→ الباب الخامس في بيان أن عيسى وإنما هو بشر آدمي مخلوق نبي مرسل عليه الصلاة والسلام | تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب الباب السادس في اختلاف الأربعة الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وبيان كذبهم لعنهم الله المؤلف: عبد الله الترجمان |
الباب السابع فيما نسبوه لعيسى من الكذب وهم الكاذبون لعنهم الله وعيسى قد برأه الله من جميع أقوالهم واعتقادهم ← |
الباب السادس في اختلاف الأربعة الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وبيان كذبهم لعنهم الله
اعلموا رحمكم الله أن الذين كتبوا الأناجيل اختلفوا في أشياء كثيرة وذلك دليل على كذبهم فلو كانوا على الحق ما اختلفوا في شيء. قال الله عز وجل في كتابه العزيز الذي أنزله على صفيه محمد ﷺ: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. فجعل الاختلاف دليلا على الكذب على الله تعالى لأن كل ما هو من عند الله لا تختلف معانيه ولا تضطرب مبانيه. وكلما كذب الكاذبون عليه لا بد أن يفضحهم بوجود الاختلاف والاضطراب فيما كذبوه ليميز الله الخبيث من الطيب وهو الحكيم العليم. فمن كذب هؤلاء الذين كتبوا الأناجيل ما قاله يوحنا في الفصل الثالث عشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال للحواريين وهو يتعشى معهم في الليلة التي أخذه فيها اليهود: الحق أقول لكن إن واحدا منكم يخونني. فقال له يوحنا: ومن يكون ذلك؟ قال له عيسى: الذي نعطيه الخبز مصبغا في المرق. ثم أعطاه ليهودا اسكريوط وهو الذي خانه ودل اليهود عليه. وقال ماركوس في الفصل الرابع عشر من إنجيله إن عيسى قال لهم إن الذي يصبغ خبزه معي في القصعة هو الذي يخونني. وقال متى في الفصل الثالث والعشرين من إنجيله إن عيسى قال لهم: إن الذي يصبغ خبزه في صحفتي هو الذي يخونني. وقال لوقا في الفصل الثاني والعشرين من إنجيله إن عيسى قال: إن الذي يخونني هو معي في تلاميذي. وهذا الاختلاف بين لأن عيسى لم يتكرر فيه هذا القول في مجالس حتى يزعموا أنه اختلفت عبارته فيها وليس معنى قولهم متحدا فيكون كل واحد من الأربعة عبّر عن قوله بعبارة من عنده. وتخصيصه ليهودا اسكريوط بمناولته له الخبز مصبغا في المرق يقتضي تعيينه وكشف أمره وبقية ما نقلوه يدل على اختلافهم في شأنه، يدل على أنهم علموا شأنه. وهذا تناقض دل على الكذب من جميع الأربعة الذين كتبوا الأناجيل لعنهم الله وبالله التوفيق.
