التصنيف العلمي | ||
---|---|---|
المملكة | الحيوانات | |
الشعبة | الحبليات | |
الطائفة | الثدييات | |
الرتبة | مزدوجات الأصابع | |
الفصيلة | البرنيقيات | |
الجنس | البرنيق: Hippopotamus | |
النوع | البرمائي: amphibius | |
معلومات عامة | ||
وضع الفصيلة | معرضة | |
الإسم العلمي | Hippopotamus amphibius: هيبوبوتاموس أمفيبيوس | |
إسم المصنف و تاريخ التصنيف | لينايوس، 1758 |
فرس النهر حيوان إفريقي ضخم عاشب إجمالا يعد أحد الفصيلتين المتبقيتين على قيد الحياة اليوم من عائلة البرنيقيات (الأخر هو فرس النهر القزم). يعرف فرس النهر باللغة العربية أيضا بالبرنيق و سيد قشطة كما يسمونه في مصر، و يشتق إسمه اللاتيني و الإنكليزي "هيبوبوتاموس" كما العربي من اليونانية حيث أن "هيبو" تعني حصان و "بوتاموس" تعني نهر.
فرس النهر حيوان نصف مائي وهو يستوطن البحيرات و الأنهار في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وقد إمتد موطنه في السابق عبر وادي النيل حتى يصل إلى فلسطين و الأردن شمالا. تعيش أفراس النهر في مجموعات يبلغ عدد أفرادها حوالي 40 رأسا، وهي تبقى معظم النهار في الماء أو الوحل حتى تتبرّد. يحصل التزاوج و الولادة في الماء حيث تقوم الذكور الإقليمية بالتقاتل مع بعضها للسيطرة على مجال صغير من النهر، و تخرج أفراس النهر عند الغسق لترعى الأعشاب و يعتبر الرعي نشاطا فرديا يقوم به كل فرد لوحده أي أن الأفراس لا تتجمع كما تفعل عندما تكون في الماء قرب بعضها البعض.
تعتبر الحيتانيات مثل الحيتان و خنازير البحر و أقربائها هي أقرب الحيوانات لأفراس النهر على الرغم من تشابه تلك الأخيرة مع الخنازير و غيرها من الحافريات المزدوجة الأصابع. يقدر العلماء أن السلف المشترك للحيتان و أفراس النهر إنفصل عن باقي مزدوجات الأصابع منذ حوالي 60 مليون سنة، أما أقدم المستحثات لفرس النهر فيقدر عمرها بحوالي 16 مليون سنة وقد وجدت في إفريقيا وهي تنتمي إلى جنس "فرس النهر الكيني" أو "Kenyapotamus".
يعرف فرس النهر بواسطة جسده الأسطواني الشكل و العديم الشعر، القوائم القصيرة، و الحجم الضخم. يقارب فرس النهر وحيد القرن الأبيض في حجمه و لا يفوقه في القد سوى الفيلة، وعلى الرغم من قصر قوائمه فإن هذا الحيوان قادر على أن يسبق إنسانا بسهولة في الجري فقد تمت قياسة سرعته بحدود 30 ميلا في الساعة و بالتالي فيمكن إعتبار أنه قادر على أن يسبق عدّاء أولمبيا في سباق للمسافات القصيرة. يعتبر فرس النهر من أشد الحيوانات خطورة على الإنسان على الرغم من شيوعه في حدائق الحيوانات و إظهاره بمظهر "العملاق اللطيف". يعيش حاليا حوالي 125,000 إلى 150,000 فرس نهر في البريّة جنوبي الصحراء الكبرى، و تعتبر زامبيا (40,000 رأس) و تنزانيا (20,000 - 30,000 رأس) الدول التي تأوي أكبر أعداد من هذه الحيوانات، و لا تزال أفراس النهر مهددة حاليا من القنص الغير شرعي للحصول على لحمها و أنيابها العاجيّة ومن فقدان المسكن.
فهرس |
فرس النهر حيوان إجتماعي يعيش في قطعان يبلغ عدد أفرادها 40 حيوانا، و يسمّى فرس النهر الذكر "ثورا" بحسب التعبير الإنكليزي و تسمى الأنثى "بقرة" و الصغير "عجلا"[1]. تعرف الفصيلة أيضا بإسم فرس النهر المألوف و فرس النهر النيلي و ذلك لتميزها عن فرس النهر القزم و غيره من الفصائل المنقرضة، إلا أن مجرد التعبير بقول "فرس النهر" يقصد به إجمالا هذه الفصيلة.
