→ ثم دخلت سنة ثلاث وتسعين وستمائة | البداية والنهاية – الجزء الثالث عشر ثم دخلت سنة أربع وتسعين وستمائة ابن كثير |
ثم دخلت سنة خمس وتسعين وستمائة ← |
☰ جدول المحتويات
- سلطنة الملك العادل كتبغا
- الشيخ أبو الرجال المنيني
- الشيخ الصالح العابد الزاهد الورع بقية السلف جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن الحرستاني بن قاضي القضاة
- الشيخ محب الدين الطبري المكي
- الملك المظفر صاحب اليمن يوسف بن المنصور
- شرف الدين المقدسي الشيخ الإمام الخطيب المدرس المفتي
- واقف الجوهرية الصدر نجم الدين
- الشيخ الإمام العالم المفتي الخطيب الطبيب
- الفاروثي الشيخ الإمام العابد الزاهد الخطيب عز الدين أبو العباس
- الجمال المحقق أحمد بن عبد الله بن الحسين الدمشقي
- الست خاتون بنت الملك الأشرف موسى بن العادل
- الصدر جمال الدين يوسف بن علي بن مهاجر التكريتي
استهلت والخليفة الحاكم بأمر الله وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن قلاوون، وعمره إذ ذاك اثنتا عشرة سنة وأشهرا.
ومدبر الممالك وأتابك العساكر الأمير زين الدين كتبغا، ونائب الشام الأمير عز الدين أيبك الحموي، والوزير بدمشق تقي الدين توبة التكريتي، وشاد الدواوين شمس الدين الأعسر، وقاضي الشافعية ابن جماعة، والحنفية حسام الدين الرازي، والمالكية جمال الدين الزواوي، والحنابلة شرف الدين حسن، والمحتسب شهاب الدين الحنفي، ونقيب الأشراف زين الدين بن عدنان، ووكيل بيت المال وناظر الجامع تاج الدين الشيرازي، وخطيب البلد شرف الدين المقدسي.
فلما كان يوم عاشوراء نهض جماعة من مماليك الأشرف وخرقوا حرمة السلطان وأرادوا الخروج عليه، وجاؤوا إلى سوق السلاح فأخذوا ما فيه، ثم احتيط عليهم، فمنهم من صلب ومنهم من شنق، وقطع أيدي آخرين منهم وألسنتهم.
وجرت خبطة عظيمة جدا، وكانوا قريبا من ثلاثمائة أو يزيدون.
سلطنة الملك العادل كتبغا
وأصبح الأمير كتبغا في الحادي عشر من المحرم فجلس على سرير المملكة، وخلع الملك الناصر محمد بن المنصور، وألزمه بيت أهله، وأن لا يخرج منه، وبايعه الأمراء على ذلك، وهنئوه ومد سماطا حافلا، وسارت البريدية بذلك إلى الأقاليم، فبويع له وخطب له مستقلا، وضربت السكة باسمه.
وتم الأمر وزينت البلاد، ودقت البشائر، ولقب بالملك العادل، وكان عمره إذ ذاك نحوا من خمسين سنة، فإنه من سبي وقعة حمص الأولى التي كانت في أيام الملك الظاهر بعد وقعة عين جالوت.
وكان من الغويرانية، وهم طائفة من التتر، واستناب في مصر الأمير حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري، وكان بين يديه مدير المماليك.
وقد ذكر الجزري في تاريخه عن بعض الأمراء أنه شهد هولاكو خان قد سأل منجمه أن يستخرج له من هؤلاء المقدمين في عسكره الذي يملك الديار المصرية، فضرب وحسب وقال له: أجد رجلا يملكها اسمه كتبغا فظنه كتبغانوين، وهو صهر هولاكو، فقدمه على العساكر فلم يكن هو، فقتل في عين جالوت كما ذكرنا، وأن الذي ملك مصر هذا الرجل وهو من خيار الأمراء وأجودهم سيرة ومعدلة، وقصدا في نصرة الإسلام.
وفي يوم الأربعاء مستهل ربيع الأول ركب كتبغا في أبهة الملك، وشق القاهرة ودعا له الناس وعزل الصاحب تاج الدين بن الحنا عن الوزارة، وولى فخر الدين بن الخليلي، واستسقى الناس بدمشق عند مسجد القدم، وخطب بهم تاج الدين صالح الجعبري نيابة عن مستخلفه شرف الدين المقدسي.
