مدينة الموصل هي مركز محافظة نينوى تقع شمال العراق على ضفاف نهر دجلة، وهي ثاني مدينة في البلاد من حيث السكان بعد بغداد حيث يبلغ عدد سكانها (تقدير 2006) ثلاثة مليون وثلاثمائة ألف نسمة.
لمدينة الموصل تاريخ يرجع إلى عدة قرون قبل الميلاد.
فهرس |
تشير المصادر التاريخية إلى أن العرب سكنوا الجزيرة العربية قبل الميلاد بقرون، ومن ديار الجزيرة التي سكنها العرب في ذلك الزمن (مدينة الموصل) المقابلة لمدينة نينوى، فكانت الموصل من المواطن القديمة التي حل بها العرب مع الآشوريين.
في سنة 1080 ق.م.، اتخذ الآشوريين مدينة نينوى عاصمة لهم (وهي آثار نينوى الكائنة في الجانت الايسر من مدينة الموصل حالياً)، وحصّن الآشوريون نينوى بالاسوار والقلاع التي نشاخد آثارها اليوم في باب شمس و تل قوينجق وبوابة المسقى وبوابة نركال وتل التوبة (النبي يونس) والتي يربطها سور نينوى المطمور في معظم أجزائه.
كما بنى الآشوريون عدداً من القلاع للدفاع عن أنفسهم منها القلعة الواقعة فوق التل المسمى "تل قليعات" على شاطئ دجلة مقابل مدينة نينوى والتي سميت بالحصن العبوري. [1]. وفي سنة 612ق.م أستولى الميديون والكلدانيون على نينوى بعد معركة طاحنة ودمروها كما دمّروا الحصن العبوري.
بعد هدوء المعارك، عاد أهالي الموصل ونينوى إلى ديارهم ورمموا ما خربه القتال واعادوا بناء الحصن العبوري، وازدادت هجرة القبائل العربية إلى بلاد الرافدين وبادية الشام، وازداد البناء والعمران حول الحصن العبوري حتى اصبحت قرية لها شأن يُذكر.
سماها العرب "الموصل" لكونها ملتقى عدة طرق تربط الشرق بالغرب. واهتم الأخمينيون الذين حكموها سنة 550-331 ق.م في توطين العرب والفرس فيها واصبحت مدينة ذات شأن.
لم تسلم الموصل من الحروب التي دارت بين الشرق والغرب والتي سببت نكبتها لعدة مرات، ومنها الحروب التي دارت بين الساسانيين والرومان سنة 241 وسنة 579. وفي سنة 627 انتصر الروم على الفرس بعد معركة حاسمة قرب الموصل، فاصبحت الموصل تحت حكم الروم.
في سنة 637، دخل العرب المسلمون الموصل بقيادة ربعي بن الأفكل العنزي الذي دبر خطة للسيطرة على الموصل بمساندة قبائلها العربية التي كانت في قتال ضد الروم في تكريت، فقامت هذه القبائل بالانسحاب إلى الموصل مُظهرين انهزام المسلمين في معركة تكريت، حتى اذا دخلوا المدينة سيطروا على ابوابها لتدخل وراءهم جيوش المسلمين.
بعد أربع سنوات من هذه الواقعة، أرتد سكان الموصل ضد العرب المسلمين مما أدى إلى معارك أخرى نجحت في إعادة السيطرة على الموصل. [2]
اصبح عتبة بن فرقد السلمي والياً على الموصل بعد السيطرة عليها وعمل على توطين وإسكان العرب المسلمين من قبائل النمر وتغلب واياد. بنى داراً الامارة والمسجد الجامع وهو أول جامع بناه المسلمون في الموصل[3]، والذي بقي حتى سنة 543 هـ.
في عهد الخليفة عثمان بن عفان، كثرت هجرة القبائل العربية اليها بعد ان استقرت السيطرة الإسلامية فيها ومنها الازد وطي وكندة وعبد قيس. وفي حكم عرفجة بن هرثمة البارقي تم توسيعها وتعميرها وتوسيع الجامع، كما توسعت الهجرة العربية اليها في خلافة علي بن ابي طالب. كل هذا أدى إلى جعل مدينة الموصل مدينة كبيرة ذات سكان كثر.
