→ كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) | ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 673) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الزكاة (مسألة 674) ← |
كتاب الزكاة
673 - مسألة : الجواميس صنف من البقر يضم بعضها إلى بعض . ثم اختلف الناس : فقالت طائفة : لا زكاة في أقل من خمسين من البقر ذكورا أو إناثا ، أو ذكورا ، وإناثا ، فإذا تمت خمسون رأسا من البقر وأتمت في ملك صاحبها عاما قمريا متصلا كما قدمنا - : ففيها بقرة ، إلى أن تبلغ مائة من البقر ، فإذا بلغتها وأتمت كذلك عاما قمريا ففيها بقرتان ، وهكذا أبدا ، في كل خمسين من البقر بقرة ، ولا شيء زائد في الزيادة حتى تبلغ خمسين ؛ ولا يعد فيها ما لم يتم حولا كما ذكرنا . وقالت طائفة : في خمس من البقر شاة ، وفي عشر شاتان ؛ وفي خمس عشرة ثلاث شياه : وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين من البقر بقرة . حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن قال : في كتاب عمر بن الخطاب أن البقر يؤخذ منها ما يؤخذ من الإبل ، يعني في الزكاة ، قال : وقد سئل عنها غيرهم ؟ فقالوا : فيها ما في الإبل . يزيد هذا هو يزيد بن هارون أو ابن زريع . حدثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري وقتادة كلاهما عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : في كل خمس من البقر شاة ؛ وفي عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه . قال الزهري : فرائض البقر مثل فرائض الإبل ، غير الأسنان فيها ، فإذا كانت البقر خمسا وعشرين ففيها بقرة إلى خمس وسبعين ، فإذا زادت على خمس وسبعين ففيها بقرتان إلى مائة وعشرين فإذا زادت على مائة وعشرين ففي كل أربعين بقرة . قال الزهري : وبلغنا أن قولهم : قال النبي ﷺ : { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين بقرة } أن ذلك كان تخفيفا لأهل اليمن ، ثم كان هذا بعد ذلك لا يروى - : حدثنا حمام ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا عبد الله بن يونس ثنا بقي بن مخلد ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الأعلى عن داود عن عكرمة بن خالد قال : استعملت على صدقات عك ، فلقيت أشياخا ممن صدق على عهد رسول الله ﷺ فاختلفوا علي ، فمنهم من قال : اجعلها مثل صدقة الإبل ، ومنهم من قال : في ثلاثين تبيع ، ومنهم من قال : في أربعين بقرة مسنة - : حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا همام بن يحيى عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، وأبي قلابة وآخر قالوا : صدقات البقر كنحو صدقات الإبل ، في كل خمس شاة ، وفي كل عشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بقرة مسنة إلى خمس وسبعين ، فإن زادت فبقرتان مسنتان إلى عشرين ومائة ، فإذ زادت ففي كل أربعين بقرة بقرة مسنة - : ورويناه أيضا من طريق محمد بن المثنى عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب كما ذكرنا سواء سواء - : حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد ثنا عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن خالد الفهمي عن الزهري عن عمر بن عبد الرحمن بن خلدة الأنصاري أن صدقة البقر صدقة الإبل ، غير أنه لا أسنان فيها . فهؤلاء كتاب عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله ، وجماعة أدوا الصدقات على عهد رسول الله ﷺ ومن التابعين : سعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة ، والزهري ، وأبو قلابة ، وغيرهم ؟ واحتج هؤلاء بما حدثناه أحمد بن محمد بن الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا يزيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن قال : { إن في كتاب صدقة النبي ﷺ وفي كتاب عمر بن الخطاب : أن البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الإبل } - : وبما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر قال { : أعطاني سماك بن الفضل كتابا من النبي ﷺ إلى مالك بن كفلانس المصعبيين فقرأته فإذا فيه فيما سقت السماء والأنهار العشر ، وفيما سقي بالسنا نصف العشر ، وفي البقر مثل الإبل } . وبما ذكرنا آنفا عن الزهري : أن هذا هو آخر الأمر من رسول الله ﷺ وأن الأمر بالتبيع : نسخ بهذا . واحتجوا بعموم الخبر { ما من صاحب بقر لا يؤدي حقها إلا بطح لها يوم القيامة } قالوا : فهذا عموم لكل بقر إلا ما خصه نص أو إجماع . وقالوا : من عمل مثل قولنا كان على يقين بأنه قد أدى فرضه ؛ ومن خالفه لم يكن على يقين من ذلك . فإن ما وجب بيقين لم يسقط إلا بمثله ؟ وقالوا : قد وافقنا أكثر خصومنا على أن البقر تجزئ عن سبعة كالبدنة ؛ وأنها تعوض من البدنة ، وأنها لا يجزئ في الأضحية والهدي من هذه إلا ما يجزئ من تلك ، وأنها تشعر إذا كانت لها أسنمة كالبدن ؛ فوجب قياس صدقتها على صدقتها . وقالوا : لم نجد في الأصول في شيء من الماشية نصابا مبدؤه ثلاثون ؛ لكن إما خمسة كالإبل ، والأواقي ، والأوساق ، وإما أربعون كالغنم ، فكان حمل البقر على الأكثر - وهو الخمسة - أولى . وقالوا : إن احتجوا بالخبر الذي فيه { في كل ثلاثين تبيع ، وفي كل أربعين مسنة } فنعم ، نحن نقول : بهذا ، أو ليس في ذلك الخبر إسقاط الزكاة عما دون ثلاثين من البقر ، لا بنص ولا بدليل . قال : وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكمه ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وعمر بن عبد الرحمن بن خلدة ، وسعيد بن المسيب ، والزهري ، وهؤلاء فقهاء أهل المدينة ، فيلزم المالكيين اتباعهم على أصلهم في عمل أهل المدينة ، وإلا فقد تناقضوا وقالت طائفة : ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء ، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة ، وهو الذي له سنتان ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة ؛ لها أربع سنين ؛ ثم لا شيء فيها حتى تبلغ ستين فإذا بلغتها ففيها تبيعتان ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ سبعين فإذا بلغتها ففيها مسنة وتبيع ، ثم هكذا أبدا ، لا شيء فيها حتى تبلغ عشرا زائدة ، فإذا بلغتها ففي كل ثلاثين من ذلك العدد تبيع ، وفي كل أربعين مسنة ؟ وهذا قول صح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق ، أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي . ورويناه من طريق نافع عن معاذ بن جبل - : ومن طريق عكرمة بن خالد عن قوم صدقوا على عهد رسول الله ﷺ - : ومن طريق ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء - : وهو قول الشعبي ، وشهر بن حوشب ، وطاوس ، وعمر بن عبد العزيز والحكم بن عتيبة ، وسليمان بن موسى ، والحسن البصري ، وذكره الزهري عن أهل الشام ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأبي سليمان ورواية غير مشهورة عن أبي حنيفة ؟ واحتج هؤلاء بما رويناه من طريق إبراهيم ، وأبي وائل كلاهما عن مسروق عن معاذ { أن رسول الله ﷺ بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا ، ومن كل أربعين بقرة مسنة } وقال بعضهم : ثنية ومن طريق طاوس عن معاذ مثله ، وأن رسول الله ﷺ لم يأمره فيما دون ذلك بشيء ؟ وعن ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة عن معاذ : { أنه سأل النبي ﷺ عن الأوقاص ، ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، وما بين الأربعين إلى الخمسين ؟ قال : ليس فيها شيء } ؟ ومن طريق الشعبي قال : { كتب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن : في كل ثلاثين بقرة تبيع جذع قد استوى قرناه وفي كل أربعين بقرة بقرة مسنة } . ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن أبي بكر أخبره أن هذا كتاب رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم { فرائض البقر ليس فيما دون الثلاثين من البقر صدقة ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رائع جذع ، إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة ، إلى أن تبلغ سبعين ، فإذا بلغت سبعين فإن فيها بقرة وعجلا جذعا ، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان ، ثم على هذا الحساب } - : وبما رويناه من طريق سليمان بن داود الجزري عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن ، وبعثه مع عمرو بن حزم ، وهذه نسخته وفيه في كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين باقورة بقرة } . وبما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي ثنا ابن مفرج ثنا محمد بن أيوب الرقي ثنا أحمد بن عمرو البزار ثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي ثنا حيوة بن شريح ثنا بقية عن المسعودي عن الحكم بن عتيبة عن طاوس عن ابن عباس قال : { لما بعث رسول الله ﷺ معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو تبيعة جذعا أو جذعة ، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة ، قالوا : فالأوقاص ؟ قال : ما أمرني فيها رسول الله ﷺ بشيء ؛ فلما قدم على رسول الله ﷺ سأله ، فقال : ليس فيها شيء } . قال أبو محمد : هذا كل ما احتجوا به ، فقد تقصيناه لهم بأكثر مما - نعلم - تقصوه لأنفسهم .
وقالت طائفة : ليس فيما دون ثلاثين شيء ؛ فإذا بلغت البقر ثلاثين ففيها تبيع ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغتها ففيها بقرة ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ خمسين فإذا بلغتها ففيها بقرة وربع ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ سبعين ؛ فإذا بلغت سبعين ففيها تبيع ومسنة - : وروينا هذا من طريق الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة وعن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم فذكره كما أوردنا ؛ وهي رواية غير مشهورة أيضا عن أبي حنيفة ؟ ويمكن أن يموه هؤلاء بالخبر الذي أوردناه آنفا من طريق الحكم عن معاذ عن النبي ﷺ { فيما بين الأربعين والخمسين ليس فيها شيء يعني من البقر } وقالت طائفة : ليس فيما دون الثلاثين من البقر شيء ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع ، ثم لا شيء فيها حتى تبلغ أربعين ؛ فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنة ، فإن زادت واحدة ففيها بقرة وجزء من أربعين من بقرة ؛ وهكذا في كل واحدة تزيد ففيها جزء آخر زائد من أربعين جزءا من بقرة ؛ هكذا إلى الستين ، فإذا بلغتها ففيها تبيعان ؛ ثم لا شيء فيها إلا في كل عشرة زائدة كما ذكرنا قبل ؛ وهي الرواية المشهورة عن أبي حنيفة . وقد روينا من طريق شعبة قال : سألت حمادا هو ابن أبي سليمان - فقلت إن كانت خمسين بقرة ؟ فقال : بحساب ذلك . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة : ثنا ابن المبارك عن الحجاج هو ابن أرطاة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال : يحاسب صاحب البقر بما فوق الفريضة . ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا زيد بن الحباب العكلي عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول أنه قال في صدقة البقر : ما زاد فبالحساب ؟ قال أبو محمد : هذا عموم إبراهيم ، وحماد ، ومكحول ، وظاهره أن كل ما زاد على الثلاثين إلى الأربعين وعلى الأربعين إلى الستين ففي كل واحدة زائدة جزء من بقرة . وقد ذكرناه عن عكرمة بن خالد أن بعض شيوخ كانوا قد صدقوا على عهد رسول الله ﷺ قالوا : في كل أربعين بقرة بقرة ، مخالفين لمن جعل في أقل من الأربعين شيئا . وذهبت طائفة إلى أنه ليس فيما دون الخمسين ولا ما فوقها شيء ؛ وأن صدقة البقر إنما هي في كل خمسين بقرة بقرة فقط هكذا أبدا كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار قال : كان عمال ابن الزبير ، وابن عوف وعماله ، يأخذون من كل خمسين بقرة بقرة ؛ ومن كل مائة بقرتين ، فإذا كثرت ففي كل خمسين بقرة بقرة . قال أبو محمد : هذا كل ما حضرنا ذكره مما رويناه من اختلاف الناس في زكاة البقر ، وكل أثر رويناه فيها ووجب النظر للمرء لنفسه فيما يدين به ربه تعالى في دينه - : فأول ذلك أن الزكاة فرض واجب في البقر - : كما حدثنا عن عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال " انتهيت إلى رسول الله ﷺ وهو في ظل الكعبة فذكر أن رسول الله ﷺ قال له { ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه ؛ تنطحه بقرونها ، وتطؤه بأظلافها ، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس ؟ } حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله ﷺ يقول : { ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قط ، وأقعد لها بقاع قرقر تسير عليه بقوائمها وأخفافها ؛ ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت ، وأقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها وتطؤه بقوائمها } وذكر باقي الخبر . قال أبو محمد : فوجب فرضا طلب ذلك الحد الذي حده الله تعالى منها ، حتى لا يتعدى قال عز وجل : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . فنظرنا القول الأول فوجدنا الآثار الواردة فيه عن النبي ﷺ منقطعة والحجة لا تجب إلا بمتصل ، إلا أنه يلزم القائلين بالمرسل والمنقطع - من الحنفيين ، والمالكيين - أن يقولوا : بها ، وإلا فقد تناقضوا في أصولهم وتحكموا بالباطل ؛ لا سيما مع قول . الزهري : إن هذه الأخبار بها نسخ إيجاب التبيع ، والمسنة : في الثلاثين والأربعين ؛ فلو قبل مرسل أحد لكان الزهري أحق بذلك لعلمه بالحديث ؛ ولأنه قد أدرك طائفة من الصحابة رضي الله عنهم . ولم يحك القول في الثلاثين بالتبيع ، وفي الأربعين بالمسنة إلا عن أهل الشام ، لا عن أهل المدينة ، ووافق الزهري على ذلك سعيد بن المسيب وغيره من فقهاء المدينة ؛ فهذا كله يوجب على المالكيين القول بهذا أو إفساد أصولهم ، وأما نحن فلو صح - وأسند - ما خالفناه أصلا - وأما احتجاجهم بعموم الخبر { ما من صاحب بقر لا يؤدي زكاتها ولا يفعل فيها حقها } وقولهم : إن هذا عموم لكل بقر - : فإن هذا لازم للحنفيين ، والمالكيين ، المحتجين بإيجاب الزكاة في العروض بعموم قول الله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } الآية والمحتجين بهذا في وجوب الزكاة في العسل وسائر ما احتجوا فيه بمثل هذا ، لا مخلص لهم منه أصلا ؟ وأما نحن فلا حجة علينا بهذا ؛ لأننا - وإن كنا لا يحل عندنا مفارقة العموم إلا لنص آخر - فإنه لا يحل شرع شريعة إلا بنص صحيح ، ونحن نقر ونشهد أن في البقر زكاة مفروضة يعذب الله تعالى من لم يؤدها العذاب الشديد ، ما لم يغفر له برجوح حسناته أو مساواتها لسيئاته ، إلا أنه ليس في هذا الخبر بيان المقدار الواجب في الزكاة منها ، ولا بيان العدد الذي تجب فيه الزكاة منها ، ولا متى تؤدى ؛ وليس البيان للديانة موكولا إلى الآراء والأهواء ؛ بل إلى رسول الله ﷺ الذي قال له ربه وباعثه { لتبين للناس ما نزل إليهم } . ولم يصح عن النبي ﷺ ما أوجبوه في الخمس فصاعدا من البقر ، وقد صح الإجماع المتيقن بأنه ليس في كل عدد من البقر زكاة ؛ فوجب التوقف عن إيجاب فرض ذلك في عدد دون عدد بغير نص من رسول الله ﷺ ؛ فسقط تعلقهم بالعموم هاهنا ، ولو كان عموما يمكن استعماله لما خالفناه ؟ وأما قولهم : إن من زكى البقر - كما قالوا - فهو على يقين من أنه قد أدى فرضه الواجب عليه ومن لم يزكها - كما قالوا - فليس على يقين من أنه أدى فرضه ؛ وأن ما صح بيقين وجوبه لم يسقط إلا بيقين آخر - : فهذا لازم لمن قال : إن من تدلك في الغسل فهو على يقين من أنه قد أدى فرضه ؛ والغسل واجب بيقين ؛ فلا يسقط إلا بيقين مثله ؛ ولمن أوجب مسح جميع الرأس في الوضوء بهذه الحجة نفسها ؛ ومثل هذا لهم كثير جدا وأما نحن فإن هذا لا يلزم عندنا ؛ لأن الفرائض لا تجب إلا بنص أو إجماع . ومن سلك هذه الطريق في الاستدلال فإنه يريد إيجاب الفرائض وشرع الشرائع باختلاف ؛ لا نص فيه ، وهذا باطل ؛ ولم يتفق قط على وجوب إيعاب جميع الرأس في الوضوء ولا على التدلك في الغسل ؛ ولا على إيجاب الزكاة في خمس من البقر فصاعدا إلى الخمسين وإنما كان يكون استدلالهم هذا صحيحا لو وافقناهم على وجوب كل ذلك ثم أسقطنا وجوبه بلا برهان ؛ ونحن لن نوافقهم قط على وجوب غسل فيه تدلك ؛ ولا على إيجاب مسح جميع الرأس ، ولا على إيجاب زكاة في خمس من البقر فصاعدا ؛ وإنما وافقناهم على إيجاب الغسل دون تدلك ، وعلى إيجاب مسح بعض الرأس لا كله ؛ وعلى وجوب الزكاة في عدد ما من البقر لا في كل عدد منها ؛ فزادوا هم - بغير نص ولا إجماع - إيجاب التدلك ، ومسح جميع الرأس ، والزكاة في خمس من البقر فصاعدا ؛ وهذا شرع بلا نص ولا إجماع ، وهذا لا يجوز ؛ فهذا يلزم ضبطه ؛ لئلا يموه فيه أهل التمويه بالباطل ، فيدعوا إجماعا حيث لا إجماع ، ويشرعوا الشرائع بغير برهان ، ويخالفوا الإجماع المتيقن - وبالله تعالى التوفيق . وأما احتجاجهم بقياس البقر على الإبل في الزكاة فلازم لأصحاب القياس لزوما لا انفكاك له ؛ فلو صح شيء من القياس لكان هذا منه صحيحا وما نعلم في الحكم بين الإبل ، والبقر فرقا مجمعا عليه . ولقد كان يلزم من يقيس ما يستحل به فرج المرأة المسلمة في النكاح من الصداق على ما تقطع فيه يد السارق ، ومن يقيس حد الشارب على حد القاذف ، ومن يقيس السقمونيا على القمح والتمر ، ويقيس الحديد ، والرصاص والصفر : على الذهب ، والفضة ؛ ويقيس الجص على البر والتمر ، في الربا ، ويقيس الجوز على القمح في الربا ؛ وسائر تلك المقاييس السخيفة وتلك العلل المفتراة الغثة - : أن يقيس البقر على الإبل في الزكاة ؛ وإلا فقد تحكموا بالباطل ؛ وأما نحن فالقياس كله عندنا باطل وأما قولهم : لم نجد في الأصول ما يكون وقصه ثلاثين ، فإنه عندنا تخليط وهوس لكنه لازم أصح لزوم لمن قال - محتجا لباطل قوله في إيجاب الزكاة ما بين الأربعين والستين من البقر - : إننا لم نجد في الأصول ما يكون وقصه تسعة عشر ، ولكن القوم متحكمون ؟ فسقط كل ما احتجوا به عنا ، وظهر لزومه للحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين ، لا سيما لمن قال : بالقول المشهور عن أبي حنيفة في زكاة البقر ، الذي لم يتعلق فيه بشيء أصلا ثم نظرنا في قول من أوجب في الثلاثين تبيعا ، وفي الأربعين مسنة ، ولم يوجب بين ذلك ولا بعد الأربعين إلى الستين شيئا - : فوجدنا الآثار التي احتجوا بها عن معاذ وغيره مرسلة كلها ، إلا حديث بقية ؛ لأن مسروقا لم يلق معاذا ؛ وبقية ضعيف لا يحتج بنقله ، أسقطه وكيع وغيره ، والحجة لا تجب إلا بالمسند من نقل الثقات . فإن قيل : إن مسروقا وإن كان لم يلق معاذا فقد كان باليمن رجلا أيام كون معاذ هنالك ؛ وشاهد أحكامه ، فهذا عنده عن معاذ بنقل الكافة . قلنا : لو أن مسروقا ذكر أن الكافة أخبرته بذلك عن معاذ لقامت