→ فصل في خمس الغنيمة وتقسيمه | مجموع فتاوى ابن تيمية فصل في التقليد الذي حرمه الله ورسوله ابن تيمية |
سئل عمن يقول أن النصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة ← |
فصل في التقليد الذي حرمه الله ورسوله
وقال شيخ الإسلام رَحِمهُ الله:
قد ذم الله تعالى في القرآن من عَدَل عن اتباع الرسل إلى ما نشأ عليه من دين آبائه، وهذا هو التقليد الذي حرمه الله ورسوله، وهو: أن يتبع غير الرسول فيما خالف فيه الرسول، وهذا حرام باتفاق المسلمين على كل أحد؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والرسول طاعته فرض على كل أحد من الخاصة والعامة في كل وقت وكل مكان؛ في سره وعلانيته، وفي جميع أحواله.
وهذا من الإيمان، قال الله تعالى: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا } [1]، وقال: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [2]، وقال: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [3] وقال: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [4]، وقال: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ } [5].
وقد أوجب الله طاعة الرسول على جميع الناس في قريب من أربعين موضعًا من القرآن، وطاعته طاعة الله، وهي: عبادة الله وحده لا شريك له، وذلك هو دين الله وهو الإسلام، وكل من أمر الله بطاعته من عالم وأمير ووالد وزوج؛ فلأن طاعته طاعة لله. وإلا فإذا أمر بخلاف طاعة الله فإنه لا طاعة له، وقد يأمر الوالد والزوج بمباح فيطاع، وكذلك الأمير إذا أمر عالمًا يعلم أنه معصية لله، والعالم إذا أفتى المستفتى بما لم يعلم المستفتى أنه مخالف لأمر الله، فلا يكون المطيع لهؤلاء عاصيًا، وأما إذا علم أنه مخالف لأمر الله فطاعته في ذلك معصية لله؛ ولهذا نقل غير واحد الإجماع على أنه لا يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا كان قد اجتهد واستدل وتبين له الحق الذي جاء به الرسول، فهنا لا يجوز له تقليد من قال خلاف ذلك بلا نزاع، ولكن هل يجوز مع قدرته على الاستدلال أنه يقلد؟ هذا فيه قولان:
فمذهب الشافعي وأحمد وغيرهما لا يجوز. وحكى عن محمد بن الحسن جوازه. والمسألة معروفة. وحكى بعض الناس ذلك عن أحمد، ولم يعرف هذا الناقل قول أحمد، كما هو مذكور في غير هذا الموضع.
وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور، وفي صفة من يجوز له التقليد تفصيل ونزاع ليس هذا موضعه.
والمقصود هنا أن التقليد المحرم بالنص والإجماع: أن يعارض قول الله ورسوله بما يخالف ذلك كائنًا من كان المخالف لذلك. قال الله تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } [6]، وقال تعالى: { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا }، إلى قوله: { وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } [7]، وقال تعالى: { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } إلى قوله: { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [8]، فذكر براءة المتبوعين من أتباعهم في خلاف طاعة الله، ذكر هذا بعد قوله: { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } [9]، فالإله الواحد هو المعبود والمطاع، فمن أطاع متبوعًا في خلاف ذلك فله نصيب من هذا الذم، قال تعالى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ }، إلى قوله: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ } [10].
ثم خاطب الناس بِأَكْل مافي الأرض حلالًا طيبًا، وألا يتبعوا خطوات الشيطان في خلاف ذلك، فإنه إنما يأمر بالسوء والفحشاء، وأن يقولوا على الله ما لا يعلمون، فيقولوا: هذا حرام وهذا حلال، أو غير ذلك مما يقولونه على الله في الأمور الخبرية والعملية بلا علم، كما قال تعالى: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ } [11].
ثم إن هؤلاء الذين يقولون على الله بغير علم إذا قيل لهم: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا } [12]، فليس عندهم علم، بل عندهم اتباع سلفهم، وهو الذي اعتادوه وتربوا عليه.
