- عليه أن يجهز الغزو، وغالبًا يكون هو قائد جيش إمارته.
- عليه جمع الزكاة والأعشار والجهادية من الأهالي في الإقليم.
- عليه أن يرسل خمس الغنائم إلى السلطة المركزية في الرياض في حال انتصار قواته على الجماعات المتمردة على السلطة أو في حال الغزو الخارجي.
- هو المسؤول الأول عن توزيع عطايا السلطان وهباته.
الشورى. طبقت الدولة السعودية الثانية مبدأ الشورى في نظام حكمها في مختلف مراحله. وتنقسم الشورى إلى قسمين: أ- شورى خاصة ب- شورى عامة.
أما الشورى الخاصة فهي تضم عددًا من الأمراء والقضاة والفقهاء والقادة وبعض أفراد الأسرة السعودية وبعض شيوخ القبائل. وتجتمع هذه النخبة من أصحاب الرأي والمشورة في الرياض، عاصمة الدولة السعودية الثانية، وعندما يأمر الإمام باجتماعها، وينعقد اجتماع أعضاء الشورى في الحالات المهمة مثل حالات إعلان الحرب، وتعيين ولي العهد وغيرهما من الأمور المهمة التي تتطلب التشاور والمحاورة وأخذ عدد من الآراء في موضوع معين.
غدت الشورى في الدولة السعودية الثانية نظامًا واضحًا في عهد الإمام فيصل بن تركي ؛ فمنذ اللحظة الأولى التي تسلم فيها الحكم عقد اجتماعًا حضره مجلس شوراه الذي كان يتكون من عبد الله بن رشيد، وعبدالعزيز ابن محمد آل عليان أمير بريدة، وتركي الهزاني أمير الحريق، وحمد بن يحيى بن غيهب أمير الوشم وغيرهم من الأعوان والفقهاء وشيوخ القبائل، وذلك لمناقشة شؤون الأقاليم وأحوال سكانها واحتياجاتهم.
اجتمع مجلس الشورى أيضًا للتباحث والتشاور في وضع الخطط اللازمة لمقاومة حملة القائد إسماعيل بك وخالد بن سعود اللذين أرسلهما محمد علي باشا للقبض على فيصل بن تركي، وإنهاء سيادة الدولة السعودية الثانية.
أما الشورى العامة فهي أعم وأوسع من مفهوم الشورى الخاصة، وهي تُعقد على شكل اجتماعات رسمية عامة، وفي مناسبات معينة إما من أجل دراسة بعض المشكلات المتعلقة بالأقاليم، أو في حال حدوث فتور وحالات تمرد قامت به جماعات معينة أو قبيلة معينة أو إقليم معين من بين أقاليم الدولة. وعلى الرغم من أن مثل هذه الاجتماعات القليلة عامة، إلا أنه كان يحضرها القضاة والفقهاء والشيوخ والرؤساء المحليون وأصحاب الفكر والقادة وغيرهم إلى جانب عدد من الأهالي الذين يُدْعون لحضور مثل هذه الاجتماعات في مؤتمرات رسمية عامة. وخير ما يمثل هذا النمط من الشورى العامة اجتماع وثيلان الذي عقد في الدهناء قرب عين ماء تسمى وثيلان، اجتمع فيه الإمام تركي بن عبد الله بعامة المسؤولين في الأقاليم.
- يصدر الإمام بصفته القائد العام للغزو أوامره إلى أمراء المناطق وأهمها: جبل شمّر، والقصيم، والدواسر، والأفلاج، والخرج، وسدير، والوشم، والعارض، والأحساء، بتجهيز قواتهم والحضور إلى مكان يكون قد عينه الإمام سرًا.
- كان الأمير في الإقليم يمثل الإمام، لذا عليه أن يجهز قواته المطلوبة بالسلاح والعتاد والطعام الذي يكفي تلك القوات على الأقل بضعة أيام.
- يجتمع الإمام بأمراء القوات كلها وبمساعديهم وقادة قواتهم وعندها يقرر الإمام الجهة المراد غزوها.
