العبدلاويون المعنيون
، يسمون سابقا بأولاد بن عبد الله معن الأندلسي نسبة إلى جدهم محمد بن عبد الله معن الأندلسي و اليوم بعائلة العبدلاوي معن الأندلسي، وبيتهم من أكبر البيوتات العلمية الأندلسية التي استوطنت الحاضرة الفاسية حاملة معها إرث تلك الحضارة الممتدة طيلة الثمانية قرون منذ الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الإبيرية حتى سقوط غرناطة في عهد أبو عبد الله محمد الصغير آخر أمراء بني الأحمر.
ينحدر نسب عائلة العبدلاوي معن من عقب أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي مؤسس دولة الموحدين ومن أبناءه الذين استقروا في الأندلس حكاما للولايات الخاضعة لنفوذ دولتهم.
هاجر العبد لاويون إلى بلاد العدوة بعد سقوط الأندلس حاملين معهم ثروة أجدادهم واستقروا بفاس الملاذ الآمن لكبرى العائلات في المغرب و الأندلس ومارسوا التجارة كنشاط أساسي و ملكوا المزارع و الأصول فكان لهم في هذه الحاضرة العديد من الدور التي سكنها بنوهم والتي كان ينتفع من عائدات أكريتها. وقد كان من هذه العائلة العديد من الشيوخ العلماء و الأساتذة الأفاضل الذين لعبوا الدور الفعال في نشر العلم و تلقين المسلمين مبادئ الدين.ولهم بفاس زاوية تنسب إليهم, وبها اشتهر أجدادهم محمد بن عبد الله معن الأندلسي وابنه أحمد بن عبد الله معن الأندلسي وابن سيدي أحمد وهو سمي جده محمد بن أحمد بن عبد الله معن الأندلسي وكذا محمد العربي بن أحمد بن عبد الله معن الأندلسي و بعده ابنه أبو محمد عبد الله بن محمد العربي بن أحمد بن عبد الله معن الأندلسي وتعاقب ذلك واستمر حتى عهد الغالي بن محمد العبدلاوي معن و العربي بن أحمد العبدلاوي معن و سيدي عبد النبي بن علال العبدلاوي معن و أبو بكر بن عبد الكبير العبدلاوي معن و غيرهم من الأحفاذ المتقدمين و المتأخرين.
إن المتتبع لتاريخ العلوم الصوفية في المغرب يجد أن العبدلاويون لعبوا الدور الأكبر في نشر الطرق الصوفية المهمة آنذاك,حيث عملوا على تلقين الطريقة القادرية بفاس بالإضافة إلى الطريقة الشاذلية فكانتا لهم, فقد أخذ الشيخ أبو المحاسن يوسف الفاسي الفهري الطريقة الشاذلية عن شيخه سيدي عبد الرحمان المجذوب و كان الوارث له,و لقنت الطريقة الشاذلية عند آل الفاسي منذ يوسف الفاسي و الذي استخلفه أخوه الشيخ أبو زيد عبد الرحمان و بقيت كذلك مدة سنين إلى أن ظهر بريق الشيخ أبي عبد الله محمد بن السيد محمد بن عبد الله معن الأندلسي ابن أحد تجار فاس و أعيانها و قد كان لأبيه بفاس تجارة مهمة و ثروة ومال عريض ورثه عنه من بعده, وبعد عبد الرحمان الفاسي أخذ سيدي محمد بن عبد الله معن الأندلسي مشعل العلوم حيث اجتمعت الأمة على كونه وارث سر الشيخ عبد الرحمان ،فأذن له للإنتصاب للدلالة على الله,و قد أتاه الطلبة من كل أرض,فعظم شأنه و اشتدت شوكته و داع صيته و بلغ بذلك المكانة الكبرى عند أصحاب الزمان ،فلم يزده ذلك إلا زهدا و ورعا و سيرا على طريقة السلف,و بعدها شرع في بناء زاويته التي بأقصى حومة المخفية وبها تسمى حي رأس الزاوية من بعد ذلك,فتصدى لدلالة الخلق على الله و تخرج على يده العديد من العلماء و الطلبة فلا طالبا للطريقة الشاذلية من بعده إلا و قد أخذها عنه أو عن عقبه. وبعد وفاته رحمه الله ترك العديد من البنين و البنات من بينهم ابنه البار أبو العباس احمد الذي كان من أتباع أبيه فلم يستطع أن ينال إرث أبيه من حمل مشعل الشاذلية فاتفق العامة على أن وريث سر الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الله معن الأندلسي إنما هو صاحبه الشيخ الصوفي سيدي قاسم الخصاصي الذي كان من أتباع شيخه و قد لازمه مدة سنين فتصدى الشيخ سيدي قاسم للدلالة على الله في الزاوية العبدلاوية مدة وقد لازمه تلميذه المخلص أبي العباس أحمد ابن الشيخ أبي عبد الله محمد, و بعد وفاة الشيخ سيدي قاسم أحاط خليفته و وارث سره الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله معن الأندلسي بإرثه واسترجع بذلك الولاية إلى بيت العبدلاويين ،فقام بإصلاح زاوية أبيه وتصدى للدلالة على الله بها,فانتفع به خلق كثير و تخرج على يده العلماء الأجلاء منهم السادة القادريون مولاي عبدالسلام بن الطيب القادري الحسني و أخوه سيدي محمد العربي وكذا السادة أبناء الوزير الغساني الأندلسي أحمد و أخوه عبد الوهاب و كذا السادة الفاسيون الفهريون منهم السيد محمد المهدي.وفي خلال فترة أبي العباس أحمد أقبل على الزاوية طلبة من سوس و تادلا و الريف و جميع الجهات فكانوا يقيمون بها ،ويتقوتون مما يقدم للطلبة بها ومنهم من كان يجلب أسرته معه من بلاد سوس أو تادلا كالشيخ المعداني ،و كان منهم من تقلد مناصب مهمة في دولة السلاطين العلويين المولى إسماعيل وكذا حفيذه المولى محمد بن عبد الله. لقد استطاع سيدي أحمد بن عبد الله معن الأندلسي أن يجمع الكثير من الأتباع و الأشياع وداع صيته بذلك إلى أن بلغ دار الحكم, مما جعله محط اهتمام أصحاب الزمان,و قد كان يسلم له أهل وقته و يحترمونه كثيرا و كانت لهم به معرفة كبيرة فلا يجرؤ أحد على التكابر أمامه أمثال القائد الروسي المكنى بسفاح العلماء لما ألحق من بطش بالعلامة عبد السلام جسوس في قضية الحراطين, فقد كان الروسي يتفادى التصادم مع الشيخ أبي العباس أحمد و يشخى شوكته فكان دائما يخلوا سبيله ولا يحايله. لقد كانت للشيخ أبي العباس أحمد بن عبد الله علاقة كبيرة مع السلطان المعظم المولى إسماعيل العلوي الحسني ، وابتدأت تلك العلاقة منذ أن بعث السلطان المولى إسماعيل كتابا إلى الشيخ أبي العباس أحمد عن طريق وزيره أبي الربيع سليمان بن عبد القادر الزرهوني يطلب منه النصح و الإرشاد و الدعاء,فرفض الشيخ أبي العباس الجواب و تكرر ذلك مرات إلى أن يإس صبر السلطان المولى إسماعيل من رد الشيخ ،فرد عليه بكتاب ثان كتب فيه عبارة "يا سبحان الله" مرات عديدة فلم ينل بذلك جوابا ،فثار السلطان في و جه الوزير أبي الربيع و هدده بالقتل و التعذيب إن لم يتمكن من إقناع الشيخ أبي العباس بالرد انحناء عند رغبته فهو الذي يقهر معارضيه و لا يجعل لهم الأثر و قد حدث له ذلك مع الكثير من العلماء.و بعد قرار السلطان الإنتقام من الوزير في حالة غياب الرد ،استنجد هذا الأخير بالشيخ ابي العباس أحمد و رجاه بأن يرد على الكتاب حفظا لحياته ،فرد الشيخ بكتاب كان مطلعه : "بلغني من الجواب خوف الفتنة ،فمن توجه إليه السلاطين توجهت إليه الناس من كل البقاع ،فإن كان طالبا للدنيا فتنوه عن دنياه ،وإن كان طالبا للآخرة فتنوه عن آخرته...". وبعد وقوع هذا الجواب اطمأن السلطان من جانب الشيخ و بلغ في نفسه المرتبة العليا,خصوصا وانه تأكد من خصوصية هذا الشيخ و من صدق نيته ومن اخلاص دعوته إلى الله ،بعيدا عن كل الأطماع من بينها الإنتهازية لنيل المناصب العليا في دار الحكم أو السعي إلى ادراك الإمتيازات الكبرى لتحقيق المصلحة الشخصية,فكان ذلك بعيدا عن نفس أبي العباس و عن جميع العبدلاويين من بعده ،حيث ظلوا بعيدين عن كل ما قد يشوب صفاء دعوتهم و يخرجهم مما حصلوه عن أجدادهم من دين و خير.فقد أبى الشيخ أبي العباس دعوة السلطان المولى إسماعيل ،ليس على شيء غير انه لا يريد أن تبعده الدنيا و السلطة عن الدلالة على الله ليس كما قال آخرون أنه كان من المعارضين لنظامه, فنجد أنه ممن يعترف و يقر و يثبت شرف السادة العلويين كما جاء في كتاب الإستقصا للناصري بالحرف "وعن الشيخ أبي العباس أحمد بن عبد الله بن معن الأندلسي أنه كان يقول ما ولي المغرب بعد الأدارسة أصح نسبا من شرفاء تافيلالت. وبالجملة فإن شرف هؤلاء السادة السجلماسيين مما لا نزاع في صراحته ولا خلاف في صحته عند أهل المغرب قاطبة بحيث جاوز حد التواتر بمرات ونفعنا بهم وبأسلافهم آمين.".