القوط الغربيون (Visigoth) قبائل شكلت مع قبائل القوط الشرقيين فرعي قبائل القوط الرئيسيين. خلال حقبة الهجرات عملت قبائل القوط الشرقية الغربية -بالإضافة للعديد من القبائل الجرمانية الأخرى- على محاربة الإمبراطورية الرومانية ومحاولة إسقاطها واجتياح مناطق منها. بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية لعب القوط الغربيون دوراً مهماً في أوروبا الغربية لمدة تصل إلى قرنين ونصف.
فهرس |
ظهر القوط الغربيون كشعب منفصل للمرة الأولى في التاريخ عام 268 م. عندما غزوا أجزاء من الإمبراطورية الرومانية واقتحموا منطقة البلقان. امتد الاجتياح ليصل إلى مقاطعتي بانونيا وإليركيوم الرومانيتين (هزم القوط الغربيون قرب الحدود الإيطالية السلوفينية في صيف ذاك العام وكذلك في معركة نايسس في سبتمبر 269 م). خلال السنوات الثلاث التالية تراجع نفوذ القوط الغربيين إلى ما وراء نهر الدانوب بسبب سلسلة من الحملات التي قادها الأباطرة الرومان كلاوديوس الثاني وأوريليان.
بالرغم من المحاولات المتكررة للقضاء على القوط الغربيين فقد حافظوا على سيطرتهم على مقاطعة داكيا الرومانية. بسبب مكوث القوط في داكيا فقد اعتنقوا المسيحية الأريانية التي تقول بأن المسيح ليس صورة من صور الرب في ثالوث الأقداس وإنما مخلوق عادي كسائر البشر خلقه الله. كانت الأريانية تخالف، بشكل كبير، المعتقدات الأساسية للمسيحية الكاثوليكية وأرثودكسية اللتين كانتا منتشرتين في الإمبراطورية الرومانية. ظل القوط الغربيون يدينون بالأريانية حتى عام 589 م عندما أعلن الملك ريكارد الأول دخوله في الكاثوليكية أثناء فترة حكمه في شبه جزيرة أيبيريا.
بقي القوط في داكيا حتى 376 م حين قدّم أحد زعمائهم ويدعى فرتيجيرن التماساً إلى الإمبراطور الروماني فالينس للسماح لهم بالاستيطان على الضفة الجنوبية من نهر الدانوب وهم طلبوا ذلك احتماء من قبائل الهون الذين كانوا يمنعون أحدا من عبور النهر بقوة السلاح. وافق فالينس على طلب القوط بل وساعدهم على عبور النهر. لم يقدم فالينس مساعدته دون مقابل، فقد طلب من القوط تزويده بالجنود لضمهم إلى جيش دولته.
وعد فالينس القوطيين بأراض زراعية وحصص من المواد الغذائية (حبوب) وتوفير الحماية لهم. سُمح للقوط بالانتقال والسكنى مجردين من ممتلكاتهم الشخصية عدا أسلحتهم. عُدت هذه الخطوة من الأخطاء التاريخية التي وقعت فيها الدولة الرومانية (السماح بحمل السلاح).
في العام التالي لاستيطان القوط عند الدانوب أصابتهم مجاعة كبيرة مهلكة وكانت روما قادرة على دعمهم بحصصهم الغذائية وأراضيهم الزراعية -التي وعدوا بها- إلا أنها لم تمنحهم شيئا من ذلك بل وعرضوا عليهم مقايضة أبنائهم بلحوم الكلاب.
أدت أوضاع القوط الغربيين وعلاقتهم بالدولة الرومانية إلى احتدام الصراع بينهم حتى وقعت معركة أدريانوبل في 9 أغسطس 378 م والتي اعتمد فيها فالينس على تقديراته الخاطئة بأن عدد وعدة جيش العدو ضعيفة وقليلة وأنهم لا يزيدون عن 10 آلاف مقاتل، وبالإضافة لحر أغسطس أشعل القوط الغربيون النيران في أرض المعركة وعملوا على حصار الجيش الروماني في وسط ميدانها. هلكت أغلب القوات الرومانية ذاك اليوم وقتل أغلبهم وكان بينهم قائدهم فالينس.
عُين ثيودوسيوس الأول إمبراطورا للدولة الرومانية. كان أول ما قام به ثيودوسيوس عقد صلح مع القوط الغربيين ممثلين في قائدهم فريتيجيرن عام 379 م. بقي الطرفان متصالحين حتى موت ثيودوسيوس عام 395 م. في ذلك العام عين القوط الغربيون ألاريك الأول كملك لهم بينما تولى أبناء ثيودوسيوس حكم الإمبراطورية فتولى آركاديوس حكم المناطق الشرقية فيها وهونوريوس الغربية منها. آركاديوس إلى الامبراطوريه الرومانيه الشرقية (مع عاصمة بلاده في القسطنطينيه) و هونوريوس في الامبراطوريه الغربية (مع عاصمة بلاده في ميلانو).