- تظل القوات في حال النفير العام حتى تصدر أوامر من الإمام بانصراف القوات إلى ديارها.
كانت معدات تلك القوات بسيطة، ولا تجديد فيها، فهي السيف والرمح والبندقية وبعض المدافع القديمة. وتتكون القوات السعودية من مشاة وفرسان وهجانة، أما بالنسبة للبحرية، فهي لا تتعدى عملية نقل بعض الجند بالسفن إلى البر. أما عن خطط القوات الحربية فهي تعتمد على المباغتة أو الهجوم المكشوف أو الكمين أو أسلوب الكر والفر أو أسلوب الزحف. وكانت القوات وقت الحرب تقسم إلى قلب وميمنة وميسرة ومقدمة، وهو نظام مألوف في القتال. ولم يكن للجنود المقاتلين رواتب محددة، بل كانت توزع عليهم الغنائم بعد طرح خمسها. وكانت الدولة السعودية الثانية تجمع قوات تقدر بحوالي مائة ألف جندي.
ويذكر المؤرخ العراقي إبراهيم بن فصيح الحيديّ أن عدد الوظائف الإدارية في الدولة السعودية الثانية وصل إلى ألف وظيفة إدارية في نجد، وإلى خمسمائة وظيفة إدارية في الهفوف، وخمسمائة وظيفة إدارية في القطيف، وخمسمائة وظيفة إدارية في البريمي، ولم يذكر لنا عدد الوظائف الإدارية في جبل شمّر، وربما يعود ذلك لبداية انفراط عقد الدولة السعودية الثانية بسبب الفتنة. وعينت الدولة السعودية حكامًا (أمراء) على المناطق وأعطتهم صلاحيات الأمير حاكم الإقليم.
أما عن واجبات الهيئة فهي كالتالي: الإشراف على تطبيق الشريعة الإسلامية، عن طريق المراقبة التي يقوم بها أفراد جماعة الهيئة الذين يسمون نواب، ووظيفتهم تذكير الناس بأوقات الصلاة، وترك أعمال البيع والشراء حتى يفرغوا من أداء الصلاة في المساجد والإشراف على الآداب العامة، وعلى الموازين والمكاييل ومراعاة أحكام الشرع في عمليات البيع والشراء.
وهناك واردات أخرى مثل الجمارك التي تؤخذ على البضائع التجارية القادمة من خارج البلاد. وليس لدينا سجلات رسمية تحصي مقدار ما كانت تأخذه الدولة السعودية الثانية من جمارك.
وهناك مورد خاص هو الغنائم أو مكاسب المعركة من أسلاب الحرب عند اندحار العدو أو في حال انكساره، وحصة بيت المال منها الخمس، وأما الباقي فيوزع على المحاربين كل حسب كفاءته ورتبته ومقدرته القتالية.
وهناك مورد آخر وهو ضريبة الجهادية التي كانت تؤخذ من السكان كبدل عسكري، تصرف على القوات الغازية.
أما مجالات الصرف في الدولة السعودية الثانية فهي تقوم على دفع رواتب الإداريين والقضاة وغيرهم. وهناك مصروفات على شكل منح وهدايا تُعطى لشيوخ القبائل والعلماء وغيرهم. وهناك مصروفات مخصصة للفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل ودور الشؤون الاجتماعية مثل دور الأيتام والعجزة. وهناك مصروفات عامة تخص المجالات العمرانية وغيرها من المشروعات العامة القليلة نسبيًا وقتذاك.
الزراعة. تكثر في الواحات والمناطق الزراعية وهي كثيرة ومنتشرة في ربوع البلاد. وكانت نسبة السكان الذين يعملون في الزراعة عالية جدًا.