يعتبر جنس أفراس النهر هو الممثل الرئيسي لعائلة البرنيقيات على الرغم من أن فرس النهر القزم يمثل جنسا أخر بحد ذاته. وقد تم تصنيف خمسة سلالات من فرس النهر بناء على إختلافات تشكّليّة في جماجمها و المنطقة الجغرافية التي تقطنها:[2]
لم يقم علماء الأحياء يوما بالتصديق تماما على هذا التصنيف لسلالات فرس النهر، فالإختلافات بينها ضئيلة و قليلة لدرجة جعلت البعض من العلماء يفترض بأنها غير كافية لإعتبار أن من يحملها يكون بمثابة نويع أو سلالة مميزة. وقد قامت بعض الفحوصات و الإختبارات الجينيّة للتأكد من صحة وجود هذه السلالات المزعومة، و ظهر بعد أن تمّ فحص الحمض النووي من بضعة عينات من الجلد و التي أخذت من 13 موقعا مختلفا في إفريقيا، أن لأفراس النهر القاطنة مختلف أطراف القارة تنوعا جينيا و ظهر أبرزه عند السلالة البرمائية و سلالة رأس الرجاء الصالح و السلالة السواحيلية أما السلالتين المنقبضة و التشادية فلم يتم أخذ عينات منها[3][4].
تصنّف البرنيقيات مع باقي مزدوجات الأصابع في رتبة الحافريات التي تضم أيضا الجمليات، البقريات، الأيليات، و الخنزيريات على الرغم من أن أفراس النهر لا تربط بهذه المجموعات بشكل وثيق. كان الإغريق القدماء يعتقدون أن الفصيلة وثيقة الصلة بالأحصنة كما يدل إسمها، و كان علماء الطبيعة يصنفون أفراس النهر مع الخنازير حتى عام 1985 بناء على شكل طواحنها أو أسنانها. إلا أن الدلائل التي ظهرت من البروتين الموجود في الدماء و الحمض النووي و المستحثات أظهرت أن أقرب الحيوانات إلى أفراس النهر هي الحيتانيات أي الحيتان و خنازير البحر و الدلافين و أقربائها[5] [6][7][8][9][6] . تتشارك أفراس النهر في العديد من الصفات مع الحيتان أكثر من الحافريات الأخرى مثل الخنازير، بما أن السلف المشترك للحيتان و البرنيقيات إنفصل عن باقي الحافريات منذ ملايين السنين، وعلى الرغم من هذا فإن أنساب هذه الحيوانات سرعان ما إنشقت عن باقي مزدوجات الأصابع بعد ذلك.
أظهرت الدراسات الحديثة حول أصل عائلة البرنيقيات أن أفراس النهر تتشارك مع الحيتان في سلف برمائي مشترك إنفصل عن باقي الحافريات منذ حوالي 60 مليون سنة[5]، و يفترض أن هذا السلف المزعوم تطور و أنشأ فرعين مختلفين منذ حوالي 54 مليون سنة. وقد تطور أحد هذه الفروع إلى عائلة الحيتانيات بدأ بالحوت البدائي "بكيستثس"، على الأرجح، الذي عاش منذ 52 مليون سنة و غيره من أسلاف الحيتان الأولى التي تأقلمت في النهاية مع العيش تحت الماء بصورة دائمة و تطورت لتصبح عائلة الحيتانيات الحاليّة[9].
أما الفرع الأخر فقد تطور إلى عائلة كبيرة من البهائم الرباعية الأرجل و التي تعتبر أسلاف عائلة البرنيقيات، وقد عاش أول هذه الحيوانات في أواخر العصر الفجري (الإيوسيني) و كان يشبه فرس نهر نحيلا ذو رأس صغير ضيق. تفرّعت هذه العائلة أيضا إلى عدّة فروع إنقرضت جميعها، دون أن تترك ذريّة متحدرة منها، عدا الفرع الذي تطور ليصبح عائلة البرنيقيات.
