الحديث الثالث والأربعون |
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولي رجل ذكر . خرجه البخاري ومسلم
هذا الحديث الذي زعم بعض شراح هذه الأربعين أن الشيخ رحمه الله تعالى أغفله فإنه مشتمل على أحكام المواريث وجامع لها وهذا الحديث خرجاه من رواية وهيب وروح ابن القاسم عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وخرجه مسلم من رواية معمر ويحيى ابن أيوب عن ابن طاوس أيضًا وقد رواه الثوري وابن عيينة وابن جريج وغيرهم عن ابن طاوس عن أبيه مرسلًا من غير ذكر ابن عباس ورجح النسائي إرساله وقد اختلف العلماء في معنى قوله ألحقوا الفرائض بأهلها فقالت طائفة المراد بالفرائض الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى والمراد أعطوا الفرائض المقدرة لمن سماها الله لهم فما بقي بعد هذه الفروض فيستحقه أولي الرجال والمراد بالأولي الأقرب كما يقال هذا يلي هذا أي يقرب منه فأقرب الرجال هو أقرب العصبات فيستحق الباقي بالتعصيب وبهذا المعنى فسر الحديث جماعة من الأئمة منهم الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه نقله عنهما إسحاق بن منصور وعلي هذا فإذا اجتمع بنت وأخت وعم وابن عم أو ابن أخ فينبغي أن يأخذ الباقي بعد نصف البنت العصبة وهذا قول ابن عباس، وكان يتمسك بهذا الحديث ويقر بأن الناس كلهم على خلافه وذهبت الظاهرية إلى قوله أيضًا وقال إسحاق إذا كان مع البنت والأخت عصبة فالعصبة أولي وإن لم يكن معها أحد فالأخت لها الباقي وحكي عن ابن مسعود أنه قال البنت عصبة من لاعصبة له ورد بعضهم هذا وقال لا يصح عن ابن مسعود، وكان ابن الزبير ومسروق يقولان بقول ابن عباس ثم رجعا عنه وذهب جمهور العلماء إلى أن الأخت مع البنت عصبة لها مافضل منهم عمر وعلى وعائشة وزيد وابن مسعود ومعاذ بن جبل وتابعهم سائر العلماء وروى عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج سألت ابن طاوس عن ابنة أخت فقال كان أبي يذكر عن ابن عباس عن رجل عن النبي ﷺ فيها شيئًا، وكان طاوس لا يرضي بذلك الرجل قال، وكان أبي يشك فيها ولا يقول شيئًا وقد كان يسئل عنها والظاهر والله أعلم أن مراد طاوس هو هذا الحديث فإن ابن عباس لم يكن عنده نص صريح عن النبي ﷺ في ميراث الأخت البنت إنما كان يتمسك بمثل عموم هذا الحديث وما ذكر طاوس أن ابن عباس رواه عن رجل وأنه لا يرضاه فابن عباس أكثر رواياته للحديث عن الصحابة والصحابة كلهم عدول قد رضي الله عنهم وأثني عليهم فلا عبرة بعد ذلك بعدم رضا طاوس وفي صحيح البخاري عن أبي قيس الأودي عن هرقل بن شرحبيل قال جاء رجل إلى أبي موسي فسأله عن ابنة وابنة ابن وأخت لأب وأم فقال للابنة النصف وللأخت ما بقي ائت ابن مسعود فسيتابعني فأتي ابن مسعود فذكر ذلك له فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين لأقضين فيها بقضاء رسول الله ﷺ للابنة النصف ولابنه الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت قال فأتينا أبا موسي فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني مادام هذا الحبر فيكم وفيه أيضًا عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد قال قضي فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله ﷺ النصف للابنة والنصف للأخت ثم ترك الأعمش ذكر عهد رسول الله ﷺ فلم يذكره وخرجه أبو داود من وجه آخر عن الأسود وزاد فيه ونبي الله ﷺ يومئذ حي واستدل ابن عباس لقوله بقول الله عز وجل {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} النساء، وكان يقول {أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} يعني أن الله لم يجعل لها النصف إلا مع عدم الولد وأنتم تجعلون لها النصف مع الولد