ومن ذلك أيضا ما نقله متى في الفصل العشرين من إنجيله أن عيسى عليه السلام لما خرج من بلد جنازز ناداه مكفوفان اثنان وقالا له يا ابن داود ارحمنا وأنه فتح أعينهما هنالك فعادا مبصرين. وقال ماركوس في الفصل العاشر من إنجيله إن عيسى لما خرج من البلد المذكور ناداه مكفوف واحد وأن عيسى فتح عينيه. ومعلوم أن عيسى لم يمر بتلك البلدة إلا مرة واحدة فقد كذب متى في كونهما مكفوفين اثنين وكذب ماركوس في كونه مكفوفا واحدا لأن القصة واحدة في إقرارهما بأن المكفوف نادى عيسى وقال يا ابن داود، ونسبه إليه نسب البشر من الناس ما يكذب عقائدهم فيه فإن المكفوف ما قال يا إله ولا يا ولد الله أو يا خالق المخلوقات كما زعموا فيه لعنهم الله وإنما قال يا ابن داود فنسبه إلى نبي من الأنبياء الكرام ليشير أن نسب أمه مريم من هذا العنصر الطاهر وهو كذلك لأن مريم عليها السلام من ذرية داود ابن إيشار من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
ومن ذلك ما قاله متى في الفصل السابع والعشرين من إنجيله إن عيسى المسيح صلب معه لصان فكانا يشتمانه في حال الصلب. وقال لوقا في الفصل الثالث والعشرين من إنجيله إن أحد اللصين هو الذي استهزأ بعيسى وقال له إن كنت المسيح خلص نفسك وخلصنا فزجره اللص الآخر أما تخاف الله وتعلم أن الذي أصابه قد أصابك مثله وأنا وأنت نستحق ما فعل بنا وهو لا يستحق شيئا ثم قال للمسيح يا سيدي اذكرني يوم مجيئك من ملكوتك فقال له المسيح أقول حقا إنك تكون معي ذلك اليوم في جنة الفردوس. وهذا الاختلاف بين لأن متى أوجب على اللصين النار لأنهما شتما المسيح ولوقا أوجب لأحدهما الجنة. وقد كذبا في قضية صلب المسيح وكفرا بذلك فعليهم لعنة الله. ويوحنا الذي حضر صلب المصلوبين قال في إنجيله إن سارقين صُلبا معه أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ولم يذكر أنهما قالا شيئا البتة. وهذا تمام الاختلاف والاختلال.
ومن ذلك أن متى قال في الفصل الحادي والعشرين من إنجيله إن عيسى ركب دابة وهو سائر لبيت المقدس مثل ما قال فيه بعض الأنبياء "ترون سلطانكم جاء على دابة" وقال ماركوس في الفصل الحادي عشر من إنجيله إن المسيح كان راكبا على جحيش ابن الدابة ولم يذكر أنه ركب الدابة أصلا. وقال لوقا في الفصل التاسع عشر من إنجيله إنه كان راكبا على الدابة مثل ما قال متى. وقال يوحنا في الفصل الثاني عشر من إنجيله إنه كان راكبا على جحيش ابن الدابة خلافا لما قال ماركوس. فانظروا رحمكم الله إلى اختلافهم الصادر وكذبهم الظاهر في قولهم إنه ركب الجحيش وصغره لصغر سنه وما كان كذلك كيف يركبه الإنسان؟
ومن ذلك أيضا ما قاله متى في الفصل العشرين من انجيله إن مريم زوجة زبداي جاءت إلى المسيح وقال له إني أريد منك أن ولديّ الاثنين يجلسان غدا في ملكوتك أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك. وقال ماركوس في الفصل العاشر من إنجيله إن والدي خالة عيسى وهي مريم امرأة زبداي قالا له يا معلم نحب منك أن تنعم علينا بما نطلبك فيه. فقال المسيح: أي شيء تريدان؟ قالا له: أنعم علينا بأن يجلس أحدنا عن يمينك والآخر عن يسارك في ملكوتك. وأما لوقا ويوحنا فما ذكرا في إنجيليهما شيئا من هذه القصة على الولدين وأمهما مع أن يوحنا كان ملازما للمسيح ولم يفارقه حتى رفع. وهذا من الاختلاف الركيك فإن متى قال الأم طلبت ذلك وماركوس قال الوالدان هما اللذان طلباه وصاحباهما الآخران خالفاهما بعدم ذكر هذه القصة أصلا.
ومن اختلافهم أيضا ما قاله متى في الفصل التاسع عشر من إنجيله إن تلاميذ يوحنا قالوا للمسيح لأي شيء نصوم نحن ويصوم الفريزيون وتلاميذك لا يصومون؟ وقال ماركوس في الفصل الخامس من إنجيله إن الكتّاب والفريزيين قالوا للمسيح لأي شيء يصوم تلاميذ يوحنا وتلاميذك يأكلون ويشربون ولا يصومون؟ وهذا اختلاف ظاهر لأن النص الأول فيه الفريزيون يصومون والسائلين هم تلاميذ يوحنا والنص الثاني فيه أن الفريزيين السائلون بزيادة يحيى بن زكريا الكتاب معهم ولم يذكروا أنفسهم في صيام ولا فطر.
