الرئيسيةبحث

تذكرة الحفاظ/الطبقة الثامنة عشرة


الطبقة الثامنة عشرة

وعدتهم ستة وعشرون:

1122- 1/18

ابن القرطبي

الحافظ المفيد محدث مالقة وخطيبها أبو بكر وأبو محمد عبد الله بن الحسن بن أحمد الأنصاري المالقي.

سمع أباه أبا علي وأبا بكر بن الجد وأبا القاسم بن حبيش وأبا عبد الله بن زرقون وطبقتهم، واختص بالسهيلي ولازمه وتخرج به، وأجاز له أبو الحسن بن هذيل وأبو مروان بن قزمان وعني بهذا الشأن وكتب العالي والنازل.

قال الأبار في ترجمته: كان من أهل المعرفة التامة بصناعة الحديث والبصر بها والإتقان والحفظ لا سيما الرجال والتقدم في ذلك مع المعرفة بالقراءات والمشاركة في العربية وقد نوظر عليه في كتاب سيبويه، ورث براعة الحديث عن أبيه ولم يكن أحد يدانيه في الحفظ والجرح والتعديل إلا أفرادًا من عصره، وقال أبو محمد بن حوط الله: المحدثون بالأندلس ثلاثة: أبو محمد القرطبي، وأبو الربيع بن سالم، وسكت، فكأنه عنى نفسه؛ وكان ابن القرطبي كريم الخلال محببًا إلى الناس معظمًا في نفوس الخاصة والعامة أخذ الناس عنه وانتفعوا به. قال ابن الأبار: فاتني أن ألقاه، توفي بمالقة في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وستمائة. قلت: لم يبلغ ستين سنة ولا أعلم أن عندي شيئًا من طريقه إلا أن يكون بالإجازة. قال ابن الزبير: هو الحافظ أبو محمد القرطبي روى عن أبي القاسم بن دحمان والسهيلي وأبيه وعنهم أخذ القراءات والعربية وأخذ منه خلق يطول تعدادهم، وكان محدثًا حافلًا مفيدًا ضابطًا حافظًا إمامًا في وقته نحويًّا أديبًا لغويًّا كاتبًا شاعرًا متقنًا عارفًا بالقراءات وطرقها فقيهًا مدركًا زاهدًا ورعًا عابدًا عاملًا رحل الناس إليه واعتمدوا إمامته اخترمته المنية قبل التعمير، مولده في ذي القعدة سنة ست وخمسين وخمسمائة، تصدر للإقراء بمالقة وله نحو من عشرين سنة ورحل إلى غرناطة وإشبيلية وسبتة ومرسية وولي خطابة مالقة، روى عنه المحدث أبو عبد الله بن الطراز وأبو القاسم بن الطيلسان وجماعة، صنف جزءًا في قراءة نافع. قال ابن الزبير: ومن شعر أبي محمد القرطبي:

سهرت أعين ونامت عيون لأمور تكون أو لا تكون

فاطرد الهم ما استطعت عن النفس فحملانك الهموم جنون

إن ربًّا كفاك بالأمس ما كا ن سيكفيك في غد ما يكون

1123- 2/18

ابن حوط الله

الحافظ الإمام محدث الأندلس، أبو محمد عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان بن عمر بن حوط الله الأنصاري الحارثي الأندلسي الأندي.

مولده بأندة سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وتلا بالسبع على والده وبادر إلى بلنسية فسمع بعض حروف ورش من ابن هذيل.

وذلك نصف كتاب الإيجاز ولم يجز له وارتحل إلى مرسية فسمع من أبي القاسم بن حبيش وأبي عبد الله بن حميد وقيد اللغة والنحو عن ابن حميد وسمع بمالقة من أبي زيد السهيلي، وبغرناطة من عبد المنعم بن الفرس وأبي بكر بن أبي زمنين، وبإشبيلية من أبي بكر بن الجد وأبي عبد الله بن زرقون، وبقرطبة من خلف بن بشكوال، وبسبتة من أبي محمد بن عبيد الله، وبمراكش من أبي العباس أحمد بن مضاء، وأجاز له خلق منهم أبو الطاهر إسماعيل بن عوف الإسكندري وأبو طاهر الخشوعي وطائفة.

قال الأبار: اعتنى أبو محمد من صغره إلى كبره بالطلب، روى العالي والنازل وكان إمامًا في هذا الشأن بصيرًا به معروفًا بالإتقان حافظًا لأسماء الرجال، ألف كتابًا في ذكر شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي نزع فيه منزع أبي نصر الكلاباذي لكن لم يكمله، وكان كثير الأسفار فتفرقت أصوله، ولو قعد للتصنيف لعظم النفع به، ولم يكن في زمانه أحد أكثر سماعًا منه ومن أخيه المحدث أبي سليمان، وكان له الشفوف على أخيه في العربية والتفنن في غير ذلك، والتميز بإنشاء الخطب وتحبير الرسائل وقرض الشعر.

أقرأ بقرطبة القرآن والنحو واستأدبه المنصور صاحب المغرب لبنيه فأقرأهم بمراكش ونال وجاهة متصلة ودنيا عريضة وولي قضاء إشبيلية وقرطبة ومرسية وكان حميد السيرة محببًا إلى الناس جزلًا مهيبًا في الحق على حدة فيه وربما أوقعته فيما يكره، أخذ الناس عنه.

توفي بغرناطة وهو يقصد مرسية متوليًا قضاءها ثانيًا، في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وستمائة.

وأخوه الحافظ المفيد داود بن سليمان جال مع أخيه ببلاد الأندلس وبالغا في طلب العلم والأخذ عن الشيوخ حتى اجتمع لهما ما لم يجتمع لأحد من شيوخهما.

أبوهما أبو داود أخذ القراءات السبع عن سبعة شيوخ، وقرأ على محمد بن أحمد الشيباني صاحب خلف بن النحاس بقراءة الحرميين وأبي عمرو.

1124- 3/18

ابن الأثير

الإمام العلامة الحافظ فخر العلماء عز الدين أبو الحسن علي بن الأثير أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري المحدث اللغوي صاحب "التاريخ" و"معرفة الصحابة" و"الأنساب" وغير ذلك، وأخو العلامة مجد الدين صاحب "جامع الأصول" والوزير ضياء الدين نصر الله صاحب كتاب "المثل السائر".

مولده بجزيرة ابن عمر سنة خمس وخمسين وخمسمائة، وسمع من خطيب الموصل أبي الفضل الطوسي ويحيى الثقفي وغيرهما بالموصل، ومن عبد المنعم بن كليب ويعيش بن صدقة وابن سكينة ببغداد، وأبي القاسم بن صصرى وزين الأمناء بدمشق، وروى عنهم في تصانيفه، وحدث بالموصل ودمشق وحلب، روى عنه ابن الدبيثي والقوصي ومجد الدين العقيلي وشرف الدين ابن عساكر وسنقر القضائي وآخرون.

وكانت داره مجمع الفضلاء، وكان مكملا في الفضائل علامة نسابة أخباريًّا عارفًا بالرجال وأنسابهم لا سيما الصحابة مع الأمانة والتواضع والكرم، قدم الشام رسولًا وقد شرع في تاريخ كبير للموصل ولم يتمه، ومدينته جزيرة ابن عمر هي منسوبة إلى الرئيس الأجل عبد العزيز بن عمر البرقعيدي الذي بناها، قاله ابن خلكان، وقيل: أنشأها أوس وكامل ابنا عمر بن أوس التغلبي، نقله ابن المستوفي مؤرخ إربل، وقيل: منسوبة إلى أمير العراق يوسف بن عمر الثقفي.

مات ابن الأثير في أواخر شهر شعبان سنة ثلاثين وستمائة. وفيها توفي جماعة يأتون في ترجمة ابن الحاجب.

أخبرنا أحمد بن هبة الله أنا علي بن أبي الكرم سنة خمس وعشرين وستمائة أنا عبد الله بن أبي نصر أنا جعفر بن محمد القارئ أنا أبو علي بن شاذان أنا أبو عمرو بن السماك ثنا الحسن بن مكرم ثنا عثمان -هو ابن عمر- ثنا ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أخبر الفضل بن العباس أن رسول الله ﷺ لبى حتى رمى جمرة العقبة. هذا حديث صحيح عالٍ.

1125- 4/18

ابن خلفون

الحافظ محمد بن إسماعيل بن محمد بن خلفون الإمام المجود أبو بكر الأزدي الأندلسي الأونبي، نزيل إشبيلية.

ذكره الحافظ أبو عبد الله الأبار فقال: ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وسمع من أبي بكر بن الجد وأبي عبد الله بن زرقون وأبي بكر النيار وجماعة، وكان بصيرًا بصناعة الحديث حافظًا للرجال متقنًا، له كتاب سماه "المنتقى" في رجال الحديث في خمسة أسفار، وله كتاب "المفهم في شيوخ البخاري ومسلم" وكتاب في علوم الحديث، وغير ذلك. وولي القضاء ببعض النواحي فشكر في قضائه، أخذ عنه جماعة وكان أهلًا لذلك، مات في ذي القعدة سنة ست وثلاثين وستمائة، رحمه الله تعالى.

قال ابن الزبير: اعتنى بالرواية والنقل اعتناءً تامًّا، عكف على ذلك عمره وكان حافظًا للأسانيد والرجال عارفًا بهم سمع من خلق، روى عنه أبو جعفر بن الطباع.

1126- 5/18

العز

ابن الحافظ هو الإمام المحدث المفيد الحافظ عز الدين أبو الفتح محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي الصالحي الحنبلي.

ولد سنة ست وستين وخمسمائة في أحد الربيعين، ونشأ في صغره باعتناء أبيه في هذا الشأن فارتحل إلى بغداد وهو ابن أربع عشرة سنة فسمع من أبي الفتح بن شاتيل ونصر الله القزاز وطبقتهما وتفقه على أبي الفتح بن المنى، وسمع بدمشق من أبي المعالي بن صابر والخضر بن طاوس والفضل بن البانياسي ومحمد بن حمزة بن أبي الصقر وأبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجائز، وبأصبهان من أبي الفضائل عبد الرحيم بن محمد بن الكاغذي ومسعود الجمال وأبي المكارم اللبان، وبمصر من أبي القاسم البوصيري وعدة. روى عنه ابناه تقي الدين أحمد وعز الدين عبد الرحمن والحافظ ضياء الدين والشهاب القوصي والشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن محمد والشيخ فخر الدين علي وآخرون.

قال ابن النجار: كتب بخطه كثيرًا وسمعنا بقراءته الكثير واستنسخ وحصل الأصول وكان يعيرني ويفيدني عن الشيوخ ويفضل، وكان من أئمة المسلمين حافظًا للحديث متنًا وإسنادًا، عارفًا بمعانيه وغريبه، متقنًا لتراجم المحدثين مع ثقة وديانة وتودد ومروءة. قال الضياء المقدسي: كان رحمه الله فقيهًا حافظًا ذا فنون وكان أحسن الناس قراءة وأسرعهم ثقة متقنًا سمحًا جوادًا غزير الدمعة عند القراءة، وكان يتكلم في مسائل الخلاف كلامًا حسنًا ثم ساق له الضياء منامات حسنة دالة على أنه سعيد، رحمه الله. مات في شوال سنة ثلاث عشرة وستمائة.

