→ باب ذكر الله عز وجل على غير وضوء | كتاب الأم - كتاب الطهارة المؤلف: الشافعي |
باب ممر الجنب والمشرك على الأرض ومشيهما عليها ← |
باب ما يطهر الأرض وما لا يطهرها |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال (دخل أعرابي المسجد فقال اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا فقال رسول الله ﷺ لقد تحجرت واسعا قال فما لبث أن بال في ناحية المسجد فكأنهم عجلوا عليه فنهاهم رسول الله ﷺ ثم أمر بذنوب من ماء أو سجل من ماء فأهريق عليه ثم قال النبي ﷺ علموا ويسروا ولا تعسروا).
[قال الشافعي]: أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد قال سمعت أنس بن مالك يقول (بال أعرابي في المسجد فعجل الناس عليه فنهاهم رسول الله ﷺ عنه وقال صبوا عليه دلوا من ماء).
[قال الشافعي]: فإذا بيل على الأرض وكان البول رطبا مكانه أو نشفته الأرض وكان موضعه يابسا فصب عليه من الماء ما يغمره حتى يصير البول مستهلكا في التراب، والماء جاريا على مواضعه كلها مزيلا لريحه فلا يكون له جسد قائم ولا شيء في معنى جسد من ريح ولا لون فقد طهر وأقل قدر ذلك ما يحيط العلم أنه كالدلو الكبير على بول الرجل وإن كثر وذلك أكثر منه أضعافا لا أشك في أن ذلك سبع مرات أو أكثر لا يطهره شيء غيره.
قال: فإن بال على بول الواحد آخر لم يطهره إلا دلوان، وإن بال اثنان معه لم يطهره إلا ثلاثة وإن كثروا لم يطهر الموضع حتى يفرغ عليه من الماء ما يعلم أن قد صب مكان بول كل رجل دلو عظيم أو كبير.
[قال الشافعي]: وإذا كان مكان البول خمرا صب عليه كما يصب على البول لا يختلفان في قدر ما يصب عليه من الماء فإذا ذهب لونه وريحه من التراب فقد طهر التراب الذي خالطه.
قال: وإذا ذهب لونه ولم يذهب ريحه ففيها قولان: أحدهما لا تطهر الأرض حتى يذهب ريحه وذلك أن الخمر لما كانت الرائحة قائمة فيه فهي كاللون والجسد فلا تطهر الأرض حتى يصب عليها من الماء قدر ما يذهبه فإن ذهبت بغير صب ماء لم تطهر حتى يصب عليها من الماء قدر ما يطهر به البول، والقول الثاني أنه إذا صب على ذلك من الماء قدر ما يطهرها وذهب اللون والريح ليس بجسد ولا لون فقد طهرت الأرض وإذا كثر ما يصب من الخمر على الأرض فهو ككثرة البول يزاد عليه من الماء كما وصفته يزاد على البول إذا كثر وكل ما كان غير جسد في هذا المعنى لا يخالفه فإن كانت جيفة على وجه الأرض فسال منها ما يسيل من الجيف فأزيل جسدها صب على ما خرج منها من الماء كما وصفته يصب على البول والخمر فإذا صب الماء فلم يوجد له عين ولا لون ولا ريح فهكذا.
قال: وهكذا إذا كانت عليها عذرة أو دم أو جسد نجس فأزيل.
