→ كتاب الزكاة (مسألة 656 - 668) | ابن حزم - المحلى كتاب الزكاة (مسألة 669 - 672) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الزكاة (مسألة 673) ← |
كتاب الزكاة
669 - مسألة : الغنم في اللغة التي بها خاطبنا رسول الله ﷺ اسم يقع على الضأن والماعز ، فهي مجموع بعضها إلى بعض في الزكاة . وكذلك أصناف الماعز والضأن ، كضأن بلاد السودان وماعز البصرة والنفد وبنات حذف وغيرها . وكذلك المقرون الذي نصفه خلقة ماعز ، ونصفه ضأن ، لأن كل ذلك من الغنم ، والذكور والإناث سواء . واسم الشاء أيضا - : واقع على المعز والضأن كما ذكرنا في اللغة . ولا واحد للغنم من لفظه ، إنما يقال للواحد : شاة ، أو ماعزة ، أو ضانية ، أو كبش ، أو تيس : هذا ما لا خلاف فيه بين أهل اللغة - وبالله تعالى التوفيق .
670 - مسألة : ولا زكاة في الغنم حتى يملك المسلم الواحد منها أربعين رأسا حولا كاملا متصلا عربيا قمريا . وقد اختلف السلف في هذا ، وسنذكره في زكاة الفوائد ، إن شاء الله تعالى : ويكفي من هذا أن { رسول الله ﷺ أوجب الزكاة في الماشية ، ولم يحد وقتا } ولا ندري من هذا العموم متى تجب الزكاة ، إلا أنه لم يوجبها عليه السلام في كل يوم ، ولا في كل شهر ، ولا مرتين في العام فصاعدا ، هذا منقول بإجماع إليه ﷺ فإذ لا شك في أنها مرة في الحول ، فلا يجب فرض إلا بنقل صحيح إلى رسول الله ﷺ . ووجدنا من أوجب الزكاة في أول الحول ، أو قبل تمام الحول لم ينقل ذلك إلى رسول الله ﷺ لا بنقل آحاد ولا بنقل تواتر ولا بنقل إجماع ، ووجدنا من أوجبها بانقضاء الحول قد صح وجوبها بنقل الإجماع عن النبي ﷺ حينئذ بلا شك ؛ فالآن وجبت ، لا قبل ذلك فإن احتج بقول الله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } . قلنا : إنما تجب المسارعة إلى الفرض بعد وجوبه لا قبل وجوبه ، وكلامنا في هذه المسألة وفي أخواتها إنما هو في وقت الوجوب ، فإذا صح وجوب الفرض فحينئذ تجب المسارعة إلى أدائه لا قبل ذلك ، بلا خلاف وأما قولنا : أن يكون الحول عربيا فلا خلاف بين أحد من الأمة في أن الحول اثنا عشر شهرا ، وقال الله تعالى : { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم } . والأشهر الحرم لا تكون إلا في الشهور العربية . وقال تعالى : { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } . وقال تعالى : { لتعلموا عدد السنين والحساب } . ولا يعد بالأهلة إلا العام العربي ؛ فصح أنه لا تجب شريعة مؤقتة بالشهور أو بالحول إلا بشهور العرب ، والحول العربي - وبالله تعالى التوفيق ؟ .
671 - مسألة : فإذا تمت في ملكه عاما كما ذكرنا ، سواء كانت كلها ماعزا ، أو بعضها - أكثرها أو أقلها - ضأنا ، وسائرها كذلك معزى - : ففيها شاة واحدة لا نبالي ضانية كانت أو ماعزة ، كبشا ذكرا أو أنثى من كليهما ، كل رأس تجزئ منهما عن الضأن ، وعن الماعز ؛ وهكذا ما زادت حتى تتم مائة وعشرين كما ذكرنا ؟ فإذا أتمتها وزادت لو بعض شاة كذلك عاما كاملا كما ذكرنا - : ففيها شاتان كما قلنا ، إلى أن تتم مائتي شاة ؟ فإذا أتمتها وزادت ولو بعض شاة كذلك عاما كاملا وصفنا ففيها ثلاث شياه كما حددنا ؛ وهكذا إلى أن تتم أربعمائة شاة كما وصفنا فإذا أتمتها كذلك عاما كاملا كما ذكرنا ففي كل مائة شاة شاة . وأي شاة أعطى صاحب الغنم فليس للمصدق ولا لأهل الصدقات ردها ، من غنمه كانت أو من غير غنمه ، ما لم تكن هرمة أو معيبة ؛ فإن أعطاه هرمة ؛ أو معيبة فالمصدق مخير ، إن شاء أخذها وأجزأت عنه ، وإن شاء ردها وكلفه فتية سليمة ، ولا نبالي كانت تجزئ في الأضاحي أو لا تجزئ ؟ والمصدق هو الذي يبعثه الإمام - الواجبة طاعته - أو أميره في قبض الصدقات ؟ ولا يجوز للمصدق أن يأخذ تيسا ذكرا إلا أن يرضى صاحب الغنم ؛ فيجوز له حينئذ ؛ ولا يجوز للمصدق أن يأخذ أفضل الغنم ، فإن كانت التي تربى أو السمينة ليست من أفضل الغنم جاز أخذها ؛ فإن كانت كلها فاضلة أخذ منها إن أعطاه صاحبها ، سواء فيما ذكرنا كان صاحبها حاضرا أو غائبا إذا أخذ المصدق ما ذكرنا أجزأ ؟ برهان ذلك - : ما حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ثنا أبي ثنا ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك ( أن أنس بن مالك ) حدثه : أن أبا بكر الصديق كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين " هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله ﷺ على المسلمين ؛ فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سأل فوقها فلا يعط " . ثم ذكر الحديث وفيه - : { في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة } فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين فشاتان ؛ فإذا زادت على مائتين إلى ثلثمائة ففيها ثلاث شياه ؛ فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها ، ولا يخرج في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار ، ولا تيس إلا ما شاء المصدق . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن إسحاق بن السليم ثنا ابن الأعرابي ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : { كتب رسول الله ﷺ كتاب الصدقة فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض عليه السلام ، فعمل به أبو بكر حتى قبض ، ثم عمل به عمر حتى قبض ، فكان فيه - ذكر الفرائض - : وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة ، إلى عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين ، فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلثمائة ، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاة شاة ، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة } . حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا محمد هو ابن مقاتل - أنا عبد الله بن المبارك ثنا زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس قال { قال رسول الله ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن - فذكر الحديث وفيه - : فأخبرهم أن الله تعالى قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوا بذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم ، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب } . ففي هذه الأخبار نص كل ما ذكرنا - وفي بعض ذلك خلاف . فمن ذلك - : أن قوما قالوا : لا يؤخذ من الضأن إلا ضانية ، ومن المعز إلا ماعزة فإن كانا خليطين أخذ من الأكثر . قال أبو محمد : وهذا قول بلا برهان ، لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ولا قياس ؛ بل الذي ذكروا خلاف للسنن المذكورة ، وقد اتفقوا على جمع المعزى مع الضأن ، وعلى أن اسم غنم يعمها ، وأن اسم الشاة يقع على الواحد من الماعز ، ومن الضأن ؛ ولو أن رسول الله ﷺ علم في حكمها فرقا لبينه ، كما خص التيس ، وإن وجد في اللغة اسم التيس يقع على الكبش وجب أن لا يؤخذ في الصدقة إلا برضا المصدق . والعجب أن المانع من أخذ الماعزة عن الضأن أجاز أخذ الذهب عن الفضة والفضة عن الذهب وهما عنده صنفان ، يجوز بيع بعضهما ببعض متفاضلا والخلاف أيضا في مكان آخر : وهو أن قوما قالوا : إن ملك مائة شاة وعشرين شاة وبعض شاة فليس عليه إلا شاة واحدة حتى يتم في ملكه مائة وإحدى وعشرون ، ومن ملك مائتي شاة وبعض شاة فليس عليه إلا شاتان حتى يتم في ملكه مائتا شاة وشاة . واحتجوا بما في حديث ابن عمر " فإن زادت واحدة " كما أوردناه قال أبو محمد : في حديث ابن عمر كما ذكروا ، وفي حديث أبي بكر الذي أوردنا " فإن زادت " ولم يقل " واحدة " فوجدنا الخبرين جميعا متفقين على أنها إن زادت واحدة على مائة وعشرين شاة أو على مائتي شاة فقد انتقلت الفريضة . ووجدنا حديث أبي بكر يوجب انتقال الفريضة بالزيادة على المائة وعشرين وعلى المائتين ، فكان هذا عموما لكل زيادة ، وليس في حديث ابن عمر المنع من ذلك أصلا ، فصار من قال بقولنا قد أخذ بالحديثين ، فلم يخالف واحدا منهما ؛ وصار من قال بخلاف ذلك مخالفا لحديث أبي بكر ، مخصصا له بلا برهان - وبالله تعالى التوفيق . وهاهنا أيضا خلاف آخر : وهو ما رويناه من طريق وكيع عن سفيان الثوري ، ومن طريق محمد بن جعفر عن شعبة ، ثم اتفق شعبة ، وسفيان كلاهما عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي أنه قال : إذا زادت الغنم واحدة على ثلثمائة ففيها أربع شياه إلى أربعمائة ، فكل ما زادت واحدة فهو كذلك ؟ قال أبو محمد : ولا حجة في أحد مع رسول الله ﷺ ولقد يلزم القائلين بالقياس - لا سيما المالكيين القائلين بأن القياس أقوى من خبر الواحد ، والحنفيين القائلين بأن ما عظمت به البلوى لا يقبل فيه خبر الواحد - : أن يقولوا بقول إبراهيم ؛ لأنهم قد أجمعوا على أن المائتي شاة إذا زادت واحدة فإن الفريضة تنتقل ويجب فيها ثلاث شياه ، فكذلك إذا زادت على الثلاثمائة واحدة أيضا ، فيجب أن تنتقل الفريضة ، ولا سيما والحنفيون قد قلدوا إبراهيم في أخذ الزكاة من البقرة الواحدة تزيد على أربعين بقرة ، واحتجوا بأنهم لم يجدوا في البقر وقصا من تسعة عشر أن يقلدوه هاهنا ويقولوا : لم نجد في الغنم وقصا من مائة وثمان وتسعين شاة ؛ لا سيما ومعهم هاهنا في الغنم قياس مطرد ، وليس معهم في البقر قياس أصلا ، وكل ما موهوا به في البقر فهو لازم لهم فيما زاد على الثلاثمائة من الغنم من قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } ونحو ذلك - وهلا قالوا : هذا مما تعظم به البلوى فلو كان ذلك ما جهله إبراهيم ؟ فإن قالوا : إن خلاف قول إبراهيم قد جاء في حديث أبي بكر ، وخبر ابن عمر ، وعن علي ، وعن صحيفة ابن حزم ؟ قلنا : ليس شيء من هذه الأخبار إلا وقد خالفتموها ، فلم تكن حجة فيما خالفتموه فيه ، وكان حجة عندكم فيما اشتهيتم ، وهذا عجب جدا قال أبو محمد : كله خبط لا معنى له وإنما نريهم تناقضهم وتحكمهم في الدين بترك القياس للسنن إذا وافقت تقليدهم ، وبترك السنن للقياس كذلك ، وبتركهما جميعا كذلك وأما من راعى في الشاة المأخوذة ما تجزئ من الأضحية - وهو أبو حنيفة - فقد أخطأ ؛ لأنه لم يأت بما قال نص ، ولا إجماع ؛ فكيف وقد أجمعوا على أخذ الجذعة فما دونها في زكاة الإبل ، ولا تجزئ في الأضحية ، وإنما { قال عليه السلام لأبي بردة ولن تجزئ جذعة لأحد بعدك } يعني في الأضحية ؛ لأنه عنها سأله ، وقد صح النص بإيجاب الجذعة في زكاة الإبل ؛ فصح يقينا أنه عليه السلام لم يعن إلا الأضحية - وبالله تعالى التوفيق . وأما قولنا إن كانت الغنم كلها كرائم أخذ منها برضا صاحبها ؛ فلأن رسول الله ﷺ { نهى عن كرائم الغنم } ؛ وهذا في لغة العرب يقتضي أن يكون في الغنم - ولا بد - ما ليس بكرائم ، وأما إذا كانت كلها كرائم فلا يجوز أن يقال في شيء منها : هذه كرائم هذه الغنم ؛ لكن يقال هذه كريمة من هذه الغنم الكرائم . وقد روينا عن إبراهيم النخعي أنه قال : يؤمر المصدق أن يصدع الغنم صدعين فيختار صاحب الغنم خير الصدعين ويأخذ المصدق من الآخر ؟ وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أنه قال : يفرق الغنم أثلاثا ، ثلث خيار ، وثلث رذال ، وثلث وسط ؛ ثم تكون الصدقة في الوسط . قال أبو محمد : هذا لا نص فيه ؛ ولكن روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : لا يأخذ المصدق هرمة ولا ذات عوار ولا تيسا . ومن طريق البخاري عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال : قال أبو بكر الصديق : والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم عليها ؟ ومن طريق عبد الرزاق : أخبرني بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله أن أباه حدثه ( أن سفيان أباه حدثه ) أن عمر بن الخطاب قال له : قل لهم : إني لا آخذ الشاة الأكولة ولا فحل الغنم ، ولا الربى ولا الماخض ، ولكني آخذ العناق والجذعة ، والثنية وذلك عدل بين غذاء المال وخياره ؟ ومن طريق الأوزاعي عن سالم بن عبد الله المحاربي أن عمر بعثه مصدقا وأمره أن يأخذ الجذعة ، والثنية .
672 - مسألة : وما صغر عن أن يسمى : شاة ، لكن يسمى خروفا ، أو جديا ، أو سخلة : لم يجز أن يؤخذ في الصدقة الواجبة ، ولا أن يعد فيما تؤخذ منه الصدقة ، إلا أن يتم سنة ؛ فإذا أتمها عد ، وأخذت الزكاة منه ؟ قال أبو محمد : هذا مكان اختلف الناس فيه . فقال أبو حنيفة : تضم الفوائد كلها من الذهب ، والفضة ، والمواشي ، إلى ما عند صاحب المال فتزكى مع ما كان عنده ، ولو لم يفدها إلا قبل تمام الحول بساعة . هذا إذا كان الذي عنده تجب في مقدار ما معه الزكاة ، وإلا فلا ، وإنما يراعى في ذلك أن يكون عنده نصاب في أول الحول وآخره ، ولا يبالي أنقص في داخل الحول عن النصاب أم لا ؟ قال : فإن ماتت التي كانت عنده كلها وبقي من عدد الخرفان أكثر من أربعين : فلا زكاة فيها ؟ وكذلك لو ملك ثلاثين عجلا فصاعدا ، أو خمسا من الفصلان فصاعدا ، عاما كاملا دون أن يكون فيها مسنة واحدة فما فوقها - : فلا زكاة عليه فيها ؟ وقال مالك : لا تضم فوائد الذهب ، والفضة ، إلى ما عند المسلم منها ؛ بل يزكى كل مال بحوله ، حاشا ربح المال وفوائد المواشي كلها ؛ فإنها تضم إلى ما عنده ويزكى الجميع بحول ما كان عنده ، ولو لم يفدها إلا قبل الحول بساعة ، إلا أنه فرق بين فائدة الذهب ، والفضة ، والماشية ، من غير الولادة ، فلم ير أن يضم إلى ما عند المرء من ذلك كله إلا إذا كان الذي عنده منها مقدارا تجب في مثله الزكاة وإلا فلا . ورأى أن تضم ولادة الماشية خاصة إلى ما عنده منها ، سواء كان الذي عنده منها تجب في مقداره الزكاة أو لا تجب في مقداره الزكاة . وقال الشافعي : لا تضم فائدة أصلا إلى ما عنده ، إلا أولاد الماشية فقط ، فإنها تعد مع أمهاتها ، ولو لم يتم العدد المأخوذ منه الزكاة بها إلا قبل الحول بساعة ، هذا إذا كانت الأمهات نصابا تجب فيه الزكاة وإلا فلا ، فإن نقصت في بعض الحول عن النصاب : فلا زكاة فيها ؟ قال أبو محمد : أما تناقض مالك ، والشافعي وتقسيمهما فلا خفاء به ، لأنهما قسما تقسيما لا برهان على صحته . وأما أبو حنيفة فله هاهنا أيضا تناقض أشنع من تناقض مالك ، والشافعي ، وهو أنه رأى أن يراعى أول الحول وآخره دون وسط ، ورأى أن تعد أولاد الماشية مع أمهاتها ولو لم تضعها إلا قبل مجيء الساعي بساعة ، ثم رأى في أربعين خروفا صغارا ومعها شاة واحدة مسنة أن فيها الزكاة ، وهي تلك المسنة فقط ؛ فإن لم يكن معها مسنة فلا زكاة فيها ، فإن كانت معه مائة خروف وعشرون خروفا صغارا كلها ومعها مسنة واحدة . قال : إن كان فيها مسنتان فصدقتها تانك المسنتان معا ، وإن كان ليس معهما إلا مسنة واحدة فليس فيها إلا تلك المسنة وحدها فقط ، فإن لم يكن معها مسنة فليس فيها شيء أصلا . وهكذا قال في العجاجيل والفصلان أيضا ، ولو ملكها سنة فأكثر قال أبو محمد : وهذه شريعة إبليس لا شريعة الله تعالى ورسوله محمد ﷺ نعني قوله : إن كان مع المائة خروف والعشرون خروفا : مسنتان زائدتان أخذتا عن زكاة الخرفان كلتاهما ، فإن لم يكن معها إلا مسنة واحدة : أخذت وحدها عن زكاة الخرفان ولا مزيد وما جاء بهذا قط قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ، ولا قول أحد من الصحابة ولا من التابعين ، ولا أحد نعلمه قبل أبي حنيفة ، ولا قياس ولا رأي سديد . وقد روي عنه أنه قال مرة في أربعين خروفا : يؤخذ عن زكاتها شاة مسنة ، وبه يأخذ زفر ، ثم رجع إلى أن قال : بل يؤخذ عن زكاتها خروف منها ؛ وبه يأخذ أبو يوسف ؛ ثم رجع إلى أن قال : لا زكاة فيها ؛ وبه يأخذ الحسن بن زياد . وقال مالك كقول زفر ، وقال الأوزاعي ، والشافعي ، كقول أبي يوسف ، وقال الشعبي ، وسفيان الثوري ، وأبو سليمان كقول الحسن بن زياد . قال أبو محمد : احتج من رأى أن تعد الخرفان مع أمهاتها بما رويناه من طريق عبد الرزاق عن بشر بن عاصم بن سفيان بن عبد الله الثقفي عن أبيه عن جده : أنه كان مصدقا في مخاليف الطائف ، فشكا إليه أهل الماشية تصديق الغذاء ، وقالوا : إن كنت معتدا بالغذاء فخذ منه صدقته . قال عمر : فقل لهم : إنا نعتد بالغذاء كلها حتى السخلة يروح بها الراعي على يده ؛ وقل لهم : إني لا آخذ الشاة الأكولة ؛ ولا فحل الغنم ، ولا الربى ، ولا الماخض ؛ ولكني آخذ العناق ، والجذعة ، والثنية : وذلك عدل بين غذاء المال ، وخياره . وروينا هذا أيضا من طريق مالك عن ثور بن زيد عن ابن عبد الله بن سفيان ومن طريق أيوب عن عكرمة بن خالد عن سفيان . ما نعلم لهم حجة غير هذا ؟ قال أبو محمد : وهذا لا حجة لهم فيه لوجوه : أولها - أنه ليس من قول رسول الله ﷺ ولا حجة في قول أحد دونه . والثاني - أنه قد خالف عمر رضي الله عنه في هذا غيره من أصحاب رسول الله ﷺ كما حدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري عن عبد الرزاق عن مالك عن محمد بن عقبة عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق : أن أبا بكر الصديق كان لا يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول - : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا محمد بن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت : لا يزكى حتى يحول عليه الحول : تعني المال المستفاد - : وبه إلى سفيان عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب قال : من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول . وبه إلى سفيان عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول . فهذا عموم من أبي بكر ، وعائشة ، وعلي ، وابن عمر رضي الله عنهم ، لم يخصوا فائدة ماشية بولادة من سائر ما يستفاد ؛ وليس لأحد أن يقول إنهم لم يريدوا بذلك أولاد الماشية إلا كان كاذبا عليهم ، وقائلا بالباطل الذي لم يقولوه قط ؟ وأيضا - فإن الذين حكى عنهم سفيان بن عبد الله أنهم أنكروا أن يعد عليهم أولاد الماشية مع أمهاتها - : قد كان فيهم بلا شك جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ لأن سفيان ذكر أن ذلك كان أيام عمر رضي الله عنه ولي الأمر بعد موت النبي ﷺ بسنتين ونصف ، وبقي عشر سنين ، ومات بعد موت رسول الله ﷺ بثلاث عشرة سنة ، وكانوا بالطائف ، وأهل الطائف أسلموا قبل موت رسول الله ﷺ بنحو عام ونصف ورأوه عليه فقد صح الخلاف في هذا من الصحابة رضي الله عنهم بلا شك ، وإذا كان ذلك فليس قول بعضهم أولى من قول بعض ؛ والواجب في ذلك ما افترضه الله تعالى إذ يقول : { فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } . والثالث - أنه لم يرو هذا عن عمر من طريق متصلة إلا من طريقين : إحداهما : من طريق بشر بن عاصم بن سفيان عن أبيه ، وكلاهما غير معروف أو من طريق ابن لعبد الله بن سفيان لم يسم . والثانية - من طريق عكرمة بن خالد ، وهو ضعيف . والرابع - أن الحنفيين ، والشافعيين : خالفوا قول عمر في هذه المسألة نفسها ، فقالوا : لا يعتد بما ولدت الماشية إلا أن تكون الأمهات - دون الأولاد - عددا تجب فيه الزكاة وإلا فلا تعد عليهم الأولاد ، وليس هذا في حديث عمر . والخامس - أنهم لا يلتفتون ما قد صح عن عمر رضي الله عنه بأصح من هذا الإسناد ، أشياء لا يعرف له فيها مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ، إذا خالف رأي مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي - : كترك الحنفيين ، والشافعيين قول عمر : الماء لا ينجسه شيء . وترك الحنفيين ، والمالكيين ، والشافعيين : أخذ عمر الزكاة من الرقيق لغير التجارة ، وصفة أخذه الزكاة من الخيل . وترك الحنفيين إيجاب عمر الزكاة في مال اليتيم ، ولا يصح خلافه عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم . وترك الحنفيين ، والمالكيين : أمر عمر الخارص بأن يترك لأصحاب النخل ما يأكلونه لا يخرصه عليهم ، وغير هذا كثير جدا ؟ فقد وضح أن احتجاجهم بعمر إنما هو حيث وافق شهواتهم لا حيث صح عن عمر من قول أو عمل وهذا عظيم في الدين جدا قال أبو محمد : المرجوع إليه عند التنازع هو القرآن ، وسنة رسول الله ﷺ فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله ﷺ إنما أوجب الزكاة في أربعين شاة فصاعدا كما وصفنا ، وأوجب فيها شاة أو شاتين أو في كل مائة شاة شاة ، وأسقطها عما عدا ذلك . ووجدنا الخرفان والجديان لا يقع عليها اسم شاة ولا اسم شاء في اللغة التي أوجب الله تعالى علينا بها دينه على لسان رسول الله ﷺ . فخرجت الخرفان ، والجديان عن أن تجب فيها زكاة . وأيضا - فقد أجمعوا على أن لا يؤخذ خروف ولا جدي في الواجب في الزكاة عن الشاء فأقروا بأنه لا يسمى شاة ولا له حكم الشاء ، فمن المحال أن يؤخذ منها زكاة ، فلا تجوز هي في الزكاة بغير نص في ذلك . وأيضا - فإن زكاة ماشية لم يحل عليها حول لم يأت به قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ؟ وأما من ملك خرفانا أو عجولا أو فصلانا سنة كاملة فالزكاة فيها واجبة عند تمام العام ؛ لأن كل ذلك يسمى غنما ، وبقرا وإبلا . حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا محمد بن معاوية ثنا أحمد بن شعيب ثنا هناد بن السري عن هشيم عن هلال بن خباب عن ميسرة أبي صالح عن سويد بن غفلة قال { أتانا مصدق رسول الله ﷺ فجلست إليه ، فسمعته يقول : إن في عهدي أن لا نأخذ من راضع لبن } . قال أبو محمد : لو أراد أن لا يؤخذ هو في الزكاة لقال " أن لا نأخذ راضع لبن " لكن لما منع من أخذ الزكاة من راضع لبن - وراضع لبن اسم للجنس - صح بذلك أن لا تعد الرواضع فيما تؤخذ منه الزكاة . وما نعلم أحدا عاب هلال بن خباب ، إلا أن يحيى بن سعيد القطان قال : لقيته وقد تغير ، وهذا ليس جرحة ، لأن هشيما أسن من يحيى بنحو عشرين سنة ، فكان لقاء هشيم لهلال قبل تغيره بلا شك . وأما سويد فأدرك النبي ﷺ وأتى إلى المدينة بعد وفاته عليه السلام بنحو خمس ليال ، وأفتى أيام عمر رضي الله عنه - : قال أبو محمد : وأما الشافعي ، وأبو يوسف فطردا قولهما ، إذ أوجبا أخذ خروف صغير في الزكاة عن أربعين خروفا فصاعدا ، ولدت قبل الحول أو ماتت أمهاتها ؟ وأخذ مثل هذا في الزكاة عجب جدا وأما إذا أتمت سنة فاسم شاة يقع عليها فهي معدودة ومأخوذة - وبالله تعالى التوفيق . وحصلوا كلهم على أن ادعوا أنهم قلدوا عمر رضي الله عنه ؛ وهم قد خالفوه في هذه المسألة نفسها ، فلم ير أبو حنيفة ، والشافعي أن تعد الأولاد مع الأمهات إلا إذا كانت الأمهات نصابا ؛ ولم يقل عمر كذلك ؟ وحصل مالك على قياس فاسد متناقض ؛ لأنه قاس فائدة الماشية خاصة - دون سائر الفوائد - على ما في حديث عمر من عد أولادها معها ، ثم نقض قياسه فرأى أن لا تضم فائدة الماشية بهبة ، أو ميراث ، أو شراء إلى ما عنده منها إلا إن كان ما عنده نصابا تجب في مثله الزكاة وإلا فلا - ورأى أن تضم أولادها إليها وإن لم تكن الأمهات نصابا تجب في الزكاة ؟ وهذه تقاسيم لا يعرف أحد قال بها قبلهم ، ولا هم اتبعوا عمر ، ولا طردوا القياس ، ولا اتبعوا نص السنة في ذلك .