قال لنا رشيد بن كامل الفقيه: قرأت على أبي العرب القوصي أخبركم العز محمد ابن الحافظ سنة عشر وستمائة بجامع حبر فذكر حديثًا.

وتوفي معه في العام مسند الشام العلامة تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي المقرئ النحوي الحنفي عن ثلاث وتسعين سنة، والقاضي ثقة الملك أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مجلي بن حسين الرملي المصري الشافعي خطيب جامع الحاكم، ومسند الأندلس أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن أحمد الزهري الإشبيلي راوي صحيح البخاري عن شريح.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم أنا محمد بن عبد الغني الحافظ في كتابه أنا عبد الله بن صابر أنا أبو القاسم النسيب أنا سليم بن أيوب ثنا أبو أحمد الفرضي ثنا الصولي ثنا الغلابي عن عبيد الله ابن عائشة قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامل له: اتق الله؛ فإن التقوى هي التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثاب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل.

1127- 6/18

الملاحي

الحافظ الإمام المحدث أبو القاسم محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرج الغافقي الأندلسي الغرناطي.

والملاحة من قرى غرناطة، ولد قبل سنة خمسين وخمسمائة وكان من كبار الحفاظ.

قال الأبار: سمع من والده ومن أبي الحسن بن كوثر وأبي خالد بن رفاعة وعبد الحق بن بونة وأبي القاسم بن سمحون وخلق، وأجاز له أبو عبد الله بن زرقون وأبو زيد السهيلي وأبو طاهر الخشوعي وأبو الطاهر بن عوف الإسكندراني، وكتب عن الكبار والصغار وبالغ عمره في الاستكثار وكان حافظًا للرواة عارفًا بأخبارهم.

صنف تاريخًا في علماء إلبيرة، وألف كتاب أنساب الأمم والعرب والعجم وسماه "كتاب الشجرة"، و"الأربعين" حديثًا بلغ فيه الغاية من الاحتفال ويشهد له بحفظ أسماء الرجال، وزاد على من تقدمه، وله استدراك على الحافظ أبي عمر بن عبد البر في الصحابة وكان مكثرًا عن أبي محمد بن الفرس أخذ الناس عنه وكان أهلًا لذلك، توفي رحمه الله في شعبان سنة تسع عشرة وستمائة.

وفيها مات القاضي المحدث مكين الدين أبو طالب أحمد بن عبد الله بن الحسين بن حديد الكناني الإسكندراني، والمسند أبو سعد ثابت بن مشرف بن أبي سعد الأزجي البناء، والمقرئ مسند القراء أبو محمد عبد الصمد بن عبد الرحمن بن أبي رجاء البلوي اللبسي عن خمس وثمانين سنة، ومسند الموصل أبو بكر بن عمر بن العويش النيار المقرئ، وشيخ اليونسية الشيخ يونس بن يوسف بن صاعد الشيباني القني والقنية من حساب ماردين.

1128- 7/18

ابن الأنماطي

الحافظ البارع مفيد الشام تقي الدين أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن بن الأنماطي المصري الشافعي.

مولده في حدود سنة سبعين وخمسمائة وسمع القاضي محمد بن عبد الرحمن الحضرمي وأبا القاسم البوصيري وابن سكينة وأبا الفتح المندائي ومحمد بن عبد المولى اللبني وشجاعًا المدنجي وأبا طاهر الخشوعي وأبا محمد ابن عساكر وحنبل بن عبد الله وكتب بخطه المليح الرشيق ما لا يوصف كثرة.

قال ابن النجار: اشتغل من صباه وتفقه وقرأ الأدب وقدم دمشق سنة ثلاث وتسعين، ثم حج سنة إحدى وستمائة فذهب إلى بغداد وكانت له عناية وافرة وحرص تام وجد واجتهاد مع معرفة كاملة وحفظ وحذق ونقد وفصاحة وسرعة قلم واقتدار على النظم والنثر، كان بعيد الشبيه معدوم النظير في وقته كتبت عنه وكتب عني، وقال لي: ولدت في ذي القعدة سنة سبعين.

وقال عمر بن الحاجب: كان إمامًا ثقة حافظًا مبرزًا فصيحًا حصل ما لم يحصله غيره وكان سهل العارية يعير إلى البلاد وعنده فقه وأدب، إلى أن قال: وكان نزه السر سألت عنه الحافظ الضياء فقال: حافظ ثقة مفيد إلا أنه كثير الدعابة مع المرد. قلت: روى عنه البرزالي والقوصي والمنذري والكمال الضرير والصدر البكري وولده أبو بكر محمد بن الأنماطي، وقلما روي أنه مات قبل رواج الرواية. قال الشيخ الضياء: بات في عافية وأصبح لا يقدر على الكلام أيامًا، ومات في رجب سنة تسع عشرة وستمائة.

أخبرنا محمد بن مكي القرشي ثنا محمد بن هبة الله القاضي أنا إسماعيل بن عبد الله الحافظ بمدينة الرسول ﷺ أنا أبو القاسم البوصيري "ح" وأنا أحمد بن سلامة عن البوصيري أنا مرشد بن يحيى أنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعد ثنا عبد الرحمن بن عمر ثنا إسماعيل بن يعقوب ثنا إسماعيل القاضي ثنا يحيى ثنا زيد بن الحباب أخبرني ابن لهيعة حدثني بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم الحضرمي عن أبي شريح حدثني رويفع الأنصاري أنه سمع النبي ﷺ يقول: "من قال: اللهم صلِّ على محمد وأنزله المقعد المقرب منك يوم القيامة، وجبت له الشفاعة".

1129- 8/18

الضياء

الإمام العالم الحافظ الحجة محدث الشام شيخ السنة ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي المقدسي ثم الدمشقي، الصالحي الحنبلي، صاحب التصانيف النافعة.

ولد سنة تسع وستين وخمسمائة.

وأجاز له السلفي وشهدة وسمع من أبي المعالي بن صابر وأبي المجد البانياسي وأحمد بن الموازيني وعمر بن علي الجويني ويحيى الثقفي وطبقتهم بدمشق، وأبي القاسم البوصيري وطبقته بمصر، والمبارك بن المعطوش وابن الجوزي وطبقتهما ببغداد، وأبي جعفر الصيدلاني وطبقته بأصبهان، وعبد الباقي بن عثمان بهمذان والمؤيد الطوسي وطبقته بنيسابور، وعبد المعز بن محمد البزاز بهراة، وأبي المظفر بن السمعاني بمرو؛ ورحل مرتين إلى أصبهان وسمع بها ما لا يوصف كثرة وحصل أصولا كثيرة.

ونسخ وصنف وصحح ولين وجرح وعدل وكان المرجوع إليه في هذا الشأن، قال تلميذه عمر بن الحاجب: شيخنا أبو عبد الله شيخ وقته ونسيج وحده علمًا وحفظًا وثقة ودينًا، من العلماء الربانيين وهو أكبر من أن يدل عليه مثلي، كان شديد التحري في الرواية مجتهدًا في العبادة كثير الذكر منقطعًا متواضعًا سهل العارية.

رأيت جماعة من المحدثين ذكروه فأطنبوا في حقه ومدحوه بالحفظ والزهد، سألت الزكي البرزالي عنه فقال: ثقة جبل حافظ دين. قال ابن النجار: حافظ متقن حجة عالم بالرجال ورع تقي ما رأيت مثله في نزاهته وعفته وحسن طريقته، وقال الشرف بن النابلسي: ما رأيت مثل شيخنا الضياء.

قلت: ثنا عنه القاضي تقي الدين وابن الموازيني وابن الفراء والنجم الشعراوي وابن الخباز والتقي بن مؤمن وعثمان النساج وابن الخلال والدشتي وأبو بكر بن عبد الدائم وعيسى السمسار وسالم القاضي وآخرون. وقد استوفيت سيرته وتواليفه في التاريخ الكبير، عاش أربعًا وسبعين سنة، وتوفي إلى رضوان الله في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة.

أخبرنا عثمان بن إبراهيم المقرئ أنا أبو عبد الله الحافظ أنا عبد الواحد بن القاسم أن فاطمة بنت عبد الله أخبرتهم أنا ابن ريذة أنا أبو القاسم الطبراني ثنا محمود بن الفرج ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي ثنا فضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن البراء قال: قال رسول الله، ﷺ: "من قضى نهمته من الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينه إلى زينة المترفين كان مهينًا في ملكوت السماء، ومن صبر على القوت الشديد صبرًا جميلًا أسكنه الله من الفردوس حيث شاء". هذا حديث غريب إسناده متصل لين. قال الطبراني: تفرد به البجلي.

1130- 9/18

ابن القطان

الحافظ العلامة الناقد قاضي الجماعة، أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن يحيى بن إبراهيم الحميري الكتامي الفاسي، الشهير بابن القطان.

سمع أبا عبد الله محمد بن الفخار فأكثر عنه وأبا الحسن بن الفرات وأبا جعفر بن يحيى الخطيب وأبا ذر الخشني وطبقتهم.

قال الأبار في ترجمته: كان من أبصر الناس بصناعة الحديث وأحفظهم لأسماء رجاله وأشدهم عناية بالرواية رأس طلبة العلم بمراكش ونال بخدمة السلطان دنيا عظيمة، وله تواليف، حدث ودرس، إلى أن قال: ومات وهو على قضاء سجلماسة في ربيع الأول سنة ثمان وعشرين وستمائة.

قال ابن مسدي: كان معروفًا بالحفظ والإتقان، ومن أئمة هذا الشأن مصري الأصل مراكشي الدار كان شيخ شيوخ أهل العلم في الدولة المؤمنة فتمكن من الكتب وبلغ غاية الأمنية، ولي قضاء الجماعة في أثناء تقلب الدولة فنقمت عليه أغراض انتهكت فيها أعراض، إلى أن قال: سمع أبا عبد الله بن زرقون وأبا بكر بن الجد وعدة، عاقت الفتن المدلهمة عن لقائه وقد أجاز لي مروياته قلت: طالعت كتابه المسمى ب "الوهم والإيهام" الذي وضعه على الأحكام الكبرى لعبد الحق يدل على حفظه وقوة فهمه، لكنه تعنت في أحوال رجال فما أنصف بحيث إنه أخذ يلين هشام بن عروة ونحوه.

مات عام وفاته المسند أبو نصر أحمد بن الحسين بن عبد الله بن أبي نصر أحمد بن هبة الله بن محمد النرسي البيع ببغداد، والمسند أبو الفضل عبد السلام بن عبد الله بن أحمد بن بكران الداهري الخفاف، وأبو الرضا محمد بن أبي الفتح المبارك بن عبد الرحمن بن عصية الكندي الجدي، وشيخ العربية زين الدين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي، والخطيب بدر الدين يونس بن محمد بن محمد الفارقي الدمشقي؛ رحمة الله عليهم.

1131- 10/18

أبو موسى

الفقيه الحافظ جمال الدين عبد الله ابن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي الصالحي الحنبلي.

ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وسمع من عبد الرحمن بن علي الخرقي وإسماعيل الجنزوي وأبي طاهر الخشوعي ورحل به أخوه الحافظ عز الدين فسمع من عبد المنعم بن كليب والمبارك بن المعطوش ومسعود الجمال وخليل الراراني وأبي المكارم اللبان وخلق كثير، وبمصر من أبي عبد الله الأرتاحي وابنة سعد الخير، ثم ارتحل ثانيًا إلى العراق فسمع من أبي الفتح المندائي وذويه، ومن منصور الفراوي والمؤيد الطوسي بنيسابور، وبالموصل وإربل والحرمين وكتب بخطه شيئًا كثيرًا، وصنف وأفاد وقرأ القرآن على عمه الشيخ العماد، والفقه على الشيخ الموفق والعربية على أبي البقاء الضرير.