خلال الـ15 سنة التي تلت موت ثيودوسيوس حدثت بعض المناوشات والصراعات بين القوط الغربيين والرومان وكانت حدة هذه الصراعات تزداد حدة سنة تلو أخرى. بعد قتل هونوريوس لجنراله ستيليتشيو والقيام بمجزرة قتل فيها عائلات 30 ألف من جنود القوط الغربيين، أعلن ألاريك الحرب على الرومان وكان ذلك في عام 408 م. توغل القوط في إيطاليا حتى وصلوا روما وحاصروها ومن ثَم تمت مفاوضة هنوريوس الذي رفض شروط ألاريك. اتخذ ألاريك قراره بأن يقتحم مدينة روما وكان له ذلك في 24 أغسطس 410 م. بالرغم من كون روما ليست عاصمة للإمبراطورية الرومانية إلا أن مجرد سقوطها أدى لصدمة عنيفة أدت لاهتزاز عرش الدولة العريقة. أثناء الاقتحام توفي ألاريك فخلفه زوج أخته أتولف الذي وافق على طلب هنورويوس بمغادرة إيطاليا مقابل أن يُعطى القوط أراضي أيبيريا وأكويتين.
بين عامي 407 م و409 م قام الفاندليون -بمساعدة حلفائهم الألانيون وبعض القبائل الجرمانية كالسوفي- قاموا باكتساح شبه الجزيرة الأيبيرية وجنوب فرنسا وهي أراض تابعة للإمبراطورية الرومانية. تحرك القوط الغربيون وفقا للاتفاق الذي حصل بينهم وبين الرومان واستطاعوا احتلال تلك البلاد واستوطنوها. كان مكوث القوط في أكويتانيا نواة لمملكة القوط الغربيين التي امتدت لمسافات واسعة خلف جبال البرانس.
قام الملك إيورك -أحد أعظم ملوك القوط- بتوحيد قبائل القوط الغربيين المتناحرة فيما بينها وثار على الحكم الروماني حتى استطاع أن ينتزع منهم استقلالا كاملا لمملكته عام 475 م.
وصل أقصى اتساع لمملكة القوط الغربيين قبل خسارتهم في معركة فوييه في عام 507 م حيث كانت تضم مملكتهم أراضي أيبيريا كاملة عدا بعض المناطق الشمالية التي كانت تتبع الباسكيين والشمالية الغربية وكانت فيها مملكة سوفي. كذلك ضمت بلادهم ما يعرف الآن بأكويتانيا وجاليا ناربونسيس.
بعد خسارة القوط في معركة فوييه من مملكة الفرنجة خسروا أراضيهم في أكويتانيا وقتل فيها قائدهم ألاريك الثاني. انتقلت عاصمتهم من تولوز لبرشلونة ثم إلى طليطلة.
بين عامي 511 و526 م حكم ثيودوريك العظيم الذي وحد القوط الغربيين في أيبيريا والشرقيين المتواجدين في إيطاليا تحت حكمه في دولة واحدة. في 544 خسرت مملكة القوط مدينة غرناطة وقسما كبيرا من أيبيريا وذلك بعد أن احتلتها قوات الإمبراطورية البيزنطية.
قام الملك ليوفيجيلد بغزو مملكة سوفي عام 584 وضمها لملكه كما استعاد جزءا مما استولى عليه البيزنطيين من شبه الجزيرة الأيبيرية. كان ليوفيجيلد آخر ملك أرياني حكم مملكة القوط الغربيين وتحولت البلاد بعد وفاته إلى الكاثوليكية. قام الحكام المتتالين بعد ليوفيجيلد بطرد البيزنطيين من أيبيريا حتى أنهوا وجودهم في البلاد عام 624 م.
سقطت مملكة القوط الغربيين عام 711 م بعدما قتل الملك لذريق (رودريجو) أثناء الفتح الأموي لبلاد الأندلس وتحديدا في معركة وادي لكة. بعد هذه المعركة بدأت مدن القوطيين تتهاوى مدينة تلو أخرى حتى سقطت مدن البلاد عام 718 وبالتالي انتهى الحكم القوطي في أيبيريا. مكث بعض القوط في الأندلس واستمر في المعيشة هناك ودخل كثير منهم في الإسلام. هاجر القسم الآخر من القوط ممن لم يرض بالإسلام دينا له أو بالمعيشة تحت حكم المسلمين إلى مملكة الفرنجة. لعب القوطيين الغربيين أدوارا رئيسية في البلاد التي هاجروا إليها وخاصة في فترة حكم شارلمان.