وكان مريضا فعزل نفسه عن القضاء، وخطب الناس بعد ذلك، وذلك يوم الأربعاء خامس جمادى الأولى، فلم يسقوا ثم استسقوا مرة أخرى يوم السبت سابع جمادى الآخرة بالمكان المذكور، وخطب بهم شرف الدين المقدسي، وكان الجمع أكثر من أول، فلم يسقوا.
وفي رجب حكم جمال الدين بن الشريشي نيابة عن القاضي بدر الدين بن جماعة، وفيه درّس بالمعظمية القاضي شمس الدين بن العز، انتزعها من علاء الدين بن الدقاق.
وفيه ولي القدس والخليل الملك الأوحد بن الملك الناصر داود بن المعظم.
وفي رمضان رسم للحنابلة أن يصلوا قبل الإمام الكبير وذلك أنهم كانوا يصلون بعده، فلما أحدث لمحراب الصحابة إمام كانوا يصلون جميعا في وقت واحد، فحصل تشويش بسبب ذلك، فاستقرت القاعدة على أن يصلوا قبل الإمام الكبير، وفي وقت صلاة مشهد علي بالصحن عند محرابهم في الرواق الثالث الغربي.
قلت وقد تغيرت هذه القاعدة بعد العشرين وسبعمائة كما سيأتي.
وفي أواخر رمضان قدم القاضي نجم الدين بن صصرى من الديار المصرية على قضاء العساكر بالشام.
وفي ظهر يوم الخميس خامس شوال صلى القاضي بدر الدين بن جماعة بمحراب الجامع إماما وخطيبا عوضا عن الخطيب المدرس شرف الدين المقدسي، ثم خطب من الغد وشكرت خطبته وقراءته، وذلك مضاف إليه ما بيده من القضاء وغيره.
وفي أوائل شوال قدمت من الديار المصرية تواقيع شتى منها تدريس الغزالية لابن صصرى، عوضا عن الخطيب المقدسي، وتوقيع بتدريس الأمينية لإمام الدين القزويني، عوضا عن نجم الدين ابن صصرى، ورسم لأخيه جلال الدين بتدريس الظاهرية البرانية عوضا عنه.
وفي شوال كملت عمارة الحمام الذي أنشاه عز الدين الحموي بمسجد القصب، وهو من أحسن الحمامات، وباشر مشيخة دار الحديث النورية الشيخ علاء الدين بن العطار، عوضا عن شرف الدين المقدسي.
وحج فيها: الملك المجاهد أنس بن الملك العادل كتبغا، وتصدقوا بصدقات كثيرة في الحرمين وغيرهما ونودي بدمشق في يوم عرفة أن لا يركب أحد من أهل الذمة خيلا ولا بغالا، ومن رأى من المسلمين أحدا من أهل الذمة قد خالف ذلك فله سلبه.
وفي أواخر هذه السنة، والتي تليها حصل بديار مصر غلاء شديد، هلك بسببه خلق كثير، هلك في شهر ذي الحجة نحو من عشرين ألفا.
وفيها: ملك التتار قازان بن أرغون بن أبغا بن تولى بن جنكيز خان فأسلم وأظهر الإسلام على يد الأمير توزون رحمه الله، ودخلت التتار أو أكثرهم في الإسلام، ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤوس الناس يوم إسلامه، وتسمى بمحمود، وشهد الجمعة والخطبة، وخرب كنائس كثيرة، وضرب عليهم الجزية ورد مظالم كثيرة ببغداد وغيرها من البلاد، وظهرت السبح والهياكل مع التتار والحمد لله وحده.
وفيها توفي من الأعيان:
الشيخ أبو الرجال المنيني
الشيخ الصالح الزاهد العابد أبو الرجال بن مري بن بحتر المنيني، كانت له أحوال ومكاشفات، وكان أهل دمشق والبلاد يزورونه في قرية منين، وربما قدم هو بنفسه إلى دمشق فيكرم ويضاف وكانت له زاوية ببلده، وكان بريئا من هذه السماعات الشيطانية.
وكان تلميذ الشيخ جندل، وكان شيخه الشيخ جندل من كبار الصالحين سالكا طريق السلف أيضا، وقد بلغ الشيخ أبو الرجال ثمانين سنة، وتوفي بمنين في منزله في عاشر المحرم، وخرج الناس من دمشق إلى جنازته فمنهم من أدركها ومن الناس من لم يدرك فصلى على القبر ودفن بزاويته رحمه الله.