التجارة. تأتي في الدرجة الثانية بعد الزراعة، وهي نوعان: تجارة داخلية وتجارة خارجية، وتتمثل جميعها في عمليات البيع والشراء والتبادل التجاري. وقد توفرت في أسواق البلاد الحاجيات الغذائية والملابس والبضائع الأخرى من كماليات مثل أنواع الصياغة الذهبية والفضية وغيرها. وكان تجار البلاد يجوبون بلادًا خارجية لاستيراد السلع التجارية التي يحتاجها الناس، فكانوا يستوردون السكَّر والبن والهيل والقرنفل والفلفل والكركم وكل البضائع التي يطلبها السكان. وكانت البضائع الخارجية تأتي إلى القطيف أو البحرين أو العقير أو عن طريق بنادر الحجاز واليمن ثم تنقل بوساطة القوافل التجارية إلى المناطق الداخلية من بلاد الدولة السعودية الثانية.
شعرت بريطانيا أنها تجاور دولة وطنية محلية قوية، هي الدولة السعودية الثانية، خاصة في عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية التي استمرَّت قرابة اثنين وعشرين عامًا. ولذا رأت بريطانيا عن طريق معتمدها البريطاني في الخليج ضرورة إيجاد نوع من العلاقة بينها وبين الدولة السعودية الثانية التي تمتد حدودها إلى الخليج، ولها يد طولى وقوية على شيوخ المناطق الخليجية. وكان لا بد من ظهور بعض المشكلات السياسية بين الموظفين السعوديين الرسميين في مناطق الخليج وبين بريطانيا صاحبة النفوذ الواسع في تلك المنطقة. وكانت بريطانيا ترى أن تلك المشكلات لا يمكن حلها إلا عن طريق الاتصال المباشر بالإمام فيصل بن تركي الحاكم القوي والمؤثر الفاعل على رؤساء الساحل وشيوخه.
وثمة نقطة جديرة بالاهتمام وهي أن بريطانيا كانت تحاول كسب ود الدولة السعودية الثانية وقتذاك لتعمل قدر جهدها على إبعاد فرنسا عن الميدان بعد أن أحسَّت بالتحركات السياسية الفرنسية في المنطقة، خاصة عندما عرفت بالزيارة التي قام بها جيفورد وليم بيلجريف إلى داخل الجزيرة العربية عام 1280هـ، 1863م، أي قبل وفاة الإمام فيصل بن تركي بحوالي سنتين فقط، وقد تبين أن رحلته هذه كانت من إعداد الحكومة الفرنسية.
وبناءً عليه فإن رحلة لويس بيلي هذه كانت بمثابة فتح الباب بالنسبة للعلاقة السعودية البريطانية، فكانت بريطانيا تسعى للتعرف على نوايا الدولة السعودية الثانية تجاه عدد من القضايا من أهمها: 1ـ إيجاد علاقة صداقة بينها وبين الدولة السعودية الثانية. 2ـ معرفة الحدود الشرقية للدولة السعودية الثانية. 3ـ معرفة القبائل الخليجية التي تعدّها الدولة السعودية الثانية من رعاياها. 4ـ معرفة الوحدات السياسية والقبائل الساحلية التي تدفع الزكاة للدولة السعودية الثانية.
وجدير بالذكر أن بيلي أدرج في تقريره الذي قدمه إلى حكومته قائمة بأسماء القبائل التي كانت تتبع الدولة السعودية الثانية، والقبائل الأخرى التي كانت تدفع الزكاة لها في منطقة الخليج. وقد ودّع بيلي المسؤولين في الرياض قائلاً: "إني لأرجو أن أغادر الرياض وأنا على مودة واتفاق مع الحكومة السعودية، وأن يكون هناك ما يبشر بإيجاد علاقة أكثر ودًا بين بريطانيا والدولة السعودية الثانية. وإني لأرجو أن تسمح لي الفرصة للقيام بخدمة ودية وغير رسمية من أجل تسوية العلاقات بين الرياض ومسقط".
ويذكر بيلي في تقريره أنه لم تجر أي مفاوضات بينه وبين الإمام فيصل بن تركي بشأن عقد أي معاهدة أو التوصل إلى تفاهم ما حول ذلك، وأن الإمام فيصل بن تركي أعرب له عند الوداع عن رغبته في أن يرجع بيلي إليه في حال وقوع حوادث سلب أو تحطيم أو إغراق للسفن البريطانية في ميناءي القطيف والعقير حتى يُنزل أشد العقوبات بالمعتدين. ويذكر بيلي أيضًا أن الإمام فيصل بن تركي كان قد ذكر له أن زيارته للرياض ستفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الدولة السعودية الثانية وبريطانيا.
