الفلسفة الغربية فلسفة القرن العشرين |
|
---|---|
Michel Foucault
|
|
الاسم: | ميشيل فوكو |
تاريخ الميلاد: | 15 أكتوبر, 1926 (بواتييه, فرنسا) |
تاريخ الوفاة: | 25 يونيو, 1984 (باريس, فرنسا) |
مدرسة/نقليد فلسفي: | فلسفة قارية, ما بعد البنيوية, بنيوية |
أفكار مميزة: | "النفوذ", "علم الآثار", "جينيولوجيا", "Episteme", "نفوذ ثنائي" Biopower ، "معهد تخصصي" |
تأثر ب : | نيتشه, ألتوسير, كانت, جورج كانغوليهم, هايدغر, جورج باتايل, ماوريس بلانشوت, غاستون باكيلارد, جان هيبوليت, جورج دوميزيل, كارل ماركس, هيغل |
أثر ب : | جورجو اغامبين, جوديث بوتلر, هوبرت دريفوس, ديدلر إريبون, إيان هاكينغ, Guy Hocquenghem, إدوارد سعيد, جاك رانسي, باول رابينو، جودت سعيد |
ميشيل فوكو (1926 - 1984) فيلسوف فرنسي ، يعتير من أهم فلاسفة النصف الاخير من القرن العشرين ، تأثر بالبنيويين ،و درس وحلل تاريخ الجنون في كتابه "تاريخ الجنون", وعالج مواضيع مثل الاجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون,أبتكر مصطلح أركيولوجية المعرفة . أرخ للجنس أيضا من " حب الغلمان عند اليونان " إلى العصر الحاضر في كتابه "تاريخ النشاط الجنسي".
فهرس |
ولد ميشيل فوكو في 15 تشرين الثاني/أكتوبر من عام 1926، وتوفي في 25 حزيران/يونيو 1984) فيلسوف فرنسي كان يحتل كرسياً في الكوليج دو فرانس، أطلق عليه اسم "تاريخ نظام الفكر". وقد كان لكتاباته أثر بالغ على المجال الثقافي، وقد تجاوز أثره ذلك حتى دخل ميادين العلوم الإنسانية والاجتماعية ومجالات مختلفة للبحث العلمي.
عرف فوكو بدراساته الناقد والدقيقة لمجموعة من المؤسسات الاجتماعية، منها على وجه الخصوص: المصحات النفسية، المشافي، السجون، وكذلك أعماله فيما يخص تاريخ الجنسانية. وقد لقيت دراساته وأعماله في مجال السلطة والعلاقة بينها وبين المعرفة، إضافة إلى أفكاره عن "الخطاب" وعلاقته بتاريخ الفكر الغربي لقي كل ذلك صدى واسعاً في ساحات الفكر والنقاش.
توصف أعمال ميشيل فوكو من قبل المعلقين والنقاد بأنها تنتمي إلى "ما بعد الحداثة" أو "ما بعد البنيوية"، على أنه في الستينيات من القرن الماضي كان اسمه غالباً ما يرتبط بالحركة البنيوية. وبالرغم من سعادته بهذا الوصف إلا أنها أكد فيما بعد بعده عن التفكير أو الاتجاه البنيوي في التفكير. إضافة إلى أنه رفض في مقابلة مع جيرار راول تصنيفه بين "ما بعد البنيويين" و "ما بعد الحداثيين".
ولد ميشيل فوكو عام 1926 في بلدة "Poitiers" في غرب وسط فرنسا، لأسرة ريفية بسيطة. والده الطبيب الجراح البارز بول فوكو كان يأمل بأن يكبر ابنه ليشاركه مهنته ويرثها بعد. (لاحقاً أسقط فوكو اسمه الأوسط "بول" لأسباب ليست في تمام الوضوح). كان تحصيله العلمي في المراحل الأولى مترنحاً ما بين الجيد والمتوسط حتى انتقل إلى كوليدج سانت ستانيسلاس حيث تفوق بامتياز. وقعت بلدته تحت سيطرة الألمان إبان الحرب العالمية الثانية التي ما إن وضعت أوزارها حتى التحق فوكو بـمدرسة نورمال سوبيريور وهي إحدى المدارس الفرنسية الكبرى، ويقع مقرها الرئيسي في شارع أولم بباريس، وتعد المسار التقليدي لاحتراف العمل في العلوم الإنسانية في فرنسا.
