الرئيسيةبحث

البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة تسع وخسمين وستمائة


ثم دخلت سنة تسع وخسمين وستمائة


استهلت بيوم الاثنين لأيام خلون من كانون الأول، وليس للمسلمين خليفة وصاحب مكة أبو نمي بن أبي سعيد بن علي بن قتادة الحسني، وعمه إدريس بن علي شريكه، وصاحب المدينة الأمير عز الدين جماز بن شيحه الحسيني، وصاحب مصر والشام السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري، وشريكه في دمشق وبعلبك والصبيبة وبانياس الأمير علم الدين سنجر الملقب: بالملك المجاهد.

وشريكه في حلب الأمير حسام الدين لاشين الجوكنداري العزيزي، والكرك والشوبك للملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل بن سيف الدين أبي بكر الكامل محمد بن العادل الكبير سيف الدين أبي بكر بن أيوب.

وحصن جهيون وبازريا في يد الأمير مظفر الدين عثمان بن ناصر الدين مكورس، وصاحب حماه الملك المنصور بن تقي الدين محمود، وصاحب حمص الأشرف بن المنصور إبراهيم بن أسد الدين الناصر، وصاحب الموصل الملك الصالح بن البدر لؤلؤ، وأخوه الملك المجاهد صاحب جزيرة ابن عمر.

وصاحب ماردين الملك السعيد نجم الدين أيل غازي بن أرتق، وصاحب بلاد الروم ركن الدين قلج أرسلان بن كيخسرو السلجوقي، وشريكه في الملك أخوه كيكاوس والبلاد بينهما نصفين، وسائر بلاد المشرق بأيدي التتار أصحاب هولاكو وبلاد اليمن تملكها غير واحد من الملوك، وكذلك بلاد الجوكندي المغرب في كل قطر منها ملك.

وفي هذا السنة: أغارت التتار على حلب فلقيهم صاحبها حسام الدين العزيزي، والمنصور صاحب حماه، والأشرف صاحب حمص، وكانت الوقعة شمالي حمص قريبا من قبر خالد بن الوليد، والتتار في ستة آلاف، والمسلمون في ألف وأربعمائة فهزمهم الله عز وجل.

وقتل المسلمون أكثرهم فرجع التتار إلى حلب فحصروها أربعة أشهر، وضيقوا عليها الأقوات وقتلوا من الغرباء خلقا صبرا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

والجيوش الذين كسروهم على حمص مقيمون لم يرجعوا إلى حلب، بل ساقوا إلى مصر، فتلقاهم الملك الظاهر في أبهة السلطنة، وأحسن إليهم، وبقيت حلب محاصرة لا ناصر لها في هذه المدة ولكن سلم الله سبحانه وتعالى.

وفي يوم الاثنين سابع صفر ركب الظاهر في أبهة الملك ومشى الأمراء والأجناد بين يديه، وكان ذلك أول ركوبه واستمر بعد ذلك يتابع الركوب واللعب بالكرة.

وفي سابع عشر صفر خرج الأمراء بدمشق على ملكها علم الدين سنجر فقاتلوه فهزموه، فدخل القلعة فحاصر فيها فهرب منها إلى قلعة بعلبك، وتسلم قلعة دمشق الأمير علم الدين أيدكين البندقداري، وكان مملوكا لجمال الدين يغمور، ثم للصالح أيوب بن الكامل، وإليه ينسب الملك الظاهر.

فأرسله الظاهر ليتسلم دمشق من الحلبي علم الدين سنجر، فأخذها وسكن قلعتها نيابة عن الظاهر، ثم حاصروا الحلبي ببعلبك حتى أخذوه فأرسلوه إلى الظاهر على بغل إلى مصر، فدخل عليه ليلا فعاتبه ثم أطلق له أشياء وأكرمه.

وفي يوم الاثنين ثامن ربيع الأول استوزر الظاهر بهاء الدين علي بن محمد المعروف بابن الحنا.

وفي ربيع الآخر قبض الظاهر على جماعة من الأمراء، بلغه عنهم أنهم يريدون الوثوب عليه.