قرأت بخط ابن الحاجب: سألت الحافظ ضياء الدين عن أبي موسى فقال: حافظ ثقة دين متقن وسألت زكي الدين البرزالي عنه فقال: حافظ دين متميز، وقال الضياء: كانت قراءته سريعة صحيحة مليحة. وقال ابن الحاجب: لم يكن في عصرنا أحد مثله في الحفظ والمعرفة والأمانة، كان متواضعًا مهيبًا وقورًا جوادًا سمحًا وافر العقل له القبول التام مع العبادة والورع والمجاهدة.

قرأت بخط الحافظ الضياء: اشتغل بالفقه والحديث وصار علمًا في وقته، رحل ثانيًا ومشى على رجليه كثيرًا وصار قدوة وانتفع الناس بمجالسه التي لم يسبق إلى مثلها. قلت: حدث عنه الضياء والشيخ شمس الدين والشيخ الفخر والشمس بن حازم والشمس بن الواسطي ونصر الله بن عياش ونصر الله وسعد الخير ابنا النابلسي وعدة، وآخر من حدث عنه بالإجازة القاضي تقي الدين الحنبلي.

قال أبو الفتح بن الحاجب: لو اشتغل أبو موسى حق الاشتغال ما سبقه أحد ولكنه تارك، وسمعت أبا عبد الله الحافظ يصف ما قاسى أبو موسى من الشدائد -الجوع والعري- في رحلته بنيسابور وأصبهان. قال أبو المظفر بن الجوزي: كان الجمال ابن الحافظ أحواله مستقيمة حتى خالط الصالح إسماعيل فتغير ومرض في بستان الصالح وفيه مات رحمه الله تعالى.

قرأت بخط محمد بن سلام: عقد أبو موسى مجلس التذكير ورغب الناس في حضوره وكان جمَّ الفوائد يطرز مجلسه بالبكاء والخشوع وإظهار الجزع، وسمعت أبا الفرج بن العلاء الفقيه الحنبلي يقول: كان أبو موسى كثير الميل إلى السلاطين. قال الضياء: مات يوم الجمعة خامس رمضان سنة تسع وعشرين وستمائة.

أخبرنا نصر الله بن محمد أبو الفتح الحداد نا عبد الله بن عبد الغني الحافظ في سنة ثمان وعشرين وستمائة أنا خليل بن بدر الراراني أنا الحسن بن أحمد الحداد أنا أحمد بن عبد الله الحافظ أنا سليمان بن أحمد ثنا أحمد بن شعيب ثنا أبو المعافى محمد بن وهب الحراني ثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن مالك بن أنس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، سمعت رسول الله ﷺ يقول: "رحم الله عبدًا كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال أو جاه فاستحله قبل أن يؤخذ وليس ثَمّ دينار ولا درهم، فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته، وإن لم تكن له حسنات وضع من سيئات صاحبه عليه". غريب صالح الإسناد فرد.

1132- 11/18

ابن خليل

الحافظ المفيد الإمام الرحال مسند الشام شمس الدين أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقي الأدمي محدث حلب.

مولده سنة خمس وخمسين وخمسمائة وتشاغل بالسبب وصار ابن ثلاثين سنة ثم حبب إليه طلب الحديث فانصبَّ إليه بكليته وكتب ما لا يوصف، فسمع بدمشق من يحيى الثقفي وطبقته وتخرج بالحافظ عبد الغني، وسمع ببغداد من يحيى بن يوش وذاكر بن كامل وأبي منصور بن عبد السلام وأبي الفرج بن كليب، وبأصبهان من خليل بن بدر ومسعود الجمال ومحمد بن إسماعيل الطرسوسي وأبي الفضائل عبد الرحيم الكاغذي وطبقتهم، وبمصر أبا القاسم البوصيري وطبقته؛ وشيوخه نحو خمسمائة نفس في ثلاثة أجزاء سمعتها من صاحبه أحمد بن محمد الحافظ، وحدثنا عنه أيضًا الحافظ شرف الدين عبد المؤمن ومحمد بن سليمان المعري وشرف الدين محمود التاذفي ومحمد بن جوهر المقرئ وأبو الحسن الغرافي وأيوب ومحمد وإسحاق بنو النحاس والقاضي تاج الدين صالح القوصي وأبو بكر الدشتي وإسماعيل وإبراهيم وعبد الرحمن بنو ابن العجمي والعفيف الآمدي وطاهر بن عبد الله بن العجمي وجماعة سواهم، وآخر من بقي من أصحابه إبراهيم بن العجمي.

سئل أبو إسحاق الصريفيني عنه فقال: حافظ ثقة عالم بما يقرأ عليه لا يكاد يفوته اسم رجل. وسئل الحافظ الضياء عنه فقال: حافظ سمع وحصل الكثير وهو صاحب رحلة وتطواف. قال عمر بن الحاجب الحافظ: هو أحد الرحالين بل أوحدهم فضلًا وأوسعهم رحلة نقل بخطه المليح ما لا يدخل تحت الحصر وهو طيب الأخلاق مرضي الطريقة متقن ثقة حافظ. قلت: خرج لنفسه ثمانيات وعوالي وفوائد سمعناها وهو يدخل في شرط الصحيح وقد تفرد بشيء كثير لخراب أصبهان.

توفي في عاشر جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وستمائة عن ثلاث وتسعين سنة.

وفيها توفي محدث الإسكندرية المسند أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح بن رواح الأزدي عن أربع وتسعين سنة، والمسند العدل فخر القضاة أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحباب التميمي السعدي المصري عن سبع وثمانين سنة، ومسند بغداد المحدث أبو محمد إبراهيم بن محمود بن سالم بن الخير الأزجي الحنبلي عن خمس وثمانين سنة، والمسند أبو القاسم علي بن سالم بن أبي بكر اليعقوبي الضرير، والفقيه المفتي أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أبي السعادات الدباس الحنبلي سمعا من ابن شاتيل، والمسند أبو منصور مظفر بن عبد الملك بن عتيق الفهري بن القوي، وأخو صاحب الترجمة أبو محمد يونس بن خليل الأدمي في المحرم عن تسع وثمانين سنة، والمحدث العالم مجد الدين محمد بن محمد بن عمر الأسفراييني الصوفي بن الصفار بدمشق.

أخبرنا عبد الرحمن وإبراهيم وإسماعيل بنو صالح بن هاشم ومحمد بن سليمان بن معالي وأحمد بن محمد المؤدب وعبد المحسن والقاضي عز الدين عبد العزيز ثنا محمد بن أبي جرادة وإسحاق بن طارق سماعًا قالوا: ثنا يوسف بن خليل الحافظ ثنا خليل بن بدر بأصبهان أنا أبو علي الحداد أنا أبو نعيم الحافظ ثنا أبو بكر أحمد بن يوسف ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا سليمان التيمي عن أنس قال: بلغني أن النبي ﷺ قال لمعاذ بن جبل: "من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة".

1133- 12/18

ابن نقطة

الحافظ الإمام المتقن محدث العراق معين الدين أبو بكر محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي الحنبلي، ابن نقطة.

ولد سنة نيف وسبعين وخمسمائة وكان أبوه من صلحاء العراق فطلب أبو بكر الحديث وسمع من يحيى بن يوش، وفاته ابن كليب، ثم سمع سنة ستمائة من عبد الوهاب ابن سكينة وابن طبرزذ وأبي الفتح المندائي فمن بعدهم ببغداد، وعفيفة الفارقانية وزاهر بن أحمد وأبي الفخر أسعد بن روح ومحمود بن أحمد المضري وطبقتهم بأصبهان، ومنصور الفراوي والمؤيد الطوسي بنيسابور، وعبد القادر الرهاوي بحران، والتاج الكندي وطبقته بدمشق، والافتخار الهاشمي بحلب، وعبد القوي بن الحباب بمصر، ومحمد بن عماد بالثغر، وخلائق.

ونسخ الكثير وحصل الأصول وجمع وصنف وبرع في هذا الشأن؛ سئل الحافظ الضياء عنه فقال: حافظ دين ثقة صاحب مروءة وكرم. وقال أبو عبد الله البرزالي: ثقة دين مفيد. وسئل ابن نقطة عن نقطة فقال: هي جارية ربت جد أبي.

قلت: روى عنه الزكي المنذري والسيف بن المجد وعبد الكريم بن منصور الأثري والشرف حسين بن إبراهيم الإربلي وعثمان بن الحاجب وأبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغني وعز الدين أحمد بن إبراهيم الفاروثي وابنه الليث ابن نقطة.

وهو مصنف كتاب "التقييد في رواة الكتب والمسانيد" وكتاب المستدرك على إكمال أبي نصر بن ماكولا ينبئ بإمامته وحفظه، وكان متقنًا محققًا مليح الخط له سمت ووقار وفيه دين وقناعة قفا أثر والده في الزهد والتقشف ولم ألق أحدًا يروي لي عنه.

مات في الثاني والعشرين من صفر سنة تسع وعشرين وستمائة.

وفيها توفي أبو القاسم أحمد بن أحمد بن أبي غالب البغدادي الأمير بن الشمذي عنده جزء أبي الجهم، وإمام النظامية أبو المعالي أحمد بن عمر بن أحمد بن بكرون النهرواني، والقاضي شرف الدين إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد الشيباني بن الموصلي الحنفي بدمشق عن خمس وثمانين سنة، والإمام المسند أبو علي الحسن بن المبارك بن محمد بن الزبيدي البغدادي الحنفي، وأبو محمد عبد الصمد بن داود بن محمد المصري الغفاري، وأبو محمد عبد الغفار بن شجاع التركماني المحلي الشروطي، وأبو محمد عبد اللطيف بن عبد الوهاب بن محمد الطبري البغدادي المؤذن، والعلامة موفق الدين عبد اللطيف بن يوسف بن محمد البغدادي الموصلي الأصل عن اثنتين وسبعين سنة، ومسند الوقت أبو حفص عمر بن كرم بن أبي الحسين الدينوري البغدادي الحنبلي الحمامي وله تسعون سنة، ومقرئ الإسكندرية أبو القاسم عيسى بن عبد العزيز بن عيسى اللخمي عن تسع وسبعين سنة.

حدثني قاسم بن محمد الأندلسي الحافظ أنا أحمد بن إبراهيم الواسطي ثنا أبو بكر محمد بن عبد الغني ابن نقطة الحافظ سنة ثمان وعشرين ببغداد أخبرتنا عفيفة بنت أحمد أخبرتنا فاطمة أنا أبو بكر بن ريذة أنا أبو القاسم الطبراني ثنا أحمد بن إبراهيم بن فيل ثنا أبو توبة ثنا الحسن بن أيوب عن عبد الله بن بسر قال: كان النبي ﷺ يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة. الحسن لم أعرفه بعد.

1134- 13/18

الدبيثي

الإمام الحافظ الثقة المقرئ، مؤرخ العراق أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي سعيد بن يحيى بن علي بن حجاج الدُّبَيثي ثم الواسطي الشافعي المعدل.

