→ ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين وستمائة | البداية والنهاية – الجزء الثالث عشر ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة ابن كثير |
ثم دخلت سنة أربع وتسعين وستمائة ← |
☰ جدول المحتويات
- واقعة عساف النصراني
- الشيخ الإمام العلامة تاج الدين موسى بن محمد بن مسعود المراغي
- الخاتون مؤنس بنت السلطان العادل أبي بكر بن أيوب
- الصاحب الوزير فخر الدين أبو إسحاق إبراهيم
- الملك الحافظ غياث الدين بن محمد الملك السعيد معين الدين
- قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي
- الأمير علاء الدين الأعمى
- الوزير شمس الدين محمد بن عثمان
في أولها كان مقتل الأشرف، وذلك أنه خرج إلى الصيد في ثالث المحرم، فلما كان بأرض تروجة بالقرب من الإسكندرية ثاني عشر المحرم، حمل عليه جماعة من الأمراء الذين اتفقوا على قتله حين انفرد عن جمهور الجيش، فأول من صوبه نائبه بيدرا، وتمم عليه لاجين المنصوري، ثم اختفى إلى رمضان، ثم ظهر يوم العيد.
وكان ممن اشترك في قتل الأشرف بدر الدين بيسرى وشمس الدين قراسنقر المنصوري، فلما قتل الأشرف اتفق الأمراء على تمليك بيدرا، وسموه الملك القاهر أو الأوحد، فلم يتم له ذلك، فقتل في اليوم الثاني بأمر كتبغا، ثم اتفق زين الدين كتبغا، وعلم الدين سنجر الشجاعي على أن يملكوا أخاه محمد الملك الناصر بن قلاوون، وكان عمره إذ ذاك ثمان سنين وشهورا.
فأجلسوه على سرير المملكة يوم الرابع عشر من المحرم، وكان الوزير ابن السلعوس بالإسكندرية، وكان قد خرج في صحبة السلطان، وتقدم هو إلى الإسكندرية فلم يشعر إلا وقد أحاط به البلاء، وجاءه العذاب من كل ناحية، وذلك أنه كان يعامل الأمراء الكبار معاملة الصغار، فأخذوه وتولى عقوبته من بينهم الشجاعي فضرب ضربا عظيما، وقرر على الأموال، ولم يزالوا يعاقبونه حتى كان وفاته في عاشر صفر بعد أن احتيط على حواصله كلها.
وأحضر جسد الأشرف فدفن بتربته، وتألم الناس لفقده وأعظموا قتله، وقد كان شهما شجاعا، عالي الهمة، حسن المنظر، كان قد عزم على غزو العراق، واسترجاع تلك البلاد من أيدي التتار، واستعد لذلك ونادى به في بلاده، وقد فتح في مدة ملكه - وكانت ثلاث سنين - عكا وسائر السواحل، ولم يترك للفرنج فيها معلما ولا حجرا، وفتح قلعة الروم وبهسنا وغيرها.
فلما جاءت بيعة الناصر إلى دمشق خطب له بها على المنابر، واستقر الحال على ذلك، وجعل الأمير كتبغا أتابكه، والشجاعي مشاورا كبيرا، ثم قتل بعد أيام بقلعة الجبل، وحمل رأسه إلى كتبغا فأمر أن يطاف به في البلد، ففرح الناس بذلك، وأعطوا الذين حملوا رأسه مالا، ولم يبق لكتبغا منازع، ومع هذا كان يشاور الأمراء تطييبا لقلوبهم.
وفي صفر بعد موت ابن السلعوس عزل بدر الدين بن جماعة عن القضاء، وأعيد تقي الدين بن بنت الأعز واستمر ابن جماعة مدرسا بمصر في كفاية ورياسة.
وتولى الوزارة بمصر الصاحب تاج الدين ابن الحنا، وفي ظهر يوم الأربعاء الحادي والعشرين من صفر رتب إمام بمحراب الصحابة، وهو كمال الدين عبد الرحمن بن القاضي محيي الدين بن الزكي، وصلى بعدئذ بعد الخطيب، ورتب بالمكتب الذي بباب الناطفانيين إمام أيضا، وهو ضياء الدين بن برهان الدين الإسكندري.
وباشر نظر الجامع الشريف زين الدين حسين بن محمد بن عدنان، وعاد سوق الحريريين إلى سوقه، وأخلوا قيسارية القطن الذي كان نواب طغجي ألزموهم بسكناها، وولي خطابة دمشق الشيخ العلامة شرف الدين أحمد بن جمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي، بعد عزل موفق الدين الحموي، دعوه إلى حماة فخطب المقدسي يوم الجمعة نصف رجب، وقرئ تقليده، وكانت ولايته بإشارة تاج الدين ابن الحنا الوزير بمصر، وكان فصيحا بليغا عالما بارعا.
وفي أواخر رجب حلف الأمراء للأمير زين الدين كتبغا مع الملك الناصر محمد بن قلاوون، وسارت البيعة بذلك في سائر المدن والمعامل.
واقعة عساف النصراني
كان هذا الرجل من أهل السويداء، قد شهد عليه جماعة أنه سب النبي ﷺ، وقد استجار عساف هذا بابن أحمد بن حجى أمير آل علي، فاجتمع الشيخ تقي الدين بن تيمية، والشيخ زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث، فدخلا على الأمير عز الدين أيبك الحموي نائب السلطنة فكلماه في أمره فأجابهما إلى ذلك، وأرسل ليحضره فخرجا من عنده ومعهما خلق كثير من الناس، فرأى الناس عسافا حين قدم ومعه رجل من العرب فسبوه وشتموه.
فقال ذلك الرجل البدوي: هو خير منكم - يعني النصراني - فرجمهما الناس بالحجارة، وأصابت عسافا ووقعت خبطة قوية فأرسل النائب فطلب الشيخين ابن تيمية والفارقي فضربهما بين يديه، ورسم عليهما في العذراوية، وقدم النصراني فأسلم، وعقد مجلس بسببه، وأثبت بينه وبين الشهود عداوة، فحقن دمه.
ثم استدعى بالشيخين فأرضاهما وأطلقهما، ولحق النصراني بعد ذلك ببلاد الحجاز، فاتفق قتله قريبا من مدينة رسول الله ﷺ، قتله ابن أخيه هنالك، وصنف الشيخ تقي الدين بن تيمية في هذه الواقعة كتابه (الصارم المسلول على ساب الرسول).
وفي شعبان منها، ركب الملك الناصر في أبهة الملك، وشق القاهرة، وكان يوما مشهودا، وكان هذا أول ركوبه، ودقت البشائر بالشام وجاء المرسوم من جهته، فقرئ على المنبر بالجامع فيه الأمر بنشر العدل وطي الظلم، وإبطال ضمان الأوقاف والأملاك إلا برضي أصحابها.
وفي اليوم الثاني والعشرين من شعبان درّس بالمسرورية القاضي جمال الدين القزويني، أخو إمام الدين، وحضر أخوه وقاضي القضاة شهاب الدين الخويي، والشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان درسا حافلا.
قال البرزالي: وفي شعبان اشتهر أن في الغوطة بجسرين تنينا عظيما ابتلع رأسا من المعز كبيرا صحيحا.
وفي أواخر رمضان ظهر الأمير حسام الدين لاجين، وكان مختفيا منذ قتل الأشرف، فاعتذر له عند السلطان فقبله، وخلع عليه وأكرمه، ولم يكن قتله باختياره.
وفي شوال منها اشتهر أن مهنا بن عيسى خرج عن طاعة السلطان الناصر، وانحاز إلى التتر.
وفي يوم الأربعاء ثامن ذي القعدة درّس بالغزالية الخطيب شرف الدين المقدسي عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن الخويي.
توفي وترك الشامية البرانية، وقدم على قضاء الشام القاضي بدر الدين أحمد بن جماعة يوم الخميس الرابع عشر من ذي الحجة، ونزل العادلية وخرج نائب السلطنة والجيش بكماله لتلقيه، وامتدحه الشعراء، واستناب تاج الدين الجعبري نائب الخطابة وباشر تدريس الشامية البرانية، عوضا عن شرف الدين المقدسي، الشيخ زين الدين الفاروثي، وانتزعت من يده الناصرية فدرّس بها ابن جماعة.
وفي العادلية في العشرين من ذي الحجة، وفي هذا الشهر أخرجوا الكلاب من دمشق إلى الفلاة بأمر واليها جمال الدين اقياي، وشدد على الناس والبوابين بذلك.
من الأعيان:
الملك الأشرف خليل بن قلاوون المنصور
وبيدرا والشجاعي، وشمس الدين بن السلعوس.
الشيخ الإمام العلامة تاج الدين موسى بن محمد بن مسعود المراغي
المعروف بأبي الجواب الشافعي، درّس بالإقبالية وغيرها، وكان من فضلاء الشافعية، له يد في الفقه والأصول والنحو وفهم جيد، توفي فجأة يوم السبت، ودفن بمقابر باب الصغير، وقد جاوز السبعين.
الخاتون مؤنس بنت السلطان العادل أبي بكر بن أيوب
وتعرف بدار القطبية، وبدار إقبال، ولدت سنة ثلاث وستمائة، وروت الإجازة عن عفيفة الفارقانية، وعن عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الثقفية، توفيت في ربيع الآخر بالقاهرة، ودفنت بباب زويلة.
الصاحب الوزير فخر الدين أبو إسحاق إبراهيم
بن لقمان بن أحمد بن محمد البناني المصري رأس الموقعين، وأستاذ الوزراء المشهورين، ولد سنة ثنتي عشرة وستمائة، وروى الحديث، توفي في آخر جمادى الآخرة في القاهرة.
الملك الحافظ غياث الدين بن محمد الملك السعيد معين الدين
بن الملك الأمجد بهرام شاه بن المعز عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب، وكان فاضلا بارعا، سمع الحديث وروى البخاري، وكان يحب العلماء والفقراء، توفي يوم الجمعة سادس شعبان، ودفن عند جده لأمه ابن المقدم، ظاهر باب الفراديس.
قاضي القضاة شهاب الدين بن الخويي
أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي العباس أحمد بن خليل بن سعادة بن جعفر بن عيسى بن محمد الشافعي، أصلهم من خوي، اشتغل وحصل علوما كثيرة، وصنّف كتبا كثيرة منها كتاب فيه عشرون فنا، وله (نظم علوم الحديث)، و(كفاية المتحفظ)، وغير ذلك.
وقد سمع الحديث الكثير، وكان محبا له ولأهله، وقد درس وهو صغير بالدماغية، ثم ولي قضاء القدس، ثم بهسنا، ثم ولي قضاء حلب، ثم عاد إلى المحلة، ثم ولي قضاء القاهرة، ثم قدم على قضاء الشام مع تدريس العادلية والغزالية وغيرهما.
وكان من حسنات الزمان وأكابر العلماء الأعلام، عفيفا نزها بارعا محبا للحديث، وعلمه وعلمائه، وقد خرّج له شيخنا الحافظ المزي أربعين حديثا متباينة الإسناد، وخرّج له تقي الدين بن عتبة الأسودي الأسعردي مشيخة على حروف المعجم، اشتملت على مائتين وستة وثلاثين شيخا.
قال البرزالي: وله نحو ثلاثمائة شيخ لم يذكروا في هذا المعجم، توفي يوم الخميس الخامس والعشرين من رمضان، عن سبع وستين سنة، وصلى عليه ودفن من يومه بتربة والده بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
الأمير علاء الدين الأعمى
ناظر القدس وباني كثيرا من معالمه اليوم، وهو الأمير الكبير علاء الدين أيدكين بن عبد الله الصالحي النجمي، كان من أكابر الأمراء، فلما أضر أقام بالقدس الشريف، وولى نظره معمره ومثمره، وكان مهيبا لا تخالف مراسيمه، وهو الذي بنى المطهرة قريبا من مسجد النبي ﷺ، فانتفع الناس بها بالوضوء وغيره، ووجد بها الناس تيسيرا، وابتنى بالقدس ربطا كثيرة، وآثارا حسنة، وكان يباشر الأمور بنفسه، وله حرمة وافرة توفي شوال منها.
الوزير شمس الدين محمد بن عثمان
ابن أبي الرجال التنوخي، المعروف بابن السلعوس، وزير الملك الأشرف، مات تحت الضرب الذي جاوز ألف مقرعة، في عاشر صفر من هذه السنة، ودفن بالقرافة، وقيل إنه نقل إلى الشام بعد ذلك.
وكان ابتداء أمره تاجرا، ثم ولي الحسبة بدمشق بسفارة تقي الدين بن توبة، ثم كان يعامل الملك الأشرف قبل السلطنة فظهر منه على عدل وصدق.
فلما ملك بعد أبيه المنصور استدعاه من الحج فولاه الوزارة، وكان يتعاظم على أكابر الأمراء ويسميهم بأسمائهم، ولا يقوم لهم، فلما قتل أستاذه الأشرف تسلموه بالضرب والإهانة وأخذ الأموال، حتى أعدموه حياته، وصبروه وأسكنوه الثرى، بعد أن كان عند نفسه قد بلغ الثريا، ولكن حقا على الله أنه ما رفع شيئا إلا وضعه.
البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر | |
---|---|
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697 |