الرئيسيةبحث

صيانة صحيح مسلم/أحاديث الإيمان/4



حديث أبي هريرة لا تدخلون الجنة حتى تؤمنون ولا تؤمنوا حتى تحابوا معناه لا يكمل إيمانكم إلا بذلك ولا تدخلون الجنة عند دخول أهلها إليها إذا لم تكونوا كذلك وقد سبق إيضاح أمثال ذلك والله أعلم

روى مسلم حديث تميم الداري أن النبي ﷺ قال الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم

انفرد به مسلم عن البخاري وليس لتميم في الصحيح غيره

بلغنا عن الشافعي الإمام أنه قال تميم رجل من لخم من حي يقال لهم بنو الدار فمن قال الداري نسبه إلى نسبته ومن قال الديري نسبه إلى دير كان فيه قبل الإسلام وكان نصرانيا وهذا عن الشافعي عزيز رواه أبو الحسين الرازي في كتابه في مناقب الشافعي رضي الله عنه بإسناد جيد

واختلف في ذلك رواة الموطأ عن مالك رضي الله عنه

ففي رواية يحيى الليثي وابن بكير وغيرهما الديري بالياء

وفي رواية القعنبي وابن القاسم وأكثرهم الداري بالألف ثم إن الصحيح في وجه النسبتين ما ذكره الشافعي ومنهم من قال هي بالألف نسبة إلى دارين وهو مكان عند البحرين هو محط السفن كان يجلب إليه العطر من الهند ولذلك قيل للعطار الداري ومنهم من جعله بالياء نسبة إلى قبيلة أيضا وهو بعيد والله أعلم

وهذا الحديث في إحدى الروايات عن أبي داود السجزي صاحب السنن أحد الأحاديث التي عليها مدار الفقه

فروينا عنه أنه قال الفقه يدور على خمسة أحاديث:

الحلال بين والحرام بين

وأن رسول الله ﷺ قال لا ضر ولا إضرار

وأن رسول الله ﷺ قال إنما الدين النصيحة

وأن رسول الله ﷺ قال ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. والله أعلم

وقال أبو نعيم الحافظ هذا حديث له شأن وذكر محمد بن أسلم الطوسي أنه أحد أرباع الدين وهذا شرحه

فقوله الدين النصيحة لفظ يفيد الحصر فكأنه قال ليس الدين إلا النصيحة لله ولكتابه وسائر ما ذكر أي لا يكمل الدين إلا بذلك كما سبق بيانه في أمثال ذلك وفيه إشعار بعظم موقع النصيحة من الدين وهكذا مثله في أمثال ذلك والنصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلا فالنصيحة لله تبارك وتعالى توحيده ووصفه بصفات الكمال والجلال جمع وتنزيهه عما يضادها ويخالفها وتجنب معاصيه والقيام بطاعاته ومحابه بوصف الإخلاص والحب فيه والبغض فيه وجهاد من كفر به تعالى وما ضاهى ذلك والدعاء إلى ذلك والحث عليه

والنصيحة لكتابه الإيمان به وتعظيمه وتنزيهه وتلاوته حق تلاوته والوقوف مع أوامره ونواهيه وتفهم علومه وأمثاله وتدبر آياته والدعاء إليه وذب تحريف الغالين وطعن الملحدين عنه

والنصيحة لرسوله ﷺ قريب من ذلك الإيمان به وبما جاء به وتوقيره وتبجيله والتمسك بطاعته وإحياء سنته واستشارة علومها ونشرها ومعاداة من عاداه وعاداها وموالاة من والاه ووالاها والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه ومحبة آله وصحابته ونحو ذلك

والنصيحة لأئمة المسلمين أي لخلفائهم وقادتهم معاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتنبيههم وتذكيرهم في رفق ولطف ومجانبة الخروج عليهم والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك

والنصيحة لعامة المسلمين وهم ها هنا من عدا أولى الأمر منهم إرشادهم إلى مصالحهم وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم وستر عوراتهم وسد خلاتهم ونصرتهم على أعدائهم والذب عنهم ومجانبة الغش والحسد لهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكرهه لنفسه وما شابه ذلك