أثناء وجوده فيها كانت حياة ميشيل فوكو صعبة، لقد عانى من اكتئاب حاد بلغ به حد محاولة الانتحار. وقد عرض على معالج نفسي. ونتيجة لهذه التجربة أو ربما بالرغم منها، أصبح فوكو مولعاً بعلم النفس. فإضافة إلى حصوله على إجازة في الفلسفة فقد حصل أيضاً على واحدة في علم النفس، وقد كانت الأخيرة مؤهلاً جديداً في فرنسا. وشارك في العيادة التابعة للهئية حيث تعرف إلى مفكرين من مثل لودوينغ بينسوانغر.
كالعديد من طلاب وخريجي هذه المدرسة ممن كان يطلق عليه اسم "العاديون أو النورماليون (normaliens)" انضم ميشيل فوكو إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي من العام 1950 وحتى 1953، وقد انتسب إلى الحزب عن طريق "لويس أنتوسير"، لكن ما لبث أن تركه بعد أن أثارت قلقه تصرفات ستالين في الاتحاد السوفييتي. وقد أفاد عديدون بأن ميشيل لم يكن ناشطاً في فرقته الحزبية على عكس الكثيرين من أعضاء الحزب.
حصل فوكو على شهادة الأستاذية عام 1950. ليعمل محاضراً في مدرسته (École Normale) لفترة ما لبث بعدها أن تقلد منصباً في جامعة ليل (University of Lille) ليحاضر في علم النفس ما بين 1953 و 1954. في العام 1954 نشر كتابه الأول بعنوان " Maladie mentale et personnalité"، وهو عمل تراجع عنه فيما بعد. وقبل انقضاء وقت طويل بات واضحاً أن ميشيل فوكو غير مهتم كثيراً في مجال التدريس، وعزل نفسه لمدة بعيداً عن فرنسا. في عام 1954 عين فوكو مندوباً عن فرنسا إلى جامعة أوبسالا (University of Uppsala) في السويد، منصب أعده جورج دومزيل خصيصاً لفوكو. غادر فوكو منصبه هذا في عام 1958 لمنصب لبث فيه فترة وجيزة في جامعة وارسو وأخرى في جامعة هامبورغ.
عاد فوكو إلى فرنسا عام 1960 ليتابع الدكتوراه ويحصل أيضاً على شهادة في الفلسفة من جامعة كليمونصو فيران (University of Clermont-Ferrand) حيث التقى دانييل ديفر وعاش معه بقية حياته في علاقة متعددة. حاز على شهادة الدكتوراه عام 1961 بعد أن قدم بحثين كما هي العادة في فرنسا، أولهما رئيسي بعنوان "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" وآخر ثانوي تضمن ترجمة وتعليقاً على الفيلسوف الألماني "كانط" في الأنثربولوجيا والنظرة النفعية. لقي "تاريخ الجنون/ Folie et déraison" (والذي صدرت ترجمته الإنكليزية بعنوان "الجنون والحضارة"!) ترحيباً واسعاً في الأوساط الثقافية. التزم فوكو بجد ونشاط بجدول في إصدار كتاباته، ففي 1963 نشر كتابه "ولادة العيادة" .