ومن هذا فإن فرنسا كانت ترغب في قيام علاقات ودية مع الدولة السعودية الثانية أقوى الدول المحلية الوطنية في الجزيرة العربية في ذلك الوقت. وكانت فرنسا قد أعدت مخططًا سياسيًا واسعًا لمد نفوذها في مناطق الشرق من أجل ضرب النفوذ الاستعماري البريطاني في المنطقة. ولذا فقد تركزت السياسة الفرنسية على مبدأ استراتيجية الوصول إلى الهند في الشرق عن طريق ضمان البحار الداخلية والسواحل والمنافذ في الجزيرة العربية. وهذا الأمر يوضح سر التنافس والعلاقة السيئة القائمة بين بريطانيا وفرنسا. والواقع أن بيلجريف لم يحقق لفرنسا أي نوع من الاتصالات أو الاتفاقات بينها وبين الدولة السعودية الثانية، بل على العكس تمامًا فقد اكتشف المسؤولون السعوديون في الدولة السعودية الثانية أن بيلجريف جاسوس وعميل لدولة أجنبية، فطردوه من البلاد. وبناءً عليه فإن الاتصال البريطاني الرسمي بالدولة السعودية الثانية ظل يختلف عن الأسلوب الذي اتخذته فرنسا للاتصال بالدولة السعودية الثانية، ولم يكن هذا الأسلوب موفقًا أبدًا.
ويشير تقرير بيلي إلى أنه استفسر من الإمام فيصل بن تركي عن علاقة الدولة السعودية الثانية بدولة فرنسا. وكان جواب الإمام "أنه من قبل بضع سنين تسلم رسالة من سفينة فرنسية تتعهد فرنسا في تلك الرسالة بتقديم المساعدة له عند الحاجة عن طريق البحر". ويقول الإمام السعودي "إنني تلقيت رسالة أخرى مماثلة تطلب مني إرسال الرد إلى القنصل الفرنسي في دمشق. وكان ردي على الرسالتين بالشكر والامتنان، وعبرت في ردي على الحكومة الفرنسية بأنني لا أحتاج في الوقت الحاضر إلى أي مساعدة".
وهكذا انتهت الدولة السعودية الثانية، وانتهى معها الدور السعودي الثاني الذي اتصف في مطلعه بعهد من الفوضى والاضطراب اللذين سادا الجو السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلاد نجد وأثر ذلك إلى حد كبير على البلاد المحيطة بنجد. وصادف الدور الثاني من أدوار التاريخ السعودي بروز حركة محمد علي باشا الاستقلالية مما أثر على سير الحوادث في نجد خاصة وبلاد الجزيرة العربية عامة. فقد ساهم هذا الحدث التاريخي في تأخير تكوين الدولة السعودية الثانية المستقرة. وبعد زوال نفوذ محمد علي باشا من الجزيرة العربية على أثر تطبيق معاهدة لندن عام 1256هـ، 1840م، تهيأت الأسباب الحقيقية لتثبيت جذور الحكم السعودي، وبناء الدولة السعودية الثانية في جو من السلام والأمن والاستقرار النسبي، وقد صادف ذلك عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية. ولم يدم هذا الاستقرار والأمن والسلام طول فترة هذا الدور بل اعترت الدولة السعودية الثانية حالة من الفوضى والاضطراب التي عادت إلى البلاد بسبب الفتنة الأهلية التي نشبت بين الإمام عبد الله بن فيصل وأخيه الأمير سعود بن فيصل، مما أدّى إلى تقويض دعائم الحكم السعودي، وبالتالي سقوط الدولة السعودية الثانية ليحل مكانها حكم آل رشيد في نجد. وعلى الرغم من سقوط الدولة السعودية الثانية لأسباب داخلية عصفت بها، إلا أنها في الوقت نفسه تركت في البلاد النجدية مقومات قيام الدولة السعودية الحديثة التي هي وريثة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، وهو أمر سيرد ذكره في قيام الدولة السعودية الثالثة.
