الحديث الثاني والأربعون |
سعة مغفرة الله تعالى
عن أنس بن مالك رضي عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول قال الله تعالى يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة . رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
هذا الحديث تفرد به الترمذي خرجه من طريق كثير بن فائدة حدثنا سعيد بن عبيد سمعت بكر بن عبدالله المزني يقول حدثنا أنس فذكره قال وحسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه انتهى وإسناده لا بأس به وسعيد بن عبيد هو الهنائي قال أبو حاتم شيخ وذكره ابن حبان في الثقات ومن زعم أنه غير الهنائي فقد وهم وقال الدارقطني تفرد به كثير بن فائدة عن سعيد مرفوعًا ورواه مسلم بن قتيبة عن سعيد بن عبيد فوقفه أنس قلت قد روى عنه مرفوعًا وموقوفا وتابعه على رفعه أبو سعيد أيضًا مولي بني هاشم فرواه عن سعيد بن عبيد مرفوعًا أيضًا وقد روى أيضًا من حديث ثابت عن أنس مرفوعًا ولكن قال أبو حاتم هو منكر وقد روى أيضًا عن سعيد بن عبيد مرفوعًا أيضًا من حديث أبي ذر خرجه الإمام أحمد من رواية شهر بن حوشب عن معديكرب عن أبي ذر عن النبي ﷺ يرويه عن ربه تعالى فذكره بمعناه ورواه بعضهم عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر وقيل عن شهر عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ ولا يصح هذا القول وروى من حديث ابن عباس خرجه الطبراني من رواية قيس بن الربيع عن جيد بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ﷺ وروى بعضه من وجوه أخر فخرج مسلم في صحيحه من حديث معرور بن سويد عن أبي ذر عن النبي ﷺ قال يقول الله تعالى من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعًا ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئًا لقيته بقرابها مغفرة.
وخرج الإمام أحمد من رواية أخشن السدوسي قال دخلت على أنس فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم وقد تضمن حديث أنس المبدوء بذكره أن هذه الأسباب الثلاثة يحصل بها المغفرة أحدها الدعاء مع الرجاء فإن الدعاء مأمور به وموعود عليه بالإجابة كما قال تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غافر.
وفي السنن الأربعة عن النعمان بن بشير عن النبي ﷺ قال إن الدعاء هو العباده ثم تلا هذه الآية وفي حديث آخر خرجه الطبراني مرفوعًا من أعطي الدعاء أعطي الإجابة لأن الله تعالى يقول ادعوني أستجب لكم.
وفي حديث آخر ما كان الله ليفتح على عبد باب الدعاء ويغلق عنه باب الإجابة لكن الدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه وقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه أو وجود بعض موانعه وآدابه وقد سبق ذكر بعض شرائطه وموانعه وآدابه في شرح الحديث العاشر ومن أعظم شرائطه حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى.
كما خرجه الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ قال ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة وإن الله تعالى لا يقبل دعاء من قلب غافل لاه.
وفي المسند عن عبدالله بن عمرو عن النبي ﷺ قال إن هذه القلوب أوعية فبعضها أوعي من بعض فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة فإن الله لا يستجيب لعبد دعاء من مظهر قلب غافل ولهذا نهى العبد أن يقول في دعائه الله م اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له ونهي أن يستعجل ويترك الدعاء لاستبطاء الإجابة وجعل ذلك من موانع الإجابة حتى لا يقطع العبد رجاءه من إجابة دعائه ولو طالت المدة فإنه سبحانه يحب الملحين في الدعاء وجاء في الآثار إن العبد إذا دعا ربه وهو يحبه قال يا جبريل لا تعجل بقضاء حاجة عبدي فإني أحب أن أسمع صوته وقال تعالى {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمةََ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} الأعراف فما دام العبد يلح في الدعاء ويطمع في الإجابة من غير قطع الرجاء فهو قريب من الإجابة ومن أدمن قرع الباب يوشك أن يفتح له وفي صحيح الحاكم عن أنس مرفوعًا لا تعجزوا عن الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد ومن أهم ما يسأل العبد ربه مغفرة ذنوبه وما يستلزم ذلك كالنجاة من النار ودخول الجنة وقد قال النبي ﷺ حولها ندندن يعني حول سؤال الجنة والنجاة من النار وقال أبو مسلم الخولاني ما عرضت لي دعوة فذكرت النار إلا صرفتها إلى الاستعاذة منها ومن رحمة الله تعالى بعبده أن العبد يدعوه بحاجه من الدنيا فيصرفها عنه يعوضه خيرًا منها إما أن يصرف عنه بذلك سوءا أو يدخرها له في الآخرة أو يغفر له بها ذنبا كما في المسند والترمذى من حديث جابر عن النبي ﷺ قال ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ماسأل أو كف عنه من السوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم.
