاعب وعبد العزيز بن أحمد الناقد وموسى بن عبد القادر وأحمد بن ظفر بن هبيرة وأحمد بن صرما وأبو منصور بن عفيجة والحسن بن الأمير السيد وخلائق؛ وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن بن المقير؛ ومما تخبط فيه بن مسدي المجاور أنه قرأ على بن المقير عن بن ناصر قال: أنبأنا أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد المليحي، فذكر من الجعديات. والمليحي فقد مات قبل مولد بن ناصر بأربع سنين.
توفي بن ناصر في ثاني عشر شعبان سنة خمسين وخمسمائة. وقال بن الجوزي: حدثني الفقيه أبو بكر بن الحضرمي قال: رأيت بن ناصر فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، وقال: قد غفرت لعشرة من أصحاب الحديث في زمانك؛ لأنك رئيسهم وسيدهم.
قلت: وفي سنة خمسين مات أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن العصائدي بنيسابور في عشر التسعين، والمعمر الخطيب أبو الحسن علي بن محمد المشكاني راوي التاريخ الصغير للبخاري، والمسند أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب ببغداد، ومقرئ العراق أبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري مصنف "المصباح" ومفتى خراسان الفقيه محمد بن يحيى صاحب الغزالي بل قبلها، وقاضي مصر أبو المعالي محمد بن جميع القرشي الشافعي مصنف كتاب "الذخائر" في المذهب، والواعظ أبو زكريا يحيى بن إبراهيم السلماسي بها.
أخبرتنا زينب بنت عمر ببعلبك عن أحمد بن ظفر أنا محمد بن ناصر الحافظ أنا محمد بن أحمد بن أبي الصقر سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة أنا الحسين بن ميمون الصدفي بمصر أنا محمد بن عبد الله النيسابوري ثنا أحمد بن شعيب الحافظ ثنا قتيبة ثنا الليث عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "ما من نبي إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة". [1]
1080- 2/16
البطروجي
العلامة الحافظ الثقة أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الباري الأندلسي.
حمل عن أبي علي الغساني ومحمد بن فرج الطلاعي وأبي الحسن القيسي وخازم بن محمد وخلف بن إبراهيم المقرئ وابن النخاس وطبقتهم، وتفنن في العلوم، روى عنه خلف بن بشكوال وأبو محمد بن عبيد الله الحجري وأبو الحسن محمد بن عبد العزيز الشقوري ومحمد بن إبراهيم بن الفخار ويحيى بن محمد الفهري وآخرون.
قال ابن بشكوال: كان من أهل الحفظ للحديث والفقه والرجال والتواريخ مقدمًا في ذلك على أهل عصره وقال غيره: له مصنفات مشهورة وكان عارفًا بالرجال وتراجمهم، وكان إذا سئل عن شيء فكأنما الجواب على طرف لسانه يورد المسألة بنصها لقوة حافظته، لم يكن في الأندلسيين في وقته مثله لكنه كان نزر العربية خاملا لخفة فيه.
قال ابن بشكوال: مات لثلاث بقين من المحرم سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.
قلت: مات فيها الفقيه أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن علي الآبنوسي الشافعي الوكيل ببغداد وله تصانيف وعلو إسناد، والمسند أبو بكر أحمد بن علي بن الأشقر البغدادي الدلال، وشيخ القراء بالعراق أبو محمد دعوان بن علي بن حماد الجبي الضرير، والعلامة أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي الغرناطي المفسر، والمسند أبو القاسم علي ابن الإمام أبي نصر عبد السيد بن محمد بن الصباغ البغدادي، ومحدث بغداد أبو حفص عمر بن ظفر المغازلي الملقن عن إحدى وثمانين سنة، والمسند أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حسن الطرائفي في عشر المائة، ومحدث واسط القاضي أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن محمد بن الطيب بن الجلابي، ومفيد بغداد أبو البقاء محمد بن محمد بن معمر بن طبرزذ، ومسند الشام العلامة أبو الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي عن أربع وتسعين سنة ومحدث همذان أبو بكر هبة الله بن الفرج ابن أخي الطويل، ونحوي بغداد الشريف أبو السعادات هبة الله بن علي بن الشجري العلوي.
1081- 3/16
ابن العربي
العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد الإشبيلي.
ولد سنة ثمان وستين وأربعمائة، ورحل مع أبيه إلى المشرق، وسمع أبا عبد الله بن طلحة النعالي وطراد بن محمد الزينبي ونصر بن البطر وطبقتهم ببغداد، وأبا الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، وأبا الفضل بن الفرات وطبقتهما بدمشق، وخاله الحسن بن عمر الهوزني وطائفة بالأندلس، والقاضي أبا الحسن الخلعي ومحمد بن عبد الله بن أبي داود الفارسي وعدة بمصر، والحافظ مكي بن عبد السلام الرميلي ببيت المقدس؛ وتخرج بالإمام أبي حامد الغزالي والعلامة أبي زكريا التبريزي والفقيه أبي بكر الشاشي، وجمع وصنف وبرع في الأدب والبلاغة وبعد صيته.
روى عنه عبد الخالق بن أحمد اليوسفي وابن صابر الدمشقي وأخوه وأحمد بن خلف الإشبيلي القاضي والحسن بن علي القرطبي وأبو بكر محمد بن عبد الله ابن الجد الفهري ومحمد بن إبراهيم بن الفخار ومحمد بن يوسف بن سعادة ومحمد بن علي الكتامي ومحمد بن جابر الثعلبي ونخبة بن يحيى الرعيني والحافظ أبو القاسم السهيلي وعبد المنعم بن يحيى بن الحلوف الغرناطي وعلي بن أحمد بن لبال الشريشي وخلق كثير، وآخر من روى عنه بالإجازة في سنة ست عشرة وستمائة أبو الحسن علي بن أحمد الشقوري وأحمد بن عمر الخزرجي التاجر، وقد سمع بمكة من أبي عبد الله الحسين الطبري وأدخل الأندلس علمًا شريفًا وإسنادًا منيفًا، وكان متبحرًا في العلم ثاقب الذهن عذب العبارة موطأ الأكناف كريم الشمائل كثير الأموال، ولي قضاء إشبيلية فحمد وأجاد السياسة وكان ذا شدة وسطوة ثم عزل فأقبل على التصنيف ونشر العلم، أثنى عليه ابن بشكوال بأكثر من هذا وقال: أخبرني أنه رحل إلى المشرق سنة خمس وثمانين وأربعمائة، وسمعت بإشبيلية منه وقرطبة كثيرًا.
وقال غيره: كان أبوه من علماء الوزراء فصيحًا مفوهًا شاعرًا ماهرًا اتفق موته بمصر في أول سنة ثلاث وتسعين فرجع ولده أبو بكر إلى الأندلس وكان أبو بكر أحد من بلغ رتبة الاجتهاد فيما قيل. قال ابن النجار: حدث ببغداد بيسير، وصنف في الحديث والفقه والأصول وعلوم القرآن والأدب والنحو والتواريخ، واتسع حاله وكثر إفضاله ومدحته الشعراء وعلى إشبيلية سور أنشأه من ماله.
وذكره أبو يحيى أليسع بن حزم وبالغ في تعظيمه وتقريظه قال: فولي القضاء فمحن، وجرى في إعراض الإمارة فلحق وأصبح تتحرك بآثاره الألسنة، ويأتي بما أجراه القدر عليه النوم والسنة، وما أراد إلا خيرًا نصب الشيطان عليه شباكه وسكن الإدبار حراكه، فأبداه للناس صورة تذم وسوءة تبلى لكونه تعلق بأذيال الملك ولم يجر مجرى العلماء في مجاهرة السلاطين وحربهم بل داهن، ثم انتقل إلى قرطبة معظمًا مكرمًا حتى حول إلى العدوة فقضى نحبه.
قرأت بخط ابن مسدي في معجمه: أنا أحمد بن محمد بن مفرج البناني سمعت الحافظ ابن الجد وغيره يقولون: حضر فقهاء إشبيلية أبو بكر بن المرجي وفلان وفلان حضر معهم ابن العربي فتذاكروا حديث المغفر فقال ابن المرجي: لا يعرف إلا من حديث مالك عن الزهري؛ فقال ابن العربي: قد رويته من ثلاث عشرة طريقًا غير طريق مالك؛ فقالوا: أفدنا هذا؛ فوعدهم ولم يخرج لهم شيئًا وفي ذلك يقول خلف بن حبر الأديب:
يا أهل حمص ومن بها أوصيكم بالبر والتقوى وصية مشفق
فخذوا عن العربي أسمار الدجى وخذوا الرواية عن إمام متقي
إن الفتى حلو الكلام مهذب إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق
قلت: هذه حكاية ساذجة لا تدل على جرح صحيح، ولعل القاضي وهم وسرى فكره إلى حديث فظنه هذا والشعراء يخلقون الإفك.
قال ابن بشكوال: توفي ابن العربي بالعدوة بفاس في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. وفيها أرخه الحافظ ابن المفضل والقاضي ابن خلكان، وفي تاريخ ابن النجار في نسخة نقلت منها: سنة ست وأربعين؛ والأول الصحيح.
وفي سنة ثلاث مات المعمر أبو تمام أحمد بن أبي العز محمد بن المختار ابن المؤيد بالله العباسي التاجر السفار المعروف بابن الخص بنيسابور وهو راوي "صفة المنافق" بتلك الديار، والفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن نبهان الغنوي الرقي، والمحدث الرحال أبو علي الحسن بن مسعود ابن الوزير الدمشقي كهلا بمرو، والمسند أبو القاسم الخضر بن الحسين بن عبدان الدمشقي، وقاضي القضاة الأكمل أبو القاسم علي بن نور الهدى أبي طالب الحسين بن محمد الزينبي الهاشمي، وأبو غالب محمد بن علي ابن الداية صاحب ابن المسلمة، ومفيد بغداد المكثر الجماعة أبو بكر المبارك بن كامل بن أبي غالب الظفري الخفاف عن ثلاث وخمسين سنة، والمسند أبو الدر ياقوت الرومي السفار الراوي عن الصريفيني، والزاهد الشهيد أبو الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي المالكي المقبور بمقبرة باب الصغير.
أخبرنا محمد بن جابر أنا أبو العباس أحمد بن الغماز بقراءتي أنا أبو الربيع بن سالم الحافظ أنا عبد الرحمن بن محمد بن خنيس ثنا الحافظ أبو بكر محمد بن العربي أنا طراد بن محمد ثنا هلال بن محمد ثنا الحسين بن يحيى ثنا أبو الأشعث ثنا بشر بن المفضل ثنا شعبة عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: "من جر ثوبًا من ثيابه من مخيلة، فإن الله لا ينظر إليه". وأخبرناه عاليًا إسماعيل بن عبد الرحمن أنا أبو محمد بن قدامة أنا خطيب الموصل وشهدة وتجني الوهبانية قالوا: أنا طراد.
1082- 4/16
السلفي
الحافظ العلامة شيخ الإسلام أبو طاهر عماد الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواآني.
وجرواآن من محال أصبهان، وسلفة لقب لجده أحمد، ومعناه الغليظ الشفة، كان أبو طاهر لا يحرر عام مولده، وقد قال: كتبوا عني بأصبهان في أول سنة اثنتين وتسعين وأنا ابن سبع عشرة سنة أو نحوها، ليس في وجهي شعرة. وقال أيضًا: أذكر قتل نظام الملك في سنة خمس وثمانين وكنت ابن عشر.
قلت: أول سماعه في سنة ثمانين، سمع الرئيس القاسم بن الفضل الثقفي عبد الرحمن بن محمد بن يوسف القصري وسعيد بن محمد الجوهري ومكي بن منصور السلار ومحمد بن محمد بن عبد الوهاب المديني وأبا مطيع الصحاف وأبا العباس بن أشتة وخلائق بأصبهان، ورحل إلى بغداد سنة ثلاث وتسعين فسمع من نصر بن البطر، وفرح بلقيه، ومن أبي بكر الطوسي والحسين بن علي بن البسري وطبقتهم، وبالكوفة من أبي البقاء الحبال، وبمكة من الحسين بن علي الطبري، وبالمدينة أبا الفرج القزويني، وبالبصرة من محمد بن جعفر العسكري، وبزنجان من أبي بكر أحمد بن محمد بن زنجويه، وبهمذان من أبي غالب أحمد بن محمد العدل، وبالري من صاحب البحر أبي المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الشافعي، وبقزوين من إسماعيل بن عبد الجبار المالكي، وبمراغة من سعد بن علي المصري، وبدمشق من أبي طاهر الحنائي، وبنهاوند من أبي منصور محمد بن عبد الرحمن بن غزو، وبأبهر من أبي سعيد عبد الرحمن بن ملكان الشافعي، وبواسط من أبي نعيم بن زيزب، وبسلماس من محمد بن سعادة الهلالي، وبالحلة من محمد بن الحسن بن فدويه الكوفي، وبشهرستان من أبي الفتح أحمد بن محمد بن رشيد الأدمي، وبالإسكندرية من أبي القاسم بن الفحام الصقلي؛ وبقي في الرحلة بضع عشرة سنة، وسمع ما لا يوصف كثرة، ونسخ بخطه الصحيح السريع وهو في غضون ذلك يقرأ القرآن والفقه والعربية وغير ذلك وكان متقنًا متثبتًا دينًا خيرًا حافظًا ناقدًا مجموع الفضائل انتهى إليه علو الإسناد.
وروى الحفاظ عنه في حياته؛ وله ثلاثة معاجم؛ معجم لمشيخة أصبهان في مجلد يكونون أزيد من ستمائة شيخ، ومعجم لمشيخة بغداد وهو كبير، ومعجم لباقي البلاد سماه معجم السفر؛ ركب من بلد صور في البحر إلى الإسكندرية في سنة إحدى عشرة فاستوطنها خمسًا وستين سنة إلى أن مات ما خرج منها سوى خرجته إلى القاهرة للسماع من أبي الصادق مرشد بن يحيى المديني وطبقته.
سمع منه أبو علي البرداني الحافظ والكبار، وحدث عنه الحافظ محمد بن طاهر ومات قبله بستين عامًا والمحدث سعد الخير الأندلسي وأبو العز محمد بن علي المُلقاباذي والضياء بن هبة الله ابن عساكر ويحيى بن سعدون القُرطُبي وخلق مثلهم ممن مات قبله، وقد روى عنه القاضي عياض بالإجازة ومات قبله بدهر؛ وممن روى عنه الحافظ عبد الغني المقدسي وعلي بن المفضل وربيعة اليمني وعبد القادر الرهاوي؛ والشيوخ، ابن راحج المقدسي وعبد القوي بن الجباب وعبد الغافر المحلي والفخر الفارسي والحسن بن أحمد الأوقي ومحمد بن عماد ومرتضى بن حاتم وأبو القاسم الصفراوي وأبو الفضل الهمذاني وعبد الرحيم بن الطفيل ويوسف بن المخيلي ومنصور بن الدماغ والعلم بن الصابوني وعبد الوهاب بن رواح ويوسف الساوي وأبو الحسين بن الجميزي وأبو القاسم بن رواحة وأبو القاسم عبد الرحمن بن مكي سبط السلفي وخلائق، وأبو بكر محمد بن السفاقسي وعاش في حضور....... المسلسل بالأولية إلى سنة أربع وخمسين، وبقي بعدهم طائفة كعثمان ابن خطيب القرافة وغير واحد بالإجازة.
قال الأوقي: سمعته يقول: لي ستون سنة ما رأيت منارة الإسكندرية إلا من هذه الطاقة.
قال ابن المفضل: عدة شيوخ الحافظ بأصبهان فوق الستمائة شيخ، وخرج إلى بغداد وله عشرون سنة أو أقل أو أكثر فمشيخته في بغداد في خمسة وثلاثين جزءًا؛ قال: وله تصانيف كثيرة، وكان ينظم الشعر ويثيب من يمدحه، إلى أن قال: ولقي في القراءات ابن سوار وأبا منصور الخياط وأبا الخطاب بن الجراح، سمعته يقول: متى لم يكن الأصل بخطي لم أفرح به.
وكان جيد الضبط كثير البحث عما يشكل، وكان أوحد زمانه في علم الحديث وأعرفهم بقوانين الرواية والتحديث، جمع بين علو الإسناد وعلو الانتقاد وبذلك تفرد عن أبناء جنسه؛ قال السمعاني في الذيل: أبو طاهر ثقة ورع متقن ثبت فهم حافظ له حظ من العربية كثير الحديث حسن البصيرة فيه.
أنبأنا جماعة عمن سمع أبا سعيد عبد الكريم بن محمد الحافظ ثنا أبو العلاء أحمد بن محمد بن الفضل الحافظ، سمعت محمد بن طاهر المقدسي، سمعت أبا طاهر الأصبهاني وكان من أهل الصنعة يقول: كان أبو حازم العبدوي إذا روى عن أبي سعد الماليني يقول: ثنا أحمد بن حفص الحدثي، هذا أو نحوه.
قال أبو سعد: وقد صحب السلفي والدي ببغداد مدة ثم ركب من صور في البحر إلى مصر وأجاز لي. وعن ابن ناصر قال: كان السلفي ببغداد كأنه شعلة نار في التحصيل. قال عبد القاهر الرهاوي: كان له عند ملوك مصر الجاه والقوة والكلمة النافذة مع مخالفته لهم في المذهب، وكان لا يبدو منه جفوة لأحد ويجلس للحديث ولا يشرب ماء ولا يبزق ولا يتورك ولا يبدو له قدم وقد جاوز المائة، بلغني أن سلطان مصر حضر عنده ليسمع فشرع يتحدث مع أخيه فزبرهما وقال: أيش هذا؟ نقرأ الحديث وأنتما تتحدثان. وبلغني أنه مدة مقامه بالإسكندرية ما خرج إلى فرجة إلا مرة واحدة، وما تكاد تدخل إلا تراه مطالعًا في شيء وكان حليمًا.
ولما دخل الثغر رآه الفضلاء والكبراء فاستحسنوا علمه وأخلاقه وآدابه فأكرموه وخدموه. وحدثني بعض رفقائي عن ابن شافع قال: السلفي شيخ العلماء. وسمعت بعض فضلاء همذان يقول: السلفي أحفظ الحفاظ. قال ابن عساكر: سمعت بقراءة السلفي من جماعة ولم أظفر بالسماع منه.
تزوج في الإسكندرية امرأة ذات بستان وحصلت له ثروة بعد فقر وتصوف وصارت له بالثغر وجاهة وبنى له العادل علي بن إسحاق بن السلار أمير مصر مدرسة ووقف عليها. قال عبد القادر: كان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر أزال من جواره منكرات كثيرة، رأيته منع القراء بالألحان وقال: هذه القراءة بدعة، اقرءوا ترتيلا، فقرءوا.
نقلت من خط الحافظ عبد الغني نقل خطوط المشايخ للسلفي بالقراءات وأنه قرأ بحرف عاصم على أبي سعد المطرز، وقرأ لحمزة والكسائي على أبي محمد بن أبي نصر القصار، وقرأ لقالون على نصر بن محمد الشيرازي، ولقنبل على عبد الله بن أحمد الخرقي، وقد قرأ عليهم في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وبعدها. وقال ابن نقطة: كان السلفي جوالا في الآفاق حافظًا ثقة متقنًا أحضروا له نسخة سعد الخير بالمجتبى للنسائي ليرويه فاجتذبها من يد القارئ بغيظ وقال: لا أحدث إلا من أصلي.
قال ابن المفضل: حفظت أسماء وكنى ثم ذاكرت السلفي فجعل يذكرها حفظًا، وقال: ما هذا مليح، أنا شيخ كبير في هذه البلدة لا يذاكرني أحد وحفظي هكذا. قال العماد في الخريدة: طوف السلفي بلادًا وشدت إليه الرحال وتبرك به الملوك والأقيال وله شعر ورسائل ومصنفات.
قال الحافظ عبد العظيم: كان السلفي مغرى بجمع الكتب وما حصل له من المال يخرجه في ثمنها، كان عنده خزائن كتب لا يتفرغ للنظر فيها فعفنت وتلصقت لنداوة البلد فكانوا يخلصونها بالفأس فتلف أكثرها. ومما شوهد بخطه: مولدي سنة اثنتين وسبعين تخمينًا لا يقينًا. قال حماد بن هبة الله: سمعت السلفي يقول: دخلت بغداد في شوال سنة ثلاث وتسعين، فساعة دخولي لم يكن لي هم إلا ابن البطر فذهبت إليه وكان شيخًا عسرًا فقلت: قد جئت من أصبهان لأجلك، فقال: اقرأ، وجعل الراء غينًا، فقرأت عليه وأنا متكئ من دماميل، فقال: أبصر ذا الكلب، فاعتذرت بالدماميل وبكيت من قوله وقرأت سبعة عشر حديثًا وخرجت ثم قرأت عليه نحوًا من خمسة وعشرين جزءًا، ولم يكن بذاك.
أخبرنا ابن علان إجازة عن القاسم بن علي ابن عساكر أنا أبي أنشدنا أبو سعد السمعاني بدمشق أنشدنا أبو العز محمد بن علي أنشدنا أبو طاهر أحمد بن محمد الحافظ لنفسه بميافارقين:
إن علم الحديث علم رجال تركوا الابتداع للاتباع
فإذا جن ليلهم كتبوه وإذا أصبحوا غدوا للسماع أنشدنا بعلو أبو الحسين اليونيني أنا جعفر بن علي أنشدنا السلفي، فذكرهما. قال الوجيه عيسى بن عبد العزيز اللخمي: توفي السلفي صبيحة الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة وله مائة وست سنين وحدث ليلة موته، وهو يرد اللحن الخفي على القارئ وصلى الصبح ومات فجأة. قلت: لم يبلغ مائة وست سنين بل مائة وسنتين أو نحو ذلك مع الجزم بأنه كمل المائة.
قال ابن خلكان القاضي: كانت ولادته سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة تقريبًا.
ومات معه في العام الشريف أبو المفاخر سعيد بن الحسين الهاشمي العباسي المامرني النيسابوري راوي صحيح مسلم بمصر، والمسند أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن صابر الأزدي الدمشقي بها، والمسند أبو الفهم عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد بن أبي العجائز الأزدي بدمشق، والعلامة حجة العرب أبو الحسن علي بن عبد الرحيم بن الحسين العصار السلمي ببغداد وآخرون.
أخبرنا علي بن محمد الحافظ أنا أحمد بن محمد البصري أنا أحمد بن محمد الحافظ أنا القاسم بن الفضل أنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد القاضي إملاء أنا عبد الله بن جعفر بن أحمد ثنا أحمد بن عصام ثنا أبو عامر العقدي ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله، ﷺ: "طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية". أخرجه مسلم من حديث الثوري.
1083- 5/16
عياض
بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض القاضي العلامة عالم المغرب، أبو الفضل اليحصبي السبتي الحافظ: مولده بسبتة في سنة ست وسبعين وأربعمائة وأصله أندلسي، تحول جده إلى فاس ثم سكن سبتة، أجازه القاضي الحافظ أبو علي الغساني، وكان يمكنه السماع منه وهو ابن عشرين سنة وإنما دخل القاضي إلى الأندلس بعد موته فأخذ عن محمد بن حمدين وأبي علي بن سكرة وأبي الحسين بن سراج وأبي محمد بن عتاب وهشام بن أحمد وأبي بحر بن العاص وخلق وتفقه بأبي عبد الله محمد بن عيسى التميمي والقاضي أبي عبد الله محمد بن عبد الله المسيلي، وصنف التصانيف التي سارت بها الركبان واشتهر اسمه وبعد صيته.
قال ابن بشكوال: هو من أهل العلم والتفنن والذكاء والفهم استقضى بسبتة مدة طويلة حمدت سيرته فيها ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة فلم تطل مدته فيها وقدم علينا قرطبة فأخذنا عنه.
قال الفقيه محمد بن حمادة السبتي: جلس القاضي للمناظرة وله نحو من ثمان وعشرين سنة، وولي القضاء وله خمس وثلاثون سنة، فسار بأحسن سيرة، كان هينًا من غير ضعف صليبًا في الحق، تفقه على أبي عبد الله التميمي وصحب أبا إسحاق بن جعفر الفقيه ولم يكن أحد بسبتة في عصره أكثر تواليف منه.
وله كتاب "الشفاء في شرف المصطفى" وكتاب "ترتيب المدارك وتقريب المسالك في ذكر فقهاء مذهب مالك" وكتاب "العقيدة" وكتاب "شرح حديث أم زرع" وكتاب "جامع التاريخ" الذي أربى على جميع المؤلفات جمع فيه أخبار ملوك الأندلس والمغرب واستوعب فيه أخبار سبتة وعلماءها، وله كتاب "مشارق الأنوار في اقتفاء صحيح الآثار" من الموطأ والصحيحين، إلى أن قال: وحاز من الرياسة في بلده ومن الرفعة ما لم يصل إليه أحد قط من أهل بلده، وما زاده ذلك إلا تواضعًا وخشية لله، وله من المؤلفات الصغار أشياء لم نذكرها.
قال القاضي شمس الدين بن خلكان: هو إمام الحديث في وقته وأعرف الناس بعلومه وبالنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم، قال: ومن تصانيفه كتاب "الإكمال في شرح مسلم" كمل به كتاب "المعلم" للمازري ومنها كتاب "مشارق الأنوار" في تفسير غرائب الحديث، وكتاب "التنبيهات" فيه فوائد وغرائب، وكل تواليفه بديعة، وله شعر حسن، فمنه ما رواه عنه ابنه قاضي دانية أبو عبد الله محمد بن عياض:
انظر إلى الزرع وخاماته تحكى وقد ماست أمام الرياح
كتيبة خضراء مهزومة شقائق النعمان فيها جراح قلت: روى عنه خلق كثير منهم عبد الله بن محمد الأشيري وأبو جعفر بن القصير الغرناطي وأبو القاسم خلف بن بشكوال وأبو محمد بن عبيد الله الحجري ومحمد بن الحسن الجابري. قال ابن بشكوال: توفي القاضي عياض مغربًا عن وطنه في وسط سنة أربع وأربعين وخمسمائة. قال ولده محمد: توفي في ليلة الجمعة نصف الليلة التاسعة من جمادى الآخرة ودفن بمراكش.
قلت: وفيها مات العلامة أبو جعفر أحمد بن علي بن أبي جعفر البيهقي صاحب التصانيف، وقاضي تُستر القاضي أبو بكر أحمد بن محمد بن حسين الأرجاني شاعر وقته، والمسند أبو المحاسن سعد بن علي بن الموفق الهروي، والإمام أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المرادي القُرطُبي محدث حلب.
أخبرنا القاضي معين الدين علي بن أحمد بن أبي الحسن بالإسكندرية أنا محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري بقراءتي عن عبد الله بن محمد بن عبيد الله الحافظ "ح" وأنا أبو القاسم محمد بن أحمد بن محمد بن عمران الحضرمي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الغافقي مرارًا أنا محمد بن عبد الله الأزدي أنا محمد بن الحسن بن عطية الجابري قالا: أنا عياض بن موسى الحافظ قال: ثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عيسى التميمي وأبو الوليد هشام بن أحمد الفقيه قالا: ثنا أبو علي الغساني ثنا أبو عمر النمري ثنا ابن عبد المؤمن ثنا أبو بكر التمار ثنا أبو داود ثنا محمد بن سلمة ثنا ابن وهب عن حيوة وابن لهيعة وسعيد بن أبي أيوب عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي ﷺ يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليَّ؛ فإنه من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة". [2]
1084- 6/16
الرشاطي
عبد الله بن علي بن عبد الله بن علي بن أحمد الحافظ النسابة أبو محمد اللخمي المري المعروف بالرشاطي.
قال أبو جعفر بن الزبير: روى عن أبي علي الغساني وأبي الحسن ابن أخي الدش وأبي علي الصدفي وابن فتحون وجماعة وألف كتابه الحافل المسمى ب "اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب رواة الآثار" وكتاب "الإعلام لما في المختلف والمؤتلف للدارقطني من الأوهام" وانتصاره من القاضي أبي محمد بن عطية وغير ذلك وكان ضابطًا محدثًا متقنًا إمامًا مفيدًا ذاكرًا للرجال حافظًا للتاريخ والأنساب فقيهًا بارعًا أحد الجلة المشار إليهم، روى عنه أبو محمد عبيد الله وأحمد بن حبر وابن مضا وابن خالد بن رفاعة وأبو محمد عبد الرحيم وأبو بكر بن أبي حمزة، واستشهد عند دخول العدو المرية في جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، وكان مولده في سنة ست وأربعمائة، وقال ابن عاف: في سنة خمس وستين وأربعمائة؛ والأول أصح.
1085
الجوزقاني
الحافظ الإمام أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن حسين بن جعفر الهمذاني مصنف كتاب "الأباطيل".
وهو محتوٍ على أحاديث موضوعة وواهية طالعته واستفدت منه مع أوهام فيه، وقد بين بطلان أحاديث واهية بمعارضة أحاديث صحاح لها، سمع عبد الرحمن بن حمد الدوني وهو أكبر شيخ له ويحيى بن أحمد الغضائري ومحمد بن طاهر المقدسي وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن وشيرويه بن شهردار الديلمي وأحمد بن عباد البروجردي وأبا زكريا يحيى بن منده وعبد الملك بن بنجير وحمد بن نصر وطائفة سواهم، ومن صغار شيوخه عبد الخالق بن أحمد اليوسفي، روى هذا الكتاب عنه ابن أخته نجيب بن غانم الطيان فحدث به نجيب في سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
وأما الجوزقاني صاحب الترجمة فلا أعلم متى توفي، ثم رأيته في تاريخ ابن النجاروان بن مشق ضبط وفاته في سادس عشر رجب سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. قال ابن النجار: وجوزقان ناحية من همذان كتب وحصل وصنف عدة كتب في علم الحديث منها كتاب "الموضوعات" أجاد تصنيفه روى لنا عنه عبد الرزاق الجيلي.
1086- 8/16
الفامي
الحافظ أبو النصر عبد الرحمن بن عبد الجبار بن عثمان بن منصور الهروي محدث هراة.
ولد سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة بهراة، وسمع أبا عبد الله محمد بن علي العميري ونجيب بن ميمون الواسطي وأبا عامر محمود بن القاسم الأزدي وشيخ الإسلام أبا إسماعيل الأنصاري وعدة، وفي الرحلة من أبي القاسم بن الحصين وهبة الله بن علي البخاري، ذكره السمعاني في تاريخه فقال: كان ببغداد حسن السيرة جميل الطريقة دمث الأخلاق كثير الصدقة والصلاة دائم الذكر متوددًا متواضعًا، له معرفة بالحديث والأدب يكرم الغرباء ويفيدهم عن الشيخ وكان ثقة مأمونًا كتبت عنه بهراة ونواحيها، مات في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة ست وأربعين وخمسمائة. قلت: لقبه ثقة الدين، وروى عنه الحافظان ابن عساكر والسمعاني وأبو روح عبد المعز الهروي، وله تاريخ صغير.
وفيها مات المسند أبو المعالي أحمد بن محمد بن عثمان المذاري ببغداد سمع أبا علي بن البناء، والمسند الفقيه أبو سعد عمر بن علي بن الحسين المحمودي البلخي صاحب الوخشى، والمسند نوشتكين بن عبد الله الرضواني البغدادي، ومسند خراسان الخطيب أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن أبي القاسم القشيري.
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء عن عبد المعز بن محمد أنا الحافظ ثقة الدين أبو النضر عبد الرحمن بن عبد الجبار الفامي أنا زيد بن الفضل أنا علي بن أبي طالب الخوارزمي أنا أبو علي الرفاء ثنا معاذ بن المثنى ثنا مسدد ثنا سفيان عن الزهري عن أنس أن النبي ﷺ نهى عن الدباء والمزفت أن ينتبذ فيه.
1087- 9/16
ابن الدباغ
الحافظ أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز بن يوسف بن عمر بن فيرة، وقيل: إبراهيم بدل عمر، اللخمي الأندلسي الأندي محدث مرسية، لا بل محدث الأندلس.
استوعب أخباره ابن الزبير فقال: هو أحد الأئمة المهرة المتقنين في صناعة الحديث وجهابذة النقاد اعتمد أبا علي بن سكرة وأكثر عنه وعن أبي عبد الله أحمد بن محمد الخولاني وابن عتاب وخلف بن إبراهيم بن النحاس وعبد القادر بن محمد الصدفي، واعتمده الناس فيما قيد لإمامته وإتقانه، وعول عليه الجُلة، وكان من آخر أئمة المحدثين بالأندلس وكان سمحًا مؤثرًا على قلة ذات يده، نزه النفس، ولي خطابة مرسية وقتًا ثم ولي قضاء دانية.
قال أبو العطاء وهب بن نذير: هو خاتمة أئمة المحدثين، وله تواليف، أكثر عنه ابن بشكوال وأبو بكر بن أبي جمرة، وقال ابن بشكوال: روى عن أبي علي الصدفي كثيرًا ولازمه طويلا، وأخذ عنه جماعة من شيوخنا وكان من أنبل أصحابنا وأعرفهم بطريقة الحديث وأسماء الرجال وأزمانهم وضعفائهم وثقاتهم وأعمارهم وآثارهم، من أهل العناية الكاملة بتقييد العلم ولقاء الشيوخ، لقي منهم كثيرًا وكتب عنهم، شُوور في الأحكام ببلده ثم خطب به وقتًا، وقال لي: إن مولده سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.
قلت: حدث عنه ابن بشكوال والوزير أبو عبد الملك مروان بن عبد العزيز التجيبي البلنسي وأحمد بن أبي المطرف البلنسي وأحمد بن سلمة اللورقي ومحمد بن أبي الحسن بن هذيل وآخرون. وله جزء لطيف في أسماء الحفاظ، عاش خمسًا وستين سنة رأيت برنامجه وفيه كتب كبار كثيرة من مروياته.
أخبرنا أبو الحسين اليونيني أنا أبو الخطاب عمر بن حسين الكلبي أنا القاضي أبو عبد الملك مروان بن عبد العزيز التجيبي ثنا الحافظ أبو الوليد يوسف بن عبد العزيز اللخمي قال: الطبقة الأولى من أئمة المحدثين محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. قلت: فبدأ به إلى أن ختم الجزء بأبي طاهر السلفي. توفي ابن الدباغ في سنة ست وأربعين وخمسمائة كالذي قبله، وأعلى شيء عنده الموطأ قرأه على الخولاني في حدود سنة إحدى وخمسمائة بسماعه من عثمان بن أحمد القشطالي صاحب أبي عيسى بن عبد الله الليثي وسمع من ابن سكرة الصحيحين وسنن الدارقطني والموطأ وسنن أبي داود والعلل للدارقطني ومائة جزء من مسند يعقوب السدوسي ومسند البزار في تسعين جزءًا وجامع الترمذي وغير ذلك، الجميع سمعه من أبي علي حتى إنه سمع منه كتاب الغريبين للهروي والسنن للباجي ومعجم ابن قانع ومعظم تاريخ ابن أبي خيثمة، وسمع النسائي من ابن عتاب ومسند أبي بكر بن أبي شيبة سمعه من يونس بن مغيث. فأنبأني أحمد بن سلامة عن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي قال: أنا أبو الوليد بن الدباغ سماعًا لجميع الموطأ بقراءة أبي قال: قرأته على الخولاني بسنده، والكتاب سماع التاج بن أبي جعفر سمعه منه المحدث أبو محمد الحرائري.
1088- 10/16
السبحي
الحافظ الإمام محدث مرو وخطيبها أبو طاهر محمد بن أبي بكر محمد بن عبد الله بن أبي سهل المروزي السبحي.
مولده بقرية سبح الكبيرة في حدود سنة ثلاث وستين وأربعمائة، وسمع الكثير ورحل وتفقه أولا على العلامة أبي المظفر السمعاني وعبد الرحمن الزاز؛ قال أبو سعد السمعاني: كان إمامًا ورعًا متهجدًا متواضعًا سريع الدمعة، سمع إسماعيل بن محمد الزاهري ومحمد بن علي الشاشي الفقيه وعلي بن أحمد المديني الأخرم ونصر الله بن أحمد الخشنامي والشريف محمد بن عبد السلام الأنصاري وثابت بن بندار البقال وجعفر بن أحمد السراج وأبا البقاء المعمر بن محمد الحبال والحافظ أحمد بن محمد بن أحمد بن مردويه الأصبهاني وأبا سعد المطرز وعبد الرحمن بن أحمد الدوني وطبقتهم بخراسان وبغداد والكوفة والحجاز وأصبهان، وكان رفيق والدي في الرحلة ومن أخص أصحابه نسخ لنفسه ولغيره، وله معرفة بالحديث وهو ثقة دين قانع بما هو فيه كثير التلاوة حج مع والدي وسمعت من لفظه الكثير وكان يلي الخطابة في الجامع الأقدم.
قلت: سمع منه عبد الرحيم بن أبي سعد مع والده "صحيح مسلم" و"النسائي" و"الرقاق" لابن المبارك و"الحلية" لأبي نعيم والأحاديث الألف لشيخه أبي المظفر السمعاني، مات في شوال سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
وفيها مات شيخ الصوفية بمرو الخطيب أبو الفتح محمد بن عبد الرحمن بن محمد الكشميهني خاتمة من روى عن أبي الخير محمد بن عمران الروزي صحيح البخاري، وشيخ بغداد القدوة المعمر أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أحمد بن الطلاية، ومفيد بغداد الإمام أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي عن أربع وثمانين سنة، والمحدث الصادق أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الكروجي الهروي المجاور، والمسند أبو المعالي الفضل ابن المحدث سهل بن بشر الأسفراييني ثم الدمشقي الملقب بالأثير، والمسند أبو طالب محمد بن عبد الرحمن بن محمد الحيري الكنجرودي النيسابوري الجزباراني عن ست وثمانين سنة، ومسند بغداد أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن أبي شريك الحاسب صاحب ابن النقور، وبركة والشام القدة أبو الحسين بن أبي عبد الله بن حمزة الزاهد المقدسي بحلب، والمسند أبو القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل بن مطكود السوسي بدمشق، وشاعر العصر العلامة أبو عبد الله محمد بن نصر بن صغير بن خالد القيسراني، والأديب البارع أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد الطرابلسي الرفاء الشاعر المحسن، والعلامة أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني صاحب الملل والنحل ومفتي خراسان الإمام أبو سعد محمد بن يحيى بن أبي منصور الشافعي النيسابوري ميحي الدين تلميذ الغزالي، فسبحانه ورث الأرض ومن عليها.
أخبرنا أحمد بن هبة الله بقراءتي عن عبد الرحيم بن عبد الكريم أنا أبو طاهر السبحي أنا فقيه الشاش أبو بكر محمد بن علي بن حامد قدم علينا أنا أبو الفضل الكاغذي أنا الهيثم بن كليب ثنا أبو قلابة ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله، ﷺ: "من سألكم فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه".
1089- 11/16
كوتاه
الحافظ الإمام المفيد أبو مسعود عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد الأصبهاني الملقب بكوتاه.
سمع أبا بكر بن ماجه الأبهري ورزق الله التميمي والرئيس أبا عبد الله الثقفي وأحمد بن عبد الرحمن الذكواني وطبقتهم فأكثر.
قال أبو موسى المديني: أوحد وقته في علمه مع حسن طريقته وتواضعه، حدثنا لفظًا وحفظًا على منبر وعظه سنة سبع عشرة، وقال لي: ولدت سنة ست وسبعين وأربعمائة.
قال السمعاني: هو من أولاد المحدثين حسن السيرة مكرم للغرباء فقير قنوع صحب والدي مدة مقامه بأصبهان وسمع بقراءته الكثير، وله معرفة بالحديث وهو من مقدمي أصحاب شيخنا إسماعيل الحافظ حضرت مجلس أماليه، وسمعت أبا القاسم الحافظ بدمشق يثني عليه ثناء حسنًا ويفخم أمره ويصفه بالحفظ والإتقان. قلت: وسمع بنيسابور من عبد القاهر الشيروي، وببغداد من طائفة، وكان يقول: ينزل بذاته فهجره شيخه إسماعيل لإطلاق هذه العبارة، وقد روى عنه الحافظ ابن عساكر والحافظ يوسف الشيرازي، وبالإجازة كريمة الزبيرية.
أنبئونا عمن سمع أبا سعد الحافظ ثنا عبد الخالق بن زاهر ثنا صاعد بن سنان الحافظ ثنا عبد الجليل بن محمد بن عبد الواحد بمدينة النبي ﷺ أنا روح بن محمد أنا أبو الحسن الجرجاني أنا ابن خُرَّزاد ثنا علي بن روحان ثنا أحمد بن سنان سمعت شيبان بن يحيى يقول: ما أعلم طريقًا إلى الجنة أقصد ممن يسلك طريق الحديث. وقد بقيت كريمة بعد صاعد مائة وعشرين سنة، وهذا يدخل في فن السابق واللاحق.
أخبرنا محمد بن الحسن الفقيه أخبرتنا كريمة أنا عبد الجليل بن محمد في كتابه أنا رزق الله بن عبد الوهاب أنا الحسن بن أحمد أنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب ثنا صالح بن موسى ثنا يحيى بن يحيى قرأت على مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة المغرب، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون". [3]
توفي كوتاه الحافظ بأصبهان في شعبان سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة.
وفيها مات مسند زمانه الإمام أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي ببغداد عن خمس وتسعين سنة، والمسند أبو الحسن علي ابن عساكر بن سرور الدمشقي الخشاب بدمشق، والعلامة أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور بن الصفار النيسابوري، ومقرئ واسط وإمام جامعها أبو الفتح المبارك بن أحمد بن زريق الحداد الواسطي، والمسند الأديب أبو المحاسن مسعود بن محمد بن غانم الهروي وله إجازة القشيري.
1090- 12/16
السمعاني
الحافظ البارع العلامة تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم ابن الحافظ تاج الإسلام معين الدين أبي بكر محمد ابن العلامة المجتهد أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر التميمي السمعاني المروزي، صاحب التصانيف.
ولد في شعبان سنة ست وخمسمائة وحمله والده إلى نيسابور في آخر سنة تسع فلحق بحضوره المعمر عبد الغفار بن محمد الشيرازي، وعبيد بن محمد القشيري وعدة، وحضر بمرو على أبي منصور محمد بن علي نافلة الكراعي، فمات أبوه سنة عشر وتربى مع أعمامه وأهله وحفظ القرآن والفقه ثم حبب إليه هذا الشأن وعني به ورحل إلى الأقاليم النائية؛ وسمع من أبي عبد الله الفراوي وزاهر الشحامي وطبقتهما بنيسابور، والحسين بن عبد الملك الخلال وسعيد بن أبي الرجاء وطبقتهما بأصبهان، وأبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وطبقته ببغداد، وعمر بن إبراهيم العلوي بالكوفة، وأبي الفتح المصيصي بدمشق، وببخارى وسمرقند وبلخ؛ وعمل المعجم في عدة مجلدات، وكان ذكيًّا فهمًا سريع الكتابة مليحها درس وأفتى ووعظ وأملى وكتب عمن دب ودرج، وكان ثقة حافظًا حجة واسع الرحلة عدلًا دينًا جميل السيرة حسن الصحبة كثير المحفوظ.
قال ابن النجار: سمعت من يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ وهذا شيء لم يبلغه أحد، وكان مليح التصانيف كثير النشوار والأناشيد لطيف المزاح ظريفًا حافظًا واسع الرحلة ثقة صدوقًا دينًا سمع منه مشايخه وأقرانه وحدثنا عنه جماعة. قلت: روى عنه ولده عبد الرحيم مفتي مرو وأبو القاسم ابن عساكر وابنه القاسم وعبد الوهاب ابن سكينة وعبد الغفار بن منينا وأبو روح عبد العزيز بن محمد الهروي وأبو الضوء شهاب الشذباني والافتخار عبد المطلب الحلبي وأبو الفتح محمد بن محمد الصائغ وخلق.
ذكر تصانيفه: نقل أسماءها ابن النجار من خطه، منها "الذيل" على تاريخ الخطيب أربعمائة طاقة، "تاريخ مرو" خمسمائة طاقة، "أدب الطلب" مائة وخمسون طاقة، "الإسفار عن الأسفار" خمس وعشرون طاقة، "الإملاء والاستملاء" خمس عشرة طاقة، "معجم البلدان" خمسون طاقة، "معجم الشيوخ" ثمانون طاقة، "تحفة المسافر" مائة وخمسون طاقة، "الهداية" خمس وعشرون طاقة، "عز العزلة" سبعون طاقة، "الأدب واستعمال الحسب" خمس طاقات، "المناسك" ستون طاقة، "الدعوات" أربعون طاقة، "الدعوات النبوية" خمس عشرة طاقة، "غسل اليدين" خمس طاقات، "أفانين البساتين" خمس عشرة طاقة، "دخول الحمام" خمس عشرة طاقة، "صلاة التصبيح" عشر طاقات، "التحايا" ست طاقات، "تحفة العيد" ثلاثون طاقة، "فضل الديك" خمس طاقات، "الرسائل والوسائل" خمس عشرة طاقة، "صوم البيض" خمس عشرة طاقة، "سلوة الأحباب" خمس طاقات، "التحبير في المعجم الكبير" ثلاثمائة طاقة، "فرط الغرام إلى ساكني الشام" خمس عشرة طاقة، "مقام العلماء بين يدي الأمراء" إحدى عشرة طاقة، "المسارات والمصافحة" ثلاث عشرة طاقة، "ذكرى حبيب رحل، وبشرى مشيب نزل" عشرون طاقة، "الأمالي الخمسمائة" مائتا طاقة، ""فوائد الموائد" مائتا طاقة، "فضل الهر" ثلاث طاقات"، "ركوب البحر" سبع طاقات، "الهريسة" ثلاث طاقات، "وفيات المتأخرين" خمس عشرة طاقة، ""الأنساب" ثلاثمائة وخمسون طاقة"، "الأمالي" ستون طاقة، "بخار بخور البخاري" عشرون طاقة، "تقديم الجفان إلى الضيفان" سبعون طاقة، "صلاة الضحى" عشر طاقات، "الصدق في الصداقة"، "الريح في التجارة"، "رفع الارتياب عن كتابة الكتاب" أربع طاقات، "النزوع إلى الأوطان" خمس وثلاثون طاقة، "تخفيف الصلاة" في طاقتين، "لفتة المشتاق إلى ساكن العراق" أربع طاقات، "من كنيته أبو سعد" ثلاثون طاقة، "فضائل الشام" في طاقتين، "فضل ياسين" في طاقتين.
وقد ذهب أبو سعد إلى بيت المقدس وزاره والنصارى يومئذ ولاته، وذكر في كتاب التحبير تراجم شيوخه فأفاد وأجاد طالعته، مات في ربيع الأول في أوله سنة اثنتين وستين وخمسمائة بمرو، وله ست وخمسون سنة.
وفيها مات مسند هراة أبو محمد عبد الجليل بن أبي سعد المعدل راوي جزء بيبي الهرثمية عنها، وخطيب دمشق وفقيهها أبو البركات الخضر بن شبل بن عبد الحارثي الشافعي عن ست وسبعين سنة، ومسند سجستان الإمام أبو عروية عبد الهادي بن محمد بن عبد الله بن عمر بن مأمون السجستاني الذي ارتحل إليه عبد القادر الرهاوي، وفقيه دمشق وفرضيها جمال الأئمة علي بن الحسين بن الحسن بن الماسح الكلابي عن أربع وسبعين سنة، ومحدث المشرق المعمر أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي ثم البلخي الفقيه عن سبع وثمانين سنة، والشيخ أبو عاصم قيس بن محمد السويقى بأصبهان لقي في حجه أبا الحسن بن العلاف، وواعظ مصر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ثابت الكيزاني، ومسند بغداد أبو المعالي محمد بن محمد بن محمد بن الحباب اللحاس الحريمي العطار وله سماع في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، والشيخ أبو طالب المبارك بن علي بن خضير الصيرفي ببغداد، والمسند أبو الفضل المبارك بن المبارك بن صدقة السمسار سمع من طراد، والمسند أبو محمد عبد الواحد بن الحسين بن البارزي ببغداد سمع النعالي وعدة، والمسند أبو الحسن علي بن مهدي الهلالي الطيب بدمشق، ومسند العراق أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن هلال الدقاق عن إحدى وتسعين سنة، ومسند الوقت الرئيس أبو الفرج مسعود بن الحسن بن القاسم بن الفضل الثقفي الأصبهاني في رجب عن مائة سنة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله أنا عبد المعز بن محمد إجازة أنا أبو سعد عبد الكريم بن محمد أنا عبد الغافر بن محمد حضورًا أنا أبو بكر الحيري ثنا أبو العباس المعقلي ثنا زكريا بن يحيى ثنا ابن عيينة عن الزهري عن أنس قال: قال رجل: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: "ما أعددتَ لها؟" فلم يذكر كبيرًا إلا أنه يحب الله ورسوله، قال: "فأنت مع من أحببتَ".
1091- 13/16
معمر بن عبد الواحد
بن رجاء بن عبد الواحد بن محمد بن الفاخر الحافظ الإمام مفيد أصبهان، أبو أحمد القرشي العبشمي السمري الأصبهاني المعدل الواعظ.
ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة، وسمع أبا الفتح أحمد بن محمد الحذاء وأبا المحاسن الروياني الفقيه وغانمًا البرجي وأبا علي الحداد وطبقتهم، وارتحل إلى بغداد فسمع أبا القاسم بن الحصين وأبا العز بن كادش وقاضي المرستان، وارتحل إلى بغداد سبع مرات وأسمع بها أولاده.
حدث عنه أبو سعد السمعاني وابن الجوزي والحافظ عبد الغني وابن قدامة والسهروردي وعمر بن جابر وابن الأخضر وأبو الحسن بن المقير وآخرون؛ وروى عنه بالإجازة الرشيد بن مسلمة؛ قال السمعاني: شاب كيس حسن العشرة سخي النفس متودد قاضٍ للحوائج أكثر ما سمعت بأصبهان كان بإفادته يدور معي من بكرة إلى الليل، شكر الله سعيه، ثم كان ينفذ إلي الأجزاء لأكتبها ويكتب لي وفاة الشيوخ وحدثني بجزء انتقاه لي عن شيوخه.
قال ابن الجوزي: كان معمر من الحفاظ الوعاظ له معرفة حسنة بالحديث كان يخرج ويملي سمعت منه بالمدينة النبوية. وقال ابن النجار: كان سريع الكتابة موصوفًا بالحفظ والمعرفة والصلاح والثقة والورع والمروءة، صنف كثيرًا في الحديث والتواريخ والمعاجم وكان معظمًا بأصبهان ذا قبول ووجاهة، مات ببادية الحجاز في ذي القعدة سنة أربع وستين وخمسمائة.
وفيها مات الواعظ أبو الحسن سعد الله بن نصر بن الدجاجي البغدادي المقرئ، والعالم المحدث الجوال أبو محمد عبد الخالق بن أسعد الدمشقي الحنفي صاحب المعجم، ومسند قرطبة أبو مروان عبد الرحمن بن محمد بن قزمان الفقيه عن خمس وثمانين سنة، وشيخ القراء العلامة القدوة أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسي عن ثلاث وتسعين سنة، وقاضي دمشق الإمام زكي الدين علي ابن القاضي المنتخب محمد بن الزكي بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القرشي الشافعي عن سبع وخمسين سنة ببغداد بعد حجه، ومسند بغداد أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد البطي الحاجب عن سبع وثمانين سنة، وزاهد العراق أبو عبد الله محمد بن عبد الملك الفارقي العارف.
أخبرنا العز بن الفراء بدمشق والعماد عبد الحافظ بنابلس قالا: ثنا الإمام أبو محمد بن قدامة سنة ست عشرة وستمائة أنا معمر بن عبد الواحد أنا أبو الفتح الحداد أنا ابن عبدكويه أنا الطبراني ثنا علي بن عبد العزيز ثنا القعنبي ثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، ﷺ: "لله أشد فرحًا بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته إذا وجدها". [4]
1092- 14/16
أبو الخير
الحافظ المتقن عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمدان بن موسى الأصبهاني.
قال ابن النجار: كان من حفاظ الحديث، سمعت جماعة من أصبهان يقولون: إنه كان يحفظ الصحيحين، وكانوا يفضلونه على الحافظ أبي موسى بالحفظ. قال ابن النجار: سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب، وكان موصوفًا بالفضل ومعرفة الحديث قدم بغداد في شبابه وفي كبره، حدث عن غانم بن محمد البرجي وأبي علي الحداد وجعفر الثقفي ومحمد بن عبد الواحد الدقاق وعبد الواحد بن محمد الدشنج وهبة الله بن الحصين وأبي العز بن كادش وخلق، أملى بجامع القصر باستملاء شيخنا ابن الأخضر وسألته عنه فأثنى عليه ووصفه بالحفظ والمعرفة وقال: كانوا يفضلونه على معمر بن الفاخر. قلت: وحدث عنه الحافظ عبد الغني والشيخ الموفق.
قال ابن النجار: أخرج لي شيخنا أبو عبد الله الحنبلي بأصبهان محضرًا في أبي الخير بن موسى وطلب من المشايخ أن يكتبوا حاله فيه، ففيه خط إسماعيل بن محمد الحافظ وأبي نصر الغازي ومحمد بن أبي نصر اللفتواني وأبي مسعود كوتاه وغيرهم كلهم شهدوا أنه لا يحتج بنقله ولا يقبل قوله ولا يوثق به في ديانته وسوء سيرته.
وقرأت في جزء بخط عبيد الله بن محمد بن عبد اللطيف الخُجندي سؤالا سأله الحافظ أبو موسى المديني عن إجازات البغداديين لمسعود بن الحسن الثقفي وهم ابن المأمون وأبو الحسين بن المهتدي بالله وأبو بكر الخطيب وابن النقور وتمام العشرة الذين نقلهم عبد الرحيم بن موسى وأحال على مواضع فطلبت فلم توجد وتكلم الناس في ذلك وسأله أيضًا عن إجازات ابن هاجر، وكتب أبو موسى الجواب: اغترت الأغرار بهذه الإجازات وضيعوا أوقاتهم في القراءة بها وبتسويف المدعي لها بإظهارها إلى أن تحقق بطلانها بعد طول المدة، والرجوع إلى الحق أولى، فمن قرأ بإجازة هؤلاء على الرئيس فقد ضل سعيه وخاب أمله وبطل عمله، وقد أشهد الرئيس على نفسه ببطلان بعضها. قرأت بخط الحافظ الضياء سمعت الإمام عبد الله الجبائي يقول: كان أبو الخير يحفظ البخاري ويقول: من أراد أن يقرأ الإسناد حتى أقرأ المتن ومن أراد أن يقرأ المتن حتى أقرأ أنا الإسناد. ولد أبو الخير في صفر سنة خمسمائة، ومات في شوال سنة ثمان وستين وخمسمائة.
وفيها مات مسند القراء أبو الفضل أحمد بن محمد بن سنيف الدارقزي، وجعفر بن عبد الله ابن قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني، وملك النجاة أبو نزار الحسن بن صافي؛ ومسند أصبهان أبو جعفر محمد بن الحسن بن الحسين الصيدلاني.
قرأت على عبد الحافظ بن بدران أخبركم عبد الله بن أحمد الفقيه أنا أبو الخير عبد الرحيم بن محمد أنا أبو علي الحداد أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر النردي أنا محمد بن إسحاق الحافظ وعلي بن أحمد بن هارون قالا: أنا محمد بن يعقوب أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنا ابن وهب أخبرني سفيان الثوري سمع أيمن بن نابل يحدث أن قدامة بن عبد الله قال: رأيت رسول الله ﷺ يرمي الجمرة لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك لفظ على الأردستاني.
وقرأت بخط الشيخ الضياء: سمعت الإمام أبا عبد الله محمد بن سعيد بأصبهان يقول: أرسل إليّ ابن الحافظ أبي العلاء من همذان يسألني عن أبي الخير بن موسى: أيش صح عندك فيه من أجل الجرح؟ فأرسلت: عندي درج فيه تعديله، والتعديل والله أعلم أقرب. ثم قال: لأنه تكلم فيه أبو موسى الحافظ من أجل إجازات الرئيس مسعود فحسب، وقال: جاء الحافظ أبو موسى إلى جدي يعني المصلح فقال: تتكلم في أبي الخير؟ قال: لا أفعل، أو قال: لم يتبين لي جرحه، إنه يتتبع أمالي يعني غلطه.
1093- 15/16
أبو العلاء الهمذاني
الحافظ العلامة المقرئ شيخ الإسلام الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل العطار شيخ همذان.
مولده سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، قرأ بالروايات على أبي علي الحداد وأكثر عنه ولازمه مدة، وعلى مقرئ واسط أبي العز القلانسي وأبي عبد الله البارع وأبي بكر المزرفي وطائفة، وسمع من أبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان وابن الحصين وخلائق ببغداد، وأبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي وطائفة بنيسابور؛ ثم رحل ثاني مرة إلى بغداد فأسمع ابنه، ثم قدم بعد الثلاثين وخمسمائة فأكثر، ثم بعد عام أربعين؛ قرأ عليه بالروايات أبو أحمد ابن سكينة وأبو الحسن بن الدباس ومحمد بن محمد بن الكيّال؛ وحدث عنه أبو المواهب بن صصرى والحافظ عبد القادر والحافظ يوسف بن أحمد الشيرازي ومحمد بن محمود الحمامي، ومحمد والقاضي علي والقاضي عبد الحميد بنو ابن بنيمان، وهم أسباطه، وآخرون وخاتمة أصحابه بالإجازة أبو الحسن بن المقير.
قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن ومقرئ فاضل حسن السيرة مرضي الطريقة عزيز النفس سخي بما يملكه مكرم للغرباء يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة حسنة سمعت منه.
وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء أشهر من أن يعرف بل تعذر وجود مثله في أعصار كثيرة على ما بلغنا من السير، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات مع تحصيل أصول ما سمع، وجودة النسخ وإتقان ما كتبه بخطه، ما كان يكتب شيئًا إلا منقطًا معربًا، وأول سماعه من عبد الرحمن بن محمد الدوني في سنة خمس وتسعين وأربعمائة، برع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير، ولقد كان يومًا في مجلسه فجاءته فتوى في عثمان «رضي الله ع» فكتب من حفظه ونحن جلوس درجًا طويلًا في إخباره، وله تصانيف منها "زاد المسافر" في خمسين مجلدًا، وكان إمامًا في القرآن وعلومه وحصل من القراءات ما أنه صنف فيه العشرة، والمفردات، وصنف في الوقف والابتداء وفي التجويد والماءات والعدد ومعرفة القراء وهو نحو من عشر مجلدات، استحسنت تصانيفه وكتبت ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام. وبرع عنده جماعة كثيرة في القراءات، وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: فلان مات عام كذا، مات فلان في سنة كذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا.
وكان إمامًا في النحو واللغة، سمعت أن من جملة ما حفظ "كتاب الجمهرة" وخرج له تلامذة في العربية أئمة يقرءون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته، فكان من محفوظاته كتاب "الغريبين" للهروي، إلى أن قال: وكان مهينًا للمال باع جميع ما ورثه وكان من أبناء التجار فأنفقه في طلب العلم حتى سافر إلى بغداد وأصبهان مرات ماشيًا يحمل كتبه على ظهره.
سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد وآكل خبز الدخن. وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء في مسجد من مساجد بغداد يكتب وهو قائم؛ لأن السراج كان عاليًا، إلى أن قال: فعظم شأنه في القلوب حتى إن كان يمر في همذان فلا يبقى أحد رآه إلا قام ودعا له حتى الصبيان واليهود.
وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان يصلي بها الجمعة فيتلقاه أهلها خارج البلد، المسلمون على حدة واليهود على حدة يدعون له إلى أن يدخل البلد، وكان يفتح عليه من الدنيا جمل فلم يدخرها بل ينفقها على تلامذته وكان عليه رسوم لأقوام وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين مع كثرة ما كان يفتح عليه.
وكان يطلب لأصحابه من الناس ويعز أصحابه ومن يلوذ به ولا يحضر دعوة حتى يحضر جماعة أصحابه، وكان لا يأكل من أموال الظلمة ولا يقبل منهم مدرسة قط ولا رباطًا وإنما كان يقرئ في داره ونحن في مسجده سكان، وكان يقرئ نصف نهاره الحديث ونصفه القرآن والعلم، وكان لا يغشى السلاطين ولا تأخذه في الله لومة لائم ولا يمكن أحدًا يعمل في مجلس منكر ولا سماعًا فكان ينزل كل إنسان منزلته حتى تألفت القلوب على محبته وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلية.
وكان حسن الصلاة ولم أر أحدًا من مشايخنا أحسن صلاة منه، وكان متشددًا في أمر الطهارة لا يدع أحدًا يمس مداسه، وكان ثيابه قصارًا وأكمامه قصارًا وعمامته نحو سبع أذرع، وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادًا وفعلًا بحيث إنه كان إذا دخل مجلسه رجل فقدم رجله اليسرى كلفه أن يرجع فيقدم اليمنى، لا يمس الأجزاء إلا على وضوء، ولا يدعو شيئًا قط إلا مستقبل القبلة تعظيمًا لها، إلى أن قال: سمعت من أثق به عن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي أنه قال في الحافظ أبي العلاء لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك.
وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول، وذكر رجلا من أصحابه رحل: إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.
مات أبو العلاء في جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة.
وفيها مات المسند النقيب أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر العلوي ببغداد، وأبو الحسن دهبل بن علي بن كارة الحريمي الحنبلي سمع الحسين بن البُسري، وشيخ العربية أبو محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي، والمسند أبو محمد عبد الله بن هبة الله بن محمد بن النرسي، ومسند المغرب أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر بن حنين الكتاني القرطبي ثم الفاسي عن ثلاث وتسعين سنة وملك الشام العادل نور الدين محمود بن زنكي التركي.
أخبرنا أبو سعيد صبيح بن عبد الله فنى صواب بمصر أنا علي بن أبي عبد الله النجاد أنا أبو العلاء الهمذاني مكاتبة أنا أبو علي المقرئ أنا أبو نعيم الحافظ ثنا أحمد بن خلاد ثنا محمد بن غالب ثنا القعنبي عن مالك عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد أو عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، ﷺ: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل..." [5] وذكر الحديث.
أخبرنا أحمد بن إسحاق أنا نصر بن عبد الرزاق ببغداد أنبأنا الحافظ أبو العلاء الهمذاني أنا أبو علي محمد بن محمد الهاشمي أنا عبد الله بن عمر أنا أبو بحر محمد بن الحسن أنا علي بن الفضل الواسطي أنا يزيد بن هارون أنا أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قال: قال رسول الله، ﷺ: "المعروف كله صدقة، وإن آخر ما تعلق به الجاهلية من كلام النبوة: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت". [6]
1094- 16/16
ابن عساكر
الإمام الحافظ الكبير محدث الشام فخر الأئمة ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي الشافعي، صاحب التصانيف والتاريخ الكبير.
ولد في أول سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وسمع في سنة خمس وخمسمائة باعتناء أبيه وأخيه الإمام ضياء الدين هبة الله؛ فسمع أبا القاسم النسيب وقوام بن زيد وسبيع بن قيراط وأبا طاهر الحنائي وأبا الحسن بن الموازيني وطبقتهم بدمشق، ورحل في سنة عشرين فسمع أبا القاسم بن الحصين وأبا الحسن الدينوري وأبا العز بن كادش وأبا غالب بن البناء وأبا عبد الله البارع وقاضي المرستان وطبقتهم ببغداد، وعبد الله بن محمد الغزال بمكة، وعمر بن إبراهيم الزيدي بالكوفة، وأبا عبد الله الفراوي وهبة الله ابن السيدي وعبد المنعم بن القشيري وطبقتهم بنيسابور، وسعيد بن أبي الرجاء والحسين عبد الملك الخلال وطبقتهما بأصبهان، ويوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد بمرو، وتميم بن أبي سعيد الجرجاني وطبقته بهراة؛ وعمل الأربعين البلدانية، وعدد شيوخه ألف وثلاثمائة شيخ، ونيف وثمانون امرأة.
سمع منه معمر بن الفاخر وأبو العلاء الهمذاني وأبو سعد السمعاني والكبار وحدث عنه ولده القاسم وأبو جعفر القرطبي وزين الأمناء أبو البركات ابن عساكر وأخوه الشيخ فخر الدين وابن أخيه عز الدين النسابة والحافظ عبد القادر الرهاوي وأبو القاسم بن صصرى ويونس بن محمد الفارقي الخطيب وأبو نصر الشيرازي ومحمد ابن أخي أبي البيان وأبو إسحاق إبراهيم بن الخشوعي وعبد العزيز أخوه ويونس بن منصور السقباني ومحمد بن رومي الجرداني ومحمد بن غسان الحمصي والمسلم بن أحمد المازني وذاكر الله الشعيري وعبد الرحمن بن راشد البيت سوائي وعمر بن عبد الوهاب بن البراذعي وعتيق السلماني والشيخ بهاء الدين علي بن الجميزي ورشيد الدين بن مسلمة وسديد الدين مكي بن علان وخلق كثير.
وقد روى عنه أبو سعد السمعاني ومات قبل ابن علان بسبعين سنة. عمل "تاريخ دمشق" في ثمانين مجلدًا، و"الموافقات" في ست مجلدات، و"الأطراف الأربعة" أربع مجلدات، و"عوالي مالك" في خمسين جزءًا، و"غرائب مالك" عشرة أجزاء، و"المعجم" مجلد، و"مناقب الشبان" خمسة عشر جزءًا، و"فضل أصحاب الحديث" مجلد، و"السباعيات" سبعة أجزاء، و"تبيين كذب المفتري" مجلد، و"فضل الجمعة" أربعة أجزاء، و"الأربعين الطوال" ثلاثة أجزاء، و"عوالي شعبة" مجلد، و"الزهادة في الشهادة" مجلد، و"عوالي الثوري" مجلد، و"أربعي الجهاد"، و"أربعي البلدان"، و"أربعي المساواة"، و"مسند أهل داريا" مجلد، و"من وافقت كنيته كنية زوجته" مجيليد، و"شيوخ النبل" مجلد، و"حديث أهل صنعاء الشام" مجيليد، و"حديث أهل البلاط" كذلك، و"فضل عاشوراء" ثلاثة أجزاء، و"كتاب الزلازل" ثلاثة أجزاء، و"المصاب بالولد" جزءان، و"قبض العلم" جزء، و"فضل مكة"، و"فضل المدينة"، و"فضل القدس"، و"فضل عسقلان"، "وتاريخ المزة"، و"فضل الربوة" و"فضل مقام إبراهيم"، و"جزء الحميريين" و"جزء كفر سوسية"، و"جزء كفر بطنا"، و"جزء المنيحة"، و"سعد"، و"عدة أجزاء القرى" هكذا، و"جزء حديث الهبوط"، و"الجواهر في الأبدال" ثلاثة أجزاء؛ وأملى في أبواب العلم أربعمائة مجلس وثمانية، وخرج لجماعة منهم رفيقه أبو سعد السمعاني، خرج له "أربعين المصافحات"، وللفراوي "أربعين مساواة" وعمل بعض "كتاب الأبدال" لنفسه ولو تم لجاء في عشرين مجلدًا.
قال السمعاني: أبو القاسم حافظ ثقة متقن دين خير حسن السمت جمع بين معرفة المتن والإسناد وكان كثير العلم غزير الفضل صحيح القراءة متثبتًا رحل وتعب وبالغ في الطلب وجمع ما لم يجمعه غيره وأربى على الأقران، دخل نيسابور قبلي بشهر، سمعت معجمه والمجالسة للدينوري، كان قد شرع في التاريخ الكبير لدمشق.
قال ابن الحاجب فيما قرأت بخطه: حدثني زين الأمناء قال: حدثني ابن القزويني عن والده مدرس النظامية أبي الخير قال: حكى لنا الفراوي قال: قدم ابن عساكر فقرأ علي ثلاثة أيام فأكثر وأضجرني وآليت على نفسي أن أغلق بابي، فلما أصبحنا قدم علي شخص فقال: أنا رسول رسول الله ﷺ إليك؛ قلت: مرحبًا بك، فقال: قال لي في النوم: "امض إلى الفراوي وقل له: قدم بلدكم رجل شامي أسمر اللون يطلب حديثي، فلا تمل منه".
قال القزويني: فوالله ما كان الفراوي يقوم حتى يقوم الحافظ. وقال المحدث بهاء الدين القاسم: كان أبي رحمه الله مواظبًا على الجماعة والتلاوة، يختم كل جمعة ويختم في رمضان كل يوم ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحيي ليلة النصف والعيدين بالصلاة والذكر، وكان يحاسب نفسه على لحظة تذهب.
قال لي: لما حملت بي أمي قيل لها في منامها: تلدين غلامًا يكون له شأن. وحدثني أن أباه رأى رؤيا معناها يولد لك ابن يحيي الله به السنة، وحدثني أنه كان يقرأ على شيخ فقال: قدم علينا أبو علي ابن الوزير فقلنا: ما رأينا مثله. ثم قدم علينا ابن السمعاني فقلنا: ما رأينا مثله، حتى قدم علينا هذا فلم نر مثله.
قال سعد الخير: ما رأيت في سن ابن عساكر مثله.
قال القاسم ابن عساكر: سمعت التاج المسعودي يقول: سمعت أبا العلاء الهمذاني يقول لرجل استأذنه في الرحلة قال: إن عرفت أحدًا أفضل مني فحينئذ آذن لك أن تسافر إليه، إلا أن تسافر إلى ابن عساكر فإنه حافظ كما يجب.
وحدثني أبو المواهب بن صصرى قال: لما دخلت همذان قال لي الحافظ أبو العلاء: أنا أعلم أنه لا يساجل الحافظ أبا القاسم في شأنه أحد، فلو خالق الناس ومازجهم كما أصنع إذًا لاجتمع عليه الموافق والمخالف. وقال لي يومًا: أي شيء فتح له؟ وكيف الناس له؟ قلت: هو بعيد من هذا كله لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتسميع حتى في نزهته وخلواته. قال: الحمد لله، هذا ثمرة العلم، إلا أنا حصل لنا هذا المسجد والدار والكتب، هذا يدل على قلة حظ أهل العلم في بلادكم ثم قال لي: ما كان يسمى أبو القاسم إلا شعلة نار ببغداد من ذكائه وتوقده وحسن إدراكه.
قال أبو المواهب: كنت أذاكر أبا القاسم الحافظ عن الحفاظ الذين لقيهم فقال: أما بغداد فأبو عامر العبدري، وأما أصبهان فأبو نصر اليونارتي، لكن إسماعيل بن محمد الحافظ كان أشهر. فقلت: فعلى هذا ما كان رأى سيدنا مثل نفسه؛ قال: لا تقل هذا، قال الله: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} قلت: فقد قال الله تعالى: {أَمَّا بنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} فقال: لو قال قائل: إن عيني لم تر مثلي لصدق.
ثم قال أبو المواهب: وأنا أقول: لم أر مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الصلوات في الصف الأول إلا من عذر والاعتكاف في شهر رمضان وعشر ذي الحجة وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة وأباها بعد أن عرضت عليه، وأخذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم.
قال لي: لما عزمت على التحديث والله المطلع أني ما حملني على ذلك حب الرياسة والتقدم بل قلت: متى أروي كل ما سمعت؟ وأي فائدة في كوني أخلفه صحائف؟ فاستخرت الله واستأذنت أعيان شيوخي ورؤساء البلد وطفت عليهم فكلهم قالوا: من أحق بهذا منك؟ فشرعت في ذلك منذ ثلاث وثلاثين وخمسمائة.
قال القاسم: حدثني أبي قال: قال لي جدي القاضي أبو المفضل يحيى بن علي القرشي: اجلس إلى سارية حتى يجلس إليك؛ فلما عزمت على ذلك مرض وعجز عن المجيء. سمعت أبا الحسين علي بن محمد الحافظ، سمعت الحافظ أبا محمد المنذري يقول: سألت شيخنا أبا الحسن علي بن المفضل الحافظ عن أربعة تعاصروا: أيهم أحفظ؟ فقال: من؟ قلت: الحافظ ابن ناصر وابن عساكر؟ فقال: ابن عساكر. فقلت: الحافظ أبو موسى المديني وابن عساكر؟ قال: ابن عساكر؛ فقلت: الحافظ أبو طاهر السلفي وابن عساكر؟ فقال: السلفي شيخنا. قلت: يعني أنه ما أحب أن يصرح بتفضيل ابن عساكر بل لوّح بتفضيل شيخه بأنه شيخه، ثم أبو موسى أحفظ من السلفي مع أن السلفي من بحور الحديث وعلمائه؛ وكان شيخنا أبو الحجاج المزي يميل إلى أن ابن عساكر ما رأى حافظًا مثل نفسه.
قال الحافظ عبد القادر: ما رأيت أحفظ من ابن عساكر. وقال ابن النجار: أبو القاسم إمام المحدثين في وقته، انتهت إليه الرياسة في الحفظ والإتقان والثقة والمعرفة التامة وبه ختم هذا الشأن. فقرأت بخط الحافظ معمر بن الفاخر في معجمه أنا أبو القاسم الدمشقي الحافظ بمنى، وكان أحفظ من رأيت من طلبة الحديث والشبان وكان شيخنا إسماعيل بن محمد الإمام يفضله على جميع من لقيناهم، قدم أصبهان ونزل في داري، وما رأيت شابا أورع ولا أحفظ ولا أتقن منه، وكان مع ذلك فقيهًا أديبًا سنيًّا جزاه الله خيرًا وكثر في الإسلام مثله وإني كثيرًا سألته عن تأخره عن المجيء إلى أصبهان فقال: لم تأذن لي أمي.