وبعد أن تم إرسال شريكه "ديفير" إلى تونس لأداء خدمته العسكرية، انتقل فوكو عام 1966 إلى جامعة تونس. ونشر في عام 1966 كتابه (الكلمات والأشياء) والذي لقي بالرغم من كبره وصعوبته شعبية واسعة. كان كل ذلك إبان اهتمامه البالغ بالبنيوية. وسرعان مع اعتبر فوكو واحداً من مجموعة مفكرين من أمثال جاك لاكا، وكلود ليفي ستراوس ورولاند بارتيز باعتبارهم الموجة الأحدث من المفكرين الساعين لتقويض النزعة "الوجودية" التي نشرها جان بول سارتر. أثار فوكو بعض الشكوك حول الماركسية، ما أغضب عدداً من النقاد اليسارين، وكان قد سئم من وصفه بأنه بنيوي. في أيار/مايو من عام 1968 اندلعت عصيان للطلبة وكان فوكو لا يزال آنذاك في تونس، وقد تأثر بعصيان محلي في بداية العام نفسه. وفي خريف ذات العام عاد لفرنسا، حيث نشر عام 1969 كتابه "حفريات المعرفة" أو "أركيولوجيا المعرفة/ L'archéologie du savoir" ـ حيث قدم رداً منهجياً على منتقديه.
بعد حوادث عام 1968، أسست الحكومة الفرنسية جامعة تجريبية جديدة في " فنسن، Vincennes"، وفي كانون الثاني/ديسمبر من ذلك العام أصبح فوكو أول عميد لقسم الفلسفة فيها وعين أكثرية من شبان أكادميين يساريين من أمثال (جوديت ميللر) التي أثار تطرفها وزارة التعليم لتسحب الترخيص الممنوح للقسم. وفيما يدعو للدهشة شارك فوكو في احتلال مبنى الإدارة والعراك مع الشرطة.
لم يستمر تولي فوكو لهذا المنصب مدة طويلة، فقد انتخب ليحتل كرسياً في أهم هيئة أكاديمية في فرنسا "الكوليدج دو فرانس" كبروفيسور في "تاريخ نظام الفكر"، نشاطه السياسي تزايد، فقد انخرط شريكه ديفير مع حركة البروليتاريين الماويين المتطرفة، كما ساهم فوكو نفسه في تأسيس (مجموعة المعلومات الخاصة بالسجون)، وهو ما ساهم في تسييس أعمال فوكو من خلال كتاب "المراقبة والمعاقبة"، والذي يعد "سرداً" للبنى الصغرى للسلطة والتي تطورت في المجتمعات الغربية منذ القرن الثامن عشر، مركزاً على مؤسستي السجن و المدرسة.
انحسر النشاط السياسي في أواخر السبعينيات بعد خيبة الأمل تجاه الكفاح اليساري. وقام عدد من الشباب الماويين (الشيوعيين المتطرفين، نسبة إلى ماو تسي تونغ) بالتخلي عن معتقداتهم ليصبحوا ما يسمى "المتفلسفون الجدد"، وغالباً ما ذكروا بأن فوكو يمثل مرشداً أساسياً لهم، وهو أمر بدا أن مشاعر فوكو كانت مختلطة تجاهه. في هذه الفترة أطلق فوكو مشروعاً من 6 مجلدات، "تاريخ الجنسانية" وهو كتاب لم يتمكن من إنهاءه، و"إرادة المعرفة"، المنشور في عام 1976. المجلد الثاني والثالث لم يظهرا إلا بعد ثمان سنوات، وقد كانا مثار استغراب القراء نظراً للأسلوب التقليدي لهما، وموضوعاتهما (نصوص إغريقية ولاتينية كلاسيكية) ومقاربتهما لمفاهيم أهملها فوكو فيما سبق.
راح فوكو يقضي مزيداً من وقته في أمريكا، في جامعة بوفالو (حيث ألقى محاضرة في أول زيارة له إلى أمريكا على الإطلاق عام 1970). في عام 1975 تناول جرعة من مخدرات "LSD" ويبدو أنه اختار القيام بهذه التجربة في منطقة محددة وكانت منطقة زامبريسكي، في محمية "وادي الموت" الطبيعية، وقد علق لاحقاً على هذه التجربة بأنها كانت الأفضل في حياته.
