→ القاعدة الخامسة وهي الإقرار بجميع الذنوب للقسيس وصفة ذلك | تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب الباب الرابع في عقيدة شريعتهم لعنهم الله المؤلف: عبد الله الترجمان |
الباب الخامس في بيان أن عيسى وإنما هو بشر آدمي مخلوق نبي مرسل عليه الصلاة والسلام ← |
الباب الرابع في عقيدة شريعتهم لعنهم الله
وجميع النصارى متمسكون بها إلى يوم القيامة ولا يتركها إلا قليل منهم وكلها كفر ومحال ينقض بعضها بعضا وكان الذي ألفها لهم رجل من أقدم كفارهم يقال لهم بيطر الصفا من أهل مدينة رومة لعنة الله عليه. وهذا نصها:
- نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء صانع ما يرى وما لا يرى ونؤمن بالرب الواحد المسيح ابن الله الواحد بكر الخلائق كلها ولد من أبيه قبل العوالم كلها ليس بمصنوع. إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم كلها وهو خالق كل شيء الذي من أجلنا معشر الناس ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس وصار إنسانا وحمل وولد من مريم البتول فأوجع وأولِم وصلب في أيام بالاطوس الملك ودفن وقام في اليوم الثالث من بين الموتى مثل ما كتب بذلك الأنبياء. (وكذب الملعون على الأنبياء صلوات الله على نبينا وعليهم أجمعين وحاشاهم أن يقولوا مثل هذا الكفر المحال.) ثم صعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء، ونؤمن بروح القدس الذي يخرج من الأبوالابن وبه كان يتكلم الأنبياء وأن التغطيس هو غفران الذنوب ونؤمن بقيام أبداننا وبالحياة الدائمة أبد الآبدين.
وهذا الكلام ينقض بعضه بعضا فأوله نؤمن بالله الواحد الأبمالك كل شيء صانع ما يرى وما لا يرى ونؤمن بالرب الواحد المسيح إله حق من جوهر أبيه. ففي أول كلامه الشهادة لله بأنه واحد وفيما يليه الشهادة عليه تعالى بأن له ولدا وهو إله مثله وأنه من جوهره. فهذا غاية الكفر والشرك وفي غاية الضد والتناقض لوحدانية الله تعالى الواحد الأحد الصمد تبارك الله وتقدس عن كفرهم. وقد قال في أول كلامه إن الله خالق كل شيء ثم قال فيما بعده ونؤمن بأن المسيح خالق الأشياء كلها الذي بيده أتقنت، فأثبت أن مع الله إلها خالق لكل شيء وهذا من أفضح التناقض. وكذلك قوله إن الله صانع ما يرى وما لا يرى دخل فيه المسيح لأنه بالضرورة مما يرى ثم عقب ذلك بقوله إن المسيح خالق كل شيء وإنه غير مصنوع وهذا تناقض ورعونة لو ميزتها البهائم لأنكرتها على النصارى فنعوذ بالله من الخذلان واستحواذ الشيطان فإنه تلاعب بهم كيف أراد وقادهم إلى جهنم وبئس المهاد وقد قال هذا اللعين إن المسيح خالق كل شيء ثم قال ولد من أبيه قبل العوالم وهو بكر الخلائق كلها. فمتى خلق كل شيء أقبل ميلاده وهو عدم أم بعد ميلاده وهو صبي رضيع؟ ومن كان يدبر السموات والأرض وما بينهما قبل ميلاده وإيجاده؟ كيف يكون بكر الخلائق وهو الخالق لجميعها بزعم هذا الكافر لأن معنى قوله بكر الخلائق أي أول ما وجد منها.
وشريعة النصارى مبنية على هذا التناقض والمحال لأنهم مجمعون على أن المسيح أزلي خالق قديم وأنه مولود من بطن مريم بعد حملها به وهذا كله قد جعلهم أضحوكة لجميع العقلاء العارفين وقرة لعيون الشياطين. وانظروا إلى قول هذا الخبيث إن المسيح إله حق من جوهر أبيه ثم قال إنه نزل من السماء فتجسد في بطن أمه مريم. وهذا صريح بأن المسيح كان جسدا من جوهر في السماء ثم نزل منها فتجسد وهذا ليس في تجسد الأجسام والجواهر عجب وإنما العجب أن يتجسد من ليس بجسده ولا جوهر، وتعالى ربنا خالق الجواهر والأعراض عن أن يكون له جوهر يتكون منه المسيح أو أن يتجزأ ويستقر منها بحيز في بطن مريم مختلطا بدمها وبولها وروثها فما أعظم جرأة هؤلاء الكفرة على الله تعالى وما أعظم حلم الله عليهم؟ والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاهم به.
واعلموا أن في نصوص كتبهم ما يبطل هذه العقيدة وجميع عقائدهم كفر في المسيح، وهو ما قاله لوقا في الفصل الرابع عشر من إنجيله في قصص الحواريين فإنه قال إن الله خالق العوالم بجميع ما فيها وهو رب السماء والأرض لا يسكن الهياكل التي طبعتها الأيدي ولا يحتاج إلى شيء من الأشياء لأنه هو الذي أعطى للناس الهياكل والنفوس وجميع ما هم فيه موجود بإذنه وحياتنا منه. وهذا الذي قاله لوقا هو الذي نزلت به كتب الله تعالى ونطقت به أنبياؤه عليهم الصلاة والسلام.
وقد تبين أن عقائد النصارى كلها كفر مفتعل ومحال ركيك وتناقض قبيح لم يأخذوها من كتب الله ولا عن أنبيائه وإنما قلدوا فيها دعاوي باطلة وأهواء كاذبة مهدها لهم كل كفار أثيم. ويقال لهم: هذه العقيدة التي لا اختلاف بين جماهيركم فيها وإن لم تكونوا نسبتموها لكتاب ولا لنبي أخبرونا عنها هي كلها حق أو كلها باطل؟ فإن قالوا بعضها حق وبعضها باطل فقد أبطلوا بعضها وكفروا به لأن الباطل لا يدان الله به وإن قالوا كلها حق فقد اعترفوا بأن المسيح مخلوق مولود وأن الله تعالى خالقه وخالق كل شيء. وما ظهر فيه هذا التناقض الشنيع الفاضح لا يكن حقا أبدا، وقولهم في المسيح إله من جوهر ابيه وأله مثله يقتضي المماثلة ولا بد فما الذي صير أحدهما أبا والآخر ابنا وما الذي خص هذا بالأبوة وهذا بالبنوة دون تعاكس؟ فنسأل الله ربنا كمال العافية من حالهم ومآلهم.