ولد سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وسمع من أبي طالب الكتاني وهبة الله بن قسام وعدة بواسط، وتلا بالعشر على خطيب شافيا وابن الباقلاني وسمع ببغداد من ابن شاتيل والقزاز وأبي العلاء بن عقيل وعبد المنعم الفراوي وهذه الطبقة، وقرأ على جماعة وتفقه على أبي الحسن بن البوقي وقرأ الأصول والخلاف والنحو وعني بالحديث وكتب العالي والنازل وصنف تاريخًا كبيرًا لواسط، وتاريخًا لبغداد ذيل به على السمعاني وعمل معجمًا لشيوخه.

وكان مشرف الوقف العام ثم إنه استعفي من منصب العدالة وتركه ضجرًا ولزم الرواية والإقراء. قال ابن النجار: سكن بغداد وحدث بتصانيفه وقل أن جمع شيئًا إلا وأكثره على ذهنه، وله معرفة بالحديث والأدب والشعر وهو سخي بكتبه وأصوله صحبته عدة سنين فما رأيت منه إلا الجميل والديانة وحسن الطريقة وما رأت عيناي مثله في حفظ التواريخ والسير وأيام الناس، رحمه الله. قلت: روى عنه ابن النجار وابن نقطة وزكي الدين البرزالي وعلي بن محمد الكازروني والشيخ عز الدين الفاروثي والشيخ جمال الدين الشريشي وتاج الدين الغرافي وعدة، وبالإجازة القاضي تقي الدين المقدسي وقد سمع منه من شيوخه المحدث أحمد بن طارق الكركي وأبو طالب بن عبد السميع وكانت رحلته في سنة ست وسبعين وخمسمائة في ربيع الأول. قال ابن النجار: أضر بأخرة وتوفي ثامن ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وستمائة، قال: ولقد مات عديم النظير في فنه.

قلت: وفيها مات قاضي دمشق شمس الدين أبو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة الخوي الأصولي الشافعي، والرئيس صفي الدين أبو العلاء أحمد بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي الدمشقي، وأبو البقاء إسماعيل بن محمد بن يحيى البغدادي المؤدب راوي مسند إسحاق، ومسند شيراز العلامة علاء الدين أبو سعد ثابت بن أحمد بن محمد الخُجندي الأصبهاني عن تسع وثمانين سنة حضر الصحيح على الوقت وبه ختم حديثه، والمسند أبو علي الحسين بن يوسف بن حسن الصنهاجي الشاطبي ثم الإسكندراني وهو أقدم شيخ للدمياطي، والعدل أمين الدين أبو الغنائم سالم ابن الحافظ أبي المواهب حسن بن هبة الله بن صصرى التغلبي الدمشقي عن ستين سنة، والقاضي عبد الحميد بن عبد الرشيد بن علي بن بنيمان الهمذاني سبط الحافظ أبي العلاء، والمسند أبو القاسم عبد الرحمن بن يوسف بن هبة الله بن الطفيل الدمشقي ثم المصري، وإمام الربوة أبو محمد عبد العزيز بن بركات بن إبراهيم بن طاهر الخشوعي، وشيخ بغداد المقرئ الإمام عبد العزيز بن دلف بن أبي طالب البغدادي الناسخ، والمفيد الإمام الأديب شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن عبد الكريم البغدادي الكاتب عن ثمان وخمسين سنة، والشيخ تقي الدين محمد بن طرخان بن أبي الحسن السلمي الدمشقي، والزاهد أبو طالب محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن صابر السلمي الدمشقي، ومحتسب دمشق رشيد الدين أبو الفضل محمد بن عبد الكريم بن يحيى بن شجاع القيسي بن الهادي، وفخر الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن نصر النوقاني عن ست وثمانين سنة، ومحدث إربل ومؤرخها الأديب الإمام شرف الدين أبو البركات المبارك بن أحمد بن المبارك بن موهوب بن المستوفي، والعلامة الصاحب ضياء الدين أبو الفتح نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير الجزري صاحب المثل السائر.

قرأت على علي بن أحمد الهاشمي أنا محمد بن سعيد بن يحيى الحافظ ببغداد سنة ثلاث وثلاثين وستمائة أنا أبو السعادات نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد القزاز بقراءتي أنا المبارك بن عبد المبارك بن عبد الجبار الصيرفي نا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبيد الله الحرفي ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي حدثني حمدون بن أحمد بن سلم ثنا عبيد الله ابن عائشة ثنا دريد بن مجاشع عن غالب القطان عن مالك بن دينار عن الأحنف بن قيس قال: قال عمر بن الخطاب، «رضي الله ع»: يا أحنف من كثر صخبه قلت هيبته، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن مزح استخف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.

1135- 14/18

الكلاعي

الإمام الحافظ العالم البارع محدث الأندلس وبليغها، أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي البلنسي.

ولد سنة خمس وستين وخمسمائة، قال أبو عبد الله الأبار: سمع ببلنسية أبا العطاء بن نذير وأبا الحجاج بن أيوب وارتحل فسمع أبا القاسم بن حبيش وأبا بكر بن الجد وأبا عبد الله بن زرقون وأبا عبد الله بن الفخار وأبا محمد بن عبيد الله وأبا محمد بن بونة وأبا الوليد بن رشد وأبا محمد بن الفرس وأبا عبد الله بن عروس وأبا محمد بن جهور ونجبة بن يحيى وخلقًا سواهم، وأجاز له أبو العباس بن مضا وأبو محمد عبد الحق الأزدي صاحب الأحكام وآخرون، وعني أتم عناية بالتقييد والرواية وكان إمامًا في صناعة الحديث بصيرًا به حافظًا حافلًا عارفًا بالجرح والتعديل ذاكرًا للمواليد والوفيات يتقدم أهل زمانه في ذلك وفي حفظ أسماء الرجال خصوصًا من تأخر زمانه وعاصره، كتب الكثير وكان خطه لا نظير له في الإتقان والضبط مع الاستبحار في الأدب والاشتهار بالبلاغة فردًا في إنشاء الرسائل مجيدًا في النظم خطيبًا فصيحًا مفوهًا مدركًا حسن السرد والمساق لما يقوله مع الشارة الأنيقة والزي الحسن، وهو كان المتكلم عن الملوك في زمانه في المجالس المبين عنهم لما يريدونه على المنبر في المحافل، ولي خطابة بلنسية في أوقات.

وله تصانيف مفيدة في فنون عديدة، ألف كتاب "الاكتفاء في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفاء" في أربع مجلدات، وله مؤلف حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله، وكتاب "مصباح الظلم" بشبه الشهاب، وكتاب "أخبار البخاري"، وكتاب "الأربعين" وغير ذلك، وإليه كانت الرحلة للأخذ عنه، انتفعت به في الحديث كل الانتفاع، أخذت عنه كثيرًا.

قلت: حدث عنه أبو العباس أحمد بن الغماز قاضي تونس وطائفة. قال ابن مسدي: لم ألق مثله جلالة ونبلا ورئاسة وفضلا وكان إمامًا مبرزًا في فنون من منقول ومعقول ومنثور وموزون جامعًا للفضائل، برع في علوم القرآن والتجويد، أما الأدب فكان ابن بجدته وأبا نجدته، وهو ختام الحفاظ ندب لديوان الإنشاء فاستعفي، أخذ القراءات عن أصحاب ابن هذيل وارتحل واختص بأبي القاسم بن حبيش بمرسية، أكثرت عنه.

قال الأبار: كان رحمه الله تعالى أبدًا يحدثنا أن السبعين منتهى عمره لرؤيا رآها، وهو آخر الحفاظ والبلغاء بالأندلس، استشهد بكائنة أينشة على ثلاثة فراسخ من مرسية مقبلا غير مدبر في العشرين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستمائة، رحمه الله تعالى.

قال الحافظ المنذري: توفي شهيدًا بيد العدو قال: وكان مولده بظاهر مرسية في مستهل رمضان سنة خمس وستين، سمع ببلنسية ومرسية وإشبيلية وغرناطة وشاطبة ومالقة وسبتة ودانية، وجمع المجاميع تدل على غزارة علمه وكثرة حفظه ومعرفته بهذا الشأن، كتب إلينا بالإجازة سنة أربع عشرة.

قلت: توفي معه في العام المحدث العالم الملك المحسن يمين الدين أحمد ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب عن سبع وخمسين سنة، والزاهد أبو محمد إسحاق بن أحمد بن غانم العلثي القوال المعروف، ومحدث مصر وجيه الدين أبو اليمن بركات بن ظافر ابن عساكر الأنصاري المصري، والفقيه الموفق حمد بن أحمد بن محمد بن صديق الحراني، وأبو طاهر الخليل بن أحمد بن علي الجوسقي الصرصري، والمسند أبو منصور سعيد بن محمد بن ياسين السفار، والإمام ناصح الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن نجم ابن شرف الإسلام عبد الوهاب ابن الإمام الشيخ أبي الفرج بن الشيرازي الحنبلي الأنصاري، وفقيه حران ناصح الدين عبد القادر بن عبد القاهر بن عبد المنعم الحنبلي، والفقيه شرف الدين بن عبد القادر بن أبي عبد الله محمد بن الحسن بن البغدادي المصري الشافعي، وأبو القاسم عبد اللطيف ابن الأديب شاعر العراق محمد بن عبد الله التعاويذي، وخطيب بلنسية أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الله بن خيرة المقرئ، والمسند أبو نزار عبد الواحد بن نزار بن عبد الواحد البغدادي الجمال في عشر التسعين، والمسند أبو الحسن علي بن محمد بن جعفر بن معالي البغدادي بن كية، والمحدث المؤرخ مسند العراق أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر بن حسين بن القطيعي عن ثمان وثمانين سنة، والمسند أبو الحسن مرتضى بن أبي الجود حاتم بن المسلم الحارثي المصري عن خمس وثمانين سنة، والمسند أبو بكر هبة الله بن عمر بن حسن بن كمال الحلاج عنده هبة الله بن الشبلي، والمعمرة أم عبد الله ياسمين بنت سالم بن علي بن البيطار، سمعت أيضًا من ابن الشبلي.

أخبرنا محمد بن جابر أنا أحمد بن محمد بن حسن القاضي بتونس أنا العلامة أبو الربيع بن سالم الحافظ أنا أبو محمد عبد الله بن محمد الحجري أنا محمد بن عبد العزيز بن زغيبة الكلابي أنا أبو العباس أحمد بن عمر العذري أنا أحمد بن الحسن الرازي أنا محمد بن عيسى بن عمرويه أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم ثنا عبد الله بن مسلمة ثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة قالت: طيبت رسول الله - ﷺ - بيدي لحرمه حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت. وأنبأناه عاليًا أحمد بن هبة الله وزينب بنت عمر عن المؤيد الطوسي أنا محمد بن الفضل أنا عبد الغافر بن محمد أنا ابن عمرويه المذكور.

1136- 15/18

ابن دحية الكلبي

الإمام العلامة الحافظ الكبير، أبو الخطاب عمر بن حسن بن علي بن محمد، الملقب بالجميل -بتشديد الياء المفتوحة- ابن فرج بن خلف الأندلسي الداني الأصل السبتي.