وقد كان في السلف رضي الله عنهم وعنا من يبلغ به النصح إلى أن ينصح غيره بما هو عليه ولجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه في حديثه الذي ذكره مسلم بايعت النبي ﷺ على النصح لكل مسلم، مكرمة رواها أبو القاسم الطبراني بإسناده اختصار حديثها أن جريرا أمر مولى له أن يشتري له فرسا فاشترى مولاه من رجل فرسا بثلاثمائة درهم وجاء به إلى جرير لينقده الثمن فقال هذا الفرس بثلاثمائة درهم فقال جرير لصاحبه فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم ثم إنه لم يزل يزيده مائة فمائة وصاحبه يرضى وجرير يقول فرسك خير من ذلك إلى أن بلغ به ثمانمائة درهم فاشتراه بها فقيل له في ذلك فقال إني بايعت رسول الله على النصح لكل مسلم

زياد بن علاقة الراوي عن جرير هو بكسر العين المهملة وبالقاف ومن شيوخ مسلم في حديث جرير سريج بن يونس وهو بالسين المهملة وبالجيم وكان من عباد الله الصالحين

ويعقوب بن إبراهيم الدورقي بالدال المهملة المفتوحة وبالقاف هو منسوب إلى دورق بلدة بفارس أو غيرها

وقيل سبب نسبته هذه صنعة قلانس منسوبة إلى هذه البلدة تعرف بالدورقية

وقيل سببها لبس قلانس طوال تعرف بالدورقية

وورد عن أخيه أحمد أنه قال كان الشبان إذا نسكوا في ذلك الزمان سموا الدوارقة وكان أبي منهم والله أعلم

وفي إسناده سيار عن الشعبي بسين مهملة في أوله ثم ياء مثناة من تحت مشددة وليس بسيار بن سلامة أبي المنهال وإنما هو سيار بن أبي سيار واسمه وردان أبو الحكم العنزي والله أعلم

قول مسلم قال يعقوب في روايته قال حدثنا سيار قلت فيه فائدة بها يصح هذا الإسناد ويعرف اتصاله لأن الراوي فيه عن سيار هشيم وهشيم أحد المدلسين والمدلس لا يحتج من حديثه إلا بما قال فيه حدثنا أو غيره من الألفاظ المبينة لسماعه والله أعلم

حديث أبي هريرة أن رسول الله قال لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن إلى آخره

المراد به نفي كمال الإيمان عنه لا نفي أصل الإيمان وهو من الألفاظ النافية التي تطلق في اللغة على الشيء عند انتفاء معظمه مع وجود أصله ويراد بها نفي كماله لا نفي أصله ومن ذلك لا عيش إلا عيش الآخرة ولا عمل إلا بالنية

ويفيد أن الفاسق لا يطلق عليه اسم المؤمن ويقال فيه مؤمن ناقص الإيمان وذلك أن الأصل أن اسم الشيء إنما يطلق على الكامل منه والناقص منه يذكر به بقيد يشعر بنقصه وأيضا فصفة المؤمن صفة مدح غالية لا تليق بالفاسق

وفيما ذكرناه مع حديث أبي ذر المتفق على صحته الحاكم بأن المسلم لا بد أن يدخل الجنة وإن زنى وإن سرق وغير ذلك ما يدرأ احتجاج الخوارج والمعتزلة بهذا الحديث وللعلماء فيه كلام متشعب قد أوردت لبابه موضحا والله المحمود وهو أعلم

وأما قوله وكان أبو هريرة يلحق معهن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم

فقد روى الحديث أبو نعيم الحافظ في مخرجه على كتاب مسلم من حديث همام بن منبه وفيه والذي نفس محمد بيده لا ينتهب أحدكم وهذا مصرح برفعه إلى رسول الله ﷺ، ولم نستغن عن ذكر هذا بأن البخاري رواه من حديث الليث بإسناده الذي ذكره عنه مسلم معطوفا فيه ذكر النهبة على ما بعد قوله قال رسول الله ﷺ نسقا من غير فصل بقوله وكان أبو هريرة يلحق معهن وذلك مراد مسلم بقوله واقتص

الحديث يذكر مع ذكر النهبة ولم يذكر ذات شرف

وقوله يذكر وقع من غير هاء الضمير فإما أن يقال حذفها مع إرادتها وإما أن يقرأ يذكر بضم أوله وفتح الكاف على ما لم يسم فاعله على أنه حال أي اقتص الحديث مذكورا مع ذكر النهبة فإنما لم نكتف بهذا في الاستدلال على كون ذكر النهبة من قول رسول الله ﷺ لأنه قد يعد ذلك من قبيل المدرج في الحديث عن رسول الله ﷺ من كلام بعض رواته استدلالا بقول من فصل فقال وكان أبو هريرة يلحق معهن على ما عرف مثله في نوع المدرج الذي بيناه في كتابنا في أنواع علوم الحديث

