الرئيسيةبحث

جامع بيان العلم وفضله/فصل في فضل الصمت وحمده


  • فصل في فضل الصمت وحمده

ثبت عن النبي ﷺ أنه قال من صمت نجا وإنه قال ﷺ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت وقد ذكرنا هذا المعنى مجودا في التمهيد حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن اسماعيل قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا رجل من أهل الشام عن يزيد بن أبي حبيب قال إن من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع وقال وفي الاستماع سلامة وزيادة في العلم والمستمع شريك المتكلم وفي الكلام توهن وتزين وزيادة ونقصان قال ومن العلماء من يرى أنه أحق بالكلام من غره ومنهم من يزدري المساكين ولا يراهم لذلك موضعا ومنهم من يخزن علمه ويرى ان تعليمه ضعة ومنهم من يحب ألا يوجد العلم إلا عنده ومنهم من يأخذ في علمه مأخذ السلطان حتى يغضب أن يرد عليه شيء من قوله أو يغفل عن شيء من حقه ومنهم من ينصب نفسه للفتيا فلعله يؤتي بأمر لا علم له به فيستحي أن يقول لا علم لي فيرجم فيكتب من المتكلفين ومنهم من يروي كل ما سمع حتى يروي كلام اليهود والنصارى ارادة أن يغزر علمه قال أبو عمر روي مثل قول يزيد بن أبي حبيب هذا كله من أوله إلى آخره عن معاذ بن جبل من وجوه منقطعة يذم فيها كل من كان في هذه الطبقات من العلماء ويوعدهم على ذلك بالنار فالله أعلم وحدثنا أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن اسماعيل قال حدثنا نعيم قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا حيوة بن شريح قال سمعت يزيد ابن أبي حبيب يقول إن المتكلم لينتظر الفتنة وإن المنصت لينتظر الرحمة وقالوا فضل العقل على المنطق حكمة وفضل المنطق على العقل هجنة وقالوا لا يجترئ على الكلام إلا فائق أو مائق وكان عمر بن عبد العزيز كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات يرى مستكينا وهو للهو ماقت به عن حديث القوم ما هو شاغله وأزعجه علم عن الجهل كله وما عالم شيئا كمن هو جاهله عبوس عن الجهال حين يراهم فليس له منهم خدين يهازله تذكر ما يبقى من العيش آجلا فيشغله عن عاجل العيش آجله قال أبو عمر قد أكثر الناس النظم في فضل الصمت ومن احسن ما قيل في ذلك ما ينسب إلى عبد الله بن طاهر وهو قوله اقلل كلامك واستعذ من شره إن البلاء ببعضه مقرون واحفظ لسانك واحتفظ من عيه حتى يكون كأنه مسجون وكل فؤادك باللسان وقل له إن الفؤاد عليكما موزون فزناه وليك محكما في قلة إن البلاغة في القليل تكون وقد قيل إن هذا الشعر لصالح بن جناح والله أعلم وهو أشبه بمذهب صالح وطبعه ومن أحسن ما قيل في ذلك قول نصر بن أحمدالخبزرزي لسان الفتى حتف الفتى حين يجهل وكل امرئ ما بين فكيه مقتل إذا ما لسان المرئ أكثر هدره فذاك لسان بالبلاء موكل وكم فاتح أبواب شر لنفسه إذا لم يكن قفل عليه مقفل ومن أمن الآفات عجبا برأيه أحاطت به الآفات من حيث يجهل أعلمكم ما علمتني تجاربي وقد قال قبلي قائل متمثل إذا قلت قولا كنت رهن جوابه فحاذر جواب السوء إن كنت تعقل ولأبي العتاهية وفي الصمت المبلغ عنك حكم كما أن الكلام يكون حكما إذا لم تحترس من كل طيش اسأت اجابة وأسأت فهما أشد الناس بفعلهم ادعاء أقلهم بما هو فيه علما أرى الإنسان منقوصا ضعيفا وما يألو لعلم الغيب رجما قال أبو عمر الكلام بالخير غنيمة وهو أفضل من السكوت لأن أرفع ما في السكوت السالمة والكلام بالخير غنيمة وقد قالوا من تكلم بخير غنم ومن سكت سلم والكلام في العلم من أفضل الأعمال وهو يجري عندهم مجرى الذكر والتلاوة إذا أريد به نفي الجهل ووجه الله عز وجل والوقوف على حقيقة المعاني أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرقي قال حدثنا مسلم بن ابراهيم قال حدثنا هشام حدثنا قتادة قال مكتوب في الحكمة طوبى لعالم ناطق أو لباغ مستمع حدثنا عبد الوراث حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا عبدالوهاب بن نجدة الحوطي قال سمعت أبا الذيال يقول تعلم الصمت كما تتعلم الكلام فإن يكن الكلام يهديك فإن الصمت يقيك ولك في الصمت خصلتان خصلة تأخذ بها من علم من هو أعلم منك وتدفع بها جهل من هو أجهل منك وقال الحوطي كان أبو الذيال يتكلم بالحكمة ولم اسمع منه غير هذا في الصمت وقال أبو العتاهية من لزم الصمت نجا من قال بالخير غنم من صدق الله