نشأت البرنيقيات الحديثة في إفريقيا، و كان جنس "فرس النهر الكيني، Kenyapotamus" هو أول أفراس النهر التي عاشت في تلك القارة. إنتشرت الفصائل المختلفة من أفراس النهر في فترة معينة عبر آسيا و أوروبة ولكنها لم تبلغ الأميركيتين كما يظهر حتى الأن، إلا أنه تم العثور على مستحثات لأجناس عدّة من العائلة الكبرى التي تفرعت منها البرنيقيات في أميركا الشمالية و التي يعود تاريخها إلى أوائل العصر الضّحوي (الأوليغوسين). و قد عاش أحد أسلاف فرس النهر المعاصر المسمّى "أرشيوبوتموس، Archaeopotamus" في إفريقيا و الشرق الأوسط بين 7.5 و 1.8 مليون سنة[10].
يتواجد حاليا جنسين من عائلة البرنيقيات هما جنس فرس النهر و فرس النهر القزم الذين إنفصلا منذ 8 ملايين سنة على الأكثر، و لا يزال العلماء لا يفهمون سجل مستحثات أفراس النهر بشكل كبير كما يختلفون حول إعتبار فرس النهر القزم من جنس أفراس النهر القزمة الأصلية الأساسية أم من جنس أخر للعديد من فصائل أفراس النهر الآسيوية و المسماة "هيكسابروتودون، Hexaprotodon" القريبة لجنس فرس النهر[10].
كانت ثلاثة أنواع من أفراس النهر تعيش في مدغشقر وقد إنقرضت جميعها خلال العصر الحالي (الهولوسين) و كان أخرها قد إستمر بالوجود حتى 1,000 سنة خلت. و كانت أفراس النهر المدغشقريّة أصغر حجما من تلك المعاصرة وقد يعود السبب في ذلك إلى الإنعزال على جزيرة لوحدها بعيدا عن الفصائل الأخرى من البرنيقيات[11]، و تظهر الأدلة من المستحثات أن أفراس النهر المدغشقرية كانت تصاد من قبل البشر و ربما ساعد ذلك على إنقراضها[12][11]. يعتقد أنه من الممكن أن تكون بعض أفراس النهر هذه قد إستمرت بالتواجد في بعض الجيوب النائية و المعزولة، ففي عام 1976 أفاد بعض القروين بأنهم شاهدوا حيوانا يدعونه "كيلوبيلوبيتسفي" و الذي يحتمل بأن يكون فرس نهر مدغشقري[13].
ومن الفصائل الأخرى للبرنيقيات فرس النهر الأوروبي و فرس النهر الواسع الحجرات الذين عاشا في أوروبة وصولا إلى الجزر البريطانية، وقد إنقرض كلا منهما قبل الدور الجيلدي الأخير. و إستطاعت أسلاف أفراس النهر الأوروبية أن تصل إلى العديد من جزر البحر المتوسط خلال العصر الحديث الأقرب (البليستوسين)[14]، حيث عاشت فصائل مختلفة منها على جزر كريت، قبرص، مالطا، و صقلية. إستمر فرس النهر القبرصي القزم وحده بالتواجد حتى أواخر العصر البليستوسيني و أوائل العصر الحالي، و لا تزال الدلائل التي تظهر من الحفريات في موقع أتوكرمنوس في قبرص تحيّر العلماء حول ما إذا كانت هذه الفصيلة قد قابلها البشر و دفعوها إلى الإنقراض أم لا[15][14].
فرس النهر هو أحد أضخم الثدييات الموجودة في العالم حاليا ويعتبر من الحيوانات الكبرى المتبقية على قيد الحياة، إلا أنه تأقلم، على عكس بقية الحيوانات الكبرى الإفريقية، لعيش حياة برمائية في البحيرات و الأنهار العذبة. يصعب قياس وزن أفراس النهر في البرية بسبب حجمها الضخم و تأتي معظم التقديرات من عمليات التنقية التي حصلت في الستينات من القرن العشرين، حيث يفترض أن الوزن الطبيعي للذكور الناضجة يتراوح بين 1500 و 1800 كيلوغراما (3,300 - 4,000 رطلا)[16] [17]. تكون الإناث أصغر حجما و أقل وزنا من الذكور حيث يبلغ وزنها بين 1300 و 1500 كيلوغراما (2,900 - 3,300 رطلا) بينما تبلغ الذكور الأكبر سنا أحجاما أكبر بكثير إذ يصل وزنها إلى 3,200 كيلوغراما (7,100 رطل) على الأقل، و يظهر بأن ذكور فرس النهر يستمر حجمها بالنمو طيلة حياتها بينما تبلغ الإناث الحد الأقصى في حجمها عند بلوغها حوالي 25 سنة[18].
