الرئيسيةبحث

محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والأربعون


كتاب الصيام

754 - مسألة : قال علي : اختلف الناس في المجنون ، والمغمى عليه ؟ فقال أبو حنيفة : من جن شهر رمضان كله فلا قضاء عليه ، فإن أفاق في شيء منه - قضى الشهر كله . قال : ومن أغمي عليه الشهر كله فعليه قضاؤه كله ، فإن أغمي عليه بعد ليلة من الشهر - قضى الشهر كله إلا يوم تلك الليلة التي أغمي عليه فيها ؛ لأنه قد نوى صيامه من الليل . وقال مالك : من بلغ وهو مجنون مطبق فأقام وهو كذلك سنين ثم أفاق - : فإنه يقضي كل رمضان كان في تلك السنين ، ولا يقضي شيئا من الصلوات . قال : فإن أغمي عليه أكثر النهار فعليه قضاؤه ، فإن أغمي عليه أقل النهار فليس عليه قضاؤه . وقد روي عنه إيجاب القضاء عليه جملة دون تقسيم . وقال عبيد الله بن الحسن : لا قضاء على المجنون إلا على الذي يجن ويفيق ، ولا قضاء على المغمى عليه . وقال الشافعي : لا يقضي المجنون ، ويقضي المغمى عليه . وقال أبو سليمان : لا قضاء عليهم . قال أبو محمد : كنا نذهب إلى أن المجنون ، والمغمى عليه يبطل صومهما ولا قضاء عليهما ، وكذلك الصلاة . ونقول : إن الحجة في ذلك - : ما حدثناه عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك الخولاني ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب هو ابن خالد - عن خالد هو الحذاء - عن أبي الضحى عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { رفع القلم عن ثلاث : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل } وكنا نقول : إذا رفع القلم عنه فهو غير مخاطب بصوم ولا بصلاة . ثم تأملنا هذا الخبر - بتوفيق الله تعالى - فوجدناه ليس فيه إلا ما ذكرنا من أنه غير مخاطب في حال جنونه حتى يعقل ، وليس في ذلك بطلان صومه الذي لزمه قبل جنونه ، ولا عودته عليه بعد إفاقته ، وكذلك المغمى ، فوجب أن من جن بعد أن نوى الصوم من الليل فلا يكون مفطرا بجنونه ؛ لكنه فيه غير مخاطب ، وقد كان مخاطبا به ؛ فإن أفاق في ذلك اليوم أو في يوم بعده من أيام رمضان فإنه ينوي الصوم من حينه ويكون صائما ؛ لأنه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه . وهكذا من جاءه الخبر برؤية الهلال ، أو من علم بأنه يوم نذره أو فرضه على ما قدمنا قبل ، وكذلك من أغمي عليه كما ذكرنا ، وكذلك من جن أو أغمي عليه قبل غروب الشمس ، أو من نام ، أو سكر قبل غروب الشمس فلم يستيقظ ولا صحا إلا من الغد وقد مضى أكثر النهار ، أو أقله . ووجدنا المجنون لا يبطل جنونه إيمانه ، ولا أيمانه ولا نكاحه ولا طلاقه ، ولا ظهاره ولا إيلاءه ، ولا حجه ، ولا إحرامه ولا بيعه ، ولا هبته ، ولا شيئا من أحكامه اللازمة له قبل جنونه ، ولا خلافته إن كان خليفة ، ولا إمارته إن كان أميرا ولا ولايته ولا وكالته ، ولا توكيله ، ولا كفره ، ولا فسقه ، ولا عدالته ، ولا وصاياه ، ولا اعتكافه ، ولا سفره ، ولا إقامته ، ولا ملكه ، ولا نذره ، ولا حنثه ، ولا حكم العام في الزكاة عليه . ووجدنا ذهوله عن كل ذلك لا يوجب بطلان شيء من ذلك ، فقد يذهل الإنسان عن الصوم ، والصلاة ، حتى يظن أنه ليس مصليا ولا صائما ؛ فيأكل ، ويشرب ، ولا يبطل بذلك صومه ولا صلاته ، بهذا جاءت السنن على ما ذكرنا في الصلاة وغيرها ، وكذلك المغمى عليه ولا فرق في كل ذلك ، ولا يبطل الجنون والإغماء إلا ما يبطل النوم من الطهارة بالوضوء وحده فقط . وأيضا : فإن المغلوب المكره على الفطر