وهو البنت والصواب قول عمر والجمهور ولا دلالة في هذه الآية على خلاف ذلك لأن المراد بقوله فلها نصف ما ترك بالفرض وهذا مشروط بعدم الولد بالكلية ولهذا قال بعده فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك النساء يعني بالفرض والأخت الواحدة إنما تأخذ النصف مع عدم وجود الولد الذكر والأنثي فكذلك الأختان فصاعدا إنما يستحقون الثلثين مع عدم وجود الولد الذكر والأنثي فإن كان هناك ولد فإن كان ذكرا فهو مقدم على الإخوة مطلقا ذكورهم وإناثهم وإن لم يكن هناك ولد ذكر بل أنثي فالباقي بعد فرضها يستحقه الأخ مع أخته بالاتفاق فإذا كانت الأخت لا يسقطها أخوها فكيف يسقطها من هو أبعد منه من العصبات كالعم وابنه وإذا لم يكن العصبة الأبعد مسقطا لها فيتعين تقديمها عليه لامتناع مشاركته لها فمفهو م الآية أن الولد يمنع أن يكون للأخت النصف بالفرض وهو حق ليس مفهومها أن الأخت تسقط بالبنت ولا تأخذ ما فضل من ميراثها يدل عليه قوله تعالى {وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ} النساء وقد أجمعت الأمة على أن الولد الأنثي لا يمنع الأخ أن يرث من مال أخته ما فضل عن البنت أو البنات وإنما وجود الولد الأثني يمنع أن يحوز الأخ ميراث أخته كله فكما أن الولد إن كان ذكرا منع الأخ من الميراث فإن كان أنثي لم يمنعه الفاضل عن ميراثها وإن منعه حيازة الميراث فكذلك الولد إن كان ذكرا منع الأخت الميراث بالكلية وإن كان أنثي منعت الأخت أن يفرض لها النصف ولم يمنعها أن تأخذ ما فضل عن فرضها والله أعلم.
وأما قوله فما أبقت الفرائض فلأولي رجل ذكر فقد قيل أن المراد به العصبة البعيد خاصة كبني والأعمام وبنيهم دون العصبة القريب بدليل أن الباقي بعد الفروض يشترك فيه الذكروالأنثي إذا كان العصبة قريبًا كالأولاد والإخوة بالاتفاق فكذلك الأخت مع البنت بالنص الدال عليه وأيضا فإنه يخص منه الصورة بالاتفاق، وكذلك يخص منه المعتقة مولاة النعمة بالاتفاق فتخص منه صورة الأخت مع البنت بالنص وقالت طائفة أخرى المراد بقوله ألحقوا الفرائض بأهلها ما يستحقه ذوو الفروض في الجملة سواء أخذوه بفرض أو تعصيب طرأ لهم والمراد بقوله فما بقي فلأولي رجل ذكر العصبة الذي ليس له فرض بحال ويدل عليه أنه قد روى الحديث بلفظ آخر وهو اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فدخل في ذلك كل من كان من أهل الفروض بوجه من الوجوه وعلي هذا فما تأخذه الأخت مع أخيها أو ابن عمها إذا عصبها هو داخل في هذه القسمة لأنها من أهل الفرائض في الجملة فكذلك ما تأخذه الأخت مع البنت وقالت فرقة أخرى المراد بأهل الفرائض في قوله ألحقوا الفرائض بأهلها، وقوله اقسموا المال بين أهل الفرائض جملة من سماه الله في كتابه من أهل المواريث من ذوي الفروض والعصبات كلهم فإن كل ما يأخذه الورثة فهو فرض فرضه الله لهم سواء كان مقدرا أو غير مقدر كما قال بعد ذكر ميراث الوالدين والأولاد فريضة من الله النساء وفيهم ذو فرض وعصبة وكما قال للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا النساء وهذا يشمل العصبات وذوي الفروض فذلك قوله اقسموا الفرائض بين أهلها على كتاب الله يشمل قسمته بين ذوي الفروض والعصبات على مافي كتاب الله فإن قسم على ذلك فضل منه شيء فنخص بالفاضل أقرب الذكور من الورثة ولذلك إن لم يوجد في كتاب الله تصريح بقسمته بين من سماه الله من الورثة فيكون المال حينئذ لأولي رجل ذكر منهم فهذا الحديث مبين لكيفية قسمة المواريث المذكورة في كتاب الله بين أهلها ومبين لقسمة ما فضل من المال عن تلك القسمة مما لم يصرح به القرآن من أحوال أولئك الورثة وأقسامهم ومبين أيضًا لكيفية توريث بقية العصبات الذين لم يصرح بتسميتهم في القرآن