الرئيسيةبحث

تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب/الباب التاسع

تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب
الباب التاسع في ثبوت نبوة نبينا محمد بنص التوراة والإنجيل والزبور وتبشير الأنبياء ببعثته ورسالته وبقاء ملته إلى آخر الدهر صلوات الله عليهم أجمعين
المؤلف: عبد الله الترجمان


الباب التاسع في ثبوت نبوة نبينا محمد ﷺ بنص التوراة والإنجيل والزبور وتبشير الأنبياء ببعثته ورسالته وبقاء ملته إلى آخر الدهر صلوات الله عليهم أجمعين

اعلموا رحمكم الله أن نبوة نبينا محمد ﷺ ثابتة في كل كتاب أنزله الله تعالى وجميع الأنبياء قد بشروا به. فمن ذلك ما في الفصل السادس عشر من الكتاب الأول من التوراة فإن التوراة خمسة كتب واجتمعت في سفر واحد وذلك أن هاجر لما هربت من سارة زوج الخليل إبراهيم رأت في تلك الليلة ملكا من الملائكة فقال لها: يا هاجر ما تريدين ومن أين أقبلت؟ قالت: هربت من سارة. قال: ارجعي إليها واخضعي لها فإن الله تعالى سيكثر زرعك وذريتك وعن قريب تحملين وتلدين ولدا اسمه إسماعيل من أجل أن الله سمع خشوعك ويكون ولدك عين الناس وتكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع ويكون أمره في معظم الدنيا. انتهى نص التوراة. ومعلوم أن إسماعيل وأولاد صلبه لم يكونوا متصرفين في معظم الدنيا وإنما الإشارة بذلك لعظيم ذريته وهو نبينا محمد ﷺ لأن دينه دين الإسلام علا على أهل الأرض وأكثر معمورها وتصرفت أمته في مشارق الأرض ومغاربها وهذا أمر تعلمه علماء اليهود وجماهيرهم ولكنهم يكتمونه عن عوامهم لما أوجبه الله عليهم من اللعنة والخذلان. نعوذ بالله من حالهم.

ومن ذلك ما في الفصل الثامن عشر من التوراة أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام قل لبني إسرائيل إني أقيم لهم آخر الزمان بينا مثلك من بني إخوتهم ومن لم يسمع كلمتي التي يؤديها عني أنتقم منه. وهذا النص يدل على أن هذا النبي الذي يقيمه الله لبني إسرائيل في آخر الزمان ليس من نسلهم ولكنه من بني إخوتهم وكل نبي بعث بعد موسى كان من بني إسرائيل وآخرهم عيسى عليه السلام فلم يبق من بنى إخوتهم إلا نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لأنه من ولد إسماعيل وإسماعيل أخو إسحاق بن إبراهيم وإسحاق جد بني إسرائيل. فهذه هي الأخوة التي ذكرت في التوراة. ولو كانت الإشارة لنبي من أنبياء بني إسرائيل لم يكن لذكر هذه الأخوة معنى. واليهود أجمعوا على أن الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل بعد موسى لم يكن فيهم مثله. والمراد بالمثلية هنا أن يأتي بشرع خاص به تتبعه الأمم بعده وهذه هي صفة نبينا محمد ﷺ لأنه من إخوتهم العرب بني إسماعيل وقد جاء بشريعة ناسخة لجميع الشرائع تبعته عليها الأمم فهو كموسى من هذه الحيثية وهو أفضل منه ومن جميع الأنبياء بإجماع أمته ﷺ.

ومن ذلك ما في الفصل الثالث والثلاثين من التوراة أن الرب جاء من طور سيناء وطلع إلينا من ساعير وظهر من جبال فاران ومعه وعن يمينه رايات القديسين. وجبال فاران يعني مكة وأرض الحجاز فإن فاران اسم رجل من ملوك العمالقة الذين اقتسموا الأرض فكان الحجاز وتخومه لفاران فسمي القطر كله باسمه. وفي التوراة جاء الله من طور سيناء يريد بمجيئه ظهور دينه وتوحيده تبارك وتعالى بما أوحى الله إلى موسى بطور سيناء وطلع من ساعير يعني جبلا بالشام به كان ظهور دين عيسى عليه السلام بما أوحاه الله إليه وظهر من جبال فاران يريد ما أظهره الله وأكمله من دين الإسلام بمكة والحجاز على نبينا محمد ﷺ بما أوحاه الله إليه. وقوله إن رايات القديسين معه وعن يمينه فالقديسون هم الرجال الأولياء والصالحون والمراد بهم ها هنا أصحاب نبينا محمد ﷺ لأنهم الذين كانوا معه وعن يمينه ولم يفارقوه قط رضي الله عنهم.