وفيه أرسل إلى الشوبك فتسلمها من أيدي نواب المغيث صاحب الكرك.

وفيها: جهز الظاهر جيشا إلى حلب ليطردوا التتار عنها، فلما وصل الجيش إلى غزة كتب الفرنج إلى التتار ينذرونهم، فرحلوا عنها مسرعين واستولى على حلب جماعة من أهلها، فصادروا ونهبوا وبلغوا أغراضهم، وقدم إليهم الجيش الظاهري فأزالوا ذلك كله، وصادروا أهلها بألف ألف وستمائة ألف، ثم قدم الأمير شمس الدين آقوش التركي من جهة الظاهر فاستلم البلد فقطع ووصل وحكم وعدل.

وفي يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى باشر القضاء بمصر تاج الدين عبد الوهاب بن القاضي الأعز أبي القاسم خلف بن رشيد الدين بن أبي الثناء محمود بن بدر العلائي، وذلك بعد شروط ذكرها للظاهر شديدة، فدخل تحتها الملك الظاهر وعزل عن القضاء بدر الدين أبو المحاسن، يوسف بن علي السنجاري ورسم عليه أياما ثم أفرج عنه.

البيعة بالخلافة للمستنصر بالله أبي القاسم أحمد بن أمير المؤمنين الظاهر

وكان معتقلا ببغداد فأطلق، وكان مع جماعة الأعراب بأرض بالعراق، ثم قصد الظاهر حين بلغه ملكه فقدم مصر صحبة جماعة من أمراء الأعراب عشرة منهم الأمير ناصر الدين مهنا في ثامن رجب، فخرج السلطان ومعه الوزير والشهود والمؤذنون فتلقوه، وكان يوما مشهودا، وخرج أهل التوراة بتوراتهم، والنصارى بإنجيلهم، ودخل من باب النصر في أبهة عظيمة.

فلما كان يوم الاثنين ثالث عشر رجب جلس السلطان والخليفة بالإيوان بقلعة الجبل، والوزير والقاضي والأمراء على طبقاتهم، وأثبت نسب الخليفة المذكور على الحاكم تاج الدين بن الأعز، وهذا الخليفة هو أخو المستنصر باني المستنصرية، وعم المستعصم، بويع بالخلافة بمصر بايعه الملك الظاهر والقاضي والوزير والأمراء.

وركب في دست الخلافة بديار مصر والأمراء بين يديه والناس حوله، وشق القاهرة في ثالث عشر رجب، وهذا الخليفة هو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس بينه وبين العباس أربعة وعشرون أبا، وكان أول من بايعه القاضي تاج الدين لما ثبت نسبه، ثم السلطان، ثم الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ثم الأمراء والدولة، وخطب له على المنابر، وضرب اسمه على السكة، وكان منصب الخلافة قد شغر منذ ثلاث سنين ونصفا.

لأن المستعصم قتل في أول سنة ست وخمسين وستمائة، وبويع هذا في يوم الاثنين في ثالث عشر رجب من هذه السنة - أعني سنة تسع وخمسين وستمائة - وكان أسمر وسيما شديد القوى، عالي الهمة، له شجاعة وإقدام، وقد لقبوه: بالمستنصر كما كان أخاه باني المدرسة، وهذا أمر لم يسبق إليه أن خليفتين أخوين يلقب كل منهما بالآخر، ولي الخلافة أخوين كهذين السفاح وأخوه المنصور، وكذا محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، والهادي والرشيد، والمسترشد والمقتفي ولدا المستظهر.

وأما ثلاثة: فالأمين والمأمون والمعتصم أولاد الرشيد، والمنتصر والمعتز والمطيع أولاد المقتدر، وأما أربعة: فأولاد عبد الملك بن مروان الوليد وسليمان ويزيد وهشام.

وكانت مدة خلافته إلى أن فقد كما سيأتي خمسة أشهر وعشرين يوما أقصر مدة من جميع خلفاء بني العباس، وأما بنو أمية فكانت مدة خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية أربعين يوما، وإبراهيم بن يزيد الناقص سبعين يوما، وأخوه يزيد بن الوليد خمسة أشهر.