فإذا ضم هذا الحديث إلى آيات القرآن انتظم ذلك كله معرفة قسمة المواريث بين جميع ذوي الفروض والعصبات ونحن نذكر حكم توريث الأولاد والوالدين كما ذكره الله تعالى في أول سورة النساء حكم توريث الإخوة من الأبوين أو من الأب كما ذكره الله تعالى في آخر السورة المذكورة فأما الأولي فقد قال الله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} النساء فهذا حكم اجتماع ذكورهم وإناثهم أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين يدخل في ذلك الأولاد وأولاد البنين باتفاق العلماء فمتي اجتمع من الأولاد إخوة وأخوات اقتسموا الميراث على هذا الوجه عند الأكثرين فلو كان هناك بنت للصلب أو ابنتان، وكان هناك ابن ابن مع أخته اقتسما الباقي أثلاثا لدخولهم في هذا العموم هذا قول جمهور العلماء منهم عمر رضي الله عنه وعلي رضي الله عنه وزيد رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنه وذهب إليه عامة العلماء والأئمة الأربعة وذهب ابن مسعود إلى أن الباقي بعد استكمال بنات الصلب الثلثين كله لابن ابن ولا يعصب أخته وهو قول علقمة وأبي ثور وأهل الظاهر فلا يعصب الولد عندهم أخته إلا أن يكون لها فريضة لو انفردت عنه، وكذلك قالوا فيما إذا كان هناك بنت وأولاد ابن ذكور وإناث أن الباقي لجميع ولد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين.
وقال ابن مسعود في بنت وبنات ابن وبني ابن للبنت النصف والباقي بين ولد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين إلا أن تزيد المقاسمة بنات الابن على السدس فيفرض لهن السدس ويجعل الباقي لبني الابن وهذا قول أبي ذر وأما الجمهور فقالوا النصف الباقي لولد الابن للذكر مثل حظ الأنثيين عملًا بعموم الآية وعندهم أن الولد وإن ترك يعصب من في درجته بكل حال سواء كان للأنثي فرض بدونه أو لم يكن لايعصب من هو أعلي منه من الإناث إلا بشرط أن لا يكون له فرض بدونه ولا يعصب من أسفل منه بكل حال ثم قال تعالى {فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} فهذا حكم انفراد الإناث من الأولاد أن للواحدة النصف ولما فوق الأنثيين الثلثان ويدخل في ذلك بنات الصلب وبنات الابن عند عدمهن فإن اجتمعن فإن استكمل بنات الصلب الثلثين فلا شيء لبنات الابن المنفردات وإن لم يستكمل البنات الثلثين بل كان ولد الصلب بنتا واحدة ومعها بنات ابن فللبنت النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين لئلا يزيد فرض البنات على الثلثين وبهذا قضي النبي ﷺ في حديث ابن مسعود الذي تقدم ذكره وهو قول عامة العلماء إلا ما روي عن ابن مسعود وسلمان بن ربيعة أنه لا شيء لبنات الابن وقد رجع أبو موسي إلى قوله ابن مسعود لما بلغه قوله في ذلك وإنما أشكل على العلماء حكم ميراث البنتين فإن لهما الثلثين بالإجماع كما حكاه ابن المنذر وغيره وما حكي فيه عن ابن عباس أن لهما النصف فقد قيل إن إسناده لا يصح والقرآن يدل على خلافه حيث قال وإن كانت واحدة فلها النصف فكيف تورث أكثر من واحدة النصف، وحديث ابن مسعود في توريث البنت النصف وبنت الابن السدس تكملة الثلثين يدل على توريث البنت الثلثين بطريق الأولي.
وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذى من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورث ابنتي سعد بن الربيع الثلثين ولكن أشكل فهم ذلك من القرآن لقوله تعالى {فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} النساء فلهذا اضطربت الناس في هذا وقال كثير من الناس فيه أقوالا متعددة ومنهم من قال استفيد حكم ميراث الابنتين من ميراث الأختين فإنه قال تعالى {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} النساء.