ثم خاطب المؤمنين خصوصًا فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ } [13]، فأمرهم بأكل الطيبات مما رزقهم؛ لأنهم هم المقصودون بالرزق، ولم يشترط الحل هنا لأنه إنما حرم ما ذكر، فما سواه حلال لهم، والناس إنما أمرهم بأكل ما في الأرض حلالًا طيبًا وهو إنما أحل للمؤمنين، والكفار لم يحل لهم شيئًا، فالحل مشروط بالإيمان، ومن لم يستعن برزقه على عبادته لم يحل له شيئًا، وإن كان أيضا لم يحرمه، فلا يقال: إن الله أحله لهم ولا حرمه، وإنما حرم على الذين هادوا ما ذكره في سورة الأنعام.
ولهذا أنكر في سورة الأنعام وغيرها على من حرم ما لم يحرمه، كقوله: { قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ } [14]، ثم قال: { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } [15]، ثم قال تعالى: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } الآيات [16]. وقال في سورة النحل: { وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ } الآية [17]، وأخبر أنه حرم ذلك ببغيهم فقال: { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [18]، وقال: { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ } [19].
وهذا كله يدل على أصح قولى العلماء، وهو: أن هذا التحريم باق عليهم بعد مبعث محمد لا يزول إلا بمتابعته؛ لأنه تحريم عقوبة على ظلمهم وبغيهم، وهذا لم يزل بل زاد وتغلظ، فكانوا أحق بالعقوبة.
وأيضا، فإن الله تعالى أخبر بهذا التحريم بعد مبعث محمد ﷺ ليبين أنه لم يحرم إلا هذا وهذا، فلو كان ذلك التحريم قد زال لم يستثنه.
وأيضا، فإن التحريم لا يزول إلا بتحليل منه، وهو إنما أحل أكل الطيبات للمؤمنين بقوله: { لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ } الآية [20]، وقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ } [21]، وقوله: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ } إلى قوله: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } [22] وهذا خطاب للمؤمنين؛ ولهذا قال: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ }، ثم قال: { وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ }، فلو كان ما أحل لنا حِلًا لهم لم يحتج إلى هذا، وقوله: { وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } لا يدخل فيه ما حرم عليهم، كما أن قوله: { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } لا يدخل فيه ما حرم علينا مما يستحلونه هم؛ كصيد الحرم وما أهل به لغير الله.
وهل يدخل في طعامهم الذي أحل لنا ما حرم عليهم ولم يحرم علينا، مثل ما إذا ذكوا الإبل؟ هذا فيه نزاع معروف، فالمشهور من مذهب مالك وهو أحد القولين في مذهب أحمد تحريمه. ومذهب أبي حنيفة والشافعي والقول الآخر في مذهب أحمد: حله.
وهل العلة أنهم لم يقصدوا ذكاته، أو العلة أنه ليس من طعامهم؟ فيه نزاع.
وإذا ذبحوا للمسلم، فهل هو كما إذا ذبحوا لأنفسهم؟ فيه نزاع.
وفي جواز ذبحهم النسك إذا كانوا ممن يحل ذبحهم قولان، هما روايتان عن أحمد، فالمنع مذهب مالك، والجواز مذهب أبي حنيفة والشافعي، فإذا كان الذابح يهوديًا صار في الذبح علتان، وليس هذا موضع هذه المسائل.
ثم إنه سبحانه لما ذكر حال من يقول على الله بلا علم، بل تقليدًا لسلفه ذكر حال من يكتم ما أنزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب، فقال: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [23]، فهذا حال من كتم علم الرسول، وذاك حال من عدل عنها إلى خلافها، والعادل عنها إلى خلافها يدخل فيه من قَلَّد أحدًا من الأولين والآخرين فيما يعلم أنه خلاف قول الرسول، سواء كان صاحبا أو تابعًا أو أحد الفقهاء المشهورين الأربعة، أو غيرهم.
وأما من ظن أن الذين قلدهم موافقون للرسول فيما قالوه، فإن كان قد سلك في ذلك طريقًا علميًا فهو مجتهد له حكم أمثاله، وإن كان متكلمًا بلا علم فهو من المذمومين.
ومن ادعى إجماعًا يخالف نص الرسول من غير نص يكون موافقًا لما يدعيه، واعتقد جواز مخالفة أهل الإجماع للرسول برأيهم، وأن الإجماع ينسخ النص كما تقوله طائفة من أهل الكلام والرأي، فهذا من جنس هؤلاء.
