ثم يتلو ذلك إذا امتزجا المراسلة بالكتب. وللكتب آيات. ولقد رأيت أهل هذا الشأن يبادرون لقطع الكتب وبحلها في الماء وبمحو أثرها،
فرب فضيحة كانت بسبب كتاب. وفي ذلك أقول:
عزيز على اليوم قطع كتابكم
|
|
ولكنه لم يلف للود قاطع
|
فآثرت أن يبقى وداد وينمحي
|
|
مداد فإن الفرع للأصل تابع
|
فكم من كتاب فيه ميتة ربه
|
|
ولم يدره إذ نمقته الأصابع
|
وينبغي أن يكون شكل الكتاب ألطف الأشكال، وجنسه أملح الأجناس. ولعمري إن الكتاب للسان في بعض الأحايين، إما لحصرٍ في
الإنسان وإما لحياء وإما لهيبة. نعم، حتى إن لوصول الكتاب إلى المحبوب وعلم المحب أنه قد وقع بيده ورآه للذة يجدها المحب عجيبة تقوم مقام
الرؤية، وإن لرد الجواب والنظر إليه سروراً يعدل اللقاء، ولهذا ما ترى العاشق يضع الكتاب على عينيه وقلبه ويعانقه. ولعهدي ببعض أهل
المحبة، ممن كان يدري ما يقول ويحسن الوصف ويعبر عما في ضميره بلسانه عبارة جيدة ويجيد النظر ويدقق في الحقائق، لا يدع المراسلة وهو
ممكن الوصل قريب الدار آتى المزار، ويحكي أنها من وجوه اللذة. ولقد أخبرت عن بغض السقاط الوضعاء أنه كان يضع كتاب محبوبه على
إحليله. وإن هذا النوع من الإغتلام قبيح وضرب من الشبق فاحش.
وأما سقي الحبر بالدمع فأعرف من كان يفعل ذلك ويقارضه محبوبه، يسقي الحبر بالريق، وفي ذلك أقول:
جواب أتاني عن كتاب بعثته
|
|
فسكن مهتاجاً وهيج ساكناً
|
سقيت بدمع العين لما كتبته
|
|
فعال محب ليس في الود خائناً
|
فما زال ماء العين يمحو سطوره
|
|
فيا ماء عيني قد محوت المحاسنا
|
غدا بدموعي أول الحظ بيننا
|
|
وأضحى بدمعي آخر الحظ بائنا
|
خبر: ولقد رأيت كتاب المحب إلى محبوبه، وقد قطع في يده بسكين له فسال الدم واستمد منه وكتب به الكتاب أجمع. ولقد رأيت الكتاب
بعد جفوفه فما شككت أنه لصبغ اللك.