الرئيسيةبحث

صيانة صحيح مسلم/أحاديث ذكرها مسلم في ذم الكبر أعاذنا الله منه


أحاديث ذكرها مسلم في ذم الكبر أعاذنا الله منه

أولها حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس

قوله من كان في قلبه مثقال ذرة كذا رويناه من أصل الحافظ أبي القاسم العساكري ومن أصل أبي عامر العبدري

وهو في أصل أبي حازم العبدوي والأصل المأخوذ عن الجلودي لا يدخل الجنة مثقال ذرة من كبر وهو بمعنى الأول أي لا يدخلها صاحب مثقال ذرة من كبر

وقوله وغمط الناس هو بالطاء المهملة في الأصول المذكورة هذه إلا في أصل العساكري فإنه أصلح فيه غمص بالصاد المهملة ولا يصح هذا الإصلاح ها هنا

بلغنا عن القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله وإيانا إنه لم يروه عن جميع شيوخه ها هنا وفي كتاب البخاري إلا بالطاء وبالطاء ذكره أبو داود في مصنفه أيضا وذكر أبو عيسى الترمذي وغيره بالصاد والله أعلم

قوله بطر الحق معناه حجر الحق ترفعا عنه وتجبرا

وغمط الناس احتقارهم والإزراء بهم وغمصهم عيبهم والطعن عليهم فهما بمعنى واحد أو مقاربان يقال غمطه وغمطه بكسر الميم وفتحها والله أعلم

وأما قضاءه ﷺ بأنه لا يدخل الجنة فقد بلغنا فيه عن الإمام أبي سليمان الخطابي وجهان أحدهما أنه أراد كبر الكفر وهو الكبر عن الإيمان بدليل قوله في آخر الحديث ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان يقابل الإيمان بالكبر

والثاني أنه أراد أن كل من يدخل الجنة ينزع ما في قلبه من كبر وغل قلت كلا الوجهين بعيدان يأباهما سياق الحديث سؤالا وجوابا والظاهر أن المراد به مطلق التكبر عن الحق وعلى الناس ثم يجوز أن يكون المراد بقوله لا يدخل الجنة أنه لا يدخلها مع أهلها إذا فتحت أبوابها للمتقين

ويجوز أن يكون المراد أن ذلك جزاء كبره أن جازاه وقد لا يجازيه فيدخلها كرما منه وفضلا وعفوا وقد مهدنا فيما سبق السبيل في أمثال ذلك والله أعلم

وقوله إن الله جميل فمعنى جماله تبارك وتعالى أن كل أمره حسن حميد فله الأسماء الحسنى وصفات الجلال والكمال العليا كلها جمعاء ويجوز أيضا أن يكون جميل هذا بمعنى مجمل كما جاء سميع بمعنى مسمع ونحو ذلك والله أعلم

وقوله في الرواية الأخرى لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان أي لا يدخلها دخول الكافر وهو دخول الخلود ومما حفظناه قديما عن الإمام سهل الصعلوكي شيخ الشافعين بنيسابور أنه قال المسلم وإن دخل النار فلا يلقى فيها إلقاء الكافر ولا يلقى منها لقاء الكافر ولا يبقى فيها بقاء الكافر أو كما قال ولقد سبق لنا كلام في مثله وقوله حبة خردل من إيمان هو على ما تقرر من زيادة الإيمان ونقصانه وما أكثر دلائله من الكتاب والسنة وما أكثر القائلين به من العلماء بهما وبالحقائق جعلنا الله منهم

ثم إنه لا تكون تلك الحبة إلا القدر الكافي في الإخراج من حيز الكفر إلى حيز الإسلام والله أعلم

ما ذكره مسلم بإسناده عن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ: من مات يشرك بالله شيئا دخل النار، قلت أنا: ومن مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة

هكذا وقع في روايتنا من أصل الحافظ أبي القاسم العساكري مصلحا فيه المرفوع في الشرك والموقوف من قول ابن مسعود في من لا يشرك وفي الأصل الذي بخط الحافظ أبي عامر العبدري بالعكس المرفوع في من لا يشرك، وهكذا حكاه الحميدي عن مسلم في جمعه بين الصحيحين وكذا رويناه في مخرج أبي عوانة الإسفراييني على كتاب مسلم من حديث أبي معاوية ورواه البخاري في صحيحه على الوجه الأول كما في أصل العساكري والله أعلم

وكلتا القضيتين قد قالهما رسول الله ﷺ كما رواه مسلم من حديث جابر لكن لم يكن ابن مسعود قد سمع الأخرى منه ﷺ وكأنه أخذها من كتاب الله تعالى