وأما إن كان يعتقد أن الإجماع يدل على نص لم يبلغنا يكون ناسخًا للأول. فهذا وإن كان لم يقل قولًا سديدًا، فهو مجتهد في ذلك، يبين له فساد ما قاله، كمن عارض حديثا صحيحًا بحديث ضعيف اعتقد صحته، فإن قوله، وإن لم يكن حقًا، لكن يبين له ضعفه، وذلك بأن يبين له عدم الإجماع المخالف للنص، أو يبين له أنه لم تجتمع الأمة على مخالفة نص إلا ومعها نص معلوم يعلمون أنه الناسخ للأول، فدعوى تعارض النص والإجماع باطلة، ويبين له أن مثل هذا لا يجوز؛ فإن النصوص معلومة محفوظة، والأمة مأمورة بتتبعها واتباعها، وأما ثبوت الإجماع على خلافها بغير نص، فهذا لا يمكن العلم بأن كل واحد من علماء المسلمين خالف ذلك النص.
والإجماع نوعان:
قطعى: فهذا لا سبيل إلى أن يعلم إجماع قطعى على خلاف النص.
وأما الظنى: فهو الإجماع الإقرارى والاستقرائى؛ بأن يستقرئ أقوال العلماء فلا يجد في ذلك خلافًا، أو يشتهر القول في القرآن ولا يعلم أحدًا أنكره، فهذا الإجماع وإن جاز الاحتجاج به فلا يجوز أن تدفع النصوص المعلومة به؛ لأن هذا حجة ظنية لا يجزم الإنسان بصحتها، فإنه لا يجزم بانتفاء المخالف، وحيث قطع بانتفاء المخالف فالإجماع قطعى. وأما إذا كان يظن عدمه ولا يقطع به فهو حجة ظنية، والظنى لا يدفع به النص المعلوم، لكن يحتج به ويقدم على ما هو دونه بالظن، ويقدم عليه الظن الذي هو أقوى منه، فمتى كان ظنه لدلالة النص أقوى من ظنه بثبوت الإجماع قدم دلالة النص، ومتى كان ظنه للإجماع أقوى قدم هذا، والمصيب في نفس الأمر واحد.
وإن كان قد نقل له في المسألة فروع ولم يتعين صحته، فهذا يوجب له ألا يظن الإجماع إن لم يظن بطلان ذلك النقل، وإلا فمتى جوز أن يكون ناقل النزاع صادقًا، وجوز أن يكون كاذبًا يبقى شاكا في ثبوت الإجماع، ومع الشك لا يكون معه علم ولا ظن بالإجماع، ولا تدفع الأدلة الشرعية بهذا المشتبه، مع أن هذا لا يكون، فلا يكون قط إجماع يجب اتباعه مع معارضته لنص آخر لا مخالف له، ولا يكون قط نص يجب اتباعه وليس في الأمة قائل به، بل قد يخفي القائل به على كثير من الناس. قال الترمذى: كل حديث في كتأبي قد عمل به بعض أهل العلم إلا حديثين: حديث الجمع، وقتل الشارب. ومع هذا فكلا الحديثين قد عمل به طائفة، وحديث الجمع قد عمل به أحمد وغيره.
ولكن من ثبت عنده نص ولم يعلم قائلًا به، وهو لا يدرى أجمع على نقيضه، أم لا؟ فهو بمنزلة من رأي دليلًا عارضه آخر وهو بعد لم يعلم رجحان أحدهما، فهذا يقف إلى أن يتبين له رجحان هذا أو هذا، فلا يقول قولًا بلا علم، ولا يتبع نصا مع... ظن نسخه وعدم نسخه عنده سواء، لما عارضه عنده من نص آخر أو ظن إجماع، ولا عامًا ظن تخصيصه وعدم تخصيصه عنده سواء، فلابد أن يكون الدليل سالمًا عن المعارض المقاوم فيغلب على ظنه نفي المعارض المقاوم وإلا وقف.
وأيضا، فمن ظن أن مثل هذا الإجماع يحتج به في خلاف النص إن لم يترجح عنده ثبوت الإجماع، أو يكون معه نص آخر ينسخ الأول وما يظنه من الإجماع معه. وأكثر مسائل أهل المدينة التي يحتجون فيها بالعمل يكون معهم فيها نص، فالنص الذي معه العمل مقدم على الآخر، وهذا هو الصحيح في مذهب أحمد وغيره، كتقديم حديث عثمان: لا ينكح المحرم على حديث ابن عباس، وأمثال ذلك.
