الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الرابعة والعشرون


كتاب الزكاة

678 - مسألة : قال مالك ، والليث ، وبعض أصحابنا : تزكى السوائم ، والمعلوفة ، والمتخذة للركوب ، وللحرث وغير ذلك ، من الإبل ، والبقر ، والغنم ؟ وقال بعض أصحابنا : أما الإبل فنعم ، وأما الغنم والبقر فلا زكاة إلا في سائمتها . وهو قول أبي الحسن بن المغلس . وقال بعضهم : أما الإبل ، والغنم فتزكى سائمتها وغير سائمتها ، وأما البقر فلا تزكى إلا سائمتها . وهو قول أبي بكر بن داود رحمه الله ؟ ولم يختلف أحد من أصحابنا في أن سائمة الإبل وغير السائمة منها تزكى سواء سواء . وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا زكاة إلا في السائمة من كل ذلك : وقال بعضهم : تزكى غير السائمة من كل ذلك مرة واحدة في الدهر ، ثم لا تعود الزكاة فيها . فاحتج أصحاب أبي حنيفة ، والشافعي ، بأن قالوا : قولنا قول جمهور السلف من الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم ؟ كما روينا من طريق سفيان ، ومعمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي : ليس على عوامل البقر صدقة ؟ وقد ذكرنا آنفا قول عمر رضي الله عنه : في أربعين من الغنم سائمة شاة إلى عشرين ومائة . وعن ليث عن طاوس عن معاذ بن جبل : ليس على عوامل البقر صدقة ؟ وعن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر : لا صدقة في المثيرة ولا يعرف عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم خلاف في ذلك ؟ وعن ابن جريج عن عطاء : لا صدقة في الحمولة ، والمثيرة ؟ وهو قول عمرو بن دينار ، وعبد الكريم والحمولة : هي الإبل الحمالة ، والمثيرة بقر الحرث ، قال تعالى : { لا ذلول تثير الأرض } . وعن سعيد بن جبير : ليس على ثور عامل ولا على جمل ظعينة صدقة ؟ وعن إبراهيم النخعي : ليس في عوامل البقر صدقة ؟ وعن مجاهد : من له أربعون شاة في مصر يحلبها فلا زكاة عليه فيها ، ولا صدقة في البقر العوامل ؟ وعن الزهري : ليس في السواني من البقر ، وبقر الحرث صدقة ، وفيما عداهما من البقر الصدقة كصدقة الإبل ، وأوجب الزكاة في عوامل الإبل ؟ وعن عمر بن عبد العزيز : ليس في الإبل والبقر العوامل صدقة ؟ وعن الحسن البصري : ليس في البقر العوامل والإبل العوامل صدقة . وعن موسى بن طلحة بن عبيد الله : ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وعن سعيد بن عبد العزيز ليس في البقر الحرث صدقة ؟ وعن الحكم بن عتيبة . ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وعن طاوس : ليس في عوامل البقر ، والإبل صدقة ، إلا في السوائم خاصة ؟ وعن الشعبي : ليس في البقر العوامل صدقة ؟ وهو أيضا قول شهر بن حوشب والضحاك ؟ وعن ابن شبرمة : ليس في الإبل العوامل صدقة . وقال الأوزاعي : لا زكاة في البقر العوامل ، وأوجبها في الإبل العوامل . وقال سفيان : لا زكاة في غير السائمة من الإبل والبقر والغنم ، ولا زكاة في الغنم المتخذة للذبح - وذكر له قول مالك في إيجاب الزكاة في ذلك ، فعجب ، وقال : ما ظننت أن أحدا يقول هذا ؟ وهو قول أبي عبيد ، وغيره وروينا عن عمر بن عبد العزيز ، وقتادة وحماد بن أبي سليمان إيجاب الزكاة في الإبل العوامل ؟ وعن يحيى بن سعيد الأنصاري إيجاب الزكاة في كل غنم ، وبقر ، وإبل ، سائمة ؛ أو غير سائمة ؟ واحتجوا بأنه قد صح عن النبي ﷺ : في سائمة الغنم قالوا : ولا يجوز أن يقول عليه السلام كلاما لا فائدة فيه ؛ فدل أن غير السائمة بخلاف السائمة . وقد جاء في بعض الآثار : " في سائمة الإبل " قالوا : فقسنا سائمة البقر على ذلك ؟ وقالوا : إنما جعلت الزكاة فيما فيه النماء ؛ وأما فيما فيه الكلفة فلا ، ما نعلم لهم شيئا شغبوا به غير ما ذكرنا ؟ واحتج أصحابنا في تخصيص عوامل البقر خاصة بأن الأخبار في البقر لم تصح ؛ فالواجب أن لا تجب الزكاة فيها إلا حيث اجتمع على وجوب الزكاة فيها ؛ لم يجمع على وجوب الزكاة فيها في غير السائمة ؟ واحتج من رأى الزكاة في غير السائمة مرة في الدهر بأن قال : قد صحت الزكاة فيها بالنص المجمل ، ولم يأت نص بأن تكرر الزكاة فيها في كل عام ، فوجب تكرر الزكاة في السائمة بالإجماع المتيقن ؛ ولم يجب التكرار في غير السائمة ، لا بنص ولا بإجماع ؟ قال أبو محمد : أما حجة من احتج بكثرة القائلين بذلك ؛ وبأنه قول أربعة من الصحابة رضي الله عنهم لا يعرف منهم مخالف - : فلا حجة في قول أحد دون رسول الله ﷺ . ثم نقول للحنفيين ، والشافعيين في احتجاجهم بهذه القضية فإن الحنفيين نسوا أنفسهم في هذه القصة ، إذ قالوا بزكاة خمسين بقرة ببقرة وربع ، ولا يعرف ذلك عن أحد من الصحابة ولا من غيرهم إلا عن إبراهيم ، وتقسيمهم في الميتات تقع في البئر فتموت فيه ، فلا يعرف أن أحدا قسمه قبلهم ، وتقديرهم المسح في الرأس بثلاث أصابع مرة وبربع الرأس مرة ولا يعرف هذا الهوس عن أحد قبلهم ، ولوددنا أن نعرف بأي الأصابع هي ؟ أم بأي خيط يقدر ربع الرأس ؟ وإجازتهم الاستنجاء بالروث ؛ ولا يعرف أن أحدا أجازه قبلهم ، وتقسيمهم فيما ينقض الوضوء مما يخرج من الجوف ولا يعرف عن أحد قبلهم ، وقولهم في صفة صدقة الخيل ، ولا يعرف عن أحد قبلهم ، ومثل هذا كثير جدا ؛ وخلافهم لكل رواية جاءت عن أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب ، ولا مخالف له يعرف من الصحابة ، وخلافهم عمر بن الخطاب ، وأبو حثمة ، وابنه سهل بن أبي حثمة في ترك ما يأكله المخروص عليه من التمر ، ومعهم جميع الصحابة بيقين ، لا مخالف لهم في ذلك منهم - ومثل هذا كثير جدا وكذلك نسي الشافعيون أنفسهم في تقسيمهم ما تؤخذ منه الزكاة مما يخرج من الأرض ولا يعرف عن أحد قبل الشافعي ، وتحديدهم ما ينجس من الماء مما لا ينجس بخمسمائة رطل بغدادية وما يعرف عن أحد قبلهم ، وخلافهم جابر بن عبد الله فيما سقي بالنضح وبالعين أنه يزكى على الأغلب ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ، ومثل هذا كثير جدا لهم وأما احتجاجهم بما جاء في بعض الأخبار من ذكر السائمة ، فنعم ، صح هذا اللفظ في حديث أنس عن أبي بكر رضي الله عنه في الغنم خاصة ؟ فلو لم يأت غير هذا الخبر لوجب أن لا يزكى غير السائمة ؛ لكن جاء في حديث ابن عمر - كما أوردنا قبل - إيجاب الزكاة في الغنم جملة ، فكان هذا زائدا على ما في حديث أبي بكر ، والزيادة لا يجوز تركها . وأما الخبر في سائمة الإبل فلا يصح ؛ لأنه لم يرد إلا في خبر بهز بن حكيم فقط . ثم لو صح لكان ما في حديث أبي بكر وابن عمر زيادة حكم عليه والزيادة لا يحل خلافها ؟ ولا فرق بين هذا وبين قول الله تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا } مع قوله تعالى : { حرمت عليكم الميتة والدم } فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية . قوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } مع قوله تعالى : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم } فكان هذا زائدا على ما في تلك الآية ؟ وهلا استعمل الحنفيون والشافعيون هذا العمل حيث كان يلزمهم استعماله من قوله تعالى : { ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } فقالوا : وكذلك من قتله مخطئا ؟ ولعمري إن قياس غير السائمة على السائمة لأشبه من قياس قاتل الخطأ على قاتل العمد وحيث قال الله تعالى : { وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } فقالوا : نعم ، وإن لم يكن في حجورنا ومثل هذا كثير جدا ، لا يتثقفون فيه إلى أصل فمرة يمنعون من تعدى ما في النص حيث جاء نص آخر بزيادة عليه ، ومرة يتعدون النص حيث لم يأت نص آخر بزيادة عليه فهم أبدا يعكسون الحقائق . ولو أنهم أخذوا بجميع النصوص ، ولم يتركوا بعضها لبعض ، ولم يتعدوها إلى ما لا نص فيه - : لكان أسلم لهم من النار والعار ؟ وأما قولهم : إن الزكاة إنما جعلت على ما فيه النماء ؛ فباطل ، والزكاة واجبة في الدراهم والدنانير ، ولا تنمي أصلا ، وليست في الحمير ، وهي تنمي ، ولا في الخضر عند أكثرهم ، وهي تنمي ؟ وأيضا فإن العوامل من البقر ، والإبل تنمي أعمالها وكراؤها ، وتنمي بالولادة أيضا ؟ فإن قالوا : لها مؤنة في العلف ؟ قلنا : وللسائمة مؤنة الراعي وأنتم لا تلتفتون إلى عظيم المؤنة والنفقة في الحرث ، وإن استوعبته كله ؛ بل ترون الزكاة فيه ، ولا تراعون الخسارة في التجارة ، بل ترون الزكاة فيها فسقط هذا القول جملة - وبالله تعالى التوفيق ؟ وأما من خص من أصحابنا البقر بأن لا تزكى إلا سائمتها فقط فإنهم قالوا : قد صح عن النبي ﷺ زكاة الإبل والغنم عموما ، وحد زكاتها ، ومن كم تؤخذ الزكاة منها : فلم يجز أن يخص أمره ﷺ برأي ولا بقياس . وأما البقر فلم يصح في صفة زكاتها ، فوجب أن لا تجب الزكاة إلا في بقر صح الإجماع على وجوب الزكاة فيها ، ولا إجماع إلا في السائمة ؛ فوجبت الزكاة فيها ، دون غيرها التي لا إجماع فيها ؟ قال أبو محمد : وهذا خطأ ؛ بل قد صح عن النبي ﷺ إيجاب الزكاة في البقر ، بقوله عليه السلام الذي قد أوردناه قبل بإسناده - : { ما من صاحب إبل ولا بقر لا يؤدي زكاتها إلا فعل به كذا } . فصح بالنص وجوب الزكاة في البقر جملة ؛ إلا أنه لم يأت نص في العدد الذي تجب فيه الزكاة منها ، ولا كم يؤخذ منها ، ففي هذين الأمرين يراعى الإجماع ، وأما تخصيص بقر دون بقر فهو تخصيص للثابت عنه عليه السلام من إيجابه الزكاة في البقر بغير نص : وهذا لا يجوز ولا فرق بين من أسقط الزكاة عن غير السائمة بهذا الدليل وبين من أسقطها عن الذكور بهذا الدليل نفسه ، فقد صح الخلاف في زكاتها ؟ - : كما حدثنا حمام قال ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن المغيرة هو ابن مقسم الضبي - عن إبراهيم النخعي قال : ليس في شيء من السوائم صدقة إلا إناث الإبل ، وإناث البقر ، والغنم ؟ قال أبو محمد : ولا يقول بهذا أحد من أصحابنا ، ولا الحنفيون ، ولا المالكيون ، ولا الشافعيون ، ولا الحنبليون ؛ ولا يجوز القول به أصلا ؛ لأنه تحكم بلا برهان فوجبت بالنص الزكاة في كل بقر ، أي صفة من صفات البقر كانت ، سائمة أو غير سائمة ، إلا بقرا خصها نص أو إجماع ؟ وأما العدد ، والوقت ، وما يؤخذ منها فلا يجوز القول به إلا بإجماع متيقن أو بنص صحيح - وبالله تعالى التوفيق . وأما من قال في السائمة بعودة الزكاة فيها كل عام ، ورأى الزكاة في غير السائمة مرة في الدهر - : فإنه احتج بأن الزكاة واجبة في البقر بالنص الذي أوردنا ؛ ولم يأت بتكرار الزكاة في كل عام نص ؛ فلا تجوز عودة الزكاة في مال قد زكي ، إلا بالإجماع ؛ وقد صح الإجماع بعودة الزكاة في البقر ، والإبل ، والغنم السائمة كل عام ، فوجب القول بذلك ، ولا نص ولا إجماع في عودتها في غير السائمة منها كلها ؛ فلا يجب القول بذلك ؟ قال أبو محمد : كان هذا قولا صحيحا لولا أنه قد ثبت { أن رسول الله ﷺ كان يبعث المصدقين في كل عام لزكاة الإبل ، والبقر ، والغنم } هذا أمر منقول نقل الكافة ؛ وقد صح { عن النبي ﷺ ارضوا مصدقيكم } فإذ قد صح هذا بيقين ؛ فخروج المصدقين في كل عام موجب أخذ الزكاة في كل عام بيقين ؛ فإذ لا شك في ذلك ، فتخصيص بعض ما وجبت فيه الزكاة عاما بأن لا يأخذ منه المصدق الزكاة عاما ثانيا تخصيص للنص . وقول بلا برهان ؛ وإنما يراعى مثل هذا فيما لا نص فيه وبالله تعالى التوفيق .

679 - مسألة : وفرض على كل ذي إبل ، وبقر ، وغنم أن يحلبها يوم وردها على الماء ، ويتصدق من لبنها بما طابت به نفسه - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الحكم بن نافع هو أبو اليمان ثنا شعيب هو ابن أبي حمزة ثنا أبو الزناد أن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله ﷺ : { تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت ، إذا هو لم يعط فيها حقها ، تطؤه بأخفافها ، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت ، إذا لم يعط فيها حقها ، تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها ، قال : ومن حقها أن تحلب على الماء } . قال أبو محمد : ومن قال : إنه لا حق في المال غير الزكاة فقد قال : الباطل ، ولا برهان على صحة قوله ، لا من نص ولا إجماع ، وكل ما أوجبه رسول الله ﷺ في الأموال فهو واجب ؟ ونسأل من قال هذا : هل تجب في الأموال كفارة الظهار والأيمان وديون الناس أم لا ؟ فمن قولهم : نعم ، وهذا تناقض منهم . وأما إعارة الدلو وإطراق الفحل فداخل تحت قول الله تعالى : { ويمنعون الماعون } .

680 - مسألة : الأسنان المذكورات في الإبل - : بنت المخاض : هي التي أتمت سنة ودخلت في سنتين ، سميت بذلك لأن أمها ماخض ؛ أي قد حملت فإذا أتمت سنتين ودخلت في الثالثة فهي بنت لبون وابن لبون ، لأن أمها قد وضعت فلها لبن ، فإذا أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة فهي حقة ، لأنها قد استحقت أن يحمل عليها الفحل ، والحمل ؛ فإذا أتمت أربع سنين ودخلت في الخامسة فهي جذعة ؛ فإذا أتمت خمس سنين ودخلت في السادسة فهي ثنية . ولا يجوز في الصدقة وهو ما لم يتم سنة وهو فصيل لا يجوز في الصدقة . حدثنا بهذه الأسماء وتفسيرها عبد الله بن ربيع : ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود بذلك كله ، عن أبي حاتم السجستاني ، والعباس بن الفرج الرياشي ، وعن أبي داود المصاحفي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى

681 - مسألة : والخلطة في الماشية أو غيرها لا تحيل حكم الزكاة ، ولكل أحد حكمه في ماله ، خالط أو لم يخالط لا فرق بين شيء من ذلك ؟ حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب أنا عبيد الله بن فضالة أنا سريج بن النعمان ثني حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك عن أنس بن مالك : أن أبا بكر الصديق كتب له " أن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين التي أمر الله بها رسول الله ﷺ " فذكر الحديث ، وفي آخره { ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية } . قال أبو محمد : فاختلف الناس في تأويل هذا الخبر ؟ فقالت طائفة : إذا تخالط اثنان فأكثر في إبل ، أو في بقر ، أو في غنم ، فإنهم تؤخذ من ماشيتهم ، الزكاة كما كانت تؤخذ لو كانت لواحد ، والخلطة عندهم أن تجتمع الماشية في : الراعي ، والمراح ، والمسرح ، والمسقى ، ومواضع الحلب : عاما كاملا متصلا وإلا فليست خلطة ، وسواء كانت ماشيتهم مشاعة لا تتميز ، أو متميزة ، وزاد بعضهم : الدلو ، والفحل قال أبو محمد : وهذا القول مملوء من الخطأ ؟ أول ذلك : أن ذكرهم الراعي كان يغني عن ذكر المسرح ، والمسقى ؛ لأنه لا يمكن ألبتة أن يكون الراعي واحدا وتختلف مسارحها ومساقيها ؛ فصار ذكر المسرح والمسقى فضولا وأيضا - فإن ذكر الفحل خطأ ، لأنه قد يكون لإنسان واحد فحلان وأكثر ؛ لكثرة ماشيته ، وراعيان وأكثر لكثرة ماشيته ؛ فينبغي على قولهم - إذا أوجب اختلاطهما في الراعي ، والعمل - : أن يزكيها ، زكاة المنفرد ، وأن لا تجمع ماشية إنسان واحد إذا كان له فيها راعيان فحلان ، وهذا لا تخلص منه ؟ ونسألهم إذا اختلطا في بعض هذه الوجوه : ألهما حكم الخلطة أم لا ؟ فأي ذلك قالوا فلا سبيل أن يكون قولهم إلا تحكما فاسدا بلا برهان ، وما كان هكذا فهو باطل بلا شك - وبالله تعالى التوفيق . ثم زادوا في التحكم فرأوا في جماعة لهم خمسة من الإبل ، أو أربعون من الغنم ، أو ثلاثون من البقر - بينهم كلهم - : أن الزكاة مأخوذة منها ، وأن ثلاثة لو ملك كل واحد منهم أربعين شاة - وهم خلطاء فيها - : فليس عليهم إلا شاة واحدة فقط ، كما لو كانت لواحد ، وقالوا : إن خمسة لكل واحد منهم خمسة من الإبل - تخالطوا بها عاما - فليس فيها إلا بنت مخاض وهكذا في جميع صدقات المواشي . وهذا قول الليث بن سعد ، وأحمد بن حنبل ، والشافعي ، وأبي بكر بن داود فيمن وافقه من أصحابنا . حتى أن الشافعي رأى حكم الخلطة جاريا كذلك في الثمار ، والزرع ، والدراهم ، والدنانير - فرأى في جماعة بينهم خمسة أوسق فقط أن الزكاة فيها ، وأن جماعة يملكون مائتي درهم فقط أو عشرين دينارا فقط - وهم خلطاء فيها - أن الزكاة واجبة في ذلك ، ولو أنهم ألف أو أكثر أو أقل ؟ وقالت طائفة : إن كان يقع لكل واحد من الخلطاء ما فيه الزكاة زكوا حينئذ زكاة المنفرد ، وإن كان لا يقع لكل واحد منهم ما فيه الزكاة فلا زكاة عليهم ، ومن كان منهم يقع له ما فيه الزكاة فعليه الزكاة ، ومن كان غيره منهم لا يقع له ما فيه الزكاة فلا زكاة عليه . فرأي هؤلاء في اثنين - فصاعدا - يملكان أربعين شاة ، أو ستين أو ما دون الثمانين ، أو ثلاثين من البقر أو ما دون الستين ، وكذلك في الإبل - : فلا زكاة عليهم ؛ فإن كان ثلاثة يملكون مائة وعشرين شاة ، لكل واحد منهم ثلثها ، فليس عليهم إلا شاة واحدة فقط ، وهكذا في سائر المواشي ولم ير هؤلاء حكم الخلطة إلا في المواشي فقط وهو قول الأوزاعي ، ومالك ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، وأبي الحسن بن المغلس من أصحابنا ؟ وقالت طائفة : لا تحيل الخلطة حكم الزكاة أصلا ، لا في الماشية ، ولا في غيرها ؛ وكل خليط ليزكي ما معه كما لو لم يكن خليطا ، ولا فرق ، فإن كان ثلاثة خلطاء لكل واحد أربعون شاة فعليهم ثلاث شياه ، على كل واحد منهم شاة ، وإن كان خمسة لكل واحد منهم خمس من الإبل وهم خلطاء فعلى كل واحد شاة ، وهكذا القول في كل شيء . وهو قول سفيان الثوري ، وأبي حنيفة ، وشريك بن عبد الله ، والحسن بن حي ؟ قال أبو محمد : لم نجد في هذه المسألة قولة لأحد من الصحابة ، ووجدنا أقوالا عن عطاء وطاووس ، وابن هرمز ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والزهري ، فقط روينا عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس أنه كان يقول : إذا كان الخليطان يعلمان أموالهما فلا تجمع أموالهما في الصدقة . قال ابن جريج : فذكرت هذا لعطاء من قول طاووس فقال : ما أراه إلا حقا ، وروينا عن معمر عن الزهري قال : إذا كان راعيهما واحدا ، وكانت ترد جميعا - وتروح جميعا - صدقت جميعا ؟ ومن طريق ابن وهب عن الليث عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال : إن الإبل إذا جمعها الراعي والفحل والحوض تصدق جميعا ثم يتحاص أصحابها على عدة الإبل في قيمة الفريضة التي أخذت من الإبل ، فإن كان استودعه إياها لا يريد مخالطته ولا وضعها عنده يريد نتاجها - فإن تلك تصدق وحدها ؟ وعن ابن هرمز مثل قول مالك ؟ قال أبو محمد : احتجت كل طائفة لقولها بحكم رسول الله ﷺ الذي صدرنا به - : فقال من رأى أن الخلطة تحيل الصدقة وتجعل مال الاثنين فصاعدا بمنزلة كما ] لو أنه لواحد - : أن معنى قوله عليه السلام { لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة } أن معنى ذلك هو أن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة ، لكل واحد منهما ثلثها : وهم خلطاء ؛ فلا يجب عليهم كلهم إلا شاة واحدة ، فنهى المصدق أن يفرقها ليأخذ من كل واحد شاة فيأخذ ثلاث شياه ، والرجلان يكون لهما مائتا شاة وشاتان ، لكل واحد نصفها ، فيجب عليهما ثلاث شياه فيفرقانها خشية الصدقة ؛ فيلزم كل واحد منهما شاة ، فلا يأخذ المصدق إلا شاتين ؟ وقالوا : معنى قوله عليه السلام { كل خليطين يتراجعان بينهما بالسوية } هو أن يعرفا أخذ الساعي فيقع على كل واحد حصته على حسب عدد ماشيته كاثنين لأحدهما أربعون شاة وللآخر ثمانون وهما خليطان ، فعليهما شاة واحدة ، على صاحب الثمانين ثلثاها وعلى صاحب الأربعين ثلثها وقال من رأى أن الخلطة لا تحيل حكم الصدقة : معنى قوله ﷺ : { لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة } هو أن يكون لثلاثة مائة وعشرون شاة ، لكل واحد ثلثها ، فيجب على كل واحد شاة ، فنهوا عن جمعها وهي متفرقة في ملكهم تلبيسا على الساعي أنها لواحد فلا يأخذ إلا واحدة ، والمسلم يكون له مائتا شاة وشاتان فيجب عليه ثلاث شياه ، فيفرقها قسمين ويلبس على الساعي أنها لاثنين ، لئلا يعطي منها إلا شاتين ، وكذلك نهى المصدق أيضا عن أن يجمع على الاثنين - فصاعدا - ما لهم ليكثر ما يأخذ ، وعن أن يفرق مال الواحد في الصدقة ، وإن وجده في مكانين متباعدين ليكثر ما يأخذ وقالوا : ومعنى قوله عليه السلام : { كل خليطين يترادان بينهما بالسوية } هو أن الخليطين في اللغة التي بها خاطبنا عليه السلام - هما ما اختلط مع غيره فلم يتميز ؛ ولذلك سمي الخليطان من النبيذ بهذا الاسم ، وأما ما لم يختلط غيره فليسا خليطين ، هذا ما لا شك فيه ، قالوا : فليس الخليطان في المال إلا الشركين فيه اللذين لا يتميز مال أحدهما من الآخر ، فإن تميز فليسا خليطين ، قالوا : فإذا كان خليطان كما ذكرنا وجاء المصدق ففرض عليه أن يأخذ من جملة المال الزكاة الواجبة على كل واحد منهما في ماله ، وليس عليه أن ينتظر قسمتها لمالهما ، ولعلهما لا يريدان القسمة ، وإن كانا حاضرين فليس له أن يجبرهما على القسمة ، فإذا أخذ زكاتيهما فإنهما يترادان بالسوية ؛ كائنين لأحدهما ثمانون شاة وللآخر أربعون ، وهما شريكان في جميعها ، فيأخذ المصدق شاتين ؛ وقد كان لأحدهما ثلثا كل شاة منهما وللآخر ثلثها ، فيترادان بالسوية فيبقى لصاحب الأربعين تسع وثلاثون ، ولصاحب الثمانين تسع وسبعون ؟ قال أبو محمد : فاستوت دعوى الطائفتين في ظاهر الخبر ، ولم تكن لإحداهما مزية على الأخرى في الخبر المذكور فنظرنا في ذلك فوجدنا تأويل الطائفة التي رأت أن الخلطة لا تحيل حكم الزكاة أصح ؛ لأن كثيرا من تفسيرهم المذكور متفق من جميع أهل العلم على صحته ، وليس شيء من تفسير الطائفة الأخرى مجمعا عليه ؛ فبطل تأويلهم لتعريه من البرهان ؛ وصح تأويل الأخرى لأنه لا شك في صحة ما اتفق عليه ، ولا يجوز أن يضاف إلى رسول الله ﷺ قول لا يدل على صحته نص ولا إجماع ؛ فهذه حجة صحيحة ؟ ووجدنا أيضا الثابت عن رسول الله ﷺ قوله : { وليس فيما دون خمس ذود صدقة } وأن من لم يكن له إلا أربع من الإبل فلا صدقة عليه { وليس فيما دون أربعين شاة شيء } وسائر ما نصه عليه السلام في صدقة الغنم ، والإبل ، من أن في أربعين شاة شاة ، وفي خمس وعشرين [ من الإبل ] بنت مخاض ، وغير ذلك ، ووجدنا من لم يحل بالخلطة حكم الزكاة قد أخذ بجميع هذه النصوص ولم يخالف شيئا منها ، ووجدنا من أحال بالخلطة حكم الزكاة يرى هذه النصوص ولم يخالف شيئا منها ووجدنا من أحال بالخلطة حكم الزكاة يرى في خمسة لكل واحد منهم خمس من الإبل أن على كل واحد منهم خمس بنت مخاض ، وأن ثلاثة لهم مائة وعشرون شاة على السواء بينهم أن على كل امرئ منهم ثلث شاة ، وأن عشرة رجال لهم خمس من الإبل بينهم ، فإن بعضهم يوجب على كل واحد منهم عشر شاة وهذه زكاة ما أوجبها الله تعالى قط ؛ وخلاف لحكمه تعالى وحكم رسوله ﷺ . وسألناهم عن إنسان له خمس من الإبل ، خالط بها صاحب خمس من الإبل في بلد ، وله أربع من الإبل خالط بها صاحب أربع وعشرين في بلد آخر ، وله ثلاث من الإبل ، خالط بها صاحب خمس وثلاثين في بلد ثالث ؟ فما علمناهم أتوا في ذلك بحكم يعقل أو يفهم وسؤالنا إياهم في هذا الباب يتسع جدا ؛ فلا سبيل لهم إلى جواب يفهمه أحد ألبتة ، فنبهنا بهذا السؤال على ما زاد عليه . وقال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } . ومن رأى حكم الخلطة يحيل الزكاة فقد جعل زيدا كاسبا على عمرو ، وجعل لمال أحدهما حكما في مال الآخر ؛ وهذا باطل وخلاف للقرآن والسنن . وما عجز رسول الله ﷺ قط - وهو المفترض عليه البيان لنا - عن أن يقول : المختلطان في وجه كذا ووجه كذا [ يزكيان ] زكاة المنفرد ، فإذ لم يقله فلا يجوز القول به ؟ وأيضا - فإن قولهم بهذا الحكم إنما هو فيما اختلط في الدلو ، والراعي ، والمراح ، والمحتلب - : تحكم بلا دليل أصلا ، لا من سنة ولا من قرآن ولا قول صاحب ولا من قياس ، ولا من وجه يعقل ، وبعضهم اقتصر على بعض الوجوه بلا دليل وليت شعري : أمن قوله عليه السلام مقصورا على الخلطة في هذه الوجوه دون أن يريد به الخلطة في المنزل ، أو في الصناعة ، أو في الشركة في الغنم كما قال طاوس وعطاء ؟ وفي هذا كفاية فإن ذكروا ما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا أبو الأسود هو النضر بن عبد الجبار مصري - ثنا ابن لهيعة عن يحيى بن سعيد أنه كتب إليه : أنه سمع السائب بن يزيد يقول : إنه سمع سعد بن أبي وقاص يحدث عن رسول الله ﷺ أنه قال : { الخليطان ما اجتمع على الفحل ، والمرعى ، والحوض } . قلنا : هذا لا يصح ؛ لأنه عن ابن لهيعة . ثم لو صح فما خالفناكم في أن ما اجتمع على فحل ، ومرعى ، وحوض : أنهما خليطان في ذلك ؛ وهذا حق لا شك فيه ؛ ولكن ليس فيه إحالة حكم الزكاة المفترضة بذلك ولو وجب بالاختلاط في المرعى إحالة حكم الزكاة لوجب ذلك في كل ماشية في الأرض ، لأن المراعي متصلة في أكثر الدنيا ، إلا أن يقطع بينهما بحر ، أو نهر ، أو عمارة وأيضا - فليس في هذا الخبر ذكر لتخالطهما بالراعي ، وهو الذي عول عليه مالك ، والشافعي ؛ وإلا فقد يختلط في المسقى ، والمرعى ، والفحل : أهل الحلة كلهم ، وهما لا يريان ذلك خلطة تحيل حكم الصدقة ؟ وزاد ابن حنبل : والمحتلب . وقال بعضهم : إن اختلطا أكثر الحول كان لهما حكم الخلطة وهذا تحكم بارد ونسألهم عمن خالط آخر ستة أشهر ؟ فبأي شيء أجابوا فقد زادوا في التحكم بلا دليل ولم يكونوا بأحق بالدعوى من غيرهم ؟ وأما قول مالك فظاهر الحوالة جدا ؛ لأنه خص بالخلطة المواشي ، فقط ، دون الخلطة في الثمار ، والزرع والناض ، وليس هذا التخصيص موجودا في الخبر فإن قال : إن النبي ﷺ إنما قال ذلك بعقب ذكره حكم الماشية ؟ قلنا : فكان ماذا ؟ فإن كان هذا حجة لكم فاقتصروا بحكم الخلطة على الغنم فقط لأنه عليه السلام لم يقل ذلك إلا بعقب ذكر زكاة الغنم ؛ وهذا ما لا مخلص منه ؟ فإن قالوا : قسنا الإبل ، والبقر ، على الغنم ؟ قيل لهم : فهلا قستم الخلطة في الزرع والثمرة على الخلطة في الغنم ؟ وأيضا : فإن مالكا استعمل إحالة الزكاة بالخلطة في النصاب [ فزائدا ] ولم يستعمله في عموم الخلطة كما فعل الشافعي ، وهذا تحكم ودعوى بلا برهان ؛ وإن كان فر عن إحالة النص في أن لا زكاة فيما دون النصاب - : فقد وقع فيه فيما فوق النصاب ، ولا فرق بين الإحالتين - وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : وأما أبو حنيفة وأصحابه فإنهم يشنعون بخلاف الجمهور إذا وافق تقليدهم ؛ وهم هنا قد خالفوا خمسة من التابعين ، لا يعلم لهم - من طبقتهم ولا ممن قبلهم - مخالف وهذا عندنا غير منكر ؛ لكن أوردناه لنريهم تناقضهم ، واحتجاجهم بشيء لا يرونه حجة إذا خالف أهواءهم وموهوا أيضا بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا وهب بن مسرة ثنا محمد بن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يزيد بن هارون عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه حكيم عن معاوية بن حيدة قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون ، لا تفرق إبل عن حسابها ، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ، عزمة من عزمات ربنا ؛ لا يحل لآل محمد منها شيء ، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله } قالوا : فمن أخذ الغنم من أربعين ناقة لثمانية شركاء ؛ لكل واحد منهم خمس ، فقد فرقها عن حسابها ، ولم يخص عليه السلام ملك واحد من ملك جماعة ؟ قال أبو محمد : فنقول لهم وبالله تعالى نتأيد : إن كل هذا الخبر عندكم حجة فخذوا بما فيه ، من أن مانع الزكاة تؤخذ منه وشطر إبله زيادة ؟ فإن قلتم : هذا منسوخ ؟ قلنا لكم : هذه دعوى بلا حجة ، لا يعجز عن مثلها خصومكم ، فيقولوا لكم والذي تعلقتم به منه منسوخ وإن كان المشغب به مالكيا ؟ قلنا لهم : فإن كان شريكه مكاتبا أو نصرانيا فإن قالوا : هذا قد خصته أخبار أخر ؟ قلنا : وهذا نص قد خصته أخبار أخر ، وهي أن لا زكاة في أربع من الإبل فأقل ، وأن في كل خمس شاة إلى أربع وعشرين . ثم نقول ؛ هذا خبر لا يصح . لأن بهز بن حكيم غير مشهور العدالة ، ووالده حكيم كذلك . فكيف ولو صح هذا الخبر لما كان لهم فيه حجة ؛ لأنه ليس فيه أن حكم المختلطين حكم الواحد ؛ ولا يجوز أن يجمع مال إنسان إلى مال غيره في الزكاة ، ولا أن يزكى مال زيد بحكم مال عمرو ؛ لقول الله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فلو صح لكان معناه بلا شك فيما جاوز العشرين ومائة من الإبل ؛ لمخالفة جميع الأخبار أولها عن آخرها ؛ لما خالف هذا العمل لإجماعهم وإجماع الأخبار على أن في ست وأربعين من الإبل حقة لا بنت لبون ؛ ولسائر ذلك من الأحكام التي ذكرنا وأيضا : أنه ليس في هذا الخبر إلا الإبل فقط ؛ نقلهم حكم الخلطة إلى الغنم ، والبقر : قياس ، والقياس كله باطل ؛ ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ؛ لأنه ليس نقل هذا الحكم عن الإبل إلى البقر والغنم بأولى من نقله إلى الثمار والحبوب والعين . وكل ذلك دعوى في غاية الفساد - وبالله تعالى التوفيق . ولأبي حنيفة هاهنا تناقض طريف ؛ وهو أنه قال في شريكين في ثمانين شاة لكل واحد منهما نصفها : إن عليهما شاتين بينهما ؛ وأصاب في هذا . ثم قال في ثمانين شاة لرجل واحد نصفها ونصفها الثاني لأربعين رجلا : إنه لا زكاة فيها أصلا ، لا على الذي يملك نصفها ، ولا على الآخرين ؛ واحتج في إسقاطه الزكاة عن صاحب الأربعين بأن تلك التي بين اثنين يمكن قسمتها وهذه لا يمكن قسمتها ؟ فجمع كلامه هذا : أربعة أصناف من فاحش الخطأ ؟ أحدها - إسقاطه الزكاة عن مالك أربعين شاة هاهنا ؟ والثاني - إيجابه الزكاة على مالك أربعين في المسألة الأخرى ؛ ففرق بلا دليل والثالث - احتجاجه في إسقاطه الزكاة هنا بأن القسمة تمكن هنالك : ولا تمكن هاهنا ؛ فكان هذا عجبا ؟ وما ندري للقسمة وإمكانها . أو تعذر إمكانها مدخلا في شيء من أحكام الزكاة ؟ والرابع - أنه قد قال الباطل ؛ بل إن كانت القسمة هنالك ممكنة فهي هاهنا ممكنة ، وإن كانت هاهنا متعذرة فهي هنالك متعذرة ؛ فاعجبوا لقوم هذا مقدار فهمهم ؟ قال أبو محمد : فإذا قال قائل : فأنتم توجبون الزكاة على الشريك في الماشية إذا ملك ما فيه الزكاة في حصته ، وتوجبونها على الشريكين في الرقيق في زكاة الفطر ، وتقولون فيمن له نصف عبد مع آخر ونصف عبد آخر مع آخر ، فأعتق النصفين - : إنه لا يجزئانه عن رقبة واجبة ؛ ومن له نصف شاة مع إنسان ، ونصف شاة أخرى مع آخر فذبحهما - : إنه لا يجزئه ذلك عن هدي واجب فكيف هذا ؟ قلنا : نعم ، لأن رسول الله ﷺ قال : { ليس على المسلم في فرسه وعبده صدقة إلا صدقة الفطر في الرقيق } فقلنا بعموم هذه اللفظة . وقال عليه السلام : { كل خليطين فإنهما يترادان بينهما بالسوية } فقلنا بذلك ، وأوجب رقبة وهدي شاة ولا يسمى نصفا عبدين : رقبة ؛ ولا نصفا شاة : شاة - وبالله تعالى التوفيق .