واستفيد حكم ميراث أكثر من الأختين من حكم ميراث ما فوق الاثنتين ومنهم من قال البنت مع أخيها لها الثلث بنص القرآن فلأن يكون لها الثلث مع أختها أولي وسلك بعضهم مسلكا آخر وهو أن الله تعالى ذكر حكم توريث اجتماع الذكور والإناث من الأولاد وذكر حكم توريث الإناث إذا انفردن عن الذكور ولم ينص على حكم انفراد الذكور منهم عن الإناث وجعل حكم الاجتماع أن الذكر له مثل حظ الأنثتين فإن اجتمع مع الابن ابنتان فصاعدا فله مثل نصيب اثنتين منهن وإن لم يكن معه إلا ابنة واحدة فله الثلثان ولها الثلث وقد سمي الله ما يستحقه الذكر حظ الانثيين مطلقا وليس الثلثان حظ الأنثيين في حال اجتماعهما مع الذكر لأن حظهما حينئذ النصف فتعين أن يكون الثلثان حظهما حال الانفراد وبقي هاهنا قسم ثالث لم يصرح القرآن بذكره وهو حكم انفراد الذكور من الولد وهذا مما يمكن إدخاله في حديث ابن عباس فما بقي فلأولي رجل ذكر فإن هذا القسم قد بقي ولم يصرح بحكمه في القرآن فيكون المال حينئذ لأقرب الذكور من الولد والأمر على هذا فإنه لو اجتمع ابن وابن الابن لكان المال كله للابن ولو كان ابن ابن وابن ابن ابن لكان المال كله لابن الابن على مقتضي حديث ابن عباس رضي الله عنهما والله أعلم.
ثم ذكر تعالى حكم ميراث الأبوين فقال {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ} النساء فهذا حكم ميراث الأبوين إذا كان الولد المتوفي ولدا وسواء في الولد الذكر والأنثي وسواء فيه ولد الصلب وولد الابن هذا كالإجماع من العلماء.
وقد حكي بعضهم عن مجاهد خلافًا فيه فمتي كان للميت ولد أو ولد ابن وله أبوان فلكل واحد من أبويه السدس فرضًا ثم إن كان الولد ذكرا فالباقي بعد سدس الأبوين له وربما دخل هذا في قوله ﷺ ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي رجل ذكر وأقرب العصبات الابن وإن كان الولد أنثي فإن كانتا اثنتين فصاعدا فالثلثان لهن ولا يفضل من المال شيء وإن كانت بنتا واحدة فلها النصف ويفضل من المال سدس آخر فيأخذه الأب بالتعصيب عملًا بقوله ﷺ ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولي رجل ذكر فهو أولي رجل ذكر عند فقد الابن إذ هو أقرب من الأخ وابنه والعم وابنه ثم قال تعالى {فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} النساء يعني إذا لم يكن للميت ولد وله أبوان يرثانه فلأمه الثلث فيفهم من ذلك أن الباقي بعد الثلث للأب لأنه أثبت ميراثه لأبويه وخص الأم من الميراث بالثلث فعلم أن الباقي للأب ولم يقل فللأب مثلًا ما للأم لئلا يوهم أن اقتسامهما المال هو بالتعصيب كالأولاد والأخوة إذا كان فيهم ذكور وإناث، وكان ابن عباس يتمسك بهذه الآية بقوله في المسألتين الملقبتين بالعمريتين وهما زوجة وأبوان فإن عمر قضي أن الزوجين يأخذان فرضهما من المال وما بقي فرضهما في المسئلتين فللأم ثلث والباقي للأب وتابعه على ذلك جمهور الأمة.
وقال ابن عباس بل للأم الثلث كاملا تمسكا بقوله تعالى {فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} النساء وقد قيل في جواب هذا إن الله إنما جعل للأم الثلث بشرطين أحدهما أن لا يكون للولد المتوفي ولد والثاني أن يرثه أبواه أي أن ينفرد أبواه بميراثه فما لم ينفرد أبواه بميراثه فلا تستحق الأم الثلث وإن لم يكن للمتوفي ولد وقد يقال وهو أحسن إن قوله وورثه أبواه فلأمه الثلث أي مما ورثه الأبوان ولم يقل فلأمه الثلث مما ترك كما قال في السدس فالمعنى أنه إذا لم يكن له ولد، وكان لأبويه من ماله ميراث فللأم ثلث ذلك الميراث الذي يختص به الأبوان ويبقي الباقي للأب ولهذا السر والله أعلم حيث ذكر الله الفروض المقدرة لأهلها قال فيها مما ترك أو ما يدل على ذلك كقوله تعالى {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} النساء ليبين أن ذا الفرض حقه ذلك الجزء المفروض المقدر له من جميع المال بعد الوصايا والديون وحيث ذكر ميراث العصبات أو ما يقتسمه الذكور والإناث على وجه التعصيب كالأولاد والإخوة لم يقيده بشيء من ذلك ليبين أن المال المقتسم بالتعصيب ليس هو المال كله بل تارة يكون جميع المال وتارة يكون هو الفاضل عن الفروض المفروضة المقدرة وهنا لما ذكر ميراث الأبوين من ولدهما الذي لا ولد له ولم يكن اقتسامهما المال بالفرض المحض كما في ميراثهما مع الولد ولاكان بالتعصيب المحض الذي يعصب فيه الذكر والأنثي ويأخذ مثلي ما تأخذه الأنثي بل كانت الأم تأخذ ما تأخذه بالفرض والأب يأخذ ما يأخذه بالتعصيب قال وورثه أبواه فلأمه الثلث النساء يعني أن القدر الذي يستحقه الأبوان من ميراثه تأخذ الأم ثلثه فرضًا والباقي يأخذه الأب بالتعصيب وهذا مما فتح الله به ولا أعلم أحدًا سبق إليه ولله الحمد والمنة ثم قال تعالى {فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} النساء يعني للأم السدس مع الأخوة من جميع التركة الموروثة التي تقسمها الورثة ولم يذكر هنا ميراث الأب مع الأم ولا شك أنه إذا اجتمع أم وإخوة ليس معهم أب فإن للأم السدس والباقي للإخوة ويحجبها الأخوان فصاعدا عند الجمهور وأما إن كان مع الأم والإخوة أب فقال الأكثرون يحجب الإخوة الأب ولا يرثون وروى عن ابن عباس أنهم يرثون السدس الذي حجبوا عنه الأم بالفرض كما يرث ولد الأم مع الأم بالفرض وقد قيل إن هذا مبني على قوله إن الكلالة من لا ولد له خاصة ولا يشترط للكلالة فقد الوالد فيرث الإخوة مع الأب بالفرض ومن العلماء المتأخرين من قال إذا كان الإخوة محجوبين بالأب فلا يحجبون الأم عن شيء بل لها حينئذ الثلث ورجحه الإمام أبو العباس بن تيمية وقد يؤخذ من عموم قول عمر وغيره من السلف من لا يرث عولا لا يحجب وقد قال نحوه أحمد الخرقي لكن أكثر العلماء يحملون ذلك على أن المراد من ليس له أهلية بالكلية كالكافر والرقيق دون من لايرث لإحجابه بمن هو أقرب منه والله أعلم.
وقد يشهد للقول بأن الإخوة إذا كانوا محجوبين لا يحجبون الأم أن الله تعالى قال فإن كان له إخوة فلأمه السدس النساء ولم يذكر الأب فدل على أن ذلك حكم انفراد الأم مع الإخوة فيكون الباقي بعد السدس كله لهم وهذا ضعيف فإن الإخوة قد يكونون من أم فلا يكون لهم سوي الثلث والله أعلم.
اعلم أن الله تعالى ذكر حكم ميراث الأبوين ولم يذكر الجد ولا الجدة فأما الجدة فقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه إنه ليس لهما في كتاب الله شيء وقد حكي بعض العلماء الإجماع على ذلك وأن فرضها إنما ثبت بالسنة وقيل إن السدس طعمة أطعمها رسول الله ﷺ وليس بفرض كذا روي عن ابن مسعود وسعيد بن المسيب وقد روي عن ابن عباس من وجوه فيها ضعف أنها بمنزلة الأم عند فقد الأم ترث ميراث الأم فترث الثلث تارة والسدس أخرى وهذا شذوذ ولا يصح إلحاق الجدة بالجد لأن الجد عصبة يدلي بعصبة والجدة ذات فرض تدلي بذات فرض فضعفت وقد قيل إنه ليس لها فرض بالكلية وإنما السدس طعمة أطعمها النبي ﷺ ولهذا قالت طائفة ممن يري الرد على ذوي الفروض إنه لا يرد على الجدة لضعف فرضها وهو رواية عن أحمد وأما الجد فاتفق العلماء على أنه يقوم مقام الأب في أحواله المذكورة من قبل فيرث مع الولد السدس بالفرض ومع عدم الولد يرث بالتعصيب وإن بقي شيء مع إناث الولد أخذه بالتعصيب أيضًا عملًا بقوله فما أبقت الفرائض فلأولي رجل ذكر ولكن اختلفوا إذا اجتمع أم وجد مع أحد الزوجين فروى عن طائفة من الصحابة أن للأم ثلث الباقي كما لو كان معها الأب كما سبق وروى ذلك عن عمر وابن مسعمود كذا نقله بعضهم ومنهم من قال إنما روي عن عمر وابن مسعود في زوج وأم وجد أن للأم ثلث الباقي وروى عن ابن مسعود رواية أخرى أن النصف الفاضل بين الجد والأم نصفان وأما في زوجة وأم وجد فروى عن ابن مسعود رواية شاذة إن للأم ثلث الباقي والصحيح عنه كقول الجمهور إن لها الثلث كاملا وهذا يشبه تفريق ابن سيرين في الأم مع الأب أنه إن كان معهما زوج للأم الثلث وجمهور العلماء على أن الأم لها الثلث مع الجد مطلقا وهو قول على وزيد وابن عباس والفرق بين الأم مع الأب والجد أنها مع الأب شملها اسم واحد وهما في القرب سواء إلى الميت فيأخذ الذكر منهما مثل حظ الأنثيين كالأولاد والإخوة وأما الأم مع الجد فليس يشملها اسم واحد والجد أبعد من الأب فلا يلزم مساواته به في ذلك وأما إن اجتمع الجد مع الإخوة فإن كانوا لأم سقطوا به لأنهم إنما يرثون من الكلالة والكلالة من لا ولد له ولا والد إلا رواية شذت عن ابن عباس وأما إن كانوا لأب أو لأبوين فقد اختلف العلماء في حكم ميراثهم قديما وحديثًا فمنهم من أسقط الإخوة بالجد مطلقا كما أسقطوه بالأب وهذا قول الصديق رضي الله عنه ومعاذ وابن عباس وغيرهم واستدلوا بأن الجد أب في كتاب الله عز وجل فيدخل في مسمي الأب في المواريث كما أن ولد الولد ولد ويدخل في مسمي الولد عند عدم الولد بالاتفاق وبأن الإخوة إنما يرثون مع الكلالة فيحجبهم الجد كالإخوة من الأب وبأن الجد أقوي من الإخوة لاجتماع الفرض والتعصيب له من جهة واحدة فهو كالأب وحينئذ فيدخل في عموم قوله ﷺ فما بقي فلأولي رجل ذكر ومنهم من شرك بين الإخوة والجد وهو قول كثير من الصحابة وأكثر الفقهاء بعدهم على اختلاف طويل بينهم في كيفية التشريك بينهم في الميراث، وكان من السلف من يتوقف في حكمهم ولا يجيب فيهم بشيء لاشتباه أمرهم وإشكاله ولولا خشية الإطالة لبسطت القول في هذه المسئلة ولكن ذلك يؤدي إلى الإطالة جدًا وأما حكم ميراث الإخوة للأبوين أو للأب فقد ذكره الله تعالى في آخر سورة النساء في قوله تعالى {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} والكلالة مأخوذة من تكلل النسب وإحاطته بالميت وذلك يقتضي انتفاء الانتساب مطلقا من العمودين الأعلي والأسفل وتنصيصه سبحانه وتعالى على انتفاء الوالد تنبيه على انتفاء الولد بطريق الأولي لأن انتساب الولد إلى والده أظهر من انتسابه إلى ولده فإن ذكر عدم الولد تنبيها على عدم الوالد بطريق الأولي وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه الكلالة من لا ولد له ولا والد وتابعه جمهور الصحابة والعلماء بعدهم وقد روى ذلك مرفوعًا من مراسيل أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي ﷺ وخرجه أبو داود في المراسيل وخرجه الحاكم من رواية عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا وصححه ووصله بذكر أبي هريرة ضعيف فقوله إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك النساء يعني إذا لم يكن للميت ولد بالكلية لا ذكر ولا أنثي فللأخت حينئذ النصف مما ترك فرضًا ومفهوم هذا أنه إذا كان له ولد فليس للأخت النصف فرضًا ثم إن كان الولد ذكرا فهو أولي بالمال كله لما سبق تقريره في ميراث الأولاد الذكور إذا انفردوا فإنهم أقرب العصبات وهم يسقطون الإخوة فكيف لا يسقطون الأخوات وأيضا فقد قال تعالى {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} النساء وهذا يدخل فيه ما إذا كان هناك ذو فرض كالبنات وغيرهن فإذا استحق الفاضل ذكور الإخوة مع الأخوات فإذا انفردوا فكذلك يستحقونه وأولي وإن كان الولد أنثي فليس للأخت هنا النصف بالفرض ولكن لها الباقي بالتعصيب عند جمهور العلماء وقد سبق ذكر ذلك والاختلاف فيه فلو كان هناك ابن لا يستوعب المال كله وأخت مثل ابن نصفه حر عند من يورثه نصف الميراث وهو مذهب الإمام أحمد وغيره من العلماء فهل يقال إن الابن هنا يسقط نصف فرض الأخت فترث معه الربع فرضًا أم يقال أنه يصير كالبنت فتصير الأخت معه عصبة كما يصير مع الأخت لكنه يسقط نصف تعصيبها وتأخذ معه النصف الباقي بالتعصيب هذا محتمل وفي هذه المسألة لأصحابنا وجهان، وقوله تعالى {وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ} النساء يعني أن الأخ يستقل بميراث أخته إذا لم يكن لها ولد ذكر أو أنثي فإن كان لها ولد ذكر فهو أولي من الأخ بغير إشكال فإنه أولي رجل ذكر وإن كان أنثي فالباقي بعد فرضها يكون للأخ لأنه أولي رجل ذكر لكن لا يستقل بميراثها حينئذ لأنه كما إذا لم يكن لها ولد، وقوله تعالى {فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} النساء يعني أن فرض البنتين الثلثان كما أن فرض الواحدة النصف فهذا كله في حكم انفراد الإخوة والأخوات وأما حكم اجتماعهم فقد قال تعالى {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} النساء فدخل في ذلك ما إذا كانوا منفردين وأما إذا كان هناك ذو فرض من الأولاد أو غيرهم كأحد الزوجين أو الأم أو الإخوة من الأم فيكون الفاضل عن فروضهم للأخوة والأخوات بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين فقد تبين بما ذكرناه أن وجود الولد إنما يسقط فرض الأخوات من الأبوين أو الأب ولا يسقط توريثهن بالتعصيب مع أخواتهن بالإجماع ولا يعصبهن بانفرادهن مع البنات عند الجمهور فالكلالة شرط لثبوت فرض الأخوات لا لثبوت ميراثهن كما أنه ليس بشرط لميراث ذكورهم بالإجماع وهذا بخلاف ولد الأم فإن انتفاء الكلالة أسقطت فروضهم وإذا أسقطت فروضهم سقطت مواريثهم لأنه لا تعصيب لهم بحال لإدلائهم بأنثي وللأخوات للأبوين أو للأب يدلون بذكر فيرثان بالتعصيب مع أخواتهن بالاتفاق وبانفرادهن مع البنات عند الجمهور وإذا كان الولد مسقطا لفرض ولد الأبوين أو للأب دون أصل توريثهم بغير الفرض فقد يقال إن الله تعالى إنما خص انتفاء الولد في قوله ليس له ولد النساء ولم يذكر انتفاء الوالد والأب لأنه كان يدخل فيه الجد والجد لا يسقط الميراث الإخوة بالكلية وإنما يشتركون معه في ميراث تارة بالفرض وتارة بغيره وهذا على قول من يقول إن الجد لا يسقط الإخوة وهم الجمهور ظاهر وهذا كله في انفراد ولد الأبوين والأب فإن اجتمعوا فإن العصبات ولد الأبوين يسقطون ولد الأب كلهم بغير خلاف حتى في الأخت من الأبوين مع البنت عند من يجعلها عصبة يسقط بها الأخ من الأبوين.
وفي المسند والترمذى وابن ماجه عن علي رضي الله عنه قال قضي رسول الله صلس الله عليه وآله وسلم أن أعيان بني الأم يرثون دون بني العلات يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه وقال عمرو بن شعيب قضي رسول الله ﷺ أن الأخ للأب والأم أولي الكلالة بالميراث ثم الأخ للأب وهذا أيضًا مما يدخل في قوله عليه الصلاة والسلام فما بقي فلأولي رجل ذكر والتحقيق في ذلك أن كل ما دل عليه القرآن ولو بالتنبيه فليس هو مما أبقته الفرائض بل هو من إلحاق الفرائض المذكورة في القرآن بأهلها كتوريث الأولاد ذكورهم وإناثهم الفاضل عن الفروض للذكر مثل حظ الأنثيين وتوريث الإخوة ذكورهم وإناثهم كذلك ودل ذلك بطريق التنبيه على أن الباقي يأخذه الذكر منهم عند الانفراد بطريق الأولي ودل أيضًا بالتنبيه عليه أن الأخت تأخذ الباقي مع البنت كما كانت تأخذه مع أخيها ولا يقدم عليها من هو أبعد منه كابن الأخ والعم وابنه فإن أخاها إذا لم يسقطها فكيف يسقطها من هو أبعد منه فهذا كله من باب إلحاق الفرائض بأهلها ومن باب قسمة المال بين أهل الفرائض على كتاب الله وأما من لم يذكر باسمه من العصبات في القرآن كابن الأخ والعم وابنه فإنما دخل في عمومات مثله قوله تعالى {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} الأنفال، وقوله {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} النساء فهذا يحتاج في توريثهم إلى هذا الحديث أعني حديث ابن عباس فإذا لم يوجد للمال وارث غيرهم انفردوا به ويقدم منهم الأقرب فالأقرب لأنه أولي رجل ذكر وإن وجدت فروض لا تستغرق المال كأحد الزوجين أو الأم أو ولد الأم أو بنات منفردات أو أخوات منفردات فالباقي كله لأولي ذكر من هؤلاء ولهذا لو كان هؤلاء إخوة رجالًا ونساء لاختص به رجالهم دون نسائهم بخلاف الأولاد والإخوة فإنه يشترك في الباقي أو في المال كله ذكورهم دون إناثهم وهم من عدا الأولاد والإخوة فهذا حكم العصبات المذكورين في كتاب الله تعالى وفي حديث ابن عباس وأما ذوو الفروض فقد ذكرنا حكم مواريثهم ولم يبق منهم إلا الزوجات والإخوة للأم فأما الزوجات فيرثن بسبب عقد النكاح ولما كان بين الزوجين من الألفة والمودة والتناصر والتعاقب ما بين الأقارب جعل ميراثهما كميراث الأقارب وجعل للذكر منهما مثلًا ما للأنثي لامتياز الذكر على الأنثي بمزيد النفع بالإنفاق والنصرة وأما ولد الأم فإنهم ليسوا من قبيلة الرجل ولا عشيرته وإنما هم في المعنى من ذوي رحمه ففرض الله لواحدهم السدس ولجماعتهم الثلث صلة وسوي فيه بين ذكورهم وإناثهم حيث لم يكن لذكرهم زيادة على أنثاهم من المعاضدة والمناصرة كمابين أهل القبيلة والعشيرة الواحدة فسوي بينهم في الصلة ولهذا لم تشرع الوصية للأجانب بزيادة على الثلث بل كان الثلث كثيرًا في حقهم لأنهم أبعد من ولد الأم فينبغي أن لا يزادوا على ما يوصل به ولد الأم بل ينقصون منه واستدل بعضهم بقوله فما بقي فلأولي رجل ذكر على أنه لا ميراث لذوي الأرحام لأنه لم يجعل حق الميراث لمن لم يذكر في القرآن إلا لأقرب الذكور وهذا الحكم يختص بالعصبات دون ذوي الأرحام فإن من ورث ذوي الأرحام ورث ذكورهم وإناثهم وأجاز من يري توريث ذوي الأرحام بأن هذا الحديث دل على توريث العصبات لا على نفي توريث غيرهم وتوريث ذوي الأرحام مأخوذ من أدلة أخرى فيكون ذلك زيادة على ما دل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما وأما قوله فلأولي رجل ذكر مع أن الرجل لا يكون إلا ذكرا فالجواب الصحيح عنه أنه يطلق الرجل ويراد به الشخص كقوله من وجد ماله عند رجل قد أفلس ولافرق بين أن يجده عند رجل أو امرأة فتقييده بالذكر ينفي هذا الاحتمال وتخلصه للذكر دون الأنثي وهو المقصود، وكذلك الابن لما كان قد يطلق ويراد به أعم من الذكر كقوله ابن السبيل جاء تقييد ابن اللبون في نصاب الزكاة بالذكر وللسهيلي كلام على هذا الحديث فيه تكليف وتعسف شديد ولا طائل تحته وقد رده عليه جماعة ممن أدركناهم والله أعلم.