في عام 1978، وبينما بلغت التظاهرات ضد الشاه في إيران أوجها، عمل ميشيل فوكو مراسلاً صحافياً خاصاً لجريدتي: (كورير ديلا سيرا/Corriere della Sera) و (لونوفل أوبزرفاتور le Nouvel Observateur). عمل فوكو صحافياً لفترة قصيرة، فسافر إلى إيران، التقى بقادة وبسياسيين وناشطين في التظاهرات التي قادتها المعارضة ضد نظام الشاه، كما التقى بأناس عاديين، التقى أيضاً بالخميني في ضواحي باريس، وكتب سلسلة من المقالات عن الثورة. معظم هذه المقالات لم يظهر بالإنكليزية إلا مؤخراً.
قدم فوكو من خلال مقالاته رؤية لما سماه "الروحانية السياسية" فأثار الزخم الذي تحركت به الثورة حماسه، وبدا وكأنه يدعم اتجاهها الإسلامي، وفي حين اعتقد كثيرون أن اليسار العلماني سوف يزيح التيار الإسلامي بعد سقوط الشاه، أطلق هو تهكماً واضحاً من أصحاب تلك النظرة، ورأى في الحركة الإسلامية بل وفي الإسلام برميل بارود سيغير ميزان القوى في المنطقة، وربما أكثر، من خلال مقاله (الإسلام،برميل بارود).
يعتقد كثيرون في الغرب بأن كتابات فوكو حول إيران كانت زلة أو خطأ سياسيا وفكريا في الحسابات، وأنه تحمس أكثر مما يجب للنظام الإسلامي، ولم يتح لنا الحصول على معلومات حول موقف فوكو من أداء الحكم الإسلامي الذي تزعمه الخميني في إيران بعد سقوط الشاه، ولا حتى تعليقا عن الحرب العراقية الإيرانية التي بدأت سرعان ما تسلم الإسلاميون السلطة، رغم أن فوكو عاش حتى 1984، حين كانت الحرب العراقية الإيرانية ما تزال مستعرة.
عادت كتابات فوكو عن إيران إلى الساحة الثقافية مؤخراً بعد أحداث 11 أيلول (سبتمر) 2001، وكذلك من خلال كتاب (فوكو والثورة الإيرانية 2005) الذي ناقش الكتابات واعتبرها استفزازية لكن جوهرية لفهم تاريخ ومستقبل العلاقات الغربية الإيرانية، وبشكل أعم العلاقات الغربية مع الإسلام السياسي، يعرض التحليل لمحات مدهشة أبرزها عقل المفكر.
في السبعينيات وبدايات الثمانينيات شارك فوكو أثناء وجوده في سان فرانسيسكو في نشاطات جنسية مثلية وسادية مازوشية، ويعتقد أنه في تلك المرحلة التقط عدوى "العمم" أو الإيدز، وذلك قبل أن يتم التعرف على المرض ووصفه.
لا يعرف مدى فهم فوكو لطبيعة مرضه، وكيفية إصابته أو انتقاله إليه، لكن بعض النقاد وكتاب السيرة الذاتية وصفوا حياته الجنسية في ذلك الوقت على أنها اسكتشاف عملي لأفكاره حول السلوك السوي والسلوك الشاذ، والعلاقة ما بين اللذة والموت. وقد قال دانييل ديفير عن فوكو بأنه "عندما ذهب إلى سان فرانسيسكو للمرة الأخيرة، اعتبر ذلك تجربته القصوى".
توفي فوكو نتيجة مرض الإيدز في باريس بتاريخ 26 حزيران/يونيو 1984.
العنوان الأصلي بالفرنسية: Folie et déraison: Histoire de la folie à l'âge classique
العنوان بالإنكليزية: Madness and Civilization
الكتاب متوفر باللغة العربية تحت عنوان "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" والعنوان الأصلي هو " Folie et déraison: Histoire de la folie à l'âge classique," وقد صدر عام 1961 وستصدر نسخة مترجمة مرة أخرى إلى الإنكليزية قريباً. "تاريخ الجنون" أول كتاب هام لفوكو، وقد كتبه عندما كان في السويد. وفيه يفحص الأفكار والممارسات والمؤسسات والفنون والآداب المتعلقة بالجنون في التاريخ الغربي.