وفيها: في أواخر ربيع الأول جاء الخبر بأن عساف بن أحمد بن حجى، الذي كان قد أجار ذلك النصراني الذي سب الرسول قتل ففرح الناس بذلك.
الشيخ الصالح العابد الزاهد الورع بقية السلف جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن الحرستاني بن قاضي القضاة
وخطيب الخطباء، عماد الدين عبد الكريم بن جمال الدين عبد الصمد، سمع الحديث وناب عن أبيه في الإمامة وتدريس الغزالية.
ثم ترك المناصب والدنيا، وأقبل على العبادة، وللناس فيه اعتقاد حسن صالح، يقبلون يده ويسألونه الدعاء، وقد جاوز الثمانين، ودفن بالسفح عند أهله في أواخر ربيع الآخر.
الشيخ محب الدين الطبري المكي
الشافعي، سمع الكثير وصنّف في فنون كثيرة، من ذلك كتاب (الأحكام) في مجلدات كثيرة مفيدة، وله كتاب على ترتيب جامع المسانيد أسمعه لصاحب اليمن، وكان مولده يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة منها، ودفن بمكة، وله شعر جيد فمنه قصيدته في المنازل التي بين مكة والمدينة، تزيد على ثلاثمائة بيت، كتبها عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي في معجمه.
الملك المظفر صاحب اليمن يوسف بن المنصور
نور الدين عمر بن علي بن رسول، أقام في مملكة اليمن بعد أبيه سبعا وأربعين سنة، وعمره ثمانين سنة، وكان أبوه قد ولي أزيد من مدة عشرين سنة بعد الملك أقسيس بن الكامل محمد، وكان عمر بن رسول مقدم عساكر أقسيس، فلما مات أقسيس وثب على الملك فتم له الأمر، وتسمى بالملك المنصور.
واستمر أزيد من عشرين سنة، ثم ابنه المظفر سبعا وأربعين سنة، ثم قام من بعده في الملك ولده الملك الأشرف ممهد الدين، فلم يمكث سنة حتى مات، ثم قام أخوه المؤيد عز الدين داود بن المظفر، فاستمر في الملك مدة، وكانت وفاة الملك المظفر المذكور في رجب من هذه السنة، وقد جاوز الثمانين، وكان يحب الحديث وسماعه، وقد جمع لنفسه أربعين حديثا.
شرف الدين المقدسي الشيخ الإمام الخطيب المدرس المفتي
شرف الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ كمال الدين أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر بن حسين بن حماد المقدسي الشافعي، ولد سنة ثنتين وعشرين وستمائة، وسمع الكثير وكتب حسنا وصنف فأجاد وأفاد.
وولي القضاء نيابة بدمشق، والتدريس والخطابة بدمشق، وكان مدرس الغزالية ودار الحديث النورية مع الخطابة، ودرس في وقت بالشامية البرانية، وأذن في الإفتاء لجماعة من الفضلاء، منهم: الشيخ الإمام العلامة، شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية، وكان يفتخر بذلك ويفرح به، ويقول: أنا أذنت لابن تيمية بالإفتاء، وكان يتقن فنونا كثيرة من العلوم، وله شعر حسن، وصنف كتابا في أصول الفقه جمع فيه شيئا كثيرا، وهو عندي بخطه الحسن، توفي يوم الأحد سابع عشر رمضان، وقد جاوز السبعين، ودفن بمقابر باب كيسان عند والده، رحمه الله ورحم أباه.
وقد خطب بعده يوم العيد، الشيخ شرف الدين الفزاري خطيب جامع جراح، ثم جاء المرسوم لابن جماعة بالخطابة.
ومن شعر الخطيب شرف الدين بن المقدسي:
أحجج إلى الزهر لتسعى به ** وارم جمار الهم مستنفرا
من لم يطف بالزهر في وقته ** من قبل أن يحلق قد قصرا
واقف الجوهرية الصدر نجم الدين
أبو بكر محمد بن عياش بن أبي المكارم التميمي الجوهري، واقف الجوهرية على الحنفية بدمشق، توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر شوال، ودفن بمدرسته وقد جاوز الثمانين، وكانت له خدم على الملوك، فمن دونهم.