وعلى الجملة فلن نقول ذلك إلا توقيفا

وقوله في حديث جابر الموجبتان أي الخصلة الموجبة للجنة والخصلة الموجبة للنار والوجوب في ذلك واقع بالإضافة إلى العبد لا بالإضافة إلى الله تعالى المتعالي عن ذلك

وما في حديث أبي ذر من أن من مات لا يشرك دخل الجنة وإن زنا وإن سرق: مثبت لأصل دخوله الجنة وإن كان بعد دخوله النار وذلك على ما تقرر من أنه لا مسلم أصلا يخلد في النار

وقوله على رغم أنف أبي ذر فالرغم بفتح الراء وبضمها أيضا

وقوله وإن رغم أنف أبي ذر بفتح الغين وبكسرها وأصله من الرغام بفتح الراء وهو التراب فمعناه إذا على ذل من أبي ذر من حيث وقوعه مخالفا له

وقيل على كراهة منه وإنما قال له ذلك لاستبعاده ذلك واستعظامه إياه وتصوره بصورة الكاره المانع وكأن ذلك من أبي ذر لشدة نفرته من معصية الله تعالى وأهلها والله أعلم

القول فيها من حيث علم الرجال والرواة

قوله فقال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا هذا القائل هو مالك بن مرارة الرهاوي فيما ذكره القاضي عياض السبتي وأشار إليه ابن عبد البر وهو ابن مرارة بضم الميم وراء مهملة مكررة وبهاء التأنيث

والرهاوي نسبة إلى قبيلة وبفتح الراء ذكره عبد الغني وجعله

والرهاوي بالضم نسبة إلى المدينة التي بالجزيرة من المؤتلف والمختلف وفيه نظر ولم يذكره ابن ماكولا ومن شرط كتابه ذكره لو صح وفي صحاح اللغة رها بالضم حي من مذحج والنسبة إليه رهاوي والله أعلم

ولقد استقصى الحافظ أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال الأنصاري في ذلك فجمع فيه أقوالا من كتب شتى فقال هو أبو ريحانة واسمه شمعون ذكره ابن الأعرابي وقال علي بن المديني في الطبقات اسمه ربيعة بن عامر وكان بفلسطين ومات ببيت المقدس وقيل هو سواد بن عمرو الأنصاري ذكره ابن السكن

وقيل هو معاذ بن جبل ذكره ابن أبي الدنيا في كتاب الخمول والتواضع له

وقيل هو مالك بن مرارة الرهاوي ذكره أبو عبيد في غريب الحديث

وقيل هو عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره معمر في جامعه وقيل هو خريم بن فاتك الأسدي وقع ذكره في حديث الخشني من رواية محمد بن قاسم عنه والله أعلم قلت المذكور في ذلك في الغريب لأبي عبيد إنما هو ما رواه بإسناده عن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه أتاه مالك بن مرارة الرهاوي فقال يا رسول الله إني قد أوتيت من الجمال ما ترى ما يسرني أن أحدا يفضلني بشراكين فما فوقهما فهل ذلك من البغي فقال رسول الله ﷺ إنما ذلك من سفه الحق وغمط الناس

فبين الحديثين من التفاوت ما يتمكن معه احتمال كون الرجل المذكور في الحديث الذي أورده مسلم غير مالك هذا ومثل هذا يقع فيما ألف في بيان الأسماء المبهمة مما ينبني على الحسبان والتوهم والله أعلم

أبان بن تغلب هو تغلب بتاء مثناة من فوق مفتوحة بعدها غين معجمة ساكنة

عن فضيل الفقيمي بفاء مضمومة ثم قاف مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم ميم

منجاب بن الحارث بميم مكسورة ثم نون ساكنة ثم جيم وفي آخره باء موحدة

أبو أيوب الغيلاني بغين معجمة مفتوحة

المعرور بن سويد هو بعين مهملة وراء مهملة مكررة

أحمد بن خراش بخاء معجمة

أبو الأسود الديلي هو ظالم بن عمرو منهم من يقول فيه الدؤلي بضم الدال وهمزة بعدها مفتوحة على مثال الجهني وهي نسبة إلى الدؤل بدال مضمومة ثم همزة مكسورة حي من كنانة لكن بفتح الهمزة في النسب كما قالوا في النسبة إلى نمر بكسر الميم نمري بفتح الميم

وهذا قد حاكاه السيرافي عن أهل البصرة

ووجدت عن أبي علي القالي منسوب إلى قالي قلا بليدة من بلاد خلاط البغدادي أنه حكى ذلك في كتاب البارع عن الأصمعي وسيبويه وابن السكيت والأخفش وأبي حاتم وغيرهم

وأنه حكى عن الأصمعي عن عيسى بن عمر انه كان يقول فيه أبو الأسود الدئلي بضم الدال وكسر الهمزة على الأصل وحكاه أيضا عن يونس وغيره عن العرب قال يدعونه في النسب على الأصل وهو شاذ في القياس

