الرئيسيةبحث

مارتن هايدغر

مارتين هايدغر (26 سبتمبر 1889 - 26 مايو 1976) فيلسوف ألماني من مواليد جنوب ألمانيا ، درس في جامعة فرايبورغ تحت إشراف ادموند هوسرل مؤسس الفينومينولوجيا ، ثم أصبح استاذا فيها عام 1928 .

تميز هايدغر بتأثيره الكبير على المدارس الفلسفية في القرن العشرين أهمها : الوجودية ، التفكيكية ، ما بعد الحداثة . و تعتبر أهم انجازاته أنه أعاد توجيه الفلسفة الغربية بعيدا عن الاسئلة الغيبية ( الميتافيزيقية ) و الماورائيات و الأسئلة الايبستمولوجية ، ليطرح عوضا عنها أسئلة علم الوجود (الانطولوجيا) ، و هي أسئلة تتركز أساسا على معنى الكينونة Being . و يتهمه الكثير من الفلاسفة و المفكرين و المؤرخين بمعادات السامية أو على الأقل يلومونه على إنتمائه للحزب النازي الألماني.

'شخصيّة قالب:هايدغر هي شخصيّة غامضة ومُعقّدة ومتناقضة، وفلسفته أيضا تتسم بمثل صفاته: فتعقّد عباراته اللغوية وتعمّده الغموض ثم التناقض في أفكاره والإنقلابات في آرائه يمكن عدّها مِن بين ميزات شخصيّته وفلسفته على حدّ السّواء.

لقد جاء الرّجل إلى الفلسفة من دنيا اللاهوت، وقد كان في فترة من حياته مؤمنا ملتزما، على المستوى الديني، بتعاليم الكاثوليكية وقد مرّ بمراحل شاقّة أكثرها عوزه المادّي الشيء الذي جعله تحت رحمة مِنَح الجمعيات الخيريّة الكاثوليكية. أغدقت عليه وعلّقت به آمالها علّه يصبح مفكّرا كاثوليكيا مواليا للكنيسة الرومانية. لكنه في فترة لاحقة، بعد أن توطّد وثبّت قدميه في الجامعة وأصبح مدرّسا، أنقلب على أعقابه وأنكر الجميل وبدّل نِحْلته ودخل البروتستانتية.

في حياته الدراسية لم يكن من الطلبة المتألّقين، وقد تردّد في اختياراته الجامعية بين متابعة اللاهوت أو التوجّه نحو الفلسفة أو الرياضيات والعلوم الصحيحة. تابع دروس قالب:هوسّرل وأصبح مساعده في التعليم وعضده الأيمن، علّق به، هو أيضا، آمالا كبيرة وتمنّى أن يكون له خلفا ويواصل بحوثه ويقدّم بالفنمينولوجيا ويفتح لها آفاقا رحبة، لكنه خيّب آماله وانقلب عليه فكريّا، برفضه الفنمينولوجيا واشكالاتها ومناهجها؛ نَقدَه في كتابه الذي أهداه إياه، أي الوجود والزمان، واحتقره وازدراه شخصيّا وآذاه أشدّ الإيذاء. دخل في صفوف الحزب النازي وهو حزب مَبنيّ على أسس عنصرية واضحة وجليّة

قالب:مارتن هايدغر هو فيلسوف وجودي أو فيلسوف الوجود كما أكّد على ذلك دائما وفي كل موضع من مواضع فلسفته. وقد أعلن صراحة على أنّ الإشكالية المركزيّة في فلسفته هي اكتناه حقيقة الوجود ومعناه. لقد ركز همّ فكره وغاية فلسفته للبحث عن تصور للوجود أصيل بعد أن وقع نسيانه من طرف الفلاسفة منذ أفلاطون حتى العهود الحديثة. بيد أنّ الوجود الذي يتحدث عنه هايدغر ليس بمقولة منطقية ولا هو الرابطة الوجودية بين الموضوع والمحمول ولا حتى مقولة ميتافيزيقية كلاسيكية وإنما هو الوجود الذي يتحدد معناه من خلال ما أسماه هايدغر(Dasein) "الكائن هناك" أي، بعبارة أوضح، الوجود الإنساني الخاصّ والمتموقع في زمان مخصوص وفي مكان معيّن: علم الوجود تحوّل عنده من أنطولوجيا إلى أنثربولوجيا. هذا ما تفطن إليه كثير من نقاده في ذلك الوقت ومن بينهم أستاذه هوسرل بعد أن قطع معه وأدرك جوهر أفكاره. المُلفت للنظر أن مفهوما للوجود واضحا وقارّا، عند هايدغر، لا نعثر عليه أبدا. بل إنه عندما تكلم فيه أرجعه إلى ما أسماه أنطولوجيا وجودية وهي بالأساس تحليل لبعض أوضاع الوجود الإنساني وتصرفاته الحياتية أي إلى أمور نسبية وعرضية بالنسبة للوجود كمفهوم كلّي وشامل. فعلا، لا نعثر في تلك التحاليل التي أوردها في كتابه العمدة " الوجود والزمان"، إلاّ على مقولات من هذا القبيل: الوجود الأصيل والغير الأصيل، الوجود الإنساني كإمكانية ومشروع؛ الموجود الإنساني ككائن مقذوف به في العالم؛ الإستعداد للموت؛ الثرثرة اليومية وأشياء من هذا القبيل لا أكثر ولا أقل. في حين يصعب القيامُ بتحديد دقيق لمدى تأثير مارتن هيدغِّر على الفكر الاجتماعي والسياسي الغربي في القرن العشرين، لا يرقى شك إلى أن هذا التأثير كان نفَّاذًا. فيما وصف هابرماس كتاب هيدغِّر الوجود والزمان (1927) بأنه أهم مؤلَّف فلسفي منذ ظهور فينومينولوجيا الروح لهيغل. وإن الماركسية الغربية، كنظرية اجتماعية متماسكة، ما كان لها على الأرجح أن تكون ما هي عليه اليوم لولا حركة التاريخ وتحول الوعي الاجتماعي؛ وإن الوجودية والظواهرية والبنيوية ما كان لها أن تتخذ شكلها وتدرُّجها الحاليين لولا مساهمة هيدغِّر الأساسية. كان هيدغِّر أستاذًا جامعيًّا طوال حياته النشطة، يعيش منزويًا في فرايبُرغ، على مقربة من قريته القريبة من الغابة السوداء. سأسعى في إيجاز إلى شرح بعض تبعات هذا الموقف في خصوص إشكالية الوعي من منظار الوجود والزمان. إن مقولة "الوجود في العالم" لدى هيدغِّر هي الأساس الذي يحدد "ظاهرة الحقيقة". رأى هيدغِّر أن حقيقة الوعي هي محتوى مثالي، أي إنتاج الحكم على الحقيقي: "في الحكم، على المرء أن يميِّز بين السياق الحقيقي والمحتوى المثالي؛ فهذا المحتوى هو الحقيقة." (هيدغِّر، ص 216). آمن هيدغِّر بأن معرفة العالم هو نمط من "الوجود في العالم": معرفة العالم، أو بالأحرى أن يخاطب المرءُ "العالم" ويناقشه (كما فعل الإغريق)، هي وظيفة النمط الأساسي للوجود في الكون (هيدغِّر، ص 85). "الحقيقة" و"الوجود" يشيران إلى مستويين مختلفين للوجود: التجربة المباشرة، والكلِّية الوجودية. فعلى مستوى التجربة المباشرة، يفقد الوجودُ بعض خاصيته الأساسية: إنه "يكتسب معنى الحقيقة" (هيدغِّر، ص 201)؛ أما على مستوى الكلِّية الوجودية، فإن وجود الكلِّيات يُفسَّر بمعايير بدائية أساسية ينهض عليها نظامُ هيدغِّر الوجودي برمَّته. من هنا، فإن المعرفة والفعل، في عرف هيدغِّر، ينتميان إلى النمط نفسه من الوجود. ففي الوجود والزمان، الفعل فكرة عن العمل فحسب (انظر: لوسيان غولدمان، هيدغِّر ولوكاش، ص 38). إلا أن هيدغِّر يقول أيضًا إن للمعرفة الفكرية تبعاتٍ علمية، وإن النظرية، في شكل التجربة الواعية والمستوعَبة، هي في جوهرها ما يؤلِّف الحقيقة التي تحدِّد "المسلك" أو الفعل. ليس للمعرفة الفكرية، كونها مقولةً مجرَّدة، المسلك العملي نفسه الذي تحظى به محصِّلتها النهائية. المعرفة الفكرية هي، في حدِّ ذاتها، مسلك يبقى موجودًا، ليس بفضل كينونة خاصة، بل بفضل الوجود نفسه. فـ"التفكير بالعدم" لا يعني، بالتالي، إنتاج "أفكار فحسب" في ذهن المرء، بصفته مجرَّد متفرج ينسحب من الواقع؛ بل إن التفكير بالعدم يعني الوقوف في الماهية، حيث كل فعل وكل حقيقة في هذه الحقبة من التاريخ الغربي يتلقفان مكانهما وزمانهما، وجودهما وخلفيتهما، سلبهما وغاياتهما، نظامهما وتبريرهما، ثباتهما وزعزعتهما، – باختصار حقيقتهما (هيدغِّر، نيتشه، ج 14، ص 15). وعليه، فالمجتمع، في عرف هيدغِّر، ليس سوى كينونة تجربة مباشرة مغايرة، حيث عالم الـ"هم" ("الناس") الذي يختبر فيه الفرد ("الذات")، فضلاً عن وقوعه على إشباع الرغبة، "السقوط" وفقدان الأصالة. إن الوجود اليومي وجودٌ يغيِّب الأصالة، وفقط حين يبرِّئ المرءُ نفسه من الـ"الناس" يتوصل إلى "أصالته".