وأما رد النص بمجرد العمل فهذا باطل عند جماهير العلماء، وقد تنازع الناس في مخالف الإجماع: هل يكفر؟ على قولين.
والتحقيق أن الإجماع المعلوم يكفر مخالفه كما يكفر مخالف النص بتركه، لكن هذا لا يكون إلا فيما علم ثبوت النص به. وأما العلم بثبوت الإجماع في مسألة لا نص فيها فهذا لا يقع، وأما غير المعلوم فيمتنع تكفيره.
وحينئذ فالإجماع مع النص دليلان كالكتاب والسنة.
وتنازعوا في الإجماع: هل هو حجة قطعية أو ظنية؟ والتحقيق أن قطعيه قطعى وظنيه ظنى. والله أعلم.
وقد ذكر نظير هذه الآية في سورة المائدة، وذكر في سورة الزخرف قوله: { قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ } [24]، وهذا يتناول من بين له أن القول الآخر هو أهدى من القول الذي نشأ عليه، فعليه أن يتبعه، كما قال: { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم } [25]، وقال: { { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا } [26]، وقال: { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [27]، والواجب في الاعتقاد أن يتبع أحسن القولين، ليس لأحد أن يعتقد قولًا، وهو يعتقد أن القول المخالف له أحسن منه، وما خير فيه بين فعلين وأحدهما أفضل فهو أفضل، وإن جاز له فعل المفضول فعليه أن يعتقد أن ذلك أفضل، ويكون ذاك أحب إليه من هذا، وهذا اتباع للأحسن.
وإذا نقل عالم الإجماع ونقل آخر النزاع؛إما نقلا سمى قائله، وإما نقلًا بخلاف مطلقًا ولم يسم قائله، فليس لقائل أن يقول: نقلًا لخلاف لم يثبت، فإنه مُقَابَل بأن يقال: ولا يثبت نقل الإجماع، بل ناقل الإجماع نافٍ للخلاف وهذا مثبت له، والمثبت مقدم على النافي.
وإذا قيل: يجوز في ناقل النزاع أن يكون قد غلط فيما أثبته من الخلاف؛ إما لضعف الإسناد، أو لعدم الدلالة، قيل له: ونافي النزاع غلطه أَجْوَز؛ فإنه قد يكون في المسألة أقوال لم تبلغه، أو بلغته وظن ضعف إسنادها، وكانت صحيحة عند غيره، أو ظن عدم الدلالة وكانت دالة، فكل ما يجوز على المثبت من الغلط يجوز على النافي مع زيادة عدم العلم بالخلاف.
وهذا يشترك فيه عامة الخلاف، فإن عدم العلم ليس علمًا بالعدم لا سيما في أقوال علماء أمة محمد ﷺ التي لا يحصيها إلا رب العالمين؛ ولهذا قال أحمد وغيره من العلماء: من ادعى الإجماع فقد كذب. هذه دعوى المرِيسِى والأَصَم، ولكن يقول: لا أعلم نزاعًا. والذين كانوا يذكرون الإجماع كالشافعي وأبي ثور وغيرهما يفسرون مرادهم بأنا لا نعلم نزاعًا، ويقولون: هذا هو الإجماع الذي ندعيه.
فتبين أن مثل هذا الإجماع الذي قوبل بنقل نزاع، ولم يثبت واحد منهما لا يجوز أن يحتج به، ومن لم يترجح عنده نقل مثبت النزاع على نافيه، ولا نافيه على مثبته فليس له أيضا أن يقدمه على النص ولا يقدم النص عليه، بل يقف لعدم رجحان أحدهما عنده، فإن ترجح عنده المثبت غلب على ظنه أن النص لم يعارضه إجماع يعمل به، وينظر في ذلك إلى مثبت الإجماع والنزاع، فمن عرف منه كثرة ما يدعيه من الإجماع والأمر بخلافه ليس بمنزلة من لم يعلم منه إثبات إجماع علم انتفاؤه، وكذلك من علم منه في نقل النزاع أنه لا يغلط إلا نادرًا ليس بمنزلة من علم منه كثرة الغلط.
