الرئيسيةبحث

صيانة صحيح مسلم/الفصل الثامن


الفصل الثامن

عاب عائبون مسلما بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء أو المتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شرط الصحيح أيضا والجواب أن ذلك لأحد أسباب لا معاب عليه معها

أحدها أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده ولا يقال إن الجرح مقدم على التعديل وهذا تقديم للتعديل على الجرح لأن الذي ذكرناه محمول على ما إذا كان الجرح غير مفسر السبب فأنه لا يعمل به

وقد جليت في كتاب معرفة علوم الحديث حمل الخطيب أبي بكر الحافظ على ذلك احتجاج صاحبي الصحيحين وأبي داود وغيرهم بجماعة علم الطعن فيهم من غيرهم ويحتمل أيضا أن يكون ذلك فيما بين الجارح فيه السبب واستبان مسلم بطلانه والله أعلم

الثاني أن يكون ذلك واقعا في الشواهد والمتابعات لا في الأصول وذلك بأن يذكر الحديث أولا بإسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلا ثم يتبع ذلك بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه وبالمتابعة والاستشهاد اعتذر الحاكم أبو عبد الله في إخراجه عن جماعة ليسوا من شرط الصحيح منهم مطر الوراق وبقية بن الوليد ومحمد بن إسحاق بن يسار وعبد الله بن عمر العمري والنعمان ابن راشد أخرج مسلم عنهم في الشواهد في أشباه لهم كثيرين والله أعلم

الثالث أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط حدث عليه غير قادح فيما رواه من قبل في زمان سدادة واستقامته كما في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي عبد الله بن وهب فذكر الحاكم أبو عبد الله أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر فهو في ذلك كسعيد بن أبي عروبة وعبد الرزاق وغيرهما ممن اختلط آخرا ولم يمنع ذلك من الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك

قرأت بنيسابور على الشيخة الصالحة الوافر حظ أهلها من خدمة الحديث زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الجرجاني رحمها الله وإيانا عن الإمام أبي عبد الله الفراوي وزاهر بن طاهر المستملي عن الإمام أبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني وغيره قالوا أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه قال سمعت أبا أحمد الحافظ سمعت أبا بكر محمد بن علي بن النجار سمعت إبراهيم بن أبي طالب يقول قلت لمسلم بن الحجاج قد أكثرت الرواية في كتابك الصحيح عن أحمد بن عبد الرحمن الوهبي وحاله قد ظهر فقال إنما نقموا عليه بعد خروجي من مصر والله أعلم

الرابع أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده برواية الثقات نازل فيذكر العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفيا بمعرفة أهل الشأن بذلك وهذا العذر قد رويناه عنه تنصيصا وهو على خلاف حاله فيما رواه أولا عن الثقات ثم اتبعه بالمتابعة عن من هو دونهم وكان ذلك وقع منه على حسب حضور باعث النشاط وغيبته

فروينا عن سعيد بن عمرو البردعي أنه حضر أبا زرعة الرازي وذكر كتاب الصحيح الذي ألفه مسلم ثم الفضل الصانغ على مثاله وحكى إنكار أبي زرعة على مسلم في كلام تركت ذكره منه أنه أنكر عليه روايته فيه عن أسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى المصري وأنه قال أيضا يطرق لأهل البدع علينا فيجدون السبيل بان يقولوا للحديث إذا أحتج به عليهم ليس هذا في كتاب الصحيح

قال سعيد بن عمرو فلما رجعت إلى نيسابور في المرة الثانية ذكرت لمسلم ابن الحجاج إنكار ابي زرعة عليه وروايته في كتاب الصحيح عن أسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى قال لي مسلم إنما قلت صحيح وإنما أدخلت من حديث أسباط وقطن وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول فأقتصر على ذلك وأصل الحديث معروف من رواية الثقات وقدم مسلم بعد ذلك الري فبلغني أنه خرج إلى أبي عبد الله محمد بن مسلم بن وارة فجفاه وعاتبه على هذا الكتاب وقال له نحوا مما قاله لي أبو زرعة إن هذا يطرق لأهل البدع علينا فاعتذر إليه مسلم وقال إنما أخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح ولم أقل إن ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب ضعيف ولكني إنما أخرجت هذا من الحديث الصحيح ليكون مجموعا عندي وعند من يكتبه عني فلا يرتاب في صحتها ولم أقل إن ما سواه ضعيف أو نحو ذلك مما اعتذر به إلى محمد بن مسلم فقبل عذره وحدثه والله أعلم

وقد سبق عن مكي بن عبدان أحد حفاظ نيسابور قال سمعت مسلما يقول عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكل ما أشار أن له علة تركته وكل ما قال إنه صحيح وليس له علة فهو الذي أخرجه هذا مقام وعر وقد مهدته بواضح من القول لم تره مجتمعا في مؤلف سبق ولله الحمد وفيما ذكرته دليل على أن من حكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في صحيحه بأنه من شرط الصحيح عند مسلم فقد غفل وأخطأ بل ذلك يتوقف على النظر في أنه كيف روى عنه وعلى أي وجه روى عنه على ما بيناه من انقسام ذلك والله سبحانه أعلم