→ كتاب الصيام (تتمة مسألة 762) | ابن حزم - المحلى كتاب الصيام (مسألة 763 - 770) المؤلف: ابن حزم |
كتاب الصيام (مسألة 771 - 774) ← |
كتاب الصيام
763 - مسألة : ومن أقام من قبل الفجر ولم يسافر إلى بعد غروب الشمس في سفره فعليه إذا نوى الإقامة المذكورة أن ينوي الصوم ولا بد ، سواء كان في جهاد ، أو عمرة ، أو غير ذلك ، لأنه إنما ألزم الفطر إذا كان على سفر وهذا مقيم ؛ فإن أفطر عامدا فقد أخطأ إن كان جاهلا متأولا ، وعصى إن كان عالما ولا قضاء عليه ؛ لأنه مقيم صحيح ظن أنه مسافر ؛ فإن نوى من الليل وهو في سفره أن يرحل غدا فلم ينو الصوم فلما كان من الغد حدثت له إقامة فهو مفطر ؛ لأنه مأمور بما فعل ، وهو على سفر ما لم ينو الإقامة المذكورة وهذا بخلاف الصلاة ؛ لأن النص ورد في الصلاة بقصر عشرين يوما يقيمها في الجهاد ، وبقصر أربعة أيام يقيمها في الحج . وبقصر ما يكون فيه من الصلوات مقيما ما بين نزوله إلى رحيله من غد ، ولم يأت نص بأن يفطر في غير يوم لا يكون فيه مسافرا . فإن قيل : قال الله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فهذا على سفر ؟ قلنا : لو كانت " على " في هذه الآية معناها ما ظننتم من إرادة السفر لا الدخول في السفر لوجب على من أراد السفر وهو في منزله أن يفطر وإن نوى السفر بعد أيام ؛ لأنه على سفر وهذا ما لا يشك في أنه لا يقوله أحد ؛ ويبطله أيضا أول الآية إذ يقول تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فوجب على الشاهد صيامه وعلى المسافر إفطاره لقول رسول الله ﷺ : { ليس من البر الصيام في السفر } ولقوله عليه الصلاة والسلام : { إن الله وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة } . فصح أنه ليس إلا مسافر أو شاهد ؛ فالشاهد يصوم والمسافر يفطر وليس المسافر إلا المنتقل لا المقيم ؛ فلا يفطر إلا من انتقل بخلاف من لم ينتقل ، ومن كان مقيما صائما فحدث له سفر فإنه إذا برز عن موضعه فقد سافر فقد بطل صومه وعليه قضاؤه ؛ وبالله تعالى التوفيق . فإن قيل : بل نقيس الصوم على الصلاة ؟ قلنا : القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ؛ لأنهم متفقون على أن قصر بعض الصلوات لا يقاس عليه قصر سائرها ، فإذا لم يجز عندهم قياس قصر صلاة على قصر صلاة أخرى فأبطل وأبعد أن يقاس فطر على فطر ؛ وأيضا فقد ينوي في الصلاة المسافر إقامة فينتقل إلى حكم المقيم ولا يمكن ذلك في الصوم ، فبطل على كل حال قياس أحدهما على الآخر - وبالله تعالى التوفيق .
764 - مسألة : والحيض الذي يبطل الصوم هو الأسود لقول النبي ﷺ { إن دم الحيض أسود يعرف } . وقوله عليه الصلاة والسلام : { فإذا جاء الآخر فاغتسلي وصلي } وقد ذكرناه في كتاب الحيض من الطهارة من ديواننا هذا فأغنى عن إعادته . وعن أم عطية ، وغيرها كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا .
765 - مسألة : وإذا رأت الحائض الطهر قبل الفجر أو رأته النفساء وأتمتا عدة أيام الحيض والنفاس قبل الفجر فأخرتا الغسل عمدا إلى طلوع الفجر ثم اغتسلتا وأدركتا الدخول في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس لم يضرهما شيئا وصومهما تام ؛ لأنهما فعلتا ما هو مباح لهما ؛ فإن تعمدتا ترك الغسل حتى تفوتهما الصلاة بطل صومهما ؛ لأنهما عاصيتان بترك الصلاة عمدا ، فلو نسيتا ذلك أو جهلتا فصومهما تام ؛ لأنهما لم يتعمدا معصية ؛ وبالله تعالى التوفيق .