يبدأ كتاب "تاريخ الجنون" في العصور الوسطى، ليشير إلى العزل الفيزيائي والاجتماعي الذي أحاط بالمجذومين. يقول فوكو بأنه ومع الانحسار التدريجي للمجذومين في المجتمع، تم ملء الشاغر من خلال المجانين، فالعزل ظل موجوداً لكن موضوع العزل تغير. سفينة المجانين التي ظهرت في القرن 15 هي تعبير حرفي عن هذا الاستبعاد، إذ تم إرسال المجانين بعيداً على متن سفن تجوب الأنهار الأوربية بحثاً عن عقولهم! وقد وقعت حركة خلال القرن السابع عشر في أوروبا ويتميز فوكو بوصفه لها بأنها الإرهاص العظيم، الأشخاص غير العاقلين من الناس كانوا يحتجزون بعيداً من خلال مؤسسات. في القرن الثامن عشر بدأ اعتبار الجنون نظيراً للعقل، وأخيراً في القرن التاسع عشر بدأ مصطلح "المرض العقلي" يأخذ مكاناً له. ويجادل فوكو بأن الجنون فقد قدرته على الدلالة على أهمية حدود النظام الاجتماعي وبالتالي توضيح الحقيقة وتم إسكاته من خلال العقل. يتفحص فوكو ظهور المعالجات العلمية و الإنسانية للمختلين، التي ظهرت على يد فيليب بينيل وصموئيل توك. ويزعم فوكو بأن هذه المعالجات لم تكن في واقع الأمر أقل "سلطوية" من تلك السابقة لها. فقد اعتمد توك في سعيه لعلاج المجنون على معاقبته حتى يتعلم السلوك "العاقل". كذلك الأمر بالنسبة لفيليب الذي اعتمد معالجات منها الحمام البارد. من وجهة نظر فوكو، يتصاعد هذا العلاج حتى يستدخل المريض هذا النمط من العقوبة.
العنوان الأصلي بالفرنسية: Naissance de la clinique
العنوان بالإنكليزية: The Birth of the Clinic
"ولادة العيادة"، ثاني كتب فوكو الهامة، أشبه بحفريات في التشخيص الطبي، نشر عام 1963 في فرنسا ليترجم إلى الإنكليزية في 1973، وهو متوفر بالعربية أيضاً. يقتفي هذا الكتاب آثار تطور مهنة الطب، و"العيادة" على وجه الخصوص.
العنوان الأصلي بالفرنسية: Les Mots et les choses
العنوان بالإنكليزية: The Order of Things
صدر الكتاب عام 1966. ترجم إلى الإنكليزية عام 1970، ونشر بالعربية أيضاً، وهو بحث حفري في العلوم الإنسانية، (كان فوكو يفضل أن ينشره بالفرنسية تحت عنوان L'Ordre des Choses "نظام الأشياء"، لكنه تراجع عن ذلك لوجود كتاب سابق يحمل هذا العنوان).
يبدأ الكتاب بنقاش مفصل وموسع حول لوحة "الوصيفات" للرسام دييغو فيلاسكيز، والترتيب المعقد للشخصيات المصورة فيها، بين الخفاء والظهور. ثم يتطور موضوعه الأساسي: كل مرحلة تاريخية تمتلك شروطاً خاصة للحقيقة تحدد ما هو مقبول وما هو غير مقبول، ومثال ذلك الخطاب العلمي، الذي جادل فوكو بأن شروط الخاطب العلمي تغيرت مع الزمن بقفزات مفاجئة وكبيرة، ما بين مرحلة معرفية إلى أخرى. لقد وضع كتاب "الكلمات والأشياء" ميشيل فوكو في بؤرة الضوء باعتباره شخصية ثقافية فرنسية شهيرة. وقد هاجم جان بول سارتر أعمال ميشيل فوكو واعتبره أخر أسوار البرجوازية.
من مقدمة الكتاب: "لهذا الكتاب مكان ولادة في نص لـ بورخيس (Borges)، في الضحكة التي تهزّ لدى قراءته كل عادات الفكر- فكرنا، الفكر الذي له عمرنا وجغرافيتنا [أوربا] – مزعزعة كل السطوح المنظّمة، والخطط التي تُعقِّل لنا التدفق الغزير للكائنات، وتجعل ممارستنا النقدية لـ "الذات" ولـ لآخر ترتعش وتقلق لمدة طويلة".