وما رواه أبو نعيم الحافظ يرتفع عن أن يتطرق إليه هذا الاحتمال وظهر بذلك أن قول أبي بكر بن عبد الرحمن وكان أبو هريرة يلحق معهن معناه يلحقها رواية لا من عند نفسه وكأن أبا بكر خصصها بذلك لكونه بلغه أن غيره لا يرويها وآية ذلك ما تراه من رواية مسلم الحديث من رواية يونس وعقيل عن ابن شهاب عن أبي سلمة وابن المسيب عن أبي هريرة من غير ذكر النهبة

ثم إن في رواية عقيل رواية ابن شهاب لذكر النهبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن نفسه

ورواها في رواية يونس عن عبد الملك بن أبي بكر عنه فكأنه سمع ذلك من ابنه عنه ثم سمعه منه نفسه

وأما ما ذكره مسلم من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة وأبي بكر جميعا مع ذكر النهبة فكأنه إدراج من الأوزاعي أو من الراوي عنه

ومن أنواع المدرج أن يروي الحديث جماعة ولأحدهم فيه زيادة يختص بها فيدرجها بعض الرواة على رواية الجميع من غير فصل وبيان وذلك وغيره من أنواع المدرج مما لا يجوز للراوي تعمده فافهم كل ذلك والحظه فإنه مما عز مدركه من هذا الشأن والله الهادي أعلم

وقوله ذات شرف هو في الرواية المعروفة بالشين المعجمة المفتوحة أي ذات قدر كبير وقيل أي ذات استشراف يستشرف الناس لها ناظرين إليها رافعين إليها أبصارهم كما بينه آخرا

وعن أبي إسحاق الحربي أنه رواه بالسين المهملة وبه قيده بعضهم في كتاب مسلم ومعناه أيضا ذات قدر كبير والله أعلم

ذكر مسلم حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي قال قال رسول الله ﷺ أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر

وحديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان

وفي رواية وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم، هذا مشكل من حيث أن هذه الخصال قد توجد في المسلم المصدق فاختلف العلماء في تأويله فقيل إنما ورد ذلك في منافقي زمان رسول الله ﷺ خاصة ونقل ذلك عن عطاء بن أبي رباح في طائفة من السلف والخلف

قلت وهذا يأباه قوله ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق فإن نفاق أولئك كان نفاق كفر غير متبعض هذا التبعيض

وقيل المراد به النفاق اللغوي الذي هو إظهار خلاف المضمر

وقال أبو عيسى الترمذي إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل وإنما كان نفاق التكذيب على عهد رسول الله ﷺ

وهذا الذي نختاره ونزيده بيانا فنقول النفاق نفاقان نفاق الكافر ونفاق المسلم ويشتركان في أن كل واحد منهما إسرار سوء مع إظهار خلافه واشتقاقه من النفق وهو السرب الذي يستتر فيه أو من نافقاء اليربوع وهي إحدى منافذ جحرته يدع عليها قشرا رقيقا من التراب فإذا طلب من المنافذ الأخر الظاهرة دفع برأسه ذلك الرقيق من التراب وخرج ونجا فباطنها نافذ على خلاف ظاهرها

ومما يدل على أن من النفاق ما قد يوجد في المسلم الموقن المصدق حديث ابن عمر رضي الله عنهما إن ناسا قالوا إنا ندخل على سلطاننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم قال كنا نعد هذا نفاقا في عهد رسول الله ﷺ أخرجه البخاري منفردا به عن مسلم

ومثل هذا معدود في قبيل المرفوع المسند

أخبرني بقراءتي الشيخ أبو النجيب إسماعيل بن عثمان بن القارىء النيسابوري وغيره قال إسماعيل أخبرنا الشريف أبو تمام أحمد بن محمد بن المختار قراءة عليه وأنا حاضر قال أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة قال أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن أبي الأشهب قال قال الحسن من النفاق اختلاف اللسان والقلب واختلاف السر والعلانية واختلاف الدخول والخروج