وكان يكتب عن نفسه: ذو النسبين بين دِحية والحسين. قال الأبار: كان يذكر أنه من ولد دحية الكلبي وأنه سبط أبي البسام الحسيني، سمع بالأندلس أبا القاسم بن بشكوال وأبا عبد الله بن المجاهد وأبا بكر بن الجد وأبا عبد الله بن زرقون وأبا بكر بن جعفر اللمتوني وأبا القاسم بن حبيش وطبقتهم، وكان بصيرًا بالحديث معنيًّا بتقييده مكبًّا على سماعه حسن الخط معروفًا بالضبط، له حظ وافر من اللغة ومشاركة في العربية وغيرها، ولي قضاء دانية ثم صرف لسيرة نقمت عليه فرحل عنها وحمل بتلمسان عن قاضيها ابن أبي حيون، وحدث بتونس في سنة خمس وتسعين وحج وكتب بالمشرق وبأصبهان وبالعراق ونيسابور. قلت: أدرك أبا جعفر الصيدلاني وأبا الفتح الفراوي والحافظ أبا الفرج بن الجوزي وعاد إلى مصر. قال الأبار: أدب الكامل فنال دنيا عريضة وصنف ودرس وله كتاب "النص المبين في المفاضلة بين أهل صفين" وكتب إلي بالإجازة سنة ثلاث عشرة وستمائة.

قلت: وسمع بمصر من البوصيري وطبقته وسمع مسند الإمام أحمد بواسط من الندائي وسمع معجم الطبراني كله من الصيدلاني وحدث في سنة ستمائة بالموطأ وسمعه منه أبو عمرو بن الصلاح وزعم -ولم تدخل في الأذن دعواه- أنه قرأ صحيح مسلم من حفظه على بعض شيوخه وكان معروفًا على كثرة علمه وفضائله بالمجازفة والدعاوى العريضة.

قال الحافظ الضياء: لقيته بأصبهان ولم أسمع منه شيئًا ولم يعجبني حاله، كان كثير الوقيعة في الأئمة، أخبرني إبراهيم السنهوري أنه دخل المغرب وأن مشايخ أهل المغرب كتبوا له جرحه وتضعيفه. ثم قال الضياء: وقد رأيت منه غير شيء مما يدل على ذلك.

وقال القاضي ابن واصل: كان أبو الخطاب مع فرط معرفته وحفظه متهمًا بالمجازفة في النقل فبلغ ذلك الملك الكامل فأمره أن يعلق شيئًا على كتاب الشهاب فعلق كتابًا تكلم فيه على أسانيده وأراه الكامل، فقال له الكامل بعد أيام: ضاع مني الكتاب فعلق لي مثله، ففعل فجاء متنافيًا للأول فعلم السلطان صحة ما قيل عنه وعزله من دار الحديث، فولى مكانه أخاه الإمام أبا عمرو اللغوي.

قال ابن نقطة: كان أبو الخطاب موصوفًا بالمعرفة والفضل لم أره إلا أنه كان يدعي أشياء لا حقيقة لها، فذكر لي أبو القاسم بن عبد السلام -ثقة- قال: نزل عندي ابن دحية فجعل يقول: أحفظ صحيح مسلم وجامع الترمذي، فأخذت خمسة أحاديث من الترمذي وخمسة من المسند وخمسة من الموضوعات وجعلتها جزءًا وعرضتها عليه فلم يعرف منها شيئًا.

وقال ابن خلكان: قدم إربل فصنف لملكها كتاب المولد ومدحه بقصيدة مطلعها: لولا الوشاة وهم أعداؤنا وهموا، ثم ظهرت القصيدة أنها في ديوان الأسعد بن مماتي، قرأت بخط ابن مسدي: كان والد أبي الخطاب تاجرًا يعرف بالكلبي -بين الباء والفاء- وهو اسم موضع بدانية، كان أبو الخطاب يكتب أولا: الكلبي معًا، إشارة إلى الموضع وإلى النسب وكان علامة زمانه قلت: كان مدلسًا يستعمل "حدثنا" فيما هو إجازة، لم ألق من يحدثني عنه. وسمعنا بإجازته من الحافظ شرف الدين الحنبلي. قرأت موته في ليلة رابع عشر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وعاش نيفًا وثمانين سنة.

وفيها مات الجمال أبو حمزة أحمد بن عمر ابن الشيخ أبي عمر المقدسي عن أربع وستين سنة، والفقيه الملك أبو العباس ابن الخطيب محمد بن أحمد اللخمي العزفي صاحب سبتة، والمسندة أم الحياء زهرة بنت محمد بن أحمد بن حاضر ببغداد، والمعمر أبو الربيع سليمان بن أحمد بن علي الشارعي المقرئ ابن المغربل تلميذ الكيزاني، والفقيه وجيه الدين عبد الخالق بن إسماعيل بن الحسن التنيسي، والمسند الشيخ عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن الدمشقي النساج، وخطيب زملكا عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري، والشيخ عفيف الدين علي بن عبد الصمد بن محمد بن الرماح المصري النحوي، والمسند الكبير أبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة البغدادي القلانسي، والمسند فخر الدين محمد بن إبراهيم بن مسلم الإربلي، وأبو بكر محمد بن محمد بن أبي المفاخر المأموني المقرئ الضرير بمصر، والمسند أبو الفتح نصر الله بن عبد الرحمن بن مكارم الأنصاري الدمشقي، وقاضي القضاة عماد الدين نصر بن عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلي الحنبلي عن سبعين سنة، رحمة الله عليهم أجمعين.

1137- 16/18

البرزالي

الإمام المفيد الحافظ الرحال محدث الشام زكى الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد بن أبي يداس البرزالي الإشبيلي.

ولد تقريبًا في سنة سبع وسبعين وخمسمائة وقدم للحج سنة اثنتين وستمائة فألهم سماع العلم وكتابته، فسمع من الحافظ ابن المفضل وجماعة، وبمكة من زاهر بن رستم ويونس الهاشمي، وبدمشق من الكندي وطبقته، وبأصبهان من عين الشمس بنت الثقفي والموجودين، وبنيسابور من منصور والمؤيد وزينب، وبهراة من أبي روح عبد المعز البزاز، وبمرو وهمذان وبغداد وحران وإربل والموصل وكتب عمن دب ودرج ونسخ الكثير وعمل المعجم الكبير وخرج لخلق كثير، سكن دمشق وأعقب بها وأمَّ بمسجد فلوس مدة وكان كيسًا متواضعًا بسامًا مفيدًا سهل العارية.

قال زكي الدين المنذري: وفي ليلة الرابع عشر من شهر رمضان توفي الحافظ أبو عبد الله البرزالي بحماة وهو في سن الكهولة، وقال: وكتب الكثير وخرج لجماعة وكان يحفظ ويذاكر مذاكرة حسنة، صحبنا مدة بالقاهرة عند شيخنا ابن المفضل وسمعت منه وسمع مني. قلت: روى عنه أبو حامد بن الصابوني وعمر بن يعقوب الإربلي وأبو المجد بن العديم وجمال الدين محمد بن واصل وأبو الفضل ابن عساكر ومحمد بن يوسف الذهبي وأبو علي بن الخلال وغيرهم، وبرزالة قبيلة قليلة.

توفي في رمضان المذكور سنة ست وثلاثين وستمائة.

وفيها مات الزاهد أبو العباس أحمد بن علي بن محمد القسطلاني ثم المصري عن سبع وسبعين سنة، وأبو المعالي سعد بن المسلم بن مكي بن علان القيسي الدمشقي، والمحدث الرحال أبو الخير بدل بن أبي المعمر التبريزي عن أربع وثمانين سنة، والمسند المقرئ أبو الفضل جعفر بن علي بن هبة الله الهمداني الإسكندراني بدمشق عن تسعين سنة، والطبيب أبو علي حسان بن أبي القاسم بن حسان المهدوي ثم الإسكندراني، وشيخ الإسكندرية الإمام الكبير جمال الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحميد بن إسماعيل الصفراوي المالكي عن اثنتين وتسعين سنة، ومحدث نصيبين الشيخ عسكر بن عبد الرحيم بن عسكر العدوي، والمسند أبو الفضل محمد بن محمد بن الحسن بن السباك، وشيخ الحنفية بدمشق العلامة جمال الدين محمود بن أحمد بن عبد السيد البخاري بن الحصري.

قرأت على محمد بن يوسف الإربلي حدثكم محمد بن يوسف الحافظ أنا محمد بن محمد بن أبي الرجاء بأصبهان أخبرتنا فاطمة بنت أبي سعد قالت: أنا سعيد بن أبي سعيد العيار، فذكر أحاديث. وأخبرنا أحمد بن هبة الله أنا محمد بن يوسف الحافظ أخبرتنا زينب الشعرية "ح" وأخبرنا أحمد عنها أن إسماعيل بن أبي القاسم أخبرها أنا عمر بن مسرور ثنا محمد بن سليمان الصعلوكي ثنا أبو العباس السراج ثنا أبو كريب ثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي قيس الأودي عن سويد بن غفلة عن علي «رضي الله ع» عن النبي ﷺ قال: "يخرج في آخر الزمان قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرّميّة، قتالهم حق على كل مسلم". [1]

1138- 17/18

ابن الرومية

الحافظ الناقد أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج بن عبد الله الأموي مولاهم، الأندلسي الإشبيلي الزهري النباتي العشاب، مصنف كتاب "الحافل" الذي ذيل به على كتاب "الكامل" لابن عدي، وكان فقيهًا ظاهريًّا.

ولد سنة إحدى وستين وخمسمائة، وسمع من أبي عبد الله بن زرقون وأبي بكر بن الجد وأحمد بن جمهور ومحمد بن علي التجيبي وأبي ذر الخشني ثم حج ورحل إلى العراق وسمع من أصحاب الفراوي وأبي الوقت.

قال الأبار: كان ظاهريًّا متعصبًا لابن حزم بعد أن كان مالكيًّا وكان بصيرًا بالحديث والرجال، له مجلد مفيد فيه استلحاق على الكامل، وكان له بالنبات والحشائش معرفة فاق بها أهل العصر وجلس في دكان يبيعها، سمع منه جل أصحابنا، قال الحافظ المنذري: لقيته بمصر بعد عوده وحدث بأحاديث من حفظه وجمع مجاميع لم يتفق لي السماع منه. قلت: وكتب عنه ابن نقطة وقال: كان ثقة حافظًا صالحًا. قلت: وله كتاب "التذكرة" في معرفة مشيخته وألف كتاب "المعلم بما زاد البخاري على مسلم".

قال ابن فرتون: أفرد بعض تلامذته له سيرة فذكر أنه مات فجأة في سلخ ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وستمائة ورثاه غير واحد. قلت: روى عنه أبو بكر الموميائي وأبو إسحاق البلفقي وطائفة.

ومات معه ابن الدبيثي وقد مضى، قال ابن الزبير: كان ظاهري المذهب إلا أنه على دين وورع ومعرفة وإيثار، متحرفًا بالصيدلة.

1139- 18/18

ابن الطيلسان

الحافظ الإمام محدث الأندلس، أبو القاسم القاسم بن أحمد بن محمد بن سليمان الأنصاري القرطبي.

ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة أو نحوها، ذكره الأبار فقال: روى عن جده لأمه أبي القاسم بن الشراط وأبي العباس بن مقدام وأبي محمد عبد الحق الخزرجي وأبي الحكم بن حجاج وجماعة من شيوخنا، وأجاز له عبد المنعم بن الفرس وأبو القاسم بن سمجون وشيوخه ينيفون على المائتين تصدَّر للإقراء والإسماع وكان له معرفة بالقراءات والعربية متقدمًا في صناعة الحديث متفننًا، له من المصنفات كتاب "ما ورد من الأمر في شربة الخمر"، وكتاب "بيان المنن على قارئ الكتاب والسنن"، وكتاب "الجواهر المفصلات في الأحاديث المسلسلات"، وكتاب "غرائب أخبار المسندين ومناقب آثار المهتدين"، وكتاب "أخبار صلحاء الأندلس". أخذ عنه جماعة من أكابر أصحابنا وكان أهلا لذلك.

خرج من قرطبة وقت أخذ الفرنج لها فنزل بمالقة وولي خطابتها إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وستمائة.

كتب إلينا ابن هارون من أفريقية أنه سمع من ابن الطيلسان غير شيء من كتاب الوعد والإنجاز في عوالي الحديث وأجاز له ما يجوز له روايته وكتب له: سأل مني فلان أن أجيز له ما رويته وجمعته فأجبته أسمى الله قدره وأعلى ذكره اهتبالا لسؤاله وامتثالا للطاعة التي لا تجب إلا لمثاله فأجزت له ولابنه أحمد بارك الله فيه وأقر به عين أبيه في سنة إحدى وأربعين وستمائة.

قلت: وفيها توفي الصدر تاج الدين أحمد ابن القاضي شمس الدين أبي نصر محمد بن هبة الله بن الشيرازي بدمشق عن إحدى وسبعين سنة، والصدر نجم الدين الحسن بن سالم بن علي بن سلام الدمشقي عن سبع وسبعين سنة، والشيخ حاطب بن عبد الكريم بن أبي علي الحارثى المِزّي، والمحدث المقرئ أبو القاسم سليمان بن عبد الكريم الأنصاري الدمشقي، والمسند أبو المنصور ظافر بن طاهر بن شحم الإسكندراني المطرز، وشيخ الشيوخ تاج الدين أبو محمد عبد الله بن عمر بن علي بن حمويه الجويني بدمشق، والقاضي الرفيع الجيلي عبد العزيز بن عبد الواحد الجيلي بدمشق مقتولا، والشيخ قمر بن هلال بن بطاح القطيفي، والنفيس أبو البركات محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي الضرير، والصدر جمال الدين أبو الفضل يوسف بن عبد المعطي بن منصور بن المحبلي الغساني الإسكندراني عن أربع وسبعين سنة.

1140- 19/18

ابن النجار

الحافظ الإمام البارع مؤرخ العصر مفيد العراق محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن بن النجار البغدادي

صاحب التصانيف: ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع يحيى بن يوش وعبد المنعم بن كليب وذاكر بن كامل والمبارك بن المعطوش وابن الجوزي وطبقتهم.

وأول شيء سمع وله عشر سنين وأول عنايته بالطلب وهو ابن خمس عشرة سنة، وتلا بالروايات الكثيرة على أبي أحمد ابن سكينة وغيره، وسمع بأصبهان من عين الشمس الثقفية وجماعة، وبنيسابور من المؤيد وزينب، وبهراة من أبي روح، وبدمشق من الكندي، وبمصر من الحافظ ابن المفضل وخلائق، وجمع فأوعى وكتب العالي والنازل وخرج لغير واحد، وجمع تاريخ مدينة السلام وذيل به واستدرك على الخطيب وهو ثلاثمائة جزء، وكان من أعيان الحفاظ الثقات مع الدين والصيانة والنسك والفهم وسعة الرواية، حدث عنه أبو حامد بن الصابوني وأبو العباس الفاروثي وأبو بكر الشريشي وأبو الحسن الغرافي وأبو الحسن بن بلبان وأبو عبد الله بن القزاز الحداني وآخرون، وبالإجازة أبو العباس بن الظاهري وتقي الدين الحنبلي وأبو المعالي بن البالسي. قال ابن الساعي: كانت رحلة ابن النجار سبعًا وعشرين سنة واشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ، ألف "كتاب القمر المنير في المسند الكبير" ذكر كل صحابي وما له من الحديث، وكتاب "كنز الإمام في السنن والأحكام" وكتاب "المؤتلف والمختلف" ذيل به على ابن ماكولا، وكتاب "المتفق والمفترق" وكتاب "أنساب المحدثين إلى الآباء والبلدان" وكتاب "العوالي" وكتاب "المعجم" وكتاب "جنة الناظرين في معرفة التابعين" وكتاب "العقد الفائقي" وكتاب "الكمال" في الرجال، وقرأت عليه ذيل التاريخ عمله في ستة عشر مجلدًا وله كتاب "الدرر الثمينة في أخبار المدينة" وكتاب "روضة الأولياء في مسجد إيلياء" وكتاب "نزهة الورى في ذكر أم القرى" وكتاب "الأزهار في أنواع الأشعار" وكتاب "عيون الفوائد" ستة أسفار، وكتاب "مناقب الشافعي"، إلى أن قال: أوصى إليّ ووقف كتبه بالنظامية فنفذ إليّ الشرابي لتجهيز جنازته ورثاه جماعة وكان رحمه الله من محاسن الدنيا، توفي في خامس شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة، رحمه الله تعالى.

أخبرنا علي بن أحمد الحسيني أنا محمد بن محمود الحافظ سنة ثلاث وثلاثين وستمائة أنا عبد المعز بن محمد بهراة "ح" وأنا أحمد بن هبة الله عن عبد المعز أن يوسف بن أيوب الزاهد أخبرهم أنا أحمد بن علي الحافظ أنا أحمد بن عبد الله الحافظ أنا حبيب بن الحسن أنا عبد الله بن أيوب أنا أبو نصر التمار أنا حماد عن علي بن الحكم عن عطاء عن أبي هريرة «رضي الله ع» قال: قال رسول الله، ﷺ: "من كتم علمًا علمه الله، ألجمه الله تعالى بلجام من نار". [2]

1141- 20/18

ابن الصلاح

الإمام الحافظ المفتي شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان ابن المفتي صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الشافعي، صاحب كتاب علوم الحديث.

ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وتفقه على والده بشهرزور ثم اشتغل بالموصل مدة، قال القاضي شمس الدين: فبلغني أنه كرر عليه جميع المهذب ولم يطر شاربه، ثم صار معيدًا عند العلامة العماد بن يونس. قلت: وسمع من عبيد الله بن السمين ونصر الله بن سلامة ومحمود بن علي الموصلي وعبد المحسن بن الطوسي وارتحل إلى بغداد فسمع من أبي أحمد ابن سكينة وعمر بن طبرزذ، وبهمذان من أبي الفضل بن المعزم، وبنيسابور من منصور والمؤيد وزينب وطبقتهم، وبمرو من أبي المظفر بن السمعاني وجماعة، وبدمشق من القاضي جمال الدين عبد الصمد بن الحرستاني والشيخ موفق الدين المقدسي والشيخ فخر الدين ابن عساكر، وبحلب من أبي محمد بن علوان، وبحران من الحافظ عبد القادر؛ ودرس بالمدرسة الصلاحية ببيت المقدس فلما هدم المعظم سور البلد قدم دمشق ودرس بالرواحية، ثم ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية، ثم تدريس الشامية الصغرى، وصنف وأفتى وتخرج به الأصحاب وكان من أعلام الدين.

قال ابن خلكان: كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وله مشاركة في عدة فنون وكانت فتاواه مسدودة وهو أحد شيوخي الذين انتفعتُ بهم، أقمتُ عنده مدة للاشتغال ولازمته سنة اثنتين وثلاثين، وله إشكالات على الوسيط. قال أبو حفص بن الحاجب في معجمه: إمام ورع وافر العقل حسن السمت متبحر في الأصول والفروع بارع في الطلب حتى صار يضرب به المثل واجتهد في نفسه في الطاعة والعبادة.

قلت: وكان سلفيًّا حسن الاعتقاد كافًّا عن تأويل المتكلمين مؤمنًا بما ثبت من النصوص غير خائض ولا معمق، وكان وافر الجلالة حسن البزة كثير الهيبة موقرًا عند السلطان والأمراء، تفقه به الأئمة: شمس الدين عبد الرحمن بن نوح وكمال الدين سلار وكمال الدين إسحاق وتقي الدين بن رزين والقاضي وغيرهم.

حدث عنه فخر الدين عمر الكرخي ومجد الدين بن المهتار والشيخ تاج الدين عبد الرحمن والشيخ زين الدين الفارقي والقاضي شهاب الدين الجوري والخطيب شرف الدين الفراوي والشهاب محمد بن شرف والصدر محمد بن حسن الأرموي والعماد بن البالسي والشرف محمد ابن الخطيب الآباري وناصر الدين محمد بن المهتار والقاضي أبو العباس أحمد بن علي الجيلي والشهاب أحمد بن العفيف وآخرون.

انتقل إلى الله في الخامس والعشرين من ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة وكثر التأسف لفقده وحمل نعشه على الرءوس وكان على جنازته هيبة وخشوع فصلوا عليه بجامع دمشق وشيعوه عند باب الفرج ورجع الخلائق لمكان حصار الخوارزمية لدمشق فخرج عشرة من أصحابه مشمرون ودفنوه بمقابر الصوفية وقبره ظاهر يزار وعاش ستا وستين سنة، رحمة الله عليه.

وفيها توفي مفتي الحنابلة الإمام تقي الدين أحمد بن محمد ابن الحافظ عبد الغني المقدسي الصالحي عن اثنتين وخمسين سنة، والمسند أبو بكر عبد الله بن عمر بن أبي بكر بن النحال البغدادي، وخطيب المقادسة شرف الدين عبد الله بن أبي عمر بن قدامة الحنبلي، والمحدث مفيد بغداد أبو منصور عبد الله بن محمد بن أبي محمد بن الوليد البغدادي، والفقيه أبو سليمان عبد الرحمن ابن الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي، ومحدث حران المفيد سراج الدين عبد الرحمن بن عمر بن شحانة الحراني، ومحدث الإسكندرية المفيد المتقن أسد الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن مقرب الكندي، والأديب البارع أمين الدين عبد المحسن بن حمود بن المحسن التنوخي الكاتب، والعدل عبد المنعم بن محمد بن محمد بن حمزة بن أبي المضاء بحماة، دمشقي، والعدل ضياء الدين عتيق بن أبي الفضل السلماني، ومسند الوقت أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن منصور بن المقير الأزجي النجار بمصر عن سبع وتسعين سنة، والعلامة علم الدين علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي شيخ القراء بدمشق، والصدر عز الدين النسابة محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن عساكر، والإمام المحدث تاج الدين أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن أبي جعفر القرطبي، ومسند بغداد أبو بكر محمد بن سعيد بن أبي البقاء موفق الدين بن الخازن الصوفي، وظهير الدين محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحباب أبو إبراهيم السعدي المالكي، والإمام فخر الدين محمد بن عمر بن عبد الكريم الحميري بن المالكي الدمشقي، ومفتى الحنابلة الضياء محاسن بن عبد الملك بن علي التنوخي الحموي، والمحدث المفيد أبو العز مفضل بن علي بن عبد الواحد القرشي الشافعي، والعلامة منتخب الدين منتخب بن أبي العز بن رشيد الهمذاني النحوي بدمشق، وأبو غالب منصور بن أحمد بن محمد بن محمد المرانبي بن المعوج، والصاحب شهاب الدين يعقوب بن محمد بن علي الشيباني بن المجاور، وشيخ العربية موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي، وخلق كثير وهي سنة الخوارزمية.

أخبرنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الفزاري المقرئ الخطيب المحدث النحوي ثنا أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الحافظ أخبرتنا أم المؤيد زينب بنت أبي القاسم الشعرية، وسمعته من زينب الكندية وابن أبي عصرون عنها أن إسماعيل بن أبي القاسم أخبرها أنا عبد الغافر بن محمد ثنا بشر بن أحمد ثنا داود بن الحسين ثنا يحيى بن يحيى أنا عبد الله بن محمد بن أبي فروة عن يزيد بن خصيفة عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، ﷺ: "أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة".

وقد أخرجه مسلم بإسناد آخر عن بكير بن الأشج عن بسر فقال: عن زينب الثقفية، بدل أبي هريرة.

في الحديث دليل على تحريم إتيان المرأة المسجد متطيبة ولو كانت عجوزًا، وقد قال ﷺ: "طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه، وطيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه". رواه النسائي [3] ولكن إذا أرادت المرأة أن تطيب بالمسك والعنبر فلتلزم بيتها إلى أن يذهب ريح الطيب.

1142- 21/18

الصريفيني

الحافظ المتقن العالم تقي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الأزهر بن أحمد بن العراقي الصَّريفيني الحنبلي، نزيل دمشق.

مولده سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وعني بهذا الشأن ورحل فيه إلى خراسان وأصبهان والشام والجزيرة، وصحب الحافظ عبد القادر الرهاوي وتخرج به. وسمع من المؤيد الطوسي وعبد المعز الهروي وعلي بن منصور الثقفي وحنبل بن عبد الله الرصافي وعمر بن طبرزذ وأبي اليمن الكندي وأبي محمد بن الأخضر وطبقتهم؛ روى عنه الحافظ ضياء الدين المقدسي وابن الحلوانية، وأبو المجد بن العديم، والشيخ تاج الدين الفزاري وأخوه، والشيخ زين الدين الفارقي، وأبو علي بن الخلال، والفخر ابن عساكر، وآخرون.

قال الحافظ المنذري: كان ثقة حافظًا صالحًا له جموع حسنة لم يتمها. وقال الحافظ عز الدين بن الحاجب: إمام ثبت صدوق واسع الرواية سخي النفس مع القلة سافر الكثير وكتب وأفاد، وكان يرجع إلى فقه وورع، ولي مشيخة دار الحديث بمنبج ثم تركها وسكن حلب فولي مشيخة دار الحديث الشدادية، سألت الشيخ الضياء عنه فقال: إمام حافظ ثقة حسن الصحبة له معرفة بالفقه. قال ابن الحاجب: قرأ القرآن على والده وعلى الشيخ عوض الصريفيني وتفقه على الشيخ عبد الله بن أحمد التواريخي وقرأ علم الأدب على هبة الله بن عمرو الدوري.

مات بدمشق في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وستمائة وله ستون عامًا.

وفيها مات مسند العراق أبو طالب عبد اللطيف بن محمد بن علي القبيطي شيخ المستنصرية، ومسندة الشام أم الفضل كريمة بنت المحدث عبد الوهاب بن علي بن الخضر القرشية الزبيرية عن خمس وتسعين سنة، والمسند أبو محمد أغر بن كرم الحربي ويعرف بابن الإسكاف عن ست وثمانين سنة، والمسند أبو القاسم حمزة بن عمر بن عتيق بن أوس الأنصاري الغزال بالإسكندرية، والشيخ ضياء الدين عبد الحق بن خلف بن عبد الحق الدمشقي الحنبلي، والعدل مخلص الدين أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن ابن المسند عبد الواحد بن هلال الأزدي الدمشقي، وأبو الوفاء عبد الملك بن عبد الحق بن الحنبلي الدمشقي، وأبو الرضا علي بن زيد بن علي بن مفرج الجذامي التسارسي الإسكندراني الخياط، والمعمر المسند أبو التمام علي بن أبي الفخار هبة الله بن محمد الهاشمي وقد جاوز التسعين، والقاضي شمس الدين أبو الفتح عمر بن أسعد بن المنجا التنوخي عن أربع وثمانين سنة، والمحدث الإمام الرحال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن محارب القيسي الغرناطي ثم الإسكندراني بها عن بضع وثمانين سنة، رحمة الله عليهم.

أخبرنا محمد بن داود سنة سبعمائة ببيت الآبار ثم بكفر بطنا أنا إبراهيم بن محمد بن الأزهر وعثمان بن عبد الرحمن والحسن بن محمد ويحيى بن علي ومحمد بن محمد بن عمر ومفضل بن علي ومحمد بن حميد وعلي بن يوسف قالوا: أنا المؤيد ابن محمد الطوسي "ح" وأخبرنا ابن داود أنا عتيق بن سلامة أنا أبو القاسم الحافظ "ح" وأنا ابن داود أنا محمد بن أبي جعفر وأحمد بن مميل قالا: أنا محمد بن صدقة "ح" وأنا ابن داود أنا محمد بن علي العسقلاني أنا منصور بن عبد المنعم "ح" وأنبأنا القاسم بن غنيمة أنا المؤيد قالوا: أنا محمد بن الفضل أنا عبد الغافر بن محمد "ح" وأخبرنا ابن داود أنا أبو الحسن السخاوي أنا أبو القاسم الشاطبي ثنا علي بن هذيل أنا سليمان بن نجاح أنا أبو العباس العذري أنا أحمد بن الحسن الرازي قالوا: ثنا ابن عمرويه أنا إبراهيم بن محمد ثنا مسلم بن الحجاج ثنا قتيبة ثنا ليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول الله ﷺ واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله، ﷺ: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" فذكر الحديث.

1143- 22/18

اللاردي

الإمام الحافظ العلامة أبو عبد الله محمد بن عتيق بن علي التجيبي الغرناطي المعروف باللاردي، صاحب التصانيف.

روى عن أبيه الإمام أبي بكر وأبي عبد الله بن حميد، مولده سنة ثلاث وستين وخمسمائة، قال أبو عبد الله الأبار: ولي القضاء وصنف، فمن تواليفه كتاب "أنوار المصباح في الجمع بين الكتب الستة الصحاح" وكتاب "مطالع الأنوار في شمائل المختار" وكتاب "النكت الكافية" في الاستدلال على مسائل الخلاف الحديث وكتاب "منهاج العمل في صناعة الجدل" وكتاب "المسالك النورية في المقامات الصوفية"، توفي في حدود سنة ست وأربعين وستمائة، رحمه الله تعالى.

1144- 23/18

المنذري

عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد الحافظ الكبير الإمام الثبت شيخ الإسلام زكي الدين أبو محمد المنذري، الشامي ثم المصري.

مولده في غرة شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وقرأ القرآن وتأدب وتفقه ثم طلب هذا الشأن وبرع فيه، سمع أبا عبد الله الأرتاحي وعبد المجيب بن زهير وإبراهيم بن البتيت وأبا الجود غياث بن فارس والحافظ أبا الحسن المقدسي وتخرج به وصحبه، وسمع بالمدينة النبوية من الحافظ جعفر بن أمورسان، وبدمشق من عمر بن طبرزذ ومحمد بن الرتف والتاج الكندي وطبقتهم، وبحران والإسكندرية والرها وبيت المقدس، وعمل معجمه في مجلد واختصر صحيح مسلم وسنن أبي داود وصنف في المذهب.

حدث عنه شيوخنا الدمياطي وابن الظاهري وأبو الحسين اليونيني وأبو عبد الله بن القزاز وإسماعيل بن نصر الله وعلم الدين سنجر الدواداري وقاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد والعماد محمد بن الجرائدي وإسحاق بن الوزيري وخلق سواهم.

درس بالجامع الظافري بالقاهرة ثم ولي مشيخه الدار الكاملية وانقطع بها ينشر العلم عشرين سنة. قال الشريف عز الدين الحافظ: كان شيخنا زكي الدين عديم النظير في علم الحديث على اختلاف فنونه عالمًا بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه متبحرًا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكله قيمًا بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه إمامًا حجة ثبتًا ورعًا متحريًا فيما يقوله متثبتًا فيما يرويه قرأت عليه قطعة حسنة من حديثه وانتفعت به انتفاعًا كثيرًا. قلت: وقد قرأ بالسبع على شيخ من أصحاب أبي الجود في حياة أبي الجود، وأول سماعه كان في سنة إحدى وتسعين وكان ذا نسك وتزهد. قال شيخنا عبد المؤمن الحافظ: هو شيخي ومخرجي، أتيته مبتدئًا وفارقته معيدًا له في الحديث.

قال: وتوفي في رابع ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة.

قلت: وفيها توفي تحت السيف أمم لا يحصون ببغداد، منهم خليفة الوقت المستعصم بالله، وتوفي بالإسكندرية العلامة المحدث أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي عن ثمان وسبعين سنة، والمحدث المفيد الرحال صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد البكري التيمي الصوفي، والعلامة شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم بن الحسين الإربلي اللغوي بدمشق، وخطيب بيت الآبار عماد الدين داود بن عمر بن يوسف بن يحيى المقدسي، والملك الناصر داود بن المعظم عيسى بن العادل، والصاحب البهاء زهير محمد بن علي المهلبي الشاعر، وأبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب بن بيان الكفرطابي الدمشقي الرام الزاهد، والمسند أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الواحد الفرسي ابن خطيب القرافة الناسخ، والشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي المغربي، والمحدث المفيد شمس الدين علي بن المظفر بن القاسم الربعي النشبي الدمشقي، وأبو حفص عمر بن أبي نصر بن عوة الخزرجي التاجر، والأديب البليغ موفق الدين أبو المعالي القاسم بن هبة الله بن محمد أبي الحديد المدائني، والمقرئ العلامة شعلة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أحمد بن الحسين الموصلي الحنبلي عن ثلاث وثلاثين سنة، والمحدث أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الجرج التلمساني بالإسكندرية، والمسند خطيب مرو الفقيه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن أحمد المقدسي الحنبلي، وشيخ القراء أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن يوسف الفاسي بحلب، والمقرئ المسند المعمر عفيف الدين المرجا بن الحسن بن علي بن هبة الله بن سقير الواسطي التاجر عن خمس وتسعين سنة، والمحدث الفاضل نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العز بن الشقشقة الشيباني الدمشقي الصفار، والعلامة الأديب الزاهد جمال الدين يحيى بن يوسف بن يحيى بن منصور الصرصري الحنبلي الضرير سيد الشعراء، والعلامة الصاحب محيي الدين يوسف ابن الشيخ الإمام جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المقرئ أنا عبد العظيم بن عبد القوي الحافظ أنا أبو عبد الله محمد بن حمد سماعًا في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة أنا علي بن الحسين الموصلي إذنا أنا علي بن الحسن بن قاسم أنا أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق القاضي ثنا أبو عبد الله المحاملي ثنا يعقوب عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة «رضي الله ع» أن النبي ﷺ كان إذا اعتكف يدني إليّ رأسه فأرجّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان.

1145- 24/18

اليونيني

الشيخ الفقيه الحافظ الإمام القدوة، تقي الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن علي البعلبكي الحنبلي.

مولده سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بيونين ولبس الخرقة من الشيخ عبد الله البطائحي صاحب الشيخ عبد القادر، وصحب الشيخ عبد الله اليونيني، وتفقه بالشيخ الموفق وبرع في الخط المنسوب، وسمع من أبي طاهر الخشوعي وأبي التمام القلانسي وحنبل الرصافي والحافظ عبد الغني وأبي اليمن الكندي وغيرهم.

روى عنه ابناه الحافظ أبو الحسين والمؤرخ قطب الدين، وأبو عبد الله بن أبي الفتح وموسى بن عبد العزيز الأدمي وإبراهيم بن حاتم الزاهد ومحمد بن المحب وعلي بن الشاطبي وأبو عبد الله بن الزراد وعبد الرحيم بن الحبال وأبو إسحاق بن القرشية وخلق سواهم، وكان والده مرخمًا ببعلبك ثم بدمشق فمات ونشأ الفقيه يتيمًا بالكشك مع والدته فأسلمته نشابيا ثم حفظ القرآن وجود الكتابة ثم حفظ الجمع بين الصحيحين للحميدي بكماله، ذكره الحافظ عمر بن الحاجب فأطنب في وصفه فأسهب وأغرب وأعرب فقال: اشتغل بالفقه والحديث إلى أن صار إمامًا حافظًا، إلى أن قال: لم ير في زمانه مثل نفسه في كماله وبراعته. جمع بين علمي الشريعة والحقيقة وكان حسن الخلق والخلق نفاعًا للخلق مطرحًا للتكلف، من جملة محفوظه "الجمع بين الصحيحين للحميدي" وحدثني أنه حفظ صحيح مسلم جميعه وكرر عليه في أربعة أشهر وكان يكرر علي أكثر مسند أحمد من حفظه وأنه كان يحفظ في الجلسة الواحدة ما يزيد على سبعين حديثًا، وقال ولده قطب الدين: حفظ الجمع بين الصحيحين وحفظ صحيح مسلم في أربعة أشهر وحفظ سورة الأنعام في يوم واحد وحفظ ثلاث مقامات من الحريرية في بعض يوم، وكان الأشرف يحترمه ويعظمه وكذلك أخوه الصالح وقدم في أواخر عمره دمشق فخرج الملك الناصر يوسف إلى زيارته بزاوية الفرنثي وتأدب معه.

قلت: كان الشيخ الفقيه كبير القدر يذكر بالكرامات والأحوال، وكان أهل بعلبك يسمعون بقراءته على المشايخ الواردين عليهم كالقزويني والبهاء المقدسي وابن رواحة الحموي، وقد سقت أخباره وأوراده في تاريخ الإسلام، توفي في تاسع عشر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة.

وفيها مات قاضي القضاة صدر الدين أحمد ابن قاضي القضاة شمس الدين يحيى بن هبة الله بن سني الدولة التغلبي الدمشقي الشافعي ببعلبك، والمسند أبو إسحاق إبراهيم بن خليل الأدمي أخو الحافظ شمس الدين شهيدًا تحت السيف بكائنة حلب، والمسند أبو طالب تمام بن أبي بكر بن السروري الدمشقي، والمعظم أبو المفاخر توران شاه ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، والمحدث الحافظ مفيد أهل الصلاحية محب الدين عبد الله بن أحمد بن أبي بكر المقدسي كهلا، والمسند أبو محمد عبد الله بن بركات بن إبراهيم بن الخشوعي، والمسند عماد الدين عبد المجيد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الصالحي، والفقيه المسند أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن أبي طالب بن العجمي الحلبي، والمسند الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي بن يوسف أخو العماد استشهد بساوة، والمحدث المفيد فخر الدين محمد بن يوسف الكنجي قتل بجامع دمشق لدبره وفضوله، وضياء الدين أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن محمد القزويني ثم الحلبي بحلب بعد الكائنة بشهرين، والمسند أبو الكرم بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري الأرتاحي بمصر، رحمة الله عليهم.

أخبرنا محمد بن أبي الفتح وموسى بن عبد العزيز ببعلبك سنة ثلاث وتسعين وستمائة قالا: أنا محمد بن أبي الحسين الفقيه قال: قرأت على بركات بن إبراهيم بدمشق أنا عبد الكريم بن حمزة "ح" وأخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل في سنة اثنتين وتسعين وستمائة أنا البهاء عبد الرحمن أنا إسماعيل بن علي بقراءتي أنا هبة الله بن أحمد وعبد الكريم قالا: أنا أبو الحسين محمد بن مكي الأزدي أنا أبو مسلم محمد بن أحمد الكاتب أنا أبو القاسم البغوي ثنا شيبان ثنا عمارة ثنا أبو غالب عن أبي أمامة قال: كان رسول الله ﷺ يوتر بتسع، حتى إذا بدن وكثر لحمه أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس يقرأ فيهما: {إِذَا زُلْزِلَتِ} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.

1146- 25/18

الرشيد

الإمام الحافظ الثقة المجود رشيد الدين، أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج القرشي الأموي النابلسي ثم المصري العطار المالكي.

ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة، سمع أباه وعمه عبد الرحمن وأبا القاسم البوصيري وإسماعيل بن ياسين وأبا طاهر بن بنان وعلي بن حمزة الكاتب وعبد اللطيف بن أبي سعد والشهاب محمد بن يوسف الغزنوي وابن نجا الواعظ وفاطمة بنت سعد الخير وخلقًا، وبدمشق الكندي وابن الحرستاني وعدة، وبمكة والمدينة والثغر وتخرج بالحافظ ابن المفضل، وألف معجم شيوخه وانتخب وأفاد وتقدم في فن الحديث، وكان ثقة مأمونًا متقنًا حافظًا حسن التخريج، ذكره الشريف عز الدين فقال: كان حافظًا ثبتًا انتهت إليه رياسة الحديث بالديار المصرية ووقف كتبه، صحبته مدة.

قلت: روى عنه الدمياطي وابن الظاهري وابن اليونيني وشعبان الإربلي وأبو العباس بن صصرى والقاضي الزين عبد الرحيم الساعاتي وعبد القادر الصعبي وعبد الرحمن بن يعيش السبتي وداود بن يحيى الحريري وخلق سواهم، وقد ولي مشيخة الكاملية ستة أعوام.

وتوفي بمصر في ثاني جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وستمائة.

وفيها توفي المحدث الرحال المتقن ضياء الدين أبو جعفر أحمد بن محمد بن صابر القيسي المالكي عن سبع وثلاثين سنة، وأبو الطاهر إسماعيل بن صارم بن علي الكناني الحناط بمصر شنق نفسه، وشيخ الشيوخ الإمام شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الحموي الشافعي، وقاضي القضاة عماد الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن الحرستاني خطيب دمشق، ومحدث دمشق ضياء الدين علي بن محمد بن محمد بن علي بن البالسي غريبًا بمصر وله سبع وخمسون سنة، والمسند أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري البزاز البابشرقي، والمحدث الإمام العالم محيي الدين يحيى بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن سراقة الأنصاري الشاطبي بمصر عن سبعين سنة، وأبو المظفر يوسف بن يعقوب الإربلي الذهبي في عشر الثمانين، والقدوة العارف شيخ الإسكندرية أبو القاسم بن منصور القباري، رحمة الله عليهم.

أخبرنا محمد بن محمد بن عبد المنعم الطائي بمنين سنة ست وتسعين وستمائة أنا يحيى بن علي الحافظ بمصر أنا إسماعيل بن صالح أنا محمد بن أحمد الرازي أنا محمد بن الحسين الطفال أنا محمد بن حيوية أنا محمد بن جعفر بن أعين ثنا عمرو بن مرزوق أنا شعبة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس أن رسول الله ﷺ قال: "أكبر الكبائر الإشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وشهادة الزور، أو قول الزور". أخرجاه عن محمد بن الوليد عن غندر عن شعبة، وفي هذا الوقت كان عدد كثير من المحدثين والطلبة لهم اعتناء بهذا الشأن وفيهم من يكتب له: الحافظ والإمام، لم أر إيرادهم هنا لقلة بضاعتهم من علم الحديث، فمن أحب الوقوف على أخبارهم فلينظر في تاريخي الكبير.

1147- 26/18

البكري

المحدث العالم المفيد الرحال المصنف صدر الدين أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك القرشي التيمي البكري النيسابوري ثم الدمشقي، المحتسب الصوفي سفير الدولة ابن أبي عبد الله ابن شيخ الشيوخ أبي الفتوح.

مولده بدمشق سنة أربع وسبعين وخمسمائة، وسمع بمكة قديمًا من جده لأمه أبي حفص الميانشي، وبدمشق من حنبل وابن طبرزذ، وبنيسابور من المؤيد ابن محمد وزينب الشعرية، وبهراة من أبي روح عبد المعز بن محمد، وبمرو من أبي المظفر بن السمعاني، وبأصبهان من أبي الفتوح محمد بن الجنيد وعين الشمس الثقفية وحفصة بنت حمكا، وببغداد من عبد العزيز بن الأخضر، وبمصر والموصل وهمذان وإربل، وعني بهذا الشأن وعمل أربعي البلدان، وطرق: "من كذب عليّ"، وشرع في عمل تاريخ ذيل لدمشق وغير ذلك.

وحدث بالكتب الطوال، سمع منه الشيخ تقي الدين بن الصلاح، وروى عنه الدمياطي والعماد بن البالسي والبدر بن التوزي وأبو الفتح القرشي وأبو عبد الله بن الزراد وتاج الدين أحمد بن مزين والزين أبو بكر المري وخلق سواهم، ولي حسبة دمشق ومشيخة الشيوخ وعظم في دولة المعظم وليس هو بالقوي، ضعفه عمر بن الحاجب فقال: كان إمامًا عالمًا لسنًا فصيحًا مليح الشكل أحد الرحالين إلا أنه كان كثير الدعاوى عنده مداعبة ومجون، داخل الأمراء وجدد مظالم، سألت الحافظ ابن عبد الواحد عنه فقال: بلغني أنه كان يقرأ على الشيوخ، فإذا أتى على كلمة مشكلة تركها ولم يبينها وسألت الزكي البرزالي عنه فقال: كان كثير التخليط. قلت: ثم في الآخر صلح حاله وابتلي بالفالج قبل موته بسنوات ثم تحول في آخر عمره إلى مصر فمات بها في ذي الحجة سنة ست وخمسين وستمائة.

أخبرنا أبو بكر بن يوسف المقرئ أنا الحسن بن محمد التيمي أنا عبد المعز بن محمد أنا زاهر بن طاهر أنا أحمد بن الحسين أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس المحبوبي بمرو ثنا سعيد بن مسعود ثنا النضر بن شميل ثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير، سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: "إن أصدق بيت قاله الشاعر: ألا كل شيء ما خلا الله باطل" رواه البخاري من طريق غندر عن شعبة.

(تمت الطبقة الثامنة عشرة.)

هامش

  1. رواه البخاري في المناقب باب 25. ومسلم في المسافرين حديث 275. وأبو داود في السنة باب 28.
  2. رواه ابن ماجه في المقدمة باب 24. وأحمد في مسنده "2/ 499، 508".
  3. في كتاب الزينة باب 32. وأبو داود في النكاح باب 49. وأحمد في مسنده "2/ 541".