ويضيف "فوكو": "يستشهد هذا النص" بموسوعة صينية معينة "كتب فيها أن الحيوانات تنقسم إلى "أ) يملكها الإمبراطور ب) محنطة ج) داجنة د) خنازير رضيعة ه) جنيات البحر و) خرافية ز) كلاب طليقة ح) ما يدخل في هذا التصنيف ط) التي تهيج كالمجانين ى) حيوانات لا تحصى ك) مرسومة بريشة دقيقة من وبر الجمل ل) إلى آخره م) التي كسرت الجرة لتوها ن) التي تبدو من بعيد كالذباب.
ونحن تحت تأثير انبهارنا أمام مثل هذا التقسيم [التصنيف] نصل بقفزة واحدة – بفضل المدافع عن هذا التقسيم [بورخيس] البادي لنا كسحر غرائبي لفكر آخر- نصل إلى الحد الأخير لفكرنا: الاستحالة العارية المطلقة لأن نفكر هكذا.."
العنوان الأصلي بالفرنسية: L'Archéologie du Savoir
العنوان بالإنكليزية: The Archaeology of Knowledge
نشر الكتاب عام 1969، ويتوجه فوكو فيه لبحث "العبارة"، البينة الأساسية للخطاب، وهو يعتبر هذا الأمر ظل متجاهلاً حتى ذلك الوقت. "عبارة" هي الترجمة العربية لكلمة "statement" الإنكليزية وكلمة "énoncé" الفرنسية، والتي تعكس معنى غريباً بالنسبة لفوكو. والـ "énoncé" بالنسبة لفوكو هي ما يجعل حروف الجر والألفاظ ذات معنى. كما أن العبارات تشكل شبكة من القواعد والنظم اللازمة لتحديد ما هو ذو معنى. وهذه القواعد هي الشروط المسبقة التي لا بد من توفرها حتى يصبح للألفاظ وحروف الجر معنى. و"العبارة" تعد "حدثاً" أيضاً. وقد تبقى الجملة الصحيحة قواعدياً خاوية من المعنى لأنها لا تحقق تلك القواعد والنظم الشروط، والعكس أيضاً في أن الجملة الخاطئة قواعدياً قد تحفل بمعنى مفيد. تعتمد العبارات على الشروط التي تولد وتوجد من خلالها ضمن حقل خطاب ما. أن تحليل فوكو يتجه نحو مجموعات كبيرة من العبارات. ومن المهم أن نلاحظ بأن فوكو يؤكد مراراً بأن التحليل الذي ينتهجه ليس إلا واحداً من الخيارات أو التكتيكات المتاحة، وأنه لا يسعى نحو استبدال أو إزاحة إي من الطرق الأخرى في تحليل الخطاب أو أن يصفها بالفشل.
تتصف مقاربة فوكو للعبارة بشيء من التطرف، فهو لا يصنف مسائل "الحقيقة" فقط، بل يصنف أيضاً مسائل "المعنى". فبدل البحث عن معنى عميق خلف الخطاب، أو البحث عن أصل المعنى، نجد فوكو يحلل شروط وجود المعنى. بقصد عرض أسس إنتاج المعنى في مختلف البنى الخطابية. ويخص بالوصف عصر النهضة، والتنوير والقرن العشرين. وهو يكافح ليتجنب التفسير وليبتعد عن أهداف العلوم الإنسانية. مما يتيح لفوكو أن يشاقق وجهة النظر الأنثربولوجية ليركز على دور الممارسات الخطابية.
قد يبدو أن عدم اهتمام فوكو أو استغناءه عن البحث عن المعنى وراء الخطاب قاده نحو البنيوية. لكن، وفي حين يسعى البنيويون وراء التماثل والتجانس في الكينونة الخطابية، فإن فوكو يركز على الاختلافات. وبدلاً من التساؤل عن التميّز والخصوصية الكامنة في الفكر الأوربي، يسأل فوكو عن الاختلافات التي طرأت على هذا الفكر مع الزمن. لذلك فإنه يرفض تفحص العبارات خارج دورها في بنية الخطاب، وهو لا يتفحص أبداً عبارات محتملة، يحتمل أن تتولد عن مثل تلك البنيى الخطابية. وهنا تبزغ هوية فوكو كمؤرخ، فهمه الوحيد يقف عند تحليل العبارات الواقعية في التاريخ. فالنظام بكليته وقوانينه هو الذي يحدد هوية العبارة. لكن البنية الخطابية تولد باستمرار عبارات جديدة، قد يمكن فهم الاتجاهات التي قد تتحرك البنية الخطابية تجاهها أو عدم فهمها. وليتمكن من وصف بنية خطابية، يركز فوكو على الخطابات المعزولة والمنسية والتي لم تقم بتغيير البنية الخطابية. بهذه الطريقة يمكن وصف أنظمة محددة يمكنها تقرير وتحديد نوع العبارات التي ستولدها.
العنوان الأصلي بالفرنسية: Surveiller et punir: Naissance de la prison
العنوان بالإنكليزية: Discipline and Punish
يبدأ الكتاب برسم تصويري لعملية تنفيذ حكم الإعدام عام 1757 على روبرت فرانسوا ديمي، الذي حاول اغتيال لويس الخامس عشر. وفي الصفحة المقابلة وضع صورة لمخطط سجن صمم بعد 80 عاماً فقط. ويتساءل فوكو عن الطريقة التي تغير من خلالها المجتمع الفرنسي فيما يخص معاقبة المدانين في مدة قصيرة إلى هذا الحد. هاتان صورتان لنمطين متقابلين مما يسمه فوكو "تكنولوجيا العقاب". النمط الأول، "العقاب الملكي"، يشتمل على قمع الجماهير من خلال تنفيذ عمليات إعدام وتعذيب وحشية علنية. النمط الثاني، "العقاب التأديبي"، وما يقول فوكو بأنه يمارس في العصر الحديث. يمنح العقاب التأديبي كلاً من (المعالج النفسي، منفذ البرامج، الضابط في السجن) سلطة على (السجين أو المتعلم أو المريض)، ومما يلفت الانتباه أن المدة التي يتوجب على السجين مثلاً أن يقضيها في السجن تتوقف على رأي المختصين.
يقارن فوكو في بحثه مابين المجتمع الحديث وبين "المشتمل" وهو تصميم أعده جيرمي بينتامز لمبنى سجن (وهذا التصميم لم ينفذ بشكله الأصلي في الواقع، لكنه كان ذي تأثير واضح)، في المشتمل يستطيع حارس واحد أن يراقب عدداً كبيراً من السجناء دون أن يتمكنوا من مشاهدته. السراديب المعتمة لسجون ما قبل الحداثة استبدلت بسجون في أبنية حديثة، لكن فوكو يحرص على أن يوضح أن "الرؤية أو العين تخدع". ويشير إلى أن المجتمع الحديث يستخدم هذه الرؤية لتطبيق نظام التحكم والسيطرة الخاص بالسلطة والمعرفة (وهما مصطلحان يرى فوكو أنهما متصلان ببعضهما بشكل جذري، حتى أنه يستخدمهما غالباً مقترنتين أو مدمجتين على نحو "power-knowledge / معرفة ـ سلطة". المزيد من الرؤية يقود إلى سلطة تتربع على مستوى متزايد من الفردية، يظهر من خلال قدرة المؤسسة على تعقب ومراقبة الأفراد طوال حياتهم. يشير فوكو إلى رهاب مستمر وشعور دائم بالرقابة يسري في المجتمع الحديث، بدءاً من السجون شديدة التحصين، المنازل المحمية، الموظفون، الشرطة، المعلمون، وصولاً إلى كل نشاطاتنا اليومية وظروف معيشتنا وسكنانا. كلها مرتبطة بالمراقبة (المتنبهة أو الغافلة) التي يقوم بها بعض الناس تجاه البعض الآخر، للتحقق من التزامهم بأنماط السلوك المقبولة.