وإذا تَظَافَرَ على نقل النزاع اثنان لم يأخذ أحدهما عن صاحبه فهذا يثبت به النزاع، بخلاف دعوى الإجماع، فإنه لو تظافر عليه عدد لم يستفد بذلك إلا عدم علمهم بالنزاع، وهذا لمن أثبت النزاع في جمع الثلاث ومن نفي النزاع، مع أن عامة من أثبت النزاع يذكر نقلًا صحيحًا لا يمكن دفعه وليس مع النافي ما يبطله.
وكثير من الفقهاء المتأخرين أو أكثرهم يقولون: إنهم عاجزون عن تَلَقِّى جميع الأحكام الشرعية من جهة الرسول، فيجعلون نصوص أئمتهم بمنزلة نص الرسول ويقلدونهم. ولا ريب أن كثيرًا من الناس يحتاج إلى تقليد العلماء في الأمور العارضة التي لا يستقل هو بمعرفتها، ومن سالكى طريق الإرادة والعبادة والفقر والتصوف من يجعل شيخه كذلك، بل قد يجعله كالمعصوم؛ ولا يتلقى سلوكه إلا عنه، ولا يتلقى عن الرسول سلوكه، مع أن تلقى السلوك عن الرسول أسهل من تلقى الفروع المتنازع فيها؛ فإن السلوك هو بالطريق التي أمر الله بها ورسوله من الاعتقادات والعبادات والأخلاق، وهذا كله مبين في الكتاب والسنة، فإن هذا بمنزلة الغذاء الذي لابد للمؤمن منه.
ولهذا كان جميع الصحابة يعلمون السلوك بدلالة الكتاب والسنة والتبليغ عن الرسول، لا يحتاجون في ذلك إلى فقهاء الصحابة، ولم يحصل بين الصحابة نزاع في ذلك، كما تنازعوا في بعض مسائل الفقه التي خفيت معرفتها على أكثر الصحابة، وكانوا يتكلمون في الفتيا والأحكام؛ طائفة منهم يستفتون في ذلك.
وأما ما يفعله من يريد التقرب إلى الله من واجب ومستحب فكلهم يأخذه عن الكتاب والسنة؛ فإن القرآن والحديث مملوء من هذا، وإن تكلم أحدهم في ذلك بكلام لم يسنده هو يكون هو أو معناه مسندًا عن الله ورسوله، وقد ينطق أحدهم بالكلمة من الحكمة فتجدها مأثورة عن النبي ﷺ، وهذا كما قيل في تفسير قوله: { نُّورٌ عَلَى نُورٍ } [28]، وَلَكِنْ كثير من أهل العبادة والزهادة أعرض عن طلب العلم النبوى الذي يعرف به طريق الله ورسوله، فاحتاج لذلك إلى تقليد شيخ.
وفي السلوك مسائل تنازع فيها الشيوخ، لكن يوجد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على الصواب في ذلك ما يفهمه غالب السالكين، فمسائل السلوك من جنس مسائل العقائد كلها منصوصة في الكتاب والسنة، وإنما اختلف أهل الكلام لما أعرضوا عن الكتاب والسنة، فلما دخلوا في البدع وقع الاختلاف، وهكذا طريق العبادة، عامة ما يقع فيه من الاختلاف إنما هو بسبب الإعراض عن الطريق المشروع، فيقعون في البدع فيقع فيهم الخلاف.
وهكذا الفقه إنما وقع فيه الاختلاف لما خفي عليهم بيان صاحب الشرع، ولكن هذا إنما يقع النزاع في الدقيق منه، وأما الجليل فلا يتنازعون فيه. والصحابة أنفسهم تنازعوا في بعض ذلك ولم يتنازعوا في العقائد، ولا في الطريق إلى الله التي يصير بها الرجل من أولياء الله الأبرار المقربين، ولهذا كان عامة المشايخ إذا احتاجوا في مسائل الشرع مثل مسائل النكاح والفرائض والطهارة وسجود السهو ونحو ذلك قلدوا الفقهاء؛ لصعوبة أخذ ذلك عليهم من النصوص. وأما مسائل التوكل والإخلاص والزهد، ونحو ذلك فهم يجتهدون فيها، فمن كان منهم متبعًا للرسول أصاب، ومن خالفه أخطأ.