ازداد توسع الموصل في عهد سعيد بن عبدالملك بن مروان حيث قام بتعميرها وتحصينها واحاطها بسور ورصف طرقها بالحجارة. كما نصّب لها مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين جسراً وبنى قلعتها. وشق الحر بن يوسف الأموي نهراً عرف بـ نهر الحر يسير محاذياً للتلال المطلة على حاوي كنيسة (وهو مجرى دجلة الحالي)، حيث كان سابقاً يمر قرب سور نينوى وتقع عليه بوابة المسقى. واستمرت هجرة القبائل العربية في هذه الفترة وهي قبائل تغلب وربيعة وشيبان وخزرج.
تحت حكم العباسيين سنة 132 هـ - 751 هـ/ ثار اهالي الموصل على الوالي العباسي محمد بن صول الفارسي ففُتك بأهلها وخُربت بيوتها، ولما وصل الأمر إلى الخليفة السفاح ولّى عليها عمّه اسماعيل بن علي بن العباس فاصلح حالها، فعاد مركزها الاقتصادي في خلافة المهدي.
أصبحت الموصل تحت نفوذ الحمدانيين في اواخر القرن الثالث للهجرة بعد دخولهم في طاعة العباسيين، توسعت المدينة واصبحت مركزاً تجارياً مهماً. وصارت تصدر إلى بغداد الدقيق والسكر والعسل والسمن والجبن والفحم والشحوم والمن والسماق والقير والحديد. كما توسعت حولها القرى والبساتين والمزارع.
انتقلت الموصل إلى حكم العقيليين سنة 367 هـ - 489 هـ فتأخرت المدينة فيها كثيراً لتنازع الامراء فيما بينهم على الحكم، وبنى شرف الدولة لها سوراً جديداً.
اصبحت الموصل تحت نفوذ الترك السلجوقيين فحكموها 32 عاماً لاقت خلالها الويلات والمصائب والخراب، وهجّر كثير من اهلها من ديارهم ومساكنهم لكثرة الأضطرابات والفتن بين امرائهم. ومع هذا فان الموصل تزعمت حركة المقاومة العربية الإسلامية ضد الغزوات الصليبية في تلك الفترة.
استلم عماد الدين زنكي حُكم الموصل سنة 521 هـ فحضت المدينة في زمنه وزمن خلفه باهتمام وتوسع كبير، وتقدمت في صناعتها وتجارتها وزراعتها وعمرانها، وامتاز حكمهم بالعدل والمساواة. وفي عهد بدر الدين لؤلؤ وصلت الموصل إلى أجمل صورها.[4]
وفي سنة 660 هـ، تم السيطرة على الموصل بعد بغداد من قبل المغول بعد ان حاصروها لعدة أشهر ودخلوها بالحيلة والخداع، فعملوا فيها السيف وقتلوا معظم اهاليها وهدموا أكثر من نصفها. وفي سنة 796 هـ استولى تيمورلنك عليها واكمل تدميرها إلى ان ظهرت دولة الخروف الأبيض والخروف الأسود سنة 810 هـ التي انقرضت بظهور الشاه اسماعيل الصفوي وسيطرة الفرس الصفويين على العراق.
بقيت الموصل تحت حكم العجم حتى سيطر عليها سليمان بن السلطان سليم العثماني، وولى عليها حاكماً يدعى محمد باشا بكلربكي الذي مات وتولى بعده عدة ولاة حتى سنة 1730 (1143 هـ) حيث تولاها أحد ابناءها وهو حسين باشا بن إسماعيل باشا الجليلي.