علا من طلب العلم علم من ظلم الناس أسا من رحم الناس رحم من طلب الفضل إلى غير ذوي الفضل حرم من حفظ العهد وفا من أحسن السمع فهم فصل في رفع الصوت في المسجد وغير ذلك من آداب العلم أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا ابن جامع قال حدثنا المقدام بن داود قال حدثنا عبد الله بن الحكم عن أشهب قال سئل مالك عن رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره قال لا خير في ذلك في العلم ولا في غيره ولقد أدركت الناس قديما يعيبون ذلك على من يكون في مجلسه ومن كان يكون ذلك في مجلسه كان يعتذر منه وأنا أكره ذلك ولا أرى فيه خيرا قال أبو عمر أجاز ذلك قوم منهم أبو حنيفة حدثنا عبد الوارث بن سفاين قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا ابراهيم بن بشار قال حدثنا سفيان بن عيينة قال مررت بأبي حنيفة وهو مع أصاحبه في المسجد وقد ارتفعت أصواتهم فقلت يا أبا حنيفة هذا في المسجد والصوت لا ينبغي أن يرفع فيه فقال دعهم فإنهم لا يفقهون إلا بهذا وقيل لابي حنيفة في مسجد كذا حلقة يتناظرون في الفقه فقال ألهم رأس قالوا لا قال لا يفقهون أبدا قال أبو عمر احتج بعض من أجاز رفع الصوت في المناظرة بالعلم وقال لا بأس بذلك لحديث عبد الله بن عمرو قال تخلف عنا رسول الله ﷺ في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا ذكره البخاري وغيره وواجب على العالم إذا لم يفهم أن يكرر كلامه ذلك حتى يفهم عنه وقد كان بعضهم يستحب أن لا يكرره أكثر من ثلاث مرات لما ثبت عن النبي ﷺ أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاث مرات وذلك عندهم كان ليفهم عنه كل من جالسه من قريب وبعيد وهكذا يجب أن يكرر المحدث حديثه حتى يفهم عنه أنه قال وإما إذا فهم عنه فلا وجه للتكرير وذكر سملة بن شبيب عن عبد الرزاق عن معمر قال ما سمعت قتادة يقول لأحد قط أعد علي وتكرير الحديث في المجلس يذهب بنوره وقد كان ابن شهاب يقول تكرير الحديث أشد علي من نقل الحجارة حدثنا عبدالوارث قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو مسلم قال حدثنا سفيان قال قال الزهري إعادة الحديث أشد علي من نقل الصخر وحدثنا أحمد حدثنا اسحاق حدثنا محمد بن علي حدثنا يحيي بن معين حدثنا عبدالرزاق أخبرني معمر قال سمعت الزهري يقول نقل الصخر أيسر من تكرير الحديث قال معمر قال قتادة إذا أعدت الحديث في مجلس ذهب نوره وقالت جارية لابن السمالك الواعظ له ما أحسن حديثك إلا انك تكرره فقال اكرره ليفهمه كل من سمعه فقالت إلى أن يفهمه كل من سمعه يمله من فهمه ولا بأس أن يسئل العالم قائما وماشيا في الأمر الخفيف لحديث ابن مسعود قال بينما أنا أمشي مع رسول الله ﷺ في خرب المدينة وهو يتوكأ على عسيب معه مر بنفر من يهود خيبر فقال بعضهم لبضع سلوه عن الروح فقال رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح وذكر الحديث خرجه البخاري عن بشر بن حفص عن عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن ابراهيم بن علقمة عن عبد الله فصل وذكر الغلابي عن ابن عائشة عن أبيه قال قال العباس لابنه عبد الله يا بني لا تعلم العلم لثلاث خصال لا ترائي به ولا تماري به ولا تباهي به ولا تدعه لثلاث خصال رغبة في الجهل وزيادة في العلم واستحياء من التعلم وقد روي هذا المعنى أو نحوه عن لقمان الحكيم أنه خاطب ابنه به أنشدت لبعض المحدثين كن موسرا إن شئت أو معسرا لا بد في الدنيا من الهم وكلما ازددت بها ثروة زاد الذي زادك في الغم إني رأيت الناس في دهرهم لا يطلبون العلم للفهم إلا مباهاة لأصحابهم وعدة للخصم والظلم وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه تعلموا العلم فإذا تعلمتوه فاكظموا عليه ولاتخلطوه بضحك ولا بلعب فتمجه القلوب فإن العالم إذا ضحك ضحكة مج من العلم مجة وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال تعلموا العلم وتزينوا معه بالوقار والحلم وتواضعوا لمن تتعملوا منه ولمن تعلمونه ولا تكونوا جبابرة العلماء فيذهب باطلكم حقكم وروينا عن معذ بن جبل أنه كان يقول مثل قول علي هذا سواء ألا أن آخر لفظه ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم قال أبو عمر قد روي هذا المعنى بنحو هذا اللفظ عن النبي ﷺ وعن عمر بن الخطاب أيضا وقد تقدم ذلك كله في هذا الباب

جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر
مقدمة جامع بيان العلم وفضله | باب قوله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم | تفريع أبواب فضل العلم وأهله | باب قوله صلى الله عليه وسلم ينقطع عمل المرء بعد موته إلا من ثلاث | باب قوله صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله | باب قوله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين | باب قوله صلى الله عليه وسلم الناس معادن | باب قوله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين | باب تفضيل العلم على العبادة | باب قوله صلى الله عليه وسلم العالم والمتعلم شريكان | باب تفضيل العلماء على الشهداء | باب ذكر حديث صفوان بن عسال في فضل العلم | باب ذكر حديث أبي الدرداء في ذلك وما كان في مثل معناه | باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمستمع العلم وحافظه ومبلغه | باب قوله صلى الله عليه وسلم من حفظ على أمتي أربعين حديثا | باب جامع في فضل العلم | باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف | باب ذكر الرخصة في كتاب العلم | باب معارضة الكتاب | باب الأمر بإصلاح اللحن والخطأ في الحديث وتتبع ألفاظه ومعانيه | باب في فضل التعلم في الصغر والحض عليه | باب حمد السؤال والإلحاح في طلب العلم وذم ما منع | باب ذكر الرحلة في طلب العلم | بابا الحض على استدامة الطلب والصبر على اللأواء والنصب | باب جامع في الحال التي تنال بها العلم | باب كيفية الرتبة في أخذ العلم | باب ما روي عن لقمان الحكيم من وصية ابنه وحضه إياه | باب آفة العلم وغائلته وإضاعته وكراهية وضعه عند من ليس بأهله | باب في هيبة المتعلم للعالم | باب في ابتداء العالم جلساءه بالفائدة وقوله سلوني وحرصهم على أن يؤخذ ما عندهم | باب منازل العلم | باب طرح العالم المسألة على المتعلم | باب فتوى الصغير بين يدي الكبير بإذنه | باب جامع لنشر العلم | باب جامع في آداب العالم والمتعلم | فصل في الإنصاف في العلم | فصل في فضل الصمت وحمده | فصل في مدح التواضع وذك العجب وطلب الرياسة | باب ما روي في قبض العلم وذهاب العلماء | باب حال العلم إذا كان عند الفساق والأرذال | باب ذكر استعاذة رسول الله صلى الله عليه وسلم | باب ذم العالم على مداخلة السلطان الظالم | باب ذم الفاجر من العلماء وذم طلب العلم للمباهاة والدنيا | باب ما جاء في مسائلة الله عز وجل العلماء يوم القيامة | باب جامع القول في العمل بالعلم | باب الخبر عن العلم أنه يقود إلى الله عز وجل على كل حال | باب معرفة أصول العلم وحقيقته وما الذي يقع عليه اسم الفقه والعلم مطلقا | باب العبارة عن حدود علم الديانات وسائر العلوم المنتحلات | باب مختصر في مطالعة كتب أهل الكتاب والرواية عنهم | باب من يستحق أن يسمى فقيها أو عالما حقيقة لا مجازا | باب ما يلزم العالم إذا سئل عما لا يدريه من وجوه العلم | باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة | باب نكتة يستدل بها على استعمال عموم الخطاب في السنن والكتاب | باب في خطأ المجتهدين من المفتيين والحكام | باب نفي الالتباس في الفرق بين الدليل والقياس | باب جامع بيان ما يلزم الناظر في اختلاف العلماء | باب ذكر الدليل في أقاويل السلف على أن الاختلاف خطأ وصواب | باب ما يكره فيه المناظرة والجدال والمراء | باب إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة | باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع | باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث دون التفهم والتفقه فيه | باب ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والظن والقياس | باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض | باب تدافع الفتوى وذم من سارع إليها | باب رتب الطلب والنصيحة في المذهب | باب في العرض على العالم وقول أخبرنا وحدثنا | باب الحض على لزوم السنة والاقتصار عليها | باب موضع السنة من الكتاب وبيانها له | باب من تأول القرآن أو تدبره وهو جاهل بالسنة | باب فضل السنة ومباينتها لسائر أقاويل علماء الأمة | باب ذكر بعض من كان لا يحدث عن رسول الله إلا وهو على وضوء | باب في انكار أهل العلم ما يجدونه من الأهواء والبدع | باب فضل النظر في الكتب وحمد العناية بالدفاتر