ولا ريب أن البدع كثرت في باب العبادة والإرادة أعظم مما كثرت في باب الاعتقاد والقول؛ لأن الإرادة يشترك الناس فيها أكثر مما يشتركون في القول؛ فإن القول لا يكون إلا بعقل، والنطق من خصائص الإنسان. وأما جنس الإرادة فهو مما يتصف به كل الحيوان، فما من حيوان إلا وله إرادة، وهؤلاء اشتركوا في إرادة التأله؛ لكن افترقوا في المعبود وفي عبادته؛ ولهذا وصف الله في القرآن رهبانية النصارى بأنهم ابتدعوها، وذم المشركين في القرآن على ما ابتدعوه من العبادات والتحريمات، وذلك أكثر مما ابتدعوه من الاعتقادات؛ فإن الاعتقادات كانوا فيها جهالًا في الغالب فكانت بدعهم فيها أقل؛ ولهذا كلما قرب الناس من الرسول كانت بدعهم أخف فكانت في الأقوال، ولم يكن في التابعين وتابعيهم من تَعَبَّدَ بالرقص والسماع، كما كان فيهم خوارج ومعتزلة وشيعة، وكان فيهم من يكذب بالقدر ولم يكن فيهم من يحتج بالقدر.
فالبدع الكثيرة التي حصلت في المتأخرين من العباد والزهاد والفقراء والصوفية لم يكن عامتها في زمن التابعين وتابعيهم، بخلاف أقوال أهل البدع القولية، فإنها ظهرت في عصر الصحابة والتابعين، فعلم أن الشبهة فيها أقوى وأهلها أعقل، وأما بدع هؤلاء فأهلها أجهل، وهم أبعد عن متابعة الرسول.
ولهذا يوجد في هؤلاء من يدعى الإلهية والحلول والاتحاد، ومن يدعى أنه أفضل من الرسول، وأنه مُسْتَغْنٍ عن الرسول، وأن لهم إلى الله طريقًا غير طريق الرسول. وهذا ليس من جنس بدع المسلمين، بل من جنس بدع الملاحدة من المتفلسفة، ونحوهم، وأولئك قد عرف الناس أنهم ليسوا مسلمين، وهؤلاء يدعون أنهم أولياء الله مع هذه الأقوال التي لا يقولها إلا من هو أكَفْرُ من اليهود والنصارى، وكثير منهم أو أكثرهم لا يعرف أن ذلك مخالفة للرسول، بل عند طائفة منهم أن أهل الصفَّة قاتلوا الرسول وأقرهم على ذلك. وعند آخرين أن الرسول أُمِرَ أن يذهب ليسلم عليهم ويطلب الدعاء منهم، وأنهم لم يأذنوا له، وقالوا: اذهب إلى من أرسلت إليهم، وأنه رجع إلى ربه فأمره أن يتواضع ويقول: خُوَيْدِمُكم جاء ليسلم عليكم. فجبروا قلبه، وأذنوا له بالدخول.
فمع اعتقادهم هذا الكفر العظيم الذي لا يعتقده يهودى ولا نصرانى يقر بأنه رسول لله إلى الأميين، يقولون: إن الرسول أقرهم على ذلك واعترف به، واعترف أنهم خواص لله، وأن لله يخاطبهم بدون الرسول، لم يحوجهم إليه كبعض خواص الملك مع وزرائه، ويحتجون بقصة الخضر مع موسى، وهي حجة عليهم لا لهم من وجوه كثيرة قد بسطت في موضع آخر.
والضلال والجهل في جنس العباد والمبتدعة أكثر منه في جنس أهل الأقوال، لكن فيهم من الزهد والعبادة والأخلاق ما لا يوجد في أولئك، وفي أولئك من الكِبْر والبخل والقسوة ما ليس فيهم، فهؤلاء فيهم شَبَهٌ من النصارى وهؤلاء فيهم شبه من اليهود، والله تعالى أمرنا أن نقول: { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } ؛ ولهذا آل الأمر بكثير من أكابر مشايخهم إلى أنهم شهدوا توحيد الربوبية والإيمان بالقدر، وذلك شامل لجميع الكائنات، فعدوا الفناء في هذا بزوال الفرق بين الحسنات والسيئات غاية المقامات، وليس بعده إلا ما سموه توحيدًا، وهو من جنس الحلول والاتحاد الذي تقوله النصارى، ولكنهم يهابون الإفصاح عن ذلك، ويجعلونه من الأسرار المكتومة.