ومن ذلك ما اتفق عليه الأربعة الذين كتبوا الأناجيل الأربعة أن عيسى عليه السلام قال للحواريين حين رفع إلى السماء إني أذهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وأبشركم بنبي يأتي من بعدي اسمه بارقليط. وهذا اسم شريف باللسان اليوناني تفسيره بالعربية أحمد كما قال الله تعالى في كتابه العزيز ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد. وهو في الإنجيل باللطيني براكلتس. وهذا الاسم الشريف المبارك هو الذي كان سبب إسلامي كما تقدم في أول هذا الكتاب.

ومن ذلك ما قاله يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال البارقليط الذي يرسله الله في آخر الزمان هو الذي يعلمكم كل شيء. فالبارقليط هو نبينا محمد ﷺ وهو الذي يعلم الناس كل شيء بما أوحى الله إليه من القرآن العظيم الذي فيه علوم الأولين والآخرين وما فرط الله فيه من شيء كما قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء. ولم يظهر بعد المسيح نبي مرسل بهذه الصفة غير نبينا محمد ﷺ فهو المراد بهذه البشارة الجليلة وإن رغمت بذلك أنوف خنازير النصارى لعنهم الله تعالى.

ومن ذلك ما قاله يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله إن المسيح قال البارقليط الذي يرسله أبي من بعدي ما يقول من تلقاء نفسه شيئا ولكن يناجيكم بالحق كله ويخبركم بالحوادث والغيوب. وهذه صفة نبينا محمد ﷺ بالأخبار المتواترة بحيث لا ينكرها إلا مخذول مطرود عن أبواب رحمة الله تعالى. فأما كونه لا ينطق عن الهوى وما يقول إلا بوحي يوحى فهذا يشهد الله به ولا خلاف فيه بين أمته. وأما إخباره بالحوادث والغيوب فباب واسع جمعت فيه كتب وهو بحر لا يحاط بساحله. وفي كتاب الشفا للسيد الفقيه الإمام حجة الإسلام أبي الفضل عياض ما فيه مقنع واعتبار لأولي الألباب. وأما ثبوت نبوته ﷺ من كتب الأنبياء المتقدمين صلوات الله عليهم أجمعين فمن ذلك ما قاله داود عليه السلام في الزبور الثاني والتسعين إنه يملك من البحر إلى البحر ومن أدنى الأنهار إلى مطلع التراب وتأتيه ملوك اليمن والجزائر بالهداية وتسجد له الملوك وتدين له بالطاعة والانقياد ويصلى عليه في كل وقت ويبارك عليه في كل يوم وتنور بأنواره المدينة ويدوم ذكره إلى أبد الأبد واسمه موجود قبل وجود الشمس. وهذه كلها صفات نبينا محمد ﷺ والوجود يشهد له وكل من دفع هذه الصفات عنه فلا يجد في العالم أحدا يستحقها وإن ادعاها مدع لغيره من الأنبياء كان مجاهرا بالبهتان. ثم لا أعلم أحدا بعد داود نسبت له هذه الصفات الجليلة وهو قبل نبينا محمد ﷺ وعلماء اليهود يعلمون أنها صفاته الذاتية ولكن يكتمون ذلك لشقاوتهم السابقة في الأزل.

ومن ذلك ما قاله يعقوب النبي في الفصل الثالث من كتابه في آخر الزمان يجيء الرب من القبلة والقدس من جبال فاران. ومجيء الرب تبارك وتعالى هو مجيء وحيه والقدس هو نبينا محمد ﷺ ظهر من جبال فاران وهي مكة وأرض الحجاز.

ومن ذلك ما قاله النبي ميخا عن النبي ﷺ في الفصل الرابع من كتابه في آخر الزمان تقوم أمة مرحومة وتختار الجبل المبارك ليعبدوا الله الإله الواحد ولا يشركوا به شيئا. وهذا هو جبل عرفات بلا شك والأمة المرحومة هي أمة محمد ﷺ والاجتماع بالجبل المبارك هو اجتماع كل الحجيج بعرفات وإتيانهم إليه من جميع الأقاليم.

ومن ذلك ما قاله النبي إيشعيا في الفصل الثامن والأربعين من كتابه إن الرب يبعث في آخر الزمان عبده الذي اصطفاه لنفسه يبعث له الروح الأمين يعلمه دينه وهو يعلم الناس كما علمه الروح الأمين ويحكم بين الناس بالحق ويمشي بينهم بالعدل وهو نور يخرجهم من الظلمات التي كانوا فيها وعليها رقود عرفتكم ما عرفني الرب سبحانه وتعالى قبل أن يكون. وهذه رحمكم الله صفات نبينا محمد ﷺ واضحة مبينة لأنه هو الذي بعثه في آخر الزمان بعد أن اصطفاه لنفسه وجعله حبيبه وخليله من خلقه وبعث له الروح الأمين جبريل عليه السلام يعلمه دينه وهو وحي القرآن والسنة وشرائع دين الإسلام وقد بلغ ﷺ كل ما أمر بتبليغه وهو معنى قول هذا النبي وهو يعلم الناس ما علمه الروح الأمين عليه السلام. وكان يحكم بين الناس بالحق ويمشي بينهم بالعدل فإن كل ما أمر به ونهى عنه أجمع أهل العقول على عدله وصوابه في المأمورات والمنهيات، وما أنكره من أنكره وكفر به من كفر به إلا عنادا أو مكابرة للعيان وتخبطا في حبال الشيطان بمحتوم الخذلان. والنور الذي أخرج به الناس من ظلماتهم هو القرآن الذي أنزله الله تعالى عليه وكلام هذا النبي إيشعيا بين من أبين الأدلة وأوضح البراهين على ثبوت نبوة نبينا محمد ﷺ

ولو ذكرت جميع ما في كتب الأنبياء لطال الكتاب وأنا أرجو أن أجمع بشارات جميع الأنبياء كتابا مفردا لذلك على وجه التفصيل وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب لعبد الله الترجمان
مقدمة الكتاب | الفصل الأول: (قصة إسلامه) | الفصل الثاني: فيما اتفق في أيام مولانا أبي العباس وولده مولانا أبي فارس عبد العزيز | الفصل الثالث في الرد على النصارى دمرهم الله | الباب الأول في ذكر الأربعة نفر الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وبيان كذبهم لعنهم الله | الباب الثاني في افتراق النصارى على تعدد مذاهبهم وفرقهم | الباب الثالث في بيان فساد قواعد النصارى وهي التي لا يرغب عنها منهم إلا القليل وعليها إجماع جمهم الغفير ونبين الرد عليهم بنص أناجيلهم في كل قاعدة من قواعدهم | القاعدة الأولى في التغطيس وصفته | القاعدة الثانية وهي الإيمان بالتثليث | القاعدة الثالثة وهي اعتقادهم لعنهم الله أن أقنوم الابن التحم بعيسى في بطن مريم وسبب ذلك | القاعدة الرابعة وهي الإيمان بالقربان وصفته | القاعدة الخامسة وهي الإقرار بجميع الذنوب للقسيس وصفة ذلك | الباب الرابع في عقيدة شريعتهم لعنهم الله | الباب الخامس في بيان أن عيسى وإنما هو بشر آدمي مخلوق نبي مرسل عليه الصلاة والسلام | الباب السادس في اختلاف الأربعة الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وبيان كذبهم لعنهم الله | الباب السابع فيما نسبوه لعيسى من الكذب وهم الكاذبون لعنهم الله وعيسى قد برأه الله من جميع أقوالهم واعتقادهم | الباب الثامن فيما يعيبه النصارى دمرهم الله على المسلمين أعزهم الله | الباب التاسع في ثبوت نبوة نبينا محمد بنص التوراة والإنجيل والزبور وتبشير الأنبياء ببعثته ورسالته وبقاء ملته إلى آخر الدهر صلوات الله عليهم أجمعين