766 - مسألة : وتصوم المستحاضة كما تصلي على ما ذكرنا في كتاب الحيض من ديواننا هذا فأغنى عن إعادته وبالله تعالى التوفيق .
767 - مسألة : ومن كانت عليه أيام من رمضان فأخر قضاءها عمدا ، أو لعذر ، أو لنسيان حتى جاء رمضان آخر فإنه يصوم رمضان الذي ورد عليه كما أمره الله تعالى فإذا أفطر في أول شوال قضى الأيام التي كانت عليه ولا مزيد ، ولا إطعام عليه في ذلك ؛ وكذلك لو أخرها عدة سنين ولا فرق إلا أنه قد أساء في تأخيرها عمدا سواء أخرها إلى رمضان أو مقدار ما كان يمكنه قضاؤها من الأيام لقول الله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } فالمسارعة إلى الله المفترضة واجبة . وقال الله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } وأمر النبي ﷺ المتعمد للقيء ، والحائض ، والنفساء : بالقضاء ؛ ولم يحد الله تعالى ولا رسوله ﷺ في ذلك وقتا بعينه ، فالقضاء واجب عليهم أبدا حتى يؤدى أبدا ، ولم يأت نص قرآن ولا سنة بإيجاب إطعام في ذلك فلا يجوز إلزام ذلك أحدا لأنه شرع والشرع لا يوجبه في الدين إلا الله تعالى على لسان رسوله ﷺ فقط . وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي سليمان . وقال مالك : يطعم مع القضاء عن كل يوم من الرمضان الآتي مدا مدا عددها مساكين إن تعمد ترك - القضاء ؛ فإن كان تمادى مرضه قضى ولا إطعام عليه - وهو قول الشافعي . قال أبو محمد : وروينا في ذلك عن السلف رضي الله عنهم أقوالا - : فروينا عن ابن عباس ، وأبي هريرة مثل قول مالك ، والشافعي . ورويناه أيضا عن عمر ، وابن عمر من طريق منقطعة ، وبه يقول الحسن ، وعطاء . وروينا عن ابن عمر من طريق صحيحة أنه يصوم رمضان الآخر ولا يقضي الأول بصيام ، لكن يطعم عنه مكان كل يوم مسكينا مدا مدا . وبه يقول أبو قتادة ، وعكرمة . وروينا عنه أيضا : يهدي مكان كل رمضان فرط في قضائه بدنة مقلدة . وروينا من طريق ابن مسعود يصوم هذا ويقضي الأول ولم يذكر طعاما - وهو قول إبراهيم النخعي ، والحسن ، وطاوس ، وحماد بن أبي سليمان ؟ قال علي : عهدنا بهم يقولون فيما وافقهم من قول الصاحب : مثل هذا لا يقال بالرأي ؛ فهلا قالوه في قول ابن عمر في البدنتين ؟
768 - مسألة : والمتابعة في قضاء رمضان واجبة لقول الله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } فإن لم يفعل فيقضيها متفرقة وتجزئه لقول الله تعالى : { فعدة من أيام أخر } ولم يحد تعالى في ذلك وقتا يبطل القضاء بخروجه . وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأبي سليمان - نعني أنهم اتفقوا على جواز قضائها متفرقة . واحتج من قال : بأنها لا تجزئ إلا متتابعة بأن في مصحف أبي " فعدة من أيام أخر متتابعات " . قال علي : روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال عروة : قالت عائشة أم المؤمنين : نزلت { فعدة من أيام أخر } متتابعات " فسقطت " متتابعات " . قال أبو محمد : سقوطها مسقط لحكمها ، لأنه لا يسقط القرآن بعد نزوله إلا بإسقاط الله تعالى إياه قال الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وقال تعالى : { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } وقال تعالى : { سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله } فإن قيل : قد يسقط لفظ الآية ويبقى حكمها كما كان في آية الرجم . قلنا : لولا إخبار النبي ﷺ ببقاء حكم الرجم لما جاز العمل به بعد إسقاط الآية النازلة به لأن ما رفع الله تعالى فلا يجوز لنا إبقاء لفظه ولا حكمه إلا بنص آخر .
