→ كتاب الزكاة (تتمة 1 مسألة 674) | ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (تتمة 2 مسألة 674) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الزكاة (تتمة 3 مسألة 674 - 677) ← |
كتاب الزكاة
واختلفوا فيما زاد على العشرين ومائة ؟ فقالت طائفة : حقتان إلى أن تصير ثلاثين ومائة ؟ وقالت طائفة : ثلاث بنات لبون ولا بد إلى أن تصير ثلاثين ومائة فيجب فيها حقة وبنتا لبون ثم كلما زادت عشرة كان في كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون . وهو قول الشافعي ، وأبي سليمان ، وابن القاسم صاحب مالك ؟ وقالت طائفة : أي الصفتين أدى أجزأه ، وهو قول مالك إلى أن تبلغ مائة وثلاثين ، فيجب فيها حقة وبنتا لبون ، وهكذا كلما زادت عشرا ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ؟ وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : ليس فيما بعد العشرين ومائة إلا حقتان فقط ؛ حتى تتم خمسا وعشرين ومائة فيجب فيها حقتان وشاة إلى ثلاثين ومائة فإذا بلغتها ففيها حقتان وشاتان ، إلى خمس وثلاثين ومائة ، ففيها حقتان وثلاث شياه ؛ إلى أربعين ومائة ، ففيها حقتان وأربع شياه ؛ إلى خمس وأربعين ومائة ؛ فإذا بلغتها ففيها حقتان وبنت مخاض ، إلى خمسين ومائة ، فإذا بلغتها ففيها ثلاث حقاق ، وهكذا أبدا ، إذا زادت على الخمسين ومائة خمسا ففيها ثلاث حقاق وشاة ، ثم كما ذكرنا ؛ في كل خمس شاة مع الثلاث حقاق ، إلى أن تصير خمسا وسبعين ومائة ، فيجب فيها بنت مخاض وثلاث حقاق ؛ إلى ست وثمانين ومائة ؛ فإذا بلغتها كانت فيها ثلاث حقاق وبنت لبون ، إلى ست وتسعين ومائة ؛ فإذا بلغتها ففيها أربع حقاق ، وكذلك إلى أن تكون مائتين وخمسا ؛ فإذا بلغتها ففيها أربع حقاق وشاة ؛ وهكذا أبدا كلما تكون الزيادة خمسين زاد حقة ، ثم استأنف تزكيتها بالغنم ، ثم ببنت المخاض ثم ببنت اللبون ثم الحقة ؟ قال أبو محمد : فأما من رأى الحقتين فيما زاد على العشرين والمائة إلى أن تصير ثلاثين ومائة فإنهم احتجوا بأن ذكروا ما رويناه من طريق أبي عبيد عن حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن محمد بن عبد الرحمن " إن في كتاب النبي ﷺ وفي كتاب عمر في الصدقة : أن الإبل إذا زادت على عشرين ومائة فليس فيما دون العشر شيء حتى تبلغ ثلاثين ومائة " . قال علي : وهذا مرسل ، ولا حجة فيه ، ومحمد بن عبد الرحمن مجهول ونحن نأتيهم بما هو خير من هذا ، كما حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء هو أبو كريب - ثنا عبد الله بن المبارك ثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال . هذه نسخة كتاب رسول الله ﷺ الذي كتبه في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، قال : أقرأني إياها سالم بن عبد الله بن عمر ، فوعيتها على وجهها ، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر وذكر الحديث . وفيه { في الإبل إذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون إلى ثلاثين ومائة ، فإذا بلغتها بنتا لبون وحقة } وذكر باقي الحديث . وهذا خير مما أتونا به ، وهذا هو كتاب عمر حقا ؛ لا تلك المكذوبة . وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا ابن مفرج ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا سحنون ثنا ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : نسخة كتاب رسول الله ﷺ الذي كتب في الصدقة ، وهي عند آل عمر بن الخطاب ، أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها وهي التي نسخ عمر بن عبد العزيز من سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر بن الخطاب حين أمر على المدينة ، وأمر عماله بالعمل بها ، ثم ذكر نحو هذا الخبر الذي أوردنا ؟ وقالوا أيضا : قد جاء في أحاديث " في كل خمسين حقة " ؟ قلنا : نعم ، وهي أحاديث مرسلة من طريق الشعبي وغيره ، وقد أوردنا عن أبي بكر عن رسول الله ﷺ { في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون } . وكذلك صح أيضا من طريق ابن عمر ، كما روينا بالسند المذكور إلى أبي داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { كتب رسول الله ﷺ كتاب الصدقة ، فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض ، وقرنه بسيفه ، فعمل به أبو بكر حتى قبض ، ثم عمل به عمر حتى قبض ، فكان فيه : في خمس من الإبل شاة } وذكر الحديث . وفيه { ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة ، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون } . وهذا هو الذي لا يصح غيره ، ولو صحت تلك الأخبار التي ليس فيها إلا { في كل خمسين حقة } لكان هذان الخبران الصحيحان زائدين عليها حكما في أن في كل أربعين بنت لبون ؛ فتلك غير مخالفة لهذين الخبرين ، وهذان الخبران زائدان على تلك ؛ فلا يحل خلافهما ، والحجة الثانية أنهم قالوا : لما وجب في العشرين ومائة حقتان ، ثم وجدنا الزيادة عليها لا حكم لها في نفسها ، إذ كل أربعين قبلها ففيها بنت لبون على قولكم ؛ إذ تجعلون فيما زاد على عشرين ومائة ثلاث بنات لبون - : فإذا لا حكم لها في نفسها فأحرى أن لا يكون لها - حكم في غيرها ، فكل زيادة قبلها تنقل الفرض فلها حصة من تلك الزيادة وهذه بخلاف ذلك ؟ قال أبو محمد : هذا بكلام الممرورين ، أو بكلام المستخفين بالدين أشبه منه بكلام من يعقل ويتكلم في العلم لأنه كلام لم يوجبه قرآن ولا سنة صحيحة ، ولا رواية فاسدة ، ولا أثر عن صاحب ولا تابع ، ولا قياس على شيء من ذلك ، ولا رأي له وجه يفهم ثم يقال : قد كذبت في وسواسك هذا أيضا ؛ لأن كل أربعين في المائة والعشرين لا تجب فيها بنت لبون أصلا ، ولا تجب فيها مجتمعة ثلاث بنات لبون ، وإنما فيها حقتان فقط ، حتى إذا زادت على العشرين ومائة واحدة فصاعدا إلى أن تتم ثلاثين ومائة فحينئذ وجب في كل أربعين في المائة والعشرين مع الزيادة التي زادت ثلاث بنات لبون فتلك الزيادة غيرت فرض ما قبلها ، وصار لها أيضا في نفسها حصة من تلك الزيادة الحادثة ، وهذا ظاهر لا خفاء به ؟ وقد صح قوله عليه السلام : { في كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون } فيما زاد على العشرين ومائة ، فوجب في المائة حينئذ حقتان ولم يجز تعطيل النيف والعشرين الزائدة فلا تزكى ، وحكمها في الزكاة منصوص عليه ، وممكن إخراجها فيه ، فوجبت الثلاث بنات لبون ، وبطل ما موهوا به وأما قول مالك في التخيير بين إخراج حقتين أو ثلاث بنات ، لبون فخطأ ؛ لأنه تضييع للنيف والعشرين الزائدة على المائة ؛ فلا تخرج زكاتها وهذا لا يجوز ؟ . وأيضا : فإن رسول الله ﷺ فرق بين حكم العشرين ومائة فجعل فيها حقتين . بنص كلامه في حديث أنس عن أبي بكر الذي أوردناه في أول كلامنا في زكاة الإبل وبين حكم ما زاد على ذلك ، فلم يجز أن يسوى بين حكمين فرق رسول الله ﷺ بينهما ولا نعلم أحدا قبل مالك قال بهذا التخيير ؟ . وقولنا في هذا هو قول الزهري وآل عمر بن الخطاب ، وغيرهم ، وهو قول عمر بن عبد العزيز كما أوردنا قبل ؟ وأما قول أبي حنيفة : فإنه احتج أصحابه له بما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان ثنا أحمد بن خالد ثنا علي بن عبد العزيز ثنا الحجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة : أنه أخذ من قيس بن سعد كتابا عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن رسول الله ﷺ كتب لجده عمرو بن حزم ذكر ما يخرج من فرائض الإبل : { إذا كانت خمسة وعشرين ففيها ابنة مخاض ، إلى أن تبلغ خمسة وثلاثين ، فإن لم توجد فابن لبون ذكر فإن كانت أكثر من ذلك ففيها بنت لبون ، إلى أن تبلغ خمسة وأربعين ، فإن كانت أكثر من ذلك ففيها حقة ، إلى أن تبلغ ستين ؛ فإن كانت أكثر منها ففيها جذعة ، إلى أن تبلغ خمسة وسبعين ، فإذا كانت أكثر من ذلك ففيها ابنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين ؛ فإن كانت أكثر من ذلك ففيها حقتان ، إلى عشرين ومائة ، فإن كانت أكثر من ذلك فعد في كل خمسين حقة ؛ فما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل وما كان أقل من خمسة وعشرين ففيها في كل خمس ذود شاة ليس فيها ذكر ولا هرمة ولا ذات عوار من الغنم } ثم خرج إلى ذكر زكاة الغنم ؟ وبما رويناه من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : { أن النبي ﷺ كتب لهم كتابا فيه وفي الإبل إذا كانت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض ، فإن لم توجد ابنة مخاض في الإبل فابن لبون ذكر إلى أن ذكر التسعين فإذا كانت أكثر من ذلك إلى عشرين ومائة ففيها حقتان ، فإذا كانت أكثر من ذلك فاعدد في كل خمسين حقة ، وما كان أقل من خمسة وعشرين ففي كل خمس شاة } . وذكروا ما حدثناه محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن عبد السلام الخشني ثنا محمد بن المثنى ثنا يحيى بن سعيد القطان ثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب في الإبل قال : فإذا زادت على عشرين ومائة فبحساب الأول ، وتستأنف لها الفرائض ؟ قال أبو محمد : وبقولهم يقول إبراهيم النخعي ، وسفيان الثوري ؟ قالوا : وحديث علي هذا مسند ؟ واحتجوا بما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا [ الدبري ] ثنا عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة أخبرني محمد بن سوقة قال أخبرني أبو يعلى هو منذر الثوري - عن محمد بن الحنفية قال : جاء ناس إلى أبي فشكوا : سعاة عثمان بن عفان ؛ فقال أبي : أي بني خذ هذا الكتاب فاذهب به إلى عثمان وقل له : إن ناسا من الناس شكوا سعاتك ، وهذا أمر رسول الله ﷺ في الفرائض : فأمرهم فليأخذوا به ؟ قال : فانطلقت بالكتاب حتى دخلت على عثمان بن عفان رضي الله عنه فقلت : إن أبي أرسلني إليك ، وذكر أن ناسا من الناس شكوا سعاتك ، وهذا أمر رسول الله ﷺ في الفرائض ، فمرهم فليأخذوا به ؟ فقال : لا حاجة لنا في كتابك ؛ فرجعت إلى أبي فأخبرته ؟ فقال : أي بني ، لا عليك ، أردد الكتاب من حيث أخذته ، قال : فلو كان ذاكرا عثمان بشيء لذكره بسوء ؛ وإنما كان في الكتاب ما كان في حديث علي . قالوا : فمن الباطل أن يظن بعلي رضي الله عنه أن يخبر الناس بغير ما في كتابه عن النبي ﷺ . وادعوا أنه قد روي عن ابن مسعود ؛ وابن عمر مثل قولهم ؟ قال أبو محمد : هذا كل ما موهوا به ، مما يمكن أن يموه به من لا علم له ، أو من لا تقوى له ، وأما الهذر والتخليط فلا نهاية له في القوة ؟ قال أبو محمد : وكل هذا لا حجة لهم فيه أصلا أما حديث معمر ، وحماد بن سلمة : فمرسلان لا تقوم بهما حجة ، ثم لو صحا لما كان لهم فيهما متعلق أصلا أما طريق معمر فإن الذي في آخره من قوله : " وما كان أقل من خمسة وعشرين ففي كل خمس شاة " فإنما هو حكم ابتداء فرائض الإبل . ولم يستحي عميد من عمدهم من أن يكذب في هذا الحديث مرتين جهارا - : إحداهما : أنه ادعى أن في أوله ذكر تزكية الإبل بالغنم فلا يجوز أن يظن أنه كرره قال أبو محمد : وقد كذب في هذا علانية وأعماه الهوى وأصمه ولم يستحي وما ذكر معمر في أول كلامه في فرائض الإبل إلا كما أوردناه من حكم الخمسة والعشرين فصاعدا وذكر في آخر حديثه حكم تزكيتها بالغنم إذ لم يذكره أولا ؟ والموضوع الثاني : أنه جاهر بالكذب ، فقال : " معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده " وهذا كذب ، ما رواه ذلك معمر إلا عن عبد الله بن أبي بكر فقط ؛ ثم لو صح له هذا لما أخرجه عن الإرسال ؛ لأن محمد بن عمرو لم يدرك النبي ﷺ . ثم عجب آخر وهو احتجاجه بهذين الخبرين فيما ليس فيهما منه شيء ، وهو يخالفهما فيما فيهما من أنه إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر أفلا يعوق المرء مسكة من الحياء عن مثل هذا ؟ والعجب أنهم زادوا كذبا وجرأة وفحشا فقالوا : معنى قوله عليه السلام : { إن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر } إنما أراد بقيمة بنت مخاض ؟ وهذا كذب بارد سمج ولا فرق بينهم في هذا وبين من قال : ما أراد إلا ابن لبون أصهب ، أو في أرض نجد خاصة ومن الباطل الممتنع الذي لا يمكن أصلا أن يريد النبي ﷺ أن يعوض مما عدم بالقيمة ويقتصر على ذكر ابن لبون ذكر أيضا خاصة والعجب من هؤلاء القوم في تقويلهم النبي ﷺ ما لم يقل وإحالة كلامه إلى الهوس والغثاثة والتلبيس ولا يستجيزون إحالة لفظة من كلام أبي حنيفة عن مقتضاها والله لا فعل هذا موثوق بعقده ولقد صدق الأئمة القائلون : إنهم يكيدون الإسلام ويقال لهم : هلا حملتم ما أخذتم به مما لا يجوز الأخذ به مما روي عن بعض السلف من أن جعل الآبق أربعون درهما - : على أنه إنما أراد قيمة تعب ذلك الذي رد ذلك الآبق فقط ؟ على أن هذا كان أولى وأصح من حمله على إيجاب شريعة لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله ﷺ . كما لم يتعدوا قول أبي حنيفة فيمن تزوج على بيت وخادم أن البيت خمسون دينارا والعبد أربعون دينارا ؛ فتوقوا مخالفة خطأ أبي حنيفة في التقويم ، ولم يبالوا بمخالفة أمر رسول الله ﷺ والكذب عليه وحملهم حده على التقويم وأيضا - فإننا قد أوجدناهم ما حدثناه حمام قال : ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن أنا أبو عبد الله الكابلي ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا أبي عن عبد الله ، ومحمد ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما عن رسول الله ﷺ أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم حين أمره اليمن ، وفيه الزكاة ، فذكره ، { فإذا بلغت الذهب قيمة مائتي درهم ففي قيمة كل أربعين درهما درهم حين تبلغ أربعين دينارا } . فمن المحال أن تكون صحيفة ابن حزم بعضها حجة وبعضها ليس بحجة ، وهذه صفة الذين أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا : { نؤمن ببعض ونكفر ببعض } .