وبه عن جعفر الفريابي وكان حافظا قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال قال رجل اللهم أهلك المنافقين قال حذيفة لو هلكوا ما انتصفتم من عدوكم

وبه عن الفريابي حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال دخل عمر بن عبد العزيز على أبي قلابة يعوده فقال يا أبا قلابة تشدد ولا تشمت بنا المنافقين

إذا عرف ذلك نفى حديث عبيد الله بن عمرو الحكم بأنه يصير منافقا تاما فيه هذا النفاق بأربع خصال

وحديث أبي هريرة يقتضي ثبوت ذلك بثلاث خصال منها الخصلتان الأوليان والثالثة خصلة الخيانة ولم تذكر هذه الخصلة في ذلك الحديث

وأقيمت في هذا الحديث مقام الخصلتين الأخريين خصلتي الغدر والفجور عند الخصام ولا تنافي في ذلك إذ قد يكون للشيء الواحد علتان وإمارتان وأكثر وقد روينا من غير وجه حديث الثلاث بمثل لفظ حديث الأربع ثلاث من كن فيه فهو منافق

ولا منافاة بين قوله في الرواية الأخرى من علامات المنافق ثلاثة لأن الثلاث وإن استقلت بإثبات صفة المنافق التامة فهناك أوصاف أخر من قبيلها فدخول حرف التبعيض كان لذلك والله أعلم

قوله خلة من نفاق هي بفتح الخاء أي خصلة

وقوله فجر أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب وأصل الفجور الميل عن القصد

قوله آية المنافق أي علامته والله أعلم

قوله أخبرني العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة هي بضم الحاء وفتح الراء المهملتين وبعدها قاف هي بطن من جهينة

وعبد الرحمن منسوب إلى ولائهم

وعقبة بن مكرم العمي فمكرم بضم الميم وإسكان الكاف وفتح الراء

والعمي بفتح العين المهملة وتشديد الميم نسب إلى بني العم قبيل من تميم

أبو زكير يحيى بن محمد بضم الزاي على مثال زهير

وبلغنا عن أبي الفضل الفلكي الحافظ أن أبا زكير لقب وكنيته أبو محمد والله أعلم

حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ أيما امرىء قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه،

فيه إشكال من حيث أن المسلم المصدق لا يكفر عند أهل الحق بهذا وأمثاله فمن أهل العلم من حمله على المستحيل لذلك

ومنهم من قال معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه إذا لم يكن كما قال بكذبه عليه

وهذان الوجهان مباعدان لظاهر الحديث

ومنهم من حمله على الخوارج المكفرين للمؤمنين وهذا يأباه كون الصحيح أن الخوارج لا يكفرون وإن كفروا فلا فرق في تكفيرهم بين أن يكون المقول له ذلك كافرا أو لا يكون

فأقول والله أعلم إن لم يكن أخوه كافرا كما قال رجع عليه تكفيره فليس الراجع إليه هو الكفر بل التكفير وذلك لأن أخاه إذا كان مؤمنا وقد جعله هو كافرا مع أن المؤمن ليس بكافر إلا عند من هو كافر من يهودي أو نصراني أو غيرهما فقد لزم من ذلك كونه مكفرا لنفسه ضرورة لتكفيره من لا يكفره إلا كافر ويكون الضمير في قوله فقد باء بها بوصمة التكفير ومعرته أي أنها لاصقة بأولاهما بها وهو المقول له إن كان كما قيل وإلا فالقائل

وهذا معنى صحيح رائق غير مباعد لظاهر الحديث فإن يكن قد قاله أحد سبق فأحرى له وإلا فهو مما تركه الأول للآخر ولله الحمد كله وهو أعلم

ثم أقول يتجه فيه معنى آخر مطرد في سائر الأحاديث القاضية بالكفر فيما ليس في نفسه كفرا وهو أن ذلك يؤول به إلى الكفر إذا لم يتب توبة ماحية لجرمه ذلك إذ المعصية إذا فحشت جرت بشؤمها إلى الكفر ولذلك شواهد ووصف الشيء بما يؤول إليه سائغ شائع من ذلك قول الله تبارك وتعالى إنك ميت وإنهم ميتون والله أعلم

وقد روينا في بعض روايات هذا الحديث في مخرج أبي عوانة الإسفراييني الحافظ على كتاب مسلم فإن كان كما قال وإلا فقد باء بالكفر

وفي رواية أخرى أنه إذا قال لأخيه يا كافر وجب الكفر على أحدهما

فهذا إن لم يكن من عبارة بعض الرواة رواية منه بالمعنى على ما فهمه مع أنه ليس الأمر على ما فهمه كما وقع في كثير من رواياتهم فالوجه الأخير حينئذ هو الراجح المختار والله أعلم

قوله باء بها أحدهما معناه عند بعض أهل اللغة احتملها وعند بعضهم معناه رجع بها والله أعلم

قوله ﷺ في حديث أبي ذر ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر أي انتسب إلى غير أبيه واتخذه أبا

وقوله كفر يتجه فيه ما ذكرناه ووجه آخر وهو أنه أراد به كفر الإحسان كما في قوله وتكفرن العشير وهو الزوج أي إحسانه إليها وقوله من ادعى ما ليس له فليس منا وليتبوأ مقعده من النار فقوله فليس منا يقال إن معناه ليس مهتديا بهدينا ولا مستنا بسنتنا

وقلت هذه عبارة عن التبرؤ منه أي نحن بريئون منه

وقوله وليتبوأ مقعده أي يتنزل منزله منها والمختار أنه خبر بلفظ الأمر أي قد تبوأ كما في قوله إذا لم تستح فاصنع ما شئت، أي من لم يستح صنع ما شاء

وقوله من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه هذا الإستثناء واقع على المعنى وتقريره ما يدعوه أحد كذلك إلا حار عليه أي رجع عليه ويترجح النصب في قوله عدو الله على تقرير يا عدو الله والله أعلم

ابن بريدة المذكور في إسناد الحديث أبي ذر هو عبد الله بن بريدة لا سليمان بن بريدة

قول أبي عثمان وهو النهدي لما ادعى زياد هو بضم ادعى على ما لم يسم فاعله

وشاهدته بخط الحافظ أبي عامر العبدري ادعى بالفتح على أن زيادا هو الفاعل للدعوة

وزياد هذا هو المعروف بزياد بن أبي سفيان ويقال فيه زياد بن أبيه وزياد بن أمه ادعاه معاوية بن أبي سفيان وألحقه بأبيه أبي سفيان وكان قبل ذلك يعرف بزياد ابن عبيد الثقفي وكان أخا أبي بكرة نفيع بن الحارث لأمه وهذا هو السبب في قول أبي عثمان النهدي لأبي بكرة ما هذا الذي صنعتم وإلا فأبو بكرة ممن أنكر ذلك وهجر زيادا وآلى أن لا يكلمه أبدا والله أعلم

قول سعد سمع أذني من رسول الله ﷺ هو بخط الحافظ العبدري وفي رواية أبي الفتح السمرقندي عن عبد الغافر أذناي مثنى مرفوعا وهو فيما يعتمد من أصل الحافظ أبي القاسم العساكري وغيره بغير ألف التثنية وسمع على هذا بكسر الميم على لفظ الفعل الماضي وهكذا ضبطه من المغاربة القاضي الحافظ أبو علي ابن سكرة وضبطه منهم بعض أهل الضبط بإسكان الميم على أنه مصدر مضاف إلى الأذن أو الأذنين ثم منهم من نصبه ومنهم من رفعه

قال سيبويه العرب تقول سمع أذني زيدا يقول ذلك بالرفع والله أعلم

وقوله في الرواية الأخرى سمعته أذناي ووعاه قلبي محمدا نصب محمدا ﷺ بالفعل الأول وهو قوله سمعته أذناي والله أعلم

قول مسلم حدثنا محمد بن بكار وعون بن سلام قالا حدثنا محمد بن طلحة ح وحدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة كلهم عن زبيد عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله ﷺ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر

فيه وجوه تقدم التنبيه عليها

أحدهما إنه كفر من المستحل

والثاني إنه كفر بنعمة الإسلام الموجب للأخوة والألفة

والثالث إنه آيل إلى الكفر ومقرب بشؤمه منه

ووجه آخر وهو أن المراد بكونه كفرا كونه فعل أهل الكفر

وقول مسلم كلهم عن زبيد كذا وقع وإنما هم اثنان شعبة ومحمد بن طلحة وهو ابن مصرف فكأنه سبق القلم من كلاهما إلى كلهم فإن استعمال ذلك في الاثنين بعيد

وزبيد هذا هو ابن الحارث اليامي الهمداني بضم الزاي المنقوطة وبعدها باء موحدة ويشتبه بزييد بيائين تصغير زيد وهو زييد بن الصلت إلا أنه لا ذكر له في واحد من الصحيحين وله ذكر في الموطأ ولا ذكر للأول في الموطأ والله أعلم

قوله ﷺ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض يتوجه فيه نحو الوجوه الأربعة التي ذكرناها آنفا ووجه خامس وهو حمله على حقيقة الكفر فيكون ذلك حضا لهم على الثبات على الإيمان ونهيا لهم عن الردة بعده ﷺ

ووجه سادس حكاه الخطابي وهو أن معنى الكفار فيه المتكفرون بالسلاح يقال تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه فكفر به نفسه أي سترها

قلت وهكذا يعتضد بما ذكره الأزهري في تهذيب اللغة له من أنه يقال للابس السلاح كافر

وروي عن ابن السكيت انه قال إذا لبس الرجل فوق درعه ثوبا فهو كافر قال وكل ما غطى شيئا فقد كفره ومنه قيل لليل كافر والله أعلم

ثم إن ضم الباء من قوله يضرب أوجه وأجرى على الوجوه المذكورة في تفسير الكفر فيه

وإسكان الباء على أن يكون جوابا للنهي وقد قيل به وليس بذاك والله أعلم وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما أنه ﷺ قال ويحكم أو قال ويلكم لا ترجعوا

ففي ويح وويل أقوال كثيرة من عيونها قول الحسن رضي الله عنه ويح كلمة رحمة

وقال صاحب كتاب العين ويح يقال إنه رحمة لمن تنزل به بلية وذكر الأزهري في تهذيبه عن أبي السميدع وغيره أن ويحك وويلك وويسك بمعنى واحد

وذكر الهروي أبو عبيد في غريبيه عن سيبويه أنه قال ويح زجر لمن اشرف على هلكة وويل لمن وقع في الهلكة

واختار الأزهري وصاحبه الهروي الفرق بينهما بأن ويلا يقال لمن وقع في هلكة أو بلية لا يترحم فيها عليه وويحا يقال لمن وقع في بلية يترحم فيها عليه والله أعلم

واقد بن محمد المذكور هو بالقاف وليس في الصحيحين وافد بالفاء والله أعلم

الذي في حديث أبي هريرة من أن الطعن في النسب والنياحة على الميت كفر

وما في حديث جرير رضي الله عنهما من أن أباق العبد كفر لا يخفى ما يتجه فيه من الوجوه المذكورة قبيل

وقول منصور بن عبد الرحمن الراوي لحديث جرير أكره أن يروى عني هاهنا بالبصرة كان سببه ما كان قد نبغ بالبصرة من المعتزلة ونحوهم كيلا يحتجوا به على قولهم في أصحاب الكبائر

ومنصور بن عبد الرحمن خمسة وهذا منهم هو الغداني الأشل وقد اختلف في توثيقه ولم يخرج له البخاري شيئا وسائرهم لم يقدح فيهم فيما نعلم والله أعلم

وفي حديث جرير الآخر أيما عبد أبق فقد برئت منه الذمة أي لا ذمة له حينئذ والذمة هاهنا يجوز أن تكون هي الذمة المفسرة بالذمام وهو الحرمة ويجوز أن تكون من قبيل ما جاء في قوله له ذمة الله وذمة رسوله أي ضمانه وأمانه ورعايته وكلأته ومن ذلك أن الآبق كان مصونا من عقوبة السيد له وحبسه فزال ذلك بإباقه والله أعلم

قوله في الرواية الأخرى إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة ليس مستند عدم القبول فيه عدم الصحة لكونه كافرا حيث يكون مستحلا كما ذكره صاحب المعلم ولا يلزم من عدم القبول عدم الصحة بل قد تثبت الصحة مع عدم القبول فصلاة الآبق غير مقبولة بنص هذا الحديث الثابت وذلك لاقترانها بمعصية تناسب أن ترد وسيلته ولا يجزىء على حسنه وهي لا محالة صحيحه لإتيانه بها بشروطها وأركانها المستلزمة للصحة ولا تناقض في ذلك ويظهر أثر عدم القبول في سقوط الثواب وأثر الصحة في سقوط القضاء وفي أنه لا يعاقب عقوبة تارك الصلاة وهذا معقول والله أعلم