769 - مسألة : والأسير في دار الحرب إن عرف رمضان لزمه صيامه إن كان مقيما ؛ لأنه مخاطب بصومه في القرآن ؛ فإن سوفر به أفطر ولا بد لأنه على سفر وعليه قضاؤه لما ذكر قبل ؛ فإن لم يعرف الشهر وأشكل عليه سقط عنه صيامه ولزمته أيام أخر إن كان مسافرا وإلا فلا . وقال قوم : يتحرى شهرا ويجزئه . وقال آخرون : إن وافق شهرا قبل رمضان لم يجزه ، وإن وافق شهرا بعد رمضان أجزأه ، لأنه يكون قضاء عن رمضان . قال علي : أما تحري شهر فيجزئه أو يجعله قضاء فحكم لم يأت به قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا رواية سقيمة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، وما كان هكذا فهو دعوى فاسدة لا برهان على صحتها . فإن قالوا : قسناه على من جهل القبلة . قلنا : هذا باطل ؛ لأن الله تعالى لم يوجب التحري على من جهل القبلة ؛ بل من جهلها فقد سقط عنه فرضها ، فيصلي كيف شاء . فإن قالوا : قسناه على من خفي عليه وقت الصلاة . قلنا : وهذا باطل ، أيضا ، لأنه لا يجزئه صلاة إلا حتى يوقن بدخول وقتها . قال أبو محمد : وبرهان صحة قولنا - : قول الله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فلم يوجب الله تعالى صيامه إلا على من شهده ، وبالضرورة ندري أن من جهل وقته فلم يشهده قال الله عز وجل : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وقال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } فمن لم يكن في وسعه معرفة دخول رمضان فلم يكلفه الله تعالى صيامه بنص القرآن ، ومن سقط عنه صوم الشهر فلا قضاء عليه ؛ لأنه صوم غير ما أمر الله تعالى به . فإن صح عنده بعد ذلك أنه كان فيه مريضا أو مسافرا فعليه ما افترض الله تعالى على المريض فيه والمسافر فيه وهو عدة من أيام أخر ، فيقضي الأيام التي سافر ، والتي مرض فقط ولا بد ؛ وإن لم يوقن بأنه مرض فيه أو سافر فلا شيء عليه - وبالله تعالى التوفيق .
770 - مسألة : - والحامل ، والمرضع ، والشيخ الكبير كلهم مخاطبون بالصوم فصوم رمضان فرض عليهم ، فإن خافت المرضع على المرضع قلة اللبن وضيعته لذلك ولم يكن له غيرها ، أو لم يقبل ثدي غيرها ، أو خافت الحامل على الجنين ، أو عجز الشيخ عن الصوم لكبره : أفطروا ولا قضاء عليهم ولا إطعام ، فإن أفطروا لمرض بهم عارض فعليهم القضاء . أما قضاؤهم لمرض فلقول الله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } . وأما وجوب الفطر عليهما في الخوف على الجنين ، والرضيع فلقول الله تعالى : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم } . وقال رسول الله ﷺ : { من لا يرحم لا يرحم } فإذ رحمة الجنين ، والرضيع : فرض ، ولا وصول إليها إلا بالفطر : فالفطر فرض ؛ وإذ هو فرض فقد سقط عنهما الصوم ، وإذا سقط الصوم فإيجاب القضاء عليهما شرع لم يأذن الله تعالى به ولم يوجب الله تعالى القضاء إلا على المريض ، والمسافر ، والحائض ، والنفساء ، ومتعمد القيء فقط ، { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } . وأما الشيخ الذي لا يطيق الصوم لكبره فالله تعالى يقول { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } فإذا لم يكن الصوم في وسعه فلم يكلفه . وأما تكليفهم إطعاما فقد قال رسول الله ﷺ : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } فلا يجوز لأحد إيجاب غرامة لم يأت بها نص ولا إجماع . قال أبو محمد : روينا عن إبراهيم أن علقمة جاءته امرأة فقالت له : إني حبلى وأنا أطيق الصوم وزوجي يأمرني أن أفطر ؟ فقال لها علقمة : أطيعي ربك وأعصي زوجك . وممن أسقط عنها القضاء - : روينا عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني وعبيد الله بن عمر كلاهما عن نافع أن امرأة من قريش سألت ابن عمر وهي حبلى ؟ فقال لها : أفطري وأطعمي كل يوم مسكينا ولا تقضي . ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني ، وقتادة كلاهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لأمة له مرضع : أنت بمنزلة { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } أفطري وأطعمي كل يوم مسكينا ولا تقضي . روينا كليهما من طريق إسماعيل بن إسحاق عن الحجاج بن المنهال عن حماد ، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال : تفطر الحامل التي في شهرها والمرضع التي تخاف على ولدها وتطعم كل واحدة منهما كل يوم مسكينا ولا قضاء عليهما . وبه يقول قتادة ، وهو ظاهر قول سعيد بن المسيب . وممن أسقط الإطعام كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : تفطر الحامل ، والمرضع في رمضان ويقضيانه صياما ولا إطعام عليهما . ومثله عن عكرمة ، وعن إبراهيم النخعي - وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان . وممن رأى عليهما الأمرين جميعا : عطاء بن أبي رباح فإنه قال : إذا خافت المرضع والحامل على ولدها فلتفطر ولتطعم مكان كل يوم نصف صاع ولتقض بعد ذلك - وهو قول الشافعي . قال أبو محمد : فلم يتفقوا على إيجاب القضاء ولا على إيجاب الإطعام فلا يجب شيء من ذلك ؛ إذ لا نص في وجوبه ولا إجماع ، وعهدنا بهم يقولون في قول الصاحب إذا وافقهم . مثل هذا لا يقال بالرأي ، فهلا قالوا هاهنا في قول ابن عمر في إسقاط القضاء ؟ وقد روينا عن ابن عباس مثل قولنا كما روينا عن إسماعيل بن إسحاق نا إبراهيم بن حمزة الزبيري نا عبد العزيز بن محمد هو الدراوردي عن حميد عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس أنه سئل عن مرضع في رمضان خشيت على ولدها فرخص لها ابن عباس في الفطر . قال علي : ولم يذكر قضاء ولا طعاما ، وقال مالك : أما المرضع فتفطر وتطعم عن كل يوم مسكينا وتقضي مع ذلك ، وأما الحامل فتقضي ولا إطعام عليها ، ولا يحفظ هذا التقسيم عن أحد من الصحابة والتابعين ؟ قال أبو محمد : احتج من رأى الإطعام في ذلك بقول الله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } . وذكروا ما رويناه من طريق حماد بن سلمة نا قتادة عن عكرمة قال : نزلت هذه الآية في الحبلى والمرضع ، والشيخ ، والعجوز . واحتج من رأى القضاء بما رويناه من طريق يزيد بن هارون عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم قال : { كان النبي ﷺ يرخص للحبلى ، والمرضع أن يفطرا في رمضان فإذا أفطمت المرضع ، ووضعت الحبلى جددتا صومهما } . قال علي : حديث عكرمة مرسل ؛ وحديث الضحاك فيه ثلاث بلايا ، جويبر وهو ساقط والضحاك مثله والإرسال مع ذلك ، لكن الحق في ذلك ما رويناه قبل في حكم الصوم في السفر من طريق سلمة بن الأكوع ، أن هذه الآية منسوخة . ومن طريق حماد بن زيد عن سلمة بن علقمة بن محمد بن سيرين عن ابن عباس أنه قرأ هذه الآية { فدية طعام مسكين } فقال : هي منسوخة ، فهذا هو المسند الصحيح الذي لا يجوز خلافه . والعجب كل العجب من هؤلاء القوم فإنهم يصرفون هذه الآية تصريف الأفعال في غير ما أنزلت فيه ، فمرة يحتجون بها في أن الصوم في السفر أفضل ، ومرة يصرفونها في الحامل ، والمرضع ، والشيخ الكبير ، وكل هذا إحالة لكلام الله تعالى ، وتحريف للكلم عن مواضعه ، وما ندري كيف يستجيز - من يعلم أن وعد الله حق - مثل هذا في القرآن وفي دين الله تعالى ؟ ونعوذ بالله من الضلال ؟ وأما الشيخ الكبير فإن أبا حنيفة أوجب عليه إطعام مسكين مكان كل يوم ، ولم ير مالك الإطعام عليه واجبا " . وقال الشافعي مرة كقول أبي حنيفة ، ومرة كقول مالك . قال أبو محمد : روينا من طريق إسماعيل عن علي بن عبد الله عن سفيان ، وجرير قال سفيان قال عمرو بن دينار : أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقرؤها ( وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين ) يكلفونه ولا يطيقونه . قال : هذا الشيخ الكبير الهرم والمرأة الكبيرة الهرمة لا يستطيع الصوم يفطر ويطعم كل يوم مسكينا . وقال جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس : مثله . قال علي : هذا صحيح عن ابن عباس ، وروينا عن علي بن أبي طالب أنه قال في الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم : إنه يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا ، وصح عن أنس أنه ضعف عن الصوم - إذ كبر - فكان يفطر ويطعم مكان كل يوم مسكينا ، قال قتادة : الواحد كفارة ، والثلاثة تطوع . ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الرحمن بن حرملة قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول في قول الله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } هو الكبير الذي عجز عن الصوم ، والحبلى يشق عليها الصوم ، فعلى كل واحد منهما إطعام مسكين عن كل يوم . وعن الحسن ، وقتادة في الشيخ الكبير ، والعجوز : أنهما يطعمان مكان كل يوم مسكينا . وعن عطاء ، والحسن ، وسعيد بن جبير مثل ذلك . وروي عن قيس بن السائب وهو من الصحابة مثل ذلك . وعن أبي هريرة أنه يتصدق عن كل يوم بدرهم . وعن مكحول ، وطاوس ، ويحيى بن أبي كثير فيمن منعه العطاش من الصوم : أنه يفطر ويطعم عن كل يوم مدا . قال أبو محمد : فرأى أبو حنيفة على الشيخ الذي لا يطيق الصوم لهرمه إطعام مسكين مكان كل يوم ، ولم يره على الحامل والمرضع . وأوجبه مالك على المرضع خاصة ، ولم يوجبه على الحامل ولا الشيخ الكبير ؛ وهذا تناقض ظاهر . واحتج بعض الحنفيين بأن الحامل والمرضع بمنزلة المريض والمسافر ؛ لأنهم كلهم أبيح لهم الفطر دون إطعام . قال علي : والشيخ كذلك وهو أشبه بالمريض ، والمسافر ، لأنه أبيح له الفطر من أجل نفسه كما أبيح لهما من أجل أنفسهما ؛ وأما الحامل والمرضع ؛ فإنما أبيح لهما الفطر من أجل غيرهما . قال علي : وأما المالكيون فيشنعون بخلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم . وقد خالفوا هاهنا : عليا ، وابن عباس ، وقيس بن السائب ؛ وأبا هريرة ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف . وخالفوا : عكرمة ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وقتادة ، وسعيد بن جبير ، وهم يشنعون بمثل هذا . قال أبو محمد : وأما نحن فلا حجة عندنا في غير النبي ﷺ . وأما الرواية عن ابن عباس : أنه كان يقرؤها ( وعلى الذين يطوقونه ) فقراءة لا يحل لأحد أن يقرأ بها ؛ لأن القرآن لا يؤخذ إلا عن لفظ رسول الله ﷺ فمن احتج بهذه الرواية فليقرأ بهذه القراءة وحاش الله أن يطوق الشيخ ما لا يطيقه . وقد صح عن سلمة بن الأكوع ، وعن ابن عباس نسخ هذه الآية كما ذكرنا في هذا الباب ، وفي باب صوم المسافر ، وأنها لم تنزل قط في الشيخ ، ولا في الحامل ، ولا في المرضع وإنما نزلت في حال وقد نسخت وبطلت . والشيخ ، والعجوز اللذان لا يطيقان الصوم فالصوم لا يلزمهما قال الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } وإذا لم يلزمهما الصوم فالكفارة لا تلزمهما ، لأن الله تعالى لم يلزمهما إياها ولا رسوله ﷺ والأموال محرمة إلا بنص أو إجماع ؟ والعجب كله من أن أبا حنيفة ، ومالكا ، والشافعي يسقطون الكفارة عمن أفطر في نهار رمضان عمدا وقصد إبطال صومه عاصيا ، لله تعالى بفعل قوم لوط ، وبالأكل ، وشرب الخمر عمدا وبتعمد القيء . نعم ، وبعضهم يسقط القضاء والكفارة عنه فيمن أخرج من بين أسنانه شيئا من طعامه فتعمد أكله ذاكرا لصومه ، ثم يوجبون الكفارة على من أفطر ممن أمره الله تعالى بالإفطار وأباحه له من مرضع خائفة على رضيعها التلف ، وشيخ كبير لا يطيق الصوم ضعفا ، وحامل تخاف على ما في بطنها ؛ وحسبك بهذا تخليطا ؛ ولا يحل قبول مثل هذا إلا من الذي { لا يسأل عما يفعل } وهو الله تعالى على لسان رسوله ﷺ .