الحجة بذلك ؛ فمسروق هو الثقة الإمام غير المتهم : لكنه لم يقل قط هذا ؛ ولا يحل أن يقول مسروق رحمه الله ما لم يقل فيكذب عليه ؛ ولكن لما أمكن في ظاهر الأمر أن يكون عند مسروق هذا الخبر عن تواتر ، أو عن ثقة ؛ أو عمن لا تجوز الرواية عنه - : لم يجز القطع في دين الله تعالى ولا على رسوله ﷺ بالظن الذي هو أكذب الحديث ، ونحن نقطع أن هذا الخبر لو كان عند مسروق عن ثقة لما كتمه ، ولو كان صحيحا عن رسول الله ﷺ ما طمسه الله تعالى المتكفل بحفظ الذكر المنزل على نبيه عليه السلام المتم لدينه - : لنا هذا الطمس حتى لا يأتي إلا من طريق واهية والحمد لله رب العالمين وأيضا : فإن زموا أيديهم وقالوا : هو حجة ، والمرسل هاهنا والمسند سواء . قلنا لهم : فلا عليكم ؛ خذوا من هذه الطريق بعينها ما حدثناه حمام بن أحمد قال : ثنا عبد الله بن محمد بن علي الباجي ثنا أحمد بن خالد ثنا عبيد بن محمد الكشور ثنا محمد بن يوسف الحذافي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الأعمش عن شقيق بن سلمة هو أبو وائل - عن مسروق بن الأجدع قال { بعث رسول الله ﷺ معاذ بن جبل إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل حالم وحالمة دينارا أو قيمته من المعافري } .
حدثنا أحمد بن محمد الجسور ثنا محمد بن عيسى بن رفاعة ثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور هو ابن المعتمر - عن الحكم بن عتيبة قال { كتب رسول الله ﷺ إلى معاذ وهو باليمن : أن فيما سقت السماء أو سقي غيلا العشر ، وفيما سقي بالغرب نصف العشر ، وفي الحالم والحالمة دينار أو عدله من المعافر } . وبه إلى أبي عبيد : ثنا عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال { كتب رسول الله ﷺ إلى أهل اليمن : أنه من كان على يهودية أو نصرانية فإنه لا يفتن عنها ؛ وعليه الجزية ، على كل حالم ذكر أو أنثى - عبد أو أمة - دينار واف أو عدله من المعافر ، فمن أدى ذلك إلى رسلي فإن له ذمة الله وذمة رسوله ؛ ومن منعه منكم فإنه عدو لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين } . فهذه رواية مسروق عن معاذ ، وهو حديث زكاة البقر بعينه ، ومرسل من طريق الحكم ، وآخر من طريق ابن لهيعة ؛ فإن كانت مرسلاتهم في زكاة البقر صحيحة واجبا أخذها فمرسلاتهم هذه صحيحة واجب أخذها ، وإن كانت مرسلاتهم هذه لا تقوم بها حجة فمرسلاتهم تلك لا تقوم بها حجة ؟ فإن قيل : فإنكم تقولون بما في هذه المرسلات ولا تقولون : بتلك ، فكيف هذا ؟ قلنا وبالله تعالى التوفيق : ما قلنا بهذه ولا بتلك ، ومعاذ الله من أن نقول بمرسل لكنا أوجبنا الجزية على كل كتابي بنص القرآن ، ولم نخص منه امرأة ولا عبدا ، وأما بهذه الآثار فلا ؟ قال أبو محمد : لا سيما الحنفيين فإنهم خالفوا مرسلات معاذ تلك في إسقاط الزكاة عن الأوقاص والعسل - : كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس { أن معاذ بن جبل أتي بوقص البقر والعسل فلم يأخذه ؛ فقال : كلاهما لم يأمرني فيه رسول الله ﷺ بشيء } فمن الباطل أن يكون حديث معاذ حجة إذا وافق هوى الحنفيين ورأي أبي حنيفة ؟ ولا يكون حجة إذا لم يوافقهما ، ما ندري أي دين يبقى مع هذا العمل ؟ ونعوذ بالله من الخذلان والضلال ومن أن يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا فإن احتجوا بصحيفة عمرو بن حزم قلنا : هي منقطعة أيضا لا تقوم بها حجة ، وسليمان بن داود الجزري - الذي رواها - متفق على تركه وأنه لا يحتج به . فإن أبيتم ولججتم وظننتم أنكم شددتم أيديكم منها على شيء فدونكموها - : كما حدثنها حمام بن أحمد قال ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أحمد بن زهير بن حرب ثنا الحكم بن موسى ثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود الجزري ثنا الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده { أن رسول الله ﷺ كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم ، وهذه نسخته فذكر الكتاب . وفيه وفي كل ثلاثين باقورة تبيع ، جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين باقورة بقرة ، وفيه أيضا وفي كل خمس أواقي من الورق خمسة دراهم ، فما زاد ففي كل أربعين درهما درهم وفي كل أربعين دينارا دينار } . حدثنا حمام قال : ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا أبو عبد الله الكابلي ببغداد ثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن عبد الله ، ومحمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما { عن رسول الله ﷺ : أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره على اليمن وفيه الزكاة ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، وفي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون الأربعين صدقة ، فإذا بلغت الذهب قيمة مائتي درهم ففي قيمة كل أربعين درهما درهم ، حتى تبلغ أربعين دينارا ؛ فإذا بلغت أربعين دينارا ففيها دينار } . قال أبو أويس : وهذا عن ابني حزم أيضا { فرائض صدقة البقر ليس فيما دون ثلاثين صدقة فإذا بلغت الثلاثين ففيها فحل جذع ، إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة إلى أن تبلغ ستين ، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان } . قال أبو محمد : أبو أويس ضعيف وهي منقطعة مع ذلك - ووالله لو صح شيء من هذا ما ترددنا في الأخذ به . قال علي : ما نرى المالكيين والشافعيين ، والحنفيين إلا قد انحلت عزائمهم في الأخذ بحديث معاذ المذكور وبصحيفة ابن حزم ، ولا بد لهم من ذلك ؛ أو الأخذ بأن لا صدقة في ذهب لم يبلغ أربعين دينارا إلا بالقيمة بالفضة وهو قول عطاء ، والزهري ، وسليمان بن حرب وغيرهم ، وأن يأخذ المالكيون ، والشافعيون بوجوب الأوقاص في الدراهم وبإيجاب الجزية على النساء والعبيد من أهل الكتاب ، أو التحكم في الدين بالباطل فيأخذوا ما اشتهوا ويتركوا ما اشتهوا ؛ وهذه والله أخزى في العاجلة والآجلة وألزم وأندم ، ، والحنفيون يقولون : إن الراوي إذا ترك ما روى دل ذلك على سقوط روايته ، والزهري هو روى صحيفة ابن حزم في زكاة البقر وتركها ؟ فهلا تركوها وقالوا : لم يتركها لا لفضل علم كان عنده ثم لو صح لهم حديث معاذ لكان ما ذكرنا قبل من الأخبار بأن في زكاة البقر كزكاة الإبل مثلها في الإسناد وواردة بحكم زائد لا يجوز تركه ، وكان الآخذ بتلك آخذا بهذه ، وكان الآخذ بهذه ، دون تلك عاصيا لتلك ؟ فبطل كل ما موهوا به من طريق الآثار جملة ؟ فإن تعلقوا بعلي ، ومعاذ ، وأبي سعيد رضي الله عنهم قلنا لهم : الخبر عن معاذ منقطع ، وعن أبي سعيد لم يروه إلا ابن أبي ليلى محمد - وهو ضعيف - و أما عن علي فهو صحيح ولا يصح هذا القول من أحد من الصحابة رضي الله عنهم سواه ؟ وقد روينا قبل عن عمر بن الخطاب ، وجابر بن عبد الله خلاف ذلك - ولا حجة في قول صاحب إذا خالفه صاحب آخر ثم إن لججتم في التعلق بعلي هاهنا فاسمعوا قول علي من هذه الطريق نفسها - : حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : في خمس من الإبل شاة وفي عشر شاتان - وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين خمس شياه ، وفي ست وعشرين بنت مخاض ، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، حتى تبلغ خمسا وثلاثين ؛ فإن زادت واحدة ففيها بنت لبون ، حتى تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقة طروقة الفحل - أو قال : الجمل - حتى تبلغ ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة ، حتى تبلغ خمسا وسبعين ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون ، حتى تبلغ تسعين ؛ فإذا زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ، وفي البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وفي كل أربعين مسنة . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : إذا أخذ المصدق سنا فوق سن رد عشرة دراهم أو شاتين . قال أبو محمد : ما نرى الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين إلا قد برد نشاطهم في الاحتجاج بقول علي رضي الله عنه في زكاة البقر ، ولا بد لهم من الأخذ بكل ما روي عن علي في هذا الخبر نفسه ، مما خالفوه وأخذ به غيرهم من السلف ، أو ترك الاحتجاج بما لم يصح عن النبي ﷺ أو التلاعب بالسنن والهزل في الدين أن يأخذوا ما أحبوا ويتركوا ما أحبوا ؟ لا سيما وبعضهم هول في حديث علي هذا بأنه مسند فليهنهم خلافه إن كان مسندا ، ولو كان مسندا ما استحللنا خلافه - وبالله تعالى التوفيق . فلم يبق لمن قال بالتبيع والمسنة فقط في البقر حجة أصلا ، ولا قياس معهم في ذلك فبطل قولهم جملة بلا شك - والحمد لله رب العالمين . أما القول المأثور عن أبي حنيفة ففي غاية الفساد لا قرآن يعضده ولا سنة صحيحة تنصره ، ولا رواية فاسدة تؤيده ، ولا قول صاحب يشده ، ولا قياس يموهه ، ولا رأي له وجه يسدده . إلا أن بعضهم قال : لم نجد في شيء من الماشية وقصا من تسعة عشر . فقيل لهم : ولا وجدتم في شيء من زكاة المواشي جزءا من رأس واحد . فإن قالوا : أوجبه الدليل . قيل لهم : كذبتم ما أوجبه دليل قط ، وما جعل الله تعالى رأي النخعي وحده دليلا في دينه : وقد وجدنا الأوقاص تختلف ، فمرة هو في الإبل أربع ، ومرة عشرة ، ومرة تسعة ، ومرة أربعة عشر ، ومرة أحد عشر ، ومرة تسعة وعشرين ، ومرة هو في الغنم ثمانون ، ومرة تسعة وسبعون ، ومرة مائة وثمانية وتسعون ، ومرة تسعة وتسعون فأي نكرة في أن تكون تسعة عشر إذا صح بذلك دليل ؟ لولا الهوى والجهل فلم يبق إلا ما رويناه من عمل عمال ابن الزبير ، وعمل طلحة بن عبد الله بن عوف وهو ابن أخي عبد الرحمن بن عوف ، ومن كبار التابعين جدا - بالمدينة بحضرة الصحابة فلم ينكروه ؟ فنظرنا في ذلك - : فوجدنا لا يصح عن رسول الله ﷺ في هذا من طريق إسناد الآحاد ولا من طريق التواتر شيء كما قدمنا ، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم لا يعارضه غيره ، ولا يحل أن تؤخذ شريعة إلا عن الله تعالى إما من القرآن ، وإما من نقل ثابت عن رسول الله ﷺ من طريق الآحاد والتواتر بيان زكاة البقر ، ووجدنا الإجماع - المتيقن المقطوع به ، الذي لا خلاف في أن كل مسلم قديما وحديثا قال به ، وحكم به من الصحابة فمن دونهم - قد صح على أن في كل خمسين بقرة : بقرة ؛ فكان هذا حقا مقطوعا به على أنه من حكم الله تعالى وحكم رسوله ﷺ ؛ فوجب القول به ، وكان ما دون ذلك مختلفا فيه ، ولا نص في إيجابه ؛ فلم يجز القول به . وقد قال الله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } . وقال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلم يحل ، أخذ مال مسلم ، ولا إيجاب شريعة بزكاة مفروضة بغير يقين ، من نص صحيح عن الله تعالى أو رسوله ﷺ . ولا يغترن مغتر بدعواهم : أن العمل بقولهم كان مشهورا ؛ فهذا باطل ، وما كان هذا القول إلا خاملا في عصر الصحابة رضي الله عنهم ، ولا يؤخذ إلا عن أقل من عشرة من التابعين ، باختلاف منهم أيضا - وبالله التوفيق . قال علي : ثم استدركنا فوجدنا حديث مسروق إنما ذكر فيه فعل معاذ باليمن في زكاة البقر ؛ وهو بلا شك قد أدرك معاذا وشهد حكمه وعمله المشهور المنتشر ، فصار نقله لذلك ، ولأنه عن عهد رسول الله ﷺ - نقلا عن الكافة عن معاذ بلا شك ؛ فوجب القول به .