لا يبطل صومه بذلك على ما نذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى ، والمجنون ، والمكره مغلوبان مكرهان مضطران بقدر غالب من عند الله تعالى ما أصابهما ، فلا يبطل ذلك صومهما . وأيضا : فإن من نوى الصوم كما أمره الله عز وجل ثم جن ؛ أو أغمي عليه فقد صح صومه بيقين من نص وإجماع ؛ فلا يجوز بطلانه بعد صحته إلا بنص أو إجماع ؛ ولا إجماع في ذلك أصلا - وبالله تعالى التوفيق . وأما من بلغ مجنونا مطبقا فهذا لم يكن - قط - مخاطبا ، ولا لزمته الشرائع ، ولا الأحكام ولم يزل مرفوعا عنه القلم ؛ فلا يجب عليه قضاء صوم - أصلا ؛ بخلاف قول مالك : فإذا عقل فحينئذ ابتدأ الخطاب بلزومه إياه ، لا قبل ذلك . وأما من شرب حتى سكر في ليلة رمضان وكان نوى الصوم فصحا بعد صدر من النهار أقله أو أكثره - أو بعد غروب الشمس - : فصومه تام ، وليس السكر معصية ، إنما المعصية شرب ما يسكر سواء سكر أم لم يسكر ، ولا خلاف في أن من فتح فمه أو أمسكت يده وجسده وصب الخمر في حلقه حتى سكر أنه ليس عاصيا بسكره ، لأنه لم يشرب ما يسكره باختياره ، والسكر ليس هو فعله ، إنما هو فعل الله تعالى فيه ، وإنما ينهى المرء عن فعله ، لا عن فعل الله تعالى فيه الذي لا اختيار له فيه . وكذلك من نام ولم يستيقظ إلا في النهار ولا فرق ؛ أو من نوى الصوم ثم لم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس ، فصومه تام . وبقي حكم من جن ، أو أغمي عليه أو سكر ، أو نام قبل غروب الشمس فلم يفق ولا صحا ولا انتبه ليلته كلها والغد كله إلى بعد غروب الشمس - : أيقضيه أم لا ؟ . فوجدنا القضاء إيجاب شرع ؛ والشرع لا يجب إلا بنص ، فلا نجد إيجاب القضاء في النص إلا على أربعة : المسافر ، والمريض - بالقرآن - والحائض ، والنفساء ، والمتعمد للقيء - بالسنة - ولا مزيد . ووجدنا النائم ، والسكران ، والمجنون المطبق عليه ليسوا مسافرين ولا متعمدين للقيء ، ولا حيضا ، ولا من ذوات النفاس ، ولا مرضى ؛ فلم يجب عليهم القضاء أصلا ، ولا خوطبوا بوجوب الصوم عليهم في تلك الأحوال ؛ بل القلم مرفوع عنهم - بالسنة . ووجدنا المصروع ، والمغمى عليه مريضين بلا شك ، لأن المرض هي حال مخرجة للمرء عن حال الاعتدال وصحة الجوارح والقوة إلى الاضطراب وضعف الجوارح واعتلالها ، وهذه صفة المصروع والمغمى عليه بلا شك ، ويبقى وهن ذلك وضعفه عليهما بعد الإفاقة مدة ؛ فإذ هما مريضان فالقضاء عليهما بنص القرآن - وبالله تعالى التوفيق . وليس قولنا بسقوط الصلاة عن المغمى عليه إلا ما أفاق في وقته منها وبقضاء النائم للصلاة - : مخالفا لقولنا هاهنا ؛ بل هو موافق ، لأن ما خرج وقته للمغمى عليه فلم يكن مخاطبا بالصلاة فيه ، ولا كان أيضا مخاطبا بالصوم ؛ ولكن الله تعالى أوجب على المريض عدة من أيام أخر ، ولم يوجب تعالى - على المريض : قضاء صلاة ، وأوجب قضاء الصلاة : على النائم ، والناسي ، ولم يوجب قضاء صيام على النائم ، والناسي بل أسقطه تعالى عن الناسي ، والنائم ؛ إذ لم يوجبه عليه . فصح قولنا - والحمد لله رب العالمين . وأما قول أبي حنيفة ففي غاية الفساد ؛ لأنه دعوى بلا برهان ، ولم يتبع نصا ، ولا قياسا ؛ لأنه رأى على من أفاق في شيء من رمضان من جنونه : قضاء الشهر كله ، وهو لا يراه على من بلغ ، أو - أسلم حينئذ . وقال بعض المالكيين : المجنون بمنزلة الحائض وهذا كلام يغني ذكره عن تكلف إبطاله ، وما ندري فيما يشبه المجنون الحائض