يبلغ معدل طول فرس النهر 3.5 أمتار (11 قدما)، و إرتفاعه 1.5 أمتار (5 أقدام) عند الكتفين، و يماثل وحيد القرن الأبيض فرس النهر في الحجم تقريبا حيث أن استخدام مقاييس مختلفة لقياسهما يجعل من الصعب الجزم أيهما ثاني أكبر الثدييات البريّة بعد الفيل. تستطيع أفراس النهر العدو بسرعة أكبر من سرعة الإنسان على الرغم من ضخامتها و تقدر سرعتها من 30 كيلومترا بالساعة (18 ميل بالساعة) إلى 40 كيلومترا بالساعة (25 ميل بالساعة) أو حتى 50 كيلومترا بالساعة (30 ميلا بالساعة)، إلا أن هذا الحيوان يستطيع الحفاظ على هذه السرعة الكبيرة لبضعة مئات من الأمتار فقط.
يمتد مدى حياة فرس النهر من 40 إلى 50 عاما إجمالا. تعتبر أنثى فرس النهر المسماة دونا والتي تعيش في حديقة حيوانات مسكر في ولاية إنديانا في الولايات المتحدة[19][20]، أكبر أفراس النهر الحيّة سنا. أما أكبر هذه الحيوانات سنا على الإطلاق فكانت أنثى تدعى تانغا وقد عاشت في ميونخ بألمانيا و ماتت خلال عام 1995 عن عمر 61 سنة[21].
تقع الفتحات الأنفية و عيون و أذان فرس النهر على رأس جمجمته مما يسمح له بإبقاء معظم جسده مغمورا بالماء و الوحل في الأنهار الإستوائية التي يقطنها و تفادي الإصابة بحروق شمسيّة. يعتبر الشكل الخارجي لهذه الحيوانات مصمما كليّا لجعلها قادرة على التأقلم مع حياتها على الضفاف، فهيكلها العظمي مصمم ليتحمّل ثقلها الكبير و قوائمها قصيرة مقارنة بغيرها من الحيوانات الكبرى بسبب أن المياه تساعد على التقليل من الضغط عليها عندما تكون مغمورة، و كغيرها من الحيوانات المائيّة فإن لأفراس النهر القليل من الشعر.
يفرز جلد أفراس النهر واقيا طبيعيا من الشمس ذو لون أحمر لحمايتها من أشعة الشمس القوية و تسمى هذه الإفرازات "بالعرق الدموي" إلا أنها ليست بعرق أو دم. تكون هذه الإفرازات عديمة اللون إلا أنها تتحول إلى برتقالية ضاربة إلى الحمرة بغضون دقائق ومن ثم إلى بنية في النهاية، وقد تم تعريف نوعين من الأصباغ في هذه الإفرازات أحداها حمراء و الأخرى برتقالية وكلاهما مركبات أسيديّة عالية الحموضة. إكتشف العلماء أن الصبغة الحمراء تمنع نمو البكتيريا المسببة للأمراض مما جعل البعض يفترضون بأنها تلعب دور المضاد الحيوي، وكلا الصبغتين تمتص أشعة الشمس بشكل أكبر خلال الفترة التي تبث فيها الأشعة ما فوق البنفسجية مما يجعلها تلعب دور المرهم الواقي من الشمس. تفرز جميع أفراس النهر هذه المواد بغض النظر عن حميتها مما يثبت بأن نوع الطعام الذي تتناوله ليس مسؤولا عن هذه الإفرازات بل لعل الحيوانات تصنع الصبغات من الأحماض الأمينية و التيروسين.[21]
كانت أفراس النهر منتشرة عبر شمال إفريقيا و أوروبة و بعض الدول العربية حتى قبل بداية الدور الجليدي الأخير، و تعتبر أفراس النهر قادرة على العيش في الدول ذات المناخ البارد شريطة أن لا يتجمد الماء الذي تغطس فيه خلال الشتاء. إستمرت هذه الفصيلة بالتواجد في منطقة النيل المصرية حتى مؤخرا إلا أنها إنقرضت بعد ذلك، و ذكر بعض الكتّاب أن الفصيلة إستمرت بالتواجد في فرع دامييتا بعد الفتح العربي في عام 639 م. و لا تزال أفراس النهر تتواجد اليوم في بحيرات و أنهار أوغندا، السودان، الصومال، كينيا، شمالي الكونغو و الحبشة، غربا عبر غانا إلى غامبيا و أيضا في إفريقيا الجنوبية (بوتسوانا، جنوب إفريقيا، زيمبابوي، و زامبيا)، و تتواجد جمهرة منفصلة في تنزانيا و موزامبيق.
أظهرت التحاليل الجينية بعض الدلائل حول زيادة أعداد أفراس النهر في إفريقيا خلال أو بعد العصر الحديث الأقرب (البليستوسين) بسبب إزدياد عدد و مساحة المسطحات المائية عند نهاية هذه الفترة، و لهذه الإكتشافات دلائل مهمّة حول تحديد وضع الفصيلة في إفريقيا حاليا إذ أن الجمهرة الحالية أصبحت مهددة عبر القارة بسبب تجفاف مؤلها و تعذّر الوصول إليه في بعض المناطق بسبب التمدن، كما و تعتبر أفراس النهر مهددة من القنص الغير شرعي. و بالإضافة لهذين الخطرين فإنه يجب الحفاظ على التنوّع الجيني لهذه الحيوانات لضمان إستمرارية الفصيلة، وفي مايو 2006 صنّف فرس النهر على أنه من الفصائل المعرّضة للإنقراض في المستقبل بحسب اللائحة الحمراء للإتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة حيث قدرت أعداد الجمهرة بين 125,000 و 150,000 فردا أي أقل بنسبة 7 و 20% منذ إحصاء الإتحاد الأخير في عام 1996.[22]
أن أبرز الأمكنة التي يمكن ملاحظة تناقص جمهرة أفراس النهر فيها هي الكونغو، حيث تناقصت أعداد الحيوانات في منتزه فيرونغ الوطني من قرابة 29,000 إلى 800 أو 900 رأسا في منتصف سبعينات القرن العشرين مما أثار قلقا حول حيوية هذه الجمهرة. و يعزى تناقص تلك الحيوانات إلى حرب الكونغو الثانية حيث قام ثوّار الهوتو و الجنود المتقاضين رواتب قليلة بالإضافة لجماعات الميليشيا بقنص هذه الحيوانات لعدة أسباب، ومن هذه الأسباب الإعتقاد السائد بأن أفراس النهر حيوانات غير ذكيّة و تشكل أذى للمجتمع و أيضا للحصول على بعض المال. يعتبر بيع لحوم أفراس النهر عملا غير قانونيا إلا أن التجارة في السوق السوداء يعتبر عملا من الصعب على ضبّاط برنامج الحفاظ على الحياة البرية السيطرة عليه.[23][24]
تمضي أفراس النهر معظم نهارها وهي تتمرّغ في الماء أو الوحل مع باقي أفراد القطيع، و يساعد الماء على إبقاء حرارة جسدها معتدلة و منع جلدها من التقشّر و الجفاف. تتمحور حياة فرس النهر (بمعظمها)، عدا الإقتيات، من الولادة و التقاتل و التناسل حول المياه. تغادر أفراس النهر المياه عند الغسق و تمشي لمسافة معينة قد تبلغ 8 كيلومترات (5 أميال) لترعى مصدر طعامها الأساسي أي الحشائش القصيرة، حيث تمضي أربع أو خمس ساعات تقتات وقد تستهلك قرابة 68 كيلوغراما (150 رطلا) من الأعشاب كل ليلة[25]. تأكل أفراس النهر أي نوع من النباتات بحال توافرت لها، مثل معظم العواشب الأخرى، إلا أن حميتها الطبيعية تتكون من العشب بشكل كلّي تقريبا و القليل من النباتات المائية أحيانا. تمّ تصوير أفراس النهر وهي تقتات على الجيفة (قرب الماء عادة) في بعض الأحيان، كما وردت تقارير أخرى عن أكلها للحم و حتى صيدها و إفتراسها لفصائل أخرى و أكلها بني جنسها أيضا[26]. تعتبر معدة فرس النهر غير ملائمة لهضم اللحم، و لذلك فهي لا تقدم على أكله إلا بحال تعرضت لنقص في مخزونها الغذائي الطبيعي أو سلكت سلوكا شاذا.
تتغوط هذه الحيوانات في الماء عادة، و يشكّل برازها ترسبات من مواد عضوية في قاع النهر. و لا يزال العلماء غير مدركين تماما للدور البيئي الذي تلعبه هذه الترسبات[27] ، و لأفراس النهر تأثير بارز على الأراضي التي تمشي عليها كل يوم عندما تخرج للإقتيات و ذلك بسبب عادتها في المشي على نفس الدروب كل يوم مما يساهم بتعرية الأراضي من النباتات و تمهيدها، كما و يمكن لهذه الحيوانات أن تحوّل مجرى المستنقعات و القنوات عبر فترة طويلة من الزمن[28].
تعتبر أفراس النهر الناضجة بأنها غير قادرة على الطوفان على سطح الماء إجمالا، و عوضا عن ذلك فهي تقوم بدفع أنفسها من القاع عبر القفز و دفع أنفسها إلى أعلى عندما تخوض في المياه العميقة، و تتحرك أفراس النهر في الماء بسرعة تصل إلى 8 كيلومترات بالساعة (5 أميال بالساعة). تعتبر صغار فرس النهر بأنها قادرة على الطوفان و غالبا ما تتحرك في الماء عن طريق السباحة عبر دفع نفسها بركلات من قوائمها الخلفية. تطفو أفراس النهر الناضجة كل 4 أو 6 دقائق لتتنفس أما الصغار فعليها أن تتنفس كل دقيقتين أو ثلاثة، و تحصل عملية التنفس و الطوفان بشكل ألي دون الحاجة ان يقوم بها الحيوان بنفسه حيث يلاحظ أن حتى فرس النهر النائم تحت المياه يطفو من تلقاء نفسه دون أن يقدم عل أي حركة. يغلق فرس النهر منخريه عندما يغطس، ومن القصص المميزة عن أفراس النهر قصة فرس النهر الصغير المسمى أوين و الذي نجا بعد أن قذف إلى البحر و وجد على حيّد رملي عند ضرب موجة التسونامي لإندونيسيا خلال عام 2004.[29]
لطالما كانت دراسة التفاعل بين ذكور و إناث أفراس النهر تعتبر صعبة في البرية و ذلك عائد إلى أن هذه الحيوانات لا تمتلك فروقا بين الجنسين و بالتالي لا يمكن تمييز الإناث من الذكور الصغيرة في السن تقريبا[30]. لا تعتبر أفراس النهر بأنها حيوانات إجتماعية على الرغم من أنها تعيش في مجموعات، كما و يبدو بأنها لا تشكل روابط إجتماعية سوى بين الأمهات و بناتها. و لا يزال سبب عيش هذه الحيوانات في مجموعات متراصّة غير معلوما حتى الأن.
تعتبر أفراس النهر حيوانات إقليمية في المياه فقط حيث يقوم كل ذكر بالإستئثار و رئاسة بقعة صغيرة من النهر يبلغ طولها إجمالا 250 مترا و تحوي قرابة عشرة إناث بينما يحوي القطيع بكامله قرابة 100 رأس. يسمح الذكر المسيطر للذكور العازبة بدخول منطقته طالما أنها تتصرف بخضوع نحوه و لا تحاول إجتذاب أي أنثى، و تتجمع أفراس النهر بداخل القطيع بناء على جنسها فالذكور العازبة تبقى قرب غيرها من الذكور العازبة و الإناث بجانب غيرها من الإناث بينما يبقى الذكر المسيطر وحده، أما عندما ترعى هذه الحيوانات فإن كلا منها يقوم بهذا بمفرده.
يظهر بأن أفراس النهر تتواصل شفهيا بواسطة الجأر و النفخ بأنوفها، كما يعتقد بأنها تتواصل بطريقة إرتداد الصوت كالخفافيش إلا أن الهدف من هذه الأصوات لا يزال غير معلوم حاليا. و تمتلك أفراس النهر قدرة مميزة تمكنها من رفع رأسها جزئيا فوق المياه و إصدار نداء ينتقل عبر الهواء و الماء على حد سواء فتتجاوب معها باقي الأفراس سواء كانت تحت الماء أم فوقها.[31]
تصل إناث فرس النهر إلى النضوج الجنسي عند بلوغها 5 أو 6 سنين، و تستمر فترة حملها لثمانية شهور. وقد أظهرت بعض الدراسات أن الإناث قد تصل إلى فترة البلوغ عندما تبلغ 3 أو 4 سنوات[32] بينما تصل الذكور لتلك الفترة عند بلوغها حوالي 7.5 سنين.
أظهرت دراسة جرت في أوغندا حول سلوك التكاثر عند أفراس النهر بأن التزاوج يبلغ ذروته عند نهاية الفصل الممطر في الصيف بينما تبلغ الولادات ذروتها عند بداية الفصل الممطر في أواخر الشتاء، و سبب هذا الأمر يعود إلى توقيت الدورة النزويّة عند الأنثى، وقد ظهرت بعض الدلائل من دراسات حول أفراس النهر في زامبيا و جنوب إفريقيا على أن الولادات تحصل في بداية موسم الأمطار. تتوقف الإناث عن الإباضة، بعد أن تحمل، لفترة 17 شهرا.
تحصل عملية المجامعة في المياه حيث تكون الأنثى مغمورة معظم الوقت و لا تظهر رأسها إلا بعض الأوقات لتتنفس. تعتبر أفراس النهر من الثدييات القلائل التي تلد في المياه، و تشمل هذه الطائفة الحيتانيات و الخيلانيات (خراف البحر و الأطوم). تلد الأنثى صغيرا واحدا (و نادرا توائم) تحت الماء و يبلغ وزن الصغير ما بين 25 و 45 كيلوغراما (60 - 110 أرطال) وقد يصل طوله إلى حوالي 127 سنتيمترا (50 إنش) و يكون عليه السباحة إلى السطح فورا لكي يتنفس. يستريح الصغير على ظهر أمه غالبا عندما تكون الأخيرة في مياه عميقة يصعب على الصغير خوضها، كما و يسبح تحت الماء عندما يريد أن يرضع كما قد يقوم بذلك على البر عندا تخرج الأم من المياه. تبدأ الأمهات بفطم صغارها ما بين شهرها السادس و الثامن و تفطم جميع الصغار بالكامل عندما تبلغ السنة من عمرها. تعتبر أفراس النهر من الحيوانات التي تفضل النوعية على الكمية بالنسبة لتكاثرها، و التعبير المستخدم بالإنكليزية هو "كي ستراتجيستس أو كي سيليكشون، K-strategists أو K-selection" و هذا التعبير يستخدم بالنسبة للحيوانات الكبيرة التي تلد عددا قليلا من الصغار عبر فترة طويلة نسبيا من الزمن من شاكلة الأفيال و وحيد القرن و الحيتان.[16][33]
تكون أفراس النهر البالغة عدائية تجاه التماسيح التي تشاركها العيش في نفس البرك و الأنهار، و تبلغ هذه العدائية ذروتها عندما يكون لأفراس النهر صغار تحميها. و يعرف عن هذه الحيوانات بأنها عدائية جدا تجاه البشر أيضا حيث يزعم بأنها أخطر حيوانات إفريقيا و أكثرها تسببا للوفيات، إلا أنه و بحسب تقرير أوردته إحدى المجلات الحكومية الأميركية فإنه و على الرغم من أن هذه الحيوانات خطرة فإن الإحصائات حول عدد الوفيات التي سببتها أفراس النهر غير متوافرة فعليا.[34]
تقوم أفراس النهر بهزّ ذيلها عند التغوّط لتبعثر برازها على أكبر مسحة ممكنة لكي تعلّم منطقتها[35]، كما تبوّل إلى الخلف للسبب نفسه على الأرجح[36]. من النادر أن تقتل أفراس النهر بعضها حتى خلال الصراعات الإقليمية، و عادة ما يتوقف الذكر الإقليمي أو الذكر المسيطر و الذكر المتحدي العازب عن القتال عندما يتبين أيهما أقوى من الأخر. تقوم ذكور فرس النهر بقتل الصغار عندما يصبح القطيع مكتظا جدا أو عندما يتضائل مسكنها بشكل كبير كما في فترات الجفاف الطويلة، وقد تقوم الإناث أيضا بقتل الذكور لتحمي صغارها إلا أن كلا التصرفين لا يعتبر طبيعيا في الفترات العاديّة.[33]
