→ ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وستمائة | البداية والنهاية – الجزء الثالث عشر ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وستمائة ابن كثير |
ثم دخلت سنة أربع عشرة وستمائة ← |
☰ جدول المحتويات
- الملك الظاهر أبو منصور
- زيد بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة الشيخ الإمام وحيد عصره تاج الدين أبو اليمن الكندي
- العز محمد بن الحافظ عبد الغني المقدسي
- أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك
- الشريف أبو جعفر يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي العلوي الحسيني
- أبو علي مزيد بن علي ابن مزيد المعروف بابن الخشكري الشاعر المشهور
- أبو الفضل رشوان بن منصور ابن رشوان الكردي
- محمد بن يحيى ابن هبة الله أبو نصر النحاس الوساطي
قال أبو شامة: فيها أحضرت الأوتاد الخشب الأربعة لأجل قبة النسر، طول كل واحد اثنان وثلاثون ذراعا بالنجار.
وفيها: شرع في تجديد خندق باب السر المقابل لدار الطعم العتيقة إلى جانب بانياس.
قلت: هي التي يقال لها اليوم اصطبل السلطان، وقد نقل السلطان بنفسه التراب ومماليكه تحمل بين يديه على قربوس السروج القفاف من التراب فيفرغونها في الميدان الأخضر، وكذلك أخوه الصالح ومماليكه يعمل هذا يوما وهذا يوما.
وفيها: وقعت فتنة بين أهل الشاغور وأهل العقيبة فاقتتلوا بالرحبة والصيارف، فركب الجيش إليهم ملبسين وجاء المعظم بنفسه فمسك رؤوسهم وحبسهم.
وفيها: رتب بالمصلى خطيب مستقل، وأول من باشره الصدر معيد الفلكية، ثم خطب به بعد بهاء الدين بن أبي اليسر، ثم بنو حسان وإلى الآن.
وفيها توفي من الأعيان:
الملك الظاهر أبو منصور
غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، وكان من خيار الملوك وأسدَّهم سيرة، ولكن كان فيه عسف ويعاقب على الذنب اليسير كثيرا، وكان يكرم العلماء والشعراء والفقراء، أقام في الملك ثلاثين سنة وحضر كثيرا من الغزوات مع أبيه، وكان ذكيا له رأي جيد وعبارة سديدة وفطنة حسنة، بلغ أربعا وأربعين سنة، وجعل الملك من بعده لولده العزيز غياث الدين محمد، وكان حينئذ ابن ثلاث سنين، وكان له أولاد كبار ولكن ابنه هذا الصغير الذي عهد إليه كان من بنت عمه العادل وأخواله الأشرف والمعظم والكامل، وجده وأخواله لا ينازعونه، ولو عهد لغيره من أولاده لأخذوا الملك منه، وهكذا وقع سواء، بايع له جده العادل وأخواله، وهمَّ المعظم بنقض ذلك وبأخذ الملك منه فلم يتفق له ذلك، وقام بتدبير ملكه الطواشي شهاب الدين طغرلبك الرومي الأبيض، وكان دينا عاقلا.
وفيها توفي من الأعيان:
زيد بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة الشيخ الإمام وحيد عصره تاج الدين أبو اليمن الكندي
ولد ببغداد ونشأ بها واشتغل وحصل، ثم قدم دمشق فأقام بها وفاق أهل زمانه شرقا وغربا في اللغة والنحو وغير ذلك من فنون العلم، وعلو الإسناد وحسن الطريقة والسيرة وحسن العقيدة، وانتفع به علماء زمانه وأثنوا عليه وخضعوا له.
وكان حنبليا ثم صار حنفيا. ولد في الخامس والعشرين من شعبان سنة عشرين وخمسمائة، فقرأ القرآن بالروايات وعمره عشر سنين، وسمع الكثير من الحديث العالي على الشيوخ الثقات، وعنى به وتعلم العربية واللغة واشتهر بذلك، ثم دخل الشام في سنة ثلاث وستين وخمسمائة، ثم سكن مصر واجتمع بالقاضي الفاضل، ثم انتقل إلى دمشق فسكن بدار العجم منها وحظي عند الملوك والوزراء والأمراء، وتردد إليه العلماء والملوك وأنباؤهم.
كان الأفضل ابن صلاح الدين وهو صاحب دمشق يتردد إليه إلى منزله، وكذلك أخوه المحسن والمعظم ملك دمشق، كان ينزل إليه إلى درب العجم يقرأ عليه في المفصل للزمخشري، وكان المعظم يعطى لمن حفظ المفصل ثلاثين دينارا جائزة، وكان يحضر مجلسه بدرب العجم جميع المصدرين بالجامع، كالشيخ علم الدين السخاوي ويحيى بن معطى الوجيه اللغوي، والفخر التركي وغيرهم، وكان القاضي الفاضل يثنى عليه.
قال السخاوي: كان عنده من العلوم ما لا يوجد عند غيره. ومن العجب أن سيبويه قد شرح عليه كتابه وكان اسمه عمرو، واسمه زيد. فقلت في ذلك:
لم يكن في عهد عمرو مثله ** وكذا الكندي في آخر عصر
فهما زيد وعمرو إنمـا ** بنى النحو على زيد وعمرو
قال أبو شامة: وهذا كما قال فيه ابن الدهان المذكور في سنة ثنتين وتستعين وخمسمائة:
يا زيد زادك ربي من مواهبه ** نعما يقصر عن إدراكها الأمل
النحو أنت أحق العالمين به ** أليس باسمك فيه يضرب المثل
وقد مدحه السخاوي بقصيدة حسنة وأثنى عليه أبو المظفر سبط ابن الجوزي، فقال قرأت عليه وكان حسن العقيدة ظريف الخلق لا يسأم الإنسان من مجالسته، وله النوادر العجيبة والخط المليح والشعر الرائق، وله ديوان شعر كبير، وكانت وفاته يوم الاثنين سادس شوال منها وله ثلاث وتسعون سنة وشهر وسبعة عشر يوما وصلّي عليه بجامع دمشق ثم حمل إلى الصالحية فدفن بها.
وكان قد وقف كتبه - وكانت نفيسة - وهي سبعمائة وإحدى وستون مجلدا، على معتقه نجيب الدين ياقوت، ثم على العلماء في الحديث والفقه واللغة وغير ذلك، وجعلت في خزانة كبيرة في مقصورة ابن سنان الحلبية المجاورة لمشهد علي بن زين العابدين، ثم إن هذه الكتب تفرقت وبيع كثير منها ولم يبق بالخزانة المشار إليها إلا القليل الرث، وهي بمقصورة الحلبية، وكانت قديما يقال لها مقصورة ابن سنان.
وقد ترك نعمة وافرة وأموالا جزيلة، ومماليك متعددة من الترك الحسان، وقد كان رقيق الحاشية حسن الأخلاق يعامل الطلبة معاملة حسنة من القيام والتعظيم، فلما كبر ترك القيام لهم وأنشأ يقول:
تركت قيامي للصديق يزورني ** لا ذنب لي إلا الإطالة في عمري
فإن بلغوا من عش تسعين نصفها ** تبين في ترك القيام لهم عذري
ومما مدح فيه الملك المظفر شاهنشاه ما ذكره ابن الساعي في تاريخه:
وصال الغواني كان أورى وأرجا ** وعصر التداني كان أبهى وأبهجا
ليالي كان العمر أحسن شافعٍ ** تولى وكان اللهو أوضح منهـجا
بدا الشيب فانجابت طماعية الصبا ** وقبح لي ما كان يستحسن الحجا
بلهنيةٌ ولت كان لم أكن بها ** أجلى بها وجه النعيم مسرجا
ولا ختلت في برد الشباب مجررا ** ذيولي إعجابا به وتبرجا
أعارك غيداء المعاطف طفلةً ** وأغيد معسول المراشف أدعجا
نقضت لياليها بطيب كأنه ** لتقصيره منها مختطف الدجـا
فإن أمس مكروب الفؤاد حزينه ** أعاقر من در الصابة منهجا
وحيدا على أني بفضلي متيم ** مروعا بأعداء الفضائل مزعجا
فيا رب ديني قد سررت وسرني ** وأبهجته بالصالحات وأبهجا
ويا رب ناد قد شهدت وماجد ** شهدت دعوته فتلجلـجا
صدعت بفضلي نقصه فتركته ** وفي قلبه شجو وفي حلقه شجا
كأن ثنائي في مسامع حسدي ** وقد ضم أبكار المعاني وأدرجا
حسام تقي الدين في كل مارق ** يقد إلى الأرض الكمي المدججا
وقال يمدح أخاه معز الدين فروخشاه بن شاهنشاه بن أيوب
هل أنت راحم عبرة ومدله ** ومجير صب عند ما منه وهي
هيهات يرحم قاتل مقتوله ** وسنانه في القلب غير منهنـه
مذ بلّ من ذاك الغرام فإنني ** مذ حل بي مرض الهوى لم أنقه
إني بليت بحب أغيد ساحر ** بلحاظه رخص البنان بزهـوه
أبغي شفاء تدلهي من واله ** ومتى يرق مدلل لمـدله
كم آهة لي في هواه وأنة ** لو كان ينفعني عليه تأوهي
ومآرب في وصله لو أنها ** تقضي لكانت عند مبسمه الشهي
يا مفردا بالحسن إنك منته ** فيه كما أنا في الصبابة منتهي
قد لام فيك معاشر كي أنتهي ** باللوم عن حب الحياة وأنت هي
أبكي لديه فإن أحس بلوعة ** وتشهق أرمي بطرف مقهقـه
يا من محاسنه وحالي عنده ** حيران بين تفكر وتكفـه
ضدان قد جمعا بلفظ واحد ** لي في هواه بمعنيين موجّـه
أو لست رب فضائل لو حاز أد ** ناها وما أزهى بها غيري زهي
والذي أنشده تاج الدين الكندي في قتل عمارة اليمني حين كان مالأ الكفرة والملحدين على قتل الملك صلاح الدين، وأرادوا عودة دولة الفاطميين فظهر على أمره فصلب مع من صلب في سنة تسع وتسعين وخمسمائة:
عمارة في الإسلام أبدى خيانةً ** وحالف فيها بيعةً وصليبـا
فأمسى شريك الشرك في بعض أحمد ** وأصبح في حب الصليب صليبا
وكان طبيب الملتقي إن عجمته ** تجد منه عودا في النفاق صليبا
وله:
صحبنا الدهر أياما حسانا ** نعوم بهن في اللذات عوما
وكانت بعد ما ولت كأني ** لدى نقصانها حلما ونوما
أناخ بي المشيب فلا براح ** وإن أوسعته عتبا ولومـا
نزيل لا يزال على التآني ** يسوق إلى الردى يوما فيوما
وكنت أعد لي عاما فعاما ** فصرت أعد لي يوما فيوما
العز محمد بن الحافظ عبد الغني المقدسي
ولد سنة ست وستين وخمسمائة وأسمعه والده الكثير ورحل بنفسه إلى بغداد وقرأ بها مسند أحمد وكانت له حلقة بجامع دمشق، وكان من أصحاب المعظم، وكان صالحا دينا ورعا حافظا رحمه الله ورحم أباه.
أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك
الخلاخلي البغدادي، سمع الكثير، وكان يتردد في الرسلية بين الخليفة والملك الأشرف ابن العادل وكان عاقلا دينا ثقة صدوقا.
الشريف أبو جعفر يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي العلوي الحسيني
نقيب الطالبيين بالبصرة بعد أبيه، كان شيخا أديبا فاضلا عالما بفنون كثيرة لا سيما علم الأنساب وأيام العرب وأشعارها، يحفظ كثيرا منها، وكان من جلساء الخليفة الناصر، ومن لطيف شعره قوله:
ليهنك سمع لا يلائمه العذل ** وقلب قريح لا يمل ولا يسلو
كأن عليّ الحب أضحى فريضة ** فليس لقلبي غيره أبدا شغل
وإني لأهوى الهجر ما كان أصله ** دلالا ولولا الهجر ما عذب الوصل
وأما إذا كان الصدود ملالةً ** فأيسر ما هم الحبيب به القتل
أبو علي مزيد بن علي ابن مزيد المعروف بابن الخشكري الشاعر المشهور
من أهل النعمانية جمع لنفسه ديوانا أورد له ابن الساعي قطعةً من شعره فمن ذلك قوله:
سألتك يوم النوى نظرةً ** فلم تسمحي فعزالا سلم
فأعجب كيف تقولين لا ** ووجهك قد خط فيه نعم
أما النون يا هذه حاجب ** أما العين عين أما الميم فم
أبو الفضل رشوان بن منصور ابن رشوان الكردي
المعروف بالنقف ولد بأربل وخدم جنديا وكان أديبا شاعرا خدم مع الملك العادل ومن شعره قوله:
سلي عني الصوارم والرماحا ** وخيلا تسبق الهوج الرياحا
وأسدا حبيسها سمر العوالي ** إذا ما الأسد حاولت الكفاحا
فإني ثابت عقـلا ولبـا ** إذا ما صائح في الحرب صاحا
وأورد مهجتي لجج المنايا ** إذا ماجت ولم أخف الجراحا
وكم ليل سهرت وبت فيه ** أراعي النجم أرتقب الصباحا
وكم في فدفد فرسي ونضوى ** بقائلة الهجير غدا وراحـا
لعينك في العجاجة ما ألاقي ** وأثبت في الكريهة لا براحـا
محمد بن يحيى ابن هبة الله أبو نصر النحاس الوساطي
كتب إلى السبط من شعره:
وقائلة لما عمرت وصار لي ** ثمانون عاما: عش كذا وابق واسلم
ودم وانتشق روح الحياة فإنه ** لا طيب من بيت بصعدة مظلم
فقلت لها: عذري لديك ممهد ** ببيت زهير فاعملي وتعلمـي
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ** ثمانين حولا لا محالة يسأم
البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر | |
---|---|
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697 |