شعرت بريطانيا أنها تجاور دولة وطنية محلية قوية، هي الدولة السعودية الثانية، خاصة في عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية التي استمرَّت قرابة اثنين وعشرين عامًا. ولذا رأت بريطانيا عن طريق معتمدها البريطاني في الخليج ضرورة إيجاد نوع من العلاقة بينها وبين الدولة السعودية الثانية التي تمتد حدودها إلى الخليج، ولها يد طولى وقوية على شيوخ المناطق الخليجية. وكان لا بد من ظهور بعض المشكلات السياسية بين الموظفين السعوديين الرسميين في مناطق الخليج وبين بريطانيا صاحبة النفوذ الواسع في تلك المنطقة. وكانت بريطانيا ترى أن تلك المشكلات لا يمكن حلها إلا عن طريق الاتصال المباشر بالإمام فيصل بن تركي الحاكم القوي والمؤثر الفاعل على رؤساء الساحل وشيوخه.
وثمة نقطة جديرة بالاهتمام وهي أن بريطانيا كانت تحاول كسب ود الدولة السعودية الثانية وقتذاك لتعمل قدر جهدها على إبعاد فرنسا عن الميدان بعد أن أحسَّت بالتحركات السياسية الفرنسية في المنطقة، خاصة عندما عرفت بالزيارة التي قام بها جيفورد وليم بيلجريف إلى داخل الجزيرة العربية عام 1280هـ، 1863م، أي قبل وفاة الإمام فيصل بن تركي بحوالي سنتين فقط، وقد تبين أن رحلته هذه كانت من إعداد الحكومة الفرنسية.
وبناءً عليه فإن رحلة لويس بيلي هذه كانت بمثابة فتح الباب بالنسبة للعلاقة السعودية البريطانية، فكانت بريطانيا تسعى للتعرف على نوايا الدولة السعودية الثانية تجاه عدد من القضايا من أهمها: 1ـ إيجاد علاقة صداقة بينها وبين الدولة السعودية الثانية. 2ـ معرفة الحدود الشرقية للدولة السعودية الثانية. 3ـ معرفة القبائل الخليجية التي تعدّها الدولة السعودية الثانية من رعاياها. 4ـ معرفة الوحدات السياسية والقبائل الساحلية التي تدفع الزكاة للدولة السعودية الثانية.
وجدير بالذكر أن بيلي أدرج في تقريره الذي قدمه إلى حكومته قائمة بأسماء القبائل التي كانت تتبع الدولة السعودية الثانية، والقبائل الأخرى التي كانت تدفع الزكاة لها في منطقة الخليج. وقد ودّع بيلي المسؤولين في الرياض قائلاً: "إني لأرجو أن أغادر الرياض وأنا على مودة واتفاق مع الحكومة السعودية، وأن يكون هناك ما يبشر بإيجاد علاقة أكثر ودًا بين بريطانيا والدولة السعودية الثانية. وإني لأرجو أن تسمح لي الفرصة للقيام بخدمة ودية وغير رسمية من أجل تسوية العلاقات بين الرياض ومسقط".
ويذكر بيلي في تقريره أنه لم تجر أي مفاوضات بينه وبين الإمام فيصل بن تركي بشأن عقد أي معاهدة أو التوصل إلى تفاهم ما حول ذلك، وأن الإمام فيصل بن تركي أعرب له عند الوداع عن رغبته في أن يرجع بيلي إليه في حال وقوع حوادث سلب أو تحطيم أو إغراق للسفن البريطانية في ميناءي القطيف والعقير حتى يُنزل أشد العقوبات بالمعتدين. ويذكر بيلي أيضًا أن الإمام فيصل بن تركي كان قد ذكر له أن زيارته للرياض ستفتح صفحة جديدة من العلاقات بين الدولة السعودية الثانية وبريطانيا.