ففي حين ينصبُّ اهتمامُ هيدغِّر على الوجود الجوهري الكلِّي (قضية الوجود)، يهتم لوكاش بالوجود الاجتماعي، وجود التجربة المباشرة. أليس ثمة إمكان لوضع هذين المذهبين على مسار يفسح المجال للأصالة والالتزام في آنٍ واحد؟ أم أن التعارض فيما بينهما غير قابل للحسم (على ما يرى لوسيان غولدمان)؟ تظهر فكرة هيدغِّر عن "الوجود–في–العالم" في نظر لوكاش أنها مسألة اجتماعية تاريخية يندرج فيها الوعيُ بوصفه مقولةَ فهم اجتماعية وتاريخية، وليست تحليلاً معرفيًّا أو نفسانيًّا. الأصالة لدى هيدغِّر (أن يكون المرء نفسه) لا تشتمل بالضرورة على انسحاب من المجتمع أو الارتداد عن الفعل أو الالتزام الاجتماعي. فبقدر ما يكون تصميم المرء صادقًا – أي متفهمًا نفسه في توقُّعه الموت من دون أيِّ غموض عبر إمكاناته الذاتية الصحيحة – يكون قادرًا على ممارسة الاختيار الحاسم ومعرفةإمكاناته الحياتية الأصيلة وتلافي المصادفة. ومتى استوعب المرءُ محدوديةَ وجوده، ابتعد عن الخيارات السهلة والقريبة منه – رغد العيش، تجنب المواجهات، اللامبالاة – وارتدَّ إلى بساطة مصيره (هيدغِّر، ص 384). وكان سورِن كيركِغور – وهو أحد الفلاسفة الفاعلين في تحوُّل هيدغِّر عن مثالية هيغل، وبالتالي رفضها – قد نصَّب الذاتية الأساس الأوحد الأصيل للفرد الكائن. ومما يسترعي الانتباه أن معارضة لوكاش لموقف هيدغِّر الوجودي اتخذت قالبًا مماثلاً لمعارضة كيركِغور لمثالية هيغل، إذ فهم الأصالة في إطارها الاجتماعي التاريخي، وليس في جَوانيَّتها وذاتيتها. أن يكون المرء متوافقًا مع نفسه، سواءٌ بالبحث عن ذاته الأصيلة أم بالالتزام الاجتماعي، يشكِّل خطوة حاسمة في فلسفتَي كلٍّ من لوكاش وهيدغِّر. رغبتهما الواحدة تكمن في إضفاء التسامي على الوجود كما هو معطى مباشرة، إن اجتماعيًّا أو معرفيًّا.