وفي عهده حاول قائد الفرس نادر شاه ان يستولي على الموصل سنة 1145 هـ ولكن قائده نركزخان قُتل على هضاب الغزلاني. وحاول مرة أخرى سنة 1156 هـ احتلال المدينة وارسل رسالة إلى الوالي يتوعده فيها، ولكن أهالي المدينة قرروا مقاتلته وعدم الاستسلام مهما كلف الامر. بدأ الموصليون بقيادة الوالي الشجاع حين باشا الجليلي تعمير أسوار المدينة منذ وقت مبكر، وكانت كل الأعمال تتم بجهود الموصل الذاتية لأن السلطان لم يكن في وضع اقتصادي أو سياسي يسمح له بمعاونة المدينة، كما أمر الوالي بحصاد المزروعات في وقت مبكر ليحرم العدو من الاستيلاء عليها، كما أمر بإدخال أهل القرى المحيطة بالمدينة داخل السور للمساهمة في الدفاع عنها. تقدم نادر شاه بقواته البالغة 300,000 مقاتل إلى الجهة الشرقية من نهر دجلة قرب قرية يارمجة فحمل عليه كتيبة من خيالة الموصل يقودها عبد الفتاح باشا أخو الوالي وفيها أعيان الموصل ووجاؤها، ودارت معركة طاحنة كانت فيها خسائر الفرس فادحة، ونتيجة لضخامة قوات العدو فقد انسحبت الكتيبة إلى داخل سور المدينة واغلقت الابواب. وفي 6 شعبان باشرت مدفعية نادر شاه باطلاق القنابل والنيران على المدينة المحاصرة بغزارة، كان خلالها الوالي يحث الاهالي على القتال والصمود ويشرف على ترميم ما يتهدم من السور او القلاع، واستمر المدافعون يقاومون المعتدي ولم يتمكن نادر شاه من احتلالها رغم سقوط أكثر من 40,000 قنبلة عليها جعلت ليلها نهاراً، ويُقال أن الموصليون اقسموا على قتل جميع نسائهم فيما اذا غلبهم الفرس، ولم يسمحوا للعدو من احداث أي ثغرة في سور المدينة بل كانوا يقيمونه بسرعة مذهلة ليلاً فوق جثث قتلاهم. وبعد محاولة فاشلة لتفجير السور بالألغام تقدم جيش نادر شاه وهم يحملون السلالم في هجوم عام في محاولة لارتقاء الأسوار ولكن الموصليين كانوا لهم بالمرصاد ودارت معركة طاحنة على الأسوار فشل فيها جنود نادر شاه في مسعاهم وارتدوا عندها أمر الحاج حسين باشا الجليلي قواته بالهجوم فخرجوا من الأسوار وتبعوا جنود الشاه وأوقعوا فيهم مقتلة كبيرة، فهربوا لا يلوون على شيء فتصدى لهم خيالة الفرس في محاولة لردهم عن الهرب ولكنهم ضربوا الخيالة واستمروا بالهرب.
فقد الفرس اعداد كبير ة من جنوده ونفذت مؤونتهم بعد حصار دام اربعين يوماً بلياليها. وأخيراً اضطر نادر شاه إلى عقد الصلح مع الوالي حسين باشا الجليلي، وغادر الفرس يوم 4 رمضان.
استمر حكم العثمانيين للموصل وتوالى الولاة عليها حتى تولاها سليمان نظيف سنة 1317 هـ ففتح فيها جادتين (شارعين) تقطع أحدهما المدينة من جنوبها إلى شمالها وسميت "جادة النبي جرجيس" والأخرى تقطع المدينة من وسطها من الشرق إلى الغرب وسميت "جادة نينوى"[5]. وعانت الموصل من الويلات ومن أشهرها المجاعة التي دعيت "غلاء الليرة" سنة 1878م اكل الناس فيها الحيوانات والجيف. وعانت من مجاعة أخرى في نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1917 التي دعيت "سنة الغلاء" نتيجة انكسار العثمانيين في حربهم مع الانكليز الذين دخلوا الموصل 1918 بدون قتال بعد الهدنة.
