باب ما يوجب الغسل ولا يوجبه |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}.
[قال الشافعي]: فأوجب الله عز وجل الغسل من الجنابة فكان معروفا في لسان العرب أن الجنابة الجماع وإن لم يكن مع الجماع ماء دافق وكذلك ذلك في حد الزنا وإيجاب المهر وغيره وكل من خوطب بأن فلانا أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم يكن مقترفا [قال الربيع]: يريد أنه لم ينزل ودلت السنة على أن الجنابة أن يفضي الرجل من المرأة حتى يغيب فرجه في فرجها إلى أن يواري حشفته أو أن يرمي الماء الدافق وإن لم يكن جماعا.
[قال الشافعي]: أخبرنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الأشعري سأل عائشة عن التقاء الختانين فقالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله ﷺ (إذا التقى الختانان أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل).
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة قالت (جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: نعم إذا هي رأت الماء).
[قال الشافعي]: فمن رأى الماء الدافق متلذذا أو غير متلذذ فعليه الغسل وكذلك لو جامع فخرج منه ماء دافق فاغتسل ثم خرج منه ماء دافق بعد الغسل أعاد الغسل وسواء كان ذلك قبل البول أو بعد ما بال إذا جعلت الماء الدافق علما لإيجاب الغسل وهو قبل البول وبعده سواء.
[قال الشافعي]: والماء الدافق الثخين الذي يكون منه الولد والرائحة التي تشبه رائحة الطلع.
[قال الشافعي]: وإن كان الماء الدافق من رجل وتغير لعلة به أو خلقة في مائه بشيء خرج منه الماء الدافق الذي نعرفه أوجبت عليه الغسل.
[قال الشافعي]: وإذا غيب الرجل ذكره في فرج امرأة متلذذا أو غير متلذذ ومتحركا بها أو مستكرها لذكره أو أدخلت هي فرجه في فرجها وهو يعلم أو هو نائم لا يعلم أوجب عليه وعليها الغسل وكذلك كل فرج أو دبر أو غيره من امرأة أو بهيمة وجب عليه الغسل إذا غيب الحشفة فيه مع معصية الله تعالى في إتيان ذلك من غير امرأته وهو محرم عليه إتيان امرأته في دبرها عندنا وكذلك لو غيبه في امرأته وهي ميتة وإن غيبه في دم أو خمر أو غير ذات روح من محرم أو غيره لم يجب عليه غسل حتى يأتي منه الماء الدافق.
[قال الشافعي]: وهكذا إن استمنى فلم ينزل لم يجب عليه غسل؛ لأن الكف ليس بفرج وإذا ماس به شيئا من الأنجاس غسله ولم يتوضأ وإذا ماس ذكره توضأ للمسه إياه إذا أفضى إليه فإن غسله وبينه وبين يديه ثوب أو رقعة طهر ولم يكن عليه وضوء.
[قال الشافعي]: ولو نال من امرأته ما دون أن يغيبه في فرجها ولم ينزل لم يوجب ذلك غسلا ولا نوجب الغسل إلا أن يغيبه في الفرج نفسه أو الدبر فأما الفم أو غير ذلك من جسدها فلا يوجب غسلا إذا لم ينزل ويتوضأ من إفضائه ببعضه إليها ولو أنزلت هي في هذه الحال اغتسلت وكذلك في كل حال أنزل فيها فأيهما أنزل بحال اغتسل.
[قال الشافعي]: ولو شك رجل أنزل أو لم ينزل لم يجب عليه الغسل حتى يستيقن بالإنزال والاحتياط أن يغتسل.
[قال الشافعي]: ولو وجد في ثوبه ماء دافقا ولا يذكر أنه جاء منه ماء دافق باحتلام ولا بغيره أحببت أن يغتسل ويعيد الصلاة ويتأخى فيعيد بقدر ما يرى أن ذلك الاحتلام كان أو ما كان من الصلوات بعد نوم رأى فيه شيئا يشبه أن يكون احتلم فيه.
[قال الشافعي]: ولا يبين لي أن يجب هذا عليه وإن كان رأى في المنام شيئا ولم يعلم أنه أنزل إلا أن يكون لا يلبس ثوبه غيره فيعلم أن الاحتلام كان منه فإذا كان هكذا وجب عليه الغسل في الوقت الذي لا يشك أن الاحتلام كان قبله وكذلك إن أحدث نومة نامها، فإن كان صلى بعده صلاة أعادها وإن كان لم يصل بعده صلاة اغتسل لما يستقبل.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن زبيد بن الصلت أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى الجرف فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل فقال: والله ما أراني إلا قد احتلمت وما شعرت وصليت وما اغتسلت قال فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه ونضح ما لم ير وأذن وأقام الصلاة ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكنا.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر بن الخطاب وأخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب ثم ذكر نحو هذا الحديث.
[قال الشافعي]: ولا أعلمه يجب الغسل من غير الجنابة وجوبا لا تجزئ الصلاة إلا به. وأولى الغسل عندي أن يجب بعد غسل الجنابة من غسل الميت ولا أحب تركه بحال ولا ترك الوضوء من مسه مفضيا إليه.
ثم الغسل للجمعة ولا يبين أن لو تركهما تارك ثم صلى اغتسل وأعاد، إنما منعني من إيجاب الغسل من غسل الميت أن في إسناده رجلا لم أقع من معرفة ثبت حديثه إلى يومي هذا على ما يقنعني فإن وجدت من يقنعني من معرفة ثبت حديثه أوجبت الوضوء من مس الميت مفضيا إليه فإنهما في حديث واحد.
[قال الشافعي]: فأما غسل الجمعة فإن الدلالة عندنا أنه إنما أمر به على الاختيار.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال دخل رجل من أصحاب رسول الله ﷺ المسجد يوم الجمعة وعمر يخطب فقال عمر أية ساعة هذه؟ فقال: يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت فقال عمر: والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله ﷺ كان يأمر بالغسل؟
[قال الشافعي]: أخبرنا الثقة قال أخبرنا معمر عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر بن الخطاب بمثله وسمى الداخل أنه عثمان بن عفان.
[قال الشافعي]: وإذا أسلم المشرك أحببت له أن يغتسل ويحلق شعره فإن لم يفعل ولم يكن جنبا أجزأه أن يتوضأ ويصلي.
[قال الشافعي]: وقد قيل قلما جن إنسان إلا أنزل فإن كان هذا هكذا اغتسل المجنون للإنزال وإن شك فيه أحببت له الاغتسال احتياطا ولم أوجب ذلك عليه حتى يستيقن الإنزال.