ومن ذلك ما قاله متى في الفصل الثالث من إنجيله إن يوحنا يأكل الجراد والعسل فخالف قوله في الفصل الحادي عشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال لليهود جاءكم يوحنا لا يأكل ولا يشرب فقلتم إنه مجنون وجاءكم ابن قليس معناه ابن إنسان يعني نفسه فقلتم إنسان كبير الجوف يأكل ويشرب الخمر. وهذا اختلاف ظاهر في كلام متى لأنه نفى عن يوحنا الأكل والشرب في أحد نصيه وأثبت له أكل الجراد والعسل في النص الآخر. وغفل النصارى عن صريح الحجة عليهم في قول المسيح عن نفسه إنه ابن إنسان وإنه يأكل ويشرب الماء والخمر وهذا إقرار منه بأنه إنسان ابن إنسان يحتاج إلى مدد الغذاء وقوام بنية جسده بالطعام والشراب وهذا يكذب دعواهم فيه بإنه إله وابن إله فتعالى الله رب العالمين عن كفرهم علوا كبيرا.
ومن اختلافهم وصريح كذبهم على الله ورسوله ما قاله يوحنا في الفصل الخامس من إنجيله إن عيسى قال لليهود إن أبي الذي أرسلني هو يشهد لي ولا سمع أحد قط صوته ولا رآه. وهذا قريب إلى الصحة من قول المسيح، ثم خالفه متى في اللفظ والمعنى بالكفر الصريح وقال في الفصل التاسع عشر من إنجيله إن المسيح طلع على جبل طابور ومعه بيتر وجانصو ويوحنا الحواريون فلما استقروا فوق الجبل إذا وجه المسيح يضيء كأنه قمر أو شمس فما قدروا ينظرون إليه وسمعوا صوت الأبمن السماء يقول هذا ولدي الذي اصطفيته لنفسي اسمعوا منه وآمنوا به. وهكذا قال ماركوس في الفصل التاسع عشر من إنجيله. وقال يوحنا في الفصل الرابع عشر من إنجيله أنتم رأيتم أبي وعرفتموه فقال فليبوا الحواري يا سيدي كيف رأينا الأبفقال المسيح يا فليبوا لي معكم كثير وعرفتموني يا فليبوا من رآني فقد رأى أبي. وهذا من الاختلاف الظاهر والكفر الفاحش. أما الاختلاف فهو بين ما قاله يوحنا عن المسيح إن الذي أرسله يشهد له يعني بصحة نبوته ورسالته ولا سمع أحد قط صوته ولا رآه وبين ما قاله يوحنا المذكور إن المسيح قال للحواريين أنتم رأيتم أبي وعرفتموه فمن رآني فقد رأى أبي، وكذلك قصة جبل طابور وأن الثلاثة الذين كانوا مع المسيح سمعوا كلام الأبيعني رب العباد تبارك وتعالى عن قولهم وأنه قال لهم عن المسيح هذا ولدي الذي اصطفيته لنفسي، وحاشا لله أن تسمع مخلوقاته كلامه تقدس عن الصاحبة والولد. فكيف يشهدون لعيسى أنه ولد الله عز وجل فهذا كله من بهتانهم وجراءتهم على الله في الكذب عليه وعلى رسوله عيسى ومقصودهم بجميع هذه الأكاذيب ترويج عقائدهم في إلهية المسيح وكونه ولد الله تعالى عن ذلك. ثم أوقعهم الله بعظيم قدرته وماهر حكمته في التناقض وتخاذل النقل وتدافع اللفظ والمعنى من حيث يشعرون أو لا يشعرون فعليهم لعنة الله أجمعين.