→ القاعدة الأولى في التغطيس وصفته | تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب القاعدة الثانية وهي الإيمان بالتثليث المؤلف: عبد الله الترجمان |
القاعدة الثالثة وهي اعتقادهم لعنهم الله أن أقنوم الابن التحم بعيسى في بطن مريم وسبب ذلك← |
القاعدة الثانية وهي الإيمان بالتثليث
وعندهم لا يمكن دخول الجنة إلا بالإيمان بالتثليث على ما شهد لهم أئمة الكفر والضلال لعنهم الله تعالى فيؤمنون بأن الله تعالى عن قولهم ثالث ثلاثة وأن عيسى هو ولد الله وأن له طبيعتين لاهوتية وناسوتية وتلك الطبيعتان صارتا شيئا واحدا، فصار اللاهوت إنسانا محدثا ثاما مخلقا وصار الناسوت إلها تاما خالقا غير مخلوق وبعضهم يقول الثلاثة هم الله وعيسى ومريم. ولا شك في كفر القائلين الملاعين لعنهم الله تعالى ولا يشك ذوا عقل أن كل من له مسكة من العقل يحول نفسه عن اعتقاد هذا الإفك الغثيث البارد السخيف الرذيل الفاسد الذي تنزه عنه عقول الصبيان ويضحك منه ومنهم ذوو الأفهام والأذهان فالحمد لله الذي أخرجني من زمرتهم وعافاني من بليتهم. ويلزمهم على مقتضى قولهم أن المسيح ابن الله أن تكون ذاته كذات الله وله علم كعلمه وقدرة كقدرته إلى سائر الصفات الأزلية وهذا باطل. وبيان بطلانه ما قاله ماركوس في الفصل الحادي عشر من إنجيله إن الحواريين سألو عيسى عليه السلام عن الساعة التي هي القيامة فقال لهم إن ذلك اليوم لا يعلمه الملائكة الذين في السماء ولا يعلمه إلا الأبوحده يعني الله تعالى. فهذا إقرار من عيسى بأنه ناقص علم عن الملائكة وأن الله تعالى هو المنفرد بعلم الساعة وقيامها وأن عيسى لا يعلم إلا ما علمه الله. وفي الفصل العشرين من إنجيل متى أن عيسى حين عزم اليهود على أخذه وقتله تغير في تلك الليلة وحزن حزنا شديدا، وكل من يحزن ويتغير فليس بإله ولا ابن إله عند كل ذي عقل صحيح سوي. وأشنع منه قولهم في هذه القاعدة بأن عيسى له طبيعتان لاهوتية وناسوتية وأنهما صارتا شيئا واحدا والنور والظلمة صارا شيئا واحدا لأن ادعاء هذا في الماء والنار والنور والظلمة إنما كان محالا من جهة أن كل واحد من هذه ضد للآخر وخالق الخلق الغني بذاته وصفاته عنهم المقدس في عظمته وكبريائه عن شبه شيء منهم كيف يتقرر في عقل سليم أنه ما برح بعض مخلوقاته حتى صارا شيئا واحدا فتعالى الله الملك الحق عما يشركون، وأين كان لاهوته لما مات ناسوته لا سيما على قولهم إنهما اتحدا وتمازجا والتحما فما الذي فرق بينهما عندما ضرب جسده وناسوته بالسياط على زعمهم وعصب رأسه بالشوك وصلب على خشبة وطعن بالرماح حتى مات وهو يصيح جزعا وخوفا فأين غاب لاهوته عن ناسوته في هذه الشدائد مع الممازجة والالتحام على قولهم وهم يزعمون لعنهم الله أن لاهوته فارقه عند الصلب والقتل وهبط إلى جهنم فأخرج منها الأنيباء وكان ناوسته في القبر مدفونا حتى رجع لاهوته فأخرجه من القبر ورجع إليه وصعد به إلى السماء وهذه كلها دعاوي باطلة وهي من الكفر الركيك وفضائح لا ترخص لعقل سليم وكيف يزعمون أن لعيسى طبيعتين صارتا شيئا واحدا وفي أناجيلهم ما يشهد بأنه ليس له إلا طبيعة واحدة وهي الآدمية. وبرهان ذلك ما قاله متى في الفصل العاشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام لما انتقل إلى مدينته التي ولد بها استخف به الناس فقال لا يستخف بنبي إلا في مدينته. فهذا إقرار منه بأنه نبي من جملة الأنبياء وليس للأنبياء كلهم إلا طبيعة واحدة آدمية. ويؤيد ذلك أيضا ما قاله شمعون الصفا رئيس الحواريين لليهود عندما نافقوا على المسيح: يا رجال بني إسرائيل اسمعوا مقالتي، إن المسيح هو رجل ظهر لكم من عند الله بالقوة والتأييد والمعجزات التي أجراها الله على يديه وأنتم كفرتم به. هكذا في كتاب قصص الحواريين وهو عند النصارى كالإنجيل فأي خبر أوثق من خبره وأي شاهد أعدل من شمعون الصفا التي تتبرك النصارى بذكره ويؤمنون بكثرة صلاحه وفضله وقد شهد على عيسى بأنه رجل من جملة الرجال الآدميين والأنبياء المرسلين الذين أيدهم الله بالمعجزات وأن كل ما جرى منها على يديه فإنما هو بقدرة الله ليس للمسيح فيه كسب فأين هذا الحق ونوره من ظلمة كفرهم في قولهم إن اللاهوت لما التحم بالناسوت صار إنسانا تاما مخلوقا وصار ناسوت عيسى وهو جسده إلها تاما خالقا غير مخلوق؟ فيا عباد الله تأملوا كيف استحوذ عليهم الشيطان بظلمة الكفر على بصائرهم حتى آمنوا لهذا المحال في العقل والعادة وقلدوا فيه أول الذين اختلقوا لهم هذه العقيدة الشنيعة المرذولة؟ نعوذ بالله من حالهم ومآلهم. وقال لوقا في آخر إنجيله إن عيسى بعد أن قام من قبره لقيه رجلان من تلاميذه وهما قلوباس ولوقا فقال لهما: ما لكما حزينان؟ فقالا له: كأنك غريب وحدك في مدينة بيت المقدس ولم تعلم ما جرى فيها في هذه الأيام من أمر المسيح الذي كان رجلا صادقا مصدقا من الله تعالى في مقاله وأفعاله عند الله وعند الناس. فهذه شهادة تلميذيه أيضا أنه رجل مصدق من الله ليس بخالق ولا إله ولا ابن إله فتعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا.