→ الطبقة الثالثة عشرة | تذكرة الحفاظ الطبقة الرابعة عشرة الذهبي |
الطبقة الخامسة عشرة ← |
☰ جدول المحتويات
- الطبقة الرابعة عشرة
- الصوري
- ابن ماما
- مسعود بن علي بن معاذ بن محمد بن معاذ
- أبو نصر السجزي
- الداني
- السمان
- الخليلي
- الفلكي
- أبو مسعود البجلي
- هبة الله محمد بن علي
- الزهراوي
- ابن عبد البر
- البيهقي
- الخطيب
- ابن حزم
- الدربندي
- النخشبي
- عبد الرحيم بن أحمد بن نصر بن إسحاق
- العطار
- السكري
- المؤذن أبو صالح
- عبد الرحمن بن منده
- الكتاني
- الوخشي
- الزنجاني
- الباجي
- أبو إسماعيل الهروي
- الحبال
- ابن شغبة
- سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان
- الحسكاني
الطبقة الرابعة عشرة
وهم ثلاثون حافظًا
1002- 1/14
الصوري
الحافظ العلامة الأوحد، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن محمد بن دحيم الساحلي.
سمع أبا الحسين بن جميع وأبا عبد الله بن أبي كامل الأطرابلسي ومحمد بن عبد الصمد الزرافي ومحمد بن جعفر الكلاعي وعدة بالشام، وعبد الغني بن سعيد الحافظ وعبد الرحمن بن عمر النحاس وعبد الله بن محمد بن بندار وخلقا بمصر، وصحب عبد الغني وتخرج به ولحق ببغداد أبا الحسن بن مخلد البزاز وأحمد بن طلحة المنقي وأبا علي بن شاذان وطبقتهم؛ حدث عنه أبو بكر الخطيب والقاضي أبو عبد الله الدامغاني وجعفر بن أحمد السراج وأبو القاسم بن بيان وأبو الحسين بن الطيوري وسعد الله بن صاعد الرحبي وآخرون، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو سعد بن الطيوري. مولده سنة ست أو سبع وسبعين وثلاثمائة، وسمع وقد كبر ولو طلب في الحداثة لأدرك إسنادًا.
قال الخطيب: وكان من أحرص الناس على الحديث وأكثرهم كتبًا له وأحسنهم معرفة به، ولم يقدم علينا أحد أفهم منه لعلم الحديث، وكان دقيق الخط صحيح النقل، حدثني أنه كان يكتب في الوجهة من ثمن الكاغذ الخراساني ثمانين سطرًا وكان مع كثرة طلبه صعب المذهب في الأخذ، ربما كرر قراءة الحديث الواحد على شيخه مرات، وكان يسرد الصوم إلا الأعياد وذكر أن الحافظ عبد الغني كتب عنه أشياء في تصانيفه وصرح باسمه في بعضها ومرة قال: حدثني الورد بن علي.
قال الخطيب: كان صدوقًا كتب عني وكتبت عنه ولم يزل ببغداد حتى توفي بها. قال أبو الوليد الباجي: الصوري أحفظ من رأيناه. قال غيث بن علي الأرمنازي: رأيت جماعة من أهل العلم يقولون: ما رأينا أحفظ من الصوري. وقال عبد المحسن الشيحي: ما رأيت مثله، كان كأنه شعلة نار بلسان كالحسام القاطع. قال السلفي: كتب الصوري صحيح البخاري في سبعة أطباق من الورق البغدادي ولم يكن له سوى عين واحدة.
قال: وذكر أبو الوليد الباجي في كتاب فرق الفقهاء: نا أبو عبد الله محمد بن علي الوراق -وكان ثقة متقنًا- أنه شاهد أبا عبد الله الصوري وكان فيه حسن خلق ومزاح وضحك لم يكن وراء ذلك إلا الخير والدين ولكنه كان شيئًا جبل عليه ولم يكن في ذلك بالخارق للعادة، فقرأ يومًا جزءًا على أبي العباس الرازي وعنَّ له أمر أضحكه وكان بالحضرة جماعة من أهل بلده فأنكروا عليه وقالوا: هذا لا يصلح ولا يليق بعلمك وتقدمك أن تقرأ حديث رسول الله ﷺ وأنت تضحك؛ وكثروا عليه وقالوا: شيوخ بلدنا لا يرضون بهذا. فقال: ما في بلدكم شيخ إلا يحب أن يقعد بين يدي ويقتدي بي، ودليل ذلك أني قد صرت معكم على غير موعد فانظروا إلى أيّ حديث شئتم من حديث رسول الله ﷺ اقرءوا إسناده لأقرأ متنه أو اقرءوا متنه حتى أخبركم بإسناده.
ثم قال الباجي: لزمت الصوري ثلاثة أعوام فما رأيته تعرض للفتوى. قال المبارك بن عبد الجبار: كتبت عن عدة فما رأيت فيهم أحفظ من الصوري، كان يكتب بفرد عين وكان متفننًا يعرف من كل علم، وقوله حجة، وعنه أخذ الخطيب علم الحديث. قلت: وله شعر رائق ومحبة في السنة.
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد العلوي أنا أبو الحسن علي بن إسماعيل بن جبارة الأديب بالقاهرة سنة اثنتين وثلاثين وستمائة أنا أبو طاهر أحمد بن أبي أحمد الحافظ أنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري الحافظ أنا أبو محمد النحاس أنا أبو بكر محمد بن أحمد الحراني نا هاشم بن مرثد الطبراني نا المعافى -هو ابن سليمان- نا موسى بن أعين عن عبد الله عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "تجوزوا في الصلاة، فإن خلفكم الضعيف والكبير وذا الحاجة". [1] هذا حديث صحيح، وعبد الله هو ابن بشر إن شاء الله.
أخبرنا محمد بن علي الصالحي ومحمد بن علي السلمي قالا: أنا البهاء عبد الرحمن أنا أحمد بن الحسن بن سلامة المنبجي الفقيه أنا أبو القاسم بن بيان "ح" وأنبأنا أحمد بن أبي الخير عن ابن كليب عن ابن بيان أنا محمد بن علي الصوري أنا عبد الرحمن بن عمر التجيبي أنا أبو عمرو أحمد بن سلمة بن الضحاك الهلالي أنا المقدام بن داود الرعيني نا أبو زرعة عبد الأحد بن الليث بن عاصم القتباني عن عثمان بن الحكم الجذامي. "قال المقدام": وحدثني عمي سعيد بن عيسى نا الليث بن عاصم القتباني حدثني عثمان بن الحكم حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني عروة عن عائشة قالت: كان أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبّب إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الأيام ذوات العدد، الحديث.
أخبرنا أبو الحسين اليونيني أنا جعفر أنا السلفي أنا المبارك بن عبد الجبار أنشدنا محمد بن علي الصوري الحافظ لنفسه:
قل لمن عاند الحديث وأضحى عائبا أهله ومن يدّعيه
أبعلم تقول هذا أبن لي أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الد ين من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه راجع كل عالم وفقيه
قال الخطيب: توفي الصوري في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى.
1003- 2/14
ابن ماما
الحافظ الأوحد، أبو حامد أحمد بن محمد بن أحيد بن ماما الأصبهاني، صاحب تصانيف وبصر بالحديث.
وحدث عن عبد الرحمن بن شريح الهروي وأبي علي إسماعيل بن حاجب الكشاني وأبي نصر محمد بن أحمد الملاحمي والإمام أبي عبد الله الحليمي وطبقتهم، ولم يصل إلى العراق، له ذيل على تاريخ بخارى للغنجار، ويعز وقوع حديثه إلينا. توفي في شعبان سنة ست وثلاثين وأربعمائة رحمه الله تعالى، أحسبه سكن ما وراء النهر.
1004- 3/14
مسعود بن علي بن معاذ بن محمد بن معاذ
الحافظ المفيد، الإمام أبو سعيد السجزي ثم النيسابوري الوكيل، تلميذ أبي عبد الله الحاكم.
وله عنه سؤالات وقد أكثر عنه جدًّا، سمع أبا محمد بن الرومي وأبا علي الخالدي وعبد الرحمن بن أبي إسحاق المزكي وطبقتهم. روى شيئًا يسيرًا ولم يطل عمره، روى عنه رفيقه مسعود بن ناصر السجزي الركاب، توفي سنة ثمان وثلاثين أو سنة تسع وأربعمائة. ذكر الشك هكذا عبد الغافر بن إسماعيل.
1005- 4/14
أبو نصر السجزي
الحافظ الإمام علم السنة، عبيد الله بن سعيد بن حاتم بن أحمد الوائلي البكري، نزيل الحرم ومصر وصاحب "الإبانة الكبرى" في مسألة القرآن.
وهو كتاب طويل في معناه، دال على إمامة الرجل وبصره بالرجال والطرق.
حدث عن أحمد بن فراس العبقسي وأبي عبد الله الحاكم وأبي أحمد الفرضي وحمزة المهلبي ومحمد بن محمد بن محمد بن بكر الهزاني وأبي عمر بن مهدي وعلي بن عبد الرحيم السوسي وأبي الحسين أحمد بن محمد المجبر وأبي محمد بن النحاس وأبي عبد الرحمن السلمي وعبد الصمد بن زهير بن أبي جرادة الحلبي صاحب ابن الأعرابي وهذه الطبقة. وكانت رحلته بعد الأربعمائة فسمع بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر، حدث عنه أبو إسحاق الحبال وسهل بن بشر الأسفراييني وأبو معشر المقرئ الطبري وإسماعيل بن الحسن العلوي وأحمد بن عبد القادر اليوسفي وجعفر بن يحيى الحكاك وجعفر بن أحمد السراج وخلق سواهم، وهو راوي الحديث المسلسل بالأولية.
قال ابن طاهر المقدسي: سألت الحافظ أبا إسحاق الحبال عن أبي نصر السَّجْزي والصوري، أيهما أحفظ؟ فقال: كان السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري؛ ثم قال الحبال: كنت يومًا عند أبي نصر السجزي فدق الباب فقمت ففتحته فدخلت امرأة وأخرجت كيسًا فيه ألف دينار فوضعته بين يدي الشيخ وقالت: أنفقها كما ترى؛ قال: ما المقصود؟ قالت: تتزوجني ولا حاجة لي في الزوج ولكن لأخدمك؛ فأمرها بأخذ الكيس وأن تنصرف؛ فلما انصرفت قال: خرجت من سجستان بنية طلب العلم ومتى تزوجت سقط عني هذا الاسم، وما أوثر على ثواب طلب العلم شيئًا.
قلت: مات بمكة في المحرم سنة أربع وأربعين وأربعمائة رحمه الله تعالى، وقد روينا المسلسل من طريقه في غير هذا الكتاب.
1006- 5/14
الداني
الحافظ الإمام شيخ الإسلام أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي مولاهم، القرطبي المقرئ صاحب التصانيف.
وعرف بالداني لسكناه بدانية، قال: ولدت سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وابتدأت بطلب العلم سنة ست وثمانين ورحلت إلى المشرق سنة سبع وتسعين فكنت بالقيروان أربعة أشهر ودخلت مصر في شوالها فمكثت بها سنة وحججت ورجعت إلى الأندلس في ذي القعدة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.
قلت: قرأ بالروايات على عبد العزيز بن جعفر الفارسي وغيره بقرطبة، وعلى أبي الحسن بن غلبون وخلف بن خاقان المصري وأبي الفتح فارس بن أحمد، وسمع من أبي مسلم الكاتب وهو أكبر شيخ له وأحمد بن فراس العبقسي وعبد الرحمن بن عثمان القشيري وحاتم بن عبد الله البزاز وأحمد بن فتح بن الرسان وعبد الرحمن بن عمر بن النحاس المصري وأبي الحسن علي بن محمد القابسي وخلق كثير بالحجاز ومصر والمغرب والأندلس، تلا عليه خلق منهم أبو الدؤاد مفرج الإقبالي وأبو داود بن نجاح وأبو الحسين بن التنار وأبو الحسن بن الدوش، وحدث عنه خلق كثير منهم خلف بن إبراهيم الطليطلي.
قال أبو محمد بن عبيد الله الحجري الحافظ: أبو عمرو الداني ذكر بعض الشيوخ أنه لم يكن في عصره ولا بعد عصره أحد يضاهيه في حفظه وتحقيقه وكان يقول: ما رأيت شيئًا قط إلا كتبته ولا كتبته إلا حفظته ولا حفظته فنسيته. قال ابن بشكوال: كان أبو عمرو أحد الأئمة في علم القراءات ورواياته وتفسيره ومعانيه وطرقه وإعرابه، وجمع في ذلك كله تواليف حسانًا، وله معرفة بالحديث وطرقه وأسماء رجاله، وكان حسن الخط والضبط من أهل الحفظ والذكاء والتفنن، وكان أديبًا فاضلًا ورعًا سنيًّا. وقال المغامي: كان أبو عمرو مجاب الدعوة مالكي المذهب. وقال الحميدي: محدث مكثر ومقرئ متقدم. قلت: إلى أبي عمرو المنتهى في إتقان القراءات، والقراء خاضعون لتصانيفه واثقون بنقله في القراءات والرسم والتجويد والوقف والابتداء وغير ذلك، وله مائة وعشرون مصنفًا.
روى عنه بالإجازة رجلان: أحمد بن محمد بن عبد الله الخولاني وأبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبي حمزة، وقد استوفيت أخباره في تاريخ القراء وفي تاريخي الكبير، وكانت وفاته بدانية في نصف شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة، رحمة الله عليه. وقع لنا القراءات من طريقه تلاوة وسماعًا.
1007- 6/14
السمان
الحافظ الكبير المتقن، أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين بن زنجويه الرازي.
سمع عبد الرحمن بن محمد بن فضالة وأبا طاهر المخلص وأحمد بن إبراهيم بن فراس المكي وعبد الرحمن بن أبي نصر الدمشقي وأبا محمد بن النحاس المصري وطبقتهم. روى عنه أبو بكر الخطيب وعبد العزيز الكتاني وابن أخيه طاهر بن الحسين وأبو علي الحداد وآخرون.
قال المطهر بن علي العلوي المرتضى: سمعت أبا سعد السمان إمام المعتزلة يقول: من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام. وقال الكتاني: كان السمان من الحفاظ الكبار زاهدًا عابدًا يذهب إلى الاعتزال. وقال أبو القاسم بن عساكر: سألت أبا منصور بن عبد الرحيم بن المظفر بالري عن وفاة أبي سعد السمان فقال: سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة؛ قال: وكان عدلي المذهب يعني معتزليًّا؛ قال: وكان له ثلاثة آلاف وستمائة شيخ، وصنف كتبًا كثيرة، ولم يتأهل قط. قلت: هذا العدد لشيوخه لا أعتقد وجوده ولا يمكن.
قال عمر العليمي: وجدت على ظهر جزء: مات الزاهد أبو سعد السمان شيخ العدلية وعالمهم ومحدثهم في شعبان سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وكان إمامًا بلا مدافعة في القراءات والحديث والرجال والفرائض والشروط عالمًا بفقه أبي حنيفة وبالخلاف بينه وبين الشافعي وعالمًا بفقه الزيدية وكان يذهب مذهب أبي هاشم الجبائي، دخل الشام والحجاز والمغرب وقرأ على ثلاثة آلاف شيخ. قال: وكان يقال في مدحه: إنه ما شاهد مثل نفسه وكان تاريخ الزمان وشيخ الإسلام. قلت: بل شيخ الاعتزال ومثل هذا عبرة فإنه مع براعته في علوم الدين ما تخلص بذلك من البدعة.
قرأت على عيسى بن أبي محمد والحسن بن علي وسليمان بن أبي عمر الحاكم أخبركم جعفر الهمذاني أنا أبو طاهر السلفي أنا أبو علي المقرئ أنا أبو سعد الحافظ أنا كوهي بن الحسن نا محمد بن هارون الحضرمي نا محمد بن سهل بن عسكر نا عبد الرزاق قال: ما رأيت أحسن صلاة من ابن جريج أخذ عن عطاء وأخذ عطاء عن ابن الزبير وأخذ ابن الزبير عن أبي بكر الصديق وأخذها أبو بكر عن النبي ﷺ وأخذها النبي ﷺ عن جبرائيل " "عليه السلام" " وأخذها جبرائيل عن الله، عز وجل.
أخبرنا الحسن بن علي سنة أربع وتسعين أنا جعفر بن علي أنا أحمد بن محمد أنا علي بن الحسين بن محمد بن مردك بالري سنة إحدى وخمسمائة أنا إسماعيل بن علي الحافظ أنا أحمد بن إبراهيم بن فراس بمكة أنا إسماعيل بن العباس الوراق نا علي بن حرب نا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي قال: خير هذه الأمة بعد نبيها ﷺ أبو بكر، وعمر.
1008- 7/14
الخليلي
القاضي الحافظ الإمام أبو يعلى الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني، مصنف كتاب "الإرشاد في معرفة المحدثين".
سمع من علي بن أحمد بن صالح القزويني ومحمد بن إسحاق الكسائي والقاسم بن علقمة وأبي حفص الكتاني ومحمد بن سليمان بن يزيد الفامي وأبي طاهر المخلص وأبي الحسين الخفاف وأبي عبد الله الحاكم، وأجاز له أبو بكر بن المقرئ وأبو حفص بن شاهين وعلي بن عبد الرحمن البكائي من الكوفة، وأبو أحمد الغطريفي من جرجان، وأبو عمرو بن حمدان من نيسابور.
حدث عنه أبو بكر بن لال أحد شيوخه وابنه أبو زيد واقد بن الخليل وإسماعيل بن ماكي القزويني وآخرون، وكان ثقة حافظًا عارفًا بكثير من علل الحديث ورجاله عالي الإسناد كبير القدر، ومن نظر في كتابه عرف جلالته؛ سمعت كتابه من ابن الخلال عن الهمداني عن السلفي عن ابن ماكي عنه، وله فيه أوهام جمة كأنه كتبه من حفظه، توفي في آخر سنة ست وأربعين وأربعمائة.
أخبرنا الحسن بن علي أنا جعفر بن أبي الحسن أنا أبو طاهر السلفي أنا إسماعيل بن عبد الجبار أنا أبو يعلى الخليلي نا أحمد بن محمد الزاهد نا عبد الملك بن عدي نا الحسن بن محمد بن الصباح نا الشافعي نا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ صلى بهم صلاة الكسوف ركعتين، كل ركعتين بركوعين وسجودين. تفرد به الشافعي.
وبه إلى الخليلي قال: نا الحسن بن عبد الرزاق نا علي بن إبراهيم بن سلمة القزويني نا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي حدثني سليمان بن داود الهاشمي نا الشافعي، بإسناده مثله.
وتوفي مع الخليلي الرئيس أبو الفضل أحمد بن محمد بن أبي عمرو بن أبي الفراتي بنيسابور، ومقرئ الشام أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي، والإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن التيمي الأصبهاني بن اللبان، ومقرئ الأندلس أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن سعد القرطبي، ومسند دمشق أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر التميمي.
1009- 8/14
الفلكي
الحافظ البارع أبو الفضل علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن الهمذاني المشهور بالفلكي.
رحال حافظ بصير بالفن، حدث عن أبي الحسن بن رزقويه وأبي الحسين بن بشران والقاضي أبي بكر الحيري وأبي سعيد الصيرفي وطبقتهم.
قال ابن شيرويه في الطبقات: حدثنا عنه الحسني والميداني، وكان حافظًا متقنًا يحسن هذا الشأن جيدًا جيدًا، صنف كتاب الطبقات في الرجال فجاء في ألف جزء، ومات بنيسابور قديمًا وما متع بما جمع فسمعت حمزة بن أحمد يقول: سمعت شيخ الإسلام أبا إسماعيل الأنصاري يقول: ما رأت عيناي من البشر أحدًا أحفظ من ابن الفلكي وكان صوفيًّا. قلت: مات بنيسابور في شعبان سنة سبع وعشرين وقيل: سنة ثمان وعشرين وأربعمائة كهلًا وقد كان جده محتشمًا بارعًا في علم الفلك والحساب؛ ولذا قيل له: الفلكي.
1010- 9/14
أبو مسعود البجلي
الحافظ الجوال أحمد ابن المحدث الصالح محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن شاذان الرازي.
مولده بنيسابور في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة، وأمه من طبرستان وأقام مدة بجرجان، سمع أبا عمرو بن حمدان وحسينك بن علي التميمي وزاهر بن أحمد السرخسي ومحمد بن الفضل بن أبي بكر بن خزيمة وأبا النضر محمد بن أحمد بن سليمان الشرمغولي وأبا بكر محمد بن محمد بن أحمد الطرازي وأبا الحسين القنطري الخفاف وأبا محمد المخلدي وأبا بكر بن لال وأبا الحسن بن فراس المكي وأبا الحسين بن فارس اللغوي وخلائق.
وجمع وصنف في الأبواب، ثم عالج التجارة والسفر؛ حدث عنه يحيى بن الحسن بن شراعة وعبد الواحد بن أحمد الخطيب الهمذانيان وأبو الحسن علي بن محمد الجرجاني وطريف النيسابوري وإسماعيل بن عبد الغافر وعبد الرحمن بن محمد التاجر وآخرون. وثقه جماعة.
أخبرنا محمد بن قايماز الطحان وفاطمة بنت جوهر قالا: أنا أبو عبد الله الحسين بن المبارك، زاد محمد: وأبو المنجا عبد الله بن عمر قالا: أنا أبو الفتوح محمد بن محمد الطائي أنا أبو عمرو الفضل بن أحمد بن متويه الزاهد أنا الحافظ أبو مسعود أحمد بن محمد البجلي أنا أبو علي زاهر بن أحمد أنا محمد بن وكيع الطوسي الفازي -بفاء وزاي قرية من قرى طوس- نا محمد بن أسلم نا محمد بن عبيد نا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: "ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده" متفق عليه. مات ببخارى في المحرم سنة تسع وأربعين وأربعمائة.
وفيها مات شيخ الأدب أبو العلاء بن سليمان المعري، وشيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني، وأبو الحسن علي بن خلف بن بطال القرطبي صاحب شرح البخاري، ومقرئ خراسان أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد النيسابوري الخبازي، وشيخ الرفض أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي.
1011- 10/14
هبة الله محمد بن علي
الحافظ أبو رجاء الشيرازي الكاتب.
سمع من الحسن بن أحمد بن الليث الحافظ محدث شيراز، وبأصبهان من علي بن ميلة الفرضي وأبي سعيد النقاش، وببغداد من أبي الحسين بن بشران وابن الفضل القطان وطائفة واستوطن مصر؛ قال الخطيب: كان ثقة بفهم، مات في صفر سنة خمس وأربعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى.
1012- 11/14
الزهراوي
الحافظ الإمام محدث الأندلس، أبو حفص عمر بن عبيد الله الذهلي القرطبي الزهراوي.
كتب بقرطبة وإشبيلية والزهراء عن عبد الوارث بن سفيان وأبي محمد بن أسد وأبي المطرف بن فطيس وأبي عبد الله بن أبي زمنين وعبد السلام بن السمح وسلمة بن سعيد، وكتب إليه بالإجازة أبو الحسن القابسي، وكان معنيًّا بالرواية؛ حدث عنه محمد بن غياث وأبو عمر أحمد بن مهدي المقرئ وأبو علي الغساني وآخرون؛ وكان ثقة متقنًا متصاونًا قاله ابن مهدي، ويقال: إنه اختلط في آخر عمره.
قال أبو مروان الطبني: حدثني أبو حفص الزهراوي قال: شددت في البيت ثمانية أحمال كتب لأنقلها فلم يتم حتى انتهبها البربر. مات في صفر سنة أربع وخمسين وأربعمائة وعاش ثلاثًا وتسعين سنة.
وفيها مات القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي قاضي مصر وصاحب الشهاب، والإمام القدوة أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار الرازي المقرئ الجوال، والمقرئ أبو سعد أحمد بن إبراهيم بن أبي شمس النيسابوري وله أربعون حديثًا، ومسند الآفاق أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الجوهري ببغداد وكان آخر أصحاب القطيعي، ونحوي مصر أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاذ الجوهري.
1013- 12/14
ابن عبد البر
الإمام شيخ الإسلام حافظ المغرب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي.
ولد سنة ثمان وستين وثلاثمائة في ربيع الآخر وطلب الحديث قبل مولد الخطيب بأعوام، حدث عن خلف بن القاسم وعبد الوارث بن سفيان وعبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ومحمد بن عبد الملك بن صيفون وعبد الله بن محمد بن أسد الجهني ويحيى بن وجه الجنة وأحمد بن فتح الرسان وسعيد بن نصر والحسين بن يعقوب البجاني وأبي عمر أحمد بن الحسور وعدة، وأجاز له من مصر المسند أبو الفتح بن سيبخت والحافظ عبد الغني، ومن مكة أبو القاسم عبيد الله بن السقطي، وساد أهل الزمان في الحفظ والإتقان.
قال أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر في الحديث. وقال ابن حزم: التمهيد لصاحبنا أبي عمر لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلا فكيف أحسن منه، وكتاب الاستذكار وهو اختصار التمهيد، وله تواليف لا مثل لها في جمع معانيها، منها الكافي على مذهب مالك خمسة عشر مجلدًا، ومنها كتاب الاستيعاب في الصحابة ليس لأحد مثله، ومنها كتاب جامع بيان العلم وفضله. قلت: وله كتاب الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو، وكتاب بهجة المجالس نوادر وشعر، وله كتاب التفصي لحديث الموطأ، وكتاب الإنباه عن قبائل الرواة، وكتاب الانتقاء لمذاهب الثلاثة العلماء: مالك وأبي حنيفة والشافعي، والبيان في تلاوة القرآن، والأجوبة الموعبة، وكتاب الكنى، وكتاب المغازي، وكتاب القصد والأمم في أنساب العرب والعجم، وكتاب الشواهد في إثبات خبر الواحد، وكتاب الإنصاف في أسماء الله تعالى، وكتاب الفرائض، وغير ذلك. قال ابن سكرة: سمعت أبا الوليد الباجي يقول: أبو عمر أحفظ أهل المغرب.
أنبأنا أبو محمد الجزائري أنا عثمان بن حسن بن دحية قراءة أنا أبو عبد الله بن زرقون سماعًا أنا موسى بن أبي تليد قراءة عليه "ح" قال ابن دحية: وأنا خلف بن بشكوال وابن الجد قالا: نا أبو محمد بن عتاب قالا: ثنا أبو عمر بن عبد البر بكتاب التفصي. وقال الغساني: سمعت ابن عبد البر يقول: لم يكن أحد ببلدنا مثل قاسم بن محمد وأحمد بن خالد الجباب، قال الغساني: ولم يكن ابن عبد البر بدونهما ولا متخلفًا عنهما، وكان من النمر بن قاسط طلب وتقدم ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الفقيه ولزم أبا الوليد بن الفرضي ودأب في طلب الحديث وافتنَّ به وبرع براعة فاق بها من تقدمه من رجال الأندلس، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني له بسطة كبيرة في علم النسب والأخبار، جلا عن وطنه فكان في الغرب مدة ثم تحول إلى شرق الأندلس فسكن دانية وبلنسية وشاطبة وبها توفي، وذكر غير واحد أن أبا عمر ولي قضاء أشبونة مدة. قلت: أعلى ما عنده كتاب الزعفراني سمعه من ابن صيفون أنا ابن الأعرابي عنه، وسنن أبي داود سمعه من ابن عبد المؤمن أنا ابن داسة عن المؤلف، وانتهى إليه مع إمامته علو الإسناد.
حدث عنه أبو العباس الدلائي وأبو محمد بن أبي قحافة وأبو الحسن بن مفوز وأبو علي الغساني وأبو عبد الله الحميدي وأبو بحر سفيان بن العاص ومحمد بن فتوح الأنصاري وأبو داود سليمان بن أبي القاسم المقرئ وآخرون. وكان دينًا صينًا ثقة حجة صاحب سنة واتباع، وكان أولًا ظاهريًّا أثريًّا ثم صار مالكيًّا مع ميل كثير إلى فقه الشافعي. قال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ مكثر، عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي، رحمة الله عليه.
قال أبو داود المقرئ: مات أبو عمر ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر سنة ثلاث وستين وأربعمائة، واستكمل خمسًا وتسعين سنة وخمسة أعوام.
قلت: وفيها مات الخطيب ببغداد، ومسند نيسابور أبو حامد أحمد بن الحسن الأزهري عن تسع وثمانين سنة، والرئيس الكبير أبو علي حسان بن سعيد المخزومي المتيعي المروروذي، ومسند مرو أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي الهروي، ومسند بغداد أبو الغنائم محمد بن علي بن علي بن الدجاجي، والمعمر أبو بكر بن أبي الهيثم عبد الصمد المروزي عن ست وتسعين سنة وهو آخر أصحاب أبي سعيد بن عبد الوهاب الرازي، والمسند أبو علي محمد بن وشاح مولى أبي تمام الزينبي، رافضي معتزلي عنده عوالٍ.
كتب إلينا أبو المجد عبد الرحمن بن عمر العقيلي الحاكم أنا عمر بن علي بن قسام الحنفي بحلب أنا الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد الأشيري أنا أبو الحسن بن موهب أنا يوسف بن عبد الله النمري الحافظ أنا خلف بن القاسم نا الحسن بن رشيق أنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس أنا محمد بن عبد الأعلى ثنا سلمة بن رجاء عن الوليد بن جميل عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله، ﷺ: "إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الخير". هذا حديث غريب والوليد صاحب مناكير.
قرأت على أبي الحسين الحافظ أخبركم علي بن سلامة أنا أبو القاسم الرعيني أنا ابن هذيل نا أبو داود أنا أبو عمر بن عبد البر أنا سعيد بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن وضاح نا يحيى بن يحيى نا مالك عن يحيى بن سعيد أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده قال: بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.
1014- 13/14
البيهقي
الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي البيهقي، صاحب التصانيف.
ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة في شعبان، وسمع أبا الحسن محمد بن الحسين العلوي وأبا عبد الله الحاكم وأبا طاهر بن محمش وأبا بكر بن فورك وأبا علي الروذباري وعبد الله بن يوسف بن بانويه وأبا عبد الرحمن السلمي وخلقًا بخراسان، وهلال بن محمد الحفار وأبا الحسين بن بشران وابن يعقوب الإيادي وعدة ببغداد، والحسن بن أحمد بن فراس وطائفة بمكة، وجناح بن نذير وجماعة بالكوفة، ولم يكن عنده سنن النسائي ولا جامع الترمذي ولا سنن ابن ماجه، بل كان عنده الحاكم فأكثر عنه وعنده عوالٍ ومسانيد وبُورك له في علمه لحسن قصده وقوة فهمه وحفظه.
وعمل كتبًا لم يسبق إلى تحريرها؛ منها الأسماء والصفات وهو مجلدان، والسنن الكبير عشر مجلدات، والسنن والآثار أربع مجلدات، وشعب الإيمان مجلدان، ودلائل النبوة ثلاث مجلدات، والسنن الصغير مجلدان، والزهد مجلد، والبعث مجلد، والمعتقد مجلد، والآداب مجلد، ونصوص الشافعي ثلاث مجلدات، والمدخل مجلد، والدعوات مجلد، والترغيب والترهيب مجلد، وكتاب الخلافيات مجلدان، والأربعون الكبرى، والأربعون الصغرى، وجزء في الرؤية ومناقب الشافعي مجلد، ومناقب أحمد مجلد، وكتاب الأسرى، وكتب عديدة لا أذكرها.
قال عبد الغافر في تاريخه: كان البيهقي على سيرة العلماء قانعا باليسير متجملا في زهده وورعه. وعن إمام الحرمين أبي المعالي قال: ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا أبا بكر البيهقي، فإن له المنة على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه.
قال أبو الحسن عبد الغافر في ذيل تاريخ نيسابور: أبو بكر البيهقي الفقيه الحافظ الأصولي الدين الوَرِع واحد زمانه في الحفظ وفرد أقرانه في الإتقان والضبط من كبار أصحاب الحاكم ويزيد عليه بأنواع من العلوم. كتب الحديث وحفظه من صباه وتفقه وبرع وأخذ في الأصول وارتحل إلى العراق والجبال والحجاز ثم صنف، وتواليفه تُقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه أحد، جمع بين علم الحديث والفقه وبيان علل الحديث ووجه الجمع بين الأحاديث، طلب منه الأئمة الانتقال من الناحية إلى نيسابور لسماع الكتب، فأتى في سنة إحدى وأربعين وعقدوا له المجلس لسماع كتاب المعرفة وحضره الأئمة، وكان على سيرة العلماء قانعًا باليسير. وقال شيخ القضاة أبو علي إسماعيل بن البيهقي: نا أبي قال: حين ابتدأت بتصنيف هذا الكتاب -يعني كتاب معرفة السنن والآثار- وفرغت من تهذيب أجزاء منه، سمعت الفقيه محمد بن أحمد وهو من صالحي أصحابي وأكثرهم تلاوة وأصدقهم لهجة يقول: رأيت الشافعي في النوم وبيده جزء من هذا الكتاب وهو يقول: قد كتبت اليوم من كتاب الفقيه أحمد سبعة أجزاء أو قال: قرأتها ورآه يعيد ذلك. قال: وفي صباح ذلك اليوم رأى فقيه آخر من إخواني الشافعي قاعدًا في الجامع على سرير وهو يقول: استفدت اليوم من كتاب الفقيه حديث كذا وكذا؛ وأخبرنا والدي، سمعت الفقيه أبا محمد الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ يقول: سمعت الفقيه محمد بن عبد العزيز المروزي يقول: رأيت في المنام كأنّ تابوتًا علا في السماء يعلوه نور فقلت: ما هذا؟ قال: هذه تصنيفات أحمد البيهقي. ثم قال شيخ القضاة: وسمعت الحكايات الثلاث من الثلاثة المذكورين.
أخبرنا أحمد بن هبة الله بن أحمد أنبأتنا زينب بنت عبد الرحمن أنا محمد بن إسماعيل الفارسي أنا أبو بكر البيهقي أنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد أنا أبو بكر بن حجة نا أبو الوليد نا عمرو بن العلاء اليشكري عن صالح بن سرج عن عمران بن حطان عن عائشة قالت: قال رسول الله، ﷺ: "يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقضِ بين اثنين في تمرة قط".
قلت: حضر في أواخر عمره من بيهق إلى نيسابور، وحدث بكتبه، ثم حضره الأجل في عاشر جمادى الأولى من سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة، فنقل في تابوت فدفن ببيهق، هي ناحية من أعمال نيسابور على يومين منها، وخُسروجِرد هي أم تلك الناحية.
حدث عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري بالإجازة وأبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أحمد وولده إسماعيل بن أحمد وأبو عبد الله الفراوي وأبو القاسم الشحامي وأبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي وعبد الجبار بن عبد الوهاب الدهان وعبد الجبار بن محمد الخواري وأخوه عبد الحميد بن محمد وخلق كثير.
وفيها مات معه المسند أبو الطيب عبد الرزاق بن عمر بن شمة الأصبهاني صاحب ابن المقرئ وفقيه العراق القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء الحنبلي وقد قارب الثمانين، والعارف فرج الزنجاني ويلقب بأخي، وصاحب المحكم أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي الضرير، فابن عبد البر والخطيب والبيهقي وابن ماكولا هم الطبقة العاشرة الأخيرة من كتاب الطبقات لابن المفضل، بدأ الأربعين بالزهري وختم بابن ماكولا.
1015- 14/14
الخطيب
الحافظ الكبير الإمام محدث الشام والعراق أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، صاحب التصانيف.
ولد سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وكان والده خطيب قرية درزيجان من سواد العراق ممن سمع وقرأ القرآن على الكتاني فحرص على ولده هذا وأسمعه في الصغر سنة ثلاث وأربعمائة ثم ألهم طلب هذا الشأن ورحل فيه إلى الأقاليم وبرع وصنف وجمع وسارت بتصانيفه الركبان وتقدم في عامة فنون الحديث.
سمع أبا الحسن بن الصلت الأهوازي وأبا عمر بن مهدي وأبا الحسين بن المتيم والحسين بن الحسن الجواليقي وابن رزقويه وابن أبي الفوارس وهلالًا الحفار وإبراهيم بن مخلد الباخرجي والموجودين ببغداد. وارتحل سنة اثنتي عشرة إلى البصرة فسمع أبا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي راوية السنن وعلي بن القاسم الشاهد والحسن بن علي النيسابوري وسمع بنيسابور أبا القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج والقاضي أبا بكر الحيري وطبقتهما. وسمع بأصبهان أبا الحسن بن عبدكويه ومحمد بن عبد الله بن شهريار وأبا نعيم الحافظ وطبقتهم، وسمع بالدينور أبا نصر الكسار وطائفة، وبهمذان محمد بن عيسى وطائفة، وبالكوفة والري والحرمين ودمشق والقدس وصُور وغير ذلك، وكان مجيئه إلى دمشق سنة خمس وأربعين وأربعمائة ثم حج ثم قدم الشام سنة إحدى وخمسين فسكنها إحدى عشرة سنة.
روى عنه البرقاني شيخه وأبو الفضل بن خيرون والفقيه نصر المقدسي وأبو عبد الله الحميدي وعبد العزيز الكتاني وأبو نصر بن ماكولا، وعبد الله بن أحمد السمرقندي والمبارك ابن الطيوري ومحمد بن مرزوق الزعفراني وأبو بكر بن الخاضبة وأبي النرسي وأبو القاسم النسيب وهبة الله بن الأكفاني وعلي بن أحمد بن قيس الغساني ومحمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي وأبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي وعبد الكريم بن حمزة وطاهر بن سهل الأسفراييني وهبة الله بن عبد الله الشروطي وأبو السعادات أحمد بن أحمد المتوكلي وعبد الرحمن بن محمد الشيباني القزاز، وأبو منصور بن خيرون المقرئ ويوسف بن أيوب الهمذاني نزيل مصر، وخلق يطول عدهم، وكان من كبار الشافعية، تفقه بأبي الحسن بن المحاملي، وبالقاضي أبي الطيب.
وقال: أول ما سمعت في المحرم سنة ثلاث واستشرت البرقاني في الرحلة إلى عبد الرحمن بن النحاس بمصر أو أخرج إلى نيسابور فقال: إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى رجل واحد فإن فاتك ضاعت رحلتك، وإن خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة، فخرجت إلى نيسابور وكنت كثيرًا أذاكر البرقاني بالأحاديث فيكتبها عني ويضمنها جموعه وحدث عني وأنا أسمع.
قال ابن ماكولا: كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظًا وإتقانًا وضبطًا لحديث رسول الله ﷺ وتفننًا في علله وأسانيده وعلمًا بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه. ثم قال: ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله، وسألت الصوري عن الخطيب وأبي نصر السجزي ففضل الخطيب تفضيلًا بينًا. وقال مؤتمن الساجي: ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني مثل الخطيب. وقال أبو علي البرداني: لعل الخطيب لم ير مثل نفسه. وقال أبو إسحاق الشيرازي الفقيه: أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه.
قال أبو سعد السمعاني: كان الخطيب مهيبًا وقورًا ثقة متحببًا حجة حسن الخط كثير الضبط فصيحًا ختم به الحفاظ. قال: وقرأ بمكة على كريمة الصحيح في خمسة أيام، وخرج من بغداد بعد فتنة البساسيري لتشوش الحال إلى الشام، سمعت الخطيب مسعود بن محمد بمرو قال: سمعت الفضل بن عمر النسوي يقول: كنت بجامع صور عند الخطيب فدخل عليه علوي وفي كمه دنانير فقال: هذا الذهب تصرفه في مهماتك؛ فقطب وقال: لا حاجة لي فيه، فقال: كأنك تستقله ونفض كمه على سجادة الخطيب وقال: هي ثلاثمائة دينار، فخجل الخطيب وقام وأخذ سجادته وراح. فما أنسى عز خروجه وذل العلوي وهو يجمع الدنانير.
قال أبو زكريا التبريزي: كنت أقرأ على الخطيب بحلقته بجامع دمشق كتب الأدب المسموعة له وكنت أسكن منارة الجامع فصعد إليّ وقال: أحببت أن أزورك فتحدثنا ساعة ثم أخرج ورقة وقال: الهدية مستحبة اشترِ بهذه أقلامًا وقام فإذا خمسة دنانير؛ ثم صعد نوبة أخرى ووضع نحوًا من ذلك، وكان إذا قرأ الحديث يسمع صوته في آخر الجامع، كان يقرأ معربًا صحيحًا.
قال السمعاني: سمعت من ستة عشر من أصحابه سمعوا منه ببغداد سوى نصر الله المصيصي فسماعه منه بدمشق، وسوى يحيى بن علي الخطيب فسماعه منه بالأنبار، أبو محمد بن الآبنوسي: سمعت الخطيب يقول: كل من ذكرت فيه أقاويل الناس من جرح وتعديل فالتعويل على ما أخرت. قال ابن شافع: خرج الخطيب فقصد صور وبها عز الدولة أحد الأجواد وتقرب منه فانتفع به وأعطاه مالًا كثيرًا، انتهى إليه الحفظ والإتقان والقيام بعلوم الحديث.
قال ابن عساكر: سمعت الحسين بن محمد يحدث عن أبي الفضل بن خيرون أو غيره أن الخطيب ذكر أنه لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات وسأل الله ثلاث حاجات أخذًا بالحديث: "ماء زمزم لما شرب له" فالحاجة الأولى أن يحدث بتاريخ بغداد بها، الثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور، الثالثة أن يدفن عند بشر الحافي؛ فقضى الله له ذلك. قال غيث الأرمنازي: نا أبو الفرج الأسفراييني قال: كان الخطيب معنا في الحج فكان يختم كل يوم قريب الغياب قراءة ترتيل ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب فيقولون: حدثنا، فيحدث. وقال عبد المحسن الشيحي: عادلت الخطيب من دمشق إلى بغداد فكان له في كل يوم وليلة ختمة.
قال السمعاني: له ستة وخمسون مصنفًا؛ التاريخ، الجامع، الكفاية، السابق واللاحق، شرف أصحاب الحديث مجيليد، المتفق والمفترق مجلد كبير، تلخيص المتشابه مجلد كبير، تالي التلخيص في أجزاء، الفصل والوصل مجلد، المكمل في المهمل مجلد، الموضح مجلد، التطفيل مجيليد، الأسماء المهمة مجلد، الفقيه والمتفقه مجلد، الرواة عن مالك مجلد، تمييز متصل الأسانيد مجلد، البخلاء مجيليد، الفنون مجيليد، كتاب البسملة وأنها من الفاتحة جزء، الجهر بها جزءان، غنية المقتبس في تمييز الملتبس مجلد، من وافقت كنيته اسم أبيه ثلاثة أجزاء، من حدث ونسي جزء، الحيل ثلاثة أجزاء، الأسماء المبهمة جزء، رواية الأبناء عن آبائهم جزء، المؤتنف لتكملة المؤتلف والمختلف، الرحلة جزء، اقتضاء العلم جزء، الاحتجاج بالشافعي جزء، مبهم المراسيل مجلد، مقلوب الأسماء مجلد، العمل بشاهد ويمين جزء، أسماء المدلسين أربعة أجزاء، تقييد العلم ثلاثة أجزاء، القول في النجوم جزء، ما روى الصحابة عن التابعين جزء، صلاة التسبيح جزء، صوم يوم الشك جزء، إجازة المجهول جزء.
قلت: ومعجم الرواة عن شعبة مجلد، المؤتلف والمختلف مجلد كبير، مسند محمد بن سوقة أربعة أجزاء، المسلسلات ثلاثة أجزاء، الرباعيات ثلاثة أجزاء، طرق قبض العلم ثلاثة أجزاء، غسل الجمعة ثلاثة أجزاء، وغير ذلك.
أنشدني أبو الحسين اليونيني أنشدنا أبو الفضل الهمداني أنشدنا السلفي لنفسه، وقد رواها السمعاني في الذيل عن يحيى بن سعدون عن السلفي قال:
تصانيف ابن ثابت الخطيب ألذ من الصبي الغض الرطيب
يراها إذ رواها من حولها رياضا للفتى اليقظ اللبيب
ويأخذ حسن ما قد ضاع منها بقلب الحافظ الفطن الأريب
فأية راحة ونعيم عيش توازي كتبها بل أي طيب
قال أبو الحسن الهمذاني: مات هذا العلم بوفاة الخطيب، وقد كان رئيس الرؤساء تقدم إلى الوعاظ والخطباء ألا يرووا حديًثا حتى يعرضوه على أبي بكر، وأظهر بعض إليهود كتابًا بإسقاط النبي ﷺ الجزية عن الخيابرة وفيه شهادة الصحابة، فعرضه الوزير على أبي بكر فقال: هذا مزوّر، قيل: من أين قلت هذا؟ قال: فيه شهادة معاوية، وهو أسلم عام الفتح بعد خيبر، وفيه شهادة سعد بن معاذ ومات قبل خيبر بسنين.
قال شجاع الذهلي: والخطيب إمام مصنف حافظ لم يدرك مثله.
قال سعيد المؤدب: قلت للخطيب عند لقائي له: أنت الحافظ أبو بكر؟ فقال: أنا أحمد بن علي الخطيب، انتهى الحفظ إلى الدارقطني. قال ابن الآبنوسي: كان الخطيب يمشي وفي يده جزء يطالعه؛ وقيل: كان الخطيب يقول: من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس. قال ابن طاهر في المنثور: أخبرنا مكي الرميلي قال: كان سبب خروج الخطيب من دمشق أنه كان يختلف إليه صبي مليح فتكلم فيه الناس وكان أمير البلد رافضيًّا متعصبًا فجعل ذلك سببًا للفتك بالخطيب، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل ويقتله وكان سنيًّا، فقصده تلك الليلة في جماعته فأخذه وقال له بما أمر به ثم قال: لا أجد لك حيلة إلا أنك تفر منا وتهجم دار الشريف بن أبي الحسن العلوي وأنا لا أطلبك وأرجع إلى الأمير فأخبره، ففعل ذلك، فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به فقال له: أيها الأمير أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله، وليس في قتله مصلحة وهو مشهور بالعراق، إن قتلته قتل به جماعة من الشيعة وخربت المشاهد، قال: فماذا ترى؟ قال: أرى أن تخرجه من بلدك؛ فأمر بإخراجه فذهب إلى صور واقام بها مدة.
وقال ابن السمعاني: خرج من دمشق في صفر سنة سبع وخمسين فقصد صور وكان يزور منها القدس ويعود، إلى أن سافر إلى العراق سنة اثنتين وستين وذهب إلى طرابلس ثم إلى حلب وبقي بها أيامًا. وقال المؤتمن الساجي: تحاملت الحنابلة على الخطيب حتى مال إلى ما مال إليه. وقال ابن عساكر: سعى بالخطيب حسين الدمنشي إلى أمير الجيوش وقال: هو ناصبي يروي فضائل الصحابة والعباس في جامع دمشق. وقيل: إن الخطيب قدم بغداد وظهر بجزء فيه سماع القائم بأمر الله فأتى دار الخلافة يستأذن في قراءة الجزء، فقال الخليفة: هذا رجل كبير وليس غرضه السماع فانظروا هل له حاجة؟ فسألوه ما حاجته؟ قال: أن يؤذن لي في أن أملي بجامع المنصور، وذكر القصة. قال ابن طاهر: سألت هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي: هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ؟ قال: لا، كنا إذا سألنا عن شيء أجابنا بعد أيام وإن ألححنا عليه غضب، كانت له بادرة وحشة.
أخبرنا أبو علي بن الخلال أنا جعفر أنا أبو طاهر الحافظ نا محمد بن مرزوق الزعفراني نا الحافظ أبو بكر الخطيب قال: أما الكلام في الصفات فإن ما روي منها في السنن الصحاح مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والفصل إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، وإذا كان معلوم أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: لله يد وسمع وبصر فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة ولا إن معنى السمع والبصر العلم ولا نقول: إنها جوارح ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ونقول: إنما وجب إثباتها؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}.
وقال ابن النجار في ترجمة الخطيب: نشأ ببغداد وقرأ القرآن بالروايات وتفقه وعلق شيئًا من الخلاف، وآخر من حدث عنه بالسماع محمد بن عمر الأرموي القاضي. قلت: وآخر من حدث عنه بالإجازة مسعود بن الحسن الثقفي الذي انفردت بإجازته عجيبة بنت الباقِداري، ثم طعن أبو موسى المديني في نقل إجازة الخطيب لمسعود فتورع الرجل عنها.
قال أبو منصور علي بن علي الأمير: كتب الخطيب إلى القائم: إني إذا مت يكون مالي لبيت المال فليؤذن لي حتى أفرقه على من شئت، فأذن له ففرقها على المحدثين. قال ابن ناصر: حدثتني أمي أن أبي حدثها قال: دخلت على الخطيب في مرضه فقلت له يومًا: يا سيدي إن ابن خيرون لم يعطني من الذهب شيئًا الذي أمرته أن يفرقه على أصحاب الحديث؛ فرفع الخطيب رأسه من المخدة وقال: خذ هذه بارك الله لك فيها، فكان فيها أربعون دينارًا.
وقال مكي الرميلي: مرض الخطيب في رمضان من سنة ثلاث وستين في نصفه إلى أن اشتد به الحال في أول ذي الحجة، ومات يوم سابعه وأوصى إلى أبي الفضل بن خيرون ووقف كتبه على يده وفرق ماله في وجوه البر وشيعه القضاة والخلق، وأمهم أبو الحسين بن المهتدي بالله ودفن بجنب بشر الحافي. قال ابن خيرون: دفن بباب حرب وتصدق بماله وهو مائتا دينار وأوصى بأن يتصدق بثيابه وكان بين يدي جنازته جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن رسول الله، ﷺ، هذا الذي كان ينفي الكذب على رسول الله، ﷺ، هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله، ﷺ، وختم على قبره عدة ختمات.
وقال عبد العزيز الكتاني: ورد كتاب جماعة أن الحافظ أبا بكر مات في سابع ذي الحجة، وكان أبو إسحاق الشيرازي ممن حمل جنازته، قال إسماعيل بن أبي سعد الصوفي: كان أبو بكر بن زهراء الصوفي برباطنا قد أعد لنفسه قبرًا إلى جانب قبر بشر الحافي وكان يمضي إليه في كل أسبوع وينام فيه ويقرأ فيه القرآن كله، فلما مات الخطيب وكان أوصى أن يدفن إلى جنب بشر الحافي فجاء المحدثون إلى ابن زهراء، وسألوه أن يدفنوا الخطيب في قبره وأن يؤثره به فامتنع فجاءوا إلى أبي فأحضره وقال: أنا لا أقول لك أعطهم القبر، ولكن لو أن بشرًا الحافي في الأحياء وأنت إلى جانبه فجاء أبو بكر الخطيب ليقعد دونك أكان يحسن بك أن تقعد أعلى منه؟ قال: لا، بل كنت أقوم وأجلسه؛ قال: فهكذا ينبغي أن يكون الساعة، فطاب قلبه وأذن لهم. قال علي بن الحسين بن جدا: رأيت بعد موت الخطيب كأن شخصًا قائمًا بحذائي فأردت أن أسأله عن الخطيب فقال لي ابتداء: انزل وسط الجنة حيث يتعارف الأبرار.
قال غيث الأرمنازي: قال مكي الرميلي: كنت ببغداد نائمًا في ليلة ثاني عشر في ربيع الأول سنة ثلاث وستين، فرأيت كأنا عند الخطيب لقراءة تاريخه على العادة والشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي عن يمينه وعن يمين نصر رجل سألت عنه فقيل: هذا رسول الله ﷺ جاء ليسمع التاريخ، فقلت في نفسي: هذه جلالة لأبي بكر. قال غيث: أنشدنا الخطيب لنفسه:
إن كنت تبغي الرشاد محضًا لأمر دنياك والمعاد
فخالف النفس في هواها إن الهوى جامع الفساد
أخبرنا المسلم بن محمد ومؤمل بن محمد ويوسف الشيباني في كتابهم قالوا: أنا أبو اليمن الكندي أنا أبو منصور الشيباني أنا أبو بكر الحافظ أنا أحمد بن محمد بن أحمد الأهوازي أنا محمد بن جعفر المطيري نا الحسن بن عرفة نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن عبيد الله بن عمر عن أسامة بن زيد عن عراك بن مالك عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا أن في الرقيق صدقة الفطر".
1016- 15/14
ابن حزم
الإمام العلامة الحافظ الفقيه المجتهد، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، الفارسي الأصل الأموي اليزيدي القرطبي الظاهري صاحب التصانيف.
كان جدهم خلف أول من دخل إلى الأندلس، ولد أبو محمد بقرطبة سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، وسمع من أبي عمر أحمد بن الحسور ويحيى بن مسعود بن وجه الجنة ويوسف بن عبد الله القاضي وحمام بن أحمد القاضي ومحمد بن سعيد بن نبات وعبد الله بن ربيع التميمي وعبد الله بن محمد بن عثمان وأبي عمر الطلمنكي وعبد الرحمن بن عبد الله بن خالد وعبد الله بن يوسف بن نامي وخلق سواهم.
روى عنه أبو عبد الله الحميدي فأكثر وابنه أبو رافع الفضل وطائفة، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن شريح بن محمد، وأول سماعه في سنة أربعمائة. وكان إليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم، وكان شافعيًَّا ثم انتقل إلى القول بالظاهر ونفى القول بالقياس وتمسك بالعموم والبراءة الأصلية، وكان صاحب فنون فيه دين وتورع وتزهد وتحرّ للصدق، وكان أبوه وزيرًا جليلًا محتشمًا كبير الشأن.
وكان لأبي محمد كتب عظيمة لا سيما كتب الحديث والفقه وقد صنف كتابًا كبيرًا في فقه الحديث سماه: الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع، أورد فيه أقوال الصحابة فمن بعدهم والحجة لكل قول، وهو كبير جدًّا. وله كتاب الإحكام في أصول الأحكام مجلدان، وكتاب المحلى في الفقه على مذهبه واجتهاده مجلد، وشرحه هو المحلى في ثماني مجلدات، وكتاب الفصل في الملل والنحل ثلاث مجلدات، وكتاب إظهار تبديل اليهود والنصارى للكتابين التوراة والإنجيل، وكتاب التقريب لحد المنطق ولا مدخل إليه بألفاظ أهل العلم لا بألفاظ أهل الفلسفة ومثله بالأمثلة الفقهية. أخذ المنطق عن محمد بن الحسن المذحجي وأمعن فيه، فبقي فيه قسط من نحلة الحكماء.
قال أبو حامد الغزالي: وجدت في أسماء الله تعالى كتابًا ألفه أبو محمد بن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه. وقال صاعد بن أحمد: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، ومعرفته بالسنن والآثار والأخبار، أخبرني ولده الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه أبي محمد من تواليفه أربعمائة مجلد تحتوي على نحو من ثمانين ألف ورقة. قال الحميدي: كان أبو محمد حافظًا للحديث وفقهه، مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنة، متفننًا في علوم جمة، عاملًا بعلمه ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين، وكان له في الأدب والشعر نفس واسع وباع طويل، ما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، وشعره كثير جمعته على حروف المعجم.
قال أبو القاسم صاعد: كان أبوه أبو عمر أحمد من وزراء المنصور محمد بن أبي عامر ثم وزر للمظفر بن المنصور ووزر أبو محمد للمستظهر بالله عبد الرحمن بن هشام ثم نبذ الوزارة وأقبل على العلم وبرع في المنطق ثم أعرض عنه وأقبل على علوم الإسلام فنال ما لم ينله أحد. وقال أليسع بن حزم الغافقي: أما محفوظ أبي محمد فبحر عجاج وماء ثجاج يخرج من بحره مرجان الحكم وينبت بثجاجه ألفاف النعم في رياض الهمم، لقد حفظ علوم المسلمين وأربى على أهل كل دين، وألف الملل والنحل، كان أولا يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسرير، مدح المعتمد فأجاد وقصد بلنسية وبها المظفر أحد الأطواد، حدثني عنه عمر بن واجب قال: بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب إذا بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتعجب ثم سأل الحاضرين عن شيء من الفقه جووب عليه فاعترض فيه فقال له بعض الحضار: هذا العلم ليس من منتحلاتك، فقام وقعد ودخل منزله فعكف، ووكف منه وابل فما كف، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع فناظر أحسن مناظرة قال فيها: أنا أتبع الحق وأجتهد ولا أتقيد بمذهب.
قال القاضي أبو بكر بن العربي، وقد حط في كتاب القواصم والعواصم على الظاهرية: هي أمة سخيفة تسورت على مرتبة ليست لها وتكلمت بكلام لم تفهمه تلقفوه من إخوانهم الخوارج حيث تقول: لا حكم إلا لله، وكان أول بدعة لقيت في رحلتي القول بالباطن، فلما عدت وجدت القول بالظاهر قد ملأ به المغرب سخيف كان من بادية إشبيلية يعرف بابن حزم، نشأ وتعلق بمذهب الشافعي ثم انتسب إلى داود ثم خلع الكل واستقل بنفسه وزعم أنه إمام الأمة يضع ويرفع ويحكم ويشرع ينسب إلى دين الله ما ليس فيه ويقول عن العلماء ما لم يقولوا تنفيرًا للقلوب عنهم وخرج عن طريق المشبهة في ذات الله تعالى وصفاته فجاء فيه بطوام واتفق كونه بين قوم لا بصر لهم إلا بالمسائل فإذا طالبهم بالدليل كاعوا فيتضاحك مع أصحابه منهم وعضدته الرياسة بما كان عنده من أدب ونسبة كان يوردها على الملوك فكانوا يحملونه ويحمونه لما كان يلقى إليهم في شبه البدع والشرك وفي حين عودي من الرحلة ألفيت حضرتى منهم طافحة ونار ضلالهم لائحة فقاسيتهم مع غير أقران وفي عدم أنصار إلى حسان "؟" يطئون عقبي، تارة تذهب لهم نفسي، وأخرى تنكسر لهم ضرسي، وأنا ما بين إعراض عنهم وتشغيب بهم وقد جاءني رجل بجزء لابن حزم سماه نكت الإسلام، فيه دواهٍ، فجردت عليه نواهي، وجاء آخر برسالة في الاعتقاد فنقضتها برسالة الغرة، والأمر أفحش من أن ينقض، يقولون: لا قول إلا ما قال الله ولا نتبع إلا رسول الله، فإن الله لم يأمر بالاقتداء بأحد ولا بالاهتداء بهدي بشر، فيجب أن يتحققوا أنهم ليس لهم دليل، وإنما هي سخافة وتهويل.
قال كاتبه: صدق القائل: لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله، ثم قال: فأوصيكم بوصيتين ألا تستدلوا عليهم وطالبوهم بالدليل، فإن المبتدع إذا استدللت عليه شغب، وإذا طالبته بالدليل لم يجد إليه سبيلا.
فأما قولهم: لا قول إلا ما قال الله، فحق ولكن أرني ما قال الله. وأما قولهم: لا حكم إلا لله، فغير مسلم على الإطلاق بل من حكم الله أن يجعل الحكم لغيره مما قاله وأخبر به، فصح أن رسول الله ﷺ قال: "وإذا حاصرت أهل حصن فلا تُنزلهم على حكم الله، فإنك لا تدري ما حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك". وصح قوله: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء..." الحديث.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم والمغني للشيخ الموفق. قال أبو الخطاب بن دحية: كان ابن حزم قد برص من أكل اللبان وأصابه زمانة وعاش اثنتين وسبعين سنة إلا أشهرًا.
قال أبو محمد عبد الله بن محمد بن العربي: أخبرني ابن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة فدخل المسجد فجلس ولم يركع، فقال له رجل: قم فصلِّ تحية المسجد، وكان ابن ست وعشرين سنة؛ قال: فقمت وركعت فلما رجعنا من الجنازة جئت المسجد فبادرت بالتحية فقال لي: اجلس ليس ذا وقت صلاة، يعني بعد العصر، فانصرفت حزينًا وقلت للأستاذ الذي رباني: دلني على دار الفقيه أبي عبد الله بن دحون، فقصدته وأعلمته بما جرى عليَّ فدلني على الموطأ فبدأت عليه قراءة، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره ثلاثة أعوام وبدأت بالمناظرة.
ثم قال ابن العربي: صحبت ابن حزم سبعة أعوام وسمعت منه جميع مصنفاته سوى المجلد الأخير من كتاب الفصل وقرأنا عليه من كتاب الإيصال سبع مجلدات في سنة ست وخمسين وهو أربعة وعشرون مجلدًا. قال أبو مروان بن حيان: كان ابن حزم حامل فنون، من حديث وفقه وجدل ونسب وما يتعلق بأذيال الأدب مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة، من المنطق والفلسفة، وله كتب كثيرة لم يخل فيها من غلط لجرأته في التسور على الفنون لا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك وضل في سلوك المسالك وخالف أرسطو واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه، ولا ارتاض ومال أولًا في النظر إلى الشافعي، وناضل عنه حتى وسم به فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء وعيب بالشذوذ، ثم عدل إلى الظاهر فنقحه وجادل عنه ولم يكن يلطف صدعه بما عنده بتعريض ولا بتدريج، بل يصك به معارضه صك الجندل، وينشقه إنشاق الخردل، فينفر عنه القلوب، ويقع به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته فتمالئوا عليه وأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنه، ونهوا عوامهم عن الدنو منه فطفق الملوك يقصونه ويسيرونه عن بلادهم إلى أن انتهوا به منقطع أثره وهي بلدة من بادية لبلة وهو في ذلك غير مرتدع ولا راجع، يبث علمه لمن ينتابه من بادية بلده من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة، يسمعهم ويفقههم ويدارسهم. كمل من مصنفاته وقر بعير لم يجاوز أكثرها عتبة باديته لزهد الفقهاء فيها حتى لأحرق بعضها بإشبيلية ومزقت علانية وأكثر معايبه زعموا عند المنصف له جهله بسياسة العلم التي هي أعوص إيعابه وتخلفه عن ذلك على قوة سبحه في غماره، وعلى ذلك فلم يكن بالسليم من اضطراب رائه ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه إلى أن يحرك بالسؤال فيفجر منه بحر علم لا تكدره الدلاء.
قلت: هذا القائل منصف فأين كلامه من كلام أبي بكر بن العربي وهضمه لمعارف ابن حزم؟
وقال ابن حيان: وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم واعتقاده بصحة إمامتهم حتى نسب إلى النصب، إلى أن قال: ومن تواليفه كتاب الصادع في الرد على من قال بالتقليد، وكتاب شرح أحاديث الموطأ، وكتاب الجامع في صحيح الحديث باختصار الأسانيد، وكتاب التلخيص والتخليص في المسائل النظرية، وكتاب منتقى الإجماع، وكتاب كشف الالتباس لما بين الظاهرية وأصحاب القياس.
قلت: وله السيرة النبوية في مجلد، وتصانيفه كثيرة فمنها أنه قال: صنفت كتابًا فيما خالف فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي جمهور العلماء وما انفرد به كل واحد، ولم يسبق إلى ما قاله. ذكر اسم هذا الكتاب هو في أثناء الفرائض من المحلى، ولا ريب أن الأئمة الكبار تقع لهم مسائل ينفرد المجتهد بها ولا يعلم أحد سبقه إلى القول بتلك المسألة، قد تمسك فيها بعموم أو بقياس أو بحديث صحيح عنده، والله أعلم.
وقد ذكر لابن حزم قول من يقول: أجل المصنفات الموطأ؛ فقال: بل أولى الكتب بالتعظيم الصحيحان، وصحيح سعيد بن السكن، والمنتقى لابن الجارود، والمنتقى لقاسم بن أصبغ. ثم بعد هذه الكتب كتاب أبي داود، وكتاب النسائي، ومصنف قاسم بن أصبغ، ومصنف الطحاوي، ومسند البزار، ومسند ابن أبي شيبة، ومسند أحمد بن حنبل، ومسند ابن راهويه، ومسند الطيالسي، ومسند الحسن بن سفيان، ومسند سنجر، ومسند عبد الله بن محمد المسندي، ومسند يعقوب بن شيبة، ومسند علي بن المديني، ومسند ابن أبي غرزة، وما جرى مجرى هذه الكتب التي أفردت لكلام رسول الله ﷺ صرفًا. ثم بعدها التي فيها كلامه وكلام غيره، مثل مصنف عبد الرزاق، ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة، ومصنف بقي بن مخلد، وكتاب محمد بن نصر المروزي، وكتاب أبي بكر بن المنذر الأكبر والأصغر. ثم مصنف حماد بن سلمة، ومصنف سعيد بن منصور، ومصنف وكيع، ومصنف الفريابي، وموطأ مالك بن أنس، وموطأ ابن أبي ذئب، وموطأ ابن وهب، ومسائل أحمد بن حنبل، وفقه أبي عبيد، وفقه أبي ثور.
قلت: ابن حزم رجل من العلماء الكبار فيه أدوات الاجتهاد كاملة، تقع له المسائل المحررة والمسائل الواهية كما يقع لغيره، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ. وقد امتحن هذا الرجل وشدد عليه وشرد عن وطنه وجرت له أمور وقام عليه الفقهاء لطول لسانه واستخفافه بالكبار، ووقوعه في أئمة الاجتهاد بأفج عبارة وأفظ محاورة وأبشع رد، وجرى بينه وبين أبي الوليد الباجى مناظرة ومنافرة. قال أبو العباس بن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين.
وقال أبو بكر محمد بن طرخان التركي: قال لي الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد بن العربي: توفي ابن حزم بقريته وهي على خليج البحر الأعظم في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين. وقال غيره: مات ليومين بقيا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة، أرخه في سنة ست غير واحد.
وفيها مات مفتي الحنفية ببخارى العلامة شمس الأئمة أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الحلواني صاحب التصانيف في شعبان، والعلامة المتكلم أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري النحوي، ومسند بغداد أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون النرسي عن تسعين سنة، ومحدث نيسابور المفيد أبو سعيد محمد بن علي بن محمد النيسابوري الخشاب في عشر الثمانين.
كتب إلينا أبو محمد بن هارون من تونس سنة سبعمائة قال: أنبأنا أبو القاسم أحمد بن يزيد القاضي أنا أبو الحسن شريح بن محمد الرعيني إجازة عن أبي محمد بن حزم قال: أنا يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود أنا قاسم بن أصبغ نا إبراهيم بن عبد الله نا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، ﷺ: "الصوم جنة".
1017- 16/14
الدربندي
الحافظ الإمام الجوال، أبو الوليد الحسن بن محمد بن علي البلخي.
سمع أبا عبد الله الغنجار وأبا الحسين بن بشران ببغداد، وعبد الرحمن بن أبي نصر التميمي بدمشق وطبقتهم فأكثر. حدث عنه أبو بكر الخطيب وأبو علي الحداد وأبو القاسم الشحامي وأبو عبد الله الفراوي وعبد المنعم بن القشيري وآخرون. توفي بسمرقند في شهر رمضان سنة ست وخمسين أيضًا.
قال ابن النجار: رحل من ما وراء النهر إلى الإسكندرية، وكان رديء الحفظ لكنه مكثر صدوق، وسمع ببلخ من علي بن محمد الخزاعي، وبنيسابور أبا زكريا المزكي، وبهراة أبا منصور الأزدي، وبأستراباذ بندار بن محمد، وبالبصرة أبا عمر الهاشمي، وبهمذان محمد بن عيسى، وبمصر ابن نظيف. قال عبد الغافر: طوف أبو الوليد البلاد، وحصل الأسانيد والغرائب.
أخبرنا أحمد بن تاج الأمناء عن أبي روح الهروي أنا زاهر بن طاهر أنا أبو الوليد الحسن بن محمد البلخي أنا أبو القاسم الحسن بن محمد الأنباري أنا محمد بن أحمد بن المسور نا أبو عمرو المقدام بن داود نا علي بن معبد العبدي أنا إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي عن حذيفة أن النبي ﷺ قال: "والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابًا من عنده ثم لتدعنّه، فلا يستجيب لكم". أخرجه الترمذي وحسنه من طريق إسماعيل والدراوردي.
1018- 17/14
النخشبي
الحافظ الإمام المفيد الرحال عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم، صاحب جعفر بن محمد المستغفري.
سمع منه وفي الرحلة من أبي طالب بن غيلان ومحمد بن حسين الحراني وأبي بكر بن ريذة وأبي الفرج الطناجيري وخلائق بخراسان والعراق وأصبهان ودمشق، ودخل أصبهان سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة.
حدث عنه أبو القاسم بن أبي العلاء المصيصي وسهل بن بشر الأسفراييني. قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن عبد العزيز النخشبي فجعل يعظمه ويعظم أمره جدًّا ويقول: ذاك النخشبي، ذاك النخشبي، كان حافظًا كبيرًا. وقال السلفي: سألت المؤتمن الحافظ عن عبد العزيز النخشبي فقال: كان الحفاظ مثل الصوري والخطيب يحسنون الثناء عليه ويرضون فهمه، حصل له بأرض مصر وما والاها الإسناد. وقال الحافظ يحيى بن منده: كان عبد العزيز أوحد زمانه في الحفظ والإتقان، لم ير مثله في الحفظ في عصرنا، دقيق الخط سريع الكتابة والقراءة حسن الخلق. توفي بنخشب سنة سبع وخمسين وأربعمائة. قال أبو القاسم بن عساكر: توفي في سنة ست وخمسين بنخشب، وقيل: مات بسمرقند، رحمه الله تعالى.
1019- 18/14
عبد الرحيم بن أحمد بن نصر بن إسحاق
الحافظ الإمام الجوال أبو زكريا التميمي البخاري.
سمع ببخارى وبخراسان والعراق والشام واليمن ومصر وأفريقية، حدث عن الإمام أبي عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي وأبي يعلى حمزة المهلبي وأبي عمر بن مهدي وأبي محمد بن البيع وهلال الحفار وتمام الرازي وعبد الغني بن سعيد الأزدي، وخلق كثير.
روى عنه عبد الوهاب بن عبد الله بن الحباب شيخه والفقيه نصر المقدسي ومشرف بن علي التمار، وجميل بن الحسن المادرائي وأبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي في مشيخته وآخرون، مولده سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة. وأكبر شيخ لقيه إبراهيم بن محمد بن يزداذ بالري، حدثه عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، وذلك في مشيخة الرازي.
أنبأني ابن علان وجماعة قالوا: أنبأنا القاسم بن علي بن الحسن أنا أبي أنا علي بن المسلم أنا عبد العزيز بن أحمد أنا أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله المري قال: حدثني عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري أنا أحمد بن علي بن نصر الكاتب أنا أبو نصر أحمد بن سهل أنا قيس بن أنيف نا محمد بن صالح نا محمد بن سليمان المكي نا عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أن رسول الله ﷺ قال: "اغسلوا ثيابكم وخذوا من شعوركم واستاكوا وتزينوا؛ فإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك، فزنت نساؤهم". هذا لا يصح وإسناده ظلمة.
قال السلفي: كان أبو زكريا من الحفاظ الأثبات، توفي سنة إحدى وستين وأربعمائة.
وفيها مات مسند مصر أبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي، ومقرئ مصر أبو الحسين نصر بن عبد العزيز الشيرازي، ومحدث بخارى أبو حفص عمر بن منصور البزاز، سمع من ابن حاجب الكشاني والكبار.
قرأت على الحسن بن علي أخبركم جعفر بن منير أنا عبد الله بن عبد الرحمن الديباجي أنا أبو جعفر أحمد بن يحيى بن الجارود نا الحافظ عبد الرحيم بن أحمد إملاء أنا محمد بن إبراهيم المصري ببيت المقدس نا أبو الحسن أحمد بن سلام الطرسوسي نا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الطرسوسي نا يعلى ومحمد ابنا عبيد قالا: أنا الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة سمعت عليًّا يقول: إذا حدثتكم عن رسول الله ﷺ بشيء، فإني والله لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أحب إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيننا فإن الحرب خدعة. رواه مسلم.
أخبرنا عبد الله ابن الحافظ أنا محمد بن إسماعيل أنا ابن ياسين أنا محمد بن أحمد أنا عبد الرحيم بن أحمد الحافظ أنا إبراهيم بن محمد بن يزداذ ببخارى أنا ابن أبي حاتم أنا أبو سعيد الأشج نا وكيع عن الأعمش عن "الشعبي عن" النعمان بن بشير عن النبي ﷺ قال: "مثل الواقع في حدود الله والمداهن فيها كمثل قوم ركبوا سفينة فاستهموا عليها فركب قوم علوها وقوم سفلها، فكانوا إذا استقوا آذوهم وأصابوهم بالماء فقالوا: قد آذيتمونا تمرون علينا فأعطوا رجلًا فأسًا ينقب عندهم نقبًا. قالوا: ما هذا؟ قالوا: تأذيتم بنا فننقب عندنا نقبا نستقي منه، فإن تركوهم هلكوا وهلكوا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا نجوا". هذا حديث صحيح غريب.
1020- 19/14
العطار
الحافظ الإمام أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني المستملي العطار، مستملي أبي نعيم الحافظ.
سمع بالبصرة أبا عمر الهاشمي وعلي بن القاسم النجاد، وببغداد أبا القاسم الحرفى وطبقته، وبأصبهان أبا سعيد النقاش وأبا بكر بن مردويه وطبقتهم. قال أبو سعد السمعاني: هو حافظ عظيم الشأن عند أهل بلده، أملى عدة مجالس. وقال الدقاق في رسالته: كان من الحفاظ يملي من حفظه. قلت: حدث عنه سعيد بن أبي الرجاء والحسين بن عبد الملك الخلال وفاطمة بنت محمد البغدادي والمعمر إسماعيل بن علي الحمامي وعدة، توفي في صفر سنة ست وستين وأربعمائة.
وفيها توفي المسند أبو بكر يعقوب بن أحمد الصيرفي النيسابوري صاحب أبي محمد المخلدي، ومسند مرو أبو سهل محمد بن أحمد بن عبيد الله الحفصي صاحب الكشميهني، وعالم صقلية ومفتيها عبد الحق بن محمد بن هارون المالكي بإسكندرية، ومحدث دمشق ومفتيها الحافظ عبد العزيز بن أحمد التميمي الكتاني الصوفي عن سبع وسبعين سنة. قال ابن ماكولا: مكثر متقن، والمحدث المفيد الجوال أبو مسلم عمر بن علي الليثي البخاري كهلًا.
أخبرنا إذنًا جماعة قالوا: أنا المؤيد بن عبد الرحيم أنا سعيد بن أبي الرجاء أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الحافظ سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة أنا أبو عمر الهاشمي نا عيسى بن إبراهيم نا أبو يوسف القلوسي نا عمرو بن سفيان القطعي نا الحسن بن عجلان عن ليث عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إني حملت أمي على عنقي فرسخين في رمضاء شديدة لو ألقيت مضغة من لحم نضجت، فهل أديت شكرها؟ قال: "لعل ذلك أن يكون بطلقة واحدة". سمعه المزي والبرزالي من ابن محفوظ الرسعني بسماعه من عبد العزيز بن هلال سنة ثلاث عشرة وستمائة بسماعه من المؤيد سنة ست وستمائة.
أنا عبد الواسع بن عبد الكافي كتابة عن أحمد بن أبي نصر بن الصباغ وأبي الغنائم محمد بن شهريار قالا: أنا إسماعيل بن علي الحمامي أنا محمد بن إبراهيم بن علي العطار نا علي بن القاسم نا أبو روق الهزاني نا زياد بن يحيى نا مالك بن سعد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، ﷺ: "إنما أنا رحمة مهداة". رواه وكيع عن الأعمش فوقفه.
وأخبرناه عاليًا أبو المعالي الأبرقوهي أنا المبارك بن أبي الجود أنا أحمد ابن أبي غالب أنا عبد العزيز بن علي أنا أبو طاهر المخلص نا يحيى بن محمد نا زياد بن يحيى، فذكره بزيادة: يا أيها الناس.
1021- 20/14
السكري
هو الحافظ أبو سعد علي بن موسى النيسابوري، المشهور بالسكري الذي انتخب لأبي سعيد الكنجرودي تيك الأجزاء الخمسة.
سمع من جده عبد الله بن عمر السُّكّري والقاضي أبي بكر الحيري ومحمد بن موسى الصيرفي وأبي حسان المزكي ومحمد بن إبراهيم وطبقتهم. حدث عنه إسماعيل بن أبي صالح المؤذن ويوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد وهبة الرحمن بن القشيري وغيرهم، وهو معدود في حفاظ خراسان، حج وتوفي في أيامه سنة خمس وستين وأربعمائة.
أخبرنا أحمد بن هبة الله أنبأنا إسماعيل بن عثمان أنا هبة الرحمن بن عبد الواحد، سمعت أبا سعد علي بن موسى السكري، سمعت أبا الفضل عمر بن إبراهيم، سمعت أبا أحمد الغطريفي، سمعت أبا خليفة، سمعت عبد الرحمن بن بكر، سمعت الربيع بن مسلم، سمعت محمد بن زياد، سمعت أبا هريرة، سمعت أبا القاسم ﷺ يقول: "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار". أخرجه مسلم عن عبد الرحمن.
1022- 21/14
المؤذن أبو صالح
أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد النيسابوري، الحافظ محدث وقته بخراسان.
سمع أبا نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفراييني وأبا الحسن العلوي وأبا يعلى المهلبي وأبا طاهر بن محمش والحاكم أبا عبد الله وعبد الله بن يوسف الأصبهاني وخلقًا كثيرًا من أصحاب الأصم، ثم ارتحل فسمع حمزة بن يوسف السهمي بجرجان، وأبا القاسم بن بشران ببغداد، والمسدد الأملوكي بدمشق، وأبا نعيم الحافظ بأصبهان، والحسن بن الأشعث بمنبج، وأبا ذر الهروي بمكة، وصحب الأستاذ أبا علي الدقاق وأحمد بن نصر الطالقاني وعمل مسودة لتاريخ مرو، روى عنه ولده إسماعيل بن أبي صالح وأبو القاسم الشحامي وأخوه وجيه وعبد الكريم بن الحسن البسطامي وأبو عبد الله الفراوي وعبد المنعم بن القشيري وأبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد وآخرون.
قال عبد الغافر بن إسماعيل في تاريخه: أبو صالح المؤذن الأمين المتقن المحدث الصوفي نسيج وحده في طريقته وجمعه وإفادته، ما رأينا مثله في حفظ القرآن وجمع الأحاديث، سمع الكثير، وجمع الأبواب والشيوخ، وأذن حسبة سنين عدة، وكان يحث على معرفة الحديث ولم أتمكن من جمع هذا التاريخ إلا من مسوداته ومجموعاته، فهي المرجوع إليها، إلى أن قال: ولو ذهبت أشرح منه ما رأيت منه، لسودت أوراقًا جمة ولم أنتهِ إلى استيفاء ذلك، سمعت منه جميع الحلية لأبي نعيم ومعجم الطبراني ومسند الطيالسي. وقال زاهر الشحامي: خرج أبو صالح ألف حديث عن ألف شيخ له. وقال الخطيب: كتب عني أبو صالح وكتبت عنه وهو ثقة، قال لي: أول سماعي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. قلت: هو أعلى إسنادًا من الصوري المذكور في أول الطبقة.
وكان مولده في سنة ثمان وثمانين. قال أبو سعد السمعاني: هو صوفي حافظ متقن نسيج وحده في الجمع والإفادة، أذن مدة احتسابًا ووعظ في الليل وشيخ على المدرسة البيهقية، وكانت تحت يده وقاف الكتب والأجزاء الحديثية فيتعهد حفظها ويأخذ صدقات التجار والأكابر ويوصلها إلى المستحقين.
قال أبو بكر محمد بن يحيى المزكي: ما يقدر أحد أن يكذب في الحديث هنا وأبو صالح حي. وقال أبو المظفر منصور بن السمعاني: إذا دخلتم على أبي صالح فادخلوا بالحرمة، فإنه نجم الزمان ونسيج وقته. قال أبو سعد السمعاني: رأى أبا صالح بعض الصالحين ليلة موته وكان النبي ﷺ قد أخذ بيده وقال: "جزاك الله عنى خيرًا فنعما قمت بحقي ونعما نشرت من سنتي". قال عبد الغافر: توفي في سابع رمضان سنة سبعين وأربعمائة.
قلت: وفيها مات مسند العراق أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن النقور البغدادي البزاز عن تسعين سنة، والمعمر أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن حمدوه الرزاز المقرئ خاتمة من روى عن ابن سمعون، ومسند دمشق وخطيبها أبو نصر الحسين بن محمد بن طلاب القرشي، والمسند أبو القاسم عبد الله ابن الحافظ أبي محمد الخلال البغدادي عن خمس وثمانين سنة، وشيخ الحنابلة الشريف أبو جعفر عبد الخالق بن أبي موسى الهاشمي البغدادي عن تسع وخمسين سنة، ونحوي بغداد أبو الحسن محمد بن هبة الله بن الوراق الضرير، ومحدث أصبهان أبو القاسم بن منده، وسأذكره.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد أنا زين الأمناء أبو البركات الحسن بن محمد سنة أربع وعشرين وستمائة أنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ سنة تسع وخمسين أنا أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن أنا والدي أنا أبو الحسن محمد بن الحسين أنا أبو القاسم عبيد الله بن إبراهيم المزكي نا محمد بن عبد الوهاب الفراء نا الحسين بن الوليد عن قيس عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر قال: قدم وفد جهينة على النبي ﷺ فقام غلام يتكلم فقال النبي، ﷺ: "أين الكبر؟" غريب جدًّا.
1023- 22/14
عبد الرحمن بن منده
هو الحافظ العالم المحدث، أبو القاسم عبد الرحمن ابن الحافظ الكبير أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي الأصبهاني.
ولد سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة، وانفرد بإجازة زاهر بن أحمد السرخسي، وسمع الكثير من أبيه، وإبراهيم بن عبد الله بن خرشيد قولة وإبراهيم بن محمد الحلاب وأبي جعفر بن المرزبان الأبهري وأبي ذراين الطبراني وخلق بأصبهان، وأبي عمر بن مهدي وأبي محمد بن البيع وهلال الحفار ببغداد، وابن خزقة الواسطي بواسط، وأبي الحسن بن جهضم الصوفي بمكة، وأبي بكر الحيري، وأبي سعيد الصيرفي بنيسابور، لكنه لم يرو عن الحيري كما فعل شيخ الإسلام الهروي، وصنف كثيرًا وعني بهذا الشأن وتعب، وغيره أتقن منه وأحفظ.
قال أبو عبد الله الدقاق: مولد الشيخ السديد عبد الرحمن في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة في السنة التي مات فيها ابن المقرئ، وفضائله ومناقبه أكثر من أن تعد، إلى أن قال: وأقول أنا ومن أنا لنشر فضله: كان صاحب خلق وفتوة وسخاء وبهاء، والإجازة كانت عنده قوية، وكان يقول: ما رويت حديثًا إلا على سبيل الإجازة كي لا أوبق فأدخل في كتاب أهل البدعة، وله تصانيف كثيرة، وردود جمة على المبتدعين والمتحرفين في الصفات وغيرها.
قال أبو سعد السمعاني: لعبد الرحمن إجازة من زاهر بن أحمد ومحمد بن عبد الله الجوزقي وعبد الرحمن بن أبي شريح وجماعة، أخبرنا عنه أبو نصر الغازي وأبو سعد أحمد بن محمد البغدادي وأبو عبد الله الحسين بن الخلال وأبو بكر الباغبان وأبو عبد الله الدقاق وجماعة كثيرة. قال أبو علي الدقاق: سمعت أبا القاسم هبة الله يقول: قرأت ببغداد على أبي أحمد الفرضي جزءًا فأردت أخذ خطه بذلك فقال: يا بنى لو قيل لك بأصبهان: ليس هذا خط فلان؛ بم كنت أنت تجيبه؟ ومن كان يشهد لك؟ قال: فبعد ذلك لم أطلب من شيخ خطا.
قال أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب: كان عمي سيفًا على أهل البدع وهو أكبر من أن يثني عليه مثلي، كان والله آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر في الغدو والآصال ذاكرًا، ولنفسه في المصالح قاهرًا، أعقب الله من ذكره بالشر الندامة، وكان عظيم الحلم كثير العلم، ولد سنة ثلاث وثمانين. قرأت عليه قول شعبة: من كتبت عنه حديثًا فأنا له عبد؛ فقال: من كتب عني حديثًا فأنا له عبد. قال السمعاني: سمعت الحسين بن عبد الملك يقول: سمعت عبد الرحمن يقول: قد تعجبت من حالي مع الأقربين والأبعدين، فإني وجدت بالآفاق التي قصدتها أكثر من لقيته بها موافقًا كان أو مخالفًا دعاني إلى مساعدته على ما يقوله وتصديق قوله والشهادة له في فعله على قبول ورضا، فإن كنت صدقته سماني موافقًا وإن وقفت في حرف من قوله أو شيء من فعله سماني مخالفًا، وإن ذكرت في واحد منهما أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك سماني خارجيا، وإن رويت حديثًا في التوحيد سماني مشبهًا، وإن كان في الرؤية سماني سالميا؛ وأنا متمسك بالكتاب والسنة، متبرئ إلى الله من الشبه والمثل والضد والند والجسم والأعضاء والآلات، ومن كل ما ينسب إلي ويدعى علي من أن أقول في الله تعالى شيئًا من ذلك أو قلته أو أراه أو أتوهمه أو أتحراه أو أنتحله.
وقال الدقاق في رسالته: أول شيخ سمعت منه عبد الرحمن فرزقني الله ببركته، وحسن نيته فهم الحديث، وكان جذعًا في أعين المخالفين ولا يخاف في الله لومة لائم، إلى أن قال: ووصفه أكثر من أن يحصى. ذكر أبو بكر أحمد بن هبة الله اللوردجاني أنه سمع أبا القاسم الزنجاني بمكة يقول: حفظ الله الإسلام برجلين: عبد الرحمن بن منده، وعبد الله بن محمد الأنصاري الهروي.
قال السمعاني: سمعت الحسن بن محمد بن الرضى العلوي يقول: سمعت خالي أبا طالب بن طباطبا يقول: كنت أشتم أبدًا عبد الرحمن بن منده فرأيت عمر «رضي الله ع» في المنام، وفي يده يد رجل عليه جبة زرقاء وفي عينيه نكتة، فسلمت عليه فلم يرد علي، وقال: لم تشتم هذا إذا سمعت باسمه؟ فقيل لي: هذا أمير المؤمنين عمر، وهذا عبد الرحمن بن منده، فانتبهت فأتيت أصبهان وقصدت الشيخ عبد الرحمن فلما دخلت عليه صادفته على النعت الذي رأيت في المنام وعليه جبة زرقاء، فلما سلمت عليه قال: وعليك السلام يا أبا طالب، وقبلها ما رآني ولا رأيته، فقال قبل أن أنطق: شيء حرمه الله ورسوله، يجوز لنا أن نحله؟ فقلت: اجعلني في حل، وناشدته الله وقبلت بين عينيه، فقال: جعلتك في حل فيما يرجع إليّ.
قال المؤيد ابن الإخوة: سمعت عبد اللطيف بن أبي سعد البغدادي، سمعت صاعد بن سيار الهروي، سمعت أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري يقول في عبد الرحمن بن منده: كانت مضرته في الإسلام أكثر من منفعته. قال السمعاني: سمعت إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ يقول، وسألته عن عبد الرحمن بن منده فتوقف ساعة فراجعته فقال: سمع الكثير وخالف أباه في مسائل، وأعرض عنه مشايخ الوقت، وما تركني أبي أسمع منه، كان أخوه خيرًا منه.
وقال يحيى بن منده: إن عمه عبد الرحمن مات في سادس شوال سنة سبعين وأربعمائة، وصلى عليه أبي وشيعه من لا يعلم عددهم إلا الله. وقد حدث في سنة سبع وأربعمائة، أخذ عنه علي بن مقرن.
أخبرنا الحسن بن علي أنا جعفر بن منير أنا أحمد بن محمد الحافظ أنا يحيى بن عبد الوهاب العبدي أنا الإمام عمي أنا أحمد بن علي الأصبهاني أنا أبو أحمد الحافظ أنا محمد بن محمد بن يوسف البخاري القاضي نا محمد بن إسماعيل البخاري نا الفريابي نا إسرائيل عن أبي الجويرية عن معن بن يزيد السلمي قال: دفع أبي يزيد إلى رجل دنانير يتصدق بها فدخلت المسجد فأعطانيها فأتيت بها أبي فقال: ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله ﷺ فقال: "لك ما أخذت يا معن، ولك ما نويت يا يزيد".
أخبرنا القاسم بن مظفر عن محمود بن منده أنا مسعود بن الحسن سنة ست وخمسين أنا عبد الرحمن بن محمد إجازة أنا أحمد بن محمد بن موسى الأهوازي ببغداد أنا الحسين بن إسماعيل المحاملي أنا سلم بن جنادة أنا أبو معاوية وابن نمير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، ﷺ: "أيما مؤمن سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة". رواه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه، وعند العز الصيقل حديث عن يوسف بن المبارك الخفاف أنا أبو سعيد أحمد بن محمد البغدادي، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن منده وأبو المظفر الكوسج وابن شكرويه ومحمد بن أحمد بن سلة قالوا: أنا أبو علي الحسن بن علي البغدادي نا أحمد بن موسى نا أحمد بن حرب نا مورق بن سخيت أنا أبو هلال عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي، ﷺ قال: "الندم توبة". [2]
أخبرتنا زينب بنت يحيى أنا علي بن حجاج أنا علي بن الحسن الحافظ سنة سبع وخمسين وخمسمائة أنا محمد بن غانم بن أحمد الحداد أنا عبد الرحمن بن محمد أنا أبي أبو عبد الله أنا خيثمة نا سليمان بن عبد الحميد البهراني نا حيوة بن شريح نا بقية أخبرني ضبارة بن عبد الله بن مالك سمع أباه يحدث عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير أن أباه حدثه عن سفيان بن أسد الحضرمي أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "كبرت خيانة أن تحدث أخاك بما هو لك مصدق، وأنت له كاذب". [3]
1024- 23/14
الكتاني
الإمام المحدث المتقن مفيد دمشق ومحدثها، أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي التميمي الدمشقي الصوفي.
سمع الكثير وجمع فأوعى ونسخ ما لا يوصف كثرة، سمع صدقة بن الدلم صاحب أبي سعيد بن الأعرابي وتمام بن محمد الرازي، وأبا نصر بن هارون وعبد الرحمن بن أبي نصر وطبقتهم ببلده، وسمع من أبي الحسن بن الحمامي ومحمد بن الروزبهان وعلي بن أحمد بن داود الرزاز وطبقتهم ببغداد، وأحمد بن الصباح وأخيه محمد ببلده، وسمع بالموصل ونصيبين ومنبج وأماكن، وألف وجمع ويحتمل أن يوصف بالحفظ في وقته، ولو كان موجودًا في زماننا لعد من الحفاظ.
حدث عنه أبو بكر الخطيب والحميدي وعمر الرواسي وأبو القاسم النسيب وهبة الله بن الأكفاني وعبد الكريم بن حمزة وأبو القاسم بن السمرقندي وأحمد بن عقيل الفارسي ويحيى بن علي القرشي القاضي وآخرون، مولده سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وأول سماعه في سنة سبع وأربعمائة.
قال ابن ماكولا: كتب عني وكتبت عنه وهو مكثر متقن.
وقال الخطيب في فوائد النسب: ثقة أمين، ووصفه ابن الأكفاني بالصدق والاستقامة وسلامة المذهب ودوام التلاوة، وحدثني أن شيخه أبا القاسم عبيد الله الأزهري سمع منه ببغداد، ودخلت عليه في مرض موته فقال: أنا أشهدكم أني قد أجزت لكل من هو مولود الآن في الإسلام. قلت: قد حدث عنه بهذه الإجازة طائفة منهم محفوظ بن صصرى التغلبي. توفي في جمادى الآخرة سنة ست وستين وأربعمائة، ألف الوفيات على السنين.
أخبرنا الحسن بن علي الأمين أنبأتنا كريمة بنت عبد الوهاب بن علي القرشية أنا أبي أنا علي بن المسلم الفقيه لفظًا سنة خمس وعشرين وخمسمائة أنا عبد العزيز بن أحمد الكتاني، وأخبرنا المسلم بن أحمد الكعكي قالا: أنا عبد الرحمن بن عثمان التميمي أنا أحمد بن سليمان القاضي إملاء نا أبو زرعة نا أحمد بن صالح نا ابن وهب حدثني محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله، ﷺ: "من سعادة ابن آدم رضاه بما يقضي الله واستخارة الله، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما يقضي الله وتركه استخارة الله". تابعه جماعة عن محمد بن سعد بن أبي وقاص.
1025- 24/14
الوخشي
الحافظ الإمام الجوال أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن أحمد بن جعفر البلخي.
ووخش قرية من أعمال بلخ، سمع من تمام الرازي وطبقته بدمشق، ومن أبي عمر بن مهدي وطبقته ببغداد، ومن أبي عمر الهاشمي وطبقته بالبصرة، ومن أبي محمد بن النحاس ونحوه بمصر، ومن أبي بكر الحيري ونحوه بخراسان، ومن أبي القاسم علي بن أحمد الخزاعي ببلخ، ومن أبي نعيم الحافظ بأصبهان، روى عنه عمر بن محمد بن علي السرخسي وعمر بن علي المحمودى وجماعة، وحدث عنه الخطيب وهو من أقرانه.
قال الحافظ عبد العزيز النخشبي: كان الوخشي يتهم بالقدر وسئل عنه إسماعيل بن محمد التيمي فقال: حافظ كبير؛ وقد روى عنه الحسن بن علي البلخي الحسيني سنن أبي داود. قال أبو سعد السمعاني: كان الوخشي حافظًا فاضلا ثقة حسن القراءة رحل إلى العراق والجبال والشام والثغور ومصر وذاكر الحفاظ. قلت: والأجزاء الوخشيات الخمسة من انتقائه لأبي نعيم الحافظ، وقال عمر بن علي السرخسي: كنت مراهقًا وقت موت الوخشي فحضرته فلما وضع في القبر، سمعنا صيحة فقيل: خرجت الحشرات من المقبرة وكان في طرفها وادٍ انحدرت إليه، وأبصرت العقارب والخنافس وهي منحدرة في الوادي والناس ما يتعرضون لها.
قال السمعاني: توفي في خامس ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وأربعمائة ببلخ عن ست وثمانين سنة وسمعت عمر السرخسي يقول: ورد نظام الملك علينا ببلخ فقيل له: إن بقرية يقال لها وخش شيخًا سمع الكثير وله رحلة ومعرفة، فاستدعاه وأقعده في المدرسة وقرأ عليه السنن لأبي داود وغير ذلك فقال الوخشي يومًا: سمعت ورحلت وقاسيت المشاق والذل ورجعت إلى وخش وما عرف أحد قدري ولا فهم ما حصلته فقلت: أموت ولا ينتشر ذكري ولا يترحم أحد عليّ، فسهل الله ووفق نظام الملك حتى بنى هذه المدرسة وأجلسني فيها حتى أحدث، لقد كنت بعسقلان أسمع من ابن مصحح وغيره فضاقت علي النفقة وبقيت أيامًا بلا أكل فأخذت لأكتب فعجزت فذهبت إلى دكان خباز وقعدت بقربه لأشم رائحة الخبز وأتقوى بها، ثم فتح الله تعالى عليّ. قال يحيى بن منده: الوخشي قدم أصبهان سنة سبع عشرة ورحل منها سنة إحدى وأربعين، كثير السماع قليل الرواية أحد الحفاظ عارف بعلوم الحديث خبير بأطراف من اللغة والنحو.
أخبرتنا زينب بنت كندي ببعلبك أنبأنا أبو هاشم عبد المطلب بن الفضل الهاشمي في سنة أربع عشرة وستمائة قال: أنا القاضي بهاء الدين عمر بن علي المحمودي سنة ست وأربعين وخمسمائة نا القاضي أبو علي الحسن بن علي الحافظ من حفظه في صفر سنة إحدى وسبعين وأربعمائة أنا أبو القاسم تمام بن محمد الحافظ بدمشق أنا القاضي أبو الحسن أحمد بن أيوب بن حذلم نا أبو زرعة النصري نا عمر بن حفص بن غياث نا أبي نا الأعمش حدثني إبراهيم قال الأسود: كنا جلوسًا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها فقالت عائشة، «رضي الله ع»: لما مرض رسول الله ﷺ مرضه الذي مات منه فحضرت الصلاة فأوذن بها ﷺ فقال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" وذكر الحديث.
1026- 25/14
الزنجاني
الإمام الثبت الحافظ القدوة أبو القاسم سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين، شيخ الحرم الشريف.
سمع أبا عبد الله محمد بن الفضل بن نظيف الفراء والحسين بن ميمون الصدفي بمصر، وعلي بن سلامة بغزة، ومحمد بن أبي عبيد بزنجان، وعبد الرحمن بن يحيى بن ياسر الجوبري وأبا القاسم بن الطبيز بدمشق وهذه الطبقة، حدث عنه أبو بكر الخطيب وهو أكبر منه، وأبو المظفر منصور بن عبد الجبار السمعاني ومكي بن عبد السلام الرميلي وهبة الله بن فاخر ومحمد بن طاهر المقدسي وعبد المنعم بن أبي القاسم القشيري وآخرون.
قال أبو سعد السمعاني: سمعت بعض مشايخا يقول: كان جدك أبو المظفر عزم أن يجاور بمكة في صحبة سعد الإمام فرأى ليلة والدته كأنها كاشفة رأسها تقول: يا بني بحقي عليك إلا رجعت إلى مرو، فإني لا أطيق فراقك، فانتبهت مغمومًا وقلت: أشاور سعد بن علي، فأتيته ولم أقدر من الزحام أن أكلمه فلما قام تبعته فالتفت إلي وقال: يا أبا المظفر العجوز تنتظرك، ودخل البيت؛ فعرفت أنه تكلم على ضميري فرجعت تلك السنة.
وعن ثابت بن أحمد قال: رأيت أبا القاسم الزنجاني في النوم فقال لي مرتين: إن الله يبني لأهل الحديث بكل مجلس يجلسونه بيتًا في الجنة.
قال أبو سعد: طاف الزنجاني الآفاق ثم جاور وصار شيخ الحرم وكان حافظًا متقنًا ورعًا كثير العبادة صاحب كرامات وآيات، إلى أن قال: وإذا خرج إلى الحرم يخلو المطاف ويقبلون يده أكثر مما يقبلون الحجر الأسود. ابن طاهر مما سمعه السلفي منه: سمعت الحبال يقول: كان عندنا سعد بن علي ولم يكن على وجه الأرض مثله في عصره، سمعت إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ يقول ذلك.
وقال محمد بن طاهر الحافظ: ما رأيت مثل الزنجاني، سمعت أبا إسحاق الحبال يقول: لم يكن في الدنيا مثل سعد بن علي في الفضل. قال الإمام أبو الحسن الكرخي الفقيه: سألت ابن طاهر عن أفضل من رأى فقال: سعد الزنجاني وعبد الله بن محمد الأنصاري. قلت: فأيهما أفضل؟ فقال: عبد الله كان متقنًا، وأما الزنجاني فكان أعرف بالحديث منه، وذلك أني كنت أقرأ على عبد الله فأترك شيئًا لأجربه ففي بعض يرد وفي بعض يسكت، والزنجاني كنت إذا تركت اسم رجل يقول: تركت بين فلان وفلان فلانًا.
قال أبو سعد السمعاني: صدق، كان سعد أعرف بحديثه لقلته، وعبد الله كان مكثرًا. قال ابن طاهر: سمعت الفقيه هياج بن عبيد يقول: يوم لا أرى فيه سعدًا لا أعتد أني عملت خيرًا؛ وكان هياج يعتمر كل يوم ثلاث عمر.
قال ابن طاهر: لما عزم سعد على المجاورة عزم على نيف وعشرين خصلة أن يفعلها من العبادات، فبقي أربعين سنة ولم يخل منها بواحدة، وكان يملي الحديث بمكة ولم يكن غيره يملي حين حكم المصريون على مكة وإنما كان يملي سرا في بيته. قلت: لأنهم كانوا من خبثاء الرافضة وأعداء الحديث.
قال ابن طاهر: دخلت على الشيخ سعد وأنا ضيق الصدر من رجل شيرازي فقبلت يده فقال لي ابتداء: يا أبا الفضل لا يضيق صدرك، عندنا في بلاد العجم مثل يضرب يقال: بخل أهوازي، وحماقة شيرازي، وكثرة كلام رازي؛ ودخلت عليه في أول سنة سبعين لما عزمت على الخروج إلى العراق أودعه ولم يكن عنده خبر من عزمى فقال:
أراحلون فنبكي أم مقيمونا فقلت: ما أمر الشيخ لا نتعداه؛ فقال: علام عزمت؟ فقلت: أريد ألحق مشايخ خراسان؛ فقال: تدخل خراسان وتبقى بها ويفوتك مصر فيبقى في قلبك، فاخرج إليها ومنها إلى العراق وخراسان؛ ففعلت وكان في ذلك البركة. وسمعته يقول وقد جرى ذكر الصحيح الذي خرجه أبو ذر الهروي فقال: فيه عن أبي مسلم الكاتب وليس من شرط الصحيح.
سئل عنه إسماعيل الحافظ التيمي فقال: إمام كبير عارف بالسنة. مات الزنجاني في أول سنة إحدى وسبعين وأربعمائة أو في آخر التي قبلها، عاش تسعين عامًا فإنه ولد في حدود سنة ثمانين وثلاثمائة أو التي قبلها. ولو سمع في الحداثة لأدرك إسنادًا عاليًا وإنما سماعاته في الكهولة.
ومات معه في السنة الوخشي المذكور، وعالم بغداد الفقيه أبو علي الحسين بن أحمد ابن البناء الحنبلي صاحب التواليف، ومسند بغداد أبو منصور عبد الباقي بن محمد بن غالب الأزجي العطار وكيل الخليفة عن سبع وثمانين سنة، ومسند بغداد أيضًا أبو القاسم الأنماطي ابن بنت السكري عن ثلاث وثمانين سنة، وياعن المخلص، ومسند هراة أبو عاصم الفضل بن يحيى الفضيلي الهروي، وشيخ العربية أبو بكر عبد القاهر بن محمد الجرجاني، وعالم همذان أبو الفضل محمد بن عثمان بن زيرك القومساني، ومسند مرو أبو الحسين محمد بن أبي عمران موسى بن عبد الله الصفار راوي الصحيح عن الكشميهني.
أخبرنا أبو بكر بن عمر النحوي أنا الحسن بن أحمد الزاهد ببيت المقدس أنا أبو طاهر السلفي أنا أبو القاسم مختار بن علي المقرئ بالأهواز سنة خمسمائة أنا سعد بن علي الحافظ بمكة أنا أبو القاسم عبد الحميد بن عبد القاهر الأرسوفي نا أبو أحمد محمد بن محمد بن عبد الرحيم القيسراني حدثني عمي أحمد بن عبد الرحيم نا أحمد بن إسماعيل البزاز نا عبيد الله بن هانئ نا أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ قال: "من أصبح معافى في بدنه آمنًا في سربه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا". هذا حديث غريب ما علمت في نقلته جرحًا لكني لا أعرف هانئًا، وأما المتن فمعروف.
وقد كان الحافظ سعد بن علي هذا من رءوس أهل السنة وأئمة الأثر وممن يعادي الكلام وأهله ويذم الآراء والأهواء، فنسأل الله أن يختم لنا بخير وأن يتوفانا على الإيمان والسنة، فلقد قل من يتمسك بمحض السنة بل تراه يثني على السنة وأهلها وقد تلطخ ببدع الكلام ويجسر على الخوض في أسماء الله وصفاته وبادر إلى نفيها وبالغ "بزعمه" في التنزيه، وإنما كمال التنزيه تعظيم الرب -عز وجل- ونعته بما وصف به نفسه تعالى. وله قصيدة في السنة أولها:
تدبر كلام الله واعتمد الخبر ودع منك رأيًا لا يلائمه الأثر
ونهج الهدى فالزمه واقتد بالألى هم شهدوا التنزيل علك تنجبر
وكن موقفا أنا وكل مكلف أمرنا بقفو الحق والأخذ بالحذر
فمن خالف الوحي المبين بعقله فذاك امرؤ قد خاب حقا وقد خسر
وفي ترك أمر المصطفى فتنة فذر خلاف الذي قد قال واسأله واعتبر
وما أجمعت فيه الصحابة حجة فتلك سبيل المؤمنين لمن سبر
ففي الأخذ بالإجماع فاعلم سعادة كما في شذوذ القول نوع من الخطر
1027- 26/14
الباجي
الحافظ العلامة ذو الفنون، أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب بن وارث التجيبي القرطبي الذهبي، صاحب التصانيف.
أصله من مدينة بطليوس فانتقل جده إلى باجة المدينة التي بقرب إشبيلية فنسب إليها وليس هو من باجة القيروان التي ينسب إليها الحافظ أبو محمد الباجي المذكور؛ ولد أبو الوليد سنة ثلاث وأربعمائة، وحمل عن يونس بن عبد الله القاضي ومكي بن أبي طالب ومحمد بن إسماعيل وأبي بكر محمد
بن الحسن بن عبد الوارث؛ وارتحل سنة ست وعشرين فحج وجاور ثلاثة أعوام ملازمًا لأبي ذر الحافظ وكان يسافر معه إلى سراة بني شبابة ويخدمه، ثم رحل إلى بغداد ودمشق ففاته أبو القاسم بن بشران وسمع أبا القاسم بن الطبيز وعلي بن موسى السمسار والسكن بن جميع الصيداوي وأبا طالب عمر بن إبراهيم الرهري وأبا طالب بن غيلان وأبا القاسم عبيد الله الأزهري ومحمد بن علي الصوري وطبقتهم، وتفقه بالقاضي أبي الطيب الطبري والقاضي أبي عبد الله الحسين الصيمري وأبي الفضل بن عمروس المالكي وأقام بالموصل سنة على أبي جعفر السمناني فأخذ عنه علم العقليات فبرع في الحديث وعلله ورجاله، وفي الفقه وغوامضه وخلافه، وفي الكلام ومضايقه، ورجع إلى الأندلس بعد ثلاثة عشر عامًا بعلم جم حصله مع الفقر والتعفف.
روى عنه الحافظان أبو بكر الخطيب وأبو عمر بن عبد البر وهما أكبر منه وأبو عبد الله الحميدي وعلي بن عبد الله الصقلي وأحمد بن علي بن غزلون والحافظ أبو علي الصدفي وولده الإمام أبو القاسم أحمد بن أبي الوليد الزاهد وأبو بكر الطرطوشي وأبو علي بن سهل السبتي وأبو بحر سفيان بن العاص ومحمد بن أبي الخير القاضي وخلق سواهم، وتفقه به الأصحاب.
قال القاضي عياض: آجر أبو الوليد نفسه ببغداد لحراسة درب وكان لما رجع إلى الأندلس يضرب ورق الذهب للغزل ويعقد الوثائق، قال لي أصحابه: كان يخرج إلينا للإقراء وفي يده أثر المطرقة؛ إلى أن فشا علمه وهيئت الدنيا له وعظم جاهه وأجزلت صلاته حتى مات عن مال وافر وكان يستعمله الأعيان في ترسلهم ويقبل جوائزهم، ولي القضاء بمواضع من الأندلس، وصنف كتاب المنتقى في الفقه، وكتاب المعاني في شرح الموطأ، جاء في عشرين مجلدًا عديم النظير. قال: وقد كان صنف كتابًا كبيرًا جامعًا بلغ فيه الغاية سماه: كتاب الاستيفاء، وله كتاب الإيماء في الفقه خمس مجلدات، وكتاب السراج في الخلاف لم يتم، ومختصر المختصر في مسائل المدونة، وله كتاب اختلاف الموطآت، وكتاب في الجرح والتعديل، وكتاب التسديد إلى معرفة التوحيد، وكتاب الإشارة في أصول الفقه، وكتاب أحكام الفصول في أحكام الأصول، وكتاب الحدود، وكتاب شرح المنهاج، وكتاب سنن الصالحين وسنن العابدين، وكتاب سبيل المهتدين، وكتاب فرق الفقهاء، وكتاب التفسير لم يتم، وكتاب سنن المنهاج، وترتيب الحجاج.
وقال أبو نصر بن ماكولا: أما الباجي ذو الوزارتين أبو الوليد ففقيه متكلم أديب شاعر سمع بالعراق ودرس الكلام وصنف، إلى أن قال: وكان جليلا رفيع القدر والخطر قبره بالمرية.
وقال أبو علي بن سكرة: ما رأيت مثل أبي الوليد الباجي وما رأيت أحدًا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه، ولما كنت ببغداد قدم ولده أبو القاسم فسرت معه إلى شيخنا قاضي القضاة الشامي فقلت له: أدام الله عزك هذا ابن شيخ الأندلس؛ فقال: لعله ابن الباجي؟ قلت: نعم؛ فأقبل عليه.
قال القاضي عياض: كثرت القالة في أبي الوليد لمداخلته للرؤساء، ولي قضاء أماكن تصغر عن قدره كأربولة فكان يبعث إليها خلفاءه وربما أتاها المرة ونحوها، وكان في أول امره مقلا حتى احتاج في سفره إلى القصد بشعره واستجار نفسه مدة مقامه ببغداد فيما سمعته مستفيضًا لحراسة درب؛ وقد جمع ابنه شعره وكان ابتدأ كتاب الاستيفاء في الفقه لم يصنع منه سوى كتاب الطهارة في مجلدات. قال: ولما قدم الأندلس وجد لكلام ابن حزم طلاوة إلا أنه كان خارجًا عن المذهب ولم يكن بالأندلس من يشتغل بعلمه فقصرت ألسنة الفقهاء عن مجادلته وكلامه واتبعه على رأيه جماعة من أهل الجهل وحل بجزيرة ميورقة فرأس بها واتبعه أهلها، فلما قدم أبو الوليد كلموه في ذلك فرحل إليه وناظره وشهر باطله، وله معه مجالس كثيرة؛ ولما تكلم أبو الوليد في حديث الكتابة يوم الحديبية الذي في البخاري قال بظاهر لفظه، فأنكر عليه الفقيه أبو بكر بن الصائغ وكفره بإجازة الكتب على رسول الله ﷺ النبي الأمي وأنه تكذيب بالقرآن، فتكلم في ذلك من لم يفهم الكلام حتى أطلقوا عليه الفتنة وقبحوا عند العامة ما أتى به وتكلم به خطباؤهم في الجمع، وقال شاعرهم:
برئت ممن شرى دنيا بآخرة وقال إن رسول الله قد كتبا وصنف أبو الوليد رسالة بين فيها أن ذلك غير قادح في المعجزة فرجع بها جماعة. قلت: ما كل من عرف أن يكتب اسمه فقط بخارج عن كونه أميًّا؛ لأنه لا يسمى كاتبًا، وجماعة من الملوك قد أدمنوا في كتابة العلامة وهم أميون، والحكم للغلبة لا للصورة النادرة، فقد قال، "عليه السلام": "إنا أمة أمية"؛ أي: أكثرهم كذلك لندور الكتابة في الصحابة، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}. قلت: وهو القائل:
إذا كنت أعلم علمًا يقينًا بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكون ضنينا بها وأجعلها في صلاح وطاعة
وأما الحافظ ابن عساكر فذكر أن أبا الوليد قد كان أتى من باجة القيروان تاجرًا يختلف إلى الأندلس. قلت: هذا أقوى مما ابتدأنا به وسار الباجيان نسبتهما إلى مكان واحد. قال ابن سكرة: مات بالمرية في تاسع عشر رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة، رحمة الله عليه.
أخبرنا عبد المؤمن بن خلف الحافظ أنا أبو محمد عبد العزيز بن عبد الوهاب بن إسماعيل بن مكي الزهري الفقيه بقراءتي أنا جدي أبو طاهر بن عوف أنا أبو بكر محمد بن الوليد الفهري أنا القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف أنا يونس بن عبد الله الصفار مناولة أنا أبو عيسى يحيى بن عبد الله الليثي أنا عم أبي عبيد الله بن يحيى بن يحيى أنا أبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: "إن الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله". متفق عليه من حديث مالك.
وسمعت عاليًا من أحمد بن هبة الله عن المؤيد الطوسي أنا هبة الله السندي أنا سعيد بن محمد البحيري أنا زاهر بن أحمد الفقيه نا أبو إسحاق الهاشمي نا أبو مصعب الزهري نا مالك، بهذا.
وسمعناه عاليًا من عدة، فقرأته بنابلس على عبد الحافظ بن بدران أنا ابن الزبيدي وموسى بن عبد القادر قالا: أنا أبو الوقت أنا محمد بن أبي مسعود أنا ابن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي نا العلاء بن موسى نا ليث بن سعد عن نافع عن عبد الله عن رسول الله ﷺ أنه قال: "إن الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله".
ومات في سنة أربع وسبعين معه المقرئ الجليل أبو محمد أحمد بن علي بن الحسن بن أبي عثمان الدقاق أخو أبي الغنائم، والمعمر أبو بكر أحمد بن هبة الله بن محمد بن صدقة الرحبي الدباس عن مائة وأربع سنين، وكان يذكر أن أصوله على ابن سمعون والمخلص ذهبت في النهب، ومسند العراق أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري البندار، وعالم المالكية أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن ابن العجوز الكتامي السبتي، ومحدث نيسابور العالم المفيد أبو بكر محمد بن أبي زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد المزكي النيسابوري وكان يروي عن خمسين من أصحاب الأصم.
1028- 27/14
أبو إسماعيل الهروي
شيخ الإسلام الحافظ الإمام الزاهد أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن مت الأنصاري الهروي، من ذرية أبي أيوب الأنصاري «رضي الله ع».
ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة، وسمع جامع أبي عيسى من عبد الجبار بن محمد الجراحي وسمع من أبي منصور محمد بن محمد الأزدي والحافظ أبي الفضل محمد بن أحمد الجارودي وأبي منصور أحمد بن أبي العلاء ويحيى بن عمار السجستاني ومحمد بن جبريل الماحي وأحمد بن علي بن منجويه الحافظ وأبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي وعلي بن محمد بن محمد الطرازي وأحمد بن محمد السليطي أصحاب الأصم، ومن القاضي أبي بكر الحيري ولم يحدث عنه وأكثر عن أبي يعقوب القراب وطبقته، وصنف الأربعين، وكتاب الفاروق، في الصفات، وكتاب ذم الكلام وأهله، وكتاب منازل السائرين، وأشياء، وكان سيفًا مسلولًا على المخالفين وجذعًا في أعين المتكلمين وطودًا في السنة لا يتزلزل وقد امتحن مرات.
قال ابن طاهر: وسمعته يقول بهراة: عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك؛ فأقول: لا أسكت؛ وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردًا. قال أبو النضر الفامي: كان إسماعيل بكر الزمان وواسطة عقد المعاني وصورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن منها نصرة الدين والسنة من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا وزير، وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت وسعوا في روحه مرارًا وعمدوا إلى إهلاكه أطوارًا، فوقاه الله شرهم وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع شأنه.
قلت: تخرج به خلق كثير وفسر القرآن مدة وفضائله كثيرة؛ ورأيت أهل الاتحاد يعظمون كلامه في منازل السائرين، ويدعون أنه موافقهم ذائق لوجدهم ورامز لتصوفهم الفلسفي، وأنى يكون ذلك وهو من دعاة السنة وعصبة آثار السلف؟ ولا ريب أن في منازل السائرين أشياء من محط المحو والفناء وإنما مراده بذلك الفناء الغيبة عن شهود السوي ولم يرد عدم السوي في الخارج.
وفي الجملة هذا الكتاب لون آخر غير الأنموذج الذي أصفق عليه صوفية التابعين ودرج عليه نساك المحدثين، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. وله قصيدة في السنة سمعناها، غالبها جيد. وله مجلد في مناقب الإمام أحمد بن حنبل سمعناه من ابن القواس عن الكندي إجازة عن الكروجي عنه.
حدث عنه المؤتمن الساجي وابن طاهر المقدسي وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي وعبد الصبور بن عبد السلام الهروي وعبد الملك الكروجي وحنبل بن علي البخاري وأبو الفتح محمد بن إسماعيل الفامي وعبد الجليل بن أبي سعد المعدل وأبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي وآخرون، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار.
قال السلفي: وسألت المؤتمن عن أبي إسماعيل الأنصاري فقال: كان آية في لسان التذكير والتصوف من سلاطين العلماء، سمع ببغداد من أبي محمد الخلال وغيره، يروي في مجالسه أحاديث بالأسانيد وينهى عن تعليقها عنه وكان بارعًا في اللغة حافظًا للحديث. قرأت عليه كتاب ذم الكلام وقد روى فيه حديثًا عن علي بن بشرى عن أبي عبد الله بن منده عن إبراهيم بن مرزوق، فقلت له: هذا هكذا؟ قال: نعم؛ وإبراهيم هو شيخ الأصم وطبقته، وهو إلى الآن في كتابه على الخطأ كذا قلت: وهكذا سقط عليه رجلان من حديثين مخرجين من جامع الترمذي نبهت عليهما في نسختي وهو على الخطأ في غير نسخة. قال المؤتمن: وكان يدخل على الأمراء والجبابرة فما يبالي بهم ويرى الغريب من المحدثين فيبالغ في إكرامه، قال لي مرة: هذا الشأن شأن من ليس له شأن سوى هذا الشأن، يعني طلب الحديث؛ وسمعته يقول: تركت الحيري لله؛ قال: وإنما تركته؛ لأني سمعت منه شيئًا يخالف السنة.
قال الحسين بن علي الكتبى: خرج شيخ الإسلام لجماعة الفوائد بخطه إلى أن ذهب بصره فكان يأمر فيما يخرجه لمن يكتبه عنه ويصحح هو، وقد تواضع بأن خرج لي فوائد ولم يبق أحد ممن خرج لي سواه. قال ابن طاهر: سمعته يقول: إذا ذكر التفسير فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير؛ وسمعته ينشد على منبره:
أنا حنبلي ما حييت وإن أمت فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
وسمعته يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي ثم عزمت على الرجوع فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري وألتقيه وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمودًا لما دخل الري وقتل بها الباطنية منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض اعتقاده عليه، فإن رضيه أذن له في الكلام على الناس وإلا منعه؛ فلما قربت من الري كان معي رجل في الطريق من أهلها فسألني عن مذهبي فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به وهذه بدعة، وأخذ بثوبي وقال: لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم، فقلت: حيرة. فذهب بي إلى داره وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم فقال: هذا سألته عن مذهبه فذكر مذهبًا لم أسمع به قط؛ قال: وما ذاك؟ قال: قال: أنا حنبلي؛ فقال: دعه فكل من لم يكن حنبليًّا فليس بمسلم، فقلت: الرجل كما وصف لي؛ ولزمته أيامًا وانصرفت.
قال ابن طاهر: حكى لي أصحابنا أن السلطان ألب أرسلان قدم هراة معه وزيره نظام الملك، فاجتمع إليه أئمة الفريقين الحنفية والشافعية للشكوى من الأنصاري ومطالبته بالمناظرة، فاستدعاه الوزير فلما حضر قال: إن هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك فإن يكن الحق معك رجعوا إلى مذهبك، وإن يكن الحق معهم فإما أن ترجع أو تسكت عنهم؛ فقام الأنصاري وقال: أناظر على ما في كمى؛ قال: وما في كمك؟ قال: كتاب الله، وأشار إلى كمه اليمين؛ وسنة رسول الله، وأشار إلى كمه اليسار، وكان فيه الصحيحان فنظر الوزير إليهم مستفهمًا لهم فلم يكن فيهم من ناظره من هذه الطريق، وسمعت أحمد بن أميرجة خادم الأنصاري يقول: حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلخ "قلت: كان قد غرب إلى بلخ" قال: فلما دخل عليه أكرمه وبجله وكان هناك أئمة من الفريقين فاتفقوا عني أن يسألوه بين يدي الوزير فقال العلوي الدبوسي: يأذن الشيخ لإمام أن أسأل، قال: سل، قال: لم نلعن أبا الحسن الأشعري؟ فأطرق الوزير، فلما كان بعد ساعة قال له الوزير: أجبه؛ قال: لا أعرف أبا الحسن وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء وأن القرآن في المصحف وأن النبي اليوم ليس بنبي؛ ثم قام وانصرف فلم يمكن أحدًا أن يتكلم من هيبته؛ فقال الوزير للسائل: هذا أردتم؛ أن نسمع ما كان يذكره بهراة بآذاننا وما عسى أن أفعل به؟ ثم بعث إليه بصلة وخلع فلم يقبلها وسار من فوره إلى هراة.
قال: وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه ودخلوا على أبي إسماعيل وسلموا عليه وقالوا: ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطئوا على أن حملوا معهم صنمًا من نحاس صغيرًا وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ وخرجوا وقام إلى خلوته ودخلوا على السلطان واستغاثوا من الأنصاري وأنه مجسم وأنه يترك في محرابه صنما يزعم أن الله على صورته وإن بعث الآن السلطان يجده فعظم ذلك على السلطان وبعث غلامًا ومعه جماعة فدخلوا الدار وقصدوا المحراب فأخذوا الصنم ورجع الغلام بالصنم فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء والسلطان قد اشتد غضبه؛ فقال السلطان له: ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة؛ قال: لست عن ذا أسألك؟ قال: فعم يسألني السلطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول: إن الله على صورته، فقال الأنصاري بصولة وصوت جهوري: سبحانك هذا بهتان عظيم، فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأخرج إلى داره مكرمًا، وقال لهم: اصدقوني، وهددهم فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شره عنا، فأمر بهم ووكل بكل واحد منهم وصادرهم وأهانهم.
قال أبو الوقت عبد الأول: دخلت نيسابور وحضرت على الأستاذ أبي المعالي الجويني فقال: من أنت؟ قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري فقال: «رضي الله ع»، قلت: اسمع ترضي هذا الإمام عن هذا الإمام، وإياك وسماع سب هذا الإمام من الإنعام. قال ابن طاهر: سمعت أبا إسماعيل يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم قلت: ولم؟ قال: لأنهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة وهذا كتاب قد شرح أحاديثه وبينها فيصل إلى فائدته كل فقيه وكل محدث.
قال ابن السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ عن عبد الله بن محمد الأنصاري فقال: إمام حافظ.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: كان على حظ تام من معرفة العربية والحديث والتواريخ والأنساب إمامًا كاملًا في التفسير حسن السيرة في التصوف غير مشتغل بكسب مكتفيًا بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مرة أو مرتين على رأس الملأ فيحصل على ألوف من الدنانير وأعداد من الثياب والحلي فيأخذها ويفرقها على اللحام والخباز وينفق منها، ولا يأخذ من السلاطين ولا من أركان الدولة شيئًا، وقلما يرى عنهم ولا يدخل عليهم ولا يبالي بهم فبقي عزيزًا مقبولا قبولا أتم من الملك مطاع الأمر نحوًا من ستين سنة من غير مزاحمة، وكان إذا حضر المجلس لبس الثياب الفاخرة وركب الدواب الثمينة ويقول: إنما أفعل هذا إعزازًا للدين ورغمًا لأعدائه حتى ينظروا إلى عزي وتجملي فيرغبوا في الإسلام؛ ثم إذا انصرف إلى بيته عاد إلى المرقعة والقعود مع الصوفية في الخانقاه يأكل معهم ولا يتميز بحال. وعنه أخذ أهل هراة التبكير بالفجر وتسمية أولادهم في الأغلب بعبد المضاف إلى أسماء الله تعالى.
قال أبو سعد السمعاني: كان مظهرًا للسنة داعيًا إليها محرضًا عليها وكان مكتفيًا بما يباسط به المريدين، ما كان يأخذ من الظلمة شيئًا وما كان يتعدى إطلاق ما ورد في الظواهر من الكتاب والسنة معتقدًا ما صح وغير مصرح بما يقتضيه تشبيه؛ وقال: من لم ير مجلسي وتذكيري فطعن فيّ، فهو مني في حل.
وقال أبو النضر الفامي: توفي أبو إسماعيل في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وقد جاوز أربعًا وثمانين سنة.
قلت: فيها توفي راوي الجامع أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي الهروي، ومسند خراسان أبو عمرو عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي المزكي، ومسند أصبهان أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن ماجه الأبهري.
قرأت على محمد بن قايماز الدقيقي والحسن بن علي القلانسي وعلى أبي محمد الحافظ: أخبركم عبد الله بن عمر أنا عبد الأول بن عيسى أنا عبد الله بن محمد الأنصاري أنا عبد الجبار بن الجراح أنا محمد بن أحمد بن محبوب نا أبو عيسى الترمذي نا قتيبة ثنا ابن عيينة عن محمد بن المنكدر وسالم أبي النضر عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: قال رسول الله، ﷺ: "لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لم أجد هذا في كتاب الله". هذا حديث حسن غريب تفرد به ابن عيينة أخرجه "د ت ق" ولكن رواه "ق" عن نصر بن علي فلم يجود إسناده عن سفيان فقال: عن سالم أو زيد بن أسلم عن عبيد الله عن أبيه.
1029- 28/14
الحبال
الحافظ الإمام المتفنن محدث مصر، أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله النعماني مولاهم التجيبي بن أبي الطيب الفراء الكتبي الوراق المصري.
قال ابن سكرة: حدثني أنه ولد سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة وأنه سمع من الحافظ عبد الغني سنة سبع وأربعمائة. قلت: وسمع من أحمد بن عبد العزيز بن شرثال صاحب المحاملي، وهو أكبر شيخ له، وعبد الرحمن بن عمر النحاس ومحمد بن أحمد بن شاكر القطان ومحمد بن ذكوان التنيسي ابن بنت عثمان بن محمد السمرقندي وأحمد بن الحسين بن جعفر النخالي العطار وأحمد بن محمد بن الحاج الإشبيلي ومنير بن أحمد الخشاب والخطيب بن عبد الله ومحمد بن محمد النيسابوري صاحب الأصم وأبي عبد الله بن نظيف وخلق سواهم، وجمع لنفسه عوالي سفيان بن عيينة وغير ذلك، وهو من أولاد عبيد القاضي ابن النعمان العبيدي وكان يتعانى التجارة في الكتب ولهذا حصل عنده من الأصول والأجزاء ما لا يوصف كثرة.
روى عنه أبو عبد الله الحميدي وإبراهيم بن الحسن العلوي النقيب وعبد الكريم بن سوار التككي وعطاء بن هبة الله الإخميمي ووفاء بن دينار النابلسي ويوسف بن محمد الأردبيلي ومحمد بن محمد بن جماهر الطليطلي ومحمد بن إبراهيم البكري الطليطلي وأبو الفتح سلطان بن إبراهيم المقدسي وأبو الفضل محمد بن بيان الأنباري وأبو بكر محمد بن عبد الباقي قاضي المرستان وخلق سواهم، وروى عنه بالإجازة الخطيب وأبو علي الصدفي وابن الأكفاني وإسماعيل بن السمرقندي وآخرون، وعمل له الشريف عز الدين ترجمة في جزء كبير، وآخر من روى عنه بالإجازة محمد بن ناصر الحافظ، وكان المصريون الباطنية قد منعوه من الرواية وأخافوه وتهددوه فلم ينتشر من حديثه كثير شيء، قال أبو علي بن سكرة الصدفي: منعت من الدخول عليه إلا بشرط أن لا يسمعني ولا يكتب إجازة فأول ما فاتحته الكلام خلط في كلامه وأجابني على غير سؤالي حذرًا من أن أكون مدسوسًا عليه حتى باسطته وأعلمته أني من أهل الأندلس أريد الحج فأجاز لي لفظًا وامتنع من غير ذلك.
قال ابن ماكولا: كان الحبال ثقة ثبتًا ورعًا خيرًا، ذكر أنه مولى لابن النعمان قاضي القضاة ثم حدث عنه ابن ماكولا وذكر أنه ثبته في غير شيء، وروى عنه أبو بكر الخطيب بالإجازة ثم قال: وحدثني عنه أبو عبد الله الحميدي. وقد أتى إلى أبي إسحاق طالب حديث قبل أن يمنع ليسمعوا منه جزءًا فأخرج به عشرين نسخة وناول كل واحد نسخة يعارض بها، قال محمد بن طاهر الحافظ: سمعت أبا إسحاق الحبال يقول: كان عندنا بمصر رجل يسمع معنا الحديث وكان متشددًا وكان يكتب السماع على الأصول فلا يكتب اسم أحد حتى يستحلفه أنه سمع الجزء ولم يذهب عليه منه شيء، وسمعته يقول: كنا يومًا نقرأ على شيخ جزءًا فقرأنا قوله، "عليه السلام": "لا يدخل الجنة قتات"، وكان في الجماعة رجل يبيع القت -وهو علف الدواب- فقام وبكى وقال: أتوب إلى الله؛ فقيل له: ليس هو ذاك؛ لكنه النمام الذي ينقل الحديث من قوم إلى قوم؛ فسكن وطابت نفسه.
ثم قال ابن طاهر: كان شيخنا الحبال لا يخرج أصله من يده إلا بحضوره، يدفع الجزء إلى الطالب فيكتب منه قدر جلوسه، وكان له بأكثر كتبه نسخ عدة، ولم أر أحدًا أشد أخذًا منه ولا أكثر كتبًا منه. وكان مذهبه في الإجازة أن يقدمها على الإخبار يقول: أجاز لنا فلان ولا يقول: أخبرنا فلان إجازة؛ يقول: ربما سقط إجازة فيبقى إخبارًا فإذا بدأ بها لم يقع شك؛ وسمعته يقول: خرج الحافظ أبو نصر السجزي على أكثر من مائة لم يبق منهم غيرى، قال ابن طاهر: خرج له عشرين جزءًا في وقت الطلب وكتبها في كاغذ عتيق فسألت الحبال، فقال: هذا من الكاغذ الذي كان يحمل إلى الوزير من سمرقند وقع إلي من كتبه قطعة فكنت إذا رأيت ورقة بيضاء قطعتها إلى أن اجتمع لي هذا القدر. قال ابن طاهر: لما قصدت الحبال وكانوا وصفوه لي بحليته وسيرته وأنه يخدم نفسه فكنت في بعض الأسواق ولا أهتدي إلى أين أذهب، فرأيت شيخًا على الصفة واقفًا على دكان عطار وكمه ملأى من الحوائج فوقع في نفسي أنه هو، فلما ذهب سألت العطار: من هذا الشيخ؟ قال: وما تعرفه؟ هذا أبو إسحاق الحبال؛ فتبعته وبلغته رسالة سعد بن علي الزنجاني، فسألني عنه وأخرج من جيبه جزءًا صغيرًا فيه الحديثان المسلسلان أحدهما المسلسل بالأولية فقرأهما علي وأخذت عليه الموعد كل يوم في جامع عمرو بن العاص إلى أن خرجت. قلت: لقيه في سنة سبعين، وسمع منه القاضي أبو بكر في سنة ست وسبعين، وإنما منعوه من التحديث بعد ذلك. توفي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، عن إحدى وتسعين سنة.
وفيها مات رئيس نيسابور وقاضيها أبو نصر أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد الصاعدي، يروي عن أبي بكر الحيري وطبقته، ومفتي سرخس الإمام أبو حامد أحمد بن محمد بن محمد الشجاعي، والخطيب أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن أبي بكر بن أبي الحديد السلمي الدمشقي، ومسند أصبهان القاضي أبو منصور محمد بن أحمد بن شكرويه، والخطيب أبو الخير محمد بن أحمد بن عبد الله بن ررا الأصبهاني، ومؤلف كتاب بستان العارفين المحدث أبو الفضل محمد بن أحمد بن أبي جعفر الطبسي.
أخبرنا أبو الفهم تمام بن أحمد السلمي أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن قدامة الفقيه سنة سبع عشرة وستمائة "ح" وأخبرنا سنقر الحلبي أنا عبد اللطيف بن يوسف، قالا: أنا محمد بن عبد الباقي الحاجب أنا محمد بن أبي نصر الحافظ حدثني إبراهيم بن سعيد النعماني ويده على كتفي أنا أبو سعد أحمد بن محمد الحافظ ويده على كتفي، فذكر حديثًا لا أحب أن أرويه لأنه موضوع، متنه: حدثني رسول الله ﷺ ويده على كتفي، حدثنا الصادق الناطق ويده على كتفي، جبرائيل، "عليه السلام".
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد وعلي بن أحمد كتابة قالا: أنا عمر بن محمد أنا محمد بن عبد الباقي سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة قال: قرأت على أبي إسحاق إبراهيم بن سعيد بمصر سنة خمس وسبعين أنا أحمد بن عبد العزيز بن أحمد سنة سبع وأربعمائة نا القاضي أبو عبد الله المحاملي نا العباس بن يزيد البحراني نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله، ﷺ: "تدرون ما الشجرة الطيبة؟" فأردت أن أقول: هي النخلة، فنظرت فإذا أنا أصغر القوم فسكتُّ، فقال النبي، ﷺ: "هي النخلة".
أخبرنا أحمد بن يحيى بن طي وإبراهيم بن حاتم ببعلبك قالا: أنا سليمان بن رحمة أنا أبو القاسم البوصيري أنا مرشد بن يحيى أنا أبو إسحاق الحبال لفظًا أنا عبد الرحمن بن عمر أنا إسماعيل بن يعقوب بن الجراب سنة "339" نا إسماعيل القاضي نا محمد بن المثنى نا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن الحارث أن أبا حليمة معاذًا كان يصلي على النبي ﷺ في القنوت.
1030- 29/14
ابن شغبة
الحافظ المحدث الزاهد، أبو القاسم عبد الملك بن علي بن خلف بن محمد بن النضر بن شَغَبة -بالتحريك- الأنصاري البصري.
حدث عن أبي عمر الهاشمي والحسن بن بشار النيسابوري ويوسف بن غسان وعلي بن هارون التميمي وغيرهم، روى عنه أبو علي بن سكرة والمحدث أبو نصر الغازل وجابر الأنصاري، وأبو نصر بن ماكولا وعبد الله بن السمرقندي وأبو غالب الماوردي وآخرون.
قال السمعاني: شيخ حافظ متقن ثقة مكثر حضر ابن ماكولا مجلس إملائه؛ وقال ابن سكرة: أدركته وقد ترك كل شيء وأقبل على العبادة، صادفته يدعو ويبكي بعد الصبح فقرأت عليه شيئًا من الحديث، ورزق الشهادة في آخر عمره وكان عنده جملة من سنن أبي داود عن الهاشمي. قلت: قتل في سنة أربع وثمانين وأربعمائة.
وفيها مات أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي علي الذكواني الأصبهاني عن تسعين سنة، والمسند أبو الحسن علي بن الحسن بن قريش ببغداد سمع ابن الصلت الأهوازي، وشيخ القراء بمرو أبو نصر محمد بن أحمد بن علي بن حامد الكركانجي صاحب الحمامي، ومسند قزوين أبو منصور محمد بن الحسين بن الهيثم المقومي، وقاضي القضاة بنيسابور أبو بكر محمد بن عبد الله بن الحسين الناصحي الحنفي سمع الحيري.
ويقع لنا حديث ابن شغبة نازلا قرأت على يوسف بن أبي الزهر الحافظ أخبركم إبراهيم بن نمر القرشي أنا عبد الرحمن بن سالم أنا عبد القادر الحافظ نا المبارك بن عبد الله بن محمد البرذعي أنا محمد بن محمد ابن أخي طلحة ثنا عبد الملك بن شغبة نا علي بن أحمد البزاز نا محمد بن أحمد بن محمويه نا محمد بن إبراهيم الصوري "..." الفريابي عن ابن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي كبشة عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله، ﷺ: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". أخرجه الترمذي عن محمد بن يحيى عن الفريابي فوقع لنا نازلا بدرجتين.
1031- 14/30
سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان
الحافظ الإمام محدث أصبهان، أبو مسعود الأصبهاني الملنجي.
ولد سنة سبع وتسعين وثلاثمائة، وسمع أبا عبد الرحمن الجرجاني وأبا سعد أحمد بن محمد الماليني وأبا بكر بن مردويه وعبد الله بن أحمد بن جولة الأبهري وأبا نعيم الحافظ وخلائق بأصبهان، انفرد عن بعضهم، وأبا بكر بن هارون المنقي وأبا القاسم الحرفي وأبا علي بن شاذان والبرقاني وطبقتهم ببغداد؛ سمع منه شيخه أبو نعيم وحدث عنه إسماعيل بن محمد التيمي وأبو سعد البغدادي وأبو نصر الغازي وهبة الله بن طاوس المقرئ وشرف بن عبد المطلب الحسيني وأبو جعفر محمد بن الحسن الصيدلاني ومحمد بن عبد الواحد المغازلي ورجاء بن حامد المعداني ومسعود الثقفي وآخرون، وبقي أصحابه إلى قريب السبعين وخمسمائة، وقد حدث عنه من القدماء أبو بكر الخطيب في تاريخه ومات قبله ببضع وعشرين سنة. وقال السمعاني: كانت له معرفة بالحديث جمع الأبواب وصنف التصانيف واستخرج على الصحيحين، وسألت عنه أبا سعد البغدادي فقال: لا بأس به، ووصفه بالرحلة والجمع والكثرة، وقال: كنا يومًا في مجلسه وهو يملي فقام سائل وطلب فقال: من شؤم السائل أن يسأل أصحاب المحابر. وقال السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عنه فقال: حافظ، وأبوه حافظ؛ وقال أبو عبد الله الدقاق في رسالته: سليمان بن إبراهيم الحافظ له الرحلة والكثرة، وأبوه إبراهيم يعرف بالفهم والحفظ، وهما من أصحاب أبي نعيم، تكلم في إتقان سليمان، والحفظ هو الإتقان لا الكثرة. قال السمعاني: وسألت أبا سعد البغدادي مرة أخرى عن سليمان فقال: شنع عليه أصحاب الحديث في جزء ما كان له به سماع وسكت أنا عنه.
وقال الحافظ أبو زكريا بن منده: في سماعه كلام، سمعت من الثقات أن له أخًا يسمى إسماعيل كان أكبر منه فحك اسمه وأثبت اسم نفسه مكانه وهو شيخ شره لا يتورع لحان وقاح؛ قلت: الظاهر أن سليمان صدوق وينبغي أن يتأنى في كلام أصحاب ابن منده في أصحاب أبي نعيم، فبينهم إحن.
أجاز لنا المسلم بن محمد والمؤمل بن محمد وغيرهما قالوا: أنا الكندي أنا الشيباني أنا أبو بكر الحافظ أنا سليمان بن إبراهيم نا محمد بن إبراهيم نا محمد بن الحسين القطان نا إبراهيم بن الحارث البغدادي نا يحيى بن أبي بكير نا زهير نا أبو إسحاق عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله ﷺ قال: والله ما ترك رسول الله ﷺ عند موته دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة ولا شيئًا، إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضًا جعلها صدقة. وأخبرناه محمد بن حسن الأرموي أخبرتنا كريمة عن محمد بن الحسن الصيدلاني أنا سليمان الحافظ، مثله.
أخرجه البخاري عن إبراهيم بن الحارث، توفي سليمان في شهر ذي القعدة سنة ست وثمانين وأربعمائة عن تسعين سنة.
وفيها مات أبو الفضل حمد بن أحمد بن الحسن الأصبهاني الحداد أخو أبي علي المقرئ، وقيل: في سنة ثمان، ومسند بغداد أبو الفضل عبد الله بن علي بن زكري الدقاق الكاتب عن ست وثمانين سنة، وشيخ الشام الزاهد الفقيه أبو الفرج عبد الواحد بن محمد بن علي الشيرازي الحنبلي الواعظ، والملقب بشيخ الإسلام أبو الحسن علي بن أحمد بن يوسف القرشي الأموي الهكاري، والمسند أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد العلاف آخر أصحاب ابن أبي الفوارس، وخطيب الأنبار أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الأخضر الأنباري خاتمة من روى عن أبي أحمد الفرضي، ومسند نيسابور أبو المظفر موسى بن عمران الأنصاري خاتمة أصحاب أبي الحسن العلوي، وأبو الليث نصر بن الحسن الشكتي بسمرقند وقد حدث بالأندلس بصحيح مسلم.
1032- 31/14
الحسكاني
القاضي المحدث أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن حسكان القرشي العامري النيسابوري الحنفي الحاكم، ويعرف بابن الحذاء الحافظ.
شيخ متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث، وهو من ذرية الأمير عبد الله بن عامر بن كريز الذي افتتح خراسان زمن عثمان وكان معمرًا عالي الإسناد، صنف "في الأبواب" وجمع وحدث عن جده "أحمد" وعن أبي الحسن العلوي وأبي عبد الله الحاكم وأبي طاهر بن محمش وعبد الله بن يوسف الأصبهاني وأبي الحسن بن عبدان وابن فنجويه الدينوري وأيى الحسن علي بن السقاء وأبي عبد الله بن باكويه وخلق، وينزل إلى أبي سعيد الكنجرودي ونحوه، اختص بصحبة أبي بكر بن الحارث الأصبهاني النحوي وأخذ عنه. وأخذ أيضًا عن الحافظ أحمد بن علي بن منجويه، وتفقه على القاضي أبي العلاء صاعد بن محمد، وما زال يسمع ويجمع ويفيد، وقد أكثر عنه المحدث عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي وذكره في تاريخه لكن لم أجده ذكر له وفاة. وقد توفي بعد السبعين وأربعمائة؛ ووجدت له مجلسًا يدل على تشيعه وخبرته بالحديث وهو تصحيح خبر رد الشمس لعلي «رضي الله ع» وترغيم النواصب الشمس.
فأما أبو سعد عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن حسكويه فشيخ لعبد الخالق الشحامي تأخر إلى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، ووالده أبو بكر صاحب الخفاف فشيخ لوالد عبد الخالق بن زاهر المذكور.
أخبرنا إسحاق بن يحيى الآمدي أنا الحسن بن عباس بن أبي طاهر التميمي سنة خمس وخمسين وستمائة أنا أبو سعد عبد الواحد بن علي بن محمد بن حمويه بالسميساطية أنا وجيه بن طاهر سنة ثمان وخمسمائة أنا الحاكم أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني الحذاء أنا عبد الله بن يوسف الأصبهاني أنا عبد الرحمن بن يحيى الزهري بمكة نا مسعود بن مسروق نا وكيع عن القاسم بن حبيب عن عكرمة عن ابن عباس «رضي الله ع» قال: قال رسول الله، ﷺ: "صنفان من أمتي ليس تنالهم شفاعتي: المرجئة والقدرية" قاسم واهٍ.
هامش
تذكرة الحفاظ للحافظ الذهبي | |
---|---|
مقدمة | الطبقات: الأولى | الثانية | الثالثة | الرابعة | الخامسة | السادسة | السابعة | الثامنة | التاسعة | العاشرة | الحادية عشرة | الثانية عشرة | الثالثة عشرة | الرابعة عشرة | الخامسة عشرة | السادسة عشرة | السابعة عشرة | الثامنة عشرة | التاسعة عشرة | العشرون | الحادية والعشرون | شيوخ صاحب التذكرة |