باب التراب الذي يتيمم به ولا يتيمم |
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى {فتيمموا صعيدا طيبا}.
[قال الشافعي]: وكل ما وقع عليه اسم صعيد لم تخالطه نجاسة فهو صعيد طيب يتيمم به وكل ما حال عن اسم صعيد لم يتيمم به ولا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار.
[قال الشافعي]: فأما البطحاء الغليظة والرقيقة والكثيب الغليظ فلا يقع عليه اسم صعيد وإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كان الذي خالطه هو الصعيد وإذا ضرب المتيمم عليه بيديه فعلقهما غبار أجزأه التيمم به وإذا ضرب بيديه عليه أو على غيره فلم يعلقه غبار ثم مسح به لم يجزه وهكذا كل أرض سبخها ومدرها وبطحاؤها وغيره فما علق منه إذا ضرب باليد غبار فتيمم به أجزأه وما لم يعلق به غبار فتيمم به لم يجزه وهكذا إن نفض المتيمم ثوبه أو بعض أداته فخرج عليه غبار تراب فتيمم به أجزأه إذا كان التراب دقعاء فضرب فيه المتيمم بيديه فعلقهما منه شيء كثير فلا بأس أن ينفض شيئا إذا بقي في يديه غبار يماس الوجه كله وأحب إلي لو بدأ فوضع يديه على التراب وضعا رفيقا ثم يتيمم به وإن علق بيديه تراب كثير فأمره على وجهه لم يضره وإن علقه شيء كثير فمسح به وجهه لم يجزه أن يأخذ من الذي على وجهه فيمسح به ذراعيه ولا يجزيه إلا أن يأخذ ترابا غيره لذراعيه فإن أمره على ذراعيه عاد فأخذ ترابا آخر ثم أمره على ذراعيه فإن ضرب على موضع من الأرض فيمم به وجهه ثم ضرب عليه أخرى فيمم به ذراعيه فجائز وكذلك إن تيمم من موضعه ذلك جاز؛ لأن ما أخذ منه في كل ضربة غير ما يبقى بعدها.
[قال]: وإذا حت التراب من الجدار فتيمم به أجزأه وإن وضع يديه على الجدار وعلق بهما غبار تراب فتيمم به أجزأه فإن لم يعلق لم يجزه وإن كان التراب مختلطا بنورة أو تبن رقيق أو دقيق حنطة أو غيره لم يجز التيمم به حتى يكون ترابا محضا.
[قال الشافعي]: وإذا حال التراب بصنعة عن أن يقع عليه اسم تراب أو صعيد فتيمم به لم يجز وذلك مثل أن يطبخ قصبة أو يجعل آجرا ثم يدق وما أشبه هذا.
[قال]: ولا يتيمم بنورة ولا كحل ولا زرنيخ وكل هذا حجارة وكذلك إن دقت الحجارة حتى تكون كالتراب أو الفخار أو خرط المرمر حتى يكون غبارا لم يجز التيمم به وكذلك القوارير تسحق واللؤلؤ وغيره والمسك والكافور والأطياب كلها وما يسحق حتى يكون غبارا مما ليس بصعيد فأما الطين الأرمني والطين الطيب الذي يؤكل فإن دق فتيمم به أجزأه وإن دق الكذان فتيمم به لم يجزه؛ لأن الكذان حجر خوار ولا يتيمم بشب ولا ذريرة ولا لبان شجرة ولا سحالة فضة ولا ذهب ولا شيء غير ما وصفت من الصعيد ولا يتيمم بشيء من الصعيد علم المتيمم أنه أصابته نجاسة بحال حتى يعلم أن قد طهر بالماء كما وصفنا من التراب المختلط بالتراب الذي لا جسد له قائم مثل البول وما أشبهه أن يصب عليه الماء حتى يغمره ومن الجسد القائم بأن يزال ثم يصب عليه الماء على موضعه أو يحفر موضعه حتى يعلم أنه لم يبق منه شيء ولا يتيمم بتراب المقابر لاختلاطها بصديد الموتى ولحومهم وعظامهم ولو أصابها المطر لم يجز التيمم بها؛ لأن الميت قائم فيها لا يذهبه الماء إلا كما يذهب التراب وهكذا كل ما اختلط بالتراب من الأنجاس مما يعود فيه كالتراب وإذا كان التراب مبلولا لم يتيمم به؛ لأنه حينئذ طين ويتيمم بغبار من أين كان فإن كانت ثيابه ورجله مبلولة استجف من الطين شيئا على بعض أداته أو جسده فإذا جف حته ثم يتيمم به لا يجزيه غير ذلك وإن لطخ وجهه بطين لم يجزه من التيمم؛ لأنه لا يقع عليه اسم صعيد وهكذا إن كان التراب في سبخة ندية لم يتيمم بها؛ لأنها كالطين لا غبار لها وإن كان في الطين ولم يجف له منه شيء حتى خاف ذهاب الوقت صلى ثم إذا جف الطين تيمم وأعاد الصلاة ولم يعتد بصلاة صلاها لا بوضوء ولا تيمم.
وإذا كان الرجل محبوسا في المصر في الحش أو في موضع نجس التراب ولا يجد ماء أو يجده ولا يجد موضعا طاهرا يصلي عليه ولا شيئا طاهرا يفرشه يصلي عليه صلى يومئ إيماء وأمرته أن يصلي وأن يعيد صلاته ههنا وإنما أمرته بذلك؛ لأنه يقدر على الصلاة بحال فلم أره يجوز عندي أن يمر به وقت صلاة لا يصلي فيها كما أمكنه وأمرته أن يعيد؛ لأنه لم يصل كما يجزيه وهكذا الأسير يمنع والمستكره، ومن حيل بينه وبين تأدية الصلاة صلى كما قدر جالسا أو موميا وعاد فصلى مكملا للصلاة إذا قدر ولو كان هذا المحبوس يقدر على الماء لم يكن له إلا أن يتوضأ وإن كان لا تجزيه به صلاته وكذلك لو قدر على شيء يبسطه ليس بنجس لم يكن له إلا أن يبسطه وإن لم يقدر على ما قال فأتى بأي شيء قدر على أن يأتي به جاء به مما عليه وإن كان عليه البدل وهكذا إن حبس مربوطا على خشبة وهكذا إن حبس مربوطا لا يقدر على الصلاة أومأ إيماء ويقضي في كل هذا إذا قدر وإن مات قبل أن يقدر على القضاء رجوت له أن لا يكون عليه مأثم؛ لأنه حيل بينه وبين تأدية الصلاة وقد علم الله تعالى نيته في تأديتها.