قلت إنما شذوذه عن قياس الشذوذ وهو غير شاذ بل قياس باعتبار الأصل

وذكر السيرافي عن أهل الكوفة أنهم يقولون فيه أبو الأسود الديلي بكسر الدال وياء ساكنة

وما حكاه السيرافي محكي عن الكسائي وأبي عبيد القاسم بن سلام ومحمد بن حبيب وصاحب كتاب العين كانوا يقولون في هذا الحي من كنانة إنه الديل بكسر الدال وياء ساكنة ويجعلونه على لفظ الديل الحي من عبد القيس

وأما الدول بضم الدال وواو ساكنة فحي من بني حنيفة والله أعلم

باب روى مسلم رحمه الله وإيانا حديث المقداد بن الأسود أنه قال يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله ﷺ: لا تقتله. قال فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ قال رسول الله ﷺ: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال

فأخبرنا الفقيه المفتي أبو بكر القاسم بن عبد الله بن عمر الصفاري النيسابوري رحمه الله وإيانا قراءة عليه بها قال أخبرنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد ابن عبد الكريم بن هوازن القشيري قال أخبرنا أبو محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري ح وأنبأنا الشيخ الراوية أبو المظفر عبد الرحيم بن الحافظ أبي سعد السمعاني المروزي رحمه الله وإيانا وعلى روايته المقابلة قال أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل الفراوي أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد المحمي

قالا أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني قال أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني الحافظ قال سمعت الربيع بن سليمان قال سمعت الشافعي يقول معناه ان يصير مباح الدم لا انه يصير مشركا كما كان مباح الدم قبل الإقرار هذا في نفسه وإسناده عن الشافعي رضي الله عنه عزيز مليح وهو أحسن ما وجدناه مقولا في تفسيره والله أعلم

وقوله في الرواية الأخرى فلما أهويت لأقتله يقال أهوى إليه بالسيف أو غيره أي أماله إليه

ثم إن في الرواية الأولى المقداد بن الأسود

وفي الرواية الأخرى المقداد بن عمرو بن الأسود الكندي كان حليفا لبني زهرة وكلاهما صحيح ووجه اجتماعهما أنه نسب إلى الأسود وهو الأسود بن عبد يغوث الزهري لكونه تبناه في الجاهلية فلما أنزل الله تبارك وتعالى ادعوهم لآبائهم انتسب إلى أبيه وهو عمرو

ثم لا يخفى عند هذا أن قوله إن المقداد بن عمرو ابن الأسود ليس ابن الأسود فيه صفة لعمرو بل صفة للمقداد وبدلا من قوله ابن عمرو تعريفا له بما اشتهر به وكانت نسبته إلى الأسود أكثر وأشهر من نسبته إلى عمرو فلهذا كان الصواب فيه أن ينون عمرو ويكتب فيه ابن الأسود بالألف في ابن ويجعل في إعرابه تابعا للمقداد لا لعمرو والله أعلم

وأما قوله كان حليفا لبني زهرة فذلك لمحالفته الأسود وهو من بني زهرة وقد ذكر ابن عبد البر وغيره أن الأسود مع تبنيه له حالفه أيضا

وأما نسبته الكندي ففيها إشكال من حيث أنه فيما ذكره أهل النسب بهراني صليبة من بهراء من قضاعة

والوجه المصحح لذلك ما ذكره أحمد بن صالح الحافظ المصري من أن أباه حالف كندة فنسب إليها

قلت فإذن هو بهراني ثم كندي ثم زهري رضي الله عنه

قوله عطاء بن يزيد الليثي ثم الجندعي هو بضم الجيم وبعدها نون ساكنة ثم دال مهملة مفتوحة ومنهم من يضمها ثم عين مهملة منسوب إلى جندع بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة والله أعلم

ما وقع في رواية الجلودي في أسانيد هذا الحديث من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري سقط في رواية ابن ماهان وإسقاطه حسن لأنه ليس بمعروف على الوجه ذكره وفيه اضطراب وخلاف على الوليد وخلاف على الأوزاعي ويروى عن الأوزاعي عن إبراهيم بن مرة عن الزهري وقد بين الخلاف في ذلك الدارقطني في كتابه العلل والله أعلم

فرغ من تعليقه في الخامس والعشرين من شهر رمضان المعظم من سنة سبع وثلاثين وسبعمائة من أصل بخط الشيخ الإمام الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي رحمه الله

قال الشيخ شرف الدين في آخره آخر ما وجدته بخط تقي الدين ابن رزين على يدي العبد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن أقش الحراني عفا الله تعالى عنهما

الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله وصحبه وحسبنا الله ونعم الوكيل