ومنهم من يقول: إن الحلاج هذا كان مشهده، وإنما قتل لأنه باح بالسر الذي ما ينبغى البَوْحُ به. وإذا انضم إلى ذلك أن يكون أحدهم قد أخذ عمن يتكلم في إثبات القدر من أهل الكلام، أو غيرهم، ويجعل الجميع صادرًا عن إرادة واحدة، وليس هنا حب ولا بغض ولا رضًا ولا سخط ولا فرح، ولكن المرادات متنوعة، فما كان ثوابًا سمى تعلق الإرادة به رضًا، وما كان عقابًا سمى سخطًا، فحينئذ مع هذا المشهد لا يبقى عنده تمييز، ويسمون هذا: الجمع والاصْطِلام.
وكان الجُنَيْد قدس الله روحه لما وصل أصحابه كالثورى وأمثاله إلى هذا المقام أمرهم بالفرق الثانى، وهو: أن يفرقوا بين المأمور والمحظور، ومحبوب الله ومُرْضِيه، ومَسْخُوطه ومكروهه، وهو مشهد الإلهية الذي جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب، وهو حقيقة قول: لا إله إلا الله. فمنهم من أنكر على الجنيد، ومنهم من توقف، ومنهم من وافق. والصواب ما قاله الجنيد من ذكر هذه الكلمة في الفرق بين المأمور والمحظور، والكلمة الأخرى في الفرق بين الرب والعبد، وهو قوله: التوحيد إفراد الحدوث عن القدم. فهذا رد على الاتحادية والحُلُولية منهم، وتلك رد على من يقف عند الحقيقة الكونية منهم، وما أكثر من ابتلى بهذين منهم.
ثم من الناس من يقوم بهذا الفرق، لكن لنفسه وهواه، لا عبادة وطاعة لله، فهذا مثل من يجاهد ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر لهواه، كالمقاتل شجاعة وحَمِيَّة ورياء، وذاك بمنزلة من لا يأمر بمعروف ولا ينهي عن منكر ولا يجاهد، هذا شبيه بالراهب، وذاك شبيه بمن لم يطلب إلا الدنيا، ذاك مبتدع وهذا فاجر.
وقد كَثُرَ في المتَزَهِّدة والمتَفَقِّرة البدع، وفي المعرضين عن ذلك طلب الدنيا، وطلاب الدنيا لا يعارضون تاركها إلا لأغراضهم، وإن كانوا مبتدعة، وأولئك لا يعارضون أبناء الدنيا إلا لأغراضهم، فتبقى المنازعات للدنيا، لا لتكون كلمة الله هي العليا، ولا ليكون الدين لله، بخلاف طريقة السلف رضى الله عنهم أجمعين، وكلاهما خارج عن الصراط المستقيم.
نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. آخره والحمد لله رب العالمين.
هامش
- ↑ [النساء: 65]
- ↑ [النور: 51]
- ↑ [الأحزاب: 36]
- ↑ [النور: 63]
- ↑ [آل عمران: 31]
- ↑ [الفرقان: 27 30]
- ↑ [الأحزاب: 66 68]
- ↑ [البقرة: 166 - 171]
- ↑ [البقرة: 163]
- ↑ [لقمان: 14، 15]
- ↑ [النحل: 116]
- ↑ [البقرة: 170]
- ↑ [البقرة: 172، 173]
- ↑ [الأنعام: 143]
- ↑ [الأنعام: 146]
- ↑ [الأنعام: 151 - 153]
- ↑ [النحل: 118]
- ↑ [النساء: 160]
- ↑ [الأنعام: 146]
- ↑ [المائدة: 93]
- ↑ [المائدة: 1]
- ↑ [المائدة: 4، 5]
- ↑ [البقرة: 174]
- ↑ [الزخرف: 24]
- ↑ [الزمر: 55]
- ↑ [الأعراف: 145]
- ↑ [الزمر: 18]
- ↑ [النور: 35]