الشيخ الإمام العالم المفتي الخطيب الطبيب
مجد الدين أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التنوخي الحنفي، خطيب النيرب، ومدرس الدماغية للحنفية، وكان طبيبا ماهرا حاذقا، توفي بالنيرب وصلّي عليه بجامع الصالحية، وكان فاضلا، وله شعر حسن، وروى شيئا من الحديث، توفي ليلة السبت خامس ذي القعدة عن خمس وسبعين سنة.
الفاروثي الشيخ الإمام العابد الزاهد الخطيب عز الدين أبو العباس
أحمد بن الشيخ محيي الدين إبراهيم بن عمر بن الفرج بن سابور بن علي بن غنيمة الفاروثي الواسطي، ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع الحديث ورحل فيه، وكانت له فيه يد جيدة، وفي التفسير والفقه والوعظ والبلاغة، وكان دينا ورعا زاهدا، قدم إلى دمشق في دولة الظاهر فأعطى تدريس الجاروضية، وإمام مسجد ابن هشام، ورتب له فيه شيء على المصالح، وكان فيه إيثار وله أحوال صالحة، ومكاشفات كثيرة، تقدم يوما في محراب ابن هشام ليصلي بالناس، فقال - قبل أن يكبر للإحرام والتفت عن يمينه - فقال: أخرج فاغتسل، فلم يخرج أحد، ثم كرر ذلك ثانية وثالثة، فلم يخرج أحد.
فقال: يا عثمان أخرج فاغتسل، فخرج رجل من الصف فاغتسل ثم عاد، وجاء إلى الشيخ يعتذر إليه، وكان الرجل صالحا في نفسه، ذكر أنه أصابه فيض من غير أن يرى شخصا، فاعتقد أنه لا يلزمه غسل، فلما قال الشيخ ما قال اعتقد أنه يخاطب غيره، فلما عينه باسمه علم أنه المراد.
ثم قدم الفاروثي مرة أخرى في أواخر أيام المنصور قلاوون، فخطب بجامع دمشق مدة شهور، ثم عزل بموفق الدين الحموي، وتقدم ذكر ذلك، وكان قد درس بالنجيبية وبدار الحديث الظاهرية، فترك ذلك كله وسافر إلى وطنه، فمات بكرة يوم الأربعاء مستهل ذي الحجة.
وكان يوم موته يوما مشهودا بواسط، وصلّى عليه بدمشق وغيرها رحمه الله، وكان قد لبس خرقة التصوف من السهروردي، وقرأ القراءات العشرة، وخلّف ألفي مجلد ومائتي مجلدا، وحدّث بالكثير، وسمع منه البرزالي كثيرا (صحيح البخاري)، و(جامع الترمذي)، و(سنن ابن ماجه)، و(مسند الشافعي)، و(مسند عبد بن حميد)، و(معجم الطبراني الصغير)، و(مسند الدارمي)، و(فضائل القرآن) لأبي عبيد، وثمانين جزء وغير ذلك.
الجمال المحقق أحمد بن عبد الله بن الحسين الدمشقي
اشتغل بالفقه على مذهب الشافعي، وبرع فيه وأفتى وأعاد، وكان فاضلا في الطب، وقد ولي مشيخة الدخوارية لتقدمه في صناعة الطب على غيره، وعاد المرضى بالمارستان النوري على قاعدة الأطباء، وكان مدرسا للشافعية بالفرخشانية، ومعيدا بعدة مدارس، وكان جيد الذهن مشاركا في فنون كثيرة سامحه الله.
الست خاتون بنت الملك الأشرف موسى بن العادل
زوجة ابن عمها المنصور بن المنصور بن الصالح إسماعيل بن العادل، وهي التي أثبت سفهها زمن المنصور قلاوون حتى اشترى منها حزرما، وأخذت الزنبقية من زين الدين السامري.
الصدر جمال الدين يوسف بن علي بن مهاجر التكريتي
أخو الصاحب تقي الدين توبة، ولي حسبة دمشق في وقت، ودفن بتربة أخيه بالسفح، وكانت جنازته حافلة، وكان له عقل وافر وثروة ومروءة، وخلف ثلاث بنين: شمس الدين محمد، وعلاء الدين علي، وبدر الدين حسن.
البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر | |
---|---|
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697 |