وفي المسند وصحيح الحاكم عن أبي سعيد عن النبي ﷺ قال مامن مسلم يدعو بدعوة ليس له فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدي ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يكشف عنه من السوء مثلها قالوا إذا نكثر قال الله أكثر وخرجه الطبراني وعنده أويغفر له بها ذنبا قد سلف بدل قوله أو يكشف عنه من السوء مثلها.
وخرج الترمذي من حديث عبادة مرفوعًا نحو حديث أبي سعيد أيضًا وبكل حال فالإلحاح بالدعاء بالمغفرة مع رجاء الله تعالى موجب للمغفرة والله تعالى يقول أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء وفي رواية فلا تظنوا بالله إلا خيرًا ويروى من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر مرفوعًا يأتي الله بالمؤمن يوم القامة فيقربه حتى يجعله في حجابه من جميع الخلق فيقول له أقرأ فيعرفه ذنبا ذنبا أتعرف أتعرف فيقول نعم نعم ثم يلتفت العبد يمنة ويسرة فيقول الله تعالى لا بأس عليك ياعبدي أنت في ستري من جميع خلقي ليس بيني وبينك اليوم أحد يطلع على ذنوبك غيري غفرتها لك بحرف واحد من جميع ما أتيتني به قال ما هو يارب قال كنت لا ترجو العفو من أحد غيري فمن أعظم أسباب المغفرة أن العبد إذا أذنب ذنبا لم يرج مغفرته من غير ربه ويعلم أنه لا يغفر الذنوب ويأخذ بها غيره وقد سبق ذكر ذلك في شرح حديث أبي ذر ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وقوله إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي يعني على كثرة ذنوبك وخطاياك ولا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره.
وفي الصحيح عن النبي ﷺ قال إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء فذنوب العبد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها وأعظم فهي صغيرة في جنب عفو الله ومغفرته وفي صحيح الحاكم عن جابر أن رجلًا جاء إلى النبي ﷺ وهو يقول واذنوباه مرتين أو ثلاثًا فقال له النبي ﷺ قل الله م مغفرتك أوسع من ذنوبي ورحمتك أرجي عندي من عملي فقالها ثم قال له عد فعاد ثم قال له عد فعاد له قم قد غفر الله لك وفي هذا المعنى يقول بعضهم:
يا كبير الذنب عفو الله *** من ذنبك أكبر
أعظم الأشياء في *** جانب عفو الله تغفر
وقال آخر:
يارب إن عظمت ذنوني كثرة *** فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن *** فمن ذا الذي يدعو ويرجو المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا *** وجميل عفوك ثم إني مسلم
السبب الثاني للمغفرة الاستغفار ولو عظمت الذنوب وبلغت الكثرة عنان السماء وهو السحاب وقيل ما انتهى إليه البصر منها وفي الرواية الأخري لو أخطأتم حتى بلغت خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم والاستغفار طلب المغفرة والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها وقد كثر في القرآن ذكر الاستغفار فتارة يؤمر به كقوله تعالى {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} المزمل، وقوله {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} هود وتارة يمدح أهله كقوله تعالى {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} آل عمران، وقوله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ} آل عمران وتارة يذكر أن الله يغفر لمن استغفره كقوله تعالى {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا} النساء وكثيرًا ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان والتوبة عبارةعن الإقلاع من الذنوب بالقلوب والجوارح وتارة يفرد الاستغفار ويرتب عليه المغفرة كما ذكر في هذا الحديث وما أشبهه فقد قيل إنه أريد به الاستغفار المقترن بالتوبة وقيل إن نصوص الاستغفار كلها المفردة مطلقة تقيد بما ذكر في آية آل عمران من عدم الإصرار فإن الله وعد فيها بالمغفرة لمن استغفره من ذنوبه ولم يصر على فعله فتحمل النصوص المطلقة في الاستغفار كلها على هذا القيد ومجرد قول القائل اللهم اغفر لي طلب منه للمغفرة ودعاء بها فيكون حكمه حكم سائر الدعاء فإن شاء الله أجابه وغفر لصاحبه لاسيما إذا خرج عن قلب منكسر بالذنوب أو صادف ساعة من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات ويروى عن لقمان أنه قال لابنه يابني عود لسانك الله م اغفر لي فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلا وقال الحسن أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلي موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم فإنكم ما تدرون متي تنزل المغفرة.
وخرج ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن من حديث أبي هريرة مرفوعًا بينما رجل مستلق إذ نظر إلى السماء وإلي النجوم فقال إني لأعلم أن لك ربا خالقا الله م اغفر لي فغفر له وعن مورق قال كان رجل يعمل السيئات فخرج إلى البرية فجمع ترابا فاضطجع مستلقيا عليه فقال ربي اغفر لي ذنوبي فقال إن هذا ليعرف أن له ربا يغفر ويعذب فغفر له وعن مغيث بن سمي قال بينما رجل خبيث فتذكر يومًا فقال الله م غفرانك الله م غفرانك ثم مات فغفر له ويشهد لهذا ما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ إن عبدًا أذنب فقال رب أذنبت ذنبا فاغفر لي قال الله تعالى علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر فذكر مثل الأول مرتين أخرتين وفي رواية لمسلم أنه قال في الثالثة قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء والمعنى مادام على هذا الحال كلما أذنب استغفر والظاهر أن مراده الاستغفار المقرون بعدم الإصرار ولهذا في حديث أبي بكر الصديق عن النبي ﷺ قال ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة خرجه أبو داود والترمذى والاستغفار باللسان مع إصرار القلب على الذنب فهو دعاء مجرد إن شاء الله أجابه وإن شاء رده وقد يكون الإصرار مانعا من الإجابة.
وفي المسند من حديث عبدالله بن عمر مرفوعًا ويل للذين يصرون على ما فعلوا وهم يعملون.
وخرج ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمستغفر من ذنب وهو مقيم عليه كالمستهزي بربه ورفعه منكر ولعله موقوف قال الضحاك ثلاثة لا يستجاب لهم فذكر منهم رجلًا مقيما على امرأة زنا قضي منها شهوته قال رب اغفر لي ما أصبت من فلانة فيقول الرب تحول عنها وأغفر لك وأما ما دمت عليها مقيما فإني لا أغفر لك ورجلا عنده مال قوم يري أهله فيقول رب اغفرلي ما آكل من فلان فيقول تعالى رد إليهم مالهم وأغفر لك وأما ما لم ترد إليهم فلا أغفر لك وقول القائل أستغفر الله معناه أطلب مغفرته فهو كقوله الله م اغفر لي فالاستغفار التام الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار كما مدح الله تعالى أهله ووعدهم بالمغفرة قال بعض العارفين من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيح توبته فهو كاذب في استغفاره، وكان بعضهم يقول استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير وفي ذلك يقول بعضهم:
أستغفر الله من أستغفر الله *** من لفظة بدرت خالفت معناها
وكيف أرجو إجابات الدعاء وقد *** سددت بالذنب عند الله مجراها
فأفضل الاستغفار ما قرن به ترك الإصرار وهو حينئذ يؤمل توبة نصوحا وإن قال بلسانه أستغفر الله وهو غير مقلع بقلبه فهو داع لله بالمغفرة كما يقول اللهم اغفر لي وهو حسن وقد يرجي له الإجابة وأما من تاب توبة الكذابين فمراده أنه ليس بتوبة كما يعتقده بعض الناس وهذا حق فإن التوبة لا تكون مع الإصرار وإن قال أستغفر الله وأتوب إليه فله حالتان إحداهما أن يكون مصرا بقلبه على المعصية فهو كاذب في قوله وأتوب إليه لأنه غير تائب فلا يجوز له أن يخبر عن نفسه بأنه تائب وهو غير تائب والثانية أن يكون مقلعا عن المعصية بقلبه فاختلف الناس في جواز قوله وأتوب إليه فكرهه طائفة من السلف وهو قول أصحاب أبي حنيفة حكاه عنهم الطحاوي وقال الربيع بن خيثم يكون قوله وأتوب إليه كذبة وذنبا ولكن ليقل الله م إني أستغفرك فتب علي وهذا قد يحمل على من لم يقلع بقلبه وهو بحاله أشبه، وكان محمد بن سوقة يقول في استغفاره استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأسأله توبة نصوحا وروى عن حذيفة أنه قال يحسب من الكذب أن يقول أستغفر الله ثم يعود وسمع مطرف رجلًا يقول أستغفر الله وأتوب إليه فتغيظ عليه وقال لعلك لا تفعل وهذا ظاهره يدل على أنه إنما كره أن يقول وأتوب إليه لأن التوبة النصوح أن لا يعود إلى الذنب أبدًا فمتي عاد إليه كان كاذبا في قوله وأتوب إليه، وكذلك سئل محمد بن كعب القرظي عمن عاهد الله أن لا يعود إلى معصيةأبدا فقال من أعظم منه إثما يتألي على الله أن لا ينفذ فيه قضاءه ورجح قوله في هذا أبو الفرج بن الجوزي وروى عن سفيان بن عيينة نحو ذلك وجمهور العلماء على جواز أن يقول التائب أتوب إلى الله وأن يعاهد العبد ربه على أن لا يعود إلى المعصية فإن العزم على ذلك واجب عليه في الحال لهذا قال ما أصر من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة وقال في المعاود للذنب قد غفرت لعبدي فليعمل ماشاء وفي حديث كفارة المجلس أستغفرك اللهم وأتوب إليك وقطع النبي ﷺ يدي سارق ثم قال له استغفر الله وتب إليه فقال أستغفر الله وأتوب إليه فقال اللهم تب عليه خرجه أبو داود واستحب جماعة من السلف الزيادة على قوله أستغفر الله وأتوب إليه فروى عن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلًا يقول أستغفر الله وأتوب إليه فقال له قل ياحميق قل توبة من لا يملك لنفسه نفغا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا وسئل الأوزاعي عن الاستغفار يقول أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه فقال إن هذا لحسن ولكن يقول رب اغفرلي حتى يتم الاستغفار وأفضل أنواع الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء على ربه ثم يثني بالاعتراف بذنبه ثم يسأل الله المغفرة كمافي حديث شداد بن أوس عن النبي ﷺ قال سيد الاستغفار أن يقول العبد الله م أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لايغفر الذنوب إلا أنت خرجه البخاري.
وفي الصحيحين عن عبدالله بن عمرو أن أبا بكر الصديق قال يارسول الله علمني دعاء أدعوبه في صلاتي قال قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ومن أنواع الاستغفار أن يقول العبد أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه وقد روي عن النبي ﷺ إن من قاله غفر له وإن كان فر من الزحف خرجه أبو داود والترمذى وفي كتاب اليوم والليلة للنسائي عن خباب بن الأرت قال قلت يارسول الله كيف نستغفر قال قل الله م اغفر لنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال مارأيت أحدًا أكثر أن يقول أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله صلى عليه وآله وسلم وفي الأربعة عن ابن عمر قال إن كنا لنعد لرسول الله ﷺ في المجلس الواحد مائة مرة يقول رب اغفر لي وتب على إنك أنت التواب الغفور وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة وفي صحيح مسلم عن الأغر المزني عن النبي ﷺ قال إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة.
وفي المسند عن حذيفة قال قلت يارسول الله إني ذرب اللسان وإن عامة ذلك على أهلي فقال أين أنت من الاستغفار إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة وفي سنن أبي داود عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقة من حيث لا يحتسب قال أبو هريرة إني لأستغفر الله وأتوب إليه كل يوم ألف مرة وذلك على قدر ديتي وقالت عائشة رضي الله عنها طوبي لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرًا قال أبو المنهال ما جاور عبد في قبره من جار أحب إليه من استغفار كثير وبالجملة فدواء الذنوب الاستغفار وروينا من حديث أبي ذر مرفوعًا إن لكل داء دواءا وإن دواء الذنوب الاستغفار قال قتادة إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم فأما داؤكم فالذنوب وأما دواؤكم فالاستغفار وقال بعضهم إنما معول المذنبين البكاء والاستغفار فمن أهمته ذنوبه أكثر لها من الاستغفار قال رباح القيسي لي نيف وأربعون ذنبا قد استغفرت الله لكل ذنب مائة ألف مرة وحاسب بعضهم نفسه من وقت بلوغه فإذا زلاته لا تجاوز ستا وثلاثين فاستغفر الله لكل زلة مائة ألف مرة وصلي لكل زلة ألف ركعة وختم في كل ركعة منها ختمة قال ومع ذلك فإني غير آمن من سطوة ربي أن يأخذني بها فأنا على خطر من قبول التوبة ومن زاد اهتمامه بذنوبه فربما تعلق بأذيال من قلت ذنوبة فالتمس منهم الاستغفار، وكان عمر يطلب من الصبيان الاستغفار ويقول إنكم لم تذنبوا، وكان أبو هريرة يقول لغلمان الكتاب قولوا الله م اغفر لأبي هريرة فيؤمن على دعائهم قال بكر المزني لو كان رجل يطوف على الأبواب كما يطوف المسكين يقول استغفروا لي لكان قبوله أن يفعل ومن كثرت ذنوبه وسيئاته حتى فاقت العدد والإحصاء فليستغفر الله مما علم فإن الله قد علم كل شيء وأحصاه كما قال تعالى {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} وفي حديث شداد بن أوس عن النبي ﷺ أسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب وفي مثل هذا يقول بعضهم:
أستغفر الله مما يعلم الله *** إن الشقي لمن لا يرحم الله
ما أحلم الله عمن لا يراقبه *** كل مسيء ولكن يحلم الله
فاستغفر الله مما كان من زلل *** طوبي لمن كف عما يكره الله
طوبي لمن حسنت منه سريرته *** طوبي لمن ينهي عما نهى الله
السبب الثالث من أسباب المغفرة التوحيد وهو السبب الأعظم فمن فقدة فقد المغفرة ومن جاء به فقد أتي بأعظم أسباب المغفرة قال الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} النساء.
فمن جاء مع التوحيد بقراب الأرض وهو ملؤها أو ما يقارب ملأها خطايا لقيه الله بقرابها مغفرة لكن هذا مع مشيئة الله عز وجل فإن شاء غفر له وإن شاء أخذه بذنوبه ثم كان عاقبته أن لا يخلد في النار بل يخرج منها ثم يدخل الجنة قال بعضهم الموحد لا يلقي في النار كما يلقي الكفار ولا يبقي فيها كما يبقي الكفار فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه أو بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوي الله محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة وخشية ورجاء وتوكلا وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر وربما قلبتها حسنات كما سبق ذكره في تبديل السيئات حسنات فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم فلو وضع منه ذرة على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات كما في المسند وغيره عن أم هانئ عن النبي ﷺ قال لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يسبقها عمل.
وفي المسند عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال لأصحابه ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع رسول الله ﷺ يده ثم قال الحمد لله اللهم بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني الجنة عليها وإنك لاتخلف الميعاد ثم قال أبشروا فإن الله قد غفر لكم قال الشبلي من ركن إلى الدنيا أحرقته بنارها فصار رمادا تذوره الرياح ومن ركن إلى الآخرة أحرقته بنورها فصار ذهبا أحمر ينتفع به ومن ركن إلى الله أحرقه نور التوحيد فصار جوهرا لا قيمة له إذا علقت نار المحبة بالقلب أحرقت منه كل شيء ما سوي الرب عز وجل فطهر القلب حينئذ من الأغيار وصلح غرسا للتوحيد ماوسعني سمائي ولاأرضي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن.
غصني الشوق إليهم بريقي *** واحريقي في الهوي وا حريقي
قد رماني الحب في لج بحر *** فخذوا بالله كف الغريق
حل عندي حبكم في شغافي *** حل مني كل عهد وثيق
فهذا آخر ما ذكره الشيخ رحمه الله تعالى من الأحاديث في هذا الكتاب ونحن بعون الله ومشيئته نذكر تتمة الخمسين حديثًا من الأحاديث الجامعة لأنواع العلوم والآداب والحكم الموعود بها في أول الكتاب والله الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل وإليه المآب.