وكانت مدة خلافة الحسن بن علي بعد أبيه سبعة أشهر وأحد عشر يوما.

وكانت مدة مروان بن الحكم تسعة أشهر وعشرة أيام، وكان في خلفاء بني العباس من لم يستكمل سنة منهم المنتصر بن المتوكل ستة أشهر والمهتدي بن الواثق أحد عشر شهرا وأياما، وقد أنزل الخليفة هذا بقلعة الجبل في برج هو وحشمه.

فلما كان يوم سابع رجب ركب في السواد وجاء إلى الجامع بالقلعة فصعد المنبر وخطب خطبة ذكر فيها شرف بني العباس، ثم استفتح فقرأ صدرا من سورة الأنعام ثم صلى على النبي ﷺ، ثم ترضى عن الصحابة، ودعا للسلطان الظاهر، ثم نزل فصلى بالناس فاستحسنوا ذلك منه، وكان وقتا حسنا ويوما مشهودا.

تولية الخلافة المستنصر بالله للملك الظاهر السلطنة

لما كان يوم الاثنين الرابع من شعبان، ركب الخليفة والسلطان والوزير والقضاة والأمراء وأهل الحل والعقد إلى خيمة عظيمة قد ضربت ظاهر القاهرة فجلسوا فيها، فألبس الخليفة السلطان بيده خلعة سوداء وطوقا في عنقه، وقيدا في رجليه وهما من ذهب.

وصعد فخر الدين إبراهيم بن لقمان وهو رئيس الكتاب منبرا فقرأ على الناس تقليد السلطان، وهو من إنشائه وبخط نفسه، ثم ركب السلطان بهذه الأبهة والقيد في رجليه، والطوق في عنقه، والوزير بين يديه، وعلى رأسه التقليد والأمراء والدولة في خدمته مشاة سوى الوزير، فشق القاهرة وقد زينت له، وكان يوما مشهودا، وقد ذكر الشيخ قطب الدين هذا التقليد بتمامه، وهو مطول والله أعلم.

ذهاب الخليفة إلى بغداد

ثم إن الخليفة طلب من السلطان أن يجهزه إلى بغداد، فرتب السلطان له جندا هائلة، وأقام له من كل ما ينبغي للخلفاء والملوك، ثم سار السلطان صحبته قاصدين دمشق، وكان سبب خروج السلطان من مصر إلى الشام أن التركي كما تقدم كان قد استحوذ على حلب.

فأرسل إليه الأمير علم الدين سنجر الحلبي الذي كان قد تغلب على دمشق فطرده عن حلب، وتسلمها وأقام بها نائبا عن السلطان، ثم لم يزل التركي حتى استعادها منه وأخرجه منها هاربا، فاستناب الظاهر على مصر عز الدين أيد مر الحلبي، وجعل تدبير المملكة إلى الوزير بهاء الدين بن الحنا، وأخذ ولده فخر الدين معه وزيرا، وجعل تدبير العساكر والجيوش إلى الأمير بدر الدين بيليك الخازندار، ثم ساروا فدخلوا دمشق يوم الاثنين سابع ذي القعدة، وكان يوما مشهودا، وصليا الجمعة بجامع دمشق، وكان دخول الخليفة من باب البريد، ودخل السلطان من باب الزيارة، وكان يوما مشهودا أيضا.

ثم جهز السلطان الخليفة إلى بغداد ومعه أولاد صاحب الموصل، وأنفق عليه وعليهم وعلى من استقل معه من الجيش الذين يردون عنه ما لم يقدر الله من الذهب العين ألف ألف دينار، وأطلق له وزاده، فجزاه الله خيرا.

وقدم إليه صاحب حمص الملك الأشرف فخلع عليه وأطلق له وزاده تل باشر، وقدم صاحب حماه المنصور فخلع عليه وأطلق له وكتب له تقليدا ببلاده، ثم جهز جيشا صحبة الأمير علاء الدين البندقداري إلى حلب لمحاربة التركي المتغلب عليها المفسد فيها.

وهذا كل ما بلغنا من وقائع هذه السنة ملخصا.

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697