الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة السادسة والعشرون


كتاب الزكاة

683 - مسألة : قالت طائفة : لا زكاة في أقل من أربعين مثقالا من الذهب الصرف الذي لا يخالطه شيء بوزن مكة ، سواء : مسكوكه ، وحليه ، ونقاره ومصوغه ، فإذا بلغ أربعين مثقالا - كما ذكرنا - وأتم في ملك المسلم الواحد عاما قمريا متصلا ففيه ربع عشره ، وهو مثقال ، وهكذا في كل عام ، وفي الزيادة على ذلك إذا أتم أربعين مثقالا أخرى وبقيت عاما كاملا دينار آخر ، وهكذا أبدا في كل أربعين دينارا زائدة دينار ، وليس في الزيادة شيء زائد حتى تتم أربعين دينارا ؟ فإن كان الذهب خلط لم يغير لونه أو رزانته أو حده سقط حكم الخلط ؛ فإن كان فيما بقي العدد المذكور زكي . وإلا فلا . فإن نقص من العدد المذكور - ما قل أو كثر - فلا زكاة فيه ، وفي كثير مما ذكرنا اختلاف نذكره - إن شاء الله تعالى ؟ قال جمهور الناس : بإيجاب الزكاة في عشرين دينارا لا أقل - : وروينا عن عمر بن عبد العزيز مما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا سعيد بن عفير عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن زريق بن حيان قال : كتب إلي عمر بن عبد العزيز : انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون في التجارات من كل أربعين دينارا دينارا ، وما نقص فبحساب ذلك ، حتى تبلغ عشرين دينارا ؛ فإن نقصت ثلث دينار فدعها قال أبو محمد : فهذا عمر بن عبد العزيز يرى في الذهب أن فيها الزكاة وإن نقصت ؛ فإن نقصت ثلث دينار فلا صدقة فيها ؟ وقال مالك : إن نقصت نقصانا تجوز به جواز الموازنة زكيت ، وإلا فلا ، وقال : إن كان في الدنانير الذهب وحلي الذهب خلط زكى الدنانير بوزنها وقال الشافعي : لا يزكى إلا ما فضل عن الخلط من الذهب المحض ، ولا يزكى ما نقص عن عشرين دينارا ؛ ولا بما كثر ؟ وقال أبو حنيفة ، وغيره : الزكاة في عشرين دينارا نصف دينار ، فإن زادت فلا صدقة فيها حتى تبلغ الزيادة أربعة دنانير ، فإذا زادت أربعة دنانير ففيها ربع عشرها ، وهكذا أبدا . وقال مالك ، والشافعي : ما زاد - قل أو كثر - ففيه ربع عشره ؟ وروينا عن بعض التابعين أنه لا زكاة فيما زاد حتى تبلغ الزيادة عشرين دينارا وهكذا أبدا وروينا عن الزهري وعطاء : أن الزكاة إنما تجب في الذهب بالقيمة ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا عبد الله بن عمر النميري ثنا يونس بن يزيد الأيلي قال : سمعت الزهري يقول : ليس في الذهب صدقة حتى يبلغ صرفها مائتي درهم ، فإذا بلغ صرفها مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، ثم في كل شيء منها يبلغ صرفه أربعين درهما درهم ، حتى تبلغ أربعين دينارا ، ففيها دينار ، ثم ما زاد على ذلك من الذهب ففي صرف كل أربعين درهما درهم ، وفي كل أربعين دينارا دينار . حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال عطاء ، وعمرو بن دينار : لا يكون في مال زكاة حتى يبلغ عشرين دينارا ؛ فإذا بلغ عشرين دينارا ففيها نصف دينار ، ثم في كل أربعة دنانير يزيدها المال درهم ، حتى يبلغ المال أربعين دينارا ، ففي كل أربعين دينارا دينار . قال ابن جريج : فلما كان بعد ذلك بحين قلت لعطاء : لو كان لرجل تسعة عشر دينارا ليس له غيرها والصرف اثنا عشر أو ثلاثة عشر بدينار ، فيها صدقة . ؟ قال : نعم ، إذا كانت لو صرفت بلغت مائتي درهم ؛ إنما كانت إذ ذلك الورق ولم يكن ذهب وممن قال - : بأن لا زكاة في الذهب إلا بقيمة ما يبلغ مائتي درهم فصاعدا من الورق - : سليمان بن حرب الواشحي . قال أبو محمد : أما من قال : لم يكن يومئذ ذهب - : فخطأ ، كيف هذا ؟ والله عز وجل يقول : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } . والأخبار عن رسول الله ﷺ في كون الذهب عندهم كثيرة جدا ، كقوله عليه السلام : { الذهب حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها } واتخاذه عليه السلام خاتما من ذهب ثم رمى به ، وغير ذلك كثير وإيجاب الزكاة في الذهب بقيمة الفضة قول لا دليل على صحته من نص ولا إجماع ولا نظر ؛ فسقط هذا القول - وبالله تعالى التوفيق . ثم نظرنا هل صح في إيجاب الزكاة في الذهب شيء أم لا . فوجدنا ما حدثناه حمام قال : ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ فذكر الحديث ؛ وفيه : { من كانت له ذهب أو فضة لم يؤد ما فيها جعلت له يوم القيامة صفائح من نار فوضعت على جنبه وظهره وجبهته ، حتى يقضى بين الناس ، ثم يرى سبيله } . فوجبت الزكاة في الذهب بهذا الوعيد الشديد ، فوجب طلب الواجب في الذهب الذي من لم يؤده عذب هذا العذاب الفظيع ، نعوذ بالله منه ، بعد الإجماع المتيقن المقطوع به على أنه عليه السلام لم يرد كل عدد من الذهب ، ولا كل وقت من الزمان ، وأن الزكاة إنما تجب في عدد معدود ، وفي وقت محدود ، فوجب فرضا طلب ذلك العدد وذلك الوقت ؟ فوجدنا من حد في ذلك عشرين دينارا احتج بما روينا من طريق ابن وهب : أخبرني جرير بن حازم وآخر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة ، والحارث الأعور عن علي عن النبي ﷺ - فذكر كلاما ، وفيه - { وليس عليك شيء حتى يكون - يعني في الذهب - لك عشرون دينارا فإذا كان لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار ، فما زاد فبحساب ذلك } . قال : لا أدري ، أعلي يقول " بحساب ذلك ، " أو رفعه إلى النبي ﷺ ؟ ومن طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال قال رسول الله ﷺ : { ومن كل عشرين دينارا نصف دينار } . ومن طريق ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال : { ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب ولا في أقل من مائتي درهم صدقة } . ومن طريق أبي عبيد عن يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري { أن في كتاب رسول الله ﷺ وفي كتاب عمر في الصدقة أن الذهب لا يؤخذ منها شيء حتى تبلغ عشرين دينارا ، فإذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار } . وذكر فيه قوم من طريق عبد الله بن واقد عن ابن عمر عن عائشة عن النبي ﷺ : { إن في عشرين دينارا الزكاة } . قال علي : هذا كل ما ذكروا في ذلك عن رسول الله ﷺ . وأما عمن دونه عليه السلام فروينا من طريق الليث بن سعد عن يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس قال : ولاني عمر الصدقات ، فأمرني أن آخذ من كل عشرين دينارا نصف دينار ، فما زاد فبلغ أربعة دنانير ففيه درهم ؟ ومن طريق - وكيع : ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : ليس في أقل من عشرين دينارا شيء ، وفي عشرين دينارا نصف دينار ، وفي أربعين دينارا دينار ؟ ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال : كان لامرأة عبد الله بن مسعود طوق فيه عشرون مثقالا فأمرها أن تخرج عنه خمسة دراهم ومن طريق وكيع عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن الشعبي قال : في عشرين مثقالا نصف مثقال ؛ وفي أربعين مثقالا مثقال ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : ثنا هشيم ، والمعتمر بن سليمان قال هشيم : أنا منصور ، ومغيرة ، قال منصور : عن ابن سيرين وقال مغيرة : عن إبراهيم وقال المعتمر : عن هشام عن الحسن ، ثم اتفق الحسن ، وابن سيرين ، وإبراهيم ؛ قالوا كلهم : في عشرين دينارا ، وفي أربعين دينارا دينار ؟ وقد ذكرناه في أول الباب عن عمر بن عبد العزيز ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية عن أبيه عن الحكم هو ابن عتيبة - أنه كان لا يرى في عشرين دينارا زكاة حتى تكون عشرين مثقالا ، فيكون فيها نصف مثقال ؟ وقد ذكرناه قبل عن عطاء ، وعمرو بن دينار ، وذكرنا رجوع عطاء عن ذلك قال أبو محمد : ما نعلم عن أحد من التابعين غير ما ذكرنا فأما كل ما ذكروا فيه عن رسول الله ﷺ فلا يصح منه شيء ولو صح لما استحللنا خلافه ؛ وأعوذ بالله من ذلك ؟ أما حديث علي - الذي صدرنا به - فإن ابن وهب عن جرير بن حازم عن أبي إسحاق قرن فيه بين عاصم بن ضمرة وبين الحارث الأعور ، والحارث كذاب ، وكثير من الشيوخ يجوز عليهم مثل هذا ، وهو أن الحارث أسنده وعاصم لم يسنده ، فجمعهما جرير ، وأدخل حديث أحدهما في الآخر . وقد رواه عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي : شعبة ، وسفيان ، ومعمر ، فأوقفوه على علي ، وهكذا كل ثقة رواه عن عاصم . وقد روى حديث الحارث ، وعاصم : زهير بن معاوية فشك فيه . كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا زهير بن معاوية ثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة ، وعن الحارث عن علي . قال زهير : أحسبه عن النبي ﷺ فذكر صدقة الورق ، { إذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فعلى حساب ذلك } . وقال في البقر : { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة ، وليس على العوامل شيء } . وقال في الإبل ، { في خمس وعشرين خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض ، فإن لم تكن فابن لبون ذكر } . قال زهير : وفي حديث عاصم : { إذا لم يكن في الإبل بنت مخاض ولا ابن لبون فعشرة دراهم أو شاتان } . قال علي : قد ذكرنا أنه حديث مالك ؛ ولو أن جريرا أسنده عن عاصم وحده لأخذنا به ؛ لكن لم يسنده إلا عن الحارث معه ، ولم يصح لنا إسناده من طريق عاصم ، ثم لما شك زهير فيه بطل إسناده . ثم يلزم من صححه أن يقول بكل ما ذكرنا فيه ، وليس من المخالفين لنا طائفة إلا وهي تخالف ما فيه ، ومن الباطل أن يكون بعض ما في الخبر حجة وبعضه غير حجة ؛ فبطل تعلقهم بهذا الخبر ؟ أما خبر الحسن بن عمارة فالحسن مطرح وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فصحيفة مرسلة . ورواه أيضا ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ . فإن لجوا على عاداتهم وصححوا حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا وافقهم فليستمعوا ؟ روينا من طريق داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ : { لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها } . ومن طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ : { لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها } . ومن طريق العلاء بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي عليه السلام : { أنه قضى في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية } . وعن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ﷺ ثمانمائة دينار ثمانية آلاف درهم ، ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلم ، وكانت كذلك حتى استحلف عمر ، فقام خطيبا ففرضها على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاء ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة ، وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية } . وعن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ، ثلاثون بنت مخاض ، وثلاثون بنت لبون وعشرون ابن لبون ذكر ، وعشرون حقة ، وقضى رسول الله ﷺ على أهل البقر مائتي بقرة - يعني في الدية - ومن كانت ديته في الشاء فألفا شاة } ؟ وكل هذا فجميع الحنفية ، والمالكية ، والشافعية : مخالفون لأكثره ، ولو أردنا أن نزيد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده لأمكن ذلك ، وفي هذا كفاية ؟ ولا أرق دينا ممن يوثق رواية إذا وافقت هواه ، ويوهنها إذا خالفت هواه فما يتمسك فاعل هذا من الدين إلا بالتلاعب وحديث محمد بن عبد الرحمن مرسل وعن مجهول أيضا . وأما حديث ابن عمر فعبد الله بن واقد مجهول . فسقط كل ما في هذا عن النبي ﷺ ولم يصح منه شيء وأما ما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم فلا يصح عن عمر ، لأن راويه يحيى بن أيوب ، وهو ضعيف . وقد روينا عن عمر ما هو أصح من هذا ؛ وكلهم يخالفونه ؟ - : كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن هشام بن حسان وسفيان الثوري ، ومعمر قال هشام : عن أنس بن سيرين ، وقال سفيان ، ومعمر : عن أيوب السختياني عن أنس بن سيرين ، ثم اتفقوا كلهم عن أنس بن سيرين قال : بعثني أنس بن مالك على الأبلة فأخرج إلي كتابا من عمر بن الخطاب " خذ من المسلمين من كل أربعين درهما درهما ومن أهل الذمة من كل عشرين درهما درهما وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم درهما " . فهذا أنس ، وعمر بأصح إسناد يمكن ؛ فإن تأولوا فيه تأويلا يقتضيه ظاهره فما هم بأقوى على ذلك من غيرهم فيما يحتجون به ، وما يعجز أحد عن أن يقول : إنما أمر عمر في العشرين دينارا بنصف دينار كما أمر في الرقيق والخيل بعشرة دراهم من كل رأس - : إذا طابت نفس مالك كل ذلك به ، وإلا فلا وأما الخبر في ذلك عن ابن مسعود فمرسل ؛ ولا يأخذ به المالكيون ، ولا الشافعيون ، ومن الباطل أن يكون قول ابن مسعود حجة في بعض حكمه ذلك ولا يكون حجة في بعضه ، والمسامحة في الدين هلاك وأما قول علي فهو صحيح ، وقد روينا عن علي من هذه الطريق نفسها أشياء كثيرة قد ذكرناها - : منها : في كل خمس وعشرين من الإبل خمسا من الغنم ، وكلهم مخالف لهذا . ومن الباطل أن يكون قول علي حجة في مكان غير حجة في آخر ؟ فبطل كل ما تعلقوا به من آثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم . ثم حتى لو صحت هذه الآثار كلها عن النبي ﷺ وعن الصحابة رضي الله عنهم - : لكانوا مخالفين لها ؛ لأن الحنفيين ، والمالكيين يقولون : إن كانت عشرة دنانير ومائة درهم ففيها الصدقة ، وكل هذه الآثار تبطل الزكاة عن أقل من عشرين دينارا ؛ وهم يوجبونها في أقل من عشرين دينارا ؛ فصارت كلها حجة عليهم ، وعاد ما صححوا من ذلك قاطعا بهم أقبح قطع ونعوذ بالله من الخذلان والمالكيون : يوجبونها في عشرين دينارا ناقصة إذا جازت جواز الموازنة ، وهذا خلاف ما في هذه الأخبار كلها ؟ وأما التابعون فقد اختلفوا كما ذكرنا ، وصح عن الزهري ، وعطاء : أنه لا يزكى من الذهب بالذهب إلا أربعين دينارا ، لا أقل ؛ ثم كذلك إذا زادت أربعين دينارا ، ورأوا الزكاة فيما دون ذلك وما بين كل أربعين وأربعين بعدها القيمة ؛ وكانت القيمة قولا لا يوجبه قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا قول صاحب ولا دليل أصلا ؛ فسقط هذا القول . وقد حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حماد بن مسعدة عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني - عن الحسن البصري قال : ليس في أقل من أربعين دينارا شيء ؟ قال أبو محمد : فصحت الزكاة في أربعين من الذهب ثم في كل أربعين زائدة - : بالإجماع المتيقن المقطوع به فوجب القول به ولم يكن في إيجاب الزكاة في أقل من ذلك ولا فيما بين النصابين - : قرآن ولا سنة صحيحة ولا إجماع ، ولا يجوز أن تؤخذ الشرائع في دين الإسلام إلا بأحد هذه الثلاثة - وبالله تعالى التوفيق ؟ قال علي : فليس إلا هذا القول ، أو قول من قال : قد صح أن في الذهب زكاة بالنص الثابت ؛ فالواجب أن يزكى كل ذهب ، إلا ذهبا صح الإجماع على إسقاط زكاتها فمن قال هذا : فواجب عليه أن يزكي كل ما دون العشرين بالقيمة ، وأن يزكي حلي الذهب ، وأن يزكي كل ذهب حين يملكه مالكه - فكل هذا قد قال به جماعة من الأئمة الذين هم أجل من أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ؟ قال أبو محمد : ولم نقل بهذا لما قدمناه من أنه لا يحل أن ينسب إلى الله تعالى ولا إلى رسوله ﷺ قول إلا بيقين نقل صحيح من رواية الإثبات أو بنقل تواتر أو مجمع عليه ، وليس شيء من هذه الأحوال موجودا في شيء من هذه الأقوال ؟ وقد قلنا : إن الإجماع قد صح على أنه عليه السلام لم يوجب الزكاة في كل عدد من الذهب ، ولا في كل وقت من الدهر - وبالله التوفيق ؛ قال أبو محمد : وأما قول أبي حنيفة فما تعلق بما روي في ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ؛ لأن الرواية عن عمر رضي الله عنه بأن ما زاد على عشرين دينارا فإنه يزكى بالدراهم . وعن ابن مسعود : تزكية الذهب بالدراهم ، وهذا يخرج على قول الزهري ، وعطاء ، وما وجدنا عن أحد من الصحابة ولا من التابعين أن الوقص في الذهب يزكى بالذهب فخرج قوله عن أن يكون له سلف ؟ ونسألهم أيضا : من أين جعلتم الوقص في الذهب أربعة دنانير ؟ وليس هذا في شيء من الآثار التي احتججتم بها ؛ بل الأثر الذي روي عن علي في ذلك إلى النبي ﷺ بأن ما زاد على عشرين دينارا فإنه يزكى بالحساب ؛ وإنما جاء عن عمر في ذلك قول لا يصح ومع ذلك فقد خالفتموه ، ورأيتم تزكيته بالذهب ورآه هو بالورق بالقيمة ، وقد خالفه علي ، وابن عمر برواية أصح من الرواية عن عمر ؟ فلا ملجأ لهم إلا أن يقولوا : قسناه على الفضة ؟ قول علي : وهذا قياس والقياس كله باطل ؛ ثم لو صح القياس لكان هذا منه قياسا للخطأ على الخطأ وعلى أصل غير صحيح - ولم يأت به قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا إجماع من أن كل عشرة دراهم بإزاء دينار ، وإنما هو شيء قالوه في الزكاة ، والقطع في السرقة . والدية ، والصداق ، وكل ذلك خطأ منهم ، ليس شيء منه صحيحا على ما بيناه ونبين - إن شاء الله تعالى ؛ إذ ليس في شيء من ذلك قرآن ولا سنة صحيحة ولا إجماع - وبالله تعالى التوفيق وبالدليل الذي ذكرنا وجب أن لا يزكى الذهب إلا حتى يتم عند مالكه حولا كما قدمنا ؟ ثم استدركنا فرأينا أن حديث جرير بن حازم مسند صحيح لا يجوز خلافه وأن الاعتلال فيه بأن عاصم بن ضمرة ، أو أبا إسحاق ، أو جريرا خلط إسناد الحارث بإرسال عاصم - : هو الظن الباطل الذي لا يجوز ، وما علينا من مشاركة الحارث لعاصم ، ولا لإرسال من أرسله ؛ ولا لشك زهير فيه شيء وجرير ثقة ؛ فالأخذ بما أسنده لازم - وبالله تعالى التوفيق .