من خلال هذا نال الشيخ أبي العباس مكانة رفيعة في قلب السلطان و باء بذلك المكانة الرفيعة عند أهل وقته. لقد كانت حيات الشيخ أبي العباس مليئة بالجد و الإجتهاد و السعي في نشر العلم و قد تبحر في ذلك ،ومنه التقاؤه بالشيخ الكبير سيدي أحمد اليمني وقد كان هذا الأخير من أهل الطريقة القادرية ،فأحسن إليه و بوأه مكانة رفيعة في زاويته ،و جعل له مقاما في حي رأس الزاوية حبسا عليه و على عائلته يقيم فيها و تكون لأبنائه و ذريته من بعده, و قد كان ذلك إلى اليوم. بظهور الشيخ اليمني أصبحت الزاوية العبدلاوية محط أنظار طلبة الطريقة القادرية خصوصا و أنه كان ممن أذن له بالتصدي لتلقينها ، فعرفت الزاوية بذلك شهرة كبيرة و قصدها الطلبة من كل الأرجاء و تخرج منها العلماء و الشيوخ. لقد توفي الشيخ سيدي أحمد بن محمد بن عبد الله معن الأندلسي يوم الإثنين ثالث جمادى الأولى عام 1120هـ, و ارتجت هذه المدينة لموته ارتجاجا و دفن بقبة والده, رأسه عند رجليه خارج باب الفتوح و خلف وراءه ذرية صالحة ممن اتبعوا نهجه و ساروا على طريقه و تخلقوا بخلقه فقد كان من أبنائه ولدان أولهما الشيخ الكبير سمي جده سيدي محمد بن أحمد بن عبد الله معن الأندلسي وكذا الشيخ سيدي محمد العربي بن أحمد بن عبد الله معن الأندلسي وهو ممن وقع له الفتح على يد أبيه ، ولد رحمه الله يوم الأربعاء تاسع ذي القعدة 1079هـ-1668م،و ترعرع في بيئة يغلب عليها طابع العلم و التدين و الزهد و الورع ،و قد أخذ عن أبيه الطريقة الشاذلية كما أخذ عن الشيخ بنعجيبةالطريقة القادرية و ألحق اسمه في فهرسته ممن أخذها عنه فقيل فيه مجمع البحور بحر القادرية و بحر الشاذلية. لقد أحاط الشيخ سيدي محمد العربي بإرث أبيه الروحي و حمل مشعل العلم من بعده و لقن طريقته للعامة وأضاف عنها إضافات مما أخذه من الطريقة القادرية و اجتهد في ذلك ،فداع صيته و قصده الطلبة من كل مكان و عرفت الزاوية في عهده نهضة كبيرة ،فقد كان له من الأتباع و الأشياع الكثير ممن داع صيتهم من بعده و علا شأنهم في الطريق ،فقد كان اتصاله مفخرة عند العلماء و كانت استشارته مرغوبة عند كل طالب حاجة أو السائر في مسار ، وقد تخرج على يده الكثير من الشيوخ و الأقطاب منهم الولي العارف سيدي علي الجمل العمراني الحسني ،فقد لازمه هذا الأخير مدة 16 سنة إلى أن توفي رحمه الله و أخذ منه و انتفع به و فتح الله له على يده فبلغ بذلك الشأن العظيم ،كانت حياته مليئة بالجد و الإجتهاد على نهج سلفه الصالح و قد عاصر العديد من الأحداث التي مر بها المغرب آنذاك ،وبعد وفاته رحمه الله ورثه ابنه البار الشيخ الولي الصالح سيدي عبد الله بن محمد العربي بن أحمد بن عبد الله معن الأندلسي ،فسار في طريق أبيه و جده امتدادا لرابع الأجيال ،وقد كان له الشأن الكبير في الطريقة ،فقد انتفع به العديد من الشيوخ الكبار أمثال الشيخ التاودي بنسودة و الشيخ سيدي أحمد التيجاني صاحب الطريقة التيجانية.
وتوجد لعائلة العبدلاوي معن بفاس مراقدهم العائلية التي اتخذوها للدفن وهي بخارج باب الفتوح والتي بها قبة جدهم أبي عبد الله محمد بن عبد الله معن الأندلسي وبجانبه داخل القبة مرقد ابنه الشيخ أبي العباس أحمد وكذا سائر أبنائه و بناته وأحفاذه وأزواجه وكذا أصهاره وبعض أصحابه وهي باقية إلى الآن تطل على المدينة من أعلى هضبة ويسلان حيث مقبرة العلماء الشهيرة.
أرخ فيهم كبار مؤرخي عصرهم كالعلامة مولاي عبدالسلام بن الطيب القادري الحسني (ق10ه)الذي ألف فيهم العديد من المجلدات ككتابه المقصد الأحمدي والذي تطرق فيه لسيرة شيخه أبي العباس أحمد بن عبد الله معن الأندلسي كما اقتصر عليهم وخصهم بالذكر أكابر شيوخ الأسرة الفاسية الفهرية الذين ألفوا فيهم العديد من الكتب و القصائد.