جامع بيان العلم وفضله/باب في انكار أهل العلم ما يجدونه من الأهواء والبدع | جامع بيان العلم وفضله باب فضل النظر في الكتب وحمد العناية بالدفاتر المؤلف: ابن عبد البر |
- باب فضل النظر في الكتب وحمد العناية بالدفاتر
حدثني أحمد بن محمد وعبد الرحمن بن يحيى وخلف بن أحمد وغيرهم قالوا حدثنا أحمد بن سعيد بن حزم قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي قال حدثنا أحمد بن عمران قال كنت عند أبي أيوب أحمد بن محمد بن شجاع وقد تخلف في منزله فبعث غلاما من غلمانه إى عبد الله بن الاعرابي صاحب الغريب يسئله المجيء إليه فعاد إليه الغلام فقال قد سالته ذلك فقال لي عندي قوم من الاعراب فإاذ قضيت أربى معم أتيت قال الغلام وما رأيت عنده أحدا إلا أن بين يديه كتبا ينظر فيها فينظر في هذا مرة وفي هذا مرة ثم ما شعرنا حتى جاء فقال له أبو أيوب يا أبا عبد الله سبحان الله العظيم تخلفت عنا وحرمتنا الأنس بك ولقد قال لي الغلام إنه ما رأى عندك أحدا وقلت أنت مع قوم من الاعراب فإذا قضيت أربي معهم أتيت فقال ابن الاعرابي لنا جلساء ما نمل حديثهم الباء مأمونون غيبا ومشهدا يفيدوننا من علمهم علم ما مضى وعقلا وتأديبا ورأيا مسددا بلا فتنة تخشى ولا سوء عشرة ولا نتقي منهم لسانا ولا يدا فإن قلت أموات فما أنت كاذبا وإن قلت أحياء فلست مفندا قيل لأبي العباس أحمد بن يحيى بن ثعلب توحشت من الناس جدا فلو تركت لزوم البت بعض الترك وبرزت للناس كانوا ينتفعون بك وينفعك الله بهم فمكث ساعة ثم أنشأ يقول إن صحبنا الملوك تاهوا علينا واستخفوا كبرا بحق الجليس أو صحبنا التجار صرنا إلى البؤ س وصرنا إلا عداد الفلوس فلزمنا البيوت نستخرج العلم ونملأ به بطون الطروس ولغيره لمحبرة تجالسني نهاري أحب الي من أنس الصديق ورزمة كاغد في البيت عندي أحب الي من عدل الدقيق ولطمة عالم في الخد مني ألذ لدي من شرب الرحيق وقال محمد بن بشير في شعر له أقبلت أهرب لا آلو مباعدة في الأرض منهم فلم يحصني الهرب لما رأيت بأني لست معجزهم فوتا ولا هربا قد بت أحتجب فصرت في البيت مسرورا تحدثني عن علم ما غاب عني في الورى الكتب فردا تخبرني الموتى وتنطق لي فليس لي من أناس غيرهم أرب لله من جلساء لا جليسهم ولا خليطهم للسوء مرتقب لا بادرات الأذى يخشى رفيقهم ولا يلاقيه منهم منطق ذرب ابقوا لنا حكما تبقى منافعها أخرى الليالي على الأيام وانشعبوا إن شئت من محكم الآثار يرفعها إلى النبي ثقاة خيرة نجب أو شئت من عرب علما بأولهم في الجاهلية تنبيني بها العرب أو شئت من سير الأملاك عن عجم تنبي وتخبر كيف الرأي والأدب حتى دني قد شاهدت عصرهم وقد مضت دونهم من دهرنا حقب ما مات قوم إذا ابقوا لنا أدبا وعلم دين ولا بانوا ولا ذهبوا ومما يحفظ قديما نعم المؤانس والجليس كتاب تخلو به أن ملك الأصحاب لا مفشيا سرا ولا متكبرا وتفاد منه حكمه وصواب وأنشدني أحمد بن محمد بن أحمد رحمه الله وألذ ما طلب الفتى بعد التقى علم هناك يزينه طلبه ولكل طالب لذة متنزه والذ نزهة عالم كتبه وسألني أن أزيد فيها فزدته بحضرته يسلى الكتاب هموم قارئه ويبين عنه أن قرأ نصبه نعم الجليس إذا خلوت به لا مكره يخشى ولا شغبه وقال بعض البصريين العلم آنس صاحب أخلو به في وحدتي فإذا اهتممت فسلوتي وإذا خلوت فلذتي ويروى وإذا نشطت فلذتي وأنشدني محمد بن هارون الدمشقي لنفسه أو لغيره لمحبرة تجالسني نهارا أحب إلي من أنس الصديق الأبيات المتقدمة وقال عمرو بن العلاء ما دخلت على رجل قط ولا مررت ببابه فرأيته ينظر في دفتر وجليسه فارغ إلا حكمت عليه واعتقدت أن أفضل منه عقلا وكان عبدالله بن عبد الله بن عبد العزبز بن عمر بن عبد العزبز لا يجالس الناس ونزل المقبرة فكان لا يكاد يرى إلا وفي يده دفتر فسئل عن ذلك فقال لم أر قط أوعظ من قبر ولا أنفع من دفتر ولا أسلم من وحدة وروى الحسن اللؤلؤي أن صح عنه أنه قال لقد غبرت لي اربعون عاما ما قمت ولا نمت إلا والكتاب على صدري وسئل عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري عن دواء للحفظ فقال ادمان النظر في الكتب وانشدت لعبد الملك بن ادريس الوزير من قصيدة له مطولة وأعلم بأن العلم أرفع رتبة وأجل مكتسب واسنى مفخر فاسلك سبيل المقتنين له تسد ان السيادة تقتنى بالدفتر والعالم المدعو حبرا إنما سماه باسم الحبر حمل المحبر وبضمر الاقلام يبلغ أهلها ما ليس يبلغ بالجياد الضمر وقد أكثر أهل العلم والأدب في جمع ما في هذا الباب من المنظوم والمنثور فرأيت الاقتصار من ذلك على القليل أولى من الإكثار وبالله التوفيق تم والحمد لله.