755 - مسألة : ومن جهده الجوع ، أو العطش حتى غلبه الأمر ففرض عليه أن يفطر ؛ لقول الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } . ولقول الله تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } . وقول الله تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } . ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } . فإن كان خرج بذلك إلى حد المرض فعليه القضاء ، وإن كان لم يخرج إلى حد المرض فصومه صحيح ولا قضاء عليه ؛ لأنه مغلوب مكره مضطر قال الله عز وجل : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } . ولم يأت القرآن ولا السنة بإيجاب قضاء على مكره ، أو مغلوب ؛ بل قد أسقط الله تعالى القضاء عمن ذرعه القيء وأوجبه على من تعمده

756 - مسألة : ولا يلزم صوم في رمضان ولا في غيره إلا بتبين طلوع الفجر الثاني ، وأما ما لم يتبين فالأكل والشرب والجماع مباح كل ذلك ، كان على شك من طلوع الفجر أو على يقين من أنه لم يطلع . فمن رأى الفجر وهو يأكل فليقذف ما في فمه من طعام أو شراب ، وليصم ، ولا قضاء عليه ؛ ومن رأى الفجر وهو يجامع فليترك من وقته ، وليصم ، ولا قضاء عليه ؛ وسواء في كل ذلك كان طلوع الفجر بعد مدة طويلة أو قريبة ، فلو توقف باهتا فلا شيء عليه ، وصومه تام ؛ ولو أقام عامدا فعليه الكفارة . ومن أكل شاكا في غروب الشمس أو شرب فهو عاص له تعالى ، مفسد لصومه ، ولا يقدر على - القضاء ؛ فإن جامع شاكا في غروب الشمس فعليه الكفارة - : برهان ذلك - : قول الله عز وجل : { فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل } وهذا نص ما قلنا ، لأن الله تعالى أباح الوطء والأكل والشرب إلى أن يتبين لنا الفجر ، ولم يقل تعالى : حتى يطلع الفجر ، ولا قال : حتى تشكوا في الفجر ؛ فلا يحل لأحد أن يقوله ، ولا أن يوجب صوما بطلوعه ما لم يتبين للمرء ، ثم أوجب الله تعالى التزام الصوم إلى الليل - : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد ثنا إبراهيم بن أحمد ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا عبيد الله بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله هو ابن عمر عن نافع والقاسم بن محمد بن أبي بكر ، قال القاسم : عن عائشة ، وقال نافع : عن ابن عمر ، قالت عائشة ، وابن عمر : { كان بلال يؤذن بليل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ؛ فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر } . وبه إلى البخاري : ثنا عبد الله بن مسلمة هو القعنبي - عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، قال : وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت } - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ [ ثنا عبد الوارث ] عن عبد الله بن سوادة بن حنظلة القشيري حدثني أبي أنه سمع سمرة بن جندب يقول : [ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ] : { لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور ، ولا هذا البياض حتى يستطير } . وكذلك حديث عدي بن حاتم ، وسهل بن سعد في الخيطين الأسود ، والأبيض فقال عليه السلام { إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار } . قال أبو محمد : فنص عليه السلام على أن ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يطلع الفجر ، وأباح الأكل إلى أذانه ، فقد صح أن الأكل مباح بعد طلوع الفجر ما لم يتبين لمريد الصوم طلوعه . وقد ادعى قوم أن قوله تعالى : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { حتى يطلع الفجر و حتى يقال له : أصبحت أصبحت } أن ذلك على المقاربة ، مثل قوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } إنما معناه فإذا قاربن بلوغ أجلهن ، قال أبو محمد : وقائل هذا مستسهل للكذب على القرآن وعلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . أول ذلك أنه دعوى بلا برهان ، وإحالة لكلام الله تعالى عن مواضعه ، ولكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقول عليه بما لم يقل ؛ ولو كان ما قالوا لكان بلال ، وابن أم مكتوم معا لا يؤذنان إلا قبل الفجر ، وهذا باطل لا يقوله أحد ، لا هم ولا غيرهم . وأما قوله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن } فإقحامهم فيه : أنه تعالى أراد فإذا قاربن بلوغ أجلهن - : باطل وكذب ، ودعوى بلا برهان ، ولو كان ما قالوه لكان يجوز له الرجعة إلا عند مقاربة انتهاء العدة ؛ ولا يقول هذا أحد ، لا هم ولا غيرهم ، وهو تحريف للكلم عن مواضعه ؛ بل الآية على ظاهرها ، وبلوغ أجلهن هو بلوغهن أجل العدة ، ليس هو انقضاءها ، وهذا هو الحق ؛ لأنهن إذا كن في أجل العدة كله فللزوج الرجعة ، وله الطلاق ؛ فبطل ما قالوه بيقين لا إشكال فيه . وقال بعضهم : { قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبلال : اكلأ لنا الفجر } موجب لصحة قولهم . قال أبو محمد : وهذا باطل لوجهين - : أحدهما : أنه عليه السلام لم يأمره بذلك إلا للصلاة ، لا للصوم . والثاني : أنه حتى لو أمره بذلك للصوم لكان حجة لنا لا لهم ؛ لأن الأكل ، والجماع : مباحان إلى أن ينذرهم بلال بطلوع الفجر ، وإنذاره إياهم بطلوع الفجر لا يكون إلا بعد طلوع الفجر بلا شك ؛ فالأكل ، والشرب ، والجماع : مباح كل ذلك ، ولو طلع الفجر ، وإنما يحرم كل ذلك بإنذار بلال بعد طلوع الفجر ؛ هذا ما لا حيلة لهم فيه ، وقولهم هنا خلاف للقرآن ولجميع السنن - : حدثنا حمام بن أحمد ثنا عبد الله بن محمد الباجي ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا حبيب بن خلف البخاري ثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ثنا روح بن عبادة ثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن { زر بن حبيش قال تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد ، فدخلت على حذيفة ، فأمر بلقحة فحلبت ، ثم أمر بقدر فسخنت ، ثم قال : كل . قلت : إني أريد الصوم ، قال : وأنا أريد الصوم ، فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد وقد أقيمت الصلاة ، فقال حذيفة : هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : بعد الصبح ؟ قال : بعد الصبح ؛ إلا أن الشمس لم تطلع } . حدثنا محمد بن سعيد بن نبات ثنا عبد الله بن نصر ثنا قاسم بن أصبغ ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود { عن زر بن حبيش قلت لحذيفة : أي وقت تسحرتم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : هو النهار ، إلا أن الشمس لم تطلع } . ومن طريق حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه } قال عمار : وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر . قال حماد عن هشام بن عروة : كان أبي يفتي بهذا ؟ وحدثنا حمام ثنا ابن مفرج ثنا ابن الأعرابي ثنا الدبري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة { عن أنس : أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تسحر هو وزيد بن ثابت ، وهو عليه السلام يريد الصوم ، ثم صلى الركعتين ، ثم خرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة } . قال أبو محمد : هذا كله على أنه لم يكن يتبين لهم الفجر بعد ؛ فبهذا تتفق السنن مع القرآن ؟ وروينا من طريق معمر عن أبان عن أنس عن أبي بكر الصديق أنه قال : إذا نظر الرجلان إلى الفجر فشك أحدهما فليأكلا حتى يتبين لهما . ومن طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن سالم بن عبيد قال : كان أبو بكر الصديق يقول لي : قم بيني وبين الفجر حتى تسحر ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة عن جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن سالم بن عبيد الأشجعي قال : قم فاسترني من الفجر ، ثم أكل . سالم بن عبيد هذا أشجعي كوفي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذه أصح طريق يمكن أن تكون ؟ وقد روينا من طريق وكيع وعبد الرزاق ، قال وكيع : عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر ، وقال عبد الرزاق : عن معمر عن أيوب السختياني عن أبي قلابة ، قالا جميعا : كان أبو بكر الصديق يقول : أجيفوا الباب حتى نتسحر الإيجاف : الغلق ومن طريق الحسن : أن عمر بن الخطاب كان يقول : إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا . ومن طريق حماد بن سلمة : ثنا حميد عن أبي رافع أو غيره عن أبي هريرة : أنه سمع النداء والإناء على يده فقال : أحرزتها ورب الكعبة ؟ ومن طريق ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : أحل الله الشراب ما شككت ؛ يعني في الفجر . وعن عكرمة قال : قال ابن عباس : اسقني يا غلام ، قال له : أصبحت ، فقلت : كلا ، فقال ابن عباس : شك لعمر الله ، اسقني ؟ فشرب . وعن وكيع عن عمارة بن زاذان عن مكحول الأزدي قال : رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين : أطلع الفجر ؟ قال أحدهما : قد طلع ، وقال الآخر : لا ؛ فشرب ابن عمر . وعن سعد بن أبي وقاص : أنه تسحر في رمضان بالكوفة ثم خرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة . وعن سفيان بن عيينة عن شعيب بن غرقدة عن حبان بن الحارث : أنه تسحر مع علي بن أبي طالب وهما يريدان الصيام ، فلما فرغ قال للمؤذن : أقم الصلاة ومن طريق ابن أبي شيبة ثنا جرير هو ابن عبد الحميد - عن منصور بن المعتمر عن شبيب بن غرقدة عن أبي عقيل قال : تسحرت مع علي بن أبي طالب ثم أمر المؤذن أن يقيم الصلاة . ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا أبو معاوية عن الشيباني هو أبو إسحاق - عن جبلة بن سحيم عن عامر بن مطر قال : أتيت عبد الله بن مسعود في داره ، فأخرج لنا فضل سحور ، فتسحرنا معه ، فأقيمت الصلاة ؛ فخرجنا فصلينا معه . ومن طريق حذيفة نحو هذا . ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا عفان بن مسلم ثنا شعبة { عن خبيب بن عبد الرحمن قال : سمعت عمتي - وكانت قد حجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن ابن أم مكتوم ينادي بليل ، فكلوا واشربوا حتى ينادي بلال ، وإن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ، قالت : وكان يصعد هذا وينزل هذا قالت : فكنا نتعلق به فنقول : كما أنت حتى نتسحر } . فحصل لنا من هذا الخبر أنهما كانا مؤذنين : أحدهما قبل الفجر بيسير ، أيهما كانا - : حينا هذا وحينا هذا - والآخر ولا بد بعد الفجر . وعن محمد بن علي بن الحسين : كل حتى يتبين لك الفجر . وعن الحسن : كل ما امتريت . وعن أبي مجلز : الساطع : ذلك الصبح الكاذب ، ولكن إذا انفضح الصبح في الأفق . وعن إبراهيم النخعي : المعترض الأحمر يحل الصلاة ويحرم الطعام . وعن ابن جريج : قلت لعطاء : أتكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدري لعلي قد أصبحت ؟ قال : لا بأس بذلك ، هو شك ؟ ومن طريق ابن أبي شيبة : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال : لم يكونوا يعدون الفجر فجركم ، إنما كانوا يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق . وعن أبي وائل : أنه تسحر وخرج إلى المسجد فأقيمت الصلاة وعن معمر : أنه كان يؤخر السحور جدا ، حتى يقول الجاهل : لا صوم له ؟ قال علي : وقد ذكرنا في باب " من تسحر فإذا به نهار وهو يظن أنه ليل " من لم ير في ذلك قضاء . فهؤلاء : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وعمه خبيب ، وزيد بن ثابت ، وسعد بن أبي وقاص ، فهم أحد عشر من الصحابة ، لا يعرف لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم . إلا رواية ضعيفة من طريق مكحول عن أبي سعيد الخدري ولم يدركه ؛ ومن طريق يحيى الجزار عن ابن مسعود ولم يدركه . ومن التابعين : محمد بن علي ، وأبو مجلز ، وإبراهيم ، ومسلم ، وأصحاب ابن مسعود ، وعطاء ، والحسن ، والحكم بن عتيبة ، ومجاهد ، وعروة بن الزبير ، وجابر بن زيد . ومن الفقهاء : معمر ، والأعمش . فإن ذكروا رواية سعيد بن قطن عن أبيه عن معاوية فيمن أفطر وهو يرى أنه ليل فطلعت الشمس : أن عليه القضاء ، وبالرواية عن عمر بمثل ذلك - : فإنما هذا في الإفطار عند الليل ، لا في الأكل شاكا في الفجر ، وبين الأمرين فرق ، ولا يحل الأكل إلا بعد يقين غروب الشمس ، لأن الله تعالى قال : { إلى الليل } فمن أكل شاكا في مجيء الليل فقد عصى الله تعالى ، وصيامه باطل ، فإن جامع فعليه الكفارة ، لأنه في فرض الصيام ، ما لم يوقن الليل ، بخلاف قوله : { حتى يتبين لكم الخيط الأبيض } لأن هذا في فرض الإفطار حتى يوقن بالنهار - وبالله تعالى التوفيق .

757 - مسألة : ومن صح عنده بخبر من يصدقه - من رجل واحد ، أو امرأة واحدة : عبد ، أو حر ، أو أمة ، أو حرة ، فصاعدا - أن الهلال قد رئي البارحة في آخر شعبان ففرض عليه الصوم ، صام الناس أو لم يصوموا ، وكذلك لو رآه هو وحده ، ولو صح عنده بخبر واحد أيضا - كما ذكرنا - فصاعدا : أن هلال شوال قد رئي فليفطر ، أفطر الناس أو صاموا ؛ وكذلك لو رآه هو وحده ؛ فإن خشي في ذلك أذى فليستتر بذلك - : حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى : قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر { عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنه ذكر رمضان فقال : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له } . وبه إلى مسلم : ثنا ابن المثنى ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا البختري عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : فإن غم عليكم فأكملوا العدة } . واختلف الناس في قبول خبر الواحد في ذلك - : فقال أبو حنيفة ، والشافعي بمثل قولنا في هلال رمضان ، ولم يجيزوا في هلال شوال إلا رجلين عدلين . قال أبو محمد : وهذا تناقض ظاهر . وقال مالك : لا أقبل في كليهما إلا رجلين عدلين . قال أبو محمد : أما من فرق بين الهلالين فما نعلم لهم حجة . وأما قول مالك فإنهم قاسوه على سائر الأحكام . قال أبو محمد : والقياس كله باطل ؛ ثم لو كان حقا لكان هذا منه باطلا ؛ لأن الحقوق تختلف - : فمنها عند المالكيين ما يقبل فيها شاهد ويمين ، ومنها ما لا يقبل فيه إلا رجلان ، أو رجل وامرأتان . ومنها ما لا يقبل فيه إلا رجلان فقط . ومنها ما لا يقبل فيه إلا أربعة . ومنها ما يسمح فيه حتى يجيزوا فيه النصراني والفاسق ، كالعيوب في الطب ، فمن أين لهم أن يخصوا بعض هذه الحقوق دون بعض بقياس الشهادة في الهلال عليه . ونسألهم عن قرية ليس فيها إلا فساق ، أو نصارى ، أو نساء وفيهم عدل يضعف بصره عن رؤية الهلال ؟ قال أبو محمد : فأما نحن فخبر الكافة مقبول في ذلك ، وإن كانوا كفارا أو فساقا ؛ لأنه يوجب العلم ضرورة . فإن قالوا : قد أجمع الناس على قبول عدلين في ذلك ؟ قلنا : لا ، بل أبو يوسف القاضي يقول : إن كان الجو صافيا لم أقبل في رؤية الهلال أقل من خمسين . فإن قالوا : كلامه ساقط ؟ قلنا : نعم ، وقياسكم أسقط . فإن قالوا : فمن أين أجزتم فيهما خبر الواحد ؟ قلنا : لأنه من الدين ؛ وقد صح في الدين قبول خبر الواحد ؛ فهو مقبول في كل مكان ، إلا حيث أمر الله تعالى بأن لا يقبل إلا عدد سماه لنا . وأيضا : فقد ذكرنا قبل هذا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أذان بلال { كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم } فأمر عليه السلام بالتزام الصيام بأذان ابن أم مكتوم بالصبح ، وهو خبر واحد بأن الفجر قد تبين . وحدثنا عبد الله بن ربيع ثنا عمر بن عبد الملك ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي ثنا مروان بن محمد عن عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى ابن عمر { عن ابن عمر قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني رأيته ، فصام وأمر الناس بصيامه } . وهذا خبر صحيح . وقد روينا من طريق أبي داود : ثنا الحسن بن علي ثنا حسين هو الجعفي - عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : { جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ؛ إني رأيت الهلال - يعني رمضان فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : نعم ، قال ؛ أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : قم يا بلال فأذن في الناس فليصوموا غدا } . قال أبو محمد : رواية سماك لا نحتج بها ولا نقبلها منهم ، وهم قد احتجوا بها في أخذ الدنانير من الدراهم ، فيلزمهم أن يأخذوها هاهنا ، وإلا فهم متلاعبون في الدين ؟ فإن تعلق من فرق بين هلال رمضان وهلال شوال بهذين الخبرين ، وقال : لم يرد إلا في هلال رمضان ؟ قلنا : ولا جاء نص قط بالمنع من ذلك في هلال رمضان ، وأنتم أصحاب قياس ، فهلا قستم هلال شوال على هلال رمضان ؟ فإن قالوا : إن الشاهد في هلال رمضان لا يجر إلى نفسه ، والشاهد في هلال شوال يجر إلى نفسه ؟ قلنا : فردوا بهذا الظن بعينه شهادة الشاهدين في شوال أيضا ؛ لأنهما يجران إلى أنفسهما ، كما تفعلون في سائر الحقوق . وأيضا : فإن من يكذب في مثل هذا لا يبالي قبل أو رد ؟ ونقول لهم : إذا صمتم بشهادة واحد ؛ فغم الهلال بعد الثلاثين ، أتصومون أحدا وثلاثين ؟ فهذه طامة ، وشريعة ليست من دين الله تعالى أم تفطرون عند تمام الثلاثين وإن لم تروا الهلال ؟ فقد أفطرتم بشهادة واحد وتناقضتم وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : فإن شغبوا بما روينا من طريق عباد بن العوام : ثنا أبو مالك الأشجعي ثنا حسين بن الحارث الجدلي - جديلة قيس { : أن أمير مكة وهو الحارث بن حاطب خطب فقال : عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ننسك لرؤيته ، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما } . وبما روينا من طريق أبي عثمان النهدي قال : { قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعرابيان فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمسلمان أنتما ؟ قالا : نعم فأمر الناس فأفطروا أو صاموا } . وعن الحارث عن علي : إذا شهد رجلان على رؤية الهلال أفطروا . وعن عمرو بن دينار قال : أبي عثمان أن يجيز شهادة هاشم بن عتبة أو غيره على رؤية الهلال . وعن عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن أبي وائل قال : كتب إلينا عمر - ونحن بخانقين : إذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان : لرأياه بالأمس . ؟ قلنا : أما حديث الحارث بن حاطب فإن راويه حسين بن الحارث وهو مجهول ؛ ثم لو صح لم يكن فيه حجة ، لأنه ليس فيه إلا قبوله اثنين ، ونحن لا ننكر هذا ، وليس فيه أن لا يقبل واحد ؟ وكذلك حديث أبي عثمان ، على أنه مرسل . وكذا القول في فعل علي سواء سواء . وقد يمكن أن يكون عثمان رضي الله عنه إنما رد شهادة هاشم بن عتبة لأنه لم يرضه ؛ لا لأنه واحد ؛ ولقد كان هاشم أحد المجلبين على عثمان رضي الله عنه . وأما خبر عمر : فقد صح عن عمر في هذا خلاف ذلك ، كما روينا من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي عبد الأعلى الثعلبي عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب : أن عمر بن الخطاب كان ينظر إلى الهلال ، فرآه رجل ، فقال عمر : يكفي المسلمين أحدهم ؛ فأمرهم فأفطروا أو صاموا - فهذا عمر بحضرة الصحابة ؟ وقد روينا أيضا : - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثل هذا ؛ وبه يقول أبو ثور . وأما قولنا : أنه يبنى على رؤيته فقد روينا عن عمر خلاف ذلك ؛ وهو أن من رآه وحده في استهلال رمضان فلا يصم ، ومن رآه وحده في استهلال شوال فلا يفطر - وبه يقول الحسن - : روينا ذلك من طريق معمر عن أبي قلابة : أن رجلين رأيا الهلال في سفر ؛ فقدما المدينة ضحى الغد ، فأخبرا عمر ، فقال لأحدهما : أصائم أنت ؟ قال : نعم ، كرهت أن يكون الناس صياما وأنا مفطر ، كرهت الخلاف عليهم ، وقال للآخر : فأنت ؟ قال : أصبحت مفطرا ؛ لأني رأيت الهلال ، فقال له عمر : لولا هذا - يعني الذي صام - لأوجعنا رأسك ، ورددنا شهادتك ؛ ثم أمر الناس فأفطروا . ومن طريق ابن جريج : أخبرت عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي : أن رجلا قال لعمر : إني رأيت هلال رمضان ، قال : أرآه معك أحد ؟ قال : لا قال : فكيف صنعت ؟ قال : صمت بصيام الناس ، فقال عمر : يا لك فيها . وهو قول عطاء : قال أبو محمد : ينبغي لمن قلد عمر فيما يدعونه من مخالفة { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا } وتحريم المنكوحة في العدة - : أن يقلده هاهنا . قال أبو حنيفة ، ومالك : يصوم إن رآه وحده ، ولا يفطر إن رآه وحده وهذا تناقض وقال الشافعي كما قلنا ؟ وخصومنا لا يقولون بهذا ولا نقول به ؛ لأن الله تعالى قال : { لا تكلف إلا نفسك } . وقال تعالى : { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } . وقال تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } فمن رآه فقد شهده . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته } .