→ باب من نسي المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة | كتاب الأم - كتاب الطهارة المؤلف: الشافعي |
جماع التيمم للمقيم والمسافر ← |
باب علة من يجب عليه الغسل والوضوء |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله عز وجل: {وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر} الآية.
[قال الشافعي]: فلم يرخص الله في التيمم إلا في الحالين السفر والإعواز من الماء أو المرض فإن كان الرجل مريضا بعض المرض تيمم حاضرا أو مسافرا أو واجدا للماء أو غير واجد له.
قال: والمرض اسم جامع لمعان لأمراض مختلفة فالذي سمعت أن المرض الذي للمرء أن يتيمم فيه الجراح.
[قال]: والقرح دون الغور كله مثل الجراح؛ لأنه يخاف في كله إذا ماسه الماء أن ينطف فيكون من النطف التلف والمرض المخوف وأقله ما يخاف هذا فيه فإن كان جائفا خيف في وصول الماء إلى الجوف معاجلة التلف جاز له أن يتيمم وإن كان القرح الخفيف غير ذي الغور الذي لا يخاف منه إذا غسل بالماء - التلف ولا النطف لم يجز فيه إلا غسله؛ لأن العلة التي رخص الله فيها بالتيمم زائلة عنه ولا يجزي التيمم مريضا أي مرض كان إذا لم يكن قريحا في شتاء ولا غيره وإن فعل أعاد كل صلاة صلاها بالتيمم وكذا لا يجزي رجلا في برد شديد فإذا كان الرجل قريحا في رأسه وجميع بدنه غسل ما أصابه من النجاسة لا يجزئه غيره ويتيمم للجنابة وكذلك كل نجاسة أصابته فلا يجزئه فيها إلا غسلها وإن كانت على رجل قروح فإن كان القرح جائفا يخاف التلف إن غسلها فلم يغسلها أعاد كل صلاة صلاها وقد أصابته النجاسة فلم يغسلها وإن كان القروح في كفيه دون جسده لم يجزه إلا غسل جميع جسده ما خلا كفيه ثم لم يطهر إلا بأن يتيمم؛ لأنه لم يأت بالغسل كما فرض الله عز وجل عليه ولا بالتيمم.
[قال]: وإن تيمم وهو يقدر على غسل شيء من جسده بلا ضرر عليه لم يجزه وعليه أن يغسل جميع ما قدر عليه من جسده ويتيمم لا يجزئه أحدهما دون الآخر وإن كان القرح في مقدم رأسه دون مؤخره لم يجزه إلا غسل مؤخره وكذلك إن كان في بعض مقدم رأسه دون بعض غسل ما لم يكن فيه وترك ما كان فيه فإن كان القرح في وجهه، ورأسه سالم وإن غسله فاض الماء على وجهه لم يكن له تركه وكان عليه أن يستلقي ويقنع رأسه ويصب الماء عليه حتى ينصب الماء على غير وجهه وهكذا حيث كان القرح من بدنه فخاف إذا صب الماء على موضع صحيح منه أن يفيض على القرح أمس الماء الصحيح إمساسا لا يفيض وأجزأه ذلك إذا بل الشعر والبشر وإن كان يقدر على أن يفيض الماء ويحتال حتى لا يفيض على القروح أفاضه.
[قال]: وإن كان القرح في ظهره فلم يضبط هذا منه ومعه من يضبطه منه برؤيته فعليه أن يأمره بذلك وكذلك إن كان أعمى وكان لا يضبط هذا في شيء من بدنه إلا هكذا وإن كان في سفر فلم يقدر على أحد يفعل هذا به غسل ما قدر عليه وتيمم وصلى وعليه إعادة كل صلاة صلاها؛ لأنه قد ترك ما يقدر على غسله بحال وكذلك إن كان أقطع اليدين لم يجزه إلا أن يأمر من يصب عليه الماء؛ لأنه يقدر عليه ومتى لم يقدر وصلى أمرته أن يأمر من يغسله إذا قدر وقضى ما صلى بلا غسل وإن كان القرح في موضع من الجسد فغسل ما بقي منه فإنما عليه أن ييمم وجهه ويديه فقط وليس عليه أن ييمم موضع القرح؛ لأن التيمم لا يكون طهارة إلا على الوجه واليدين فكل ما عداهما فالتراب لا يطهره.