ظهرت الدلائل الأولى حول تفاعل البشر مع أفراس النهر من الرسومات الصخرية و المنحوتات في جبال أواسط الصحراء الكبرى، و إحدى هذه الرسومات تلك الموجودة في جبال طاسيلي ناجّر في الجزائر و التي تظهر عملية صيد لأفراس النهر. كان فرس النهر معروفا بشكل جيد عند الفراعنة أيضا حيث كان يعتبر بأنه قاطن النيل الشرس، و كانت الإلهة المصرية إيبة، إلهة الحمل و الولادة، ذات رأس فرس نهر، و لعل المصريين القدماء لاحظوا الطبيعة الدفاعيّة لأنثى فرس النهر التي تقوم بحماية صغارها مما جعلهم يمثلونها بهذه الطريقة.[37]
كانت أفراس النهر معروفة أيضا بالنسبة للمؤرخين القدماء من الحضارتين الرومانية و الإغريقية حيث قام المؤرخ الإغريقي هيرودوتس بوصف أفراس النهر في كتابه التواريخ (440 ق.م) كما فعل المؤرخ الروماني بليني الأكبر في موسوعته التاريخ الطبيعي (77 م.).[38][39]
تعتبر أفراس النهر من الحيوانات الشائعة في حدائق الحيوان، و كان أول فرس نهر يعرض في حديقة للحيوانات في عصرنا الحاضر يدعى أبسكه وقد وصل إلى حديقة حيوانات لندن بتاريخ 25 مايو 1850 و إجتذب حوالي 10,000 زائر بالنهار الواحد و أوحى بكتابة أغنية بريطانية شهيرة هي رقص فرس النهر[40]. لا تزال أفراس النهر تعتبر حيوانات مألوفة في حدائق الحيوانات وهي تتناسل بشكل جيد في الأسر، إلا أن معدل ولاداتها أقل من ذاك في البريّة و ذلك يعود إلى عدم رغبة الحدائق بإكثارها بشكل كبير لأنها حيوانات ضخمة و تتطلب تغذيتها و الحفاظ عليها الكثير من المصاريف.[16][40]
ولدت معظم أفراس النهر الموجودة في حدائق الحيوانات اليوم في الأسر، و هناك ما يكفي منها في الحدائق حول العالم لدرجة أن إحضار أي حيوانات جديدة من البريّة يعتبر غير ضروريا إن تعاونت حدائق الحيوانات مع بعضها و تبادلت الحيوانات للحفاظ على التنوع الجيني للفصيلة.
كانت أفراس النهر تعرض كالكثير من الحيوانات الأخرى في حدائق الحيوانات في معرض من الإسمنت يضاف إليها بركة ماء و بقعة من العشب، وفي الثمانينات من القرن العشرين أخذ المصممين يعملون على بناء معارض تعكس مسكن الحيوانات الأصلي و أحد أكثر المعارض المعروفة لدى الناس هو حوض فرس النهر في حديقة حيوانات توليدو الذي يحوي بركة سعتها 360,000 غالونا من المياه[41]. إستطاع الباحثون في عام 1987 أن يقوموا بتصوير ولادة فرس نهر تحت الماء لأول مرة في حديقة الحيوانات ذاتها[42]، و كان المعرض قد أصبح مشهورا لدرجة كبيرة بين الأفراد مما جعل الحديقة تتخذه كشعار لها.
كان فرس النهر معروفا عند الرومان و الإغريق حيث دعوه بوحش النيل، و كان المصريين القدامى يعبدون الأله ذو هيئة فرس النهر المسمّى سيت و الذي كانو يمثلونه على هيئة فرس نهر أحمر كما كان لرفيقة سيت إيبة رأس فرس نهر[43]، كما و يعتقد أن البهيمة التي ذكرت في سفر أيوب ( 40: 15-24 ) هي فرس نهر[44]. كما و أصبحت أفراس النهر حيوانات مشهورة في الحضارة الغربية منذ أن أوحى أبسكه بقصة رقص فرس النهر، و ظهرت في العديد من القصص و الرسوم المتحركة.