ومن هذا فإن فرنسا كانت ترغب في قيام علاقات ودية مع الدولة السعودية الثانية أقوى الدول المحلية الوطنية في الجزيرة العربية في ذلك الوقت. وكانت فرنسا قد أعدت مخططًا سياسيًا واسعًا لمد نفوذها في مناطق الشرق من أجل ضرب النفوذ الاستعماري البريطاني في المنطقة. ولذا فقد تركزت السياسة الفرنسية على مبدأ استراتيجية الوصول إلى الهند في الشرق عن طريق ضمان البحار الداخلية والسواحل والمنافذ في الجزيرة العربية. وهذا الأمر يوضح سر التنافس والعلاقة السيئة القائمة بين بريطانيا وفرنسا. والواقع أن بيلجريف لم يحقق لفرنسا أي نوع من الاتصالات أو الاتفاقات بينها وبين الدولة السعودية الثانية، بل على العكس تمامًا فقد اكتشف المسؤولون السعوديون في الدولة السعودية الثانية أن بيلجريف جاسوس وعميل لدولة أجنبية، فطردوه من البلاد. وبناءً عليه فإن الاتصال البريطاني الرسمي بالدولة السعودية الثانية ظل يختلف عن الأسلوب الذي اتخذته فرنسا للاتصال بالدولة السعودية الثانية، ولم يكن هذا الأسلوب موفقًا أبدًا.
ويشير تقرير بيلي إلى أنه استفسر من الإمام فيصل بن تركي عن علاقة الدولة السعودية الثانية بدولة فرنسا. وكان جواب الإمام "أنه من قبل بضع سنين تسلم رسالة من سفينة فرنسية تتعهد فرنسا في تلك الرسالة بتقديم المساعدة له عند الحاجة عن طريق البحر". ويقول الإمام السعودي "إنني تلقيت رسالة أخرى مماثلة تطلب مني إرسال الرد إلى القنصل الفرنسي في دمشق. وكان ردي على الرسالتين بالشكر والامتنان، وعبرت في ردي على الحكومة الفرنسية بأنني لا أحتاج في الوقت الحاضر إلى أي مساعدة".
وهكذا انتهت الدولة السعودية الثانية، وانتهى معها الدور السعودي الثاني الذي اتصف في مطلعه بعهد من الفوضى والاضطراب اللذين سادا الجو السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلاد نجد وأثر ذلك إلى حد كبير على البلاد المحيطة بنجد. وصادف الدور الثاني من أدوار التاريخ السعودي بروز حركة محمد علي باشا الاستقلالية مما أثر على سير الحوادث في نجد خاصة وبلاد الجزيرة العربية عامة. فقد ساهم هذا الحدث التاريخي في تأخير تكوين الدولة السعودية الثانية المستقرة. وبعد زوال نفوذ محمد علي باشا من الجزيرة العربية على أثر تطبيق معاهدة لندن عام 1256هـ، 1840م، تهيأت الأسباب الحقيقية لتثبيت جذور الحكم السعودي، وبناء الدولة السعودية الثانية في جو من السلام والأمن والاستقرار النسبي، وقد صادف ذلك عهد الإمام فيصل بن تركي في فترة حكمه الثانية. ولم يدم هذا الاستقرار والأمن والسلام طول فترة هذا الدور بل اعترت الدولة السعودية الثانية حالة من الفوضى والاضطراب التي عادت إلى البلاد بسبب الفتنة الأهلية التي نشبت بين الإمام عبد الله بن فيصل وأخيه الأمير سعود بن فيصل، مما أدّى إلى تقويض دعائم الحكم السعودي، وبالتالي سقوط الدولة السعودية الثانية ليحل مكانها حكم آل رشيد في نجد. وعلى الرغم من سقوط الدولة السعودية الثانية لأسباب داخلية عصفت بها، إلا أنها في الوقت نفسه تركت في البلاد النجدية مقومات قيام الدولة السعودية الحديثة التي هي وريثة الدولتين السعوديتين الأولى والثانية، وهو أمر سيرد ذكره في قيام الدولة السعودية الثالثة.