وإن كان القرح في الوجه واليدين يمم الوجه واليدين إلى المرفقين وغسل ما يقدر عليه بعد من بدنه وإن كان القرح الذي في موضع التيمم من الوجه والذراعين قرحا ليس بكبير أو كبيرا لم يجزه إلا أن يمر التراب عليه كله؛ لأن التراب لا يضره وكذلك إن كانت له أفواه مفتحة أمر التراب على ما انفتح منه؛ لأن ذلك ظاهر، وأفواهه وما حول أفواهه وكل ما يظهر له لا يجزئه غيره؛ لأن التراب لا يضره. وإذا أراد أن يلصق على شيء منه لصوقا يمنع التراب لم يكن له إلا أن ينزع اللصوق عند التيمم؛ لأنه لا ضرر في ذلك عليه، ولو رأى أن أعجل لبرئه أن يدعه وكذلك لا يلطخه بشيء له ثخانة تمنع مماسة التراب البشرة إلا أن يكون ذلك في البشرة الذي يواريه شعر اللحية فإنه ليس عليه أن يماس بالتراب بشعر اللحية للحائل دونها من الشعر ويمر على ما ظهر من اللحية التراب لا يجزئه غيره وإذا كان هكذا لم يكن له أن يربط الشعر من اللحية حتى يمنعها أن يصل إليه التراب وكذلك إن كانت به قرحة في شيء من جسده فألصق عليها خرقة تلف موضع القرحة لم يجزه إلا إزالة الخرقة حتى يماس الماء كل ما عدا القرحة فإن كان القرح الذي به كسرا لا يرجع إلا بجبائر فوضع الجبائر على ما ماسته ووضع على موضع الجبائر غيرها إن شاء إذا ألقيت الجبائر وما معها ماس الماء والتراب أعضاء الوضوء وضعه وكان عليه إذا أحدث طرحه وإمساسه الماء والتراب إن ضره الماء لا يجزيه غير ذلك بحال وإن كان ذلك أبعد من برئه وأقبح في جبره لا يكون له أن يدع ذلك إلا بأن يكون فيه خوف تلف ولا أحسب جبرا يكون فيه تلف إذا نحيت الجبائر عنه ووضئ أو يمم ولكنه لعله أبطأ للبرء وأشفق على الكسر وإن كان يخاف عليه إذا ألقيت الجبائر وما معها ففيها قولان أحدهما أن يمسح بالماء على الجبائر ويتيمم ويعيد كل صلاة صلاها إذا قدر على الوضوء. والآخر لا يعيد ومن قال يمسح على الجبائر قال لا يضعها إلا على وضوء فإن لم يضعها على وضوء لم يمسح عليها كما يقول في الخفين.
[قال الشافعي]: لا يعدو بالجبائر أبدا موضع الكسر إذا كان لا يزيلها.
[قال الشافعي]: وقد روي حديث (عن علي رضي الله عنه أنه انكسر إحدى زندي يديه فأمره النبي ﷺ أن يمسح بالماء على الجبائر) ولو عرفت إسناده بالصحة قلت به. [قال الربيع]: أحب إلى الشافعي أن يعيد متى قدر على الوضوء أو التيمم؛ لأنه لم يصل بوضوء بالماء ولا يتيمم وإنما جعل الله تعالى التيمم بدلا من الماء فلما لم يصل إلى العضو الذي عليه الماء والصعيد كان عليه إذا قدر أن يعيده وهذا مما استخير الله فيه.
[قال الشافعي]: والقول في الوضوء إذا كان القرح والكسر - القول في الغسل من الجنابة لا يختلفان إذا كان ذلك في مواضع الوضوء فأما إذا لم يكن في مواضع الوضوء فذلك ليس عليه غسله.
[قال الشافعي]: والحائض تطهر مثل الجنب في جميع ما وصفت وهكذا لو وجب على رجل غسل بوجهه غسل، أو امرأة كان هكذا.
[قال الشافعي]: وإذا كان على الحائض أثر الدم وعلى الجنب النجاسة فإن قدرا على ماء اغتسلا وإن لم يقدرا عليه تيمما وصليا ولا يعيدان الصلاة في وقت ولا غيره.
[قال الشافعي]: ولا يجزئ مريضا غير القريح ولا أحدا في برد شديد يخاف التلف إن اغتسل أو ذا مرض شديد يخاف من الماء إن اغتسل ولا ذا قروح أصابته نجاسة إلا - غسل النجاسة والغسل إلا أن يكون الأغلب عنده أنه يتلف إن فعل ويتيمم في ذلك الوقت ويصلي ويغتسل ويغسل النجاسة إذا ذهب ذلك عنه ويعيد كل صلاة صلاها في الوقت الذي قلت لا يجزيه فيه إلا الماء وإن لم يقدرا عليه تيمما وصليا ولا يعيدان الصلاة في وقت ولا غيره.
[قال الشافعي]: وكذلك كل نجاسة أصابتهما مغتسلين أو متوضئين فلا يطهر النجاسة إلا الماء فإذا لم يجد من أصابته نجاسة من حائض وجنب ومتوضئ ماء تيمم وصلى وإذا وجد الماء غسل ما أصاب النجاسة منه واغتسل إن كان عليه غسل وتوضأ إن كان عليه وضوء وأعاد كل صلاة صلاها والنجاسة عليه؛ لأنه لا يطهر النجاسة إلا الماء.