قال القاسم: توفي أبي في حادي عشر رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، ورئي له منامات حسنة ورثي بقصائد وقبره يزار بباب الصغير.
قلت: وفيها توفي شيخ شيزر العلامة مجد الدين أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد حفدة الطوسي العطاري الشافعي الأصولي الواعظ صاحب محيي السنة والغزالي، والمسند أبو حنيفة محمد بن عبيد الله الخطيبي الأصبهاني عن ثلاث وثمانين سنة، وفقيه واسط أبو جعفر هبة الله بن يحيى بن البوقي الواسطي العطار.
قرأت على أحمد بن هبة الله ابن تاج الأمناء أخبركم الفقيه أبو محمد عبد الجبار بن عبد الغني بن محمد الحرستاني سنة ثلاث وعشرين وستمائة أنا أبو القاسم الحافظ أنا زاهر بن طاهر أنا أبو بكر أحمد بن الحسين أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل الصفار ثنا عبد الله بن محمد بن شاكر ثنا عفان أنا شعبة ثنا أبو إسحاق قال: اتقوا الله واعملوا خيرًا، فإنى سمعت عبد الله بن معقل يقول: سمعت عدي بن حاتم يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة". متفق عليه من حديث شعبة وزهير بن معاوية.
1095- 17/16
أبو موسى المديني
الحافظ الكبير شيخ الإسلام محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي عيسى أحمد بن عمر الأصبهاني صاحب التصانيف.
ولد في ذي القعدة سنة إحدى وخمسمائة وسمع حضورًا باعتناء أبيه، ثم سمع الكثير ورحل وعني بهذا الشأن، وحضوره عند أبي سعيد المطرز وهو ابن سنتين، وسمع من أبي منصور محمد بن عبد الله بن مندويه وغانم البرجى وأبي علي الحداد وأبي الفتح محمد بن عبد الله بن خوردست ومحمد بن عبد الله الشرابي بليزة وأبي الرجاء محمد بن أبي زيد ومحمد بن طاهر المقدسي الحافظ وأبي زكريا بن منده وهبة الله بن الحسن الأبرقوهي وهبة الله بن الحصين البغدادي وطبقتهم وتخرج بأبي القاسم التيمي وغيره؛ له التصانيف النافعة الكثيرة والمعرفة التامة والرواية الواسعة انتهى إليه تقدم في هذا الشأن مع علو الإسناد؛ حدث عنه أبو سعد السمعاني وأبو بكر محمد بن موسى الحازمي وعبد الغني بن عبد الواحد وعبد القادر بن عبد الله الرهاوي ومحمد بن مكي الأصبهاني وأبو نجيح محمد بن معاوية المقرئ والناصح عبد الرحمن بن الحنبلي وآخرون، وروى عنه بالإجازة عبد الله بن بركات الخشوعي وطائفة.
قال الدبيثي: عاش أبو موسى حتى صار أوحد وقته وشيخ زمانه إسنادًا وحفظًا. قال السمعاني: سمعت منه وكتب عني، وهو ثقة صدوق. وقال عبد القادر: حصل من المسموعات بأصبهان ما لم يحصل لأحد في زمانه وانضم إلى ذلك الحفظ والإتقان، وله التصانيف التي أربى فيها على المتقدمين مع الثقة والعفة له شيء يسير يترقح به وينفق منه ولا يقبل من أحد شيئًا قط، أوصى إليه غير واحد بمال فرده ويقال له: فرقه على من ترى، فيمتنع. وكان فيه من التواضع بحيث إنه يقرئ الصغير والكبير ويرشد المبتدئ، رأيته يحفظ الصبيان القرآن في الألواح، وكان يمنع من يمشي معه فعلت ذلك مرة معه فزبرني، وترددت إليه نحوًا من سنة ونصف فما رأيت منه ولا سمعت عنه سقطة تعاب عليه، وكان أبو مسعود كوتاه يقول: أبو موسى كنز مخفي.
ومن تصانيفه: كتاب "معرفة الصحابة" الذي استدرك به على أبي نعيم الحافظ، وكتاب "الطوالات" جودها ولم يسبق إلى مثلها مع كثرة ما فيها من الواهي والموضوع، وكتاب "تتمة الغريبين" يدل على براعته في لسان العرب، وكتاب "اللطائف"، وكتاب "عوالي التابعين"، وأشياء وفنون وقد عرض من حفظه كتاب "علوم الحديث" للحاكم على إسماعيل الحافظ.
قال الحسين بن بوحز الباوري: كنت في مدينة الخان فسألني سائل عن رؤيا فقال: رأيت كأن رسول الله ﷺ توفي؛ فقلت: إن صدقت رؤياك يموت إمام لا نظير له في زمانه، فإن مثل هذا المنام رئي حال وفاة الشافعي والثوري وأحمد بن حنبل. قال: فما أمسينا حتى جاءنا الخبر بوفاة الحافظ أبي موسى. وعن عبد الله بن محمد الخجندي قال: لما مات أبو موسى لم يكادوا أن يفرغوا حتى جاء مطر عظيم في الحر الشديد، وكان الماء قليلًا بأصبهان.
قال محمد بن محمود الرويدشتي: توفي الحافظ أبو موسى في تاسع جمادى الأولى في سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
قلت: وفيها توفي الحافظ السهيلي، والحافظ عبد الحق الأزدي، والحافظ أبو سعد محمد بن عبد الواحد الأصبهاني الصائغ عن أربع وثمانين سنة، والإمام أبو طاهر إسماعيل بن مكي بن إسماعيل بن عيسى بن عوف الزهري العوفي الإسكندراني المالكي عن ست وتسعين سنة، والقدوة شيخ أهل حران حيوة بن قيس بن رحال الأنصاري الزاهد، والمسند أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن الحسين السبي ثم المصري الجيار ويعرف بابن نخيسة بمصر، والمسند أبو محمد عبد الرزاق بن نصر بن المسلم الدمشقي النجار عن أربع وثمانين سنة، ومسند العراق أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا بن شاتيل البغدادي الدباس عن اثنتين وتسعين سنة، ومقرئ مصر أبو الجيوش عساكر بن علي بن إسماعيل الشافعي النحوي، والمحدث الإمام أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي الميانشي المجاور، ومسند دمشق أبو المجد الفضل بن الحسين بن إبراهيم الحميري المعروف بالبانياسي عن ست وثمانين سنة، والشيخ الزاهد أبو الفتح محمود بن أحمد بن علي المحمودي بن الصابوني بمصر.
أخبرنا محمد بن علي الصالحي أنا عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي سنة ثمان وعشرين وستمائة أنا أبو موسى محمد بن أبي بكر الحافظ أنا أبو علي الحداد أنا أبو نعيم الحافظ أنا أبو إسحاق بن حمزة أنا عبدان. "ح" وبه إلى أبي نعيم؛ وثنا الحسين بن محمد بن رزيق الخياط ثنا محمد بن محمد بن سليمان قالا: أنا هشام بن عمار أنا صدقة بن خالد أنا عبد الرحمن بن جابر أنا عيطة بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري أخبرني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري، والله ما كذبني، أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحة فيأتيهم رجل لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غدًا، فيبيتهم الله تعالى ويضع العلم عليهم ويمسخ آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة" أخرجه البخاري عن هشام عن غير سماع، وأخرجه أبو داود من طريق بشر بن بكر التنيسي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر بنحوه. والمعازف اسم لكل ما يعزف به، كالطنبور والزمر والشبابة وغير ذلك من آلات الملاهي.
1096- 18/16
الزاغولي
الحافظ البركة أبو عبد الله محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين بن علي بن يعقوب المروزي الأرزي.
وزاغول قرية أو محلة من بنجدية، ذكره أبو سعد السمعاني وأنه تفقه على أبي بكر السمعاني والموفق بن عبد الكريم الهروي، وسمع من أبي الفتح نصر بن إبراهيم الحنفي ومحيي السنة البغوي وعيسى بن شعيب السجزي وغيرهم، حدث عنه أبو سعد وولده أبو المظفر.
قال أبو سعد: كان صالحًا خشن العيش قانعًا باليسير عارفًا بالحديث وطرقه اشتغل بطلبه وجمعه طول عمره وجمع وصنف، وكان عارفًا باللغة كتب الكثير ورحل إلى هراة وسمعت منه وبقراءته وجمع كتابًا كبيرًا أكثر من أربعمائة مجلد يشتمل على التفسير والحديث والفقه واللغة سماه "قيد الأوابد". مولده بعد السبعين وقبل الثمانين وأربعمائة. وقال أبو سعد في معجم ولده: ولد سنة اثنتين وسبعين ومات في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
أنبأنا أحمد بن هبة الله فيما حدث به عن عبد الرحيم بن أبي سعد أنا عبد الله الأرزي لفظًا أنا أبو الفتح الحنفي بهراة أنا محمد بن عبد الرحمن الدباس ثنا أبو علي الرفاء أنا علي بن عبد العزيز ثنا داود بن عمرو ثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت: كان رسول الله ﷺ يجنب وينام ولا يمس ماءً.
(تمت الطبقة السادسة عشرة.)
هامش
- ↑ رواه البخاري في الاعتصام باب 1. ومسلم في الإيمان حديث 239.
- ↑ رواه البخاري في الأذان باب 7. ومسلم في الصلاة حديث 10، 11. والترمذي في الصلاة باب40. والنسائي في الأذان باب 35-37.
- ↑ رواه البخاري في المواقيت باب 16. ومسلم في المساجد حديث 210. والنسائي في الصلاة باب 21. والموطأ في السفر حديث 82.
- ↑ رواه البخاري في الدعوات باب 3. ومسلم في التوبة حديث 1-8. والترمذي في القيامة باب 49.
- ↑ رواه البخاري في الأذان باب 26. ومسلم في الزكاة حديث 91. والترمذي في الزهد باب 53. والموطأ في الشعر حديث 14.
- ↑ انظر البخاري في الأدب باب 78. وسنن أبي داود في الأدب باب 6. وابن ماجه في الزهد باب 17. والموطأ في السفر حديث 14.
تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي | |
---|---|
مقدمة | الطبقات: الأولى | الثانية | الثالثة | الرابعة | الخامسة | السادسة | السابعة | الثامنة | التاسعة | العاشرة | الحادية عشرة | الثانية عشرة | الثالثة عشرة | الرابعة عشرة | الخامسة عشرة | السادسة عشرة | السابعة عشرة | الثامنة عشرة | التاسعة عشرة | العشرون | الحادية والعشرون | شيوخ صاحب التذكرة |