[قال]: وإذا صب على الأرض شيئا من الذائب كالبول والخمر والصديد وما أشبهه ثم ذهب أثره ولونه وريحه فكان في شمس أو غير شمس فسواء ولا يطهره إلا أن يصب عليه الماء وإن أتى على الأرض مطر يحيط العلم أنه يصيب موضع البول منه أكثر من الماء الذي وصفت أنه يطهره كان لها طهورا وكذلك إن أتى عليها سيل يدوم عليها قليلا حتى تأخذ الأرض منه مثل ما كانت آخذة مما صب عليها ولا أحسب سيلا يمر عليها إلا أخذت منه مثل أو أكثر مما كان يطهرها من ماء يصب عليها فإن كان العلم يحيط بأن سيلا لو مسحها مسحة لم تأخذ منه قدر ما كان يطهرها لم تطهر حتى يصب عليها ما يطهرها وإن صب على الأرض نجسا كالبول فبودر مكانه فحفر حتى لا يبقى في الأرض منه شيء رطب ذهبت النجاسة كلها وطهرت بلا ماء وإن يبس وبقي له أثر فحفرت حتى لا يبقى يرى له أثر لم تطهر؛ لأن الأثر لا يكون منه إلا الماء طهر حيث تردد إلا أن يحيط العلم أن قد أتى بالحفر على ما يبلغه البول فيطهره فأما كل جسد ومستجسد قائم من الأنجاس مثل الجيفة والعذرة والدم وما أشبهها فلا تطهر الأرض منه إلا بأن يزول عنها ثم يصب على رطب إن كان منه فيها ما يصب على البول والخمر فإن ذهبت الأجساد في التراب حتى يختلط بها فلا يتميز منها كانت كالمقابر لا يصلى فيها ولا تطهر؛ لأن التراب غير متميز من المحرم المختلط وهكذا كل ما اختلط بما في الكراييس وما أشبهه.
وإذا ذهبت جيفة في الأرض فكان عليها من التراب ما يواريها ولا يرطب برطوبة إن كانت منها كرهت الصلاة على مدفنها وإن صلى عليها مصل لم آمره بإعادة الصلاة وهكذا ما دفن من الأنجاس مما لم يختلط بالتراب وإذا ضرب اللبن مما فيه بول لم يصل عليه حتى يصب عليه الماء كما يصب على ما يبل عليه من الأرض وأكره أن يفرش به مسجد أو يبنى به فإن بني به مسجد أو كان منه جدرانه كرهته وإن صلى إليها مصل لم أكرهه ولم يكن عليه إعادة وكذلك إن صلى في مقبرة أو قبر أو جيفة أمامه وذلك أنه إنما كلف ما يماسه من الأرض وسواء إن كان اللبن الذي ضرب بالبول مطبوخا أو نيئا لا يطهر اللبن بالنار ولا تطهر شيئا ويصب عليه الماء كله كما وصفت لك وإن ضرب اللبن بعظام ميتة أو لحمها أو بدم أو بنجس مستجسد من المحرم لم يصل عليه أبدا طبخ أو لم يطبخ غسل أو لم يغسل؛ لأن الميت جزء قائم فيه ألا ترى أن الميت لو غسل بماء الدنيا لم يطهر ولم يصل عليه إذا كان جسدا قائما ولا تتم صلاة أحد على الأرض ولا شيء يقوم عليه دونها حتى يكون جميع ما يماس جسده منها طاهرا كله فإن كان منها شيء غير طاهر فكان لا يماسه وما ماسه منها طاهر فصلاته تامة وأكره له أن يصلي إلا على موضع طاهر كله وسواء ماس من يديه أو رجليه أو ركبتيه أو جبهته أو أنفه أو أي شيء ماس منه وكذلك سواء ما سقطت عليه ثيابه منه إذا ماس من ذلك شيئا نجسا لم تتم صلاته وكانت عليه الإعادة والبساط وما صلى عليه مثل الأرض إذا قام منه على موضع طاهر وإن كان الباقي منه نجسا أجزأته صلاته وليس هكذا الثوب لو لبس بعض ثوب طاهر وكان بعضه ساقطا عنه والساقط عنه منه غير طاهر لم تجزه صلاته؛ لأنه يقال له لابس لثوب ويزول فيزول بالثوب معه إذا كان قائما على الأرض فحظه منها ما يماسه وإذا زال لم يزل بها وكذلك ما قام عليه سواها.
وإذا استيقن الرجل بأن قد ماس بعد الأرض نجاسة أحببت أن يتنحى عنه حتى يأتي موضعا لا يشك أنه لم تصبه نجاسة وإن لم يفعل أجزأ عنه حيث صلى إذا لم يستيقن فيه النجاسة وكذلك إن صلى في موضع فشك أصابته نجاسة أم لا أجزأته صلاته والأرض على الطهارة حتى يستيقن فيها النجاسة.