انتقلت الموصل إلى عهد الحكم الأهلي سنة 1921 تحت ظل الانتداب البريطاني، وظلت مدينة الموصل ورقة رابحة بيد الانكليز للمساومة على الانتداب في المفاوضات التي جرت لتحديد خط الحدود بين العراق وتركيا، بالضغط على الحكم الملكي القائم لقبول صك الانتداب. ورفض اهالي الموصل خلال الاستفتاء الذي اجرته لجنة خاصة الانضمام إلى تركيا، ودافعوا عن عروبتهم وتمسكهم بتراب العراق. وظلت الموصل في ظل الحكم الملكي حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 التي أطاحت بالحكم الملكي.
شهدت هذه الفترة حوادث مهمة في تاريخها منها انتفاضة الجيش في سنة 1937 بعد اغتيال الفريق بكر صدقي رئيس اركان الجيش في مطار الموصل ورفضت تسليم ومحاكمة الضباط المسؤولين عن الحادثة ، مما انتهى باجبار الحكومة على الاستقالة واعفاء الضباط من المحاكمة. وكذلك حادثة اغتيال القنصل البريطاني في الموصل بعد قتل الملك غازي في حادث نعت بأنه "مدبّر من قبل الإنكليز". وشاركت الموصل في ثورة رشيد عالي الكيلاني سنة 1941.
عانت الموصل من اضطهاد كبير من السلطة القاسمية والشيوعيين، وسحل وقتل عدد كبير من ابنائها الذين اشتركوا في ثورة الشواف سنة 1959، عاشت الموصل خلال هذه الفترة في فوضى وخوف دائم وتوقفت الحركة العمرانية والتجارية، وكانت المدينة تغلق أبوابها مع غروب الشمس ويلجأ الناس إلى بيوتهم غير آمنين على حياتهم.
بعد ثورة 17/30 تموز 1968 بقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي، أصبح العراق تحت سيطرة الحزب المذكور وفي أيدي صدام حسين. تم عمل بعض الخطط التنموية الصناعية والزراعية في المدينة بالإضافة إلى بعض المشاريع التجارية.
في 20 مارس 2003، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية حربها مع العراق بمساندة دول أخرى من أبرزها المملكة المتحدة. عانت فيها العديد من مدن العراق الدمار جراء المواجهات العنيفة بين الأطرف العدة.
سقطت المدينة بأيدي السيطرة الأمريكية بعد قصف عنيف في يوم 11 أبريل 2003 بعد أن أنسحبت قوات الفيلق الخامس للجيش العراقي الموالي لصدام حسين، يومان بعد سقوط بغداد. كانت البيشمركه الكردية أحد أطراف المتنازعين ضد نظام الحكم العراقي آن ذاك، وقامت بدخول الموصل ومحاولة السيطرة على بعض أجزائها. كانت القوات الكردية مجبورة بأن تعد الحكومة الأمريكية بأنها ستترك المدينة، وأستبدلت بقوات أمريكية. في 15 أبريل 2003، قامت القوات الأمريكية بإطلاق النار على مقاومين لوجودهم مما أدى إلى مقتل عشرة مدنيين وجرح العديدين.
في يوم 22 يوليو 2003، قامت قوات التحالف بالهجوم على وقتل أبناء الرئيس العراقي السابق عدي وقصي الذان كانا في مدينة الموصل. [6]
عانت الموصل وأبناءها من الكثير بسبب الصراع في المدينة بين الجيش الأمريكي والجيش العراقي من جهة والميليشيات والعصابات من جهة أخرى. كما تعرض العديد من متعليمها ومثقيفها إلى عمليات إختطاف وابتزاز وإغتيال، الأمر الذي أدى إلى تهجير العديد من مواطنيها إلى خارج وأيضاً في داخل العراق.
في ديسمبر 2007، تم إعادة فتح مطار الموصل. وقامت طائرة للخطوط الجوية العراقية بحمل 152 من الحجاج إلى بغداد، وكانت هذه أول رحلة تجارية بعد أن أعلنت الولايات المتحدة في 1993 أن الموصل هي منطقة لا-طيران. [7]
في مارس 2008، قامت بعض العصابات المسلحة بخطف وقتل بولص فرج رحو، مطران الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في الموصل، الأمر الذي أدى إلى مظاهرات وتنديد من قبل العديد من الفرق والحكومات.