[قال الشافعي]: وإن وجد ما ينقي النجاسة عنه من الماء وهو مسافر فلم يجد ما يطهره لغسل إن كان عليه أو وضوء غسل أثر النجاسة عنه وتيمم وصلى ولا إعادة عليه؛ لأنه صلى طاهرا من النجاسة وطاهرا بالتيمم من بعد الغسل والوضوء الواجب عليه.
[قال]: وإذا وجد الجنب ماء يغسله وهو يخاف العطش فهو كمن لم يجد ماء وله أن يغسل النجاسة إن أصابته عنه ويتيمم ولا يجزيه في النجاسة إلا ما وصفت من غسلها فإن خاف إذا غسل النجاسة العطش قبل الوصول إلى الماء مسح النجاسة وتيمم وصلى ثم أعاد الصلاة إذا طهر النجاسة بالماء، لا يجزيه غير ذلك.
[قال الشافعي]: فإن كان لا يخاف العطش وكان معه ماء لا يغسله إن غسل النجاسة ولا النجاسة إن أفاضه عليه غسل النجاسة ثم غسل بما بقي من الماء معه ما شاء من جسده؛ لأنه تعبد بغسل جسده لا بعضه فالغسل على كله فأيها شاء غسل أعضاء الوضوء أو غيرها وليست أعضاء الوضوء بأوجب في الجنابة من غيرها ثم يتيمم ويصلي وليس عليه إعادة إذا وجد الماء؛ لأنه صلى طاهرا.
[قال الشافعي]: فإن قال قائل لم لم يجزه في النجاسة تصيبه إلا غسلها بالماء وأجزأ في الجنابة والوضوء أن يتيمم؟ قيل له: أصل الطهارة الماء إلا حيث جعل الله التراب طهارة وذلك في السفر والإعواز من الماء أو الحضر أو السفر والمرض فلا يطهر بشر ولا غيره ماسته نجاسة إلا بالماء إلا حيث جعل الله الطهارة بالتراب وإنما جعلها حيث تعبده بوضوء أو غسل والتعبد بالوضوء والغسل فرض تعبد ليس بإزالة نجاسة قائمة والنجاسة إذا كانت على شيء من البدن أو الثوب فهو متعبد بإزالتها بالماء حتى لا تكون موجودة في بدنه ولا في ثوبه إذا كان إلى إخراجها سبيل وهذا تعبد لمعنى معلوم.
[قال الشافعي]: ولم يجعل التراب بدلا من نجاسة تصيبه وأمر رسول الله ﷺ بغسل دم الحيض من الثوب وهو نجاسة فكانت النجاسة عندنا على أصلها لا يطهرها إلا الماء والتيمم يطهر حيث جعل ولا يتعدى به حيث رخص الله تعالى فيه وما خرج من ذلك فهو على أصل حكم الله في الطهارة بالماء.
[قال الشافعي]: إذا أصابت المرأة جنابة ثم حاضت قبل أن تغتسل من الجنابة لم يكن عليها غسل الجنابة وهي حائض؛ لأنها إنما تغتسل فتطهر بالغسل وهي لا تطهر بالغسل من الجنابة وهي حائض فإذا ذهب الحيض عنها أجزأها غسل واحد وكذلك لو احتلمت وهي حائض أجزأها غسل واحد لذلك كله ولم يكن عليها غسل وإن كثر احتلامها حتى تطهر من الحيض فتغتسل غسلا واحدا.
[قال الشافعي]: والحائض في الغسل كالجنب لا يختلفان إلا أني أحب للحائض إذا اغتسلت من الحيض أن تأخذ شيئا من مسك فتتبع به آثار الدم فإن لم يكن مسك فطيب ما كان اتباعا للسنة والتماسا للطيب فإن لم تفعل فالماء كاف مما سواه.
[قال الشافعي]: أخبرنا ابن عيينة عن منصور الحجبي عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة قالت (جاءت امرأة إلى النبي ﷺ تسأله عن الغسل من الحيض فقال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها فقالت: كيف أتطهر بها؟ قال تطهري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ فقال النبي ﷺ سبحان الله، واستتر بثوبه تطهري بها فاجتذبتها وعرفت الذي أراد وقلت لها تتبعي بها أثر الدم) يعني الفرج.
[قال الشافعي]: والرجل المسافر لا ماء معه والمعزب في الإبل له أن يجامع أهله ويجزئه التيمم إذا غسل ما أصاب ذكره وغسلت المرأة ما أصاب فرجها أبدا حتى يجدا الماء فإذا وجدا الماء فعليهما أن يغتسلا.
[قال الشافعي]: أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عباد بن منصور عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه عنه (أن النبي ﷺ أمر رجلا كان جنبا أن يتيمم ثم يصلي فإذا وجد الماء اغتسل) وأخبرنا بحديث (النبي ﷺ